منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 المجلد الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49229
العمر : 72

المجلد الثالث Empty
مُساهمةموضوع: المجلد الثالث   المجلد الثالث Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2015, 9:17 pm

المجلد الثالث
------------
طُبِعَ عَلَى نَفَقَةِ مَنْ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وجْهَ اللهِ وَالدَار الآخرةَ فجَزاهُ اللهُ عن الإسلام والمسلمينَ خيرًا وغَفَر له ولوالديه ولمن يُعيدُ طِبَاعَتَه أو يُعِيْنُ عليها أو يَتَسبَب لها أو يُشِيرُ على مَنْ يُؤمِلُ فيه الخيرَ أن يَطبَعَه وقفًا للهِ تعالى يُوزَّع على إخوانِهِ المسلمين... اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم.
مَنْ أراد طباعته ابتغاء وجه الله تعالى (لا يريد به عرضًا من الدنيا)؛ فقد أُذن له، وجزى الله خيرًا مَنْ طبعه وقفًا أو أعان على طبعه أو تسبب لطبعه وتوزيعه على إخوانه المسلمين؛ فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله» الحديث رواه أبو داود. وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» الحديث رواه مسلم.
وعن زيد بن خالد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومَنْ خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا» متفق عليه.
يا طالبًا لعلوم الشرع مُجتهدًا ... تَبغي الفوائدَ دَانِيها وقاصِيها
في الفقه أسئلةٌ تُهدَى وأجوبَةٌ ... أَلْمم بها تَرتوي من عَذب صافيها
كَم حُكْمُ شَرْعِ بقال الله مُقترنًا ... أو قالهُ المُصْطَفى أودَعْتُهُ فِيها

-----------------------------------
طُبِع على نفقة مَنْ يَبْتَغِي بذلك وجه الله والدار الآخرة فجزاه اللهُ عن الإسلام والمسلمين خيرًا، وكثر من أمثاله في المسلمين... اللهم صل على محمد وآله وسلم.
----------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - باب الهْدْيِ والأُضْحِيَّةِ
س 1: ما هو الهدي؟ وما هي الأضحية؟ وما حكمها وما دليل الحكم؟ واذكر ما تستحضره من خلاف ورجح لما ترى أنه الأرجح.

ج: الهدي: ما يهدى للحرم من نَعَمٍ وغيرها، والأضحية: ما يذبح من إبل وبقر وغنم أيام النحر بسبب العيد تقربًا إلى الله تعالى، ومشروعيتهما ثابتة بالكتاب والسُّنة والإجماع. أما الهدي: فقال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. ومن السُّنة: ما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة». رواه الشيخان، وقال علي -رضي الله عنه-: «أهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة بَدَنةً، فأمرني بلحومها فقسمتها، وأمرني بجلالها ثم بجلودها فقسمتها» رواه البخاري.
وأما الأضحية فلقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال جمع من المفسرين: المراد التضحية بعد صلاة العيد، ومن السُّنة: حديث أنس «ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر» متفق عليه. قال ابن القيم -رحمه الله-: والذبائح التي هي قربة إلى الله تعالى وعبادة هي الهدي والأضحية والعقيقة، وقال: القربان للخالق يقوم مقام الفدية عن النفس المستحقة للتلف فدية وعوضًا وقربانًا إلى الله وعبودية، ولم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- يدع الهدي، فثبت أنه أهدى مائة من الإبل في حجة الوداع وأرسل هديًا في غيرها ولم يكن يدع الأضحية.
وقد اختلف العلماء فيه فيها، فقيل: إنها سُّنة مؤكدة، وقيل: إنها واجبة. استدل القائلون بأنها سُّنة بما ورد عن جابر، قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن علي بن الحسين عن أبي رافع «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين» الحديث رواه أحمد. وروى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ثلاث كتبن عليّ وهنّ لكم تطوع»، وفي رواية: «الوتر والنحر وركعتا الفجر»؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئًا» رواه مسلم. عله على الإرادة والواجب لا يعلق على الإرادة. وروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجبًا؛ ولأنها ذبيحة لم يجب تفرقة لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة.
وهذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن مسعود -رضي الله عنهم-، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر. وقال ربيعة ومالك والثوري والليث والأوزاعي وأبو حنيفة هي واجبة لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال جمع من المفسرين: المراد التضحية بعد صلاة العيد والأمر للوجوب، ولما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» رواه أحمد وابن ماجه.
والذي يترجح عندي ما قاله الجمهور: أنها سُّنة مؤكدة على من قدر عليها من المسلمين المقيمين والمسافرين إلا الحاج بمنى. فقال مالك: لا أضحية عليهم، اختاره الشيخ تقي الدين وغيره. والله سبحانه أعلم.
ورخص بعض أهل العلم في الأضحية عن الميت، ومنع بعضهم؛ وقول من رخص مطابق للأدلة ولا حجة مع من منع. ومن الأدلة على سنية التضحية عن الميت ما ورد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: «صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عيد الأضحى فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال: «بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي»» رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن علي بن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين؛ فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: «اللهم هذا عن أمتي جميعًا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ»، ثم يؤتى بالآخر فذبحه بنفسه، فيقول: «هذا عن محمد وآل محمد، فيطعمها المساكين» الحديث رواه أحمد، فهذان الحديثان فيهما دلالة واضحة على الأضحية عن الأموات؛ لأن من أمته -صلى الله عليه وسلم- المُضحي عنهم الأحياء والأموات، ولو كانت مختصة بالأحياء لما أهمله -صلى الله عليه وسلم-، وتقدمت الأدلة الدالة على أن من فعل قربة وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت نفعه ذلك. في الجزء الأول في آخر كتاب الجنائز (ص276)

س 2: متى شرعت الأضحية، وهل تجزي من غير بهيمة الأنعام؟ وما الأفضل أضحية من بهيمة الأنعام لمن يريد أن يضحي بأحدها؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.

ج: شرعت في السنة الثانية من الهجرة كالعيدين وزكاة المال وزكاة الفطر. ولا تجزي الأضحية من غير بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم الأهلية؛ لقوله تعالى: {لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}، وقال: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}. والأفضل في هدي وأضحية إبل فبقر فغنم إن أخرج ما أهداه أو ضحى به من بدنة أو بقرة كاملاً لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن» الحديث متفق عليه؛ ولأنها أكثر لحمًا وأنفع للفقراء والأفضل من كل جنس أسمن فأغلى ثمنًا لقوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ}. قال ابن عباس: تعظيمها استسمانها واستحسانها؛ ولأنه أعظم لأجرها وأكثر لنفعها، وقال أبو أمامة عن سهل: كنا نُسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون. رواه البخاري، وروى استفرِهوا ضحاياكم فإنها في الجنة مطاياكم.

س 3: ما أفضل ألوانها وهل يفرق بين الذكر والأنثى في الأضحية؟ وأيما أفضل؟ أضحية بعشرة أو اثنتان بتسعة؟

ج: الأفضل الأشهب وهو الأملح وهو الأبيض النقي البياض. قاله ابن الأعرابي، أو ما بياضه أكثر من سواده. قال الكسائي: لما روى عن مولاة ابن ورقة بن سعيد قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين» رواه أحمد بمعناه. وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين» رواه أحمد. والعفراء التي بياضها ليس بناصع، وقال أبو هريرة: دم بيضاء أحب إلى الله من دم سوداوين. وعن علي بن الحسين عن أبي رافع: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين» الحديث رواه أحمد. وعن أبي سعيد قال: «ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبش أقرن مخب يأكل في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد» رواه الخمسة إلا أحمد وصححه الترمذي.
وعن عائشة: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن بطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد» الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
ثم يلي الأملح الأصفر ثم الأسود، وكلما كان أحسن لونًا فهو أفضل، قال الإمام أحمد: يعجبني البياض وذكر وأنثى سواء؛ لقوله تعالى: { لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } ولم يقل ذكر ولا أنثى.
وقد ثبت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى جملاً كان لأبي جهل في أنفه برة من فضة» رواه أبو داود وابن ماجه. قال أحمد: الخصي أحب إلينا من النعجة؛ لأن لحمه أوفر وأطيب، والخصي: ما قطعت خصيتاه أو سلتا. وقال الموفق –رحمه الله-: الكبش في الأضحية أفضل النعم؛ لأنها أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأفضل من ثنى معز جذع ضأن، قال أحمد: لا تعجبني الأضحية إلا بالضأن؛ ولأنه أطيب لحمًا من ثنى المعز وأفضل من سبع بدنة أو سبع بقرة، وسبع شياه أفضل من بدنة أو بقرة.
وزيادة عدد في جنس أفضل من المغالاة مع عدم التعدد. فبدنتان سمينتان بتسعة أفضل من بدنة بعشرة لما فيه من إراقة الدماء، ورجح شيخ الإسلام البدنة التي بعشرة على البدنتين بتسعة لأنها أنفس.
والذي يترجح عندي أن التعدد أفضل لما فيه من تعدد إراقة الدماء، ولما في التعدد من كثرة الشعر والصوف، فقد ورد عن زيد بن أرقم قال: قلت: أو قالوا: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: «سُّنة أبيكم إبراهيم»، قالوا: ما لنا منها؟ قال: «بكل شعرة حسنة»، قالوا: فالصوف. قال: «بكل شعرة من الصوف حسنة» رواه أحمد وابن ماجه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

س 4: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: السن المجزى في الأضحية، الشاة عن الرجل وأهل بيته وعياله، إذا اشترك جماعة في بدنة أو بقرة وأراد بعضهم قربة وبعضهم لحمًا أو كان بعضهم ذميًا، الجواميس في الهدي والأضحية، إذا ذبح الأضحية على أنهم سبعة فبانوا ثمانية، إذا اشترك اثنان في شاتين على الشيوع، ذا اشترى سبع بدنة أو بقرة ذبحت للحم ليضحي به. اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.

ج: لا يجزي في الأضحية إلا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر، ويدل لإجزائه ما روت أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجزي الجذع من الضأن أضحية» رواه ابن ماجه، والهدي مثله، والفرق بين جذع الضأن والمعز أن جذع الضأن ينزو فيلقح بخلاف الجذع من المعز، قاله إبراهيم الحربي.
ويعرف كونه أجذع بنوم الصوف على ظهره، ولا يجزي إلا الثني مما سواه، فثني الإبل ما كمل له خمس سنين، وثني بقر ما له سنتان كاملتان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تذبحوا إلا مسنة؛ فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن» رواه مسلم. والثنية من البقر هي المسنة، وثني معز ما له سنة كاملة. وقال الشيخ تقي الدين: يجوز التضحية بما كان أصغر من الجذع من الضأن لمن ذبح قبل صلاة العيد جاهلاً بالحكم إذا لم يكن عنده ما يعتد به في الأضحية وغيرها، لقصة أبي بردة ويحمل قوله –عليه الصلاة والسلام-: «ولن تجزي عن أحد بعدك أي بعد ذلك» قاله في «الإنصاف».
وتجزي الشاة عن واحد وعن أهل بيته وعياله مثل امرأته وأولاده ومماليكه لما ورد عن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الأضحية فيكم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: كان الرجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهي الناس فصاروا كما ترى. رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن الشعبي عن أبي سريحة، قال: حملني أهلي على الجفاء بعدما علمت من السنة، كان أهل البيت يضحون باشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا. رواه ابن ماجه، ولحديث: «على كل أهل بيت في كل عام أضحية».
وإن اشترك ثلاثة في بدنة أو بقرة أوجبوها على أنفسهم لم يجز أن يشركوا غيرهم فيها.
وإن ذبح قوم على أنهم سبعة فبانوا ثمانية ذبحوا شاة وأجزأهم ذلك، وإذا اشترك اثنان في شاتين على الشيوع أجزأ ذلك عنهما، وتجزي بدنة أو بقرة عن سبعة، روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة لحديث جابر: «نحرنا بالحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - البدنة والبقرة عن السبعة» رواه مسلم. ويعتبر ذبح البدنة والبقرة عنهم لحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، وسواء أراد كلهم قربة أو أراد بعضهم لحمًا أو كان بعضهم مسلمًا وأراد القربة وبعضهم ذميًا، ولكل ما نوى؛ لأن الجزء المجزي لا ينقص أجره بإرادة الشريك غير القربة ولو اختلفت جهات القربة والقسمة إفراز لا بيع. وإذا اشترى سبع بدنة أو بقرة ذبحت للحم، فهو لحم اشتراه وليست أضحية. والجواميس في الهدي والأضحية كالبقرة في الإجزاء والسن وإجزاء الواحدة عن سبعة؛ لأنها نوع منها. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

س 5: تكلم بوضوح عما يلي: الجماء، البتراء، الخصي، مرضوض الخصيتين، ما خلق بلا أذن، ما ذهب نصف أليته، العوراء، قائمة العين مع ذهاب إبصارها، العجفاء، الهزيلة، العوجاء، المريضة، الجداء، الهتماء، الصمعاء، العضباء، المعيبة... إلخ.

ج: يجزي في الأضحية والهدي: جماء: لم يخلق لها قرن، وبتراء: لا ذنب لها خلقة أو مقطوعًا، وتجزي صمعاء: وهي صغيرة الأذن، وخصي: ما قطعت خصيتاه أو سلتا، ومرضوض الخصيتين: لأنه -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين مرجوءين، والوجوء: رض الخصيتين، ويجزي في هدي وأضحية من إبل وبقر أو غنم ما خلق بغير أذن، أو ذهب نصف إليته فما دون.
ولا يجزي فيهما قائمة العينين مع ذهاب إبصارهما؛ لأن العمى يمنع مشيها مع رفيقتها ويمنع مشاركتها في العلف، وفي النهي عن العوراء التنبيه على العمياء. ولا يجزي فيها عجفاء لا تنقي وهي الهزيلة التي لا مخ فيها ولا عرجاء لا تطيق مشيًا مع صحيحة، ولا بينة المرض لحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تنقى» رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وعن أبي سعيد قال: اشتريت كبشًا أضحي به فعدا الذئب فأخذ الألية، قال: فسألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «ضح به» رواه أحمد. ولا تجزي جداء وهي الجدباء، وهي ما شاب ونشف ضرعها؛ لأنها في معنى العجفاء بل أولى. ولا تجزي فيهما هتماء وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها كالتي قبلها، ولا يجزي فيهما خصي مجبوب، ولا عضباء وهي ما ذهب أكثر أذنها أو أكثر قرنها لحديث علي قال: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضحى بأعضب الأذن والقرن» قال: ذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العضب النصف فأكثر. رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وتكره معيبة الأذن والقرن بخرق أو شق أو قطع لنصف منهما فأقل، لحديث علي «أُمرنا أن نستشرق العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء» أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
وروى يزيد ذو مصر، قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي، فقلت: يا أبا الوليد، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئًا يعجبني غير ثرماء، فما تقول؟ قال: ألا جئتني أضحي بها، قال: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني، فقال: نعم، إنك تشك ولا أشك؛ إنما «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المضفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء. فالمضفرة التي تستأصل أذنها متى تبدو صماخها، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفًا وضعفًا، والكسراء التي لا تنقى» رواه أبو داود وأحمد والبخاري في «تاريخه»، وفي «الاختيارات الفقهية»: وتجزي الهتماء التي سقط بعض أسنانها في أصح الوجهين (ص120).

س 6: تكلم عن صفة ذبح بهيمة الأنعام مقرونة بالدليل.

ج: السُّنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، لما روى زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنة لينحرها، فقال: «ابعثها قائمة مقيدة سُّنة محمد - صلى الله عليه وسلم - » متفق عليه. وروى أبو داود بإسناده عن عبد الرحمن بن سابط: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة، وقيل في تفسير قوله تعالى: { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } أي قيامًا؛ لكن إن خشي أن تنفر عليه أناخها. والسُّنة ذبح بقر وغنم على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة؛ لقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً } ولحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين ذبحهما بيده. ويجوز ذبح الإبل ونحر البقر والغنم، ويحل لأنه لم يجاوز محل الزكاة ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ما أنهر الدم وذكر اسم الله، فكل».

س 7: اذكر ما يقوله الذابح مقرونًا بالدليل.

ج: يسمى وجوبًا حين يحرك يده بالنحر أو بالذبح؛ لقوله تعالى: { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا } ، وقوله: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } وتسقط التسمية سهوًا، ويكبر استحبابًا، ويقول: اللهم هذا منك ولك؛ لما روي عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذبح يوم العيد كبشين، ثم قال حين وجههما: « { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ } { إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ } بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك»» رواه أبو داود.
وإن قال بعد هذا: اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك فحسن لمناسبة الحال، وفي حديث لمسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد». وفي كتاب المهذب: والمستحب أن يقول: اللهم تقبل مني؛ لما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: ليجعل أحدكم ذبيحته بينه وبين القبلة، ثم يقول: من الله وإلى الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا ضحى قال: من الله والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني.

س 8: تكلم عن إسلام الذابح ونيته، وحضور ذبحها، والتوكيل في ذلك، والدليل أو التعليل.

ج: سن إسلام ذابح لأنها قربة، ويكره أن يوكل في ذبح أضحيته ذميًا كتابيًا؛ لقول علي وابن عباس وجابر ولحديث ابن عباس الطويل مرفوعًا: «لا يذبح ضحاياكم إلا طاهر».
ولا تحل ذكاةُ وثنِيّ ومجوسي ومرتد، والمستحب أن يتولى المُهدي أو المُضحي الذبح أو النحر بنفسه لحديث أنس - رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، ووضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر فذبحهما بيده؛ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - نحر مما ساقه في حجته ثلاثًا وستين بدنة.
ويجوز أن يستنيب غيره؛ لما روى جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر ثلاثًا وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليًا - رضي الله عنه - فنحر ما غير» الحديث رواه أحمد ومسلم. ويستحب لمن وكل في تذكية أضحيته أن يحضرها؛ لأن في حديث ابن عباس الطويل: واحضروها إذا ذبحتم فإنه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها. وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: «احضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها». ولا بأس أن يقول الوكيل: اللهم تقبل من دمها، ولا بأس أن يقول الوكيل: اللهم تقبل من فلان أي الموكل له. وتعتبر النية من الموكل وقت التوكيل في الذبح، وفي «الرعاية»: ينوي الموكل كونها أضحية غير الذكاة أو الدفع إلى الوكيل وإن كانت الأضحية معينة فلا تعتبر النية ولا تعتبر تسمية المضحى عنه اكتفاء بالنية.

س 9: تكلم بوضوح عن وقت ذبح أضحية، وهدي نذر أو تطوع، وهدي متعة وقران، وعما إذا فاتت الصلاة بالزوال، وبين حكم الذبح ليلاً ووقت الأفضل في الذبح، وإن فات وقت الذبح فما الحكم، وما هي شروط الأضحية. واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.

ج: وقت الذبح أوله من بعد أسبق صلاة العيد ولو قبل الخطبة؛ لحديث جندب بن عبد الله البجلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى»، وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى» متفق عليه. وقيل: لابد من صلاة الإمام وخطبته وهو مذهب مالك، ورواية عن الإمام أحمد. قال في «الكافي»: وأول وقت الذبح في حق أهل المصر إذا صلى الإمام وخطب يوم النحر، انتهى. استدل له ما في الرواية الأخرى من حديث جندب، قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح. الحديث متفق عليه.
والأفضل أن يكون الذبح بعد الصلاة وبعد الخطبة وذبح الإمام إن كان خروجًا من الخلاف، ولو سبقت صلاة إمام في البلد جاز الذبح أو بعد قدرها بعد دخول وقتها في حق من لا صلاة في موضعه كأهل البوادي من أهل الخيام والخركاوات ومحوهم؛ لأنه لا صلاة في حقهم معتبرة فوجب الاعتبار بقدرها؛ فإن فاتت بالزوال ذبح عند الزوال فما بعده إلى آخر ثاني أيام التشريق، فأيام النحر ثلاثة: يوم العيد ويومان بعده. وهو قول عمر وابنه وابن عباس وأبو هريرة وأنس. وروي أيضًا عن علي، قال أحمد: أيام النحر ثلاثة من غير واحد م أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ويستحيل أن يباح ذبحها في وقت يحرم أكلها فيه، ونسخ أحد الحكمين لا يلزم منه رفع الأجزاء.
وقال - رضي الله عنه - : أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده. وقال عطاء والحسن وغيرهما: وهذا مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره ابن المنذر والشيخ تقي الدين وغيرهما، قال ابن القيم: ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى وأيام التشريق، ويحرم صومها فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع، وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح» وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما الذبح في الليل فيكره خروجًا من خلاف من قال بعدم جوازه فيها كمالك، قال الوزير: اتفقوا على أنه يجوز ذبح الأضحية ليلاً في وقتها المشروع لها كما يجوز في نهاره إلا مالكًا، وأبو حنيفة يكرهه مع جوازه، والتضحية وذبح هدي في أول أيام الذبح وهو يوم العيد أفضل وأفضله عقب الصلاة والخطبة وذبح الإمام إن كان لما فيه من المبادرة والخروج من الخلاف؛ فإن فات الوقت للذبح قضي الواجب وفعل به كالأداء المذبوح في وقته، كما لو ذبحها في وقته فلا يسقط الذبح بفوات وقته كما لو ذبحها في وقتها، ولم يفرقها حتى خرج وسقط التطوع بخروج وقته لأنه سُّنة فات محلها، فلو ذبحه وتصدق به كان لحمًا تصدق به، ووقت ذبح هدي واجب بفعل محظور من حين فعل المحظور كالكفارة بالحنث، وإن أراد فعله لعذر يبيحه فله ذبحه قبل فعل المحظور لوجود سببه، كإخراج كفارة عن يمين بعد حلف، وقيل: حنث، وكذا دم وجب لترك واجب في حج أو عمرة فيدخل وقته من تركه.

وشروط أضحية أربعة:
1- نعم أهلية.
2- سلامتها من عيوب مضرة.
3- دخول وقت ذبح.
4- صحة ذكاة أن يذبحها مسلم أو كتابي. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

من النظم مما يتعلق بالهدي والأضحية:
هذا بيان الهدي إن كنت مهديًا ... وقربان من يبغي تقرب مهتد
فحافظ على تجويده تلقه غدًا ... وسام أولى العزم الكرام وجود
ففي كل شعر منه والوبر قربة ... وللفضل في شهب وصفر فأسود
وأفضلها كوم من البدن بعدها ... من البقر انحر ثم للغنم إقصد
ومجزؤها جذع من الضأن ثم من ... سواها ثني مجزئ فيهما قد
فيجزئ باستكمال ستة أشهر ... ومن معز مستكمل الحول فاحدد
ومن بقر ما جاز عامين عمره ... ومن إبل خمس السنين فقيد
وتجزئ إحدى البدن عن سبعة ... مع التشارك قبل الذبح لا بعده اشهد
فإن بان فيهم ثامن بعد ذبحها ... فيجزئ معها ذبحهم شاة أمهد
وسبع من الأغنام تعدل ناقة ... وخير من التشريك شاة لمفرد
ويجزئ سبع مع شريك لقربة ... سواها ومن لم يبغ غير المقدد
ولم يجز مع عيب يضر بلحمها ... ومانع تكميل الفداء للتزيد
فلا تجزئ العوراء ع خسف عينها ... ووجهين في عميائها لم توهد
ولا تجزئ العجفاء يا صاح فيهما ... وذلك ما لا مخ فيه لقصد
ولا عاجز خلف القطيع لسقمه ... ومعضوب جل القرن وأذنه أصدد
ولا تجزئ العمياء وما جف ضرعها ... ولا ذات هتم من أصول المحدد
ولا كل مجبوب ووجهان خذهما ... ببتراء والجماء غير مفند
ويكره عيب في الأذان بخرقها ... وشق وقطع دون نصف محدد
ويجزئ خصي لم يجب وضحين ... بأي مكان شئت ما لم تقيد
وسُّنة نحر البدن قائمة أنت ... ومعقولة اليسرى بطعن محدد
بنقرة أصل الصدر في رأس صدرها ... وقطعك مشروط الذكاة فأكد
وذبحك غير البدن يا صاح سُّنة ... ولا بأس في عكس لفعل معدد
وسم وكبر ثمت انو لذبحها ... وأن تترك الأولى بفعلك فاشهد
فإن لم تسمى ساهيًا فمباحة ... على أشهر الأقوال عكس التعمد
ويحرم ذبح من مجوس وعابد ... سوى الله والمرتد والمتولد
ومن لبة المنحور موضع ذبحه ... إلى الرأس أنى شئت في العنق اقدد
وبشرط قطع الحلق ثم مريه ... وعنه مع الأوداج فارو وأسند
وبكره إعجاله بقطعك عضوها ... قبيل زهوق الروح مع حله اشهد
وعن ذبح حمل الأم يجزي ذبحها ... إذا بان كالمذبوح أو ميتًا قد
وميقات ذبح الهدي عن ترك واجب ... وعن فعل محظور متى شئت فاقدد
من الزمن المحتوم إيجابه به ... وإن تستبح للعذر إن شئت فابتدي
وبعد صلاة العيد أو بعد قدرها ... لمن لم يصل وقت ذبح المرصد
لأضحية والهدي عن متعة وعن ... قران وهدي النذر فافقه وحدد
وقد قيل من بعد الصلاة وخطبة ... وقد قيل مع ذبح الإمام المقلد
فإن لم يصليها الإمام بمصره ... فبعد الزوال الذبح حسب فقيد
ويومان بعد العيد مع ليلتيهما ... وفي الليل قول لا يجوز فقلد
فإن فات فاقض الفرض حتمًا ونقله ... لتنحر فإن تقضي تثابن وتحمد


2- فصل فيما يتعلق به الهدي والأضحية
س 10: تكلم عما يتعين به الهدي والأضحية وما لا يتعين به، وحكم نقل الملك فيما تعين، وحكم تعيين معلوم العيب، وإذا بانت معينة مستحقة، وحكم ركوبها.

ج: يتعين هدي بقوله: ها هدي، أو بتقليده النعل أو العرى وآذان القرب بنية كونه هديًا أو بإشعاره بنية الهدي لقيام الفعل الدال على المقصود مع النية مقام اللفظ كبناء مسجد، ويأذن للناس في الصلاة فيه، وتتعين أضحية بقوله: هذه أضحية. ويتعين كل من الهدي والأضحية بقوله: هذا أو هذه لله ونحوه، ولا يتعين هدي ولا أضحية بنية ذلك حال الشراء؛ لأن التعيين إزالة ملك على وجه القربة، فلم يؤثر فيه مجرد نية كالعتق والوقف، ولا يتعين هدي ولا أضحية بسوقه مع نيته كإخراجه مالاً للصدقة به فلا يلزمه التصدق به للخير، وما تعين من هدي أو أضحية جاز نقل الملك فيه، وشراء خير منه لحصول المقصود به مع نفع الفقراء بالزيادة، ولا يجوز بيع ما تعين في دين ولو بعد موت، وإن لم يترك غيره كما لو كان حيًا، وتقوم ورثته مكانه في أكل وصدقة وهدية، وإن عين معلوم عيبه في هدي أو أضحية تعين، وكذا لو عين معلوم العيب مما في ذمته من هدي أو أضحية فيلزمه ذبحه، ولا يجزئه هديًا ولا أضحية، ويملك ردّ ما علم عيبه بعد تعينه كما يملك أخذ أرشه، ولو بانت معيبة مستحقة لزمه بدلها، ويباح لمهد ومضح أن يركب هديًا وأضحية معينين لحاجة فقط بلا ضرر.
قال الله تعالى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ } ، قال أحمد: لا يركبها إلا عند الضرورة، وهو قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا» رواه أبو داود. ولأنه تعلق بها حق المساكين فلم يجز ركوبها من غير ضرورة كملكهم، وإنما جوز عند الضرورة للحديث؛ فإن نقصها الركوب ضمن النقص لأنها تعلق بها حق غيره؛ وأما ركوبها مع عدم الحاجة ففيه روايتان: إحداهما: لا يجوز لما تقدم. والثانية: يجوز لما روى أبو هريرة: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: «اركبها»، فقال: يا رسول الله، إنها بدنة. فقال: «اركبها» ويلك في الثانية أو في الثالثة» متفق عليه.

س 11: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا ولدت معينة من هدي أو أضحية، شرب لبنها، جز صوفها، ونحوه، إعطاء الجزار منها، ماذا يعمل بجلدها وجلها، بيع شيء منها إذا سرق مذبوح من هدي أو أضحية، إذا ذبح في وقتها بلا إذن ربها واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.

ج: إن ولدت معينة ابتداء أو عما في ذمته من هدي أو أضحية ذبح ولدها معها؛ لأنه تبع لأمه سواء كان حملاً حين التعيين أو حدث بعده إن أمكن حمله أو سوقه إلى النحر، وإلا يمكن حمله ولا سوقه فهو كهدي عطب، ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، ولم يضرها ولا نقص لحمها؛ لما روي عن علي - رضي الله عنه - أن رجلاً سأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إني اشتريت هذه البقرة لأضحي بها، وأنها وضعت هذا العجل، فقال: «لا تحلبها إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعة» رواه سعيد والأثرم. وقال أبو حنيفة: لا يحلبها ويرش على ضرعها الماء حتى ينقطع اللبن؛ فإن احتلبها تصدق به؛ لأن اللبن متولد من الأضحية الواجبة، فلم يجز لمضح الانتفاع به كالولد والذي يترجح عندي القول الأول؛ ولكن الصدقة به أفضل خروجًا من الخلاف. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ويباح أن يجز صوفها ونحوه كوبرها وشعرها لمصلحة، كما لو كانت تسمن به وله الانتفاع به وبجلدها كلبنها؛ لما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: دفت دافة من أهل البادية حضرت الأضحى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ادخروا الثالث وتصدقوا بما بقي» فلما كان بعد ذلك، قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله، لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويحملون من الودك ويتخذون من الأسقية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «وما ذاك؟» قالوا: يا رسول الله، نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنما نهيتكم من أجل الدافة، فكلوا وتصدقوا وادخروا» فدل على أنه يجوز اتخذ الأسقية منها، وكان مسروق وعلقمة يدبغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه؛ فإن كان بقاء الصوف ونحوه أنفع لها لقيها حرًا أو بردًا حرم جزه. ويستحب أن يتصدق بالجلد والصوف ونحوه.
ويحرم بيع شيء منها أي الذبيحة، هديًا كانت أو أضحية، ويحرم بيع الجلد والجل، لما ورد عن علي - رضي الله عنه - قال: «أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنة، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها» الحديث متفق عليه. وللمضحي والمهدي إعطاء الجازر منها هدية وصدقة؛ لما في حديث علي: وأن لا أعطي الجزر منها شيئًا، وقال: «نحن نعطيه من عندنا» متفق عليه؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي قتادة بن النعمان: «ولا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصدقوا واستمتعوا بجلودها».
قال الميموني: قالوا لأبي عبد الله: فجلود الأضحية نعطيها السلاخ، قال: لا، وحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تعط في جزارتها شيئًا منها»، قال: إسناده جيد، وإن عين أضحية أو هديًا فسرق بعد الذبح، فلا شيء عليه. وكذا إن عينه عن واجب في الذمة، ولو كان وجوبه في الذمة بالنذر، فلا شيء فيه؛ لأنه أمانة في يده، فلا يضمنه بتلفه بلا تعد ولا تفريط كوديعة، وإن لم يعين ما ذبحه عن واجب في ذمته، وسرق ضمن.
وإن ذبح المعينة من هدي أو أضحية ذابح في وقتها بلا إذن ربها؛ فإن نواها عن نفسه مع علمه أنها أضحية الغير لم تجز واحدًا منهما، أو نواها عن نفسه ولم يعلم أنها أضحية الغير وفرق لحمها لم تجزئ عن واحد منهما، وضمن ذابح ما بين قيمتها صحيحة ومذبوحة إن لم يفرق لحمها، وضمن قيمتها صحيحة إن فرقه؛ لأنه غاصب متلف عدوانًا، وإلا يكن الذابح يعلم أنها أضحية الغير بأن اشتبهت عليه، ولم يفرق لحمها أو علمه ونواها عن ربها أو أطلق أجزأت عن مالكها، ولا ضمان.

س 12: تكلم عن أحكام ما يلي: إذا ضحى اثنان كل بأضحية الآخر غلطًا، إذا أتلف المعينة أجنبي أو صاحبها، إذا مرضت فخاف عليها، إذا فضل عن شراء المثل شيء.

ج: إذا ضحى اثنان كل منهما بأضحية الآخر غلطًا كفتهما، ولا ضمان على واحد منهما للآخر استحسنًا لإذن الشرع فيه، ولو فرقا اللحم، وإن بقي لحم ما ذبحه كل منهما تراداه؛ لأن كل منهما أمكنه أن يفرق لحم أضحيته بنفسه، فكان أولى به. وإن أتلفها أجنبي أو أتلفها صاحبها فضمنها بقيمتها يوم التلف تصرف قيمتها في مثلها لتعينها بخلاف من تعين لعتق، فلا يلزمه صرف قيمته في مثله، ولو مرضت معينة فخاف صاحبها عليها موتًا، فذبحها، فعليها بدلها لإتلافه إياها، ولو تركها بلا ذبح فماتت، فلا شيء عليه؛ لأنها كوديعة عنده، ولم يفرط.
وإن فضل شيء عن شراء المثل، بأن كان المتلف شاة مثلاً تساوي عشرة، ورخصت بحيث يساوي مثلها خمسة اشترى بالفاضل عن شراء المثل شاة، أو اشترى به سبع بدنة، أو سبع بقرة إن أمكن، وإن شاء اشترى بالعشرة كلها شاة؛ فإن لم يبلغ الفاضل ثمن شيء من ذلك تصدق به أو بلحم يشتري به، ويتصدق به.

س 13: تكلم عن الهدي العاطب، وجعل علامة على الهدي ليعرف، وعن ما إذا تلف أو عاب، وعما إذا سرق المعين في الذمة، وتكلم عن استرجاع العاطب والمعيب والضال.

ج: إن عطب بطريق هدي واجب، أو تطوع بنية دامت، أو عجز عن المشي صحبة الرفاق ذبحه موضعه وجوبًا، وسن غمس نعله في دمه، وضرب صفحته بالنعل المغموسة في دمه لتعرفه الفقراء فتأخذه.
وحرم أكله أو أكل حاضنه من الهدي الذي عطب ونحوه لحديث ابن عباس أن ذؤيبًا أبا قبيصة حدثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث معه بالبدن، ثم يقول: «إن عطب منها شيء فخشيت، فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب بها صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك» رواه مسلم. وفي لفظ: «ويخليها والناس، ولا يأكل منها هو، ولا أحد من أصحابه» رواه أحمد.
وعن ناجية الخزاعي، وكان صاحب بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: قلت كيف أصنع بما عطب من البدن، قال: «انحره واغمس نعله في دمه، واضرب صفحته، وخل بين الناس وبينه، فليأكلوه» رواه الخمسة إلا النسائي. وإن تلف الهدي أو عاب بفعله أو تفريطه، لزمه بدله كأضحية، يوصله إلى تمراء الحرم، وإلا يتلف أو يعيب بفعله أو تفريطه أجزأ ذبح ما تعيب عن واجب بالتعيين كتعيينه معينًا، فبرئ عن عيبه؛ لحديث أبي سعيد قال: ابتعنا كبشًا نضحي به، فأصاب الذئب من أليته، فسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - : «فأمرنا أن نضحي به» رواه ابن ماجه.
وإن وجب ما تعيب، بلا فعله ولا تفريطه، قبل تعيين كفدية من دم متعة وقران، أو لترك واجب أو فعل محظور، وكدم منذر في الذمة إذا عين عند ما تعيب، فلا يجزيه ذبحه عما في ذمته؛ لأن الواجب دم صحيح، فلا يجزي عنه معيب. وعليه نظير ما تعيب، ولو راد الذي عينه عما في ذمته كدم تمتع، عين عنه بقورة مثلاً فتعيَّبت بفعله أو تفريطه يلزمه بقرة نظيرها لوجوبها بالتعيين.
وإن كان بغير تفريطه ففي «المغني» لا يلزمه أكثر مما كان في ذمته؛ لأن الزيادة وجبت بتعيينه، وقد تلفت بغير تفريطه فسقطت كما لو عين هديًا تطوعًا، ثم تلف. قاله في القاعدة الحادية والثلاثين ومعناه في الشرح. وكذا لو سرق المعين عما في الذمة أو ضل ونحوه، كما لو غضب فيلزمه نظيره، ولو زاد عما في الذمة. قال أحمد: من ساق هديًا واجبًا، فعطب أو مات، فعليه بدله.
وليس له استرجاع عاطب ومعيب وضال ومسروق وجد ونحوه، كمغصوب قدر عليه؛ لما روى الدارقطني عن عائشة: أنها أهدت هديين فأضلتهما، فبعث إليها ابن الزبير بهديين، فنحرتهما، ثم عاد الضالان، فنحرتهما، وقالت: هذه سُّنة الهدي، ولتعلق حق الله به، بإيجابه على نفسه، فلم يسقط بذبح بدله.



المجلد الثالث 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:17 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49229
العمر : 72

المجلد الثالث Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2015, 9:26 pm

س 14: متى يجب سوق الهدي؟ ومتى يُسن؟ وما الذي يُسن إشعاره، والذي لا يُسن؟ وأين موضع الإشعار؟ وأين موضع التقليد؟ وما حكمه؟ وإذا نذر هديًا وأطلق فما المجزئ؟ وإذا نذر فهل تجزئ البقرة؟ وتكلم عما إذا عين شيئًا بنذر، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.

ج: يجب هدي بنذر لحديث: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ولأنه نذر طاعة، فوجب الوفاء به كغيره من النذر، وسواء كان منجزًا أو معلقًا.
ومن النذر إن لبست ثوبًا من غزلك فهو هدي فلبسه، ونحوه من النذور المعلقة، على شرط إذا وجد وسن سوق حيوان أهداه من الحل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، فساق في حجة الوداع مائة بدنة، وكان يبعث بهديه إلى الحرم وهو بالمدينة. ولا يجب سوقه أي الهدي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر به. والأصل عدم الوجوب إلا بالنذر؛ لحديث: «من نذر أن يطيع الله، فليطعه»، ويستحب أن يقفه بعرفة، روي عن ابن عباس، وكان ابن عمر لا يرى هديًا إلا ما وقفه بعرفة. وسن إشعار بدن، وإشعار بقر بشق صفحته اليمنى من سنام أو شق محل السنام، مما لا سنام له من إبل أو بقر حتى يسيل الدم.
وسن تقليدهما مع غنم النعل وآذان القرب والعري؛ لما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فتلت قلائد بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أشعرها، ثم بعث بها إلى البيت، فما حرم عليه شيء كان له حلاً متفق عليه. وعن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى مرة إلى البيت غنمًا، فقلدها. رواه الجماعة، وفعله الصحابة أيضًا؛ ولأنه إيلام لغرض صحيح فجاز، كالكي والوسم والحجامة، وفائدته توقي نحو لص لها وعدم اختلاطها بغيرها؛ وأما الغنم فلا تشعر لأنها ضعيفة، وصوفها وشعرها يستره؛ وأما تقليده، فلحديث عائشة –وتقدم قبل ثلاثة أسطر-.
وإذا ساق الهدي من قبل الميقات، استحب إشعاره وتقليده في الميقات؛ لما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ناقته، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها وقلدها نعلين» الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. وعن المسور بن مخرمة ومروان، قالا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدي، وأشعره وأحرم بالعمرة. رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وإذا نذر هديًا مطلقًا، فأقل مجزي عن نذره شاة جذع ضأن، أو ثني معز، أو سبع من بدنة، أو بقرة لحمل المطلق في النذر على المعهود الشرعي. وإن ذبح البدنة أو البقرة كانت كلها واجبة لتعينها عما في ذمته بذبحها عنه، وإن نذر بدنة أجزأُته بقرة إن أطلق البدنة لمساواتها لها. وإن نذر معينًا أجزأه ما عينه، ولو كان صغيرًا أو معيبًا أو غير حيوان، كعبد وثوب ودراهم وعقار، والأفضل كون الهدي من بهيمة الأنعام، لفعله -صلى الله عليه وسلم-.

س 15: أين محل الهدي عند الإطلاق وعند التعيين للموضع؟ تكلم بوضوح عن الدماء التي يؤكل منها والتي لا يؤكل منها، واذكر ما تستحضره من الدليل والتعليل.

ج: على الناذر إيصاله إن كان مما ينقل، أو إيصاله ثمن غير منقول كعقار لفقراء الحرم، لقوله تعالى: { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ } ولأن النذر يحمل على المعهود شرعًا، وسُئل ابن عمر عن امرأة نذرت أن تهدي دارً، قال: تبيعها وتتصدق بثمنها على فقراء الحرم، وكذا إن نذر سوق أضحية إلى مكة أو قال: لله عليَّ أن أذبح فيلزمه للخير.
وإن عين بنذره شيئًا غير الحرم، ولا معصية فيه، تعين ذبحًا وتفريقًا لفقراء ذلك الموضع؛ فإن كان الموضع الذي عينه به صم أو شيء من أمر الكفر أو المعاصي، كبيوت النار، والكنائس ونحوها، فلا يوف بنذر.
لما ورد عن ميمونة بنت كردم قالت: كنت ردف أبي فسمعته يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله، إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال: «أهي وثن أو طاغية» قال: لا، قال: «أوف بنذرك» رواه أحمد وابن ماجه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا، مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية. قال: «لصنم؟» قالت: لا. قال: «لوثن؟» قالت: لا، قال: «أوف بنذرك» رواه أبو داود؛ ولأن نذر المعصية يحرم الوفاء به لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا نذر في معصية الله؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : «ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه».
وسن أكله وتفرقته من هدي التطوع لقوله تعالى: { فَكُلُوا مِنْهَا } وأقل أحوال الأمر الاستحباب، وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث، فرخص لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «كلوا وتزودوا، فأكلنا وتزودنا» رواه البخاري، والمستحب أكل اليسير؛ لحديث جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها» رواه أحمد ومسلم؛ ولأنه نسك، فاستحب الأكل منه كأضحية.

مما يتعلق بالهدي والأضحية
وتعيين هدي التلفظ حاصل ... وإشعاره مع نية وتقلد
وأضحية باللفظ لا باشترائه ... بنيته حال الشراء في الموطد
فما لم يعين منهما لك ظهره ... وما زاد واسترجاع ما لم تقدر
وليس يزيل الملك تعيين هديه ... وأضحية من قبل ذبح بأوطد
فإن شا يهبها أو يبيعها ويبدلن ... بأجود في الأولى ومثل بمبعد
وإن تفتقر فاركب إذا لم يضرها ... ومع ذبحها إيجاب ذبح المؤكد
ويضمنها إن نقصها بركوبها ... لتعليق حق الغير ياذا الترشد
ومن درها فاشرب عن الولد فاضلاً ... وجز متى ينفع وللفقر أجد
ولا تعط جزارًا من اللحم أجرة ... ولا جلدها حتمًا ولا الشعر وارقد
وإن شئت أبقيه لنفعك دائمًا ... إذا كان من أضحية لا من الهدي
وأما الهدايا الواجبات فكلها ... إلى أهلها أوصل بغير تقيد
وإن سرقت من بعد ذبحك أجزأت ... وفي أي وقت مجزئ ذبح معتد
ولا غرم أن ينوي بذبح لربها ... كذلك أن ينوي له في المؤكد
وعن أحمد الزمه في ذا ضمانها ... ولم يجز عن كل على نص أحمد
ومتلفها ألزمه قيمتها وإن ... يكن ربها ألزمه بالمتزيد
من المثل أو من قيمة يوم هلكها ... وقيل من التعيين حتى التفسد
فإن مثلها أدى وأخرجه فاضلاً ... أجز واشترى مقدارها وبه جد
وليس عليه غرم ثاو وضائع ... بلا رهنه وانحر لخوف الردى قد
فإن مات لم يذبحه مع خوف هلكه ... ضمنت لتفريط وإلا فلا أشهد
وإن يتعيب بعد إجراء ذبحه ... وكان له هديًا وأضحية زد
إذا كان عن هدي عليك محتم ... وإلا فلا تضمن إذا لم تنكد
وإن كل هدي واجب عن محله ... فذاك متى أفشى نواه وجدد
ومن دمه عَلِّم بصفحته لكي ... تدل على تحليله كل مرمد
ولا يأكلن منه ولا رفقة له ... وسيان ذو وفر وفقر ملدد
كذا حكم هدي النقل إن لم يعد فإن ... يعد قبل ذبح فهو ملك له طد
ولا فرق في الأحكام بين معين ... بنقل وعما كان في الذمة اطرد
وإن بنو أو ما ضل أو غاب أو عطب ... فضمنه ما في ذمة بمجدد
ولا ترجعن في عاطب ومعيبه ... وضائعه من بعد ذبح بأوكد
وموصل هدي لم يعين محله ... سليمًا فذاك يجزي عن متقصد
ويشرع سوق الهدي من حله وأن ... توقفه في الموقف المتأكد
وإشعار بدن في يمين سنامها ... وتقليد كل نحو نعل مقدد
ولا شيء فيما قد تقدم واجب ... وموج هدي نذره غير ما ابتدى
وتجزئ في الإطلاق شاتك عن دم ... كذا سبع إحدى البدن والبقر احدد
وواجبها سبع إذا ما ذبحتها ... بوجه ووجه كلها واجب جد
ويجزيك ما أجزأك أضحية وما ... يرد بعيب في الضحايا هنا اردد
ومنها تعين يجر إيصاله إلى ... ربا مكة من غير تعيين مقصد
ولو إنه نذر معب وإن ترد ... سوى مكة في النذر يلزم فاقصد
ويشرع ترك الأكل من هدي نقله ... لإخراجه لله جد لا تردد
ولا يطمعن من واجب المهدي محرم ... سوى الأكل من هدي لغير المفرد
يحرم أكل من هدايا نذوره ... وأكلك أيضًا من هدايا التصيد
وقولان في تحليل باقي دمائه ... التي وجبت في المذهب النفل فاعمد


س 16: متى تجب الأضحية؟ وأيما أفضل ذبحها أم الصدقة بثمنها؟ وما صفة العمل بلحمها؟ وما حكم الأكل منها؟ وما الذي يضمن منها؟ وهل لمالكها لإهداء منها، وإذا منع الفقراء اللحم حتى أنتن، فما الحكم؟ وهل يكفي إطعام الفقير عن تمليه، وما حكم الادخار؟ واذكر الدليل أو التعليل.

ج: تجب الأضحية بالنذر لحديث: «من نذر أن يطيع الله فليطع، وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها»، وكذا هدي لحديث: «ما عمل ابن آدم عملاً أحب إلى الله من هراقة، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فيطيبوا بها نفسًا» رواه ابن ماجه – وقد ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهدى الهدايا والخلفاء بعده، ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عه. وسن أن يهدي وأن يأكل ويتصدق أثلاثًا؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا في الأضحية، قال: «ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث». قال الحافظ: قال أبو موسى: هذا حديث حسن، ولقوله تعالى: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } .
قال الحسن: القانع: الذي يسألك، والمعتر: الذي يتعرض لك ولا يسألك.
وقال مجاهد: القانع: الجالس في بيته، والمعتر: الذي يسألك، فجعلها بين ثلاثة، فدل على أنها بينهم أثلاثًا؛ ولقول ابن عمر: الضحايا والهدايا ثلث لك، وثلث لأهل بيتك، وثلث للمساكين، وإن أطعمها كلها أو أكثرها فحسن ولا يجب الأكل منها، ولا الإهداء منها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر خمس بدنات، وقال: «من شاء فليقتطع، ولم يأكل منها شيئًا، ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله، فلم يجب الأكل منها كالعقيقة» فيكون الأمر للاستحباب. ويضمن إن أكلها كلها ضمن أقل ما يقع عليه الاسم كالأوقية بمثله لحمًا، وقيل: العادة، وقيل: الثلث، ويعتبر تمليك الفقير فلا يكفي إطعامه؛ لأنه إباحة.
وما ملك مضح أو مهد أكله كأكثرها فله هديته؛ لأنها في معنى أكله، وإلا يملك أكله، ضمنه بمثله لحمًا كبيعه وإتلافه. ويضمن الهدي والأضحية، أجنبي أتلفه بقيمته كسائر المتقومات، وإن منع الفقراء منه حتى أنتن، ضمن نقصه وإن انتفع به وإلا فإنه يضمن قيمته كإعدامه.
ونسخ تحريم الادخار للحوم الأضاحي، لحديث: «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم» رواه مسلم، ولحديث عائشة مرفوعًا: «إنما نهيتكم للدافة التي دفت، فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا» قال الشيخ: إلا زمن مجاعة لأنه سبب الادخار، وقال: الأضحية من النفقة بالمعروف، فتضحي المرأة من مال زوجها عن أهل البيت بلا إذنه عند غيبته، أو امتناعه كالنفقة عليهم.

س 17: ما الذي يحرم على مريد الأضحية؟ ومتى أول وقت التحريم وآخره؟ واذكر الدليل والخلاف.

ج: إذا دخل عشر ذي الحجة، حرم على من يضحي أو يضحي عنه أخذ شيء من شعره، أو ظفره، أو بشرته إلى الذبح؛ لحديث أم سلمة مرفوعًا: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي». وفي رواية: «ولا من بشرته». وقيل: يكره لقول عائشة - رضي الله عنها -: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي. متفق عليه. والذي يترجح عندي القول الأول. والله سبحانه أعلم.
وقد أجيب عن حديث عائشة، بأنه في إرسال الهدي، ومن «شرح الإقناع»، قال: وأيضًا، فحديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص، فيحمل العام عليه، وأيضًا فحديث أم سلمة من قوله، وحديث عائشة من فعله. وقوله مقدم على فعله لاحتمال الخصوصية؛ فإن أخذ شيئًا من شعره أو ظفره أو بشرته تاب إلى الله تعالى لوجوب التوبة من كل ذنب. وقال في «شرح الاقتباس»، قلت: وهذا إذا كان لغير ضرورة، وإلا فلا إثم كالمحروم، وأولى ولا فدية عليه إجماعًا، سواء فعله عمدًا وسهوًا. وإذا كان عند المضحي أكثر من واحدة، فإذا ذبح الأولى حل له الأخذ من شعره وظفره وبشرته.

من النظم مما يتعلق بالأضحية
وبادر إلى أضحية مستجيدها ... وليست بذبح واجب في المؤكد
وذبحك نفلاً فائق بذل قيمة ... ولم يجز غير الذبح في فرضها قد
وتجزئ أهل البيت شاة جميعهم ... ولا يمنع الإيجاب أكلاً بأجود
فيشرع إهدا الثلث والصدقات بالثليث ... وجوز أكل ثلث فازهد
وأوسطها أهد وكل أنث ثلثها ... كذا الحكم في هدي التطوع قيد
ويجزئك القدر المسمى وقيل ما ... تهودي وقيل الثلث غير مقيد
ويضمن ما يأتي على الكل ثلثها ... وقيل الذي يجزي تصدقه قد
وإما تعين في الضحايا معيبة ... يجب ذبحها لحمًا وإن تبر جود
ولا نقض من أضحية الميت دينه ... ووراثهُ فيها كحكم الملحد
وفي العشر لا تقطع من الشعر إن ترد ... تضح ولا ظفر وحرم بأجود

3- العقيقة
س 18: ما هي العقيقة؟ وما حكمها؟ ومن المخاطب بها؟ ومتى وقتها؟ وما هي الحكمة فيها؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف.

ج: أصل العقيقة، صوف الجذع، وشعر كل مولود من الناس، والبهائم الذي تولد عليه، يقال: عقيقية وعقة أيضًا بالكسر، وبه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة؛ لأنه يزال عنه الشعر يومئذ فسميت باسم سببها.

وقال زهير يذكر حمارًا وحشيًّا:
أذلك أم أقب البطن جار ... عليه من عقيقته عفاء

وقال امرؤ القيس:
فيا هند لا تنكحي بوهة ... عليه عقيقته أحسبا

هو الذي شعر رأسه شقرة، وقيل: إنه مأخوذ من العق، وهو الشق والقطع، فسميت الذبيحة عقيقة؛ لأنه يشق حلقومها، وهي سُّنة مؤكدة عند الجمهور لأمره - صلى الله عليه وسلم - وفعل أصحابه والتابعين المستفيض، قال مالك: لا اختلاف فيه عندنا، وهو المعمول به في الحجاز قديمًا وحديثًا، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
لما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العقيقة؟ فقال: «لا أحب العقوق» وكأنه كره الإسم، فقالوا: يا رسول الله، إنما نسألك عن أحدنا يولد له، قال: «من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما -: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وعبد الحق؛ لكن رجح أبو حاتم إرساله، وأخرج ابن حبان من حديث أنس نحوه.
وقيل: واجبة شرعت فدية يفدي بها المولود، كما فدى الله إسماعيل الذبيح بالكبش، وكانت تفعل في الجاهلية، فأقرها الإسلام وأكدها، وأخبر الشارع أن الغلام مرتهن بها.
فعن سمرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويسمي» رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي. قال شيخ الإسلام: العقيقة فيها معنى القربان والشكر والصدقة والفداء، وإطعام الطعام عند السرور، فإذا شرع عند النكاح، فلأن يشرع عند الغابة المطلوبة، وهو وجود النسل أولى. وقال أحمد: إن استقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سُّنة واتبع ما جاء به عن ربه. قال ابن القيم: وهذا لأنها سُّنة ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة على الوالدين، وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل، بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به، فصار سُّنة في أولاده بعده أن يفدي أحدهم عن ولادته بذبح يذبح، ولا يستنكر أن يكون هذا حرزًا له من الشيطان بعد ولادته كما كان ذكر اسم الله عند وضعه في الرحم حرزًا له من ضرر الشيطان. اهـ. في «تحفة المودود».
وفي العقيقة مصالح، منها: إظهار البِشْر النعمة، ومنها: نشر النسب، ومنها: اتباع سبيل السخاء وعصيان داعي الشح والبخل، فإن فات الذبح في اليوم السابع، ففي أربعة عشر، فإن فات، ففي إحدى وعشرين؛ لحديث بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في العقيقة تذبح لسبع، ولأربع عشرة، ولإحدى وعشرين» أخرجه الحسين بن يحيى بن عباس القطان، ويروى عن عائشة نحوه، ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك، فيعق أي يوم أراد لأنه قد تحقق سببها، وهي سُّنة في حق الأب.

س 19: ما مقدار العقيقة للذكر والأنثى؟ وما حكم ذبحها قبل السابع أو قبل الولادة؟ وهل يجزي فيها شرك في دم؟ وضح ذلك. وما الذي يُسن فعله في اليوم السابع غير الذبح؟ وهل يعق غير الأب، وإذا كبر ولم يعق عنه فما الحكم؟ وهل يعق عن اليتيم؟

ج: السُّنة أن يذبح عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة، لما ورد عن أم كرز الكعبية، أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة؟ فقال: «نعم، عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، لا يضركم ذكرانًا أو إناثًا» رواه أحمد والترمذي وصححه، وتقدم حديث عمرو بن شعيب في الجواب الذي قبل هذا. وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة» رواه أحمد والترمذي وصححه. وفي لفظ: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعق عن الجارية شاة، وعن الغلام شاتين» رواه أحمد وابن ماجه.
ولأنه إنما شرع للسرور بالمولود، والسرور بالغلام أكثر، ولكونها فداء النفس، أشبهت الدية في كون الأنثى على النصف من الذكر؛ وهذا قول الأكثر.
وكان ابن عمر يقول: شاة شاة؛ لحديث بن عباس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» رواه أبو داود.
وقال مالك: شاة عن الذكر، والأنثى؛ كما هو قول ابن عمر، والقول الأول عندي أنه أرجح. والله سبحانه أعلم.



قال ابن القيم في الهدي: فإن قيل عقه عن الحسن والحسين، يكفي كبش، يدل على أن هديه أن على الرأس رأسًا. قالوا: ولأنه نسك، فكان على الرأس مثله كالأضحية، ودم التمتع، فالجواب: أن أحاديث الشاتين من الذكر، والشاة من الأنثى،

أولى أن يؤخذ بها لوجوه: أحدها: كثرتها.

ثانيًا: أنها من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحاديث الشاتين من قوله، وقوله عام، وفعله يحتمل الاختصاص.
الثالث: أنها متضمنة لزيادة؛ فكان الأخذ بها أولى.
الرابع: أن الفعل يدل على الجواز؛ وللقول يدل على الاستحباب، والأخذ بهما ممكن فلا وجه لتعطيل أحدهما.
الخامس: أن قصة الذبح عن الحسن والحسين، كانت عام أُحد، والعام الذي بعده، وأم كرز سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما روته عام الحديبية، سنة ست بعد الذبح، عن الحسن والحسين، قاله النسائي في كتابه الكبير.
السادس: أن قصة الحسن والحسين، يحتمل أن يراد بها بيان جنس المذبوح، وأنه من الكباش لا في تخصيصه بالواحد، كما قالت عائشة: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه بقرة، وكن تسعًا؛ ومرادها الجنس لا التخصيص بالواحدة.
السابع: أن الله سبحانه فضل الذكر على الأنثى، كما قال: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [36: 3] ومقتضى التفاصيل ترجيحه عليها في الأحكام، وقد جاءت الشريعة بهذا التفضيل، في جعل الذكر كالأنثيين في الشهادة، والميراث والدية، فكذلك ألحقت العقيقة بهذه الأحكام.
الثامن: أن العقيقة تشبه العتق عن المولود؛ فإنه رهين بعقيقته، فالعقيقة تفكه وتعتقه، وكان الأولى أن يعق عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة، كما أن عتق الأنثين يقوم مقام عتق الذكر، كما في «جامع الترمذي» وغيره.
عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلمًا كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوًا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوًا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوًا منها» وهذا حديث صحيح انتهى باختصار من (ص11، 12، 13، 14).
ويجوز ذبحها قبل السابع، قال في «تحفة المودود في أحكام المولود»: والظاهر أن التقيد بذلك، أي بالسابع، ونحوه استحبابًا، وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر، وما بعده أجزأه، والاعتبار بالذبح لا بيوم الطبخ والأكل، ولا تجزي بدنة أو بقرة إلا كاملة، فلا يجزي فيها شرك في دم لعدم وروده، وينوي عقيقة لحديث: «إنما الأعمال بالنيات».
ويسن حلق رأس صبي يوم السابع وتسميته؛ لحديث سمرة بن جندب مرفوعًا: «كل غلام رهينته بعقيقته تذبح يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه» رواه الأثرم وأبو داود، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعق عنه» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. قال ابن القيم: كانت التسمية حقيقتها تعريف الشيء المسمى؛ لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم، لم يكن له ما يقع تعريفه به، فجاز تعريفه يوم وجوده، وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام، وجاز إلى يوم العقيقة عنه، ويجوز قبل ذلك وبعده، والأمر فيه واسع.
واتفقوا على أن التسمية للرجال والنساء فرض، حكاه ابن حزم وغيره، وفي قوله تعالى: { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } دليل على جوزه يوم الولادة، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ولد لي الليلة ولد، سميته باسم أبي إبراهيم» متفق عليه. ولهما عن أنس: أنه ذهب بأخيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولدته أمه، فحنكه وسماه عبد الله، والتسمية للأب، فلا يسمي غيره مع وجوده.
قال ابن القيم: وهذا مما لا نزاع فيه بين الناس؛ ولأنه يدعي يوم القيامة باسمه، واسم أبيه. ولا يعق المولود عن نفسه إذا كبر لأنها مشروعة في حق الأب، فلا يفعلها غيره كأجنبي؛ فإن عق غير الأب، والمولود عن نفسه بعد أن كبر، لم يكره لعدم الدليل عليها. وقيل: يعق عن نفسه استحبابًا، إذا لم يعق عنه أبوه؛ لأنها مشروعة عنه، ولأنه مرتهن بها. قال الشيخ: يعق عن اليتيم من ماله كالأضحية أولى لأنه مرتهن بها بخلاف الأضحية، وقال بعضهم: مشروعة ولو بعد موت المولود.

س 20: تكلم بوضوح عما يلي: ماذا يسن بعد حلق رأس ذكر، الأذان والإقامة في أذني المولود، التحنيك، صفته، حكمه إذا اجتمع عقيقة وأضحية ونوى بالأضحية عنهما، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو تمثيل.

ج: يُسن أن يتصدق بزنة شعره فضة، لما ورد عن أبي رافع أن حسن ابن علي - رضي الله عنهما - لما ولد أرادت أمه فاطمة - رضي الله عنها - أن تعق عنه بكبشين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تعقي عنه؛ ولكن احلقي شعر رأسه، فتصدقي بوزنه من الورق»، ثم ولد حسين - رضي الله عنه - فصنعت مثل ذلك. رواه أحمد. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين - رضي الله عنهما - كبشًا كبشًا. رواه أصحاب السنن، ولفظ الترمذي: عق النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة، وقال: «يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة» فوزناه فكان وزنه درهمًا أو بعض درهم.
وسن أن يؤذن في أذن المولود اليمنى ذكرًا كان أو أنثى حين يولد، وأن يقام في اليسرى؛ لما ورد عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذّن في أذن الحسين، حين ولدته فاطمة الصلاة. رواه أحمد، وكذلك أبو داود والترمذي وصححه، وقالا: الحسن، وللبيهقي عن ابن عباس أنه أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد، وأقام في أذنه اليسرى، وفيه ضعف. وقال ابن اليم وغيره: سر التأذين أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه من الدنيا، وغير مستنكر وصول التأذين إلى قلبه، وتأثره به، وهروب الشيطان من الأذان، وأن تكون الدعوة إلى الله سابقة دعوة الشيطان وغير ذلك من الحكم.
وسن أن يحنك المولود بتمرة بأن تمضع، ويدلك بها داخل فمه، ويفتح فمه حتى ينزل إلى جوفه منها شيء؛ لما في «الصحيحين» من أبي بردة، عن أبي موسى، قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، زاد البخاري: ودعا بالبركة ودفعه إليَّ، وكان أكبر ولد أبي موسى، وروى أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أسماء: أنها حملت بعبد الله ابن الزبير، فولدت بقباء، ثم أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعته في حجره، فدعا بتمرة فمضغها، ثم وضعها في فيه. قال النووي وغيره: اتفق العلماء على استحاب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإن تعذر، فما في معناه أو قريب منه من الحلو، أو أن يكون المحنك من الصالحين، وإذا اجتمع عقيقة وأضحية، ونوى بالأضحية عنهما أجزأت عنهما.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه «المودود في أحكام المولود»: كما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة، أو صلى بعد الطواف فرضًا أو سُّنة مكتوبة، وقع ما صلاه عنه وعن ركعتي الطواف، وكذا لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر، أجزأ عن دم المتعة أو القران، وعن الأضحية، وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية، فتجزي ذبيحة عنهما لحصول المقصود منهما بالذبح، وهو معنى قول ابن القيم.

س 21: تكلم عما يلي: لطخ رأس الصبي بزعفران، صفة العمل بعظمها ولحمها وأعضائها ما يعطي منها، وهل بينها وبين الأضحية فرق، وماذا يقول عند ذبحها، واذكر شيئًا من فوائدها، وما هي للفرعة، وما هي المعتبرة وما حكمها، اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.

ج: يستحب أن يلطخ رأسه بالزعفران، أو غيره من الخلوق؛ لما ورد عن بريدة الأسلمي، قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة، ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران. رواه أبو داود؛ ولما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانوا في الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة، ويجعلونها على رأس المولود، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوا مكان الدم خلوفًا.
قال ابن القيم في «التحفة»: وسن لهم أن يلطخوا الرأس بالزعفران الطيب الرائحة، الحسن اللون، بدلاً عن الدم الخبيث الرائحة النجس العين، والزعفران من أطيب الطيب وألطفه وأحسنه لونًا، وكأن حلق رأسه إماطة الأذى عنه، وإزالة للشعر الضعيف ليخلفه شعر أقوى وأمكن منه وأنفع للرأس مع ما فيه من التخفيف عن الصبي، وفتح مسام الرأس ليخرج البخار منها بيسر وسهولة، وفي ذلك تقوية بصره وشمه وسمعه. انتهى. ويستحب أن يفصلها أعضاء ولا يكسر عظمها؛ لما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: السُّنة شاتان مكافأتان عن الغلام، وعن الجارية تطبخ جدولاً، ولا يكسر لها عظم ويأكل ويطعم ويتصدق، وذلك يوم السابع.
ويستحب أن يعطي القابلة فخذًا، لما في مراسيل أبي داود عن جعفر ابن محمد، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: «أن ابعثوا إلى القابلة منها برجل»، وكالأكل والهدية والصدقة. روى ابن المنذر عطاء، عن أبي كرز وأم كرز، قالا: قالت امرأة من أهل عبد الرحمن بن أبي بكر لما ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزورًا، فقالت عائشة: لا بل السُّنة شاتان مكافأتان يتصدق بهما عن الغلام، وشاة عن الجارية تطبخ ولا يكسر لها عظم فتأكل وتطعم وتتصدق، يكون ذلك في السابع؛ فإن لم يفعل ففي الرابع عشر؛ فإن لم يفعل: ففي إحدى وعشرين.
قال ابن المنذر: وقال الشافعي: العقيقة سُّنة واجبة، ويتقي فيها من العيوب ما يتقي في الضحايا. انتهى. ويجتنب في العقيقة ما يجتنب في الأضحية، فلا تجزي فيها العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها ونحوها، ويباع جلدها ورأسها وسواقطها، ويتصدق بثمنها، بخلاف الأضحية؛ لأن الأضحية أدخل منها في التعبد، والذكر أفضل في العقيقة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين بكبش كبش.
وحكمها حكم الأضحية في الضمان إذا أتلفها، والولد فيذبح معها، واللبن والصوف أو الشعر أو الوبر، فتستحب الصدقة، والذكاة فلا يجزي إخراجها حية والركوب، وما يجوز من الحيوان مما تقدم في الهدي والأضحية كاستحقاق استسمامها، وأن أفضل ألوانها البياض لاشتراكها في تعلق الفقراء بهما. ويقول عند ذبحها: بسم الله، اللهم لك وإليك، هذه عقيقة فلان بن فلان؛ لحديث عائشة، قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اذبحوا على اسمه فقولوا: بسم الله لك وإليك، اللهم هذه عقيقة فلان» رواه ابن المنذر، وقال: هذا حسن.
قال ابن القيم: ومن فوائدها أنه قربان يقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا، والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع كما ينتفع بالدعاء، وإحضاره مواضع النسك والإحرام عنه، وغير ذلك.
ومن فوائدها أنها تفك رهان المولود؛ فإنه مرتهن بعقيقته، قال الإمام أحمد: مرتهن عن الشفاعة لوالديه، وقال عطاء بن أبي رباح: مرتهن بعقيقته، قال: يحرم شفاعة ولده، ومن فوائدها أنها فدية يفدي بها المولود كما فدى الله سبحانه إسماعيل الذبيح بالكبش. انتهى. الفرعة هي ذبح أول ولد الناقة، والعتيرة ذبيحة رجب؛ لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا فرع ولا عتيرة» متفق عليه. وقيل: يكرهان، وهذا القول أرجح. والله أعلم.

من النظم ما يتعلق بالعقيقة
عن ابن بشاتين اعققن وعن ابنة ... بشاة لندب لا وجوب بأوكد
فإن لم تجد شاتين بالشاة فاجتز ... عن ابن وفرقها جدولا تسدد
ولا تكسرن عظمًا لها ثم حكمها ... كأضحية في كل حكم معدد
وفى سابع فاذبح ورابع عشرة ... متى فات ثم إحدى وعشرين فاقصد
وحنكه من تمر أوان ولادة ... وفي أذنيه بالأذانين غرد
وفي سابع يسمى ويحلق رأسه ... ومن ورق مقداره زنة جد
ويكره ختن الطفل في سابع على الأصح ... وفي إحدى وعشرين جود
فإن فات أخره لوقت اشتداده ... وأسماءه حسن فعبد وحمد
وعن نفسك اعقق حين تكبر واقضها ... فقد فعل المختار ذا فيه فاقتد
وبيع جلود والسواقط جائز ... وقيمتها أعط الفقير بأجود
وليس بمسنون عتيرة مزجب ... ولا فرعة البدن أول مولد

س22: تكلم بوضوح عما يلي، أحب الأسماء إلى الله التسمية بأكثر من واحد، ما يكره من الأسماء، المحرم من الأسماء، ما لا يكره التسمي به، تغيير الاسم القبيح، الكنى والألقاب.

ج: تقدم أن التسمية للأب، ويُسن أن يحسن اسمه لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم تدعون يوم القيامة، بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم» رواه أبو داود. وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن؛ لما ورد عن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» رواه مسلم في «صحيحه»، وعن جابر قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا كرامة، فأخبر النبي –عليه الصلاة والسلام-، فقال: «سم ابنك عبد الرحمن» متفق عليه. وكل ما أضيف إليه اسم من أسماء الله فحسن، كعبد الرحمن، وعبد الرحيم، وعبد السلام، وعبد القادر، وعبد العظيم، وعبد الحميد، وعبد المحسن، وعبد الرزاق، وعبد الخالق، وعبد السميع، وعبد المهيمن، وعبد المجيد.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا بني عبد الله، إن الله قد أحسن اسمكم»، وكذا أسماء الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- كإبراهيم، ونوح، ومحمد، وموسى، وعيسى، وسليمان وشببها لحديث ونهب الجشمي مرفوعًا: «تسموا بأسماء الأنبياء» الحديث رواه أحمد، وحديث: «تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي» وتجوز التسمية بأكثر من واحد، كما يوضع له اسم وكنية ولقب. قال ابن القيم: وأما أسماء الرب تعالى وأسماء كتابه، وأسماء رسوله، فلما كانت نعوتًا دالة على المدح والثناء، لم تكن من هذا الباب، بل من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى وعظمته وفضله؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى}.
وفي «الصحيحين» من حديث جبير بن معظم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لي خمسة أسماء أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي» انتهى. والاقتصار على اسم واحد أولى، لفعله - صلى الله عليه وسلم - في أولاده. ويكره من الأسماء حرب، ومرة، وحزب، ونافع، ويسار، وأفلح، ونجيح، وبركة، ويعلى، ومقبل، ودافع، ورياح، والعاصي، وشهاب، والمضطجع، ونبي ونحوها؛ وكذا ما فيه تزكية كالنقي، والزكي، والأشرف، والأفضل، وبرة.
قال القاضي: وكل ما فيه تفخيم وتعظيم؛ روى مسلم في «صحيحه» عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسمين غلامك يسارًا، ولا رباحًا، ولا نجاحًا ولا أفلح؛ فإنك تقول: أثم هو، فلا يكون». وفي «التحفة»: وفي معنى هذا مبارك، ومفلح، وخير، وسرور، ونعمة وما أشبه ذلك؛ فإن المعنى الذي ذكره له النبي - صلى الله عليه وسلم - التسمية بتلك الأربعة موجود فيها، فإنه يقال: أعندك سرور، أعندك نعمة، فيقول: لا، فتشمئز القلوب من ذلك، وتتطير به، وتدخل في باب المنطق المكروه.
وفي الحديث: أنه كره أن يقال خرج من عند برة مع أن فيه معنى آخر يقتضي النهي، وهو تزكية النفس بأنه مبارك، ومفلح. وقد لا يكون كذلك، كما رواه أبو داود في «سننه»: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تسمى برة، وقال: «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم»، وفي «سنن ابن ماجه»: عن أبي هريرة، أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب، ومنها التسمية بأسماء الشياطين كخنزب، والولهان، والأعور، والأجدع.
قال الشعبي عن مسروق: لقيت عمر بن الخطاب، فقال: من أنت؟ قلت: مسروق بن الأجدع، فقال عمر -رضي الله عنه-: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الأجدع شيطان»، وفي «سنن ابن ماجه» وزيادات عبد الله في مسند أبيه، من حديث أبي بن كعب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: «إن للوضوء شيطانًا يقال له الولهان، فاتقوا وسواس الماء» وشكا إليه عثمان بن أبي العاصي، من وسواسه في الصلاة، فقال: «ذلك شيطان يقال له خنزب» وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن هشام، عن أبيه: أن رجلاً كان اسمه الحباب، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، وقال: «الحباب شيطان».
ومنها أسماء الفراعنة، والجبابرة كفرعون وقارون وهامان والوليد، قال عبد الرزاق في «الجامع»: أخبرنا معمر عن الزهري، قال: أراد رجل أن يسمي ابنًا له الوليد، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال: «أنه سيكون رجل يقال له الوليد، يعمل في أمتي بعمل فرعون في قومه»، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشتد عليه الاسم القبيح، ويكرهه من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال، حتى إنه مر في مسير له بين جبلين، فقال: ما اسمهما؟ فقيل: فاضح ومخز، فعدل عنهما، ولم يمر بينهما! وكان –عليه السلام- شديد الاعتناء بذلك.
ومن تأمل السُّنة، وجد معاني الأسماء مرتبطًا بها حتى كأن معانيها مأخوذة منها، وكأن الأسماء مشتقة من معانيها، فتأمل قوله –عليه الصلاة والسلام-: «أسلم سلمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله»، وقوله لما جاء سهيل بن عمرو يوم الصلح: «سهل أمركم»، وقوله لبريدة لما سأله عن اسمه، فقال: «بريد»، قال: «يا أبا بكر، برد أمرنا»، ثم قال: «ممن أنت؟» قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: «سلمنا»، ثم قال: «ممن؟» قال: من سهم، قال: «خرج سهمك»، ذكره أبو عمر في استذكاره حتى أنه كان يعتبر ذلك في التأويل، فقال: رأيت كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب بن طاب، فأولت العاقبة لنا في الدنيا والرفعة لنا، وأن ديننا قد طاب.
وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها، فتأمل حديث بن المسيب عن أبيه، عن جده، قال: أتيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «ما اسمك؟» قلت: حزن، فقال: «أنت سهل»، فقال: لا أغير اسمًا سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد. رواه البخاري في «صحيحه». والحزونة: الغلظة، ومنه أرض حزونة وأرض سهلة. وتأمل ما رواه مالك في «الموطأ»: عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: أبن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، قال: بأيتها؟ قال: بذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد هلكوا واحترقوا؛ فكان كما قال عمر. انتهى.
ويحرم التسمية بملك الأملاك، وسلطان السلاطين، وشاهنشاه؛ فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل يُسمى ملك الأملاك»، وفي رواية: أخنى بدل من أخنع. وفي رواية لمسلم: «أغيظ رجل عند الله يوم القيامة، وأخبثه رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله»، ومعنى أخنع وأخنى: أوضع. وقال ابن القيم –رحمه الله-: وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاة، وحاكم الحكام؛ فإن حاكم الأحكام في الحقيقة هو الله، وقد كان جماعة من أهل الدين يتورعون عن إطلاق لفظ قاضي القضاة وحاكم الحكام قياسًا على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك. وهذا محض القياس. قال: وكذلك تحرم التسمية بين الناس، وسيد الكل، كما يحرم بسيد ولد آدم؛ فإن هذا ليس لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده، فهو سيد ولد آدم، فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك. انتهى.
ويحرم التسمية بما لا يليق إلا بالله كقدوس، والبر، وخالق، ورحمان؛ لأن معنى ذلك لا يليق بغير الله تعالى.
وقال ابن القيم: ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك القاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب. انتهى. عن أبي شريح، إنه كان يكني أبا الحكم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله هو الحكم وإليه الحكم»، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت فرضي كلا الفريقين، فقال: «ما أحسن هذا، فمال من الولد؟» قلت: شريح ومسلم وعبد الله، قال: «فمن أكبرهم؟» قلت: شريح، قال: «فأنت أبو شريح» رواه أبو داود وغيره.
قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى، وعبد عمرو، وعبد علي، وعبد الكعبة، ومثله عبد النبي، وعبد الحسين، وعبد المسيح؛ قال ابن القيم: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أنا ابن عبد المطلب»، فليس من باب إنشاء التسمية بل من باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، قال –رحمه الله-: وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره كالسميع والبصير، والرؤوف، والرحيم، فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمى بها على الإطلاق، بحيث يطلق عليه كما يطلق على الرب تعالى.
قال: ومما يمنع منه التسمية بأسماء القرآن وسوره، مثل: طه، ويس، وحم، وقد نص مالك على كراهة التسمية بياسين، ذكر السهيلي؛ وأما ما ذكره العوام: أن يس وطه من أسماء النبي –عليه الصلاة والسلام- فغير صحيح، ولا حسن، ولا مرسل، ولا أثر عن صحابي؛ وإنما هذه الحروف مثل: ألم وحم وآلر ونحوها. انتهى.
ويحرم أن يقال لمنافق أو كافر: يا سيدي، ويستحب تغيير الاسم القبيح؛ لما ورد عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير اسم عاصية وقال: «أنت جميلة».
وفي «صحيح البخاري» عن أبي هريرة: أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب. وفي «سنن أبي داود» من حديث ابن المسيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما اسمك؟» قال: حزن، قال: «أنت سهل»، قال: لا، السهل بوطأ ويمتهن. قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونه.
وروى أبو داود في «سننه»، عن أسامة بن أخدري: أن رجلاً كان يقال له أسرم، كان في النفر الذين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «ما اسمك؟» قال: أصرم، قال: «بل أنت زرعة».
قال أبو داود: وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم العاص، وعزيز، وعقلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وشهاب، وحباب، فسماه هاشمًا، وسمى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا يقال له عفرة: خضرة، وشعب الضلالة: سماه شعب الهدى، وبنو الزنية سماهم بنو الرشدة، وسمى بنو غوية: بني رشدة.
قال أبو داود: تركت أسانيدها للاختصار، وغيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم المدينة، وكان يثرب فسماها طيبة، كما في «الصحيحين» عن أبي حميد، قال: أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من تبوك حتى أشرفنا على المدينة، فقال: «هذه طيبة»، ولا بأس بالكنى كأبي فلان وأبي فلان، وأم فلان وأم فلانة.
وتباح تكنية الصغير، في «الصحيحين» من حديث أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء يقول له: «يا أبا عمير، ما فعل النفير؟»، وكان أنس يكنى قبل أن يولد له بأبي حمزة، وأبو هريرة كان يكنى بذلك ولم يكن له ولد إذ ذاك.
وأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة أن تكنى بأم عبد الله، وهو عبد الله ابن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، هذا هو الصحيح لا الحديث الذي روى أنها سقطت من النبي - صلى الله عليه وسلم - سقطًا فسماه عبد الله وكناها به؛ فإنه حديث لا يصح، قاله في «التحفة». وقال: ويجوز تكنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده، ولم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر، ولا لعمر ابن اسمه حفص، ولا لأبي ذر ابن اسمه ذر، ولا لخالد ابن الوليد ابن اسمه سليمان، وكان يكنى أبا سليمان، والكنية نوع تكثير وتفخيم للمكنى وإكرام له.

كما قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقب

وفي «الإقناع وشرحه»: ولا ينكر التكني بأبي القاسم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصوبه في تصحيح الفروع، قال: وقد وقع فعل ذلك من الأعيان، ورضاهم به يدل على الإباحة، وقال في الهدي: والصواب أن التكني بكنيته ممنوع، والمنع في حياته أشد، والجمع بينهما ممنوع منه. اهـ. فظاهره التحريم، ويؤيده حديث: «لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي» اهـ. ومن لقب بما يصدقه فعله جاز.
ويحرم من الألقاب ما لم يقع على مخرج صحيح؛ لأنه كذب، ولا بأس بترخيم الإسم المنادى كقوله -صلى الله عليه وسلم- لزوجته الصديقة بنت الصديق: «يا عائش» بحذف التاء، وكقوله -صلى الله عليه وسلم- لبنته فاطمة الزهراء: «يا فاطم»، ولا بأس بتصغير الإسم مع عدم أذى بذلك، كتصغير أنس إلى أنيس، إذ قد يُراد بالتصغير التعظيم والتعجيب، ولا يقل سيد لرفيقه يا عبدي، ولا لأمته يا أمتي؛ وفي الحديث الصحيح: «ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي». والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.



المجلد الثالث 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:17 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49229
العمر : 72

المجلد الثالث Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث Emptyالإثنين 09 نوفمبر 2015, 9:42 pm

4- كتاب الجهاد
س23: تكلم عن فضل الجهاد وحكمه وتعريفه، ولماذا ختم به العبادات؟ واذكر ما تستحضره من الأدلة.

ج: الجهاد مشتق من الجهد وهو المشقة، يقال: أجهد دابته إذ حمل عليها في السير فوق طاقاتها، وقيل: هو المبالغة واستفراغ ما في الوسع. يقال: جهد في كذا أي جد فيه وبالغ، ويقال: اجهد جهدك في الأمر أي ابلغ غايتك. قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي بالغوا في اليمين، واجتهدوا فيها، وفي الشرع بذل الجهد في قتال الكفر.

وختم به العبادات؛ لأنه أفضل تطوع البدن، وعده بعضهم ركنًا سادسًا لدين الإسلام، فلما أورده بعد الأركان الخمسة، وهو ذروة سنام الإسلام، وموجب الهداية وحقيقة الإخلاص والزهد في الدنيا، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرقعة في الدنيا فهم الأعلون في الآخرة.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ}.

وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} لآية، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} الآيات، وقال عز من قائل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْه} الآية.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» فجعل الجهاد أفضلَ مِن الحج، ولهما عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيله».

وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» رواه البخاري ومسلم، ولهما أيضًا عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله»، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وجهاد في سبيلي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفسي بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئة يوم يكلم، لونه لون دم، وريحه ريح مسك، والذي نفس محمد بيده، لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا ولكن لم أجد سعة فأحملنهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل» رواه مسلم.

وعن معاذ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قاتل فوق ناقة وجبت له الجنة، ومن جرح جرحًا في سبيل الله تعالى أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزو ما كانت لونها الزعفران وريحها المسك» رواه أبو داود والترمذي، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: مر رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بشعب فيه عيينة من ماء عذبة، فأعجبته فقال: لو اعتزلت الناس وأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من مقامه في بيته سبعين عامًا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة، اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله، فواق ناقة وجبت له الجنة» رواه الترمذي.

وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله، ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: «لا تستطيعونه» فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا كل ذلك، وهو يقول: «لا تستطيعونه»، ثم قال: «مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة، ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله»، وعنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» رواه البخاري.

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف»، وعن عبد الرحمن بن جبير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «ما اغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسه النار».

وحكمه فرض؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ}، وقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وقوله تعالى: {انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال تعالى: {إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.

وهو فرض على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين؛ لقوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى}.

ولو كان فرضًا على الجميع ما وعد تاركه الحسنى، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً}؛ ولأن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يبعث السرايا، ويقيم هو وأصحابه؛ ولأنه لو فرض على الأعيان لاشتغل الناس به عن العمارة، وطلب المعاش والعلم فيؤدي إلى خراب الأرض، وهلاك الخلق، وتأتي المواضع التي يكون فيها الجهاد فرض إن شاء الله.

س24: ما معنى الكفاية في الجهاد؟ ما حكمه في حق غيرهم؟ وهل هنا عبارة توضح فرض الكفاية؟ واذكر لذلك بعض الأمثلة.

ج: معنى الكفاية في الجهاد أن ينهض قوم يكفون في قتالهم إما أن يكون جندًا لهم دواوين من أجل ذلك، أو يكونوا أعدوا أنفسهم له تبرعًا؛ بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم، ويكون في الثغور من يدفع عنها. ويبعث في كل سنة جيشًا يغيرون على العدو في بلادهم.

ويُسن الجهاد في حق غير الكافين بتأكد؛ لحديث أبي داود عن أنس مرفوعًا: «ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار» رواه أبو داود.

وفرض الكفاية هو ما قصد حصوله من غير شخص معين؛ فإن لم يوجد إلا واحدًا تعين عليه كرد السلام، والصلاة على الجنازة من المسلمين.

ومن ذلك الصنائع المباحة المحتاج إليها لمصالح الناس غالبًا الدينية والدنيوية، البدنية والمالية، كالزرع والغرس، ونحوهما؛ لأن أمر المعاد والمعاش، لا ينتظم إلا بذلك؛ فإذا أقام بذلك أهله بنية التقرب، كان طاعة، وإلا فلا.

ومن ذلك إقامة الدعوة إلى دين الإسلام ودفع الشبه بالحجة، والسيف لمن عاند؛ لقوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

ومن ذلك سد البثوق وحفر الأنهار والآبار وتنظيفها، وعمل القناطر والجسور والأسوار وإصلاحها، وإصلاح الطرق والمساجد لعموم حاجة الناس إلى ذلك.

ومن ذلك الفتوى، وتعليم الكتاب والسُّنة، وسائر علوم الشريعة، كالفقه وأصوله، والتفسير والفرائض وما يتعلق به من حساب ونحو ولغة وتصريف وقراءات، وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة.

س25: تكلم بوضوح عن شروط وجوب الجهاد، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل، واذكر ما تستحضره ممن لا يجب عليه.

ج: بشرط خمسة: أحدها: التكليف، فلا يجب على صبي ولا على مجنون؛ لما روى علي –كرم الله وجهه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق»، وروى عروة بن الزبير قال: رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر نفرًا من أصحابه استصغرهم منهم عبد الله بن عمر، وهو يومئذ ابن أربع عشرة سنة، وأسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة ابن أوس، ورجل من بني حارثة، فجعلهم حرسًا للذراري والنساء.

الثاني: السلامة من الضرر؛ لقوله تعالى: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} وهو العمى والعرج، والمرض والضعف؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ}، وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى المَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ}.

ولأن هذه الأعذار تمنع من الجهاد، ومن في بصره سوء أو شيء يمنعه من رؤية عدوه، وما يتقيه من السلاح لِمَ يلزمه الجهاد؛ لأنه في معنى العمى في عدم إمكان القتال، وإن لم يمنعه من ذلك لم يسقط عنه فرضه.

ويجب على الأعشى الذي يبصر في النهار دون الليل، وعلى الأعور لأنهما يتمكنان من القتال، ولا يجب على أقطع اليد أو الرجل؛ لأنه إذا سقط عن الأعرج، فالأقطع أولى؛ ولأنه يحتاج إلى الرجلين في المشي، واليدين ليتقي أحدهما ويضرب بالأخرى.

وكذا لا يلزم الأشل، ولا من قطع منه ما يذهب بذهابه تقع اليد أو الرجل؛ لأنه ليس بصحيح.

الثالث: الحرية: فلا يجب على العبد؛ لقوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ}، والعبد لا يجد ما ينفق؛ ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة، فكم يجب على العبد؟ ولما روي «أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد، ويبايع العبد على الإسلام لا الجهاد».

الرابع: الذكورية، فلا يجب على المرأة؛ لما روي عن عائشة أنها قالت: قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة» رواه أحمد وابن ماجه. واللفظ له إسناده صحيح وأصله في الصحيح؛ ولأن الجهاد هو القتال، والمرأة ليست من أهله، لضعفها وخورها، ولهذا لما رأى بعض الشعراء امرأة مقتولة.

قال الشاعر:
إن من أكبر الكبائر عندي ... قتل بيضاء حرة عطبول
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول


ولا يجب الجهاد على الخنثى المشكل؛ لأنه يجوز أن يكون امرأة، فلا يجب بالشك.

الخامس: الاستطاعة؛ لأن غير المستطيع عاجز، والعجز ينفي الوجوب، والمستطيع هو الصحيح الواجد بملك، أو بذل إمام ما يكفيه، ويكفي أهله في غيبته؛ لقوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} الآية. وفي «الكافي»: الاستطاعة وجدان الزاد والسلاح وآلة القتال. انتهى.

وأن يجد مع بعد محل جهاد مسافة قصر فأكثر من بلده ما يحمله؛ لقوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} ولا تعتبر الراحلة مع قرب المسافة، ويعتبر أن يكون ذلك فاضلاً عن قضاء دينه، وأجرة مسكنه وحوائجه كالحج.

قال الشيخ: الأمر بالجهاد منه ما يكون بالقلب، والدعوة والحجة، والبيان والرأي والتدبير والبدن، فيجب بغاية ما يمكنه.

س26: ما أقل ما يفعل من الجهاد في العام الواحد؟ وما هي المواضع التي يتعين فيها الجهاد؟ وتكلم عما إذا دعت الحاجة لتأخير القتال.

ج: أقل ما يفعل الجهاد مرة في كل عام مع القدرة عليه؛ لأن الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام مرة، وهي بدل النصرة، فكذلك مبدلها وهو الجهاد إلا لعذر، بأن دعت الحاجة إلى تأخيره؛ ولضعف المسلمين من عدد أو عدة، أو مانع في الطريق من قلة علف، أو قلة ماء في الطريق، أو انتظار مدد يستعين به الإمام ونحو هذا، فيجوز تركه بهدنة وبغيرها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صالح قريشًا عشر سنين، وأخر قتالهم حتى نقضوا العهد، وأخر قتال قبائل العرب بغير هدنة؛ فإن دعت الحاجة إليه أكثر من مرة في عام فعل لأنه فرض كفاية، فوجب منه ما تدعو الحاجة إليه.

ويتعين الجهاد إذا حضر صف القتال؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}، وقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ}.

وإذا حصر هو أو حصر بلده عدو تعين عليه إن لم يكن عذر للآيتين.

ويتعين عليه إذا احتيج إليه في القتال، أو استنفره الإمام أو نائبه، ولم يكن له عذر؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا استنفرتم فانفروا» متفق عليه.

س27: تكلم بوضوح عن قتال من تقبل منهم الجزية، ومن لا تقبل منهم واذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على أنه يجب قتال الكفار ابتداءً ودفاعًا، والأحاديث المؤيدة لها، وبما استدل من قال: إنهم لا يقاتلون إلا دفاعًا فقط، واذكر ما تستحضره من أقوال العلماء حول هذه المسألة.

ج: يقاتل من تقبل منهم الجزية، وهم أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية بشرطه؛ لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، ويقاتل من لا تقبل منهم الجزية حتى يسلموا.

وإليك الأدلة الدالة على أن الكفار يجب قتالهم، ابتداءً ودفاعًا، والأحاديث المؤيدة لها.

قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} قال البغوي –رحمه الله-: وقاتلوهم يعني المشركين، حتى لا تكون فتنة أي شرك، يعني قاتلوهم حتى يسلموا، فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام؛ فإن أبى قتل، ويكون الدين أي الطاعة والعبادة لله وحده، فلا يعبد شيء دونه. اهـ.

وقال تعالى: {وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} قال الضحاك عن ابن عباس: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، يعني لا يكون شرك، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم.

وقال تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}.

قال ابن كثير رحمه الله: لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم، حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام؛ ولهذا اعتمد الصديق -رضي الله عنه- في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها.

وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} الآية.

قال ابن كثير: أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، إلى أن قال: وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربعة أسياف، سيف للمشركين: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ}، وسيف لكفار أهل الكتاب: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، وسيف للمنافقين: {جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}، وسيف للبغاة: {فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}. اهـ.

وقال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.

قال في «فتح القدير» على الآية: لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية، جعل الكفر بمنزلة الظلمات، والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة، واللام في لتخرج للغرض والغاية.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}.

قال ابن كثير على هذه الآية: أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأولاً، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام؛ ولهذا بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة، وهجر وخيبر وحضرموت، وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجًا، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام؛ لأنهم أهل كتاب فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس، وجدب البلاد وضيق الحال، وذلك سنة 9 من هجرته –عليه السلام-.

ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع، ثم عاجلته المنية –صلوات الله وسلامه عليه- بعد حجته بأحد وثمانين يومًا، فاختاره الله لما عنده.

وقام بالأمر بعده، وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى أن قال: ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد، وأنفق كنوزهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده، وولي عهده الفاروق الأواب شهيد المحراب عمر بن الخطاب؛ فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستلوى على الممالك شرقًا وغربًا.

ثم لما مات شهيدًا، وقد عاش حميدًا أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شهيد الدار، فكسا الإسلام حلة رياسة سابغة، وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة، فظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله وظهر دينه، وبلغت الملة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها؛ وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار امتثالاً؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ}، وقوله تعالى: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} إلى أن قال: وفي الحديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا الضحوك القتال» يعني أنه ضحوك في وجه وليه، قتال لهامة عدوه. انتهى (ص271، 272).

وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}.

وقال تعالى: {انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} الآية.

وقال تعالى: {إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعَاً} أي انهضوا لقتال العدو جماعات متفرقات، أو جميعًا جيشًا واحدًا.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ}، وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}.

وأما الأدلة من السُّنة فأكثر من أن تحصر، فنذكر طرفًا منها:
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى» رواه البخاري ومسلم.

وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: «غزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل وكف عنهم؛ ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم الذي يجري على المسلمين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن أجابوك، فأقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» الحديث رواه أحمد ومسلم.

وعن أنس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم» الحديث متفق عليه.

وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسول الله وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين» رواه أصحاب السنن، وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي: وقاتل بمن أطاعك من عصاك.

وعن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع أبي بكر زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فبيتناهم، وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت، رواه أبو داود.

وروى ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده، ولا يُشرك به شيء، وجعل الصغار والذل على مَنْ خالف أمري».

وعن ابن عوف قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إليّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام، وقد أغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث، حدثني به عبد الله بن عمر, وكان في ذلك الجيش. متفق عليه.

وعن صفوان بن عسال قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية، فقال: «سيروا باسم الله قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدًا» رواه أحمد وابن ماجه، وعن الصعب بن جثامة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون، فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: «هم منهم» رواه الجماعة إلا النسائي.
وعن أبي أيوب قال: إنما نزلت فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأظهر الإسلام، قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. رواه أبو داود.

وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار» رواه أبو داود.

وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا بسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع» رواه أحمد. وعن عصام المزني، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث السرية يقول: «إذا رأيتم مسجدًا أو سمعتم مناديًا فلا تقتلوا أحدًا» رواه الخمسة إلا النسائي، وعن حمرة بن جندب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم أي صبيانهم» رواه الترمذي وأبو داود.

وعن أبي هريرة، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل» متفق عليه.

وعن عبادة بن الصامت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينقل في البداءة الربع، وفي الرجعة الثلث» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وفي رواية : كان إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعًا وكل الناس نقل الثلث. الحديث رواه أحمد.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وأيديكم وألسنتكم» رواه أحمد وأبو داود، وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال» رواه أبو داود.

وعن سهل بن سعد أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر، قال: «أين علي؟» فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعا له، فبصق في عينيه، فبرئ مكانه حتى كأن لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: «على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم» الحديث متفق عليه.

عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمَنْ في سبيل الله؟ قال: «مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» متفق عليه، وفي رواية: والرجل يقاتل حمية، وفي رواية: والرجل يقاتل غضبًا
.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فدخل عليها ذات يوم فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكًا على الأسرة، أو مثل ملوك على الأسرة» -شك أيهما قال-، قالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله -كما قال في الأولى-» قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت من الأولين» فركبت أم حرام البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. أخرجه البخاري ومسلم.

قال في «شرح صحيح البخاري»: كان عمر -رضي الله عنه- قد منع المسلمين من الغزوة في البحر شفقة عليهم، واستأذنه معاوية في ذلك، فلم يأذن له، فلما ولي عثمان -رضي الله عنه- استأذنه فأذن له، وقال: لا تكره أحدًا مَنْ غزاه طائعًا فاحمله، فسار في جماعة من الصحابة منهم: أبو ذر وعبادة بن الصامت، ومعه زوجته أم حرام بنت ملحان، وشداد بن أوس وأبو الدرداء في آخرين، وهو أول من غزا الجزائر في البحر؛ ولما أراد الخروج منها قدمت لأم حرام بغلة لتركبها، فسقطت عنها فماتت هنالك. انتهى من «عمدة القاري» باختصار.

وقد وردت أحاديث تفيد إثم تارك الجهاد مؤيدة ما سبق، منها ما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» رواه أبو داود، وغيره من طريق إسحاق بن أسيد نزيل مصر، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من مات ولم يغزوا، ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من النفاق» رواه أبو داود والنسائي.

وعن أبي أُمامة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ لم يغز أو يجهز غازيًا، أو يخلف غازيًا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة» رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب» رواه الطبراني بإسناد حسن.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة» رواه الترمذي وابن ماجه، كلاهما من رواية إسماعيل بن رافع، عن سمي، عن أبي صالح عنه، وقال الترمذي: حديث غريب. اهـ.

أحاديث أخرى مؤيدة لما سبق: عن أس - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى» رواه مسلم والترمذي وصححه.

وعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي لهم الجرحى وأقوم على المرضى. رواه أحمد ومسلم وابن ماجه، وعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسقي القوم، ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة. رواه أحمد والبخاري.

وعن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، أقاتل بمقبل قومي ومدبرهم؟ قال: «نعم»، فلما وليت دعاني، فقال: «لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام» رواه أحمد، وقيل: إن الكفار لا يقاتلون إلا دفاعًا فقط، واستدل أهل هذا القول بآيات، منها قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.



المجلد الثالث 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:18 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49229
العمر : 72

المجلد الثالث Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث Emptyالإثنين 09 نوفمبر 2015, 9:45 pm

قال ابن كثير على هذه الآية:
وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه الآية محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل، إذا بذلوا الجزية، وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال، وأنه يجب أن يدعي جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام؛ فإن أبى أحد منهم الدخول، ولم يتقيد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يقتل.

وقال الشوكاني على تفسير هذه الآية: قد اختلف أهل العلم في قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} على أقوال الأول أنها منسوخة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أكره على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام، والناسخ لها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}، وقال: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}.

وقد ذهب إلى هذا كثير من المفسرين إلى أن قال: وقد وردت هذه القصة من وجوه حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات، تتضمن أن الأنصار قالوا: إنما جعلناهم على دينهم، أي دين اليهود، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا، وأن الله جاء بالإسلام فلنكرهنهم، فلما نزلت خير الأنباء -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكرههم على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدوا الجزية.

واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ} الآيتين. وفي سبب نزولما أخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمي راغبة، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أأصلها؟ قال: نعم. فأنزل الله فيها: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ} وأخرج أحمد والبزار والحاكم، وصححه عن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، فقدمت على ابنتها بهدايا، فأبت أسماء أن تقبل منها، أو تدخلها منزلها، حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها، فأنزل الله: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ} الآية.

وقال ابن كثير –رحمه الله-: لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم كالنساء والضعفة منهم، وقال في «فتح القدير»: قال زيد: كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال، قال قتادة: نسختها: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ} وقيل: هذا الحكم كان ثابتًا في الصلح بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين قريش، فلما زال الصلح لفتح مكة نسخ الحكم.

وقيل: خاصة في خلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بينه وبينه عهد، قاله الحسن، وقال مجاهد: هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا، وقيل: هي خاصة بالنساء والصبيان، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}.

قال البغوي –رحمه الله-: كان في ابتداء الإسلام أمر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالكف عن قتال المشركين، ثم لما هاجروا إلى المدينة، أمره قتال مَنْ قاتله منهم بهذه الآية، وقال الربيع بن أنس: هذه أول آية نزلت في القتال، ثم أمره بقتال المشركين كافة، قاتلوا ولم يقاتلوا، يقول: اقتلوا المشركين، فصارت هذه الآية منسوخة بها، وقيل: نسخ بقوله: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ} قريب من سبعين آية. اهـ.

وفي «فتح القدير»: وقال جماعة من السلف: إن المراد بقوله {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم.



وقال في «فتح البيان»: في مقاصد القرآن على قوله تعالى: {وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ} الآية.

المعنى: واقتلوهم حيث وجدتموهم وأدركتموهم في الحل والحرم، وإن لم يبتدؤوكم، وتحقيق القول: إن الله تعالى أمر بالجهاد في الآية الأولى، بشرط إقدام الكفار على القتال، وفي هذه الآية أمرهم بالجهاد معهم، سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا، واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام. انتهى كلامه (1 /249).

وفيما أرى أن القائل أن الكفار لا يقاتلون إلا دفاعًا فقط ما يخلو من أمرين: إما أن تكون من أعداء المسلمين قصده تثبيطهم عن الجهاد على ما هم عليه من الوهن والكسل؛ وإما أن يكون جاهلاً بنصوص الكتاب والسُّنة، وغزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وفتوحاتهم، وغليك أدلة أخرى ليقنع بها من لم يقنع بما سبق من الأدلة الدالة على أنه يجب قتالهم ابتداء.

فعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر بعث جيوشًا إلى الشام، فخرج يشيعهم، فمشى مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فقال يزيد لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال له: ما أنت بنازل، ولا أنا براكب، إني أحتسب خطاي في سبيل الله، ثم قال: إنك ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قومًا فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، فإني موصيك بعشر: لا تقتل امرأة ولا صبيًا... إلخ، رواه مالك.

وعن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فأسلم الهرمزان، قال: إني مستشيرك في مغازيّ هذه، قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وجناحان، وله رجلان؛ فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان والرأس؛ فإن شدخ ذهبت الرجلان والجناحان، قال: فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى.

قال جبير بن حية: فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا كسرى في أربعين ألفًا، فقام ترجمان، فقال: ليكلمني رجل منكم.

فقال المغيرة: سل عما شئت، فقال: ما أنتم؟ قال: نحن ناس من العرب كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك، إذ بعث رب السموات ورب الأرضين إلينا نبينا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمر نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا، أنه مَنْ قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثله، ومَنْ بقي منا يملك رقابكم. رواه الترمذي والبخاري بلفظه.

وعن أبي وائل، قال: كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس: بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران، في ملأ فارس، سلام على مَنْ اتبع الهدى؛ أما بعد، فإنا ندعوكم إلى الإسلام، فإن أبيتم فإننا قوم يحبون القتل في سبيل الله، كما يحب فارس الخمر، والسلام على مَنْ اتبع الهدى. رواه في «شرح السُّنة»، وفي مختصر السيرة، ولما فرغ خالد من قتال أهل اليمامة وأهل الردة، انصرف راجعًا إلى المدينة.

وقيل: لما دخل السنة الثانية من خلافة أبي بكر، كتب إلى خالد: إذا فرغت من اليمامة فسر إلى العراق، فقد وليتك حرب فارس والحيرة، فسار إلى العراق في بضعة وثلاثين ألفًا، إلى أن قال ثم سار خالد إلى أيلة، وخرج له هرمز في مائة وعشرين ألفًا، إلى أن قال: ثم زحف إلى المسلمين فاقتتلوا، فانهزم أهل فارس، وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل، فقتل الله من المشركين سبعين ألفًا، وقتل خالد هرمزًا، ونقله أبو بكر قلنسوته، وكانت تساوي مائة ألف، وسميت هذه الوقعة ذات السلاسل.

وفي إبادة دعوى مدعي الدفاع في نصوص الغزو والجهاد، قال ابن القيم في «الزاد»: كانت غزواته صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين، وقيل: هي سبع وعشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل غير ذلك؛ وأما سراياه وبعوثه، فقريب من ستين، وكانت كلها بعد الهجرة في مدة عشر سنين، فأقول: ولم يعهد فيهن أن العدو قصده وهاجمه في بلده في المدينة وحواليها قط، بل هو الذي كان يغزوهم حيثما كانوا، مما يبلغه الخف والحافر، كما مرّ، إلا غزوتي أُحد والأحزاب، جاءت قريش فيهما غضبًا وحنقًا، لما أصابهم في غزوة بدر المشهورة من قتل صناديدهم وأسرهم.

وغزا غزوتين أيضًا -صلى الله عليه وسلم- على ظن قدوم العدو فيهما: إحداهما: بدر الثانية حسب وعد أبي سفيان بن حرب فأخلف الوعد فلم يحضرها، والأخرى: غزوة تبوك، سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هرقل قد جمع جموعًا كثيرة لغزوه، فبادرهم وغزهم، فلم يجد فيها العدو، فأقام بتبوك بضع عشرة ليلة، ثم انصرف قافلاً إلى المدينة. فغير هذه الأربع لم ينقل أن العدو قدم غليه في المدينة أو قصده أين ما كان، فغير ممكن أن يقصد العدو غزو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهم يخافونه في دورهم. اهـ كلامه.

وفي المجلد (8) من «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (ص356)، قال: أيما طائفة انتسبت إلى الإسلام، وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة؛ فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله، كما قاتل الصديق أبو بكر وسائر الصحابة مانعي الزكاة، وكان قد توقف في قتالهم بعض الصحابة، ثم اتفقوا حتى قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالواها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»؟ فقال له أبو بكر: فإن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق.

وقال –رحمه الله- في (354): وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين.

وقال في (ص 357 - 359): فثبت بالكتاب والسُّنة وإجماع الأمة، أن يقاتل مَنْ خرج عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين.

وقد اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة لو تركت السُّنة الراتبة كركعتي الفجر، هل يجوز قتالها؟ على قولين: فأما الواجبات والمحرمات الظاهرة والمستفيضة فيقاتل عليها بالاتفاق حتى يلتزموا أن يقيموا الصلوات المكتوبات، ويؤدوا الزكاة وبصوموا شهر رمضان، ويحجوا البيت ويلتزموا ترك المحرمات من نكاح الأخوات، وأكل الخبائث والاعتداء على المسلمين في النفوس والأموال ونحو ذلك.

وقتال هؤلاء واجب ابتداء بعد بلوغ دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم بما يقاتلون عليه؛ فأما إذا بدأوا المسلمين فيتأكد قتالهم -كما ذكرنا- وفي قتال الممتنعين من المعتدين قطاع الطريق، وأبلغ الجهاد الواجب للكفار والممتنعين عن بعض الشرائع، كما نعى الزكاة، والخوارج، ونحوهم يجب ابتداءً ودفعًا.

فإذا كان ابتداء، فهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لن قام، كما قال تعالى: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} الآية؛ فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبًا على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم كما قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}.

وكما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن، وهذا يجب حسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما أن المسلمين لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج، بل ذم الذين يستأذنون النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً}.

فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار، وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه، ولإرهاب العدو كغزوة تبوك ونحوها، فهذا النوع من العقوبة هي للطوائف الممتنعة.
وقال في (ص503): فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، وعن التزام تحريم الدماء، والأموال والخمر والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، وعن التزام جهاد الكفار وضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته، التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها؛ فإن الطائفة الممتنعة تقاتل، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء.

وقال في (ص510): كل طائفة خرجت عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق المسلمين، وإن تكلمت بالشهادتين، فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس، وجب قتالهم حتى يصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن الصيام في شهر رمضان، أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة.

وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء، والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها، بحكم الكتاب والسُّنة.

وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار إلى أن يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسُّنة واتباع سلف الأمة وأئمتها، مثل أن يظهروا الإلحاد في أسماء الله وآياته والتكذيب بأسماء الله وصفاته، والتكذيب بقدره وقضائه، أو التكذيب بما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، أو مقاتلة المسلمين، حتى يدخلوا في طاعتهم التي توجب الخروج من شريعة الإسلام، وأمثال هذه الأمور، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله. اهـ.

وقال –رحمه الله- في «الصارم المسلول على شاتم الرسول -صلى الله عليه وسلم-» (ص 219): وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ}، {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} ونحوها في القرآن مما أمر الله به المؤمنين بالعفو والصفح عن المشركين؛ فإنه نسخ ذلك كله قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ}، وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ} إلى قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}، فنسخ هذا عفوه عن المشركين، وكذا روى الإمام أحمد وغيره عن قتادة قال: أمر الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح، حتى يأتي الله بأمره وقضائه.

ثم أنزل الله عز وجل براءة فأتى الله بأمره وقضائه، فقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية. قال: فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، وأمر الله فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يقروا بالجزية صغارًا ونقمة لهم.

وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن الزهري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يكن يقاتل من كف عن قتاله كقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} إلى أن نزلت براءة، وجملة ذلك أنه لما نزلت براءة أمر أن يبتدئ جميع الكفار بالقتال، وثنيهم وكتابيهم، سواء كفوا أو لم يكفوا، وأن ينبذ إليهم تلك العهود المطلقة التي كانت بينه وبينهم،
وقيل له فيها: {جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} بعد أن كان قد قيل له: {وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ}؛ ولهذا قال زيد بن أسلم: نسخت هذه الآية ما كان قبلها. اهـ.

وقال ابن القيم في «الهدى»: ثم فرض القتال عليهم بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم، فقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} .

ثم فرض قتال المشركين كافة، وكان محرمًا ثم مأذونًا به.

ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال.

ثم مأمورًا به لجميع المشركين، إما فرض عين على أحد القولين، أو فرض كفاية على المشهور.

وقال: ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، فأمره أن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوفى لهم به ما استقاموا على العهد؛ فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنبذ العهد، وأمر أن يقاتل من نقض عهده.

ولما نزلت سورة براءة نزلت ببيان حكم مدة الأقسام كلها، فأمره أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ويدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان، وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار، ونبذ عهودهم إليهم.

وجعل العهد في ذلك ثلاثة أقسام: قسمًا أمره بقتالهم، وهم الذين نقضوا عهده، ولم يستقيموا له، فحاربهم وظهر عليهم، وقسمًا لهم عهد مؤقت لم ينقضوه، ولم يظاهروا عليه، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم، وقسمًا لم يكن لهم عهد، ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر؛ فإذا انسلخت قاتلهم. انتهى (ص208).

وقال إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-: اعلم وفقنا الله وإياك للإيمان بالله ورسله أن الله سبحانه قال في كتابه: {اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} فتأمل هذا الكلام أن الله أمر بقتلهم وحصرهم، والقعود لهم كل مرصد إلى أن يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.

وقال –رحمه الله- في «مختصر السيرة» (ص 105 - 106): ولما استقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وأيده الله بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم بعد العداوة، ومنعته أنصار الله من الأحمر والأسود، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، والله يأمر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو والصفح، حتى قويت الشوكة، فحينئذ أذن لهم في القتال، ولم يفرضه عليهم؛ فقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} وهي أول آية نزلت في القتال، ثم فرض عليهم قتال من قاتلهم، فقال تعالى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } [190 :2] الآية.

ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة؛ فقال تعالى: {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [36 : 9].

ومن جواب لأبنائه –رحمهم الله-: وأما من بلغته دعوتنا توحيد الله والعمل بفرائض الله وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك بالله، وترك فرائض الإسلام، فهذا نكفره ونقاتله ونشن عليه الغارة بدياره بل بداره.

ومن كلام للشيخ عبد الله أبا بطين -رحمه الله-: لو أن طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام قوتلوا، وإن لم يكونوا كفارًا ولا مشركين ودارهم دار الإسلام. انتهى.

وفي تيسير الوحيين للشيخ عبد العزيز بن راشد: قد أوجب الله على المسلمين أن يبدأوا بالقتال مَنْ أبى الإسلام من الكفار والمشركين بعد دعوتهم إلى الخضوع له و الدخول فيه حيث كانوا، وفرض على الأمة أن تهاجمهم وتبدأهم به كل وقت سوى الأشهر الحرم.

قال: وقد ذكر الله ما قلنا مصوبًا له عن سليمان –عليه السلام- مع ملكة سبأ بادئًا بالدعوة إلى الإسلام، ومهددًا لها بالإخراج والقتل إذا لم تذعن للحق والدخول تحت سلطانه، كما ذكره عن غيره من إخوانه، كما يدل على خطأ وضعف استدلال من يمنع بدء المسلمين قتال الكفار ما لم يبدؤنا به بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا} لدخولهم في الذين أمرنا بقتالهم، إذ ليس فيها المنع من قتالهم ولا النهي عن بدئهم به؛ لأن النهي عن الاعتداء نهي عن ظلم كل من خضع للإسلام، سواء دان به واتبعه كالذمي.

وليس بدء أهل الكفر بالقتال بعد إبائهم عن الإذعان والدخول تحت سلطان الإسلام اعتداء عليهم وظلمًا، بل ذلك لمصلحتهم كالسفيه، ولحق الإسلام كقتل مانع الزكاة، والمرتد عن الدين؛ ولأنه لمنعهم عن الظلم والعدوان يدل على هذا قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وبدءهم المشركين والفرس والروم، بعد رفض رؤساهم كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير اعتداء منهم على أحد من المسلمين، ولا منع داعي إلى الإسلام.

ولكنها مكيدة أفرنجية، ونزعة أوربية أُريد بها تأخير المسلمين وموتهم على ما هم فيه من الضعف، وما علاهم من ذل الاستعباد، ثم ساق الأدلة الواضحة، وقال بعدها هذه الجملة:
من آي الذكر تدل على أن الله أوجب على المسلمين أن يبدأوا الكفار والمشركين بالقتال، أنى كانوا وحيثما وجدوا، ولا يكفوا عن قتلهم وقتالهم ما لم يدخلوا في الإسلام، ويعطوا الجزية التي يفرضها عليهم سواء اعتدوا على المسلمين وصدوا عن الإسلام، أم أذعنوا للداعين إليه في بلادهم معرضين عن قبوله.

كما دل عليه عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الصحابة من بعده عليه، إذا لم يعرف منهم مخالف قط.

فمدعي أن الإسلام لا يجيز بداءة عدوه بالقتال متقول عليه ما ليس فيه، إذ من حكمته أنه لم يأمر بالقتال حين كان ضعيفًا بين أعدائه، فلما ناوءه بمكة أمر الله نبيه بالهجرة، وشرع لهم وأوجب عليهم مهاجمة كل آب. انتهى.

وقال في إبادة دعوى مدعي الدفاع، بنصوص الغزو والجهاد.
الشيخ صالح ابن أحمد نزيل المدينة: ومغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلومة مشهورة، كانت راياته ترفرف في البلدان النائية، في الشام وتبوك ومؤتة ونجد ومكة وحنين والطائف واليمن وغير ذلك.

وهذه البلدان معلوم أنها تبعد عن المدينة بمراحل طويلة، منها ما يبعد عن المدينة نصف شهر، ومنها ما يبعد أكثر من ذلك، ومنها دون ذلك.. إلى أن قال: ثم استدل المدافعون بقوله تعالى: {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}.

قال المدافعون: جهاد الكفار وإكراههم في دين الإسلام لإعلاء كلمة الله بدون أن يتعرضوا بسوء على المسلمين، فهو من الاعتداء المنهي عنه في القرآن، وهذا الفهم فهم خاطئ.

فنقول وبالله التوفيق:
قتال الكفار واجب حيثما كانوا بعد عرض الدعوة عليهم، وبعد ذلك بعد الاعتداء منهم لا ممَّن قاتلهم، وذلك بأن الشرك بالله سبحانه وتعالى، الذي هم فيه هو بنفسه جناية واعتداء على الله، وفساد كبير في الأرض، والله سبحانه أمر بإزالته بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} هذه الآية والحديث السابق عن ابن عمر صريحان بأن سبب الجهاد وقتال المشركين هو الشرك بالله لا غير، ولا ينتهي قتالهم إلا بانتهائه الذي هو السبب، ولا ينتهي المسبب حتى ينتهي السبب، وحتى في العربية معلومة أنها للغاية.

ثم ساق حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي» أخرجه مسلم. وفي رواية لمسلم أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : «إنما مثلي ومثل أمتي» إلخ.

هذا الحديث عام؛ ولكنه يتناول الكفار تناولاً أوليًا؛ لأنهم أقرب إلى هذه الصفة، وهم من أمة الدعوة لا من أمة الإجابة، وخصوصًا على رواية: «إنما مثلي ومثل أمتي»، قال: ولم يزل رسول الله –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه يقاتلون الكفار حيث ما كانوا، إلى أن أسلم من في جزيرة العرب؛ إلا يسيرًا منهم، طوعًا أو كرهًا.

ولقي رسول الله –عليه الصلاة والسلام- ربه سبحانه وتعالى، وهو قرير عين.

ثم قام أصحابه الكرام الأسد الظماء بسنته -صلى الله عليه وسلم- ، فجاهدوا وفتحوا العراق والشام ومصر والروم قهرًا لإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى؛ وهذا الذي يعلمه علماء المسلمين من سُّنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ويتمنونه.

وأما في رأي إخواننا المدافعين، لم يشرع الله جهاد الكفار لإكراههم في الدين أو أخذ الجزية منهم، وما كان قتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للكفار إلا دفاعًا في زعمهم، فلم يصدقوا فيما زعموا، وزادوا المسلمين بزعمهم هذا ثبوطًا مع ثبوطهم، وصوبوا لهم ما هم فيه، ولعل أن يغتر بهم بعض الناس، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن العجائب أن نسمع من هذا الفريق من يقول: الجهاد، فلا أدري ما معنى الجهاد عندهم؛ فإن كان الجهاد هو غزو الكفار بالمال والنفس لإعلاء كلمة الله، كما هو عرف الشرع، وما يعرفه المسلمون، فقد أنكروه وخطئوا فاعله من حيث رسول الله لم يفعله بزعمهم الخاطئ إنما قاتل دفاعًا، وإن كان على عرفهم أن الجهاد هو دفع العدو عن النفس والوطن، فهو شيء طبيعي
لا مزية لمن قام به، حتى أضعف الحيوان يدافع عن نفسه إلى أن يعجز، إلا أن يقال في حق المؤمن، إذا مات دون ماله ونفسه فهو شهيد.

ويقول أحد الكتاب المعاصرين المعروفين حول موضوع الجهاد في سبيل الله: والذي يدرك طبيعة هذا الدين على النحو المتقدم يدرك معها حتمًا الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان، ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية كما يريده المهزومون أمام الضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام –إلى أن قال: وأما محاولة مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية ومحاولة البحث عن أسانيد الإثبات، أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان من القوى المجاورة على الوطن الإسلامي هو في عرف بعضهم جزيرة العرب، فهي محاولة تنم على قلة إدراك لطبيعة هذا الدين ولطيعة الدور الذي جاء به في الأرض، كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر؛ وأما الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي ترى لو أن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- قد أمنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذًا عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض؟

وكيف كانوا يدفعون هذا المد وأمام الدعوة تلك العقبات، إلى أن قال: إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير الإنسان: نوع الإنسان... في الأرض، ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان إنها تجاهد باللسان والبيان حينما تخلي بينهما وبين الأفراد تخاطبهم بحرية وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات فهنا الإكراه في الدين؛ أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية فلابد من إزالتها أولاً بالقوة لتتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله وهو طليق من هذه الأغلال.

إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان إعلانًا جادًا يواجه الواقع الفعلي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه ولا يكتفي بالبيان الفلسفي النظري سواء كان الوطن الإسلامي، وبالتعبير الإسلامي الصحيح دار إسلام آمنًا أم مهددًا من جيرانه.

فالإسلام حين يسعى إلى السلم لا يقصد تلك السلم الرخيصة وهي مجرد أن يؤمن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية إنما هو يريد السلم التي يكون الدين فيها كله لله أي يكون عبودية للناس كلهم فيها لله، والتي لا يتخذ الناس بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، والعبرة بنهاية المراحل التي وصلت إليها الحركة الجهادية في الإسلام بأمر من الله لا بأوائل أيام الدعوة ولا بأوساطها... إلخ.

وختامًا:
فإن القول الذي تطمئن إليه النفس أنه يجب قتال الكفار ابتداءً ودفاعًا كما علم من الأدلة المتقدمة. والله سبحانه أعلم.

س28: تكلم عما يلي: النفر بعد الإقامة إذا نوى لحادثة يشاور عليها، الدليل على أن أفضل متطوع به من العبادات الجهاد. أيهما أفضل غزو البر أم البحر؟ وما الذي تكفره الشهادة؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.

ج: لا ينفر بعد الإقامة للصلاة، ولو نودي بالصلاة والنفير، والعدو بعيد صلى ثم نفر، ومع قرب العدو ينفر ويصلي راكبًا أفضل. ويجوز أن يصلي ثم ينفر، ولو نوى: الصلاة جامعة لحادثة يشاور فيها لم يتأخر أحد بلا عذر له، لوجوب جهاد بغاية ما يمكن من بدن ورأي وتدبير، والحرب خدعة.

والدليل على أنه أفضل متطوع به قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} الآية.

وقد روى أبو سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله» متفق عليه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله –عليه الصلاة والسلام- أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، وقيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» متفق عليه.

وروى أبو هريرة أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله، فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل» رواه مسلم. وروى البخاري بعضه.

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة»، فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله، فأعادها عليه، ثم قال: «وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض»، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» رواه مسلم.
وغزو البحر أفضل من غزو البر، لما روى أبو داود، عن أم حرام، عن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر الشهيد، والغرق له أجر شهيد».

وروى ابن ماجه بإسناده، عن أبي أمامة قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وإن الله وكّلَ مَلَكَ الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر؛ فإن الله يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدَّين، ولشهيد البحر الذنوب والدَّين» ولأن غزو البحر أعظم خطرًا؛ فإنه بين خطر القتال والغرق، ولا يمكنه الفرار دون أصحابه.

وتكفر الشهادة الذنوب غير الدين؛ لما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يغفر الله للشهيد كل شيء إلا الدين» رواه مسلم، وفي رواية له: «القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين».
وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فيهم، فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر»، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «كيف قلت؟»، قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عن خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم، وأنت صابر محتسب غير مدبر إلا الدين؛ فإن جبريل –عليه السلام- قال ذلك» رواه مسلم.

س29: تكلم بوضوح عن تشييع الغازي وتلقيه، وعن الغزو مع الأمير البر والفاجر، وعن جهاد العدو المجاور، ومع تساوٍ في قرب وبعد بين عدوين، وأحدهما أهل كتاب، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.

ج: يُسن تشييع الغازي؛ لما ورد عن سهل بن معاذ، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لأن أشيع غازيًا فأكفيه في رحله غدوة أو روحة أحب إليّ من الدنيا وما فيها» رواه أحمد وابن ماجه.

وعن أبي بكر الصديق أنه شيع يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام... الخبر، وفيه: إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله؛ لأن عليًا - رضي الله عنه - شيع النبي في غزوة تبوك، ولم يتلقه، احتج به أحمد، شيع أبا الحارث ونعلاه في يده. ذهب إلى فعل أبي بكر، أراد أن تغبر قدماه في سبيل الله، وشيع النبي صلى الله
عليه وسلم النفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف إلى بقيع الغرقد. رواه أحمد، وشيع أحمد أمه للحج.

وأما تلقي الغازي، فقيل: لا يستحب لما تقدم؛ ولأنه تهنئته بالسلامة من الشهادة، وفيه وجه كالحاج؛ لحديث السائب بن يزيد، قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع، قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، وللبخاري نحوه.

ويغزي مع كل أمير بر وفاجر يحفظان المسلمين، وقد روى أبو داود بإسناده، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًا كان أو فاجرًا» وبإسناده عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، والإيمان بالأقدار».

وفي الصحيح: «أن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر؛ ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطع الجهاد، وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكفر وفيه فساد عظيم». قال الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ}.

وجهاد العدو المجاور متعين لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ} ولأن اشتغالهم بالبعيد يمكن التقريب من انتهاز الفرصة، إلا لحاجة إلا قتال الأبعد، كأن يكون الأبعد أخوف، أو لغوته وإمكان الفرصة أو يكون الأقرب مهادنًا، أو يمنع من قتاله مانع فيبدأ بالأبعد للحاجة ومع تساو في بعد وقرب بين عدوين وأحدهما أهل كتاب، جهاد أهل الكتاب أفضل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأم خلاد: «إن ابنك له أجر شهيدين»، قالت: ولِمَ ذاك يا رسول الله، قال: «لأنه قتله أهل كتاب» رواه أبو داود؛ ولأنهم يقاتلون عن دين.

س30: ما هو الرباط؟ وما حكمه؟ وما أقله؟ وما أكثره؟ وما أفضله؟ وأيما أفضل أهو أم المقام بمكة والصلاة بمكة أم بالثغر؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.

ج: يُسن الرباط وهو الإقامة بثغر تقوية للمسلمين، مأخوذ من رباط الخيل؛ لأن هؤلاء يربطون خيولهم وهؤلاء يربطون خيولهم، كل يعد لصاحبه، والثغر كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم، قال أحمد: وعن عثمان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رباط يوم في سبيل الله، خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل» رواه الترمذي والنسائي.

وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها» متفق عليه.
وعن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان» رواه مسلم، وإن زاد: الرباط أربعين يومًا فله أجره كسائر أعمال البر.

والرباط بأشد الثغور خوفًا أفضل؛ لأن مقامه به أنفع، وأهله به أحوج، والرباط أفضل من المقام بمكة، ذكره الشيخ تقي الدين إجماعًا، والصلاة بمكة أفضل من الصلاة بالثغر، وكره لمريد ثغر نقله أهله من الذرية والنساء إلى الثغر إن كان مخوفًا؛ لقول عمر: لا تنزلوا المسلمين خيفة البحر. رواه الأثرم، وقال: كيف لا أخاف الإثم وهو يعرض ذريته للمشركين، وإلا يكن الثغر مخوفًا فلا يكره نقل أهله إليه، كما لا تكره الإقامة لأهل الثغر به بأهليهم، وإن كان مخوفًا لأنه لابد لهم من الكنى بهم، وإلا لخربت الثغور وتعطلت.



المجلد الثالث 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:18 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49229
العمر : 72

المجلد الثالث Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث Emptyالسبت 14 نوفمبر 2015, 10:05 pm

5 - الهجرة
س31: تكلم عن الهجرة، وبين من تجب عليه، وهل حكمها باق، ومن الذي تسن في حقه؟ واذكر ما تعرفه عن هجران أهل المعاصي واذكر ما تستحضره من الأدلة باستقصاء.

ج: الهجرة الانتقال من بلد الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان، وتجب الهجرة على عاجز عن إظهار دينه بمحل يغلب فيه حكم كفر أو بدع مضلة. إحرازًا لدينه لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} الآيات، وقال: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.

وقال تعالى: {إِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

قال الحسن البصري: لا يجوز له القعود معهم، خاضوا أو لم يخوضوا؛ لقوله تعالى: {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

وقال تعالى: {إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}.

قال شيخ الإسلام: فعلم أن الطائفة المعفو عنها عاصية لا كافرة، إما بسماع الكفر دون إنكاره، والجلوس مع الذين يخوضون في آيات الله، أو كلام هو ذنب وليس هو كفر، أو غير ذلك من الذنوب. انتهى.

وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله» رواه أبو داود، وعن جرير ابن عبد الله -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ةناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرهم بنصف العقل، وقال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين»، قالوا: يا رسول الله، ولِمَ؟ قال: «لا تراءي نارهما» رواه أبو داود والترمذي.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «أنا بريء من أهل ملتين تتراءى ناراهما»، وقال: «لا تستضيئوا بنار المشركين».

وقال: «من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقبل الله من مشرك عملاً بعد ما أسلم، أو يفارق المشركين»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يعلم لذي دين دينه، إلا من فر من شاهق إلى شاهق».

ومنها حديث لقيط بن صبرة لما قال: يا رسول الله على ما أبايعك؟ فبسط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، وقال: «على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وزيال المشرك، وأن لا تشرك بالله شيئًا».

قال ابن القيم -رحمه الله- في الكلام عليه: قوله في عقد البيعة وزيال المشرك أي مفارقته ومعاداته، فلا تجاوره ولا تواكله، كما جاء في حديث: «لا تراءى نارهما» انتهى؛ ولأن القيام بأمر الدين واجب، والهجرة من ضرورة الواجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ويحرم السفر إلى محل يغلب فيه حكم كفر، أو بدع مضلة، ولا يقدر على إظهار دينه به، ولو كان سفره لتجارة؛ لأن ربحه المظنون لا يفي بخسرانه المحقق في دينه، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على وجوب الهجرة من ديار الكفر لمن قدر على ذلك.

قال ابن كثير -رحمه الله- على قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}.

هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حرامًا بالإجماع وبنص هذه الآية.

وكلام العلماء في المنع من الإقامة عند المشركين، وتحريم مجامعتهم ووجوب مباينتهم كثيرٌ معروف، خصوصًا في كتب أئمة الدعوة، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وأولاده.

ولا تجب الهجرة عن أهل المعاصي؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» الحديث، والعمل عليه عند أهل العلم.

وهجران أهل المعاصي، كما قال شيخ الإسلام في (ج27) من «مجموع الفتاوى»: الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات. والثاني: بمعنى العقوبة عليها؛ فالأول هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}، {إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ} فهذا يُراد به أن لا يشهد المنكرات لغير حاجة، وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه».

ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان؛ فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.

النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من ظهر المنكرات حتى يتوب منها، كما هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون، الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقًا، فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير والتعزير يكون لمن أظهر ترك واجبات، وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسُّنة، وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.

وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم، ولا يصلي خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون، فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة، بخلاف الكاتم؛ فإنه ليس شرًا من المنافقين الذين كان -صلى الله عليه وسلم- يقبل علانيتهم وبكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم؛ ولهذا جاء في الحديث: «إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها؛ ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة»، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»، فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها بخلاف الباطنة؛ فإن عقوبتها على صاحبها خاصة.

وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زحر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله؛ فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفته، كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.

والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قومًا ويهجر آخرين.

وإذا اجتمع بالرجل خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسُّنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب، بقدر ما استحق من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب، بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السُّنة والجماعة، انتهى (ص203، 204، 205، 206، 209) ملخصًا.

وتُسن الهجرة لقادر على إظهار دينه بنحو دار الكفر، ليتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ويتمكن من جهادهم وإعانة المسلمين ويكثرهم؛ لما ورد عن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه أحمد وأبو داود.

وعن عبد الله بن السعدي -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو» رواه أحمد والنسائي. وعنه -صلى الله عليه وسلم-: «لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد» رواه سعيد وغيره، مع إطلاق الآيات والأخبار، وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان؛ وأما حديث: «لا هجرة بعد الفتح» يعني من مكة إلى المدينة، وكل بلد فتح لا تبقى منه هجرة؛ إنما الهجرة إليه؛ لأن الهجرة الخروج من بلد الكفر، فإذا فتح لم يبق بلد كفار، فلا تبقى من هجرة.

س32: ما حكم التطوع بالجهاد في حق من عليه دين، وفي حق من أحد أبويه حر مسلم لم يأذن، أو جد، أو جدة، وذكر الأدلة.

ج: لا يتطوع به من عليه دين إلا بإذن غريمه، إلا أن يقيم ضامنًا مليئًا، أو رهنًا محرزًا، أو يكون له من يقضيه عنه؛ لما روى أبو قتادة: أن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، إن قتلت في سبيل الله يكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر».

ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كيف قلت؟» قال: أرأيت إن قتلت في سبل الله يكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين؛ فإن جبريل قال لي ذلك» رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه.

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» رواه مسلم. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة»، فقال: «إلا الدين»، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إلا الدين» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.

وروى ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، أجاهد؟ قال: «لك أبوان؟» قال: نعم، قال: «فيهما فجاهد». قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وروى أبو داود، عن أبي سعيد أن رجلاً هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: «هل لك أحد باليمن؟» فقال: أبواي، فقال: «أذنا لك؟» قال: لا، قال: «فارجع فاستأذنهما؛ فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما» ولأن فرض أداء الدين متعين عليه، فلا يجوز تركه لفرض على الكفاية يقوم غيره فيه مقامه، والمؤجل كالحال؛ لأنه يعرض نفسه للقتل، فيضيع الحق؛ فإن كان وفاء جاز؛ لأن عبد الله بن حرام والد جابر، خرج إلى أحد وعليه ديون كثيرة فاستشهد وقضى عنه ابنه مع علمه -صلى الله عليه وسلم- من غير نكير، ولعدم ضياع حق الغريم إذن.

ومن كان أحد أبويه مسلمًا لم يجز له الجهاد إلا بإذنه؛ لما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه. وفي رواية: أتى رجل، فقال: يا رسول الله، إني جئت أريد الجهاد معك، وقد أتيت وإن والدي يبكيان، قال: «فارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وعن أبي سعيد أن رجلاً هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليمن، فقال: «هل لك أحد باليمن؟» فقال أبواي، فقال: «أذنا لك؟» فقال: لا، قال: «ارجع إليهما فاستأذنهما؛ فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما» رواه أبو داود.

ومن معاوية بن جاهمة السلمي، أن جاهمة أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: «هل من أم؟» قال: نعم، قال: «الزمها؛ فإن الجنة عند رجليها» رواه أحمد والنسائي.

وعن ابن مسعود قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أيّ؟ قال: «بر الوالدين». قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» الحديث متفق عليه، وقال رجل لابن عباس: إني نذرت أن أغزو الروم، وإن أبوي منعاني، فقال: أطع أبويك؛ فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك.

وهذا كله إن لم يتعين عليه، فإذا تعين فتركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وتقدمت المواضع التي يتعين فيها الجهاد، فيسقط إذنهما، وإذن غريم؛ لكن يستحب للمديون أن لا يتعرض لمكان القتل من المبارزة، والوقوف في أول المقاتلة؛ لأن فيه تغرير بتفويت الحق.

ولا طاعة للوالدين في ترك فريضة، كتعليم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك، وإن لم يحصل ما وجب عليه من العلم ببلده، فله السفر لطلبه بلا إذنهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ولا إذن لجد ولا جدة لظاهر الأخبار، ولا الكافرين لفعل الصحابة، ولا الرقيقين لعدم الولاية، ولا المجنون؛ لأنه لا حكم لقولهما.

فإن خرج في جهاد تطوع بإذنهما، ثم منعاه منه بعد سيره، وقيل: تعيينه عليه، فعليه الرجوع لأنه معنى لو وجد في الابتداء منع فمنع إذا وجد في أثنائه كسائر الموانع، إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع، أو يكون له عذر من مرض ونحوه؛ فإن أمكنه الإقامة في الطريق، أقام حتى يقدر على الرجوع فيرجع، وإلا مضى مع الجيش.

وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره، وسقط إذنهما، وإن كان كافرين فأسلما ثم منعا، كان كمنعهما بعد إذنهما، على ما تقدم، وكذا حكم الغريم يأذن ثم يرجع.

فإن عرض للمجاهد في نفسه مرض أو عمى أو عرج، فله الانصراف، ولو بعد التقاء الصفين لخروجه عن أهلية الوجوب، وإن أذن له أبواه في الجهاد، وشرطا عليه أن لا يقاتل، فحضر القتال تعين عليه وسقط شرطهما.

س33: تكلم بوضوح عن حكم الدعوة إلى الإسلام، واذكر ما تستحضره من الأدلة والخلاف والتفصيل والتعليل والترجيح.

ج: في المسألة أقوال: الأولى: إن الدعوة إلى الإسلام تجب، عن ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومًا قط، إلا إذا دعاهم. رواه أحمد.

وعن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش، أمره بتقوى الله تعالى في خاصة نفسه، وبمَنْ معه من المسلمين خيرًا، وقال: «إذا التقيت عدوك المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث، فإن هم أجابوك إليها فاقبل منهم، وكفَّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن هم أبوا فادعهم إلى إماطة الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» رواه مسلم.

وعن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، أقاتل بمقبل قومي ومدبرهم، قال: «نعم»، فلما وليت دعاني، فقال: «لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام» رواه أحمد.

وعن سهل بن سعد، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر، فقال: «أين علي؟» فقيل: إنه يشتكي عينيه، فأمر فدعى له، فبصق في عينيه فبرأ مكانه، حتى كأن لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: «على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهتدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم» متفق عليه.
وبهذا القول قال مالك: وإنه يجب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة، ومن لم تبلغه.

والقول الثاني: لا يجب مطلقًا لما ورد عن عوف قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال؟ فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الإسلام، وقد أغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وأصاب يومئذ جويرة ابنة الحارث، حدثني به عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش. متفق عليه.

وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطًا من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عبد الله بن عتيك بيته ليلاً فقتله وهو نائم. رواه أحمد والبخاري. والقول الثالث: أنه يجب لمن تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب.

قال ابن المنذر: وهو قول جمهور أهل العلم، وهذا القول عندي أرجح؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد تظاهرت بذلك، وبه يجمع بين الأدلة. والله أعلم.

ويحرم القتال قبل الدعوة لمن لم تبلغه الدعوة؛ لحديث بريدة، وتقدم أول الجواب، وقيد ابن القيم وجوبها لمن لم تبلغه واستحبابها لمن بلغته بما إذا قصدهم المسلمون؛ أما إذا كان الكفار قاصدين للمسلمين بالقتال فللمسلمين قتالهم من غير دعوة دفعًا عن نفوسهم وحريمهم.

وأمر الجهاد موكول إلى الإمام، واجتهاده لأنه أعرف بحال الناس، وبحال العدو نكايتهم وقربهم وبعدهم، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك لقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، وقوله: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}.

س34: ما الذي ينبغي للإمام أن يبتدئ به نحو أمن البلاد؟ وإذا عدم الإمام فهل يؤخر الجهاد؟ وإذا حصلت لهم غنيمة فما الحكم؟

ج: ينبغي للإمام أن يبتدئ بترتيب قوم في أطراف البلاد يكفون من بإزائهم من المشركين، ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقهم وجميع مصالحهم؛ لأن أهم الأمور الأمن، وهذا طريقه، ويؤمر في كل ناحية أميرًا يقلد أمر الحرب، وتدبير الجهاد ويكون الأمير ممن له رأي وعقل وخبرة بالحرب ومكايد العدو، مع أمانة ورفق بالمسلمين، ونصح لهم ليحصل المقصود من إقامته.

ويوصي الإمام الأمير إذا ولاه بتقوى الله في نفسه، وأن لا يحمل المسلمين على مهلكة، ولا يأمرهم بدخول مطمورة يخاف أن يقتلوا تحتها؛ لحديث بريدة السابق، فإن فعل بأن حملهم على مهلكة، أو أمرهم بدخول مطمورة، يخاف أن يقتلوا تحتها، فقد أساء ويستغفر الله، ولا دية عليه، ولا كفارة إذا أصيب أحد منهم بطاعته؛ لأنه فعل ذلك باختياره.

فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد، لئلا يستولي العدو على المسلمين، وتظهر كلمة الكفر؛ وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع، كما يقسمها الإمام على ما يأتي في باب قسمة الغنيمة.

قال في «الإقناع»: قال القاضي: وتؤخر قسمة الغنيمة حتى يقوم إمام فيقسمها احتياطًا للفروج؛ فإن بعث الإمام جيشًا أو سرية وأمر عليهم أميرًا فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم، كما فعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في جيش مؤنة، لما قتل أمراؤهم، أمروا عليهم خالد بن الوليد، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فرضي أمرهم وصوب رأيهم وسمى خالدًا يومئذ سيف الله؛ فإن لم يقبل أحد منهم أن يتأمر عليهم دفعوا عن أنفسهم؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ولا يقيمون في أرض العدو إلا مع أمير يقيمونه أو يبعثه الإمام إليهم.

س35: تكلم عن فرار المسلمين من الكفار، وماذا يصنع من ألقي في مركبهم نار؟

ج: لا يحل لمسلم أن يهرب من كافرين، ويحرم فرار جماعة من مثليهم؛ لقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} وهذا أمر بلفظ الخبر؛ لأنه لو كان خبرًا بمعناه لم يكن تخفيفًا، ولوقع الخبر بخلاف المخبر، والأمر يقتضي الوجوب.

وقال ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر، ويلزمهم الثبات إن ظنوا التلف؛ لقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} ولأنه -صلى الله عليه وسلم- عد الفرار من الكبائر، ففي «الصحيحين» عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات».

ومن قصد بفراره التحيز إلى فئة، أو التحرف للقتال أبيح له؛ لأن الله تعالى قال: {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} ينضم إليهم ليقاتل، ومعنى التحرف للقتال أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، مثل أن يكون في موضع ضيق، فينحاز إلى سعة، أو من معطشة إلى ماء، أو من نزول إلى علو، أو من استقبال شمس أو ريح إلى استدبارها، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم، أو ليجد فيهم فرصة أو ليستند إلى جبل، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب.

وقد روي عن عمر أنه كان يومًا في خطبته إذ قال: يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم الذئب من استرعاه لغنم، فأنكرها الناس، فقال علي -رضي الله عنه-: دعوه، فلما نزل سألوه عما قال لهم، فلم يعترف به، وكان بعث إلى ناحية العراق جيشًا لغزوهم، فلما قدم ذلك الجيش أخبروا أنهم لقوا عدوهم يوم الجمعة، فظفر عليهم، فسمعوا صوت عمر فتحيزوا إلى الجبل، فنجوا من عدوهم وانتصروا عليهم.

وسواء قربت الفئة أو بعدت؛ لما روى ابن عمر أنه كان في سرية من سرايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحاص المسلمون حيصة عظيمة وكنت فيمن حاص، فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بغضب من الله، فجلسنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا، فقلنا له: نحن الفرارون، فقال: «لا، بل أنتم العكارون، أنا فئة كل مسلم» أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.
و عن عمر أنه قال: أنا فئة كل مسلم، وقال: لو أن أبا عبيدة تحيز إليّ لكنت له فئة، وكان أبو عبيدة بالعراق، وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار.

قال ابن عباس: لما نزلت: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم أن يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ} الآية، فلما خفف عنهم من العدد، نقص من الصبر بقدر ما خفف من القدر، رواه أبو داود.

وإذا خشي الأسر فالأولى أن يقاتل حتى يقتل ولا يسلم نفسه للأسر؛ لأنه يفوز بالثواب والدرجة الرفيعة ويسلم من تحكم الكفار عليه بالتعذيب والاستخدام والفتنة.

فإن استأسر جاز؛ لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث عشرة عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، فنفرت إليهم هذيل بقريب من مائة رجل رام، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، فقالوا لهم: أنزلوا فأعطونا أيديكم ولكم العهد والميثاق، أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة مشرك فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصمًا مع سبعة معه، ونزل إليهم ثلاثة على العهد والميثاق منهم: خبيب وزيد بن الدثنة، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها. متفق عليه.

فعاصم أخذ بالعزيمة، وخبيب وزيد أخذا بالرخصة، وكلهم محمود غير مذموم ولا ملوم، والفرار أولى من الثبات إن ظنوا التلف بتركه، وإن ظنوا الظفر، فالثبات أولى من الفرار، بل يستحب الثبات لإعلاء كلمة الله، ولم يجب لأنهم لا يأمنون العطب، كما لو ظنوا الهلاك في الفرار والثبات، فيستحب الثبات، وأن يقاتلوا ولا يستأسروا؛ فإن جاء العدو بلدًا فلأهله التحصن معهم.

وإن كانوا أكثر من نصفهم ليلحقهم مدد أو قوة، ولا يكون ذلك توليًا ولا فرارًا؛ إنما التولي بعد اللقاء، وإن لقوهم خارج الحصن، فلهم التحيز إلى الحصن ليلحقهم مدد وقوة؛ لأنه بمنزلة التحرف للقتال، أو التحرف لفئة، وإن غزوا فذهبت دوابهم لشروط أو قتل، فليس ذلك عذرًا في الفرار، إذ القتال ممكن بدونها، وإن فروا قبل إحراز الغنيمة، فلا شيء لهم إن أحرزها غيرهم.

وإن قالوا أنهم فروا متحرفين للقتال فلا شيء لهم أيضًا؛ لأنهم لم يشهدوا الواقعة حال تقضي الحرب والاعتبار به، وإن ألقي في مركبهم نار، فاشتعلت فعلوا ما يرون فيه السلام؛ لأن حفظ الروح واجب، وغلبة الظن كاليقين في أكثر الأحكام، فهنا كذلك من المقام أو الوقوع في الماء ليتخلصوا من النار؛ فإن شكوا أو تيقنوا التلف فيهما، أو ظنوا السلامة فيهما ظنًا متساويًا خيروا.

من نظم الفرائد مما يتعلق بالجهاد

وإن جهاد الكفر فرض كفاية ... ويفضل بعد الفرض كل تعبد

لأن به تحصين ملة أحمد ... وفضل عموم النفع فوق المقيد

فلله من قد باع لله نفسه ... وجود الفتى في النفس أقصى للتجود

ومن يغز إن يسلم فأجر ومغنم ... وإن يرد يظفر بالنعيم المخلد

وما محسن يبقي إذا مات رجعة ... سوى الشهدا كي يجهدوا في التزيد

لفضل الذي أعطوا ونالوا من الرضى ... يفوق الأماني في النعيم المسرمد

كفى أنهم أحيا لدى الله روحهم ... تروح بجنات النعيم وتغتدي

وغدوة غاز أو رواح مجاهد ... لخير من الدنيا بقول محمد

يكفر عن مستشهد البر ما عدا ... حقوق الورى والكل في البحر فاجهد

وقد سُئل المختار عن حر قتلهم ... فقال يراه مثل قرصة مفرد

كلوم غزاة الله ألوان نزفها ... دم وكمسك عرفها فاح في غد

ولم يجتمع في منخر المرء يا فتى ... غبار جهاد مع دخان لظى اشهد

كمن صام لم يفطر وقام فلم يرم ... جهاد الفتى في الفضل عند التعدد

لشتان ما بين الضجيع بفرشه ... وساهر طرف ليلة تحت أجرد

يدافع عن أهل الهدى وحريمهم ... وأموالهم النفس والمال واليد

ومن قاتل الأعدا لإعلاء ديننا ... فذا في سبيل الله لا غير، قيد

ويفضل غزو البحر غزو مفاوز ... ومع فاجر يحتاط فاغزو كأرشد

على الذكر الحر المكلف فرضه ... صحيحًا بالآت وزاد لبعد

بأمواله أو بيت مال وحاجة العيال ... إلى عود وإيفاء ملدد

وأدنى وجوب الغزو في العام مرة ... وإن يدع للتأخير عذر ليمهد

وعين على المستنفرين وحضرة الصـ ... ـفوف ومحصور بثغر ممدد

ولو قيل بالتعيين في حق حاضر ... الحصون من الإسلام لما أبعد

وعمن تعين قيمًا لعياله ... وأمواله حتم النفير ليبعد

على كل قوم غزو جيرانهم من ... العدو وإمداد الضعاف بمسعد

ويحسن تشييع الغزاة لراجل ... وحل بلا كره تلقيهم اشهد

وأهل الكتاب والمجوس إن تشا اغزهم ... بغير دعاء إن بإبلاغهم بدي

ويغزون حتى يسلموا أو يسلموا ... صغارًا إلينا جزية الذل عن يد

وغير أولى فليدع قبل قتاله ... إلى أشرف الأديان دين محمد

وعرفه بالبرهان حتم اتباعه ... ولا تقبلن منه سواه بأوطد

وإن رباط المرء أجر معظم ... ملازم ثغر للقا بالتعدد

ويجري على ميت به أجر فعله ... كحي ويؤمن بافتنان بملحد

ولا حد في أدناه بل أربعون في التمام ... ويعطي أجر كل مزيد

وأفضله ما كان أخوف مركزًا ... وأقرب من أرض العدو المنكد

وذلك أسنى من مقام بمكة ... وفي مكة فضل الصلاة فزيد

ومن لم يطق في أرض كل ضلالة ... قيامًا وإظهارًا لدين محمد

فحتم عليه هجرة مع أمنة ... الهلاك ولو فردًا وذات تعدد

بلا محرم مشيًا ولو بعد المدى ... لفعل الصحابيات مع كل مهتد

ويشرع مع إمكان إظهار دينه ... وأحكامها حتى اليامة أبد

ويعذر ذو عجز لضعف وسقم أو ... مخافة فساق وفقد تزود

وعن نفله اصدد وذأب مسلم أو ... والأميمة مع حراته في مبعد

كذا امنع مد ينادون رهن وكافل ... الوفاء وكاف في وفاء المعدد

بلا إذن كل إثم إن يهد والد ... ويرجع ذو إذن ولم يجب اردد

ولا طاعة في ترك فرض ومن طرا ... به العذر فليرجع بغير تقيد

ولا إذن في فرض كجد وجدة ... ولا زوجة إلا الذين كبعّد

وإن قياس الحكم إيجابه على النسا ... في حضور الصف دفعًا وأبعد

ومن يستنب في الغزو يمنع غزوه ... له وبأجر إن يكن فليردد

ومن مثلي الإسلام حرم فرارهم ... لغير صلاح الحرب أو نحن مسعد

ولو شاسع المثوى ولو شرطوا استوا ... سلاح ومركوبيهما لم أبعد

وأولى لمن يخشى الأسارى قتالهم ... إلى القتل، واستسلامه احلل بأوكد

وإن يزد الكفار مع ظن قهرهم ... فندب ثبوت الناس واحتم بمبعد

والأولى إذا ظنوا الهلاك بمكثهم ... فرارًا وجوز عكس كل لقصد

وليس فرارًا مدخل الحصن مطلقًا ... ومن قبل حوز الغنم من فر فاصدد

وإن تلق نار في سفينتهم أتوا ... الأهم وإن شاءوا أقاموا بأوكد



المجلد الثالث 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المجلد الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المجلد الأول
» المجلد السابع
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الثالث
» المجلد الثاني
» المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــــه الــدنــيـــــــا والديـــــن :: الأسئلة والأجوبة الفقهية-
انتقل الى: