منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 المجلد الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 9:48 pm

المجلد الأول 1-1802
الكتاب: الأسئلة والأجوبة الفقهية

المؤلف: أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ)
عدد الأجزاء: 6 أجزاء
مصدر الكتاب: ملفات وورد وضعها الأخ أبو مهند النجدي، عضو في ملتقى أهل الحديث
http://www.ahlalhdeeth.com
أعده للشاملة: موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف
http://www.mktaba.org
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مفهرس فهرسة موضوعية]
وَقْفٌ للهِ تَعَالَى
-------------------------------------------------
المجلد الأول
تَأْلِيفُ
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
طُبِعَ عَلَى نَفَقَةِ مَنْ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وجْهَ اللهِ وَالدَار الآخرةَ فجَزاهُ اللهُ عن الإسلام والمسلمينَ خيرًا وغَفَر له ولوالديه ولمن يُعيدُ طِبَاعَتَه أو يُعِيْنُ عليها أو يَتَسبَب لها أو يُشِيرُ على مَنْ يُؤمِلُ فيه الخيرَ أن يَطبَعَه وقفًا للهِ تعالى يُوزَّع على إخوانِهِ المسلمين... اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-------------------------------------------------------
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، ومن أراد طباعته ابتغاء وجه الله تعالى لا يريد به عرضًا من الدنيا فقد أُذن له وجزى الله خيرًا من طبعه وقفًا أو أعان على طبعه أو تسبب لطبعه وتوزيعه على إخوانه المسلمين فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله» الحديث رواه أبو داود. وورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» الحديث رواه مسلم.
...
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والكبرياء والجمال، وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر بعض ما أوليه من الإنعام والأفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:
فعندما كنت أدرس التلاميذ في المعهد العلمي في الفقه، طلب مني بعض التلاميذ أن أضع لهم على المقرر أسئلة وأجوبة للمراجعة، فأجبتهم إلى ذلك، ووضعت على المقرر من الفقه أسئلة قليلة جمعت لها من كتب الفقه أجوبة، وبعد مدة رأيت أني أزيد فيها وأنقص وأنقحها وأذكر معها ما تيسر من دليل أو تعليل، وحيث أن النظم يسهل حفظه غالبًا وإحضاره ويروق للسامع، فقد ذكرت ما تيسر من نظم ابن عبد القوي، ومن مختصره لابن معمر، وإن شاء الله سأذكر المصادر التي نقلتها منها من كتب الحديث والفقه في آخر الكتاب، وسميتها «الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية» والله المسئول أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به نفعًا عامًا، وأن يجعله مقربًا لنا ولمن انتفع به لديه في جنات النعيم، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا...
المؤلف:
عبد العزيز المحمد السلمان
--------------------------------
1- تعريف الفقه

س1: ما هو الفقه لغةً وشرعًا؟ وما موضوع علم الفقه؟
ج: الفقه لغةً: الفهم، وشرعًا: معرفة الأحكام الشرعية بالفعل أو بالقوة القريبة، وموضوعه: أفعال العباد من حيث تعلق الأحكام الشرعية بها ومسائله، وما يذكر في كل باب من أبوابه.

س2: ما هي الأحكام الشرعية؟ اذكرها بوضوح.
ج: هي الأول: الواجب، وهو ما أثيب فاعله وعوقب تاركه، والثاني: الحرام، وهو ما أثيب تاركه وعوقب فاعله، والثالث: المسنون، وهو ما أثيب فاعله ولم يعاقب تاركه، والرابع: المكروه، وهو ما أثيب تاركه ولم يعاقب فاعله، والخامس: المباح، وهو مستوي الطرفين أي ما خلا من مدح وذم.

س3: من هو الفقيه؟ وما الذي يجب على المكلف تعلمه؟
ج: هو من عرف جملة غالبة من الأحكام الشرعية بالفعل أو بالقوة القريبة، ويجب على المكلف أن يتعلم من العلوم الدينية ما يحتاج إليه في عباداته ومعاملاته، وما عدا ذلك من العلوم الشرعية أو ما هو وسيلة إليها فمستحب، قال الله تعالى: { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } الآية.
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» رواه مسلم.

2- كتاب الطهارة

س4: ما هي الطهارة لغةً وشرعًا؟ ولما قدمت على غيرها؟

ج: هي لغةً: النظافة والنزاهة عن الأقذار، وحقيقتها استعمال المطهرين الماء والتراب أو أحدهما على الصفة المشروعة في إزالة النجس والخبث، وقدمت الطهارة على غيرها؛ لأنها شرط من شروط الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، والشرط مقدم على المشروط.

س5: ما هو الدليل على ذلك؟
ج: ما ورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه الخمسة إلا النسائي.

س6: ما هو الماء الطهور؟ وما الدليل على طهارته؟
ج: هو الطاهر في ذاته المطهر لغيره. قال الله تعالى: { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ } ، وقال: { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» أخرجه الأربعة، وابن أبي شيبة واللفظ له، وابن خزيمة والترمذي، ورواه مالك والشافعي وأحمد.

س7: بين ما الذي ينجس به الماء الطهور؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: ينجس إذا تغير لونه، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة، لما ورد عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» أخرجه ابن ماجه، وضعفه أبو حاتم، وللبيهقي: «الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه»، وأجمع العلماء أن الماء الكثير والقليل إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له لونًا أو طعمًا أو ريحًا أنه نجس. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

س8: بأي شيء يطهر الماء النجس؟
ج: بأحد ثلاثة أشياء: إما بزوال تغيره بنفسه، أو ينزح ويبقى بعده ماء غير متغير، وإما بإضافة ماء إليه ويزول معه التغير.

3- باب الآنية

س9: ما هي الآنية؟ ولما ذكرت تلي الطهارة وما حكمها؟

ج: هي الأوعية، ولما كان الماء لابد له من وعاء ذكر تابعًا له، وحكمها أن كل إناء ظاهر ولو ثمينًا يباح اتخاذه واستعماله إلا آنية ذهب وفضة وما فيه شيء منهما أو من أحدهما إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة.

ومن مختصر النظم:
وكل الأواني الطاهرات وإن غلب ... تباح لكل مطلقًا غير عسجد
وغير لجين والمضبب منهما ... فحرم على الصنفين لا تتقيد
ومن فضة حوز كتشعيب قصعة ... وكره بلا حاج مباشرها زد


س10: ما الدليل على تحريم أواني الذهب والفضة، وإباحة السلسلة من الفضة؟
ج: ما ورد عن حذيفة مرفوعًا: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»، وعن أم سلمة: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما، وعن أنس: «أن قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة» رواه البخاري.

س11: ما حكم استعمال آنية الكفار وثيابهم؟ واذكر دليل ذلك.
ج: تباح آنية الكفار وثيابهم إن جهل حالها. قال الله تعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } و«لأنه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه توضؤوا من مزادة امرأة مشركة» متفق عليه، وعن جابر قال: «كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنصيب من آنية المشركين فنستمتع بها ولا يعيب ذلك عليهم» رواه أحمد وأبو داود.

من النظم:
وآنية الكفار طاهرة معا ... وأثوابهم ما لم تيقن لمفسد
وما جهل استعماله من متاعهم ... مباح بلا كره بغير تقيد


س12: بين حكم جلد الميتة التي تفيد فيها الذكاة بعد الدبغ، واذكر الدليل.
ج: يطهره الدباغ، لما وري عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هلا انتفعتم بجلدها؟» قالوا: إنها ميتة، فقال: «إنما حرم أكلها»، ولما ورد عن سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: «ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا» رواه أحمد والنسائي والبخاري، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي، وقال: قال إسحاق عن النضر بن شميل: إنما يقال إهاب: لجلد ما يُؤكل لحمه.

س13: ما حكم أجزاء الميتة؟ اذكرها بوضوح وبين أنواعها.
ج: الميتة نوعان: طاهرة، كالسمك والجراد وما لا نفس له سائلة متولدة من طاهر، فهذه أجزاؤها طاهرة إذا انفصلت عنها في الحياة والموت.
والثانية: كبهيمة الأنعام والطيور ونحوها مما تفيد فيه الذكاة، فهذه الصوف والشعر والوبر والريش منها طاهر والباقي نجس. قال الله تعالى: { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا } والريش مقيس عليه.
ونقل الميموني عن أحمد «صوف الميتة لا أعلم أحدًا كرهه». والله أعلم، وصلى الله على محمد.

س14: ما حكم ما قطع من البهيمة، وما دليل الحكم؟
ج: ما فُصِلَ مِنْ البهيمة وهي حية فهو كميتته طهارة ونجاسة، لما ورد عن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» أخرجه أبو داود والترمذي؛ وأما ما لا تفيد فيه الذكاة، كالكلب والخنزير ونحوها، فهذه أجزاؤها كلها نجسة ذكيت أم لا، ولا يستثنى منها شيء. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

س15: بين حكم تخمير الإناء وإيكاء السقاء وإطفاء النار عند النوم، واذكر الدليل.
ج: مستحبات لما ورد عن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء، وأغلقوا الأبواب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناءً؛ فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودًا ويذكر اسم الله فليفعل؛ فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم» رواه مسلم.
وأما الدليل على إطفاء النار عند النوم، فهو ما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون» متفق عليه، وعن أبي موسى الأشعري قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأنهم، قال: «إن هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم فاطفئوها» متفق عليه.

4- باب الاستنجاء وآداب التخلي

س16: ما هو الاستنجاء؟ وما حكمه؟ وما دليله؟

ج: هو إزالة ما خرج من سبيل بماء أو إزالة حكمه بحجر ونحوه، وحكمه واجب، لما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار؛ فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء» متفق عليه.

س17: ما المراد بآداب التخلي، وما المسنون قوله عند دخول الخلاء؟
ج: المراد ما ينبغي فعله حال قضاء الحاجة وعند دخول الخلاء والخروج منه والمسنون قوله عند دخول الخلاء هو ما ورد في حديث أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليه، وروى أبو أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم» رواه ابن ماجه، وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث» رواه ابن ماجه.

س18: ما المسنون قوله عند الخروج من الخلاء؟
ج: يسن قول ما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك» رواه الخمسة إلا النسائي، وعن أنس قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» رواه ابن ماجه.
وفي «مصنف عبد الرزاق»: أن نوحًا –عليه الصلاة والسلام- كان يقول إذا خرج: «الحمد له الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأذهب عني أذاه».

س19: بين صفة دخول الخلاء والخروج منه والجلوس لقضاء الحاجة؟
ج: يقدم رجله اليسرى عند الدخول، واليمنى عند الخروج عكس مسجد ونعل، وعند الجلوس يرفع ثوبه شيئًا فشيئًا ويعتمد على رجله اليسرى، ولا يلبث إلا بمقدار حاجته، أما كونه يقدم اليسرى في الدخول واليمنى للخروج، فلأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواها؛ لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة وأحق بالتأخير عن الأذى ومحله؛ وأما كونه يرفع ثوبه شيئًا فشيئًا، فلما روى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، وأما كونه يكون معتمدًا على رجله اليسرى، فلحديث سراقة بن مالك - رضي الله عنه - قال: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتكئ على اليسرى وأن ننصب اليمنى» رواه الطبراني والبيهقي؛ ولأنه أسهل لخروج الخارج، وأما كونه لا يلبث فوق حاجته، فقيل: لأنه مضر عند الأطباء، وقيل: لأنه يدمي الكبد، وقيل: لأنه يورث الباسور. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

س20: ما حكم الكلام في حال قضاء الحاجة، وما هو دليل الحكم؟
ج: مكروه كراهة شديدة لغير ضرورة أو حاجة، لما ورد عن ابن عمر «أن رجلاً مر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبول فسلم عليه فلم يرد عليه» رواه الجماعة إلا البخاري، وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان؛ فإن الله يمقت على ذلك» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

س21: ما حكم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله، وما دليل الحكم؟
ج: يكره إلا لحاجة، أما المصحف فيحرم إلا لضرورة أو حاجة؛ لما ورد عن أنس قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء نزع خاتمه» رواه الخمسة إلا أحمد، وصححه الترمذي، وقد صحح أن نقش خاتمه «محمد رسول الله».

ومن مختصر النظم:
وسم إذا رمت الخلا وتعوذن ... ولا تنكشف إلا مقارب مقعد
وقدم يسارًا في الدخول وعكسه ... خروجًا وأنصت في جلوسك ترشد
وكن ناصب اليمنى ومعتمدًا على ... يسار وإن تعطس ففي قلبك أحمد
ونح الذي اسم الله فيه بلا أذى ... ونقش الخواتيم أخب في باطن اليد


س22: بين حكم مباشرة الفرج باليمين، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: مكروه لغير ضرورة أو حاجة، لما ورد عن أبي قتادة مرفوعًا: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليه. ولمسلم عن سليمان: «نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم».

س23: بين حكم الاستتار والابتعاد في الفضاء لمريد قضاء الحاجة؟
ج: مستحب لما ورد عن جابر قال: «خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يُرى» رواه ابن ماجه، وعن عبد الله بن جعفر قال: «كان أحب ما استتر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته هدف أو حائش نخل» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.

س24:ما حكم البول والتغوط في طريق الناس أو ظلهم،وما دليل الحكم؟
ج: محرم لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم» رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الحميري، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل» رواه أبو داود وابن ماجه، وقال: هو مرسل ولا يحرم في مجمع الناس على حرام كغيبة، أو لهو، أو قمار، أو شرب مسكر، أو سماع الآلات المطربة، ويجب تفريقهم بما استطاع.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:08 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 10:04 pm

س26: بين حكم إعداد الأحجار للاستجمار وطلب المكان اللين للبول.
ج: مستحب، لما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد والنسائي وأبو داود والدارقطني، وقال: إسناده حسن صحيح.
وعن أبي موسى قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثًا في أصل جدار فبال، ثم قال: «إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» رواه أحمد وأبو داود.
وعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى الغائط فليستتر؛ فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

5- استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة
س27: بين حكم استقبال واستدبارها حال قضاء الحاجة، واذكر دليل الحكم وما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: يحرم في البنيان وغيره، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» رواه أحمد ومسلم.
وعن أبي أيوب الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أوتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها؛ ولكن شرقوا أو غربوا»، قال أبو أيوب: «فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله» متفق عليه، ولمسلم عن سلمان: «لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول» الحديث.
والقول الثاني: التفريق بين العمران والفضاء، وأنه يحرم استقبالها واستدبارها في الفضاء ويجوز في العمران، لما ورد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «ارتقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة» رواه الجماعة.
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها» رواه الخمسة إلا النسائي، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم، فقال: «أو قد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة» رواه أحمد وابن ماجه، وعن مروان الأصفر قال: «رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نهى عن ذلك؟ فقال: بلى، إنما نهى عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس» رواه أبو داود. والذي تميل إليه النفس العمل بحديث أبي أيوب؛ لأنه أحوط، فاستقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط في بنيان أو فضاء حرام.

قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية:
وعند أبي العباس ليس بجائز ... ولو من وراما حال فاحظر وشدد
فكم بين بيت الله من ركن شامخ ... وأسوار حيطان وبيت معمد
فالجهة التحريم يا صاح فاعلمن ... فخذ نص تصريح صحيح مؤيد
وإن ذكروا يومًا حديثًا مجوزًا ... لذلك في البنيان غير مفند
فقد ذكر ابن القيم الحبر أنها ... قضية عين خصصت بمحمد

س28: اذكر ما تستحضره مما لا يجوز الاستجمار به مع ذكر الدليل.
ج: يحرم بعظم وروث وماله حرمة ومطعوم وحي، لما ورد عن جابر قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتمسح بعظم أو بعرة» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وعن سلمان قال: «أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم» رواه أحمد وابن ماجه، وعن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى أن يستنجي بروث أو بعظم، وقال: إنهما لا يطهران» رواه الدارقطني، وقال: إسناد صحيح.
وأما الدليل على تحريم الاستجمار بما له حرمة أو ذلك ككتب الفقه والحديث، فلما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها، فهو في الحرمة أعظم من الروث والرمة.
وأما الدليل على تحريمه بالمطعوم، فهو ما ورد في مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن» فيؤخذ من التعليل أن زادنا مع عظم حرمته أولى.

ومن مختصر النظم:
وابعد لدى الصحراء عن أعين الورى ... لستر ورخو الأرض للبولة اقصد
وعن موضع تخشى تعد أذاك بل ... برفق وتفريق لأليبك ترشد
ويحسن الاستجمار وترًا أقله ... ثلاث بمنق طاهر حل فاقصد
ويجزئ في الأولى بغير حجارة ... وإن لم تطهرك الثلاثة فازدد
ومسح بقرد ذي جوانب مجزئ ... وإتباعه بالماء أولى لمقتد
ويحرم ولا يجزي بعظم وروثة ... وحي ومطعوم ومحترم حد
ويكره في شق وفي مسرب بوله ... ومسك فرجا باليمين فقيد
وبولا بطرق الناس حرم وظلهم ... كذا تحت أشجار بها الثمر أعدد


س29:ما حكم الاقتصار على الماء أو الأحجار؟ وما حكم الجمع بينهما؟
ج: يجوز الاقتصار على أحدهما، لكن الماء أفضل والجمع بين الأحجار والماء أفضل من الماء وحده، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نزلت هذه الآية في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ } » قال: «كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وأخرجه البزار في «مسنده» من حديث ابن عباس بلفظ: «نزلت هذه الآية في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ } » فسألهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء.

قال العمريطي:
ويجب استنجاء كل محدث ... من كل رجس خارج ملوث
بالماء أو ثلاثة أحجار ... ينقي بهن موضع الأقذار
والجمع أولى وليقدم الحجر ... والماء أولى وحده إن اقتصر

6- باب السُّواك

س30: ما حكم السواك؟ وهل وقته محدد؟ وما صفة الاستياك؟

ج: مسنون كل وقت، لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» رواه أحمد والنسائي وهو للبخاري تعليق، وعن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصى يتسوك وهو صائم» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، وصفة الاستياك أن يستاك بيده اليسرى عرضًا بالنسبة إلى أسنانه طولاً بالنسبة إلى فمه مبتدأ بجانب فمه الأيمن، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «استاكوا عرضًا، وادهنو غبًا، واكتحلوا وترًا».

س31: ما هي المواضع التي يتأكد فيها السواك؟ اذكرها بوضوح.
ج: عند الانتباه من نوم الليل، وعند الوضوء، وعند دخول المنزل، وعند الصلاة، وعند دخول المسجد، وعند تغير الفم.
وعند صلاة أو تغير نكبة ... وعند انتباه والوضوء فأكد
ويستاك عرضًا ثم عند تلاوة ... بعود منق طاهر غير مفسد

س32: ما هي الأدلة الدالة على تأكد السواك؟
ج: أما الدليل على تأكده عند القيام من نوم الليل، فلما ورد عن حذيفة قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك» رواه الجماعة إلا الترمذي.
وعن عائشة قالت:«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ» رواه أبو داود؛ وأما عند تغير الفم، فلأن السواك شرع لإزالة الرائحة؛ وأما عند الوضوء، فلحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» أخرجه مالك وأحمد والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقًا؛ وأما عند الصلاة، فلحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» رواه الجماعة؛ وأما عند دخول المسجد والمنزل، فلما ورد عن المقداد بن شريح عن أبيه قال: «قلت لعائشة ـ رضي الله عنها ـ بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، والمسجد أولى من البيت.

7- سُنن الفطرة

س33: ما هي سنن الفطرة؟ وما دليلها؟

ج: هي المذكورة في حديث أبي هريرة وحديث عائشة؛ أما حديث أبي هريرة، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار» رواه الجماعة، وعن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن أبي شيبة عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء –يعني الاستنجاء-» قال زكريا: قال مصعب: «ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة» رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي.

س34: هل ورد شيء في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة؟
ج: يفعل ذلك كل أسبوع، لما روى البغوي في «مسنده» عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه الصلاة والسلام- كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة، ويكره تركه فوق أربعين يومًا، لما ورد عن أنس بن مالك قال: «وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة» رواه مسلم وابن ماجه، ورواه أحمد والترمذي وأبو داود، قالوا: وقت لنا رسول الله –عليه الصلاة والسلام.

س35: بين حكم حلق اللحية والأخذ من الشارب، واذكر ما تستحضره من الأدلة مستقصيًا لها؟
ج: يحرم حلقها وقصها ونتفها وتحريقها. قال الله تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } ، وقال: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } ، وقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } ، وقال: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه الصلاة والسلام-: «جزوا الشوارب ورخوا اللحى خالفوا المجوس» رواه أحمد ومسلم، وعن ابن عمر عن النبي –عليه الصلاة والسلام-: «خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب» متفق عليه.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «اعفوا اللحى وجزوا الشوارب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى»، وللبزار عن ابن عباس مرفوعًا: «لا تشبهوا بالأعاجم، اعفوا اللحى»، وروى ابن عمر قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «من تشبه بقوم فهو منهم» وله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى»، وروى عن ابن عمر: «من تشبه بهم حتى يموت حشر معهم»، وعن زيد بن أرقم أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا» رواه أحمد والترمذي والنسائي.
عن ابن عباس قال: «كان رسول الله –عليه الصلاة والسلام- يقص أو يأخذ من شاربه وكان إبراهيم -خليل الرحمن صلوات الله عليه- يفعله» رواه الترمذي.

س36: ما هو القزع؟ وما حكمه؟ وما دليل الحكم؟
ج: هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وحكمه مكروه، لما ورد عن نافع عن ابن عمر قال: «نهى رسول الله –عليه الصلاة والسلام- عن القزع، فقيل لنافع: ما القزع؟ قال: أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه» متفق عليه، وعن عمر: أن النبي –عليه الصلاة والسلام- رأى صبيًا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك، وقال: «احلقوا كله أو ذروا كله» رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
والحكمة في النهي عن الفزع، قيل: لأنه زي أهل الشرك، وقيل: لأنه زي اليهود، وقيل: لأنه يشوه الخلقة. والله أعلم.

س37: ما حكم نتف الشيب؟ وما حكم تغييره؟ وما دليل الحكم؟
ج: نتف الشيب مكروه، ويكره تغييره بسواد.
أما دليل الأول: فلما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة ورفعه بها درجة وحط عنه بها خطيئة» رواه أحمد وأبو داود، وعن كعب بن مرة أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة» رواه الترمذي والنسائي.
وأما الدليل على كراهة تغييره بالسواد، فلما ورد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وكأن رأسه ثغامة، فقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «اذهبوا به إلى بعض نسائه فلتغيره بشيء وجنبوه السواد» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة» وأما تغييره بالحناء والكتم، فمسنون ولا بأس بورس وزعفران، لما ورد عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم» رواه الخمسة، وصححه الترمذي، عن ابن عباس قال: «مر على النبي –عليه الصلاة والسلام- رجل قد خضب بالحناء، فقال: ما أحسن هذا!»، قال: فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم، فقال: «ما أحسن هذا!» ثم مر بآخر قد خضب بالصفرة، فقال: «هذا أحسن من هذا كله» رواه أبو داود.

س38: بين حكم اتخاذ الشعر للرجل، وحكم الختان، واذكر ما فيه من خلاف.
ج: مسنون، لما ورد عن عائشة قالت: «كان شعر النبي –عليه الصلاة والسلام- فوق الوفرة ودون الجمة» رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، وعن أنس بن مالك: «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يضرب شعره منكبيه»، وفي لفظ: «كان شعره رجلاً ليس بالجعد ولا السبط بين أذنيه وعاتقه» أخرجاه، ولأحمد ومسلم: «كان شعره إلى أنصاف أذنيه».
والختان واجب على الرجال مكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن، وذلك قول كثير من أهل العلم. قال أبو عبد الله: وكان ابن عباس يشدد في أمره، وروي عنه: «لا حج له ولا صلاة» يعني إذا لم يختتن، والدليل على وجوبه ما روي أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال لرجل من أسلم: «ألق عنك شعر الكفر، واختتن» رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدوم» متفق عليه، إلا أن مسلمًا لم يذكر السنين.
وقال تعالى: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } ولأنه من شعائر المسلمين؛ ولأنه لو لم يكن واجبًا لما كشفت له العورة؛ لأن كشف العورة محرم، فلما كشفت له العورة دل على وجوبه.
ويشرع في حق النساء أيضًا، قال أبو عبد الله: وحديث النبي –عليه الصلاة والسلام-: «إذا التقى الختانان وجب الغسل» فيه بيان أن النساء كن يختتن، وحديث عمر: أن ختانة ختنت، فقال: «أبقي منه شيئًا إذا خفضت»، وروى الخلال بإسناده عن شداد بن أوس قال: قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «الختان سُّنة للرجال، ومكرمة للنساء».
وعن جابر بن زيد مثل ذلك موقوفًا، وروي عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه قال للخافضة: «أشمي ولا تنهكي؛ فإنه أحظى للزوج وأسرى للوجه» والخفض: ختان المرأة، ووقت وجوبه عند البلوغ، لقول ابن عباس: «وكانوا يختنون الرجل حتى يدرك» رواه البخاري، ويسقط الوجوب عمن خاف تلفًا، والختان زمن صغر أفضل إلى التمييز؛ لأنه أسرع برأ لينشأ على أكمل الأحوال. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

س39: ما حكم الاكتحال والطيب والأدهان؟واذكر الدليل على ما تقول.
ج: مستحبات، لما ورد عن ابن عباس مرفوعًا: «كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وعن أنس قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «حُبب إليّ من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» رواه النسائي، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عرض عليه ريحان فلا يرده؛ فإنه خفيف المحمل طيب الريح» رواه مسلم؛ وأما الأدهان فروي الخلال بإسناد عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبًا، قال أحمد: معناه يدهن يومًا ويومًا، والترجل: تسريح الشعر ودهنه، فاتخاذ الشعر مسنون، قال في «الفروع»: ويتوجه إلا أن يشق إكرامه؛ ولهذا قال أحمد: هو سُّنة ولو نقوي عليه اتخذناه؛ ولكن له كلفة ومؤنة.

قال الناظم:
وغبًّا تدهن واكتحل موترًا تصب ... على كل عين في القوى بإثمد

8- باب النية

س40: ما هي النية؟ وما حكمها؟ ولأي شيء شرعت؟ وأين محلها؟

ج: هي لغةً: القصد، وشرعًا: عزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله.
وحكمها: أنها شرط لكل عبادة شرعية غير إزالة خبث وغسل كتابية ومسلمة ممتنعة حل وطء من حيض ونفاس.
وشرعت لتمييز العادة عن العبادة، ولتمييز بعض العبادات عن البعض ومحلها القلب والتلفظ بها بدعة.

س41: ما هي النية المعتبرة في الوضوء والغسل؟ وما حكم ما وقع من الأعمال بدون نية؟ وما دليل الحكم؟
ج: المعتبرة في الوضوء والغسل هي: قصد رفع الحدث أو استباحة ما تحب له الطهارة، وما وقع من الأعمال بدونها غير معتد به، قال الله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } .
ومن السُّنة ما ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» رواه البخاري ومسلم.

س42: مادةا معنى استصحاب حكم النية؟ وما استصحاب ذكرها؟
وما حكم كل واحد منهما؟ ومتى يجب الإتيان بها لمريد الطهارة؟ ومتى يسن الإتيان بها؟ اذكر ذلك بوضوح.
ج: استصحاب الحكم: أن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، واستصحاب ذكرها: أن تكون على باله في جميع العبادة، وحكم استصحاب الحكم واجب وحكم استصحاب الذكر مستحب، ويجب الإتيان بها عند أول واجبات الطهارة، وهو التسمية، وتسن عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب.

س43: ما هو الوضوء؟ وما الدليل على وجوبه؟ وما هو الحدث؟
ج: الوضوء: استعمال ماء طهور على وجه مخصوص في الأعضاء الأربعة التي هي الوجه واليدين والرأس والرجلين، وسبب وجوب الوضوء الحدث، وهو ما أوجب وضوءًا أو غسلاً. والدليل على وجوب الوضوء قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ } الآية.

س44: ما هو الدليل على وجوب التسمية في الوضوء وسقوطها في السهو والجهل؟
ج: أما الدليل على وجوبها مع الذكر: فهو ما ورد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، ولأحمد وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد مثله.
وأما الدليل على سقوطها بالسهو والجهل، فحديث «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، ومحلها اللسان، وصفتها بسم الله».

9- باب فروض الوضوء وشروطه وصفته وسننه

س45: اذكر ما تستحضره من شروط الوضوء.

ج: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية، واستصحاب حكمها، وانقطاع موجب، واستنجاء واستجمار قبله، وطهورية ماء، وإباحته وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة.

س46: كم فروض الوضوء وما هي؟
ج: فروضه ستة، وهي: غسل الوجه ومنه المضمضمة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس ومنه الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب، والموالاة - وتقدم أدلة فروضه.

س47: ما حد الوجه؟ وما حكم غسل ما فيه من شعر في الطهارة الصغرى؟
ج: حده: من منابت شعر الرأس المعتاد غالبًا إلى النازل من اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، ويجب غسل ما فيه إن كان خفيفًا والبشرة التي تحته؛ لأنها ترى وإن كان كثيفًا فيجب غسل ظاهره ويسن تخليله؛ لأن كلا من ظاهر الكثيف وما تحت الخفيف تحصل به المواجهة، فوجب غسله.

قال الناظم -رحمه الله-:
ويغسل أيضًا فيه مسترسل اللحا ... كباقي شعور الوجه ياذا التأيد
فما يصف الجسم اغسلنه مع الذي ... يبين ويجزي غسل بادي الملبد

س48: ما هو الترتيب؟ وما الدليل على فرضيته من الكتاب والسُّنة؟
ج: المراد به كما في الآية الكريمة، أن يغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه؛ وأما دليله في الآية قرينة تدل عليه، فإنه أدخل الممسوح بين مغسولين وقطع النظير عن نظيره، والعرب لا تفعل ذلك إلا لفائدة، وهي الترتيب.
ثانيًا: قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ابدأ بما بدأ الله به».
ثالثًا: ما ورد عن عمرو بن عبسة قال: قلت: يا رسول الله، حدثني عن الوضوء، قال: «ما منكم من أحد يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح برأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء» أخرجه مسلم ورواه أحمد، وقال فيه: «ثم يمسح رأسه كما أمره الله، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمر الله»، وفي حديث عبد الله الصنابحي ما يدل على ذلك أيضًا. والله أعلم.

س49: ما هي الموالاة وما دليلها؟
ج: هي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله بزمن معتدل.

قال الناظم:
وسادسها فرض الموالاة وهي أن ... تغسل عضوًا والذي قبله ندى
ودليلها ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أنه رأى رجلاً في قدمه قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره بالإعادة» رواه أحمد وأبو داود.
وعن عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «ارجع فتوضأ ثم صلي» رواه أحمد ومسلم، ولم يذكر فتوضأ.

10- صفة الوضوء الكامل والمجزي وأدلتهما
س50: ما هي الصفة الكاملة في الوضوء؟ وما الذي يغسله الأقطع في الوضوء؟
ج: أن ينوي ثم يسمي ويغسل كفيه ثلاثًا، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثًا، ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاثًا، ثم يمسح رأسه مرة واحدة من مقدمه إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل سبابتيه في صماخى أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثًا ويغسل الأقطع بقية المفروض؛ فإن قطع من المفصل غسل رأس العضد منه، وكذا الأقطع من مفصل كعب يغسل طرف ساق.

قال في مختصر النظم:
ويغسل ما يبقى من الفرض أقطع ... ومن مفصل رأسًا لسوق وأعضد
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:10 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 10:19 pm

س51: ما هي أدلة الوضوء الكامل؟ اذكرها مستقصيًا لها.
ج: أما النية فتقدم دليلها وكذا التسمية.
وعن عبد الله بن زيد في صفة الوضوء: «ثم أدخل - صلى الله عليه وسلم - يده فمضمض واستنشق من كف واحد يفعل ذلك ثلاثًا» متفق عليه.
وعن حمران «أن عثمان - رضي الله عنه - دعا بوضوء فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم غسل يده إلى اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا» متفق عليه.
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم ـ رضي الله عنهما ـ في صفة الوضوء، قال: «ومسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأسه فأقبل بيديه وأدبر» متفق عليه. وفي لفظ لهما: «بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه».
وعن ابن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ في صفة الوضوء قال: «ثم مسح برأسه، وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه» أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة.

س52: بين صفة الوضوء والمجزي واذكر الدليل على ما تقول.
ج: أن ينوي ثم يسمي، ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه مع الأذنين ويغسل رجليه مع الكعبين مرة مرة، لما ورد عن ابن عباس قال: «توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة لم يزد على هذا» رواه البخاري.

س53: ما حكم التثنية في الوضوء؟ وما صفتها؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: التثنية أن يغسل كل واحد من الأعضاء الأربعة على مرتين، وحكمها جائزة، لما ورد عن عبد الله بن زيد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين» رواه البخاري.

س54: اذكر ما تستحضره من سنن الوضوء مع ذكر الأدلة عليها.
ج: من ذلك الإسباغ في الوضوء، وتخليل الأصابع، والمبالغة في الاستنشاق لغير صائم، والتيامن، والسواك، وغسل الكفين ثلاثًا، والغسلة الثانية والثالثة، وتخليل اللحية الكثيفة؛ أما دليل السواك فتقدم، وأما غسل الكفين قبل الوضوء، فهو ما روى أحمد والنسائي عن أوس بن أوس الثقفي - رضي الله عنه - قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فاستوكف ثلاثًا» أي غسل كفيه ثلاثًا؛ أما الإسباغ والتخليل والمبالغة لغير الصائم، فمن الأدلة لذلك ما ورد عن لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء! قال: «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وعن عائشة قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله» متفق عليه.
وأما تخليل اللحية، فهو ما ورد عن عثمان - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، وصفة تخليل اللحية أن يأخذ كفًا من ماء فيضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة أو من جانبها ويعكرها. وروى أبو داود عن أنس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فأدخله تحت حنكه، وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل».

قال في «مختصر النظم»:
وبالأيمن ابدأ في الطهارة كلها ... وعند انتعال أو دخول المسجد
وتقديم الاستنشاق والفم سُّنة ... وبالغ إذا لم تنو صومك ترشد
وتخليل الشعر الكثيف بلحية ... وتخليل الرجلين أيضًا مع اليد

11- مقدار الماء في الوضوء والغسل
س55: ما مقدار الماء في الوضوء والغسل؟ وما هو الدليل على ذلك.
ج: مقدار الماء في الوضوء مد، وللغسل صاع إلى خمسة أمداد، لما ورد عن أنس - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد» متفق عليه، ويكره الإسراف، وهو ما زاد على الثلاث في الوضوء. وتأتي أدلة كراهيته في باب الغسل إن شاء الله.

س56: ما المسنون قوله بعد الفراغ من الوضوء؟
ج: المسنون أن يقول ما ورد عن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» أخرجه مسلم والترمذي، وزاد: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين».

12- باب المسح على الخفين وما في معناهما من الحوائل
س57: ما حكم المسح على الخفين الطاهرين؟ وما دليل الحكم؟
ج: يجوز، لما ورد عن المغيرة بن شعبة قال: «كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما» متفق عليه.
ولحديث جرير: «أنه بال، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم، رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه» متفق عليه.

س58: ما حكم المسح على العمامة وخمر النساء؟ وما دليل الحكم؟
ج: يجوز المسح عليهما، لما ورد عن عمرو بن أمية الضمري قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على عمامته وخفيه» رواه أحمد والبخاري وابن ماجه.
وعن بلال قال: «مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين والخمار» رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود.
وفي رواية لأحمد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «امسحوا على الخفين والخمار» ولأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها. ذكرها ابن المنذر.

س59: بين كم مدة المسح على الخفين والعمامة والخمار؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: أما للمقيم فيوم وليلة، وأما للمسافر فثلاثة أيام بلياليها، لما ورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم – يعني في المسح على الخفين» أخرجه مسلم.
وعن صفوان بن عسال قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم» أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له وابن خزيمة وصححاه.

س60: ما مقدار ما يسمح من الخف والعمامة ؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: يمسح أكثر ظاهر قدم خف من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه، لما روى البيهقي في «سننه» «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه وضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاه مسحة واحدة».
وعن علي -رضي الله عنه- قال: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى المسح من أعلاه، ولقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهر خفيه» رواه أبو داود والدارقطني ويمسح أكثر دوائر العمامة.

قال في «المختصر»:
ويجزئ في مسح العمامة أكثر ... كذلك أعلى الخف لا تتشدد
ومسحة أعلى الخف من رأس أصبع ... إلى الساق لأسفل وعقب فأوجد

س61: متى ابتداء مدة المسح فيما تقدم؟ أذكرها بوضوح.
ج: من حدث بعد لبس على طاهر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يومًا وليلة» وقوله: «يمسح المسافر» يعني يستبيح المسح – وإنما يستبيحه من حين الحدث؛ ولأنه عبادة مؤقتة، فاعتبر أول وقتها من جواز فعلها، كالصلاة، وقيل: من المسح بعد الحدث، يُروى ذلك عن عمر - رضي الله عنه - . وهو اختيار ابن المنذر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «يمسح المسافر... إلخ». فجعل اليوم والليلة للمقيم والثلاثة للمسافر كلها مسحًا، ولا يمكن ذلك إلا أن يجعل الابتداء من وقت المسح.

قال في «مختصر النظم»:
وإكمال طهر شرطه قبل لبسه ... لكل وشرط الطهر للجبر بعد
وقد سن يومًا للمقيم وليلة ... ومبعد أسفار ثلاثًا ليسرد
ومن حدث من بعد لبس حسابه ... وقيل المسح الذي بعده ابتدى


س62: إذا لبس خفًا على خف فما الحكم؟
ج: إذا كان قبل الحدث، فالحكم للفوقاني، وإن كان بعد الحدث، فالحكم للتحتاني، وإن لبس خفًا فلم يحدث حتى لبس آخر، مسح على أيهما شاء مسح الفوقاني وإن شاء مسح التحتاني، وإن أحدث ثم لبس الفوقني قبل مسح التحتاني أو بعده، لم يمسح الفوقاني بل ما تحته.

س63: إذا مسح في سفر ثم أقام أو عكس أوشك في ابتدائه، فما الحكم؟
ج: يمسح مسح مقيم؛ لأنه اليقين، وما زاد لم يتحقق شرطه، والأصل عدمه، وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر:
إن أنت لم تمسح وسافرت محدثًا ... من الحدث أمسح كالمسافر تهتد
وتمم مقيمًا حين تقدم ماسحًا ... كعكس وشك في ابتداء بأوكد


س64: ما حكم المسح على الجبيرة والجرح؟ وما دليل الحكم؟
ج: يصح المسح عليها في الحدثين إلى حلها، لما روى جابر -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأصاب رجل منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بذلك، فقال: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود والدارقطني.

س65: اذكر ما تستحضره من الفروق بين الجبيرة والخف؟
ج: أولاً: إن الخفين لا يمسح عليهما إلا في الحدث الأصغر فقط؛ وأما الجبيرة ففي الأكبر والأصغر.
ثانيًا: أن الجبيرة لا توقيت لها.
ثالثًا: أن الجبيرة لا يشترط لها ستر محل الغرض بالاتفاق.
رابعًا: أن الجبيرة تستوعب بالمسح.
خامسًا: أن الجبيرة تختص بالضرورة.
سادسًا: أن المسح عليها عزيمة ودواء وعصابة شد بها رأسه أو غيره ولصوق على جرح أو وجع ونحوه وتضرر بقلعه أو تألمت أصبعه فألقمها مرارة كجبيرة في جواز المسح عليها، ولأنها في معناها.

قال الناظم:
ومن يلقم الجرح الدواء ونزعه ... مشق فمجهز مسحه في المؤكد

س66: ما الذي يبطل به المسح على الخفين؟ وماذا يعمل إذا وجد ذلك؟
ج: ذكر الناظم منها اثنين وهما المذكوران في بيت:
وإن ظهر المفروض من بعد محدث ... أو انقضت الأيام للطهر جدد
والثالث: ما يوجب الغسل؛ فإذا حصل واحد منها استأنف الطهارة.

وقال العمريطي ناظمًا لمبطلات المسح:
ومبطلات المسح بعد صحته ... ثلاثة وهي انقضاء مدته
كذلك خلع خفه من رجله ... وكل شيء موجب غسله


13- نواقض الوضوء
س67: ما معنى نواقض الوضوء؟
ج: نواقضه: مفسداته، وذلك كالخارج من السبيلين، وكأكل لحم الجزور، وكالنوم الكثير، ومس الفرج باليد، وبما يوجب الغسل، وبالجنون، والسكر، والإغماء، والأدوية المزيلة للعقل، ومسه امرأة بشهوة أو تمسه بها، والردة عن الإسلام -أعاذنا الله منها-.

س68: ما الدليل على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، فقال رجل من أهل حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ظراط. متفق عليه.
وفي حديث صفوان بن عسال: «لكن من غائط وبول ونوم».

من «مختصر النظم»:
وكل الذي يبدي السبيلان ناقض ... ولو طاهرًا مع نادر أو معود

س69: ما الدليل على أن لحم الجزور ينقض الوضوء؟
ج: ما ورد عن جابر بن سمرة، أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت» قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم»، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم»، قال: أصلي في مرابض الإبل؟ قال: «لا» رواه أحمد ومسلم.
وعن البراء بن عازب قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: «توضؤوا منها»، وسُئل عن لحوم الغنم، فقال: «لا تتوضؤوا منها» الحديث رواه أحمد وأبو داود، ولا نقض في بقية أجزائها ككبد وقلب وطحال وكرش وشحم وكلية ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم؛ لأنه ليس بلحم، وقيل: ينقض؛ لأن اللحم يعبر به عن جملة الحيوان، فإن تحريم الخنزير يتناول جملته كذلك هنا، وهذا القول أرجح وأحوط. والله أعلم.

س70: ما هو الدليل على أن النوم اليسير غير ناقض للوضوء، وأن الكثير ناقض؟
ج: ما ورد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وفي حديث صفوان بن عسال: «لكن من غائط وبول ونوم»؛ وأما الدليل على أن النوم اليسير غير ناقض، فهو ما ورجد عن أنس بن مالك قال: «كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون» أخرجه أبو داود وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم.
ولما ورد عن ابن عباس قال: «بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة» رواه مسلم.

س71: ما الدليل على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر والأدوية المزيلة للعقل من نواقض الوضوء؟
ج: زوال العقل نوعان: أحدهما: النوم، وتقدم دليله، والنوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر أو نحوه، ووجه النقض بهذه؛ لأن المتصف بهذه الصفة أبعد من حس النائم، بدليل أنه لا ينتبه بالانتباه، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه، فقد ذكر العلماء أن يسيره وكثيره ينقض الوضوء إجماعًا.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه.

س72: ما الدليل على أن مس الفرج الأصلي باليد من دون حائل ينقض الوضوء؟
ج: ما ورد عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» رواه ابن ماجه والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة.
وعن بسرة بنت صفوان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ» رواه الخمسة، وصححه الترمذي، قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب.
وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء» رواه الشافعي وأحمد.
وفي رواية له: ليس دونه ستر.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» رواه أحمد، وسواء كان المس بظهر الكف أو بباطنها.

قال الناظم:
وينقض مس الفرج من غير حائل ... سواء بظهر الكف أو بطنها قد

س73: ما الدليل على أن مس الرجل المرأة بشهوة من دون حائل وبالعكس ينقض الوضوء؟ اذكر ذلك بوضوح.
ج: استدل القائلون بذلك بقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}؛ وقرئ (او لمستم النساء).
قال ابن مسعود: «القبلة من اللمس وفيها الوضوء» رواه أبو داود، وقيل: لا ينقضي الوضوء لمس المرأة، لما ورد عن إبراهيم التيمي عن عائشة ـرضي الله عنهاـ: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ» رواه أبو داود والنسائي. قال أبو داود: هو مرسل إبراهيم التيمي، وإبراهيم التيمي لم يسمع عن عائشة، وقال النسائي: ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلاً.
وروي عن عائشة قالت: «فقدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان» رواه مسلم والترمذي وصححه.
وعن عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: «إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله» رواه النسائي. وقيل: ينقض مسها مطلقًا، واستدلوا بما استدل به من يرى أنه ينقض مع الشهوة. قال بعض العلماء: وأوسط مذهب يجمع بين هذه الأحاديث مذهب من لا يرى المس ينقض إلا بشهوة.

س74: ما هي الردة؟ وما الدليل على أنها تنقض الوضوء؟
ج: الردة هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام نطقًا أو اعتقادًا أو شكًا، فمتى عاود الإسلام لم يصل حتى يتوضأ.
والدليل قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ}، وقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}؛ ولقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: الحدث حدثان: حدث اللسان، وحدث الفرج، وحدث اللسان أشد وفيهما الوضوء. فيدخل في عموم قوله –عليه السلام-: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه.

س75: بما استدل من قال إن تغسيل الميت ينقض الوضوء؟
ج: الدليل: ما روي عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة، فروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء، وعن أبي هريرة أقل ما فيه الوضوء، ولا نعلم لهم مخالفًا من الصحابة؛ ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يداه على فرج الميت، فكان مظنة ذلك قائمًا مقام حقيقته، كما أقيم النوم مقام الحدث.
وقال أبو الحسن التميمي: لا وضوء فيه، وهذا قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأن الوجوب من الشرع، ولم يرد في هذا نص ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على الأصل؛ ولأنه غسل ميت فأشبه غسل الحي، وما روى عن أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب، فإن كلامه يقتضي في نفي الوجوب، فإنه ترك العمل بالحديث المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «من غسل ميتًا فليغتسل»، وعلل ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، وإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولى وأحرى. انتهى من «المغني». والله أعلم.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:12 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 10:40 pm

س76: إذا تيقن متطهر الطهارة وشك في الحدث أو تيقن أنه محدث وشك في الطهارة فما الحكم؟ وما الدليل عليه؟
ج: ينبني على يقنيه وهو الطهارة في المسألة الأولى، والحدث في الثانية، لحديث عبد الله بن زيد قال: شكى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» متفق عليه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» رواه مسلم والترمذي.
وإن تيقن الحدث والطهارة وجهل أسبقهما؛ فإن جهل حاله قبلهما تطهر، وإن علم حاله قبلهما فهو على ضدها؛ فإن كان متطهرًا فمحدث وإن كان محدثًا فمتطهر؛ لأنه قد تيقن زوال تلك الحال إلى ضدها، والأصل بقاؤه، لأن ما يغير مشكوك فلا يلتفت إليه.
ومن هذا الحديث أخذت قاعدة: اليقين لا يزول بالشك.

قال الناظم:
فموقن طهر ثم شك وعكسه ... على الأصل يبقى نابذًا للتردد
فإن شك في سبق فطورًا كعكس ما ... يرى قبل أو مثلاً له الآن مهد
لإيقان فعل قد أزال طهارة ... وبالعكس أو حاليهما في الذي ابتد

14- موجبات الغسل
س77: ما هو الغسل؟ وما الأصل في مشروعيته؟ وما موجباته؟
ج: أصله: تعميم البدن بالغسل، وفي الشرع: استعمال ماء طهورًا في جميع بدنه على وجه مخصوص، والأصل في مشروعيته قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وموجباته: أحدها: خروج المني دفقًا بلذة من غير نائم، لما ورد عن علي -رضي الله عنه-: كنتُ رجلاً مزاء، فسألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «في المذي الوضوء، وفي المني الغسل» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، ولأحمد فقال: «إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة؛ فإن لم تكن حاذفًا فلا تغتسل».
وعن أم سلمة أن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟
قال: «نعم إذا رأت الماء»، فقالت أم سلمة: وتحتلم المرأة؟ فقال: «تربت يداك فبما يشبهها ولدها» متفق عليه.

ومن موجباته:
التقاء الختانين، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» متفق عليه ولمسلم وأحمد «وإن لم ينزل»، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل»، وعن عائشة: أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجامع ثم يكسل، وعائشة جالسة، فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل» رواه مسلم.

قال الناظم يتعلق بالتقاء الختانين ستة عشر حكمًا، فقال:
وتقضي ملاقاة الختان بعده ... وحد وغسل مع ثيوبة نهد
وتقرير مهر واستباحة أول ... وإلحاق أنساب وإحصان معتد
وفيئة مول مع زوال لعنة ... وتقرير تكفير الظهار فعدد
وإفسادها كفارة في ظهارة ... وكون الإما صارت فراشًا لسيد
وتحريم أصهار وقطع تتابع الصيام ... وحنث الحالف المتشدد

ومن موجباته:
إسلام الكافر، لما ورد عن قيس بن عاصم أنه أسلم، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل بماء وسدر – رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن ثمامة بن أُثال أسلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل» رواه أحمد.
ومن موجباته: خروج دم الحيض لقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} الآية، ولما ورد عن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «ذلك عرق وليست بالحيضة؛ فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي» رواه البخاري، وعن أم سلمة ـرضي الله عنهاـ قالت: قلت: يا رسول الله، إني أشد شعر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ وفي رواية: والحيضة، قال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات» رواه مسلم.
ومن موجبات الغسل: خروج دم النفاس لما ورد عن أبي هريرة وأبي الدرداء قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «وتنتظر النفساء أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك؛ فإن بلغت أربعين يومًا ولم تر الطهر فلتغسل» رواه ابن عدي.
وقال الترمذي في «سننه»: وقد أجمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعون ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي.
ومن موجباته: موت غير شهيد معركة، لما ورد في حديث أم عطية، قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته، فقال: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر»، وحديث ابن عباس في الذي سقط عن راحلته فمات: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين» متفق عليه.

س78: هل على من احتلم ولم يجد بللاً غسل؟ اذكر الحكم والدليل.
ج: ليس عليه غسل، لحديث عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل ولم يذكر احتلامًا، فقال: «يغتسل»، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجدُ البَلَلَ، فقال: «لا غسل عليه»، فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك عليها الغسل؟ قال: «نعم، إنما النساء شقائق الرجال» رواه الخمسة إلا النسائي، ولحديث خولة بنت حكيم أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال: «ليس عليها حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه حتى ينزل» رواه أحمد والنسائي مختصرًا ولفظة: أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة تحتلم في منامها، فقال: «إذا رأت الماء فلتغتسل».

15- صفة الغسل الكامل وصفة المجزي
س79: ما صفة الغسل الكامل؟ وما صفة الغسل المجزي؟
ج: صفته أن ينوي، ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثًا وما لوثه، ويتوضأ وضوءًا كاملاً، ويروي رأسه ثلاثًا، ثم يغسل بقية جسده ويتيامن ويدلكه، ويغسل قدميه مكانًا آخر، فهذا الغسل الكامل المشتمل على الواجبات والسنن وصفة الغسل المجزي: أن ينوي، ثم يسمي ويعم بدنه بالغسل مرة.

س80: اذكر دليل كل من الغسل الكامل والمجزي.
ج: عن عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثًا وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده» متفق عليه.
وعن ميمونة بنت الحارث زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: «وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضوء الجنابة فأكفأ بيمينه على يساره مرتين أو ثلاثًا، ثم غسل فرجه، ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء، ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه، فأتيته بخرقة فلم يردها، فجعل ينفض الماء بيده» متفق عليه؛ وأما دليل الغسل المجزي، فقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}، وقوله تعالى: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}.

16- شروط الغسل وفرضه
س81: اذكر ما تستحضره من شروط الغسل وفرضه؟
ج: يشترط أولاً: النية لحديث «إنما الأعمال بالنيات» الحديث، وتقدم. ثانيًا: الإسلام. ثالثًا: العقل. رابعًا: التمييز. خامسًا: الماء الطهور المباح. سادسًا: إزالة ما يمنع وصوله البشرة، وواجبه: التسمية، وتسقط سهوًا وجهلاً، وتقدم نحوه في الوضوء، وفرضه: تعميم البدن.

س82: ما حكم إيصال الماء في الغسل إلى باطن الشعور؟
ج: يجب في الغسل من الحدث الأكبر لما ورد عن علي - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا»
قال علي: فمن ثم عاديت شعري، رواه أحمد وأبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن تحت كل شعره جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشرة» رواه أبو داود والترمذي وضعفاه.
وفي «الصحيحين» عن عائشة: «ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده» متفق عليه.

س83: إذا نوى من عليه حدثان أكبر وأصغر رفع الحدث أو أطلق أو نوى رفع الحدثين أو أمر لا يباح إلا بوضوء أو غسل فاغتسل ناويًا ذلك، فما الحكم؟
ج: يجزؤه لقوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}، وقال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} فجعل الغسل في الآية الأولى غاية للمنع من الصلاة، فإذا اغتسل وجب أن لا يمنع منها؛ ولأنهما عبادتان من جنس، فدخلت الصغرى في الكبرى كالعمرة في الحج إذا كان قارنًا، قال ابن عبد البر: «المغسل إذا عم بدنه ولم يتوضأ فقد أدى ما عليه؛ لأن الله تعالى افترض عليه الغسل، وهذا إجماع لا خلاف فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبله تأسيًا به -صلى الله عليه وسلم-».

قال «مختصر النظم»:
وفي طهرك الأحداث تقديم نية ... على أول المفروض أوجب وأكد
وإحضارها بالذكر في الكل سُّنة ... وندب على المندوب تقديمها اشهد
ويكفيه الاستصحاب حكمًا وقصده ... بقلب لرفع الحادث المتجدد
أو الطهر ينوي فعل ما الطهر شرطهُ ... وما قطعها والشك بعد بمفسد
ومن ينوي طهرًا مستحبًا وقد نسى ... إذًا حدثًا أجزاه عن حدث زد
وإن تنوي من أحداثك الفرد أجزأت ... لرفعك أحدثًا ذوات تعدد
وإن تنوي مع غسل وضوءًا تحصلا ... وما ترك ترتيب بذلك مفسد
ولا بأس بالإسعاد حالة طهره ... ولا يكره التنشيف في المذهب امهد
وعند الفراغ اسم بطرفك شاهدًا ... تلاقي غدًا باب الرضا غير موصد

س84: تكلم عن حكم الوضوء في حق من عليه جنابة إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب، وحكم الوضوء في حق من أراد معاودة الوطء؟
ج: يسن الوضوء لمن أراد ذلك؛ أما الدليل على استحبابه في حق مريد النوم إذا كان جنبًا، فهو ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة»، وعن ابن عمر قال: يا رسول الله، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم إذا توضأ» رواهما الجماعة؛ وأما الدليل على استحبابه في حق الجنب إذا أراد الأكل أو الشرب، فهو ما ورد لأحمد ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ»، وعن عمار بن ياسر: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة» رواه أحمد والترمذي وصححه؛ وأما الدليل على استحبابه في حق من أراد معاودة الوطء، فهو ما ورد عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ» رواه الجماعة إلا البخاري.

17- الإسراف في الغسل والوضوء
س85: بين حكم الإسراف والغسل والوضوء مقرونًا بالدليل.
ج: مكروه، لما ورد عن عبد الله بن عمر: أن البني -صلى الله عليه وسلم- مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف؟» فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار» رواه ابن ماجه. وعن أبي ابن كعب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء» رواه الترمذي في «جامعه».
وفي «سنن الأثرم» من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: «يجزي من الوضوء المد، ومن الغسل من الجنابة الصاع» قال رجل: ما يكفيني، فغضب جابر حتى تربد وجهه، ثم قال: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرًا.

قال القحطاني:
واحذر وضوءك مُفِرطًا ومفَرطًا ... فكلاهما في العلم محذوران
فقليل مالك في وضوئك خدعة ... التعُودَ صحته إلى البطلان
وكثير مائك في وضوئك بدعة ... يدعو إلى الوسواس والهملان
لا تكثرن ولا تقلل واقتصد ... فالقصد والتوفيق مصطحبان

س86: ما حكم لبث الحائض والنفساء بعد انقطاع دمهما في المسجد؟ وما حكم لبث الجنب في المسجد؟ واذكر ما تستحضره من خلاف ودليل أو تعليل.
ج: قيل: إنه يحرم مطلقًا توضؤوا أو لم يتوضؤوا؛ لقوله تعالى: { وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } الآية.
وعن عائشة قالت: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجوه بيوت الله أصحابه شارعة في المسجد، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد»، ثم دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يصنع القوم شيئًا رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» رواه أبو داود، وعن أم سلمة قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرحة هذا المسجد، فنادى بأعلى صوته: «إن المسجد لا يحل لحائض ولا جنب» رواه ابن ماجه.
والقول الثاني: وهو أرجح، أنه يجوز لهم المكث بعد الوضوء، لما ورد عن عطاء بن يسار، قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة. ثانيًا: ما ورد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ ثم يدخل المسجد فيتحدث، وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون جماعًا فيختص به العموم؛ ولأنه إذا توضأ خف حكم الحدث فأشبه التيمم عند عدم الماء، ودليل خفته أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الجنب به إذا أراد النوم، واستحبابه لمن أراد الأكل أو الشرب أو معاودة الوطء.
وللجنب الأولى تجنب مسجد ... وقبل وضوء حرم اللبث واصدد
سوى خائف أو ملجأ عن ظهره ... وكالجنب أنثى بعد قطع الدم اعدد
ويشرع غسل الفرج ثم وضوءه ... لعودة وطء أو لأكل ومرقد

18- باب التيمم
س87: ما معنى التيمم لغةً وشرعًا؟ وبأي شيء ثبت؟
ج: هو في اللغة: القصد.

قال امرؤ القيس:
تيممت من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي

وفي الشرع:
القصد إلى صعيد طيب لمسح الوجه واليدين منه، وهو بدل طهارة الماء، وهو ثابت بالكتاب والسُّنة والإجماع، وهو من خصائص هذه الأمة.

س88: ما هو الدليل على ذلك من الكتاب والسُّنة؟
ج: قال تعالى: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } وعن عمار بن ياسر، قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فأجنبت فتمرغت بالصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال: «إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه» متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن عمران بن حصين قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل، فقال: «ما منعك أن تصلي؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك» متفق عليه.
وأجمعت الأمة على جوازه في الجملة، وأما كونه من خصائص هذه الأمة، فلما ورد عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء» رواه مسلم.

س89: ماذا يعمل من أدركته الصلاة وعدم الماء؟ أو عجز عن استعماله؟ أو خاف الضرر باستعماله؟
ج: يتيمم، أما من عدم الماء فلقوله تعالى: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } وحديث عمار بن ياسر، وحديث عمران بن حصين وتقدما قبل هذا السؤال والجواب.
وأما الدليل عليه عند العجز من مرض أو منع أو لخوف الضرر باستعماله، فحديث جابر المتقدم في باب المسح على الخفين، ومنها حديث عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكروا ذلك له، فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فقلت: ذكرت قول الله عز وجل: { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } فتيممت ثم صليت، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل شيئًا، رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وأخرجه البخاري تعليقًا.

س90: ما الذي يستباح بالتيمم؟
ج: كل ما يستباح بالوضوء والغسل عند عدم الماء أو خوف الضرر باستعماله أو بالعجز عن استعماله للأدلة المتقدمة، ولما ورد عن أبي ذر قال: اجتويت المدينة فأمر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبل، فكنت فيها فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت: هلك أبو ذر، قال: «مالك؟» قال: كنت أتعرض للجنابة وليس قربي ماء، فقال: «إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين» رواه أحمد وأبو داود والأثرم وهذا لفظه وتقدم قوله: «فلم تجدوا ماء». وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد ماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته» رواه البزار وصححه ابن القطان، ولكن صوب الدارقطني إرساله.

س91:بين حكم الصلاة عند عدم الماء والتراب وعند عدم التمكن من استعمالها.
ج: حكم الصلاة صحيحة، لما روت عائشة ـرضي الله عنهاـ أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجالاً في طلبها فوجدوها، فأدركتهم الصلاة وليس معه ماء فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شكوا ذلك إليه، فأنزل الله عز وجل آية التيمم، رواه الجماعة إلا الترمذي، ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك ولا أمرهم بالإعادة، فدل على أنها غير واجبة؛ ولأن الطهارة شرط فلم تؤخر الصلاة بعدمه كالسترة؛ ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

قال في «مختصر النظم»:
وصل لفقد الترب والماء ولا تعد ... على المذهب المختار في الكل فاهتد

19- صفةُ التيمم
س92: ما صفة التيمم؟
ج: صفته: أن ينوي ثم يسمي ويضرب الصعيد بيديه، ثم يمسح بها وجهه وكفيه، لما ورد عن عمار بن ياسر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في التيمم ضربة للوجه واليدين» رواه أحمد وأبو داود. وفي لفظ: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالتيمم للوجه والكفين» روا الترمذي وصححه وتقدم أدلة النية والتسمية في الوضوء والتيمم بدل عنه.

س93: ماذا يعمل من وجد ماء يكفي بعض طهره؟ وما حكم صلاة من صلى بالتيمم في أول الوقت، ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والوقت باق لم يخرج؟
ج: أما الأول فيستعمل الماء ويتيمم، قال الله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»؛ وأما الثاني فصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه، لما ورد عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا، ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما للوضوء والصلاة ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة وأجزأتك صلاتك»، وقال للذي توضأ وأعاد: «لك الأجر مرتين» رواه أبو داود والنسائي وقد روياه أيضًا عن عطاء بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

س94: بين ما الذي يبطل به التيمم؟ واذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: يبطل بمبطل ما تيمم له من الطهارتين، فيبطل عن وضوء بما يبطل الوضوء، وع نغسل بما ينقضه من موجبات الغسل، ويبطل بوجود الماء لعادمه قبل الصلاة؛ وأما في الصلاة، فقيل: يبطل تيممه، وتبطل صلاته لبطلان طهارته، فيتوضأ إن كان محدثًا ويغتسل إن كان جنبًا، ويستقبل الصلاة، لما ورد عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» رواه أحمد والترمذي وصححه، فدل بمفهومه على أنه لا يكون طهورًا عند وجود الماء، ودل بمنطوقه على وجوب إمسامسه جلده عند وجوده؛ ولأنه قدر على استعمال الماء فبطل تيممه كالخارج من الصلاة، وقيل: لا تبطل الصلاة، واحتج القائلون بذلك بأنه وجد المبدل بعد تلبسه بمقصود على استعمال الماء؛ لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة وهو منهي عن إبطالها بقوله تعالى: { وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } ، وقال أهل القول الأول: ولا يصح قياسهم؛ فإن الصيام هو البول نفسه، فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه، ولا خلاف في بطلانه، ثم الفرق بينهما أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه، لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسألتنا وقولهم: إنه غير قادر غير صحيح؛ فإن الماء قريب وآلته صحيحة والموانع منتفية، وقولهم: إنه منهي عن إبطال الصلاة قلنا: لا يحتاج إلى إبطال الصلاة، بل هي تبطل بزوال الطهارة كما في نظائرها انتهى. وبما يبطل التيمم بزوال عذر مبيح للتيمم كما لو تيمم لمرض فعوفي، أو لبرد فزال، أو جرح تيمم له؛ لأنه ضرورة، فيزول بزوالها.
تنبيه: وفي مسح يد يجب نزع خاتم ليصل التراب إلى محله من اليد ولا يكفي تحريكه بخلاف الماء لقوة سريانه. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

وقال الناظم:
ويبطله ما يبطل الماء مطلقًا ... ورؤية ماء ممكن الأخذ باليد
ولا تعد إن صليت ثم وجدته ... وإن كنت فيها الغيت في المجود

20- باب إزالة النجاسة
س95: ما هي النجاسة؟ وما أقسامها؟ اذكرها بوضوح.
ج: النجاسة تنقسم إلى قسمين: بالنسبة إلى عينية وحكمية: أما العينية فهي: ما يستقذره ذو الطبع السليم، وعرفًا: كل عين حرم تناولها لذاتها مع إمكانه لا لحرمتها ولا استقذارها ولا لضرر بها في بدن أو عقل ولا تطهر بحال، والقسم الثاني: النجاسة الحكمية: وهي الطارئة على محل طاهر وأقسامها ثلاثة: ثقيلة، ومتوسطة، وخفيفة.

س96: ما مثال النجاسة الثقيلة؟ وما صفة تطهيرها؟ وما دليلها؟
ج: نجاسة الكلب والخنزير، وما تولد منهما أو من أحدهما، وصفة تطهيرها أن يغسل سبع غسلات منقبة إحداها بتراب:
فغسل أذى الخنزير والكلب واجب ... إلى السبع في الأول وترب بمفرد
وكالترب أشنان وقيل لفقده ... وقيل لما أن حلة الترب يفسد

وأما الدليل:
فهو ما ورد عن أبي هريرة مرفوعًا: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا» متفق عليه، ولمسلم: «فليرقه ثم ليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» وإذا ثبت هذا في الكلب، فالخنزير شر منه لنص الشارع على تحريمه وجرمة اقتنائه، فثبت الحكم فيه بطريق التنبيه،
وإنما لم ينص الشارع عليه؛ لأنهم لم يكونوا يعتادونه.

س97: ما مثال النجاسة المتوسطة؟ وما صفة تطهيرها؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: مثالها: البول من غير الغلام الذي لم يأكل الطعام بشهوة، وكدم الحيض، وكل ما عدا الثقيلة والخفيفة، فهو من المتوسطة، وصفة تطهيرها، أن يغسل ما تنجس حتى يجزم بزوالها ولا يضر بقاء لون أو ريح أو هما عجزا، عن أسماء بنت أبي بكر ـرضي الله عنهاـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «في دم الحيض يصيب الثوب تحته ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه بالماء ثم تصلي فيه» متفق عليه.
وعن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، قال: «فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم، ثم صلي فيه»، قالت: يا رسول الله، إن لم يخرج أثره؟ قال: «يكفيك الماء ولا يضرك أثره» رواه أحمد وأبو داود.

س98: إذا خفى موضع نجاسة فما الحكم؟
ج: يغسل الثوب أو البدن حتى يتيقن غسلها، ليخرج من العهدة بيقين، وإن خفيت في صحراء واسعة ونحوها يصلي فيها بلا غسل ولا تحر.

قال الناظم:
وإن يخف تنجيس المعين فاعتمد ... من الغسل ما يأتي عليه بأزيد

س99: ما صفة تطهير مثل الفرش الكبار؟ وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة غير النجاسة؟
ج: أما العصر، فهو معتبر مع الإمكان، ليحصل انفصال الماء عن المحل المتنجس، وإن لم يكن كالزل والبسط الكبار ونحوها مما لا يمكن عصره فبدقها أو دوسها أو تقليبها أو تثقيلها.

قال الناظم:
ونح عن الأجسام عين نجاسة ... ومن بعد هذا ابتع الماء ترشد
مع العصران وأتى وإلا بدقة ... أو العرك أو تجفيف أو قلب اغتدى
على حسب الإمكان في كل غسلة ... ويكفي مرور الماء على الأرض فافتدى
وإن شق قلع اللون أو صرف ريحها ... بغسل ليعفى عنهما لا تشدد

س100:ما مثال النجاسة الخفيفة؟ وما صفة تطهيرها؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: مثالها: بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام بشهوة، وصفة تطهيرها غمرها بالماء؛ لحديث أم قيس بنت محصن: «أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله» رواه الجماعة.
وفي حديث أبي السمح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وفي حديث أم الفضل أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وفي حديث علي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل» قال قتادة: وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسلاً جميعًا. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن.

قال الناظم –رحمه الله-:
وبول الغلام انضحه ما لم يغذه ... طعام وبول الطفلة اغسله واعدد
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:14 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 10:54 pm

س101: بأي شيء تطهر الأرض ونحوها إذا تنجست بمائع أو بما له جرم وأزيل؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: يجزى في تطهير أرض وصخر وأجرنة وأحواض تنجست بمائع ولو من كلب أو خنزير وما تولد منهما مكاثرتها بالماء حتى يذهب لونها أو ريحها إن لم يعجز، لما ورد عن أنس بن مالك قال: «بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي فقام يبول، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مه مه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزرموه» فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه، ثم قال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله –عز وجل-، والصلاة، وقراءة القرآن»، أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنه عليه» متفق عليه؛ لكن ليس للبخاري فيه أن هذه المساجد إلى تمام الأمر بتنزيهما.

س102: بأي شيء يطهر الخف والنعل إذا وطئ بهما الأذى؟ واذكر دليل الحكم.
ج: يطهر بدلكه، لحديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه، فطهورهما التراب»، وفي لفظ: «فإن التراب له طهور» رواهما أبو داود، وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه أذى أو قذرًا فليمسحه وليصل فيهما» أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة.

قال بعضهم:
إذا وطئ الإنسان في نعله الأذى ... أو الخف يدلك بالتراب ويطهر

س103: إلى كم تنقسم الميتة بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة؟
ج: إلى قسمين: طاهرة، وهي ميتة الآدمي والسمك والجراد وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر.
والقسم الثاني: نجسة، وهي ما عدا الطاهرة.

س104: ما الدليل على طهارة ميتة الآدمي من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} عن حذيفة بن اليمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فحاد عنه فاغتسل، ثم جاء فقال: كنت جنبًا، فقال: «إن المسلم لا ينجس» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
وروى الجماعة كلهم نحوه من حديث أبي هريرة، قال البخاري، وقال ابن عباس: «المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا».

قال صاحب «النظم»:
وتطهير ميت الناس أولى وعضوه ... عن أحمد التطهير يختص من هدى

س105: ما الدليل على طهارة ميتة السمك والجراد؟ وضح ذلك.
ج: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ}، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة، واللفظ له وابن خزيمة، ورواه مالك والشافعي وأحمد، ولحديث ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أحل لنا ميتتان ودمان؛ فأما الميتتان: فالجراد والحوت، وأما الدمان: فالطحال والكبد» أخرجه أحمد وابن ماجه، وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: «غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل معه الجراد» متفق عليه.
وعن جابر قال: غزونا جيش الخبط، وأميرنا أبو عبيدة، فجُعنا جوعًا شديدًا، فألقى البحر حوتًا ميتًا لم نر مثله يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه، فمر الراكب تحته، فلما قدمنا ذكرنا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «كلوا رزقًا أخرجه الله إليكم وأطعمونا إن كان معكم»، قال: فأرسلنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه فأكله. متفق عليه.

س106: ما الدليل على طهارة ما لا نفس له سائلة؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقع الذباب في شرب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء» أخرجه البخاري وأبو داود، وزاد: «وإنه يتقى بجناحه الذي فيه الداء» فهذا نص في الذباب، ثم عدى هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة، كالزنبور والنحلة والعنكبوت ونحوها مما لا دم له سائل، إذ الحكم يعم بعموم علته وينتفي بانتفاء سببه.

س107: ما حكم سؤر الهرة وما دونها؟ وما كان مثلها في الخلقة؟ واذكر دليل الحكم.
ج: حكم سؤر هذه طاهر، لما ورد عن أبي قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في الهرة: «إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم» أخرجه الأربعة وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وعن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها» رواه الدارقطني، وأما ما كان مثلها أو دونها فيؤخذ حكمه من التعليل للحكم.

قال في «مختصر النظم»:
وما لا دم فيه يسيل فطاهر ... ولو مات إن طهرته حيًا اهتد
وللبلغم احكم مع رطوبة فرجها ... وأبوال مأكول بطهر مؤبد
وسؤر لسنور وما دون خلقها ... كعرس وفأر للأراضي مخدد
ولا ريب في تنجيس مائع مسكر ... وما من نجاسات تولد فاشهد
وما العفو في الأطفال عما يلامسوا ... بأيديهم مع قيئهم بمبعد
وكمبهم طين في الشوارع طاهر ... وإلا فنزر منه عفو بأجود
وما قيل يعفني عنه فالعفو يا فتى ... يخص بتصحيح الصلاة فقيد

س108: ما حكم اللبن، والعرق، واللعاب، والبول، والروث، والمني، والودي، والبيض، والسور، والمخاط، والدمع، والمذي من مأكول اللحم؟
ج: ما أكل لحمه ولم يكن أكثر علفه النجاسة فبوله، وروثه، وقيئه، ومذيه، ومنيه، ولبنه وعرقه، ولعابه، ووديه، ومخاطه، ودمعه، وبيضه طاهر.
لما ورد عن أنس «أن رهطًا من عكل أو عرينة قدموا المدينة، فأمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها» الحديث متفق عليه. وقال - صلى الله عليه وسلم - لما سُئل عن الصلاة في مرابض الغنم: «صلوا فيها فإنها بركة» رواه أحمد وأبو داود، وعن عمرو بن خارجة قال: «خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى وهو على راحلته ولعابها يسيل على كتفي» رواه أحمد والترمذي وصححه؛ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - طاف على بعيره، أما الحكم بالمذكورات فبالنص، وأما في غيرها من مأكول اللحم فبالقياس.
وأما الدليل على طهارة عرق الآدمي، ولبنه، ومنيه، والمخلط، والنخامة، والدمع، واللعا، والشعر، والسؤر، فمنها ما تقدم في جواب سؤال سابق، ومنذ لك ما ورد عن عائشة قالت: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يصلي فيه» رواه الجماعة إلا البخاري، ولأحمد: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر، ثم يصلي فيه ويحته من ثوبه يابسًا، ثم يصلي فيه».
وأما الدليل على عرق الآدمي وشعره، فهو ما ورد عن أنس بن مالك «أن أم سليم كانت تبسط للنبي -صلى الله عليه وسلم- نطعًا فيقبل عندها على ذلك النطع، فإذا قام أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جعلته في سلك، قال: فلما حضرت أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه» أخرجه البخاري.
وعن عثمان بن عبد الله بن وهب قال: «أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها بإناء فخضخضت له فشرب منه، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمراء» رواه البخاري.
وأما الدليل على طهارة النخامة، والبصاق، والريق، والمخلط، والسؤر، ففي حديث صلح الحديبية من رواية مسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم «أن عروة بن مسعود قام عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد رأى ما يصنع به أصحابه ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه» رواه أحمد.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس، فقال: «ما بال أحدكم مستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه؛ فإن لم يجد فليقل هكذا» ووصف القاسم، فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه ببعض، رواه مسلم، ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه؛ ولأنه لو كان نجسًا لنجس الفم ونقض الوضوء، ولم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- فيما علمنا شيء من ذلك مع عموم البلوى به، وعن عائشة ـرضي الله عنهاـ «أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فيها فيشرب وتتعرق العرق فيأخذه فيضع فاه على موضع فيها» رواه مسلم.
وأما الدلالة على أبن الآدمية فقد تقدم ما يدل على طهارته، ومن ذلك ما ورد عن عائشة قالت: جاءت بنت سهيل، فقالت: يا رسول الله، إنسالمًا مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال، فقال: «أرضعيه تحرمي عليه» رواه مسلم.

س109: ما الذي يعفى عنه من النجاسة؟ أذكره بوضوح.
ج: يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر في قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن عباس، وأبي هريرة وغيرهما ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة لقول عائشة «يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض، ثم ترى فيه قطرة من الدم فتقصعه بريقها –وفي رواية: تبله بريقها- ثم تقصعه بظفرها» رواه أبو داود.
وهذا يدل على العفو؛ لأن الريق لا يطهره ويتنجس به ظفرها وهو إخبار عن دوام الفعل، ومثل هذا لا يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - ، قد قال العلماء: أن ما بقي في اللحم من الدم معفو عنه؛ لأنه إنما حرم الدم المسفوح ولمشقة التحرز منه ويعفى عن أثر استجمار بمحمله. والله أعلم.

س110: ما حكم سباع البهائم، والطير، والحمار الأهلي، والبغل منه؟
ج: هذه أجزاؤها وما خرج منها نجس ولا يستثنى منها شيء على المشهور من المذهب، لما ورد عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسأل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» رواه الخمسة، وفي لفظ ابن ماجه ورواية لأحمد: «لم ينجسه شيء ولو كانت طاهرة لم يحده بالقلتين».
وعن سلمة بن الأكوع قال: «لما أمسى اليوم الذي فتحت عليهم فيه خيبرًا أوقدوا نيرانًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما هذه النار، على أي شيء توقدون؟» قالوا: على لحم، قال: «على أي لحم؟» قالوا: على لحم الحمر الإنسية، فقال: «أهريقوها واكسروها»، فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ فقال أو ذاك –وفي لفظ فقال: «اغسلوا»».
وعن أنس قال: «أصبنا من لحم الحمر يعني يوم خيبر، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس أو نجس» متفق عليهما.
فهذا نص في الحمر الأنسية وقياس في غيرها مما لا يؤكل بجامع عدم الأكل، والصحيح: أن الحمار والبغل ريقه وعرقه وما خرج من أنفه طاهر، بخلاف بوله وروثه وأجزائه؛ فإنها خبيثة نجسة، قال في «المغني»: والصحيح عندي طهارة البغل والحمار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يركبهما ويركبان في زمنه وفي عصر الصحابة، فلو كان نجسًا لبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك. انتهى.
وأيضًا هي أولى من طهارة سؤر الهر الذي ثبت طهارته وعلله - صلى الله عليه وسلم - بأنهن من الطوافين عليكم والطوافات ومشقة ملامسة الحمير والبغل أشق من الهر بكثير. والله أعلم.

س111: ما مثال سباع البهائم والطير مما فوق الهر خلقة؟ وما مثال ما لا يؤكل من البهائم؟
ج: مثل الفيل، والبغل، والحمار، والأسد، والنمر، والذئب، والفهد، والكلب، والخنزير، وابن آوى، والدب، والقرد، والسمع والعسبار، وجوارح الطير: كالعقاب، والصقر، والحدأة، والبومة، والنسر، والرخم، وغراب البين والأبقع.

21- باب الحيض
س112: ما هو الحيض؟ وما الأصل في مشروعيته؟ ومن هي المبتدأة؟ وماذا تعمل؟
ج: هو دم وطبيعة وجبلة يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة لحكمه تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك بإذن الله إلى تغذية الولد، ولذلك لا تحيض الحامل إلا نادرًا، فإذا وضعت الولد قلبه الله بحكمته لبنًا يتغذى به الطفل، ولذلك قُلما تحيض المرضع، فإذا خلت المرأة من الحمل والرضاع بقي لا مصرف له فيستقر في مكان، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة، وقد يزيد وقد ينقص على ما ركبه الله في الطباع؛ ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ببر الأم ثلاث مرات، وببر الأب واحدة، والأصل فيه قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}.

والمبتدأة هي:
التي رأت الدم ولم تكن حاضت، قال في «الاختيارات الفقهية»: ولا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره، بل كل ما استقر عادة للمرأة فهو حيض وإن نقص عن يوم أو زاد على الخمسة أو السبعة عشر، ولا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين، والمبتدأة تجلس ما تراه من الدم ما لم تصر مستحضاه، وكذلك المنتقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال، فذلك حيض حتى تعلم أنها مستحاضة باستمرار الدم.

قال الناظم:
وعند إمام الوقت تجلس مطلقًا ... لظاهر ما يروى بغير تقيد

س113: ما حكم وطء الحائض ومباشرتها؟
ج: محرم، لقوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } الآية. وأما مباشرتها، فتجوز في غير الفرج، وفي الفرج تحرم، لما ورد عن أنس بن مالك أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - اصنعوا [كذا بالأصل]، فأنزل الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ } الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، وفي لفظ: «إلا الجماع» رواه الجماعة إلا البخاري.

س114: ما حكم فعل الصلاة والصوم في حق الحائض؟ وما دليل الحكم؟
ج: يحرم عليها فعل صلاة وصوم؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» متفق عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة» رواه البخاري والنسائي وأبو داود، وفي رواية للجماعة إلا ابن ماجه: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة».

س115: ما الدليل على سقوط وجوب الصلاة دون الصوم عن الحائض؟
ج: ما ورد عن معاذة قالت: سألتُ عائشة، فقلتُ: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: «كان يصيبنا ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» رواه الجماعة.

س116: ما حكم الطواف في حق الحائض وما دليل الحكم؟
ج: يحرم عليها فعل الطواف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة إذا
حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري» متفق عليه.

س117: ما حكم الاعتداد بالأشهر في حق من تحيض؟
ج: ممنوع الاعتداد بالأشهر في حق من تحيض؛ لقوله تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } فأوجب سبحانه العدة بالقروء، وقوله: { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } شرط في العدة بالأشهر عدم الحيض.

س118: ما حكم الطلاق في وقت الحيض؟ وما دليل الحكم؟
ج: طلاق بدعة محرمة، لما في الطلاق من تطويل العدة، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء».

من «مختصر النظم» الأشياء التي يمنعها الحيض وما يوجبه الحيض:
ويمنع حيض الخود فعل صلاتها ... وإيجابها والصوم ولنقضه قد
ودرسًا لقرآن ومسًا لمصحف ... وتطواف بيت والدوام بمسجد
وسنة تطليق وعدة أشهر ... ووطئًا بفرج ثم يوجب فاعدد
بلوغًا وغسلاً واعتدادًا به وإن ... لوطئكها افهم في الخطأ والتعمد

س119: من المستحاضة؟
ج: هي من يخرج دمها في غير أوانه، وهي تارة يكون لها عادة وتارة يكون لها تمييز، وتارة تكون لا عادة لها ولا تمييز.

س120: بين ماذا تعمل المستحاضة المعتادة؟ بين الحكم مع ذكر الدليل.
ج: تجلس عادتها، لما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي اللاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي» رواه البخاري والنسائي وأبو داود.
وعن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن ابن عوف شكت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدم، فقال: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي»، فكانت تغتسل عند كل صلاة. رواه أحمد والنسائي، ولقظهما. قال: «فلتنتظر قدر قروئها التي كانت تحيض فلتترك الصلاة، ثم لننظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة».
وعن القاسم عن زينب بنت جحش أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنها مستحاضة، فقال: «تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل وتصلي وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتصليهما جميعًا وتغتسل للفجر» رواه النسائي.
وعن أم سلمة أنها استفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في امرأة تهراق الدم، فقال: رواه الخمسة إلا الترمذي.

س121: ماذا تعمل المستحاضة التي لا عادة لها؟ بين الحكم واذكر الدليل.
ج: من لا عادة لها ولها تمييز ترجع إليه، لما ورد عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان دم الحيض فإنه أسود ويعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي؛ فإنما هو عرق» رواه أبو داود والنسائي.

س122: ماذا تعمل المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز؟
ج: ترجع إلى غالب عادات النساء، لحديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه، فقال: «إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي فإذا استنقأت فصلي أربعة وعشرين وصومي وصلي؛ فإن ذلك يجزئك وكذلك فاعلي كل شهر كما تحيض النساء؛ فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلي حين تطهرين وتصلي الظهر والعصر جميعًا، ثم تؤخرين المغرب وتعجين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، قال: وهو أحب الأمرين إليّ» رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وحسنه البخاري.

س123: ما حكم الصفرة والكدرة؟ وكم مدة النفاس؟ وضح ذلك مع الدليل.
ج: الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، لحديث أم عطية قالت: «كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا» رواه البخاري وأبو داود واللفظ له، وأكثر مدة النفاس أربعون يومًا ولا حد لأقله، لحديث أم سلمة قالت: «كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين يومًا» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني والحاكم، وله طرق يقوي بعضها بعضًا.
قال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي، قال أبو عبيدة: وعلى هذا جماعة الناس، وقال في «الاختيارات الفقهية»: ولا حد لأقل النفاس ولا لأكثره، ولو زاد على الأربعين أو الستين أو السبعين وانقطع فهو نفاس؛ ولكن إن اتصل فهو دم فساد، وحينئذ فالأربعون منتهى الغالب. والله أعلم.

س124: متى يثبت حكم النفاس؟ وإذا تخلل الأربعين نقاء فما الحكم؟
ج: يثبت حكمه بوضع ما تبين فيه خلق إنسان وإن تخلل الأربعين نقاء فهو طهر تغتسل فيه وتصوم وتصلي وتفعل ما يفعل الطاهرات.

س125: ما الفرق بين الحيض والنفاس؟
ج: الفرق الأول: أن النفاس لا تعتد به المفارقة في الحياة، والثاني: أن البلوغ يحصل بالحيض، وأما النفاس فلا يثبت به بل بالإنزال المتقدم عليه وقت الجماع.

قال في «المختصر للنظم»:
وكالحيض فيما قيل حكم نفاسها ... سوى في بلوغ سابق وتعدد
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:15 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 11:20 pm

22- الأذان والإقامة
س126: ما هو الأذان؟ وما هي الإقامة؟
ج: هو لغة: الإعلام. قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، وفي الشرع: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه لفجر، والإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص فيها.

س127: ما الأصل في مشروعيتهما من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} الآية، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ} وأما الأدلة من السُّنة، فمنها ما يأتي قريبًا في مواضعه -إن شاء الله-.

س128: في أي وقت كان ابتداء شرعية الأذان؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: قيل: إن أصح ما ورد في تعيين ابتداءه هو أنه عندما قدم المسلمون المدينة، لما ثبت عند البخاري ومسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح، والنسائي من حديث عبد الله بن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم لبعض: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: ألا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «قم يا بلال فناد بالصلاة».

س129: ما حكم الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: فرض كفاية على الرجال المقيمين لللوات الخمس المفروضة والجمعة، لما ورد عن مالك بن الحويرث، أن البني - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» متفق عليه، ولما ورد عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان» رواه أحمد.

س130: ماذا يعمل مع أهل بلد تركوهما؟ بين الحكم مقرونًا بالدليل.
ج: يقاتل أحد بلد تركوهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وقد كان الغزاة في أيام النبرة وما بعدها إذا جهلوا حال أهل بلد أو قرية تركوا حربهم حتى يحضر وقت الصلاة؛ فإن سمعوا أذانًا كفوا عنهم، وإن لم يسمعوا قاتلوهم مقاتلة المشركين، ولما ورد عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إلينا؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، قال: فخرجنا إلى خيبر، فلما انتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فخرجوا إلينا بملكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: محمد والله محمد، والخميس فلجأوا إلى الحصن، فلما رآهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» متفق عليه.
وعن عصام المزني قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، فقال: «وإذا رأيتم مسجدًا وسمعتم مؤذنًا فلا تقتلوا أحدًا» رواه الترمذي وأبو داود.

س131: ما صفة الأذان؟ وكم هو من جملة؟ بين ذلك مع ذكر الدليل.
ج: الأذان خمس عشرة جملة في غير الفجر، يكبر أربع تكبيرات، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، ويقول: الله أكبر مرتين ولا إله إلا الله مرة، ويزيد في الفجر بعد قوله حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم مرتين، فيكون أذان الفجر سبع عشرة جملة.
عن عبد الله بن زيد قال: «لما أجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يضرب بالناقوس وهو كاره له لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم، رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: تدعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله»، قال: ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله» ثم أمر بالتأذين فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر» رواه أحمد.
وعن أنس قال: «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة» رواه الجماعة، وعن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله، علمني سُّنة الأذان فعلمه، وقال: «فإن كان صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله» رواه أبو داود وأحمد.

س132: بين معاني ما يلي من الكلمات: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الشفع، الوتر، الترسل، الحدر.
ج: أشهد أن لا إله إلا الله: معناها أعلم أن لا إله إلا الله، وأبين أن لا إله إلا الله؛ ولهذا سميت الشهادة بينة، وقلو الله عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} معناه: بين الله ذلك، وأعلم أن لا إله إلا هو، وشهد الشاهد بالحق عند الحاكم معناه بين للحاكم وأعلمه ما عنده من الخير، أشهد أن محمدًا رسول الله معناها أيضًا: أبين وأعلم، والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع الأخبار من الذي بعثه، أخذًا من قولهم: جاءت الإبل رسلاً، أي متتابعة.



قال الأعشى:
يسقي رياضًا لها قد أصبحت عرضًا ... زورًا تجانف عنها القود والرسل

والقود: الخيل، والرسل: الإبل المتتابع. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، اسم فعل معناه: هلموا إليها وأقبلوا عليها، وعلى هاهنا بمعنى: إلى، أي هلم إلى الصلاة، والحيعلة حكاية. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح.

قال الشاعر:
ألا رب طيف منك بات معانقي ... إلى أن دعا داعي الصباح فحيعلا
ونظيرها في الكلام، البسملة والحوقلة إذا قال بسم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الشاعر:
لقد بسملت ليلي غداة لقيتها ... فياحبذا ذاك الحديث المبسمل

وزاد بعضهم:
السبحلة والحمدلة حكاية قول سبحان الله والحمد لله وزاد بعض المتأخرين الطيلقلة والدمعزة حكاية قول القائل أطال الله بقاءك، وأدام عزك، وزاد بعضهم: الجعفلة حكاية قول القائل: جعلت فداك، الفلاح الفوز والبقاء، أي هلموا إلى العمل الذي يوجب البقاء والخلود في الجنة، وقول الصلاة خير من النوم، يسمى التثويب من ثاب إذا رجع وثوب الداعي إذا كرر ذلك؛ لأن المؤذن دعا إلى الصلاة ثم عاد إليها، ويقال: تاب إليه عقله، أي رجع إليه.

وأنشدوا في ذلك:
وكل حي وإن طالت سلامته ... يومًا له من دواعي الموت تثويب

الشفع:
الزوج، يقال: شفعت الشيء إذا ضممت إليه مثله، والمراد أن يأتي بألفاظه شفعًا وهو مفسر بقوله: مثنى مثنى، قال الحافظ: لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله مثنى على ما سواها. انتهى.
فتكون أحاديث تشفيع الأذان وتثنيته مخصصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة، كحديث عبد الله بن زيد ونحوه؛ الوتر: الفرد وأوترته إذا أفردته؛ الترسل: التمهل، والثاني من قولهم: جاء فلان على رسله؛ والحدر: الإسراع؛ الله أكبر: أي من كل شيء أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو هو بمعنى كبير. والله أعلم.

س133: ما الدليل على أفضلية الأذان من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} الآية. وعن معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وعن ابن عباس ـرضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أذن محتسبًا سبع سنين كتب له براءة من النار» رواه ابن ماجه، وفي حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ومسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا».

س134: بين حكم الأذان في حق المسافر، واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنه واجب في السفر للجماعة، كما يجب في الحضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالاً في السفر، وقال لمالك بن الحويرث ولابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما» متفق عليه.
وهذا ظاهر في وجوبه؛ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يكونوا يتركون الأذان في أسفارهم، وقيل: إنه مسنون للمسافر، لما ورد عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يعجب ربك عز وجل من راعي غنم في شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

س135: بين حكم الأذان قبل دخول الوقت، وجلوس المؤذن بعد الأذان. واذكر الخلاف.
ج: لا يجوز قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل، لما ورد عن ابن مسعود، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره؛ فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل، هكذا حتى يستطير، هكذا يعني معترضًا» رواه مسلم وأحمد والترمذي، ولفظهما: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال والفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق»، وروى زياد بن الحارث الصدائي قال: «لما كان أول أذن الصبح أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - فأذنت فجعلت أقول أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إليّ ناحية الشرق، ويقول: «لا حتى إذا طلع الفجر»، نزل فبرز، ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فتوضأ، فأراد بلال أن يقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخا صداء قد أذن فهو يقيم» قال فأقمت» رواه أبو داو والترمذي، ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كفعل بلال وابن أم مكتوم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان، فإذا كانا مؤذنين حصل الإعلام بالوقت، وقيل: لا يجوز الأذان قبل طلوع الفجر، لما روى ابن عمر أن بلالاً أذن قبل الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام، وعن بلال أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر» هكذا، ومد يديه عرضًا. رواهما أبو داود.
ومن حديث أنس عند البخاري وغيره قال: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، فجعل شعار ديار الإسلام الأذان على طلوع الفجر»، وقالت طائفة من أهل الحديث: إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس؛ لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت، لم يجز كبقية الصلوات إلا أن يكون له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما، ويستحب أن يجلس مؤذن بعد أن أذان صلاة يسن تعجيلها، كمغرب جلسة خفيفة، ثم يقيم الصلاة، لحديث أبي بن كعب مرفوعًا «اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا يفرغ الآكل من طعامه في مهل، ويقضي حاجته في مهل» رواه عبد الله بن أحمد.
وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمقتضى إذا دخل لقضاء حاجته» رواه أبو داود والترمذي.
وكل أذان ليس في الوقت باطل ... بلى بعد نصف الليل للفجر غرد
وبعد أذان المغرب أقعد هنيهة ... وإن تشأ جميعًا أو فوائت باعد
فأذن لأولاهن ثم أقم لها ... وفي باقيات للإقامة أفرد
وفي موضع التأذين إن يسهلن أقم ... وفي مغرب بعد الأذان ليقعد
يسيرًا فلا تكره إذًا ركعتين للمصلي بلا خلف على نص أحمد.

س136: ما حكم رفع الصوت بالأذان؟ وما دليل الحكم؟
ج: مسنون، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس» رواه الخمسة إلا الترمذي، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال له: «أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة»، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه.

س137: بين حكم ما يلي: التثويب في أذان الفجر بعد الحيعلة، الإسراع في الإقامة، جعل المؤذن أصبعيه في أذنيه، التفاته في الحيعلة يمينًا وشمالاً غير مستدير وكونه على علو، وكونه متطهرًا قائمًا مترسلاً، وكونه أول الوقت, وكون المؤذن عالمًا بالوقت، بصيرًا حسن الصوت.
ج: هذه من المسنونات، لما ورد عن أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: «رأيت بلالاً يؤذن وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه» رواه أحمد والترمذي، وصححه.
ولابن ماجه «وجعل أصبعيه في أذنيه»، ولأبي داود: «ولوى عنقه لما بلغ حي على الصلاة يمينًا وشمالاً ولم يستدر» وأصله في «الصحيحين»؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤذن إلا متوضئ» رواه الترمذي والبيهقي مرفوعًا من حديث أبي هريرة وموقوفًا عليه، وقال: وهو أصح، وأما كونه على علو، فلأنه أبلغ في الإعلام، وروي عن امرأة من بني النجار قالت: «كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن» رواه أبو داود؛ وأما كونه مستقبل القبلة، فتقدم حديث أبي جحيفة وما يفهم منه، قال في الشرح: ولا نعلم خلافًا في استحبابه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السُّنة أن يستقبل القبلة بالأذان، وذلك لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة؛ وأما كونه قائمًا، فلما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «قم فأذن» وكان مؤذنوه صلى الله عليه وسلم يؤذنون قيامًا.
قال ابن المنذر: أجمع كل مَنْ نحفظ عنه أنه من السُّنة؛ لأنه أبلغ في الأسماع؛ وأما كونه مترسلاً، فلما روى جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» رواه الترمذي وضعفه؛ وأما الدليل على كونه في أول الوقت، لما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم، ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا خرج أقام حين يراه» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وأما كونه عالمًا بالوقت فلأمن الخطأ، وليتمكن من الأذان في أوله، وأما كونه بصيرًا، فلأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط، وكره ابن مسعود وبان الزبير أذانه، وكره ابن عباس إقامته؛ وأما كونه صيتًا، فلقوله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن زيد: «ألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتًا منك» ولأنه أبلغ في الإعلام؛ وأما التثويب، وهو قول الصلاة خير من النوم مرتين، فلقول بلال «أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ثوب في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء» رواه ابن ماجه؛ وأما حدر الإقامة، فلقوله -صلى الله عليه وسلم- لبلال: «إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر» رواه أبو داود.

قال في «مختصر النظم»:
على نَشَزِ مُستقبلاً قائمًا فكنْ ... وفي الأذنين الأصبعين فأورد؟
وحيعل يمينًا بالتفاتٍ ويسرة ... ولا تدر الرجلين والطهر جود
وخذ عن بلالٍ خمس عشرة كلمة ... ومن يقم إحدى عشرة ليعدد
وإن يترسل بالأذان ويحدر ... الإقامة يظفر بالأحب ويقتدى
ومن أذن احرصْ أن يقيم مكانهُ ... وللفجر بالتثويب ثنتين أفرد

س138:من الأولى أن يتولى الأذان والإقامة؟واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يستحب أن يتولاهما واحد، لحديث زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا صداء أذن» قال: فأذنت وذلك حين أضاء الفجر، قال: فلما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقيم أخو صداء فإن من أذن فهو يقيم» رواه الخمسة إلا النسائي، ولفظه لأحمد.

س139: ما حكم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: يحرم أخذ الأجرة، ويجوز أن يجعل له رزق من بيت المال لعدم متطوع، لما روى عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: «أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

س140: بين من المقدم عند تشاح المؤذنين؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يقدم أولاً أفضلهما فيه، ثم أفضلهما في دينه وعقله، ثم من يختاره الجيران، ثم قرعة؛ أما دليل الأفضل فيه، فقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن زيد: «ألقه على بلال فإنه أندى صوتًا» الحديث، وتقدم قريبًا.
وقدم أبا محذورة لصوته؛ وأما الدليل على تقديم الأفضل في دينه وعقله عند الاستواء في ذلك، فلما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم» رواه أبو داود وغيره؛ ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت فبالأفضلية في ذلك أولى؛ لأن مراعاتهما أولى من مراعاة الصوت؛ لأن الضرر بفقدهما أشد، وأما تقديم من يختاره الجيران على غيره؛ فلأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم؛ ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن أعف عن النظر وعن الشبهات؛ وأما كونه يقرع عند التساوي، فلقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد.



قال الناظم:
ومتقن ذا قدمه عند تنازع ... فدين فعقل فانتقا جار مسجد
ومن يحتسبه فهو أو من الذي ... له رزق بيت المال أو أجر ممدد
فإن يستووا أقرع كسعد وجوزن ... أذانًا لأعمى متقن أو مقلد

س141: إذا جمع أو قضى فوائت، فما الحكم؟ وكم يؤذن؟ وكم يقيم؟ وضح ذلك.
ج: حكم الأذان والإقامة مسنون فيؤذن للأولى ويقيم لكل فريضة، لحديث عمرو بن أمية الضمري قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «تنحوا عن هذا المكان»، قال: ثم أمر بلال فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح، رواه أبو داود.
ولما ورد عن أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود عن أبيه «أن المشركين شغلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» رواه أحمد والنسائي والترمذي.
ولما روى مسلم عن جابر: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» إلى غير ذلك من الأدلة.

س142: ما المسنون قوله عند سماع الأذان؟ وضحه مع ذكر الدليل.
ج: يسن متابعته سرًا بأن يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في قوله حي على الصلاة وحي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإلا في التثويب فيحوقل أو يقول: صدقت وبررت، لما ورد عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة» رواه مسلم وأبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
ومثل المؤذن قبل إذا ما سمعتهُ ... وحوقل إذا حيعل تثابن وترشد
وعند فراغ منه فاسأل وسيلة ... لخير الورى تؤت الشفاعة في غد
وفضل أذان المرء يعلو إمامة ... وقد قيل بل بالعكس فاختر وجود

23- كتاب الصلاة
س143: ما معنى الصلاة لغةً وشرعًا؟ ولما سميت صلاة؟
ج: هي في اللغة: الدعاء.
قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}، وفي الحديث: «وإن كان صائمًا فليصل».
وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء، وقيل: لأنها ثانية الشهادتين، كالمصلي من خيل الحلبة، وقيل: لما تتضمن من الخشوع والخشية لله، وقيل: لأن المصلي يتبع من تقدمه.

س144: ما حكم الصلاة؟ وما دليل الحكم من الكتاب والسُّنة؟
ج: تجب وجونب عين على كل مسلم بالغ عاقل إلا حائضًا ونفساء، ودليل الحكم قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ}، وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
وقال: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}.
ومن السُّنة: ما ورد عن ابن عمر ـرضي الله عنهماـ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة» الحديث متفق عليه.
وعن طلحة بن عبيدالله أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ما فرض الله علي من الصلاة، قال: «الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا» الحديث متفق عليه.
وأجمع المسلمون على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة.

س145: متى فرضت الصلاة؟ وماذا يلزم من نام عنها أو غفل عنها أو نسيها؟
ج: فرضت ليلة الإسراء، وقيل: بعد البعثة، أي بعثته - صلى الله عليه وسلم - بنحو خمس سنين، وقيل: قبل الهجرة بسنة، ويجب على من نسى صلاة أو غفل عنها أن يصلها إذا ذكرها؛ لحديث أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» متفق عليه. ولمسلم: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله عز وجل يقول: { أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } »، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.

س146: بين حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟ واذكر دليل الحكم.
ج: يحرم تأخير الصلاة عن وقته على القادر على فعلها الذاكر لها إلا لناوي الجمع، لنحو سفر أو مرض؛ لأنه يجب عليه إيقاعها في الوقت، فإذا خرج ولم يأت بها كان تاركًا للواجب، مخالفًا للآمر، ولئلا تفوت فائدة التأقيت؛ وأما الدليل على جوازه للعذر وتحريمه لغير عذر، فحديث أبي قتادة مرفوعًا «ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى»، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} عن بعض الصحابة أنه تأخيرها عن وقتها. وفي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة» أو قال: «يؤخرونها عن وقتها»، وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} قال ابن مسعود إبراهيم: أخروها عن وقتها.
وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا العصر حتى تغرب الشمس، وقال الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم ابن مخيمرة في هذا الآية: إنما أضاعوا المواقيت ولو كان تركًا كان كفرًا.
وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًا} قال: لم تكن إضاعتها تركها ولكن أضاعوا الوقت.

س147: ما حكم جحد الصلاة أو تركها تهاونًا وكسلاً؟
ج: ما يخل الجاحد لوجوبها إما أن يكون ممن لا يجهله كمَنْ نشأ بدار الإسلام، فهذا يكفر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله وإجماع الأمة ويصير مرتدًا بغير خلاف نعلمه قاله في المبدع، وإما أن يكون ممن يجهله كمن نشأ ببادية، وكحديث عهد بإسلام عرف وجوبها؛ فإن أصر على الجحد كفر، وإن تركها تهاونًا وكسلاً دعاه إمام أو نائبه إلى فعلها؛ فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله.

س148: كم مدة الاستتابة لجاحد وجوبها وتاركها تهاونًا وكسلاً؟
ج: ثلاثة أيام بلياليها كسائر المرتدين ويضيق عليهما ويدعيان كل وقت صلاة إليها؛ فأن تابا بفعلها مع إقرار الجاحد لوجوبها خلى سبيلهما وإلا ضربت عنقهما، وحيث كفر فإنه يقتل بعد الاستتابة ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرق ولا يسبي له أهل ولا ولد كسائر المرتدين.
قال الشيخ: وتنبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي ولا ينبغي السلام عليه ولا إجابة دعوته.

س149: ما هو الدليل على كفر تارك الصلاة من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، وقال: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي، وعن بريدة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» رواه الخمسة. وفي الحديث الآخر: «من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله» رواه أحمد بإسناد عن مكحول وهو مرسل جيد. وعن عبد الله بن شقيق قال: «كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة» رواه الترمذي، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ذكر الصلاة يومًا، فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف» رواه أحمد. وقال عمر: «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»، وقال علي: «مَنْ لم يصل فهو كافر».
على الصلوات الخمس حافظ فإنها ... لآكد مفروض على كل مهتد
فلا رخصة في تركها لمكلف ... وأول ما عنها يحاسب في غد
بإهمالها يستوجب المرء قرنه ... بفرعون مع هامان في شر مورد
وما زال يوصي بالصلاة نبينا ... لدى الموت حتى كل عن نطق مذود
على المسلمين البالغين وجوبها ... سوى حيث أو ذي جنون وولد
وتفويتها أو بعضها من مكلف ... حرام سوى ذي الجمع يا ذا التقيد
ومن جحد الإيجاب كفره إن نشأ ... بدار الهدى ما بين أهل التعبد
وتاركها وهنًا كذلك إن دعى ... وضاق بثاني الفروض وقت له قد
إذا لم يتب واقتله بعد استتابة ... ثلاثة أيام بضيق التهدد


س150: ما معنى الشرط؟ وكم شروط الصلاة وما هي؟
ج: الشرط لغة: العلامة. قال تعالى: { فَقَدْ جَاءَ أَشْراطُهَا } ، وعرفًا: ما لا يوجد المشروط مع عدمه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده، وشروط الصلاة ما يتوقف عليها صحتها إن لم يكن عذر وليست منها، وتجب لها قبلها إلا النية فتكفي مقارنتها، بل هو الأفضل، وهي تسعة: إسلام، وعقل، وتمييز وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج، والرابع: الوقت، والخامس: الطهارة، والسادس: اجتناب النجاسة، والسابع: ستر العورة، والثامن: استقبال القبلة، والتاسع: النية.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:15 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 11:34 pm

24- مواقيت الصلوات الخمس
س151: ما هي المواقيت؟ ومن أين يؤخذ تحديدها وما هو دليلها؟
ج: المواقيت: جمع ميقات، وهو القدر المحدد للفعل من الزمان والمكان ويؤخذ تحديدها من حديث جابر بن عبد الله «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل ظهرًا، فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاء المغرب، فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء، فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاء الفجر، فقال: قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر، ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاء العصر، فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال: ثلث الليل، فصلى العشاء، ثم جاء حين أسفر جدًا، فقال: قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت» رواه أحمد والنسائي والترمذي بنحوه، وقال البخاري: هو أصح شيء في المواقيت.

قال العمريطي -رحمه الله- ناظمًا لأوقات الصلوات:
مفروضها خمس فوقت الظهر ... من الزوال ينتهي بالعصر
إذ صار ظل كل شيء مثله ... بعد الزوال غير ظل قبله
والعصر يأتي مع مصير ظله ... بعد الزوال زائدًا عن مثله
وإن بصر مثليه ظل طارى ... بعد الزوال فهو الاختياري
وبعده الجواز ما لم تغرب ... وبالغروب جاء وقت المغرب
وفي القديم يلزم امتداده ... إلى العشاء والراجح اعتماده
ثم العشا من بعد حمرة الشفق ... وينتهي إذا بدا فجر صدق
والصبح بالفجر الأخير يشرع ... وينتهي بالشمس حين تطلع

25- صلاة الظهر
س152: بين حكم تقديم صلاة الظهر وحكم تأخيرها مقرونًا بالدليل.
ج: يستحب تقديمها إلا في شدة الحر فالتأخير أولى، أما التقديم فدليله: ما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر إذا دحضت الشمس» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو داود، وعن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر في أيام الشتاء وما ندري ما ذهب من النهار أكثر أو ما بقي منه» رواه أحمد، وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها» رواه الترمذي والحاكم وصححاه، وأصله في «الصحيحين»، وأما التأخير في شدة الحر، فلما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم» رواه الجماعة، وعن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل» رواه النسائي وللبخاري نحوه.
وعن أبي ذر قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: «أبرد» حتى رأينا فيء التلول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة» متفق عليه.

26- صلاة العصر
س153: ما حكم تعجيل صلاة العصر؟ وما دليل الحكم؟
ج: يستحب تعجيل صلاة العصر، لما في حديث جابر المتقدم قريبًا، ولما ورد عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة» رواه الجماعة إلا الترمذي، وللبخاري «وبعض العوالي من المدينة على ثلاثة أميال أو نحوه» ولأحمد وأبي داود معنى ذلك، وعن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، إنما نريد أن ننحر جزورًا لنا وإنا نحب أن تحضرها، قال: «نعم»، فانطلق وانطلقنا معه فوجدونا الجزور لم تنحر، فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس، رواه مسلم. وعن رافع بن خديج قال: «كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ننحر الجزور فتقسم عشر قسم، ثم نطبخ فنأكل لحمه نضيجًا قبل مغيب الشمس» متفق عليه.

س154: ما الدليل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر؟
ج: ما ورد عن علي-عليه السلام-أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الأحزاب: «ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس» متفق عليه، ولمسلم وأبي داود: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر»، وعن علي قال: كنا نراها الفجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي صلاة العصر -يعني الوسطى» رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، وعن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر» رواه أحمد والترمذي وصححه، وفي رواية لأحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها العصر»، وعن البراء عن عازب قال: نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وصلة العصر فقرأناها ما شاء الله ونسخاه الله فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى} ، فقال رجل: هي إذًا صلاة العصر، فقال: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله، والله أعلم. رواه مسلم.

27- صلاة المغرب
س155: بين حكم تقديم صلاة المغرب مع الدليل على ما تقول.
ج: يستحب تقديمها إلا ليلة جمع لمن قصدها محرمًا وإلا في الغيم لمن يصلي جماعة، وإلا في الأوفق، فالتأخير في ثلاث هذه الصور أولى فمن أدلة استحباب تقديمها، ما ورد عن سلمة بن الأكوع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب» رواه الجماعة إلا النسائي، وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم» رواه أحمد وأبو داود، وعن جابر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها إذا وجبت»، وقال رافع ابن خديج: «كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا، وإنه ليبصر مواقع نبله» متفق عليه.
وعن أنس مثله رواه أبو داود.

28- صلاة العشاء الآخرة
س156: هل الأولى تقديم صلاة العشاء الآخرة أم تأخيرها؟ وضح ذلك.
ج: الأولى التأخير إلى ثلث الليل أو نصفه إلا إذا كان يشق على المأمومين أو بعضهم أو في حال تأخير المغرب حيث جاز التأخير لنحو جمع وتقدم، فمن أدلة استحباب تأخيرها ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، وعن جابر ابن سمرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء الآخرة» رواه أحمد ومسلم والنسائي، وعن عائشة قالت: «اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة فنادى عمر: نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما ينتظرها غيركم ولم تصلى يومئذ إلا بالمدينة»، ثم قال: «صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل» رواه النسائي.
وعن بريدة الأسلمي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر لعشاء وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها» رواه الجماعة، وعن أنس قال: «أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى، ثم قال: «قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها» قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلة إذ» متفق عليه.
وعن أبي سعيد قال: «انتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بصلاة العشاء حتى ذهب نحو من شطر الليل، قال: فجاء فصلى بنا ثم قال: «خذوا مقاعدكم؛ فإن الناس قد أخذوا مضاجعهم وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذا الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل»» رواه أحمد وأبو داود.

29- صلاة الفجر
س157: بين حكم تعجيل صلاة الفجر، ودليل الحكم.
ج: يستحب تعجليها، لما ورد عن عائشة قالت: «كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينفتلن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس» رواه الجماعة، والبخاري «لا يعرف بعضهم بعضًا»، وعن أنس عن زيد بن ثابت قال: «تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان مقدار ما بينهما؟ قال: قدر خمسين آية» متفق عليه.
وعن أبي مسعود الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد يسفر، رواه أبو داود، وعن ابن مسعود قال: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها»، ولمسلم: «قبل وقتها بغلس»، ولأحمد والبخاري عن عبد الرحمن بن زيد قال: «خرجت مع عبد الله فقدمنا جميعًا نصلي الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة وتعشى بينهما ثم صلى حين طلع الفجر، قائل يقول قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع.
ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هاتين الصلاتين حولنا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء ولا يقدم الناس جميعًا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة»، وفي حديث جابر: «والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس».

س158: بين وقت الاختيار ووقت الكراهة أو الضرورة.
ج: المغرب وقت الاختيار ما قبل ظهور النجوم وما بعده وقت كراهة، والعصر لها وقت اختيار من خروج وقت الظهر إلى مصير الفي مثليه سوى ظل الزوال وهو آخر وقتها المختار، وقيل: إلى إصفرار الشمس، لما روى ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» رواه مسلم، وللعشاء الآخرة وقتان: وقت اختيار من مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل أو نصفه؛ لأن جبريل صلاها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول، حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين كان ثلث الليل الأول، ثم قال: الوقت فيما بين هذين، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.

س159: متى يؤمر الصبي بالصلاة؟ ومتى يضرب على تركه؟ وهل الثواب له؟
ج: يؤمر بها لسبع، ويضرب المميز على تركها لعشر، وثواب صلاته له؛ لأنه العامل فهو داخل في عموم «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها»، وكذا أعمال البر كلها.
وأما الدليل: فحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أحمد وأبو داود.

س160: هل أمر الصبي بالصلاة أمر وجوب وإلزام؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: أمره أمر تمرين واعتياد، لما في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» رواه أحمد، ومثله من رواية علي له ولأبي داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

س161: بين ما الذي تدرك به المكتوبة؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنها تدرك بتكبيرة الإحرام في الوقت، وقيل: وهو أرجح من القول الأول: بأنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة، لما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» رواه الجماعة، والبخاري: «إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته»، وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه، والسجدة هنا: الركعة.

قال الناظم:
ومن يأت في وقت بركعة فرضه ... وعنه أو التكبير يدركه فاقتد

س162: متى يصل من جهل الوقت ولا يمكنه مشاهدة ما يعرف به الوقت ولا مخبر بيقين، وما الذي يكتفي به في الإخبار عن دخول الوقت؟
ج: يصلي من جهل الوقت إذا غلب على ظنه دخول الوقت بدليل من اجتهاد أو تقدير الزمن بالصنعة أو بالقراءة أو بآلة أو نحو ذلك، مما يدل على دخول الوقت، والذي يكتفى به واحد في الأذان والإخبار عن دخول الوقت، بشرك أن يكون ثقة عارفًا بدخول الوقت؛ لأنه خبر ديني فقبل فيه قول الواحد؛ ولأن الأذان شرع للإعلام بدخول وقت الصلاة، فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكمة التي شرع لها الأذان.

س163: إذا أدرك مكلف من أول وقت مكتوبة قدر ما تدك به، ثم طرأ مانع من جنون أو حيض أو نفاس، ثم زال المانع وجد المقتضى للوجوب فما الحكم وما دليله؟
ج: يلزمه قضاء تلك الصلاة؛ لأن الصلاة تجب بدخول الوقت على المكلف وجوبًا مستقرًا ما لم يقم به مانع، فإذا قام به مانع بعد ذلك لم يسقطها فيجب عليه قضاؤها عند زوال المانع، لما في حديث أبي هريرة المتقدم قريبًا وحديث عائشة.

س164: إذا لم يبق من وقت مكتوبة إلا القدر الذي تدرك به، ثم زال ما به من مانع من حيض، ونفاس، وصغر، وجنون، وكفر، ووجد المقتضى للوجوب من بلوغ صبي وطهر حائض ونفساء وإسلام كافر فما الحكم؟
ج: قيل: يجب قضاء تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها؛ فإن كان زوال المانع أو طرو التكليف قبل طلوع الشمس لزمه قضاء الصبح فقط؛ لأن التي قبلها لا تجمع إليها، وإن كان قبل غروبها لزمه قضاء الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر لزمه قضاء المغرب والعشاء، لما روى الأثرم وابن المنذر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة «تصلي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر جميعًا» لأن وقت الثانية وقت للأولى في حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه قضاء فرضها، كما يلزمه فرض الثانية، والقول الثاني: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها؛ لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها، فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئًا. وهذا قول الحسن، وعندي أنه أرجح من الأول. والله أعلم.

وإلى الأول أشار الناظم بقوله:
وإن يصح مجنون ويبلغ ذو صبى ... وتطهر من حاضت ويسلم معتد
قبيل غروب الشمس أو قبل فجرهم ... فإن عليهم فرضى الجمع أكد

س165: إذا اجتهد من اشتبه عليه الوقت وصلى، فما الحكم؟
ج: إن بان أنه وافق الوقت أو ما بعد أجزاء ذلك ولا إعادة عليه؛ لأنه أدى ما خوطب به وفرض عليه وإن وافق ما قبل الوقت لم يجزه عن فرضه؛ لأن المكلف إنما يخاطب بالصلاة عند دخول وقتها، ولم يوجد بعد ذلك ما يزيله ولا ما يبرئ الذمة فيبقى بحاله.
ويجتهد صلى فوافق وقته ... وبعد كفى لا قبل بل نفلا اعدد

س166: ما حكم قضاء الفوائت؟ وهل يسقط؟ وهل يجوز التأخير؟
ج: من فاتته صلاة مفروضة لزمه قضاؤها مرتبًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: «هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟» قالوا: يا رسول الله، ما صليتها، فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. رواه أحمد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقد رأوه قضى الصلاة مرتبًا، كما رأوه يقرأ قبل أن
يركع ويركع قبل أن يسجد، ولوجوب الترتيب بين المجموعتين؛ ولأن القضاء يحكي الأداء ويسقط الترتيب بنسيانه وبخشية خروج وقت اختيار الحاضرة، وقيل: ويسقط بخوف فوت الجماعة اختاره جمع، وقيل: ويسقط الترتيب أيضًا بجهل وجوبه. والله أعلم. ويجب قضاء الفائتة فأكثر على الفور، لحديث «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه. ويسقط الفور عمن عليه فائتة إذا حضر لصلاة عيد فيؤخر الفائتة حتى ينصرف من مصلاه، لئلا يقتدى به، ويسقط عنه الفور إذا تضرر في بدنه أو ماله أو معيشة يحتاجها ويقضيها بحيث لا يتضرر، لقوله تعالى: { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ولحديث «لا ضرر ولا ضرار»، ويجوز له تأخير قضاء الفائتة، لغرض صحيح «لفعله صلى الله عليه وسلم بأصحابه لما فاتتهم صلاة الصبح وتحولوا من مكانهم، ثم صلى بهم الصبح» متفق عليه من حديث أبي هريرة، والظاهر أن منهم من فرغ من الوضوء قبل غيره:
والزم قضا ما فات فورًا مرتبًا ... إذا لم يفوت وقته أو يجهد
ويسقط بالنسيان في كل حالة ... وخشية تفويت الأداء في المؤكد
وإن يذكرن في الفرض أخرى أتم ذي ... إذا ضاق وقت واجتزئ في المسدد

30- اجتناب النجاسة
س167: ما الذي يحتوي عليه الشرط السادس؟ وما الذي يُراد به؟
ج: يحتوي على بيان المواضع التي لا تصح الصلاة فيها مطلقًا، وما تصح فيه الصلاة في بعض الأحوال، وما يتعلق بذلك، ومنه يعلم ما تصح فيه الصلاة مطلقًا ويُراد باجتناب النجاسة التي هي شرط من شروط الصلاة طهارة بدن المصلي وثيابه وبقعته.
قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، وقال: {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ}، وفي «الصحيحين» عن ابن عباس قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: «إنهما ليعذبان وما يُعذَّبان في كبير»، ثم قال: «بلى، إنه كبير؛ أما أحدهما فلا يستبرئ من البول؛ وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»»، وفي حديث أنس: «تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه»، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر ـرضي الله عنهاـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دم الحيض: «يصيب الثوب تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» متفق عليه، وتقدم حديث الأعرابي في باب إزالة النجاسة وحديث النعلين.

س168: تكلم عن أحكام ما يلي: مصلى حمل نجاسة لا يعفى عنها عالمًا بها، مصلى لاقي النجاسة بثوبه أو بدنه، من صلى بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً، من طين أرضًا نجسة أو فرشها طاهرًا وصلى فيها، من صلى على بساط أو حصر أو نحوه طرفه نجس.
ج: أما من حمل نجاسة لا يعفى عنها أو لاقاها بثوبه أو بدنه فتبطل صلاته لفوات شرطها، وكذا من لاقاها بثوبه أو بدنه لعدم اجتنابه النجاسة، وأما من صلى بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً، فقال في «الاختيارات الفقهية»: ومن صلى بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً فلا إعادة عليه، قاله طائفة من العلماء؛ لأن ما كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد مخطئًا أو ناسيًا، ولا تبطل العبادة به.
وأما من طين أرضًا نجسة أو فرشها طاهرًا فصلاته صحيحة، وأما من صلى على بساط أو حصيرة طرفه نجس، فإن كان ما يصلي عليه طاهرًا فصلاته صحيحة؛ لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة.

س169: تكلم عن أحكام ما يلي: من جبر عظمه، أو خاط جرحه بنجس، من سقط عضو منه أو سن فأعاده، من سقط منه سن فجعل موضعه سن شاة مذكاة، وصل شعر رأس المرأة.
ج: من خاط جرحه أو جبر ساقه أو ذراعه ينجس من خيط أو عظم فجبر وصح لم تلزم إزالته إن خاف الضرر من مرض أو غيره، كما لو خاف التلف؛ لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب وهو أهم من رعاية شرط الصلاة؛ ولهذا لا يلزمه شراء سترة ولا ماء للوضوء بزيادة كثيرة على ثمن المثل، فإذا جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله، فترك شرط مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى، وإن لم يخف ضررًا بإزالته لزمته إزالته؛ لأنه قادر على إزالته من غير ضرر، وما سقط من عضو أو سن فأعاده أو لم يعده فهو طاهر؛ لأن ما أبين من حي فهو كميتته وميتة الآدمي طاهرة، وإن جعل موضع سنه سن شاة مذكاة فصلاته معه صحيحة ثبت أو لم يثبت، ووصل المرأة شعرها بشعر حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواصلة والموصولة» متفق عليه.
وجابر عظم والمخيط جرحه ... ينجس يخاف الضر بالقلع خلد
وساقط سن الآدمي وعضوه ... كميتته طهر وعنه لمن هدى

س170: بين حكم الصلاة فيما يلي: الحش، المقبرة، الحمَّام، أعطان الإبل، الأماكن النجسة، الفريضة في الكعبة، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: لا تصح الصلاة فيها، لما ورد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمَّام» رواه الخمسة إلا النسائي، وقال صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصلوا إلى القبور»؛ وأما معاطن الإبل، فلما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في مرابض الإبل» رواه أحمد والترمذي؛ وأما الحش فبطريق التثنية عليه بالنهي عن المقبرة والحمَّام؛ لأن احتمال النجاسة فيه أكثر وأغلب؛ ولأنه لما ورد النهي عن الكلام حال قضاء الحاجة كان المنع من الصلاة في المواضع المعدة لقضاء الحاجة أولى؛ وأما الأماكن النجسة، فلأن طهارة البقعة شرط من شروط الصلاة، ويستثنى مما تقدم جواز الصلاة على الجنازة في المقبرة، وأما الفريضة في الكعبة فلا تصح؛ لأنه يكون مستدبرًا لبعضها، قال في «الاختيارات الفقهية»: ولا تصح الفريضة في الكعبة، بل النافلة، وهو ظاهر مذهب أحمد؛ وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت الحرام، فإنها كانت تطوعًا فلا يلحق به الفرض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى داخل البيت ركعتين، ثم قال: «هذه القبلة»، فيشبه -والله أعلم- أن يكون ذكره لهذا الكلام في عقيب الصلاة خارج البيت بيانًا؛ لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها، لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كاف في الغرض؛ لأجل أنه صلى التطوع في البيت، وإلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة، فلابد لهذا الكلام من فائدة، وعلم شيء قد يخفى ويقع في محل الشبهة، وابن عباس راوي الحديث فهم منه هذا المعنى، وهو أعلم بمعنى ما سمع. انتهى.

س171: ما حكم صلاة من حمل محدثًا، وحكم الصلاة على مركوب نجس.
ج: الصلاة صحيحة، أما دليل المسألة الأولى، فهو ما ورد عن أبي قتادة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينت إذا ركع وضعها وإذا قام حملها» متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما أخذًا رفيقًا ثم أقعدهما على فخذيه، قال: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، ردهما، فبرقت برقه، فقال لهما: «إلحقا بأمكما» فمكث ضوءهما حتى دخلا» رواه أحمد. وأما الدليل على جواز الصلاة على مركوب نجس أو قد أصابته نجاسة، فلما ورد عن ابن عمر قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وعن أنس «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر والقبلة خلفه» رواه النسائي.

س172: بين حكم الصلاة على ما يلي: الفراء، البسط، الحصر، ونحو ذلك.
ج: الصلاة صحيحة، لما ورد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط» رواه أحمد وابن ماجه، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه، ثم قال: «قوموا فلأصلي لكم»، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف» متفق عليه، وعن المغيرة بن شعبة، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصيرة والفروة المدبوغة» رواه أحمد وأبو داود، وعن أبي الدرداء قال: «ما أبالي لو صليت على خمس طنافس» رواه البخاري في «تاريخه».

س173: ما حكم الصلاة في التعليق؟ وما دليل الحكم؟
ج: مستحبة لما ورد عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» رواه أبو داود، وعن أبي مسلمة سعيد بن زيد قال: «سألنا أنسًا أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم» متفق عليه. وقد أخرج أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر؛ فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما»، ولحديث أبي سعيد الخدري «فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم، فلما قضى صلاته قال: «ما حملكم على إلقاء نعالكم؟» قالوا: رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا، قال: «إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا»» رواه أبو داود.

قال بعضهم:
ويندب للمرء الصلاة بنعله ... لما جاء في نص الحديث المسدد
فكن تابعًا خير الورى ومخالفًا ... يهود لتظفر بالفلاح المؤبد

31- باب ستر العورة وأحكام اللباس
س174: ما هي العورة؟ وما الدليل على أن سترها شرط من شروط الصلاة؟
ج: العورة لغةً: النقصان والشيء المستقبح، وشرعًا: القبل والدبر وكل ما يستحيا منه، والدليل على ذلك قوله تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه ابن خزيمة.
وعن سلمة بن الأكوع قال: «قلت: يا رسول الله، إني أكون في الصيد وأصلي في القميص الواحد، قال: «نعم»، وأزرره ولو بشوكة» صححه الترمذي، وحكى ابن عبد البر الإجماع على فساد صلاة من صلى عريانًا وهو قادر على الاستتار، وعن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم» رواه أحمد وأبو داود.

س175: ما حد عورة الرجل، والأمة، وأم الولد، والمعتق بعضها؟
ج: حدها من السرة إلى الركبة، لما ورد عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» رواه أبو داود وابن ماجه، وعن محمد بن جحش قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال: «يا معمر، غط فخذك فإن الفخذ عورة»» رواه أحمد والبخاري في «تاريخه».
وعن جرهد الأسلمي قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّ بردة وقد انكشف فخذي، فقال: «غط فخذك؛ فإن الفخذ عورة» رواه مالك في «الموطأ»، وأحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن، عن أبي موسى: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء فكشف عن ركبته أو ركبتيه، فلما دخل عثمان غطاها» رواه البخاري.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا قال: «إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته؛ فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة» رواه أحمد وأبو داود.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:16 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالخميس 29 أكتوبر 2015, 11:46 pm

س176: بين حد عورة الحرة البالغة مع ذكر الدليل.
ج: كلها الحرة البالغة عورة في الصلاة إلا وجهها، لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه الخمسة إلا النسائي.
وعن أم سلمة: «أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: «إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها»» رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

س177: بين حكم الصلاة في ثوب واحد وفي ثوبين، واذكر الدليل.
ج: أما الصلاة في ثوب واحد فصحيحة، وليس في ثوبين، لما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد، فقال: «أو لكلكم ثوبان» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن جابر «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- صلى في ثوب واحد متوشحًا به» متفق عليه؛ وأما الدليل على استحباب الصلاة في ثوبين، فلما روي ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: قال عمر: «إذا كان لأحدكم ثوبين فليصل فيهما؛ فإن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتزر به» رواه أبو داود، وعن عمر أنه قال: «إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص».

س178: بين معاني ما يلي من الكلمات وحكمهن واذكر الدليل على ذلك: اشتمال الصماء، السدل، التلثم في الصلاة.
ج: اشتمال الصماء هي: أن يضطبع بالثوب عليه غيره، والسدل لغةً: إرخاء الثوب، واصطلاحًا: أن يطرح ثوبًا على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، واللثام: ما كان على الفم من النقاب، والتلثم: شد اللثام أو الثوب على أنفه أو فمه وكلها تكره في حق المصلي، لما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء» متفق عليه.
وفي لفظ لأحمد: «نهى عن لبستين: أن يحتبي أحدكم في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء، وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقيه»، وعن أبي سعيد: «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء» رواه الجماعة إلا الترمذي؛ فإنه رواه في حديث أبي هريرة.
وللبخاري «نهى عن لبستين، واللبستان اشتمال الصماء، والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب واللبسة الأخرى احتباؤه بثوب وهو جالس ليس على فرجه منه شيء».
وعن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه» رواه أبو داود، ولأحمد والترمذي «نهى عن السدل»، ولابن ماجه «النهي عن تغطية الفم».

س179: بين حكم استعمال الحرير، والمنسوج بالذهب أو الفضة في حق الذكور.
ج: يحرم على ذكر استعمال ما كله حرير، وكذا ما غالبه ظهورًا حرير إلا لضرورة أو حكة أو مرض أو حرب أو كان حشوًا أو علمًا أربع أصابع مضمومة فما دون، أو كان رقاعًا أو لبنة جيب وسجف فراء.
ويحرم استعمال منسوج بذهب أو فضة أو مموه بذهب أو فضة قبل استحالته غير ما يأتي في الزكاة؛ وأما الدليل: فهو ما ورد عن أبي موسى أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
وعن عمر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تلبسوا الحرير؛ فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة» متفق عليهما، ومن أدلة جوازه للنساء دون الرجال ما ورد عن علي –عليه السلام- قال: «أهديت إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- حلة سيراء فبعث بها إليّ فلبستها فعرفت الغضب في وجهه، فقال: «إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرًا بين النساء»» متفق عليه.
وأما الدليل مع ما تقدم على تحريم الجلوس عليه، فهو ما ورد عن حذيفة قال: «نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه» رواه البخاري.

س180: ما الدليل على تحريم افتراش الحرير وإباحة اليسير منه؟
ج: ما ورد عن علي قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على المياثر، والمياثر: قسى كانت تصنعه النساء لبعولتهن على الرجل كالقطائف من الأرجوان» رواه مسلم والنسائي، وتقدم حديث حذيفة.
وأما الدليل على إباحة اليسير منه، فهو ما ورد عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما» متفق عليه.
وفي لفظ: «نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربعة» رواه الجماعة إلا البخاري، وزاد فيه أحمد وأبو داود: «وأشار بكفه شبر من ديباج كسرواني وفرجيها مكفوفين به، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها كانت عند عائشة، فلما قبضت عائشة قبضتها إلي فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها» رواه أحمد ومسلم، ولم يذكر لفظ الشبر.
وعن ابن عباس: «إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من قز». وقال ابن عباس: «أما السدى واللحم فلا نرى به بأسًا» رواه أحمد وأبو داود.

س181: ما الدليل على جواز لبس الحرير للضورة، والحكة، والمرض والحرب؟
ج: ما ورد عن أنس «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- رخص لعبد الرحمن ابن عوف والزبير في لبس الحرير في غزاة لحكة كانت بينهما» رواه الجماعة، إلا أن لفظ الترمذي: «أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى رسول الله –عليه الصلاة والسلام القمل، فرخص لهما في قميص الحرير في غزاة لهما» وما ثبت في حق صحابي يثبت في حق غيره، إذ لا دليل على اختصاصه، وقيس على القمل غيره مما يحتاج فيه إلى لبس الحرير.
وأما الدليل على جوازه في حال الحرب إذا تراءى الجمعان، فلأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء وهو غير مذموم في الحرب، لما ورد عن جابر بن عتيك، أن النبي –عليه الصلاة والسلام قال: «إن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغير ما يبغض الله، وإن من الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله؛ فأما الغيرة التي يحبها الله: فالغيرة في الريبة؛ وأما الغيرة التي يبغض الله: فالغيرة في غير الريبة، والخيلاء التي يحبها الله: فاختيال الرجل بنفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، والخيلاء التي يبغض الله: فاختيال الرجل في الفخر والبغي» رواه أحمد وأبو داود.

س182: بين حكم لبس ما يلي من الثياب مقرونًا بالدليل: المعصفر، المزعفر، الأبيض، الأخضر، الأسود.
ج: المعصفر والمزعفر مكروهان، لما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «رأى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين، فقال: «هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها»» رواه أحمد ومسلم والنسائي، وعن علي قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب، وعن لباس القسي، وعن القراءة في الركوع والسجود، وعن لباس المعصفر» رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه؛ وأما الدليل على كراهة المزعفر، ففي حديث أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل» متفق عليه؛ وأما الأبيض من الثياب فمستحب لبسه، لما ورد عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما زرتم الله عز وجل في قبوركم ومساجدكم البياض» رواه ابن ماجه.
وأما الأخضر والأسود فيباح لبسهما، لما ورد عن أبي رمثة قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وليس مرط مرحل من شعر أسود» رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه. وفي «صحيح البخاري» عن أم خالد «أن البني صلى الله عليه وسلم ألبسها خميصة سوداء».

س183: بين حكم استعمال ما فيه صورة من الثياب وغيرها ودليل الحكم.
ج: يحرم لبس ما فيه صورة من ذوات الأرواح ويحرم تعليقه وستر جدر به، لما ورد عن عائشة «أنها نصبت سترًا وفيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه، قالت: فقطعته وسادتين فكان يرتفق عليهما» متفق عليه، وعن طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة أو كلب» متفق عليه، وعن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته تصاليب إلا نقضه» رواه البخاري.

32- حكم التصوير
س184: ما حكم تصوير ذوات الأرواح، وما دليل الحكم؟
ج: محرم، وهو كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنه مضاهاة بخلق الله. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} قال عكرمة: هم الذين يصنعون الصور، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ومَنْ أظلم مِمَّنْ ذهب يخلقُ كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبَّة أو ليخلقوا شعيرة» أخرجاه ولهما عن عائشة ـرضي الله عنهاـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله» ولهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم» ولهما عنه مرفوعًا: «مَنْ صَوَّرَ صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ»، ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته، وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون».

س185: بين حكم تشبه الرجل بالمرأة وبالعكس واذكر دليل الحكم.
ج: محرم، لما ورد عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبس الرجل» رواه أحمد وأبو داود، ولما أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء» وأخرج أبو داود عن عائشة أنها قالت: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء».

س186: ما الأشياء التي يحرم الإسبال فيها؟ بينها مع ذكر الدليل.
ج: يحرم الإسبال في الثوب والإزار والقميص والعمامة خيلاء، إلا في الحرب فيباح؛ أما دليل التحريم، فلما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقال أبو بكر: إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال: «إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء» رواه الجماعة، إلا أن مسلمًا وابن ماجه والترمذي لم يذكروا قصة أبي بكر، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئًا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» رواه أبو داود والنسائي، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر اله إلى من جر إزاره بطرًا» متفق عليه، ولأحمد والبخاري: «ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار»؛ وأما الدليل على جوازه في الحرب، فحديث جابر المتقدم في جواب سؤال سابق، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة لما رآه يختال عند القتال: «إن هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن».

س187: ما حكم لبس ثوب الشهرة والثوب الجميل؟ واذكر الدليل لما تقول.
ج: أما ثوب الشهرة فيحرم؛ لما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه؛ وأما الجميل فجائز لبسه، لما ورد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يرى ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» رواه أحمد ومسلم.

س188: ما حكم التواضع في اللباس؟ وماذا يقول من استجد ثوبًا؟
ج: التواضع في اللباس مستحب، لما ورد عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعًا لله عز وجل دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن شاء» رواه أحمد والترمذي، وعن أبي أمامة إياس ابن ثعلبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان إن البذاذة من الإيمان» رواه أبو داود، ويقول: «من استجد ثوبًا»، ما ورد عن أبي سعيد قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداءً، ثم يقول: «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له»» رواه الترمذي.

تنبيه:
قال في «شرح المنتهى»: يسن أن يأتزر الرجل فوق سرته ويشد سراويله فوقها، وسعة كم قميص المرأة يسيرًا وقصره وطول كم قميص الرجل من أصابعه قليلاً دون سعته كثيرًا فلا تتأذى اليد بحر ولا برد ولا تمنعها خفة الحركة والبطش، ويباح ثوب من صوف ووبر وشعر من حيوان ظاهر، ويكره رقيق يصف البشرة وخلاف زي أهل بلده بلا عذر ومزرية وكثرة الارفاه، وزي أهل الشرك وثوب شهرة ما يشتهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع، لئلا يحملهم على غيبته فليشاركهم في الإثم، ويباح لبس السواد والقباء حتى للنساء. انتهى باختصار. وصلى الله على محمد وآله وسلم.

ومما يتعلق بهذا الشرط أي ستر العورة:
وسترة عورات بما ليس واصفًا ... لجلدك لا للحجم شرط التعبد
وما بين سرات الذكور وركبة ... ومشكل خنثى عورة لهما احدد
وعنه سوى الفرجين ليس بعورة ... وهذا المقوى في الحديث المسدد
ومن أمة ما ليس يظهر غالبًا ... وقبل كعورات الذكور كما ابتدى
وهذا لتصحيح الصلاة وإن تخف ... بها فتنة تستر على نص أحمد
وكل سوى وجه الحرائر عورة ... وعنه وكفيها ككعب بأبعد
وكالأمة اجعل من تراهق حرة ... كذا من حوت تبعيض عتق مؤبد
وحظر تعاطي الكشف حتى لنزرها ... لغير طبيب أو ختان مؤكد
ويكفي احتمال لا حقيقة رؤية ... ورأى المصلى فرجه مثل أبعد
ويكره ستر الوجه فيه وأنفه ... وستر فم أو لف كم على اليد
وما يشبه الزنار يكره مطلقًا ... ولا بأس في شد الإزار لِسُجد
ويحرم جر اللبس للخيلاء من ... فتى مطلقًا بل في الصلاة فأكد
وما بين نصف الساق والكعب سنة ... ويكره منها هابط مع مصعد
ويحرم تصوير لحى ولبسه ... وتعليقه لا فرشه مع توسد
ويكره ما فيه صليب مصور ... وهذا جميع للرجال ونهد
وابريسما صوفًا أو لغالب احضرن ... للبس ذكور أو فراش ومسند
سوى علم كالكف غير مزيد ... وقال أبو بكر ولو رقم عسجد
وما غالب منه المباح محلل ... ولا تعتبر غير الظهور المجرد
ولكن أبح لبس الحرير لحكة ... برد وسقم ثم في حرب جحد
وجيب وسجف والرقاع مباحة ... وحشو به أو في الضرورة عدد
ويكره قاني حمرة ومعصفر ... وما زعفروا أو شبه لبس النهد
ولا بأس في لبس السواد وأحمر ... وصوف وكتان وبالأبيض ارتد

33- استقبال القبلة
س189: ما الدليل على أن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح بدونه لعاجز ومعذور ومتنفل راكب سائر في سفر أو في صلاة خوف إذا اشتد الخوف؟
ج: الدليل قوله تعالى: { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } ، وفي حديث المسيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة»، وعن عمر قال: «بينما الناس بقباء إذ جاءهم آت، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة» متفق عليه.

س190: بين دليل كل صورة من الصور التي تصح فيها الصلاة إلى غير القبلة.
ج: أما دليل صحة صلاة المعذور والعاجز، فقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}؛ وأما الدليل على صحة صلاة الخوف إلى غير القبلة، فهو ما ورد عن ابن عمر «أنه كان إذا سُئل عن صلاة الخوف وصفها، ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها» قال نافع: ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري.
وأما الدليل على صحة صلاة النافلة إلى غير القبلة، فلما ورد عن ابن عمر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح على راحلته قبل أي وجهة توجهه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة»، وفي رواية: «كان يصلي على راحلته وهو مقيل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به وفيه نزلت { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } » رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه، وعن جابر قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة ولكن يخفض السجود من الركوع ويومئ إيماء» رواه أحمد، وفي لفظ: «بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع» رواه أبو داود والترمذي وصححه، وأخرجه البخاري عن جابر بلفظ: «كان يصلي التطوع وهو راكب»، وفي لفظ: «كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة»، وعن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعًا استقبل القبلة فكبر للصلاة ثم خلى عن راحلته فصلى حيث ما توجهت به» رواه أحمد وأبو داود.

س191:ما فرض القريب من القبلة وما فرض البعيد؟واذكر دليل كل منهما.
ج: فرض القريب من القبلة إصابة عين الكعبة، وفرض البعيد إصابة الجهة، وتقدم أدلة استقبال القبلة، وأما أدلة إصابة الجهة فمن ذلك ما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، ومن الأدلة على ذلك انعقاد الإجماع على صحة صلاة الاثنين المتباعدين قبلة واحدة وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو.

س192: بين ما الذي يستدل به على القبلة عند الاشتباه؟
ج: أما بالحضر فمحاريب المسلمين أو بخبر ثقة عن يقين، وأما في السفر فإن كان عالمًا بأدلتها ففرضه الاجتهاد حتى يغلب على ظنه الجهة فيصلي إليها لتعينها قبلة له إقامة للظن مقام اليقين لتعذره، ومما يستدل به على القبلة في السفر النجوم وهي أصح أدلتها. قال تعالى: { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } ، وقال: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ } ، وقال عمر: «تعلموا من النجوم ما تعرفون به الوقت والطريق» وأثبتها القطب الشمالي ثم الجدي نجم نير، فالقطب نجم خفي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى أو كسمكة في أحد طرفيها أحد الفرقدين، وفي الآخر الجدي والقطب وسط الفراشة لا يبرح مكانه دائمًا، وقيل: إلا قليلاً، ينظره حديد البصر في غير ليالي قمر، فإذا قوي نور القمر خفي، وما يستدل به عليها الشمس والقمر والرياح والجبال والأنهار وغيرها.

س193: بين حكم ما يلي: إذا اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة، إذا صلى المجتهد بالاجتهاد أو الجاهل بالتقليد، ثم علم خطأ القبلة.
ج: أما في المسألة الأولى، فالحكم أنه يصلي كل واحد منهما باجتهاد نفسه ولا يصح اقتداء أحدهما بالآخر؛ لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ صاحبه والمقلد يتبع أوثقهما عنده علمًا بأدلة القبلة، وأما في المسألة الثانية فلا إعادة عليه، لما ورد عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس، فنزلت: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إن القبلة قد تحولت، فمالوا كما هم نحو القبلة» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ومثل هذا لا يخفى عليه صلى الله عليه وسلم ولا يترك إنكاره إلا وهو جائز، وروى عامر بن ربيعة عن أبيه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر لي ليلة مظلمة، فلم ندري أين القبلة وصلى كل رجل حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } » رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن إلا أنه من حديث أشعث السمان، وفيه ضعف؛ ولأن خفاء القبلة في الأسفار يقع كثيرًا لوجود الغيوم وغيرها من الموانع، فإيجاب الإعادة مع ذلك فيه حرج ومشقة وهو منتف شرعًا؛ ولأنه شرط عجز عنه فأشبه سائر الشروط.

س194: هل العارف بأدلة القبلة يجتهد لكل صلاة؟ أم يكتفي باجتهاد واحد؟
ج: يجتهد لكل صلاة؛ لأنها واقعة متجددة فتستدعي طلبًا جديدًا، ويصلي بالاجتهاد، والثاني لأنه ترجح في ظنه ولو كان في صلاة ويبني ولا يقضي ما صلى بالاجتهاد الأول؛ لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.

قال في «مختصر النظم»:
ولا تتبع فيها دلالة فاسق ... وإن يختلف أهل الذكا والترشد
ففرض على الكل اتباع اجتهاده ... وللأوثق اتبع يا فتى إن تقلد
وكل صلاة شئتها فاجتهد لها ... ولو أثر فرض باجتهاد بأجود
وقل لمصل باجتهاد تبين ... الخطا بعد ما صلى فلا نقض ترشد

س195: ما الدليل على أن النية شرط من شروط الصلاة؟ وهل يخرج الإنسان من الصلاة لشكه فيها؟ وما شرطها؟ ومتى زمنها وما كيفيتها؟ وما هي أنواعها؟ اذكرها بوضوح مع تقسيم ما يحتاج إلى تقسيم.
ج: أما تعريفها ودليلها والسبب في شرعيتها، فتقدم في جواب سؤال سابق، ولا يخرج لشكه في النية لعلمه أنه ما دخل إلا بها، ولا تسقط بحال، وشرطها الإسلام والعقل والتمييز وعلم بمنوى كسائر العبادات، وزمنها أول العبادة أو قبله بيسير، والأفضل قرنها بالتكبير، وكيفيتها اعتقاد القلب، والنية التي يتكلم عليها العلماء نوعان: نية المعمول له، ونية نفس العمل؛ أما الأول: فهو الإخلاص الذي يقبل الله عملاً خلا منه بأن يقصد العبد بعمله رضوان الله وثوابه، وضده العمل لغير الله أو الإشراك به في العمل بالرياء، وهذا النوع لا يتوسع فيه الفقهاء بالكلام عليه، وإنما يتوسع به أهل الحقائق وأعمال القلوب، وإنما يتكلم الفقهاء على النوع الثاني وهو نية العمل، فهذا له مرتبتان: إحداهما: تمييز العادة عن العبادة؛ لأنه مثلاً غسل الأعضاء والإمساك عن الأكل ونحوهما تارة يقع عادة وتارة عبادة، فلابد من نية العبادة، لأجل أن تتميز عن العادة، ثم المرتبة الثنية إذا نوى العبادة فلا يخلو إما أن تكون مطلقة كالصلاة المطلقة والصوم المطلق، فهذا يكفي فيه نية مطلق تلك العبادة؛ وإما أن تكون مقيدة كصلاة الفرض والرابة والوتر، فلابد مع ذلك من نية ذلك المعين، لأجل تمييز العبادات بعضها عن بعض.

س196: إذا أحرم مأموم مع الإمام ثم نوى الانفراد؛ فهل يسوغ له ذلك؟
ج: إن كان لعذر يبيح ترك الجماعة كتطويل إمام وكمرض وكغلبة نعاس أو غلبة شيء يفسد صلاته كمدافعة أحد الأخبثين، أو خوف على أهل أو مال، أو خوف فوت رفقة، أو خرج من الصف مغلوبًا لشدة زحام ولم يجد من يقف معه صح انفراده فيتم صلاته منفردًا لحديث جابر قال: «صلى معاذ بقومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده، فقيل له: نافقت، قال: ما نافقت، ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: «أفتان أنت يا معاذ» مرتين» متفق عليه. وكذا لو نوى الإمام الانفراد لعذر ومحل إباحة المفارقة لعذر إن استفاد تعجيل لحوقه لحاجته قبل فراغ إمامه من صلاته ليحصل محصوله من المفارقة، فإن كان الإمام يعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز له الانفراد لعدم الفائدة فيه، وأما من عذره الخروج من الصف فله المفارقة مطلقًا.
وإن ينو مأموم لعذر تفردًا ... أجز ولغير العذر أبطل بأوكد.

س197: بين حكم ما إذا أحرم إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتمًا وحكم ما إذا سبق اثنان فأكثر في بعض الصلاة، فأتم أحدهما بصاحبه؟
ج: يجوز ذلك والصلاة صحيحة، لما روى سهل بن سعد «أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فصلى أبو بكر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فنخلص حتى وقف في الصف، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف» متفق عليه. وحكم ما إذا سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة ثم سلم الإمام فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما أن ذلك صحيح أو كذا إذا ائتم مقيم بمثله فيما بقي من صلاتهما إذا سلم إمام مسافر فيصح؛ لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى لعذر فجاز كاستخلاف.

س198: اذكر ما حكم ما لو نوى أحد المأمومين الإمامة لاستخلاف الإمام له إذا سبقه الحدث، واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: يصح ذلك منه للعذر، لما ورد عن عمرو بن ميمون قال: «إني لقائم ما بيني وبين عمر غداة أصيب إلا عبد الله بن عباس، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، وتناول عم رعبد الرحمن ابن عوف فقدمه فصلى بهم صلاة خفيفة» مختصر من البخاري، وعن أبي رزين قال: «صلى علي - رضي الله عنه - ذات يوم فراعف، فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف» رواه سعيد في «سننه»، وقال أحمد بن حنبل: إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعلي، وإن صلوا وحدانا فقد طعن معاوية وصلى الناس وحدانا من حيث طعن أتموا صلاتهم، وحكى عن أحمد: أن صلاة المأمومين تبطل، وقال أبو بكر: تبطل رواية واحدة؛ لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام فبطلت صلاة المأمومين كما لو تعمد الحدث، وعندي أن القول الأول أصح لقوة الدليل. والله أعلم.

س199: اذكر بعض آداب الخروج إلى الصلاة مقرونًا بالدليل؟
ج: يستحب التطهر والخروج إليها بسكينة ووقار، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث، تقول: اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة» متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» متفق عليه، واللفظ للبخاري.

س200: ما المسنون قوله في حق من خرج إلى الصلاة؟ وما الدليل عليه؟
ج: يستحب أن يقول ما ورد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل لي في سمعي نورًا، واجعل لي في بصري نورًا، واجعل لي من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل لي من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وأعطني نورًا»» أخرجه مسلم.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:20 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالجمعة 30 أكتوبر 2015, 11:15 pm

س201: ما المسنون قوله إذا دخل المسجد وإذا خرج منه؟
ج: ما ورد عن أبي حميد وأبي أسيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك»، وعن فاطمة قالت: «كان رسول الله –عليه الصلاة والسلام- إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: رب اغفر ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد، وقال: رب اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك» رواه الترمذي.

س202: ما المكروه فعله في حق من خرج إلى الصلاة أو جلس ينتظر الصلاة؟
ج: يكره التشبيك، لما ورد في حديث أبي سعيد أنه –عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن بين أصابعه، فإن التشبيك من الشيطان، فإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه» رواه أحمد.

وعن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –عليه الصلاة والسلام- يقول: «إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فلا يشبكن ين يديه، فإنه في صلاة» رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد والترمذي، واللفظ له.

س203: بين حكم الكلام في أمر الدنيا في المسجد، واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: مكروه كراهة شديدة، لما ورد عن عبد الله –يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة» رواه ابن حبان في «صحيحه».

وعن الحسن مرسلاً قال: قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم فلا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة» رواه البيهقي في «شعب الإيمان».

س204: ما الذي ينبغي أن يشتغل فيه من أقام في المسجد؟
ج: ينبغي له أن يشتغل بتلاوة كتاب الله وتفسيره، وذكر الله وسُّنة رسوله أو ما هو وسيلة إلى ذلك.

قال الناظم:
وخير مقام قمت فيه وخصلة ... تحليتها ذكر الإله بمسجد

وقلت:
إذا ما أقمت الدهر يومًا بمسجد ... فحاول لصون الوقت عن كل شاغل
سوى في كتاب الله أو سُّنة الذي ... أتى بالهدى الحاول جميع الفضائل

س205: بين حكم تحية المسجد لمن دخله، واذكر دليل الحكم؟
ج: مستحبة، لما ورد عن أبي قتادة أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق عليه، وعن جابر -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: «صل ركعتين» متفق عليه.

34- باب صفة الصلاة
س206: اذكر صفة الصلاة بوضوح تام.
ج: يسن القيام إليها عند قول مقيم قد قامت الصلاة وتسوية الصف، ويقول: الله أكبر رافعًا يديه مضمومتي الأصابع ممددة حذو منكبيه كالسجود، ويسمع الإمام من خلفه كقراءته في أولتي غير الظهرين وغيره نفسه، ثم يقبض كوع يسراه على صدره أو تحت سرته وينظر مسجده، ويقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»، ثم يستعيذ، ثم يبسمل سرًا وليست من الفاتحة، ثم يقرأ الفاتحة، فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال أو ترك منها تشديده أو حرفًا لزم غير مأموم إعادتها، ويجهر الكل بآمين في الجهرية، ثم يقرأ بعدها سورة في الركعتين الأوليين من كل صلاة، ويجهر بها فيما يجهر فيه بالفاتحة، ويسر فيما يسر بها فيه، والأصل في هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم -رحمه الله- في «زاد المعاد في هدي خير العباد» في فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في (ج1) في (ص108) فإذا فرغ من الفاتحة أخذ في سورة غيرها وكان يطيلها تارة ويخففها لعارض من سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالبًا، وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية وصلاها بسورة (ق)، وصلاها بـ (الروم)
وصلاها بـ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، وصلاها بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الركعتين كليهما، وصلاها بالمعوذتين وكان في السفر.

وصلاة فافتتحها بسورة (المؤمنون) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى أخذته سعلة فركع وكان يصليها يوم الجمعة، بـ { الم * تَنزِيلُ } السجدة، وسورة: { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ } كاملتين.

وأما الظهر فكان يطيل قراءتها أحيانًا حتى قال أبو سعيد: «كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها» رواه مسلم.

وكان يقرأ فيها تارة بقدر { الم * تَنزِيلُ } وتارة بـ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } ، { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } وتارة بـ { السَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ } { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } ؛ وأما العصر فعلى النصف من قراءة صلاة الظهر إذا طالت وبقدرها إذا قصرت.

وأما المغرب، فكان هديه فيها خلاف عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة بـ (الأعراف) وفرقها، ومرة بـ (الطور)، ومرة بـ (المرسلات).

قال أبو عمر ابن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قرأ في المغرب بـ (المص)، وأنه قرأ فيها بـ (الصافات)، وأنه قرأ فيها بـ (حم الدخان)، وأنه قرأ فيها بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، وأنه قرأ فيها بـ (التين والزيتون)، وأنه قرأ بالمعوذتين، وأنه قرأ بـ (المرسلات)، وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل، قال: وهي كلها آثار صحاح مشهورة» انتهى.

وأما المداومة فيها على قراءة قصار المفصل دائمًا، فهو فعل مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت، وقال: مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولي الطوليين قال: قلت: وما طولى الطوليين، قال: قلت: وما طولى الطوليين؟ قال: (الأعراف)، وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن، وذكر النسائي عن عائشة -رضي الله عنها- «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين»، فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورة من قصار المفصل خلاف السُّنة، وهو فعل مروان بن الحكم؛ وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بالتين والزيتون، ووقت لمعاذ فيها بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، ونحوها، وأنكر عليه قراءته فيها بالبقرة بعد ما صلى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف فأعاد لهم بعد ما مضى من الليل ما شاء الله وقرأ بهم بالبقرة، ولهذا قال: «أفتان أنت يا معاذ؟» فتعلق النقارون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها، وأما قراءته في الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتي (ق) (واقتربت) كاملتين، وتارة سورتي (سبح) و(الغاشية)، وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم عليه إلى أن لقي الله عز وجل لم ينسخه شيء، ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده، فقرأ أبو بكر - رضي الله عنه - في الفجر بسورة (البقرة) حتى سلم منها قريبًا من طلوع الشمس، فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، وكان عمر - رضي الله عنه - يقرأ فيها بيوسف، والنحل، وبهود،وببني إسرائيل، ونحوها من السور، ولو كان تطويله صلى الله عليه وسلم منسوخًا لم يخف على خلفائه الراشديه، ويطلع عليه النقادرون. انتهى باختصار.

ولا تصح بقراءة خارجة عن مصحف عثمان، ثم يركع مكبرًا رافعًا يديه ويضعهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع مستويًا ظهره ويقول: سبحان ربي العظيم، ثم يرفع رأسه ويديه قائلاً إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، وبعد قيام ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ثم يخر مكبرًا ساجدًا على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده، ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه، ويفرق ركبتيه، ويقول: سبحان ربي الأعلى ثم يرفع رأسه مكبرًا ويجلس مفترشًا يسراه ناصبًا يمناه، ويقول: رب اغفر لي ويسجد الثانية كالأولى، ثم يرفع مكبرًا ناهضًا على صدره قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل ويصلي الثانية كذلك ما عدا التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية، ثم يجلس مفترشًا ويداه على فخذيه ويقبض خنصر اليمنى وبنصرها ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها في تشهده ويبسط اليسرى ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هذا التشهد الأول، ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آله محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، ويستعيذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال، ويدعو بما ورد، ثم يسلم عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض مكبرًا رافعًا يديه بعد التشهد الأول، وصلى ما بقي كالثانية بالحمد فقط، ثم يجلس في التشهد الأخير متوركًا والمرأة مثله لكن تضم نفسها وتسدل رجليها في جانب يمينها.

وقد نظم العمريطي ما تخالف فيه الأنثى الذكر، فقال:
في خمسة تخالف الأنثى الذكر ... في الحكم ندبًا أو وجوبًا معتبر
فمر فقيه سن أن يباعدا ... عن جانبيه راكعًا وساجدًا
وأن يقل بطنه عن الفخذ ... عن السجود وهي ضمت حينئذ
وجهره يسن بالغروب ... إلى طلوع الشمس في المكتوب
وتخفض الأنثى بكل حال ... صوتًا لها بحضرة الرجال
والسنة التسبيح للذكور ... إن نابهم شيء من الأمور
وتصفق الأنثى ببطن كفها ... ظهر اليد الشمال بعد كشفها
وعورة الرجال حيث تشترط ... من سرة لركبة هنا فقط
وعورة الحرة دون مين ... ما كان غير الوجه والكفين
وإن تكن رقيقة فكالذكر ... وسوف يأتي حكم عورة النظر

35- أركان الصلاة
س207: ما هي أركان الصلاة؟
ج: أركان الصلاة أربعة عشر: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والرفع منه، والسجود على الأعضاء السبعة، والاعتدال منه، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأركان، والترتيب، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمتان.

قال في «المختصر»:
وأركانها خذها القيام لقادر ... وتكبيرة الإحرام والحمد فاسرد
ومنها ركوع واعتدلك بعده ... سجود على آرابك السبعة اسجد
وجلسته بين السجود تشهد ... أخير وأن تجلس لهذا التشهد
صلاة على الهادي به وسلامها ... وأن تطمئن افهم وترتيب أشهد

س208: ما الدليل على أن القيام في صلاة الفرض ركن من أركان الصلاة؟
ج: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، ومن السُّنة قوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: «صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا؛ فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه أحمد والبخاري.

س209: ما الدليل على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة؟
ج: ما ورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، عن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه الخمسة إلا النسائي، وقال الترمذي: هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن.

وفي حديث المسيء أنه –عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر»، وفي حديث أبي سعيد مرفوعًا: «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وسدوا الفرج، وإذا قال إمامكم: الله أكبر، فقولوا: الله أكبر» رواه أحمد. وفي حديث رفاعة أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة، فيقول: الله أكبر» رواه أبو داود ولم ينقل عنه –عليه الصلاة والسلام- افتتح الصلاة بغيرها.

س210: ما الدليل على أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة؟ وماذا يعمل من لا يحسنها ولا شيئًا منها ولا من غيرها؟
ج: ما ورد عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «لا صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح.

وعن عائشة قالت: سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» رواه أحمد وابن ماجه، وعن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بقراءة الفاتحة ولا شيئًا منها ولا شيئًا من غيرها؟» فيلزمه أولاً تعلمها، فإن ضاق الوقت لزمه قراءة قدرها من أي سورة شاء من القرآن، فإن لم يعرف إلا آية من القرآن كررها بقدر الفاتحة.

قال الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ}؛ فإن لم يحسن قرآنًا لزمه قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن فعلمني ما يجزئني، قال: «قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله»» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني. وعن رفاعة بن رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم رجلاً الصلاة، فقال: «إن كان معك قرآنًا فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع» رواه الترمذي وأبو داود.

س211: ما الدليل على أن الركوع ركن إلا الركوع بعد ركوع أول في صلاة كسوف فسُّنة؟
ج: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا}، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء: «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه وأجمعت الأمة على وجوبه في الصلاة.

س212: ما الدليل على أن الرفع من الركوع ركن من أركان الصلاة؟ وكذلك الاعتدال قائمًا، واذكر أدلتهما بوضوح.
ج: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا»؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه أحمد والبخاري، ولما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» رواه أحمد وعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود» رواه الخمسة وصححه الترمذي.

س213: ما الدليل على أن السجود على الأعضاء السبعة ركن من أركان الصلاة؟ وأن الرفع منه ركن؟ وأن الجلسة بين السجدتين ركن؟
ج: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } ، ومن السُّنة ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين» متفق عليه.

وفي حديث المسيء: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» الحديث، وعن العباس بن عبد المطلب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه» رواه الجماعة إلا البخاري.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود» رواه الخمسة وصححه الترمذي، وعن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم» رواه مسلم.

وفي رواية متفق عليها أن أنسًا قال: «إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فكان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول الناس قد نسى، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول الناس قد نسى».

س214: ما هي الطمأنينة؟ وما الدليل على أنها ركن من أركان الصلاة؟
ج: هي السكون، وإن قل، وقيل: بقدر الذكر الواجب ليتمكن من الإتيان به.

قال الناظم –رحمه الله-:
وأدنى سكونة بين رفع وخفضه ... طمأنينة قدر بها لا تشدد
وفي كل ركن فاطمئن فإنها ... لركن أتت عن خير هاد ومرشد

وأما الدليل: فعن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في الصلاة كلها»» متفق عليه.

وعن حذيفة «أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه، فقال له حذيفة: ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا» رواه أحمد والبخاري.

وعن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشر الناس سرقة الذي يسرق في صلاته»، فقالوا: يا رسول الله، وكيف يسرف من صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها»، أو قال: «لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

س215: ما الدليل على أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة؟
ج: ما ورد عن ابن مسعود قال: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا؛ ولكن قولوا التحيات لله وذكره»» رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح. وعن عمر بن الخطاب قال: «لا تجزئ صلاة إلا بتشهد» رواه سعيد في «سننه»، والبخاري في «تاريخه»، وعن ابن مسود قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» رواه الجماعة.

وعن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول: «التحيات المباركات، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله»» رواه مسلم وأبو داود بهذا اللفظ، ورواه ابن ماجه كمسلم لكنه قال: «وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله».

س216: ما الدليل على أن الجلوس للتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة؟ وما الدليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ركن من أركانها؟
ج: أما دليل الجلوس للتشهد، فالأحاديث المتقدمة الدالة على فرضية التشهد الأخير، ومداومته صلى الله عليه وسلم وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه أحمد والبخاري، وأما الصلاة على النبي، فكذلك تقدم ما يدل عليها، وروى كعب بن عجرة قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»» رواه الجماعة، إلا أن الترمذي قال فيه على إبراهيم في الموضعين لم يذكر آله، وعن أبي مسعود قال: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم»» رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه.

س217: ما الدليل على أن الترتيب بين أركان الصلاة ركن من أركانها؟
ج: حديث المسيء وتقدم قريبًا، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي كذلك مرتبًا، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

س218: ما الدليل على أن التسليمتين ركن من أركان الصلاة؟
ج: تقدم حديث علي بن أبي طالب عند تكبيرة الإحرام، وعن ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره
السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده» رواه الخمسة وصححه الترمذي، وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: «كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.

36- واجبات الصلاة
س219: كم واجبات الصلاة؟ وما هي؟ وما الفرق بينها وبين الأركان؟
ج: واجباتها ثمانية: جميع التكبيرات غير تكبيرات الإحرام، وقوله: سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد، وقول: ربنا ولك الحمد للكل، وقو: سبحان ربي الأعلى في السجود، وقول: رب اغفر لي بين السجدتين، والتشهد الأول والجلوس له؛ فأما الواجبات فما سقط منها عمدًا بطلت الصلاة بتركه وسهوًا جبره بسجود السهو، وأما الأركان فلا تسقط عمدًا ولا سهوًا ولا جهلاً.

قال «المختصر للنظم»:
وواجبها التكبير غير الذي مضى ... وتسميع التحميد تسبيحة قد
بكل ركوع أو سجود ومرة ... سؤالك غفرانًا هديت بمقعد
وسن ثلاثًا والتشهد أولاً ... وجلسته هذي الثمانية اعدد

س220: ما الدليل على أن التكبير غير تكبيرة الإحرام واجب من واجبات الصلاة؟
ج: ما ورد في حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا: «فإذا كبر الإمام وركع فكبروا واركعوا، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا» رواه أحمد وغيره، ولما في حديث أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها ويكبر حين يقوم من اثنتين بعد الجلوس» متفق عليه.

وعن ابن مسعود قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

س221: ما الدليل على أن قول سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول سبحان ربي الأعلى في السجود واجب من واجبات الصلاة؟
ج: ما ورد عن حذيفة قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى» رواه الجماعة إلا البخاري. وعن عقبة بن عامر قال لما نزلت: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ } ، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا في ركوعكم»، فلما نزلت: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } ، قال: «اجعلوها في سجودكم» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» متفق عليه.

س222: ما الدليل على أن قول سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد واجب من واجبات الصلاة؟ وأن قول ربنا ولك الحمد للإمام والمنفرد والمأموم واجب من واجبات الصلاة؟ وهل لهم أن يزيدوا على ذلك؟
ج: ما ورد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد» متفق عليه.

وتقديم حديث أبي هريرة في جوانب سؤال سابق: «وإن شاءوا زادوا» لما ورد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» رواه مسلم.

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» رواه مسلم، وتقدم حديث عائشة قبل هذا الجواب.

س223: ما الدليل على أن قول رب اغفر لي بين السجدتين واجب من واجبات الصلاة؟ وهل له أن يزيد على ذلك؟ وضح ذلك.
ج: ما ورد عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «رب اغفر لي» رواه النسائي وابن ماجه. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني» رواه الأربعة، إلا النسائي واللفظ لأبي داود.

س224: ما الدليل على أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة؟ وأن الجلوس له واجب أيضًا من واجباتها؟
ج: ما ورد عن ابن مسعود قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل» رواه أحمد والنسائي.

وعن رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قمت في صلاتك فكبر، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد» رواه أبو داود.

37- سنن الصلاة ـ سنن الأقوال
س225: اذكر ما تستحضره من سنن الأقوال مقرونًا بالأدلة.
ج: الاستفتاح وتقدم، وهو قوله بعد تكبيرة الإحرام: «سبحانك اللهم وبحمدك... إلخ» وإن شاء استفتح بما ورد عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت هنيهة قبل القراءة، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعد بيني وبين خطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطايا بالماء والثلج والبرد»» رواه الجماعة إلا الترمذي، ومنها التعوذ لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا قام إلى الصلاة يستفتح ثم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه»» رواه أحمد والترمذي، ومنها البسملة، لما روت أم سلمة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية؛ ولأن الصحابة أثبوتها في المصاحف»، وعن نعيم المجمر أنه قال: «صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-» رواه النسائي. ومنها التأمين لحديث: «إذا أمن الإمام فأمنوا» متفق عليه.

وعن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا { غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول» رواه أبو داود وابن ماجه، ومنها قراءة السورة بعد الفاتحة في الأوليين من رباعية أو مغرب، وفي صلاة الفجر والجمعة والعيدين والتطوع كله، ومنها الجهر بالقراءة للإمام في الصبح والجمعة والعيدين والأوليين من مغرب وعشاء، لما ورد عن قتادة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية أحيانًا ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية وهكذا في الصبح» متفق عليه.

وعن جبير بن مطعم قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر { ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ } ونحوها وكانت صلاته بعد إلى تخفيف، وفي رواية كان يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك.

وعن عائشة -رضي الله عنها- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في الركعتين» رواه النسائي، وعن ابن عمر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب { قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ } ، و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } » رواه ابن ماجه وعن عروة قال: «إن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - صلى الصبح فقرأ فيهما بسورة البقرة في الركعتين» رواه مالك في «الموطأ»، وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: «صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيهما بسورة (يوسف) وسورة (الحج) قراءة بطيئة، قيل له: إذًا لقد كان يقوم فيهن حين يطلع الفجر؟ قال: أجل» رواه مالك.

وعن الفرافصة بن عمير الحنفي قال: «ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها» رواه مالك. وعن أبي سعيد الخدري قال: «لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى بما يطولها» رواه مسلم.

وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاذ، أفتان أنت؟»، أو قال: «أفاتن أنت؟ فلو صليت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}» متفق عليه.

وتأتي إن شاء الله أدلة الجمعة، والعيدين، والتطوع في مواضعهما، ومن سنن الصلاة الجهر بآمين، وتقدم الدليل لها، ومنها قول: «ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد». وتقدم في جواب سؤال سابق.

ومنها: ما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود ورب اغفر لي، لحديث سعيد بن جبير عن أنس قال: «ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى –يعني عمر بن عبد العزيز- قال: فحرزنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، ولحديث عون عن ابن مسعود مرفوعًا: «إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، سبحان ربي العظيم وذلك أدنى، وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، وذلك أدنى» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، لكنه مرسل كما قال البخاري في «تاريخه»، لأن عونًا لم يسمع من ابن مسعود لكن عضده قول الصحابي وفتوى أكثر أهل العلم.

ومنها الصلاة على آله –عليه السلام- والبركة عليه وعليهم، لحديث كعب ابن عجرة «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»» متفق عليه.

والدعاء بعده، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:20 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالجمعة 30 أكتوبر 2015, 11:23 pm

38- سنن الأفعال
س226: اذكر ما تستحضره من سنن الأفعال مقرونًا بالدليل.
ج: من ذلك رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه وحطما عقب ذلك؛ لأن مالك بن الحويرث كان إذا صلى كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه رفع يديه، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا، متفق عليه.

ومنها:
 وضع اليمين على الشمال وجعلهما على صدره أو تحت سرته، لحديث وائل بن حجر، وفيه: «ثم وضع اليمنى على اليسرى» رواه أحمد ومسلم، وقال علي: من السُّنة في الصلاة، وضع الأكف على الأكف تحت السرة، ولما أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث وائل بن حجر قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره».

ومنها:
نظر المصلي إلى موضع سجوده إلا في صلاة الخوف، لما روى ابن سيرين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء فنزلت هذه الآية {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فطأطأ رأسه» رواه أحمد في «الناسخ والمنسوخ»، وسعيد بن منصور في «سننه» بنحوه، وزاد: «وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه» وهو مرسل.

ومنها:
التفرقة بين القدمين وأن يراوح بينهما إذا طال قيامه ولا يكثر ذلك، لما روى الأثرم عن أبي عبيدة قال: «رأى عبد الله رجلاً يصلي صافًا بين قدميه، فقال: لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل» رواه النسائي، ولفظ قال: «أخطأ السنة لو راوح بينهما كان أعجب إلى» قال الأثرم: «رأيت أبا عبد الله يفرج بين قدميه ورأيته يراوح بينهما» وروى نحو هذا عن ميمون والحسن.

ومنها:
 قبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله، لحديث ابن مسعود «أنه ركع فجافى يديه ووضع يديه على ركبتيه وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي» رواه أحمد وأبو داود والنسائي لحديث أبي حميد ويأتي إن شاء الله، ومنها البداءة في سجوده بوضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، لحديث وائل بن حجر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» رواه الخمسة إلا أحمد.

ومنها:
مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعه على الأرض مفرقة، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة مضمومة الأصابع، لحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه: «وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه»، وفي حديث ابن بحينة: «كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه» متفق عليه، وفي حديث أبي حميد: «ووضع كفيه حذو منكبيه» رواه أبو داود والترمذي وصححه، وفي لفظ: «سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة».

ومنها:
 رفع يديه أولاً في قيامه إلى الركعة، لحديث وائل بن حجر وتقدم.

ومنها:
قيامه على صدور قدميه واعتماده على ركبتيه بيديه، لحديث أبي هريرة: «كان ينهض على صدور قدميه»، وفي حديث وائل بن حجر: «وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه» رواه أبو داود.

ومنها:
 الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، لقول أبي حميد: «ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها»، وقال: «إذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى»، وفي لفظ: «وأقبل بصدر اليمنى على قبلته».

ومنها:
 التورك في التشهد الأخير، لقول أبي حميد: «فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وجلس متوركًا على شقه الأيسر وقعد على مقعدته» رواه البخاري.

ومنها:
 وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين وكذا في التشهد إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها عند ذكر الله، لحديث ابن عمر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها» رواه أحمد ومسلم، وفي حديث وائل بن حجر «ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلق حلقة ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها» وأبو داود والنسائي.

ومنها:
التفاته يمينًا وشمالاً في تسليمه ونيته به الخروج من الصلاة، وتفضيل اليمين على الشمال في الالتفات، لحديث عامر بن سعد عن أبيه قال: «كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده» رواه أحمد ومسلم؛ فإن لم ينوبه الخروج من الصلاة لم تبطل نص عليه، فإن نوى به الرد على الملكين أو على من معه فلا بأس نص عليه، لحديث جابر: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض» رواه أبو داود.

نظم سنن الصلاة
ورفع يديه سنة في افتتاحها ... وعند ركوع ثم عنه لمصعد
ورفعهما قد صح عند قيامه ... من الركعتين اتبعه هدى مقلد
ومد وضمن الأصابع رافعًا ... إلى منكب والبيت واجه بأجود
ويعلن تكبير الجميع وغير من ... يؤم فلا يسمع سوى نفسه قد
ووضع اليدين اختره من تحت سرة ... مع الوضع لليمنى على الكوع فاقتد
وينظر ندبًا غير من كان خالفًا ... لحاجته في الخوف موضع مسجد
ويشرع الاستفتاح تلو ابتدائها ... بسبحانك اللهم أولى لنقد
ومن بعده فليستعذ من عدونا ... مسرًا كبسم الله في قول مقتد
وبالكل في آمين للكل فاجز من ... بما فيه من جهر بالقرآن الممجد
وسورة أو بعضًا تلي الحمد فاتل في ... مقدمتي ما زاد والفجر تقتد
ويجهر في الفجر الإمام وجمعة ... وفي أولى فرضي عشاءيه قيد
وبالركبتين اقبض بكفيك راكعًا ... وراع استواء الظهر بالرأس وامدد
وملء السماء والأرض ندبًا وملء ما ... تشأ بعد من شيء فقل تلو ما ابتدى
وعضديك عن جنبيك نح مجانبًا ... وعن فخذيك البطن جاف وبعد
وفخذيك عن ساقيك وافرق لركبة ... عن الركبة الأخرى كفعل المرشد
وللركبتين اقبض بكفيك ناهضًا ... على صدر أقدام إذا لم يجهد
وسُنَّ افتراش في التشهد أولاً ... وفي آخر سن التورك فاقعد
وهذا بما كررت فيه تشهدًا ... فإن تك مثنى فافرشن وتشهد
وضع فوق فخذيك اليدين وحلق ... اليمين وللسبابة ارفع وأحد
ويشرع في حق النساء تربع ... أو الجعل الرجلين عن يمنة اليد
وللقبلة استقبل من الرجل ساجدًا ... هديت بأطراف الأصابع تقتدي
وللكتفين اجعل يديك محاذيًا ... ولا تبسط الزندين حالة مسجد
ورمق الفتى فيه مكان سجوده ... أبر له من غفلة وتبدد
ومن أربع من قبل تسليمك استعذ ... ومن يدع بالمأثور يحظ ويسعد
فهذا جميع لا سجود لسهوه ... في الأولى ولا تبطل بترك التعمد

39- ما يكره في الصلاة

س227: ما الذي يكره في الصلاة؟ وما دليله؟ اذكرهما بوضوح.

ج: يكره للمصلي رفع بصره إلى السماء، والتفاته بلا حاجة، وأن يكون تائقًا لطعام ونحوه ما لم يضق الوقت فنجب، ويحرم اشتغاله بغيرها، وافتراش ذراعيه ساجدًا، وعبثه، وتخصره وتروحه، والتمطي، واستقبال صورة وكف شعره وعقصه، وحمل مشغل له، واستقبال ما يلهيه، ومس الحصى وتسوية التراب بلا عذر، وفرقعة أصابعه وتشبيكها، ومس لحيته، وكف ثوبه، وأن يخص جبهته بما يسجد عليه، واعتماده على يده في جلوسه، وأن يكتب أو يعلق في قبلته شيئًا مما يشغل المصلي، وإقعاؤه ونقر الصلاة، وأن يكون حاقنًا، أو حاقبًا، أو حازقًا، واستقبال نار سواء كان نار حطب أو سراج أو قنديل أو شمعة».

س228: ما الدليل على كراهة رفع البصر إلى السماء في الصلاة؟ وكراهة الالتفات فيها؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم» رواه أحمد ومسلم والنسائي.

وأما الالتفات، فلما ورد عن عائشة قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: «هو الاختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد»» رواه البخاري، وللترمذي وصححه: «إياك والالتفات في الصلاة؛ فإنه هلكة؛ فإن كان لابد ففي التطوع».

س229: ما الدليل على كراهة ابتداء الصلاة وهو تائق إلى طعام ونحوه؟
ج: ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان» رواه مسلم وألحق بذلك ما في معناه، كالشرب والجماع ونحو ذلك مما يزعج أو يمنع حضور القلب أو خشوعه. والله أعلم.

س230: ما الدليل على كراهة افتراش الذراعين حال السجود وكراهة التخصر؟
ج: ما ورد في حديث أنس مرفوعًا: «اعتلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» متفق عليه.
وأما الدليل على كراهة التخصر، فهو ما ورد عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصرًا» رواه البخاري ومسلم، وعن عائشة: «أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته وتقول إن اليهود تفعله» رواه البخاري.

س231: اذكر الدليل على كراهة العبث، والتروح، والتمطي، واستقبال الصورة وما يلهي، ولماذا خصت الجبهة بالكراهة دون غيرها؟
ج: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي» متفق عليه، ولما فيه من التشبه بعباد الأوثان؛ وأما العبث والتروح والتمطي، فلما روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في صلاته، فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» وخصت الجبهة لأنه من شعار الرافضة».

س232: ما الدليل على كراهة مس الحصى، أو مسحه، أو تسوية التراب؟ والإنسان في الصلاة أو مسح أثر السجود وهو يصلي؟
ج: ما ورد عن معقيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: «إن كنت فاعلاً فواحدة» رواه الجماعة، وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة؛ فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى» رواه الخمسة، وفي رواية لأحمد: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصى، فقال: «واحدة أودع»».

س233: ما الدليل على كراهة فرقعة الأصابع، وتشبيكها، ومس اللحية، وكف ثوبه، والاستناد بلا حاجة، وعقص الشعر وكفه وفرقعة الأصابع؟
ج: ما ورد عن علي مرفوعًا: «لا تقعقع أصابعك في الصلاة» رواه ابن ماجه، وعن كعب بن عجرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه» رواه الترمذي وابن ماجه. وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك: «تلك صلاة المغضوب عليهم» رواه ابن ماجه.

وأما الدليل على كراهة مس اللحية، فلأنه من العبث وتقدم دليله، وأما كف الثوب والشعر، فلما ورد عن ابن عباس قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين» أخرجاه.
وأما الدليل على عقص الشعر، فهو ما ورد عن ابن عباس «أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص إلى ورائه، فجعل يحل وأقر له الآخر، ثم أقبل على ابن عباس، فقال: مالك ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما مثل هذا كمثل الذي يصلي وهو مكتوف»» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.

وعن رافع قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل ورأسه معقوص» رواه أحمد وابن ماجه، وأما الاستناد، فلأنه يزيل مشقة القيام، وأما عند الحاجة فلا بأس به «لأنه صلى الله عليه وسلم لما أسن وأخذه اللحم، اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه» رواه أبو داود،



وأما حمل المشغل، فلأنه يشغل القلب ويمنع الخشوع:
ويكره للمرء المصلى التفاته ... بلا حاجة والجسم إن دار تفسد
ويكره تغميض العيون ورفعها ... وفرش ذراعي ساجد مع تميد
وكف الفتى ثوبًا وشعرًا وعقصه ... ومسح جباه والحصى المتبدد
وفرقعة والشبك بين أصابع ... ونظرة مله للخشوع مبعد
وللعبث اكره والتحضر بعده ... التروح ... أيضًا واعتمادًا على اليد
وتكره من شخص يدافع أخبثًا ... ومن تائق نحو الطعام الممهد
ويكره إقعاء وحمل لمشغل ... وتكراره للحمد في الركعة اعدد

س234: ما هو الإقعاء؟ وما الدليل على كراهته؟ وما الدليل على كراهة نقر الصلاة واستقبال نار؟
ج: الإقعاء: أن يلصق إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويصنع يديه بالأرض، كإقعاء الكلب، والدليل على كراهته، ما ورد عن أبي هريرة قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب» رواه أحمد، وروى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقعي بين السجدتين»، وعن أنس مرفوعًا: «إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقعي كما يقعى الكلب» رواهما ابن ماجه؛ وأما استقبال النار، فلأنه تشبه بالمجوس الذين يعبدون النار.

40- من ما يبطل الصلاة
س235: اذكر ما تستحضره من ما يبطل الصلاة؟ وما الأدلة الدالة على ما تذكر؟
ج: يبطلها ما أبطل الطهارة؛ لأنها شرط، وكشف العورة لا إن كشفها نحو ريح فسترها في الحال، واستدبار الكعبة حيث شرط استقبالها، واتصال النجاسة؛ فإن أزالها سريعًا صحت، لحديث أبي سعيد وتقدم في جواب سؤال سابق، ويبطلها العمل الكثير المتوالي عرفًا من غير جنس الصلاة لغير ضرورة وتعمد زيادة ركن فعلي؛ لأنه يخل بهيئتها، وتعمد تقديم بعض الأركان على بعض؛ لأن ترتيبها ركن كما تقدم، وتعمد السلام قبل إتمامها؛ لأنه تكلم فيها وبفسخ النية، وتبطل الصلاة بالكلام عمدًا من عالم أنه يبطل، لحديث زيد ابن أرقم قال: «كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وتبطل بسلامه عمدًا قبل إمامه، لأنه ترك متابعته لغير عذر، وبالأكل والشرب عمدًا، لا بأكل وشرب يسيرين عرفًا سهوًا أو جهلاً، لحديث: «عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان».

س236: بين أحكام ما يلي: جمع سورتين في ركعة، تكرار سورة في ركعتين، ملازمة سورة بعينها، واذكر دليل كل حكم.
ج: يجوز ذلك بلا كراهة، لما في «الصحيح»: «أن رجلاً من الأنصار كان يؤمهم فكان يقرأ قبل كل سورة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، ثم يقرأ سورة أخرى معها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على لزوم هذه السورة؟» فقال: إني أحبها، فقال: «حبك إياها أدخلك الجنة»» رواه مالك في الموطأ.

وعن عبد الله ابن مسعود أنه قال: «لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة» متفق عليه، وعن معاذ بن عبد الله الجهني قال: «إن رجلاً من جهينة أخبر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي أم قرأ ذلك عمدًا؟» رواه أبو داود.

س237: بين حكم قراءة أواخر السور وأوساطها، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يجوز لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ}.
ولما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} الآية، وفي الثانية الآية في آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية».
وليس بمكروه قراءة زائد ... على سورة في الفرض كالنفل فاشهد
كذلك أن تقرأ أواخر سورة ... وأوساطها أيضًا فلا تتردد

سترة المصلي
س238: بين أحكام ما يلي: اتخاذ سترة للمصلي، مقدارها، قربه منها، رد المار بين يدي المصلي، واذكر الدليل على ما تذكر موضحًا.
ج: تسن الصلاة إلى سترة قائمة كمؤخر الرحل، لحديث طلحة بن عبد الله مرفوعًا: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك» رواه مسلم؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى حربة وإلى بعير، رواه البخاري، ويستحب قربه منها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «صلى إلى الكعبة وبين يديه الجدار نحو من ثلاثة أذرع» رواه أحمد والبخاري؛ ولحديث سهل بن بحينة مرفوعًا: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» رواه أبو داود.

وعن سهل بن سعد: «كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين السترة ممر الشاة» رواه البخاري. ويسن له رد المار بين يديه بدفعه بلا عنف آدميًا كان أو غيره، فرضًا كانت الصلاة
أو نفلاً، لحديث أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه؛ فإن أبى، فليقاتله فإن معه القرين» رواه مسلم، ولأبي داود: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه وليدرأ ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان، ولا يكرر الدفع إن خاف فسادها».
ويجزئ عن ستر ثلاثة أذرع ... تجاه المصلي من ورا ذاك فاغتد
وإن يمرر الإنسان في غير مكة ... ورا سترة عن ذاك فادفعه واصدد

س239: إذا لم يجد شاخصًا وتعذر عليه غرر عصا ونحوها، فما الحكم؟
ج: يخط خطًا، لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا؛ فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا، فليخط خطًا ولا يضر ما مر بين يديه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

س240: ما الذي يقطع الصلاة ومتى يقطعها؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: يقطعها المرأة، والحمار، والكلب الأسود إذا مر بين المصلي وبين سترته، وإذا لم تكن له سترة فمر بين يديه قريبًا منه كقربه من السترة، أي ثلاثة أذرع فأقل من قدميه قطعها، لما ورد عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة الرجل المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود» الحديث، وفيه: «الكلب الأسود شيطان» أخرجه مسلم، وعن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار» رواه أحمد وابن ماجه.

وعن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود»، قلت: يا أبا ذر، ما بال الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: «الكلب الأسود شيطان» رواه الجماعة إلا البخاري.

س241: هل سترة الإمام سترة لمن خلفه؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل.
ج: نعم سترة الإمام سترة لمن خلفه، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «هبطنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية إلى أخرى، فحضرت الصلاة فعمد إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمر بين يديه، فما زال يداريها حتى لصق بطنه بالجدار، فمرت من ورائه» رواه أبو داود، فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق.

س242: بين أحكام ما يلي: اتخاذ السترة للمأموم، إذا مر بين يدي المأمومين شيء مما يقطع الصلاة، أو بين يدي الإمام، المرور بين يدي المصلي؟
ج: أولاً: يستحب للمأموم اتخاذ سترة ولا تبطل صلاة المأمومين بمرور شيء بين أيديهم، وإن مر ما يقطع الصلاة بين الإمام وسترته قطع صلاته وصلاتهم، ويحرم المرور بين المصلي وسترته أو قدرها إن لم يكن سترة، لما ورد عن أبي الجهم عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه»، قال أبو النضر: لا أدري، قال أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة؟ رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم أحدكم ما له في أن يمشي بين يدي أخيه معترضًا وهو يناجي ربه، لكان أن يقف في ذلك المقام مائة عام أحب إليه من الخطوة التي خطاها» رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، واللفظ لابن حبان.

س243: اذكر الصور التي لا يرد فيها المصلي من مر بين يديه، وحكم صلاة من صلى في موضع يحتاج فيه إلى المرور، وهل تنقص بذلك صلاته؟
ج: إذا غلبه المار ومر لم يرده من حيث جاء ثانيًا إذا كان محتاجًا إلى المرور بأن كل الطريق ضيقًا أو يتعين طريقًا ثالثًا في مكة المشرفة، فلا يرد المار بين يديه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «صلى بمكة والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة» رواه أحمد وغيره، وتكره صلاة بموضع يحتاج فيه إلى المرور وتنقص صلاته إن لم يرده نص عليه. روي عن ابن مسعود: أن ممر الرجل ليضع نصف الصلاة، قال القاضي: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعل، أما إذا لم يمكنه الرد فصلاته تامة؛ لأنه لا يوجد منه ما ينقص الصلاة ولا يؤثر فيها ذنب غيره.

س244: بين حكم ما يلي: إمام ارتج عليه أو غلط، من رأى بقربه حية أو عقربًا وهو يصلي، من انحل كور عمامته أو إزاره، وهو يصلي، وسق ما تستحضره من الأدلة على ما تذكر.
ج: للمصلي أن يفتح على إمامه إذا ارتج عليه أو غلط في قراءة السورة فرضًا كانت الصلاة أو نفلاً، روي ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر، لما روى ابن عمر «أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فلبس عليه، فلما انصرف، قال لأبي بن كعب: «أصليت معنا؟» قال: نعم، قال: «فما منعك؟»» رواه أبو داود، وقال الخطابي: إسناده جيد؛ ولأن ذلك تنبيه في الصلاة بما هو مشروع فيها أشبه التسبيح ويجب عليه الفتح على إمامه إذا ارتج عليه أو غلط في الفاتحة لتوقف صحة صلاته على ذلك، ولا يفتح المصلي على غير إمامه لعدم الحاجة إليه ولم تبطل الصلاة به؛ لأنه قول مشروع فيها، وله قتل حية وعقرب، لما ورد عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة العقرب والحية» رواه الخمسة وصححه الترمذي.

ولبس الثوب، ولف العمامة، وحمل شيء ووضعه، وإشارة بوجه، وعين ويد، ونحو ذلك من الأعمال اليسيرة لحاجة وإلا كره، لما روى وائل بن حجر «أن النبي صلى الله عليه وسلم التحف بإزاره وهو في الصلاة» وتقدم حمله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب في جواب سؤال سابق، ولما روى أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة» رواه الدارقطني بإسناد صحيح، وأبو داود ورواه الترمذي من حديث ابن عمر، وقال: حسن صحيح.

وعن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت والباب عليه مغلق فجئت فمشى حتى فتح لي، ثم رجع مقامه ووصفت أن الباب في القبلة» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، ولا تبطل بعمل القلب، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى؟ فإذا لم يدري أحدكم ثلاثًا صلى أو أربعًا، فليسجد سجدتين وهو جالس» متفق عليه. وقال البخاري: قال عمر: «إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة».

س245: ما حكم رد المعصوم عن بئر ونحوه وإنقاذ الغريق والحريق، ونحوهما في حق المصلي؟ وماذا يعمل من نابه شيء مثل سهو إمامه أو نحوه؟
ج: يجب عليه قطع الصلاة لذلك فرضًا كانت أو نفلاً؛ لأنه يمكن تدارك الصلاة بالقضاء بخلاف الغريق ونحوه، وإذا نابه شيء في الصلاة مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى، لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء» متفق عليه. زاد مسلم: «في الصلاة».

س246: هل للمصلي أن يدعو إذا مر بآية رحمة،ويتعوذ إذا مر بآية وعيد؟
ج: وللمصلي التعوذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة، ولو في فرض، لما ورد عن حذيفة قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى، وما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إلا تعوذ منها»» رواه الخمسة وصححه الترمذي.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلة عن أبيه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة ليس بفريضة، فمر بذكر الجنة والنار، فقال: «أعوذ بالله من النار ويل لأهل النار»» رواه أحمد وابن ماجه بمعناه.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» رواه مسلم.

وعن عوف بن مالك قال: «قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ ثم قام فصلى فبدأ فاستفتح البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف يسأل، قال: ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ثم ركع» الحديث، رواه النسائي وأبو داود، ولم يذكر الوضوء ولا السواك.

س247: ماذا يعمل من غلبه تثاؤب، أو بدره بصاق أو مخاط أو نخامة؟
ج: إذا غلبه تثاؤب كظم ندبًا وإلا وضع يده على فيه، لحديث: «إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطع، فإن الشيطان يدخل فاه» رواه مسلم. وللترمذي «فليضع يده على فيه» قال بعضهم: اليسري بظهرها ليشبه الدفع له، وإن در المصلي بصاق أو مخاط، أو نخامة أزاله في ثوبه، وعطف أحمد بوجهه وهو في المسجد فبصق خارجه، ويباح أن يبصق ونحوه بغير مسجد عن يساره وتحت قدمه، لحديث: «إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره» وبصقه في ثوبه أولى، ويكره يمنة وأمامًا لظاهر الخبر واحترامًا لحفظ اليمين، ولزم غير باصق إزالته من مسجد لخبر أبي ذر «وجدت في مساوئ أعمالنا النخامة تكون في المسجد فلا تدفن» رواه مسلم،



وسن تخليق محله لفعله صلى الله عليه وسلم:
وإن يمرر الإنسان في غير مكة ... ورا سترة فادفعه عن ذاك واصدد
ورد على التالي ونبه مسبحًا ... والأنثى ببطن الكف في ظاهر اليد
وتبصق إن صليت في البر يسرة ... وفي المسجد ابصق في ثيابك وامسد
ولا بأس أن يقرأ القرآن بمصحف ... ويدعو بما في وعده والتهدد
ويكره قطع النفل من غير حاجة ... وعن أحمد حرمه لا تتردد.

41- باب سجود السهو

س248: ما حكم سجود السهو؟ وما أسبابه؟ وما الأصل في مشروعيته؟

ج: تارة يجب، وتارة يسن، وتارة يباح، وأسبابه ثلاثة: زيادة، ونقص، وشك، والأصل في مشروعيته قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: «فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين» رواه مسلم.

س249: بين متى يسن؟ ومتى يباح؟ ومتى يجب؟ واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: يسن إذا أتى بقول مشروع في غير محله، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» رواه مسلم. ويباح إذا ترك مسنونًا سهوًا كان من عزمه أن يأتي به ولا يسن؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، ويجب إذا زاد ركوعًا أو سجودًا أو قيامًا أو قعودًا، لحديث ابن مسعود: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا فلما انفتل من الصلاة ترشوش القوم بينهم، فقال: «ما شأنكم؟»، فقالوا: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: «لا»،قالوا: فإنك صليت خمسًا، فانفتل فصلى سجدتين، ثم سلم، ثم قال: «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين»»، وفي لفظ: «فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين»، وإن سلم مصل قبل إتمامها عمدًا بطلت، ويجب السجود على من سهى وسلم قبل إتمامها، لحديث عمران بن حصين قال: «سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج فصلى الركعة التي ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم» رواه مسلم.

س250: بين حكم صلاة مصل زاد ركعة ثم ذكر، وهل يحتسب المسبوق بالركعة الزائدة؟ وهل يدخل مع الإمام القائم لركعة زائدة؟
ج: إذا زاد ركعة قطع متى ذكر وبنى على ما فعله قبل الزيادة لعدم ما يلغيه، ولا يتشهد إن كان قد تشهد ثم سجد للسهو وسلم، وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو ثم سلم، ولا يحتسب بالركعة الزائدة مسبوق دخل مع الإمام فيها أو قبلها؛ لأنها زيادة لا يعتد بها الإمام، ولا يجب على من علم الحال متابعته فيها، ولا يصح أن يدخل مع الإمام القائم لزائدة من علم أنها زائدة.

يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:21 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 9:58 pm

س251: ماذا يلزم المأمومين إذا سهى على إمامهم؟ وماذا يلزمه؟ وما هو الدليل على ما تذكر؟ وضح ذلك وعلل لما يحتاج إلى تعليل.
ج: يلزم المأمومين تنبيه الإمام إذا سهى عليه وإذا نبهه ثقتان فأكثر لزمه الرجوع إلى تنبيههم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قبل قول القوم في قصة ذي اليدين؛ فإن نبهه واحد لم يرجع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع لقول ذي اليدين وحده.

عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشى فصلى ركعتين، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل يقال له ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: «لم أنس ولم تقصر»، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه، ثم سلم، فيقول: أنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم» متفق عليه، وليس لمسلم فيه وضع اليد على اليد ولا التشبيك.

س252: إذا ذكر قريبًا عرفًا من سلم قبل إتمامها سهوًا أنه لم يتمها، فما الحكم؟
ج: يتمها ويسجد وجوبًا، لحديث عمران بن حصين قال: «سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات في العصر، ثم قام ودخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم» رواه مسلم.

س253: إذا انحرف عن القبلة من سلم قبل إتمامها، أو خرج من المسجد أو لم يذكر حتى قام من مصلاه، فما الحكم؟ وما دليل الحكم؟ اذكرهما بوضوح.
ج: يبني ولو انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد، لقصة ذي اليدين، وإذا لم يذكر من سلم قبل إتمام صلاته حتى قام من مصلاه فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي من صلاته عن جلوس مع النية؛ لأن القيام واجب للصلاة ولم يأت به لها؛ فإن طال الفصل عرفًا أو حدث أو تكلم لغير مصلحتها بطلت، لما روى معاوية بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» رواه مسلم وأبو داود، وإن تكلم يسيرًا لمصلحتها لم تبطل إمامًا كان أو غيره، وقيل: إن الكلام بعد سلامه سهوًا لمصلحتها أو لغير



مصلحتها لا يبطل الصلاة، وكذلك الكلام سهوًا أو جهلاً في صلبها، لحديث ذي اليدين، وأنه تكلم هو والنبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وكثير من المصلين، ولم يأمر أحدًا منهم بالإعادة، وكذلك لما تكلم معاوية ابن الحكم السلمي في الصلاة وشمت العاطس، لم يأمره صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ولأن الناسي والجاهل غير آثم فلا تبطل.

س254: ما حكم سجود السهو في حق من ترك واجبًا، أو شك في زيادة وقت فعلها؟
ج: يجب إذا ترك واجبًا، لحديث ابن بحينة: «أنه صلى الله عليه وسلم قام في الظهر من ركعتين فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة انتظر الناس تسليمه، كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم» متفق عليه. فثبت هذا بالخبر وقيس عليه سائر الواجبات، وكذا يجب سجود السهو إذا شك في زيادة وقت فعلها؛ لأنه أدى جزءًا من صلاته مترددًا في كونه منها أو زائدًا عليها، فضعفت النية واحتاجت للجبر بالسجود، لعموم حديث: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين» متفق عليه.

س255: هل تبطل الصلاة بتعمد ترك سجود السهو؟ وما الدليل على ما تقول؟
ج: تبطل بتعمد ترك سجود سهو واجب أفضليته قبل السلام ولا تبطل بتعمد ترك سجود مسنون، ولا واجب على أفضليته بعد السلام، وهو ما إذا سلم قبل إتمامها؛ لأنه خارج عنها، فلم يؤثر في إبطالها، وإن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام أو بعده؛ لأن الأحاديث وردت بكل من الأمرين.

وقال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام، ذكر في «المغني»: لكن إن سجد بعده تشهد وجوبًا وسلم، لحديث عمران بن حصين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسما، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم» رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ولأن سجود السهو بعد السلام في حكم المُستقبل بنفسه من وجه، فاحتاج إلى التشهد كما احتاج إلى السلام، وإن نسي السجود حتى طال الفصل عرفًا أو حدث سقط لفوات محله.

س256: هل على مأموم سها دون إمامه سجود سهو؟ وإذا سها إمامه فهل يتابعه؟
ج: ليس على مأموم دخل أول الصلاة سجود سهو، إلا أن يسهو إمامه فيتابعه في سجود السهو، حكاه ابن المنذر إجماعًا، لما تقدم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه لم يسجد لترك التشهد الأول والسلام من نقصان سجد الناس معه» ولعموم قوله: «وإذا سجد فاسجدوا» ولحديث ابن عمر مرفوعًا: «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه» رواه الدارقطني.

س257: تكلم عن حكم من نسي ركنًا من أركان الصلاة؟
ج: من نسي ركنًا غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها، وقامت الركعة التي تليها مقامها ويجزيه الاستفتاح الأول؛ فإن رجع إلى الأولى عمدًا بطلت صلاته، وقيل: يرجع، ولو كان قد شرع في قراءة الركعة التي تليها، فيأتي بالمتروك وبما بعده إن لم يصل إلى محله، فلا حاجة إلى الرجوع وعليه السجود لذلك، وإن ذكر المتروك بعد السلام فكترك ركعة كاملة، فيأتي بركعة مع قرب فصل عرفًا ولو انحرف عن القبلة، أو خرج من المسجد، ويسجد له قبل السلام، وإن طال الفصل أو أحدث بطلت لفوات الموالاة، فإن كان المتروك تشهدًا أخيرًا أتى به وسجد وسلم، أو كان المتروك سلامًا أتى به وسجد السهو وأسلم.

س258: تكلم عمن نسي التشهد الأول وحده أن نسيه مع جلوس له؟ واذكر الدليل على ما تذكر.
ج: إذا نسي التشهد الأول وحده أو نسيه مع جلوس له ونهض، لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائمًا، لما روى المغيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائمًا فليجلس وإن استتم قائمًا فلا يجلس وسجد سجدتي السهو» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.



عن عبد الله بن بحينة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم فقام في الركعتين فسبحوا به فمضى ، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين ثم سلم» رواه النسائي. وعن زياد بن علاقة قال: «صلى المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم، ثم سجد سجدتين وسلم، ثم قال: هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد والترمذي وصححه.

س259: تكلم عما يلي: مصل شك في عدد الركعات، مأموم شك هل أدرك الركوع مع الإمام أم لا؟ مأموم شك هل دخل مع الإمام في الأولى أم الثانية؟ آخر شك هل دخل معه في الركعة الثانية أو الثالثة؟
ج: من شك في عدد الركعات بأن تردد أصلي اثنتين أم ثلاثًا؟ أخذ بالأقل؛ لأنه المتيقن ولا فرق بين الإمام والمتفرد، ولا يرجع مأموم واحد إلى فعل إمامه، فإذا سلم أتى بما شك فيه وسجد وسلم، وإن شك هل دخل مع الإمام في الأولى أو الثانية جعله في الثانية؛ لأنه المتيقن، ويسجد للسهو، لحديث أبي سعيد مرفوعًا: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كن صلى أربعًا كانتا ترغيمًا للشيطان» رواه أحمد ومسلم. وحديث ابن مسعود مرفوعًا: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين» رواه الجماعة إلا الترمذي.

س260: ما معنى تحري الصواب فيه؟ وإذا شك في ترك ركن أو ترك واجب فما الحكم؟ وإذا تكرر السهو في الصلاة فكم يسجد؟ وجاوب عن الإيرادات على ما تقول.
ج: تحري الصواب فيه: هو استعمال اليقين؛ لأنه الأحوط، وإن شك في ترك ركن فكتركه، ولا يسجد لشكه في ترك واجب أو زيادة إلا إذا شك في الزيادة وقت فعلها، ويكفي لجميع السهو سجدتان ولو اختلف محلهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سها فسلم وتكلم بعد سلامه وسجد لهما سجودًا واحدًا؛ ولأنه شرع للجبر فكفى فيه سجود واحد، كما لو كان من جنس، ولأنه إنما أخر ليجمع السهو كله.
وأما حديث ثوبان «لكل سهو سجدتان بعد السلام»، فالسهو اسم جنس، ومعناه لكل صلاة فيها سهو سجدتان يدل عليه قوله بعد السلام، ولا يلزمه بعد السلام سجودان.

س261: إذا اجتمع سهوان: أحدهما قبل السلام والآخر بعده، فأيهما يغلب؟ وما الذي يقال في سجود السهو بين السجدتين؟ وضح ذلك.
ج: يغلب ما قبل السلام على ما بعده، فيسجد للسهو سجدتين قبل السلام؛ لأنه أسبق وآكد وقد وجد سببهُ ولم يوجد قبله ما يقوم مقامه، فإذا سجد له سقط الثاني وسجود السهو، وما يقال فيه من تكبير وتسبيح، وعند هوى ورفع كصلب الصلاة، لما تقدم من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر. متفق عليه، واللفظ للبخاري.

س262: ما محل سجود السهو؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: محله قبله إلا في السلام قبل إتمام صلاته إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر لحديث عمران بن حصين، وذي اليدين؛ ولأنه من تمام الصلاة، فكان قبل السلام كسجود صلبها، وإلا فيما إذا بنى الإمام على غالب عنه، فإنه يسجد بعده ندبًا، لحديث علي وابن مسعود مرفوعًا: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ما عليه، ثم ليسجد سجدتين» متفق عليه. وفي البخاري بعد السلام وكونه بعد السلام أو قبله ندب؛ لأن الأحاديث وردت في كل من الأمرين، فلو سجد الكل قبل السلام أو بعده جاز، وإن شك في محل فيجعله قبله.

ويبني على المستيقن النزر من طرا ... له الشك في الركعات من متعدد
وشك الفتى في ترك ركن كتركه ... وفي واجب ما من سجود بأجود
وما الشك من بعد الفراغ مؤثر ... يقاس على هذا جميع التعبد
وليس على المأموم شك ويتبع الإمام ... ولو في واجب مع تعمد
وما بطلت بالعمد منه صلاته ... فأوجب سجود السهو فيه وآكد
واجمعه قبل السلام سوى الذي ... يسلم عن نقص فخذ أخذ أيد
كذلك في سهو الإمام إذا بنى ... على غالب الظن أن نقل ذاك فاهتد
وتأخير ما قبل السلام لبعده ... وبالعكس جوز لكن الندب ما بدى
ويبطلها في العمد إهماله لما ... ندبت له قبل السلام بأوطد
وشرط سجود السهو كالأصل يا فتى ... ولا تسجدن للسهو في السهو تقتدي
ويكفي سجود واحد كل سهوه ... وعن كل وسواس لسهوك فاصدد

42- باب صلاة التطوع
س263: ما هو التطوع لغة واصطلاحًا؟ وما أفضل ما يتطوع به؟
ج: لغة: فعل الطاعة، وشرعًا: طاعة غير واجبة، وأفضل ما يتطوع به الجهاد، ثم النفقة فيه، ثم العلم تعلمه وتعليمه من حديث، وفقه، وتفسير، ثم الصلاة، وهي أفضل تطوع البدن، لما روى سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» رواه ابن ماجه، وإسناده ثقات إلى سالم؛ ولأن فرضها آكد الفروض فتطوعها آكد التطوع؛ ولأنها تجمع أنواعًا من العبادة: الإخلاص، والقراءة، والركوع، والسجود، ومناجاة الرب، والتوجه إلى القبلة، والتسبيح، والتكبير.

س264: ما أفضل صلاة تطوع؟ وما آكدها؟ وما أقل الوتر؟ وما أكثر؟
ج: أفضلها ما سن له الجماعة؛ لأنه أشبه بالفرائض، وآكدها كسوف، ثم استسقا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستسقي تارة ويتركها أخرى، ثم التراويح، لأنها تسن لها الجماعة، ثم وتر، لحديث بريدة «من لم يوتر فليس منا» رواه أحمد.
وأقله ركعة، لحديث ابن عمر وابن عباس مرفوعًا: «الوتر ركعة من آخر الليل»، وزاد مسلم: «وأكثره إحدى عشرة ركعة»، لقول عائشة «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الليل إحدى عشر ركعة يوتر منها بواحدة» متفق عليه، ويجوز سردها، لحديث عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل فيهن» رواه أحمد والنسائي.

س265: متى وقت الوتر؟ وما حكم القنوت فيه؟ وما دعاء القنوت فيه؟ وما هو الدليل؟
ج: وقته: ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، لحديث أبي سعيد مرفوعًا: «أوتروا قبل أن تصبحوا» رواه مسلم. ولما روي عن خارجة بن حذافة قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، فقال: «لقد أكرمكم الله بصلاة هي خير لكم من حمر النعم»، قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الوتر فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر»» رواه الخمسة إلا النسائي، ويستحب أن يقنت في الركعة الأخيرة بعد الركوع؛ لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وأنس وابن عباس وعن عمر وعلي «أنهما كانا يقنتان بعد الركوع» رواه أحمد والأثر، ولو كبر ورفع يديه ثم قنت قبل الركوع جاز، لحديث أبي بن كعب «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع» رواه أبو داود، ولا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء.

ومما ورد: «اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك» رواه أحمد ولفظه له، والترمذي وحسنه من حديث الحسن بن علي قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: «اللهم اهدني – إلى وتعاليت وليس فيه ولا يعز من عاديت»» ورواه البيهقي وأثبتها فيه، قال في «الاختيارات الفقهية»: ويُخير في الوتر بين فصله ووصله، وفي دعائه بين فعله وتركه.

قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:
ولا تفتتن في كل وترك يا فتى ... فتجعله كالواجب المتأكد
وكن قانتًا حينًا وحينًا فتاركًا ... لذلك تسعد بالدليل وتهتدي
ففعل وترك سنة وكلاهما ... أتت عن رسول الله إن كُنت مقتد

س266: ماذا يعمل بعد ما يخلُص من دعاء القنوت؟ واذكر الدليل لما تقول.
ج: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث الحسن بن علي السابق، وفي آخره: «وصلى الله على محمد» رواه النسائي.
وعن عمر «الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك» رواه الترمذي.
ويؤمن مأموم إن سمعه ثم يمسح وجهه بيديه هنا وخارج الصلاة إذا دعا، لعموم حديث عمر «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يحطهما حتى يمسح بهما وجهه» رواه الترمذي، ولقوله في حديث ابن عباس: «فإذا فرغت فامسح بهما وجهك» رواه أبو داود وابن ماجه.

س267: ما حكم القنوت لغير الوتر؟
ج: يكره قنوته في غير الوتر، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء، لما روى مسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه» وروى أبو هريرة وابن مسعود نحوه مرفوعًا، وعن أبي مالك الأشجعي قال: «قلت لأبي إنك قد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وخلف علي هاهنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني محدث» رواه أحمد بإسناد صحيح، والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم وليس فيه في الفجر؛ فإن نزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون سن الإمام الوقت خاصة القنوت بما يناسب تلك النازلة في كل مكتوبة، وقيل: ويقنت نائبه اختاره جماعة لقيامه مقامه، وقيل: وكل مصل. اختاره الشيخ تقي الدين.

س268: كم عدد الرواتب؟ وما هو الدليل على عددها؟
ج: قيل: إنها عشر، لما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح» متفق عليه، وقيل: للظهر أربع قبلها، لما ورد عن علي «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعًا، وبعدها ركعتين»، وعن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر صلاهن بعدها» رواهما الترمذي.

س269: ما آكد الرواتب؟ وما الدليل على آكديتها؟ وما الذي ينبغي أن يقرأ فيها؟
ج: آكد الرواتب سُنة الفجر، لحديث عائشة مرفوعًا: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه، وعن عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر» متفق عليه، ويستحب تخفيفهما فإن عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيها بأم الكتاب؟» متفق عليه.

ويستحب أن يقرأ فيهما في الركعة الأولى بقوله تعالى: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} الآية التي في سورة البقرة، وفي الركعة الثانية بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} الآية.

وأحيانًا بسورتي الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، لما ورد عن ابن عمر قال: «رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}» رواه الخمسة إلا النسائي.

س270: بين حكم قضاء الرواتب مقرونًا بالدليل، وحكم قضاء الوتر كذلك؟
ج: يسن قضاء الرواتب والوتر، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس» رواه الترمذي. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضاهما مع الفريضة لما نام عن الفجر في السفر، وعن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر صلاهن بعدها» رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، وعن أبي سعيد مرفوعًا: «من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكره» رواه أبو داود والترمذي.

س271: ما حكم الفصل بين الفرض والنفل؟ وحدد وقت الراتبة وأيهما أفضل؟ فعل النافلة في البيت أو في المسجد؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: يسن الفصل بين الفرض والنفل بقيام أو كلام، لقول معاوية: «إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج» رواه مسلم، ووقت كل راتب من الرواتب التي قبل الفرض من دخول وقت الفرض إلى تمام فعله، ووقت التي بعد الفرض من فعله إلى آخر وقته، ويستحب فعل التطوع في البيت وفعلها فيه أفضل من فعلها في المساجد، لما ورد عن زيد بن ثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، لكن له معناه من رواية عبد الله ابن سعد.

س272: ما الدليل على سنية صلاة الليل؟ ولما كانت صلاة الليل أفضل من صلاة النهار فأيهما أفضل: الصلاة في أول الليل أو آخره؟ وضح ذلك.
ج: الدليل: حديث أبي هريرة مرفوعًا: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم، والنصف الأخير أفضل من الأول لقوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا إذا مضى شطر الليل» الحديث رواه مسلم، وحديث: «أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه».

س273: متى يكون التهجد؟ وما الذي يسن للمتهجد أن يفتتح تهجده به؟ وما حكم النية في حق مريد التهجد؟ وضح ذلك مقرونًا بالدليل.
ج: التهجد ما كان بعد النوم، لقول عائشة -رضي الله عنها-: «الناشئة القيام بعد النوم»، وقال الإمام أحمد: الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة، ومن لم يرقد فلا ناشئة له، وقال: هي أشد وطئًا أي تثبتًا تفهم ما تقرأ، وتعي أذنك، ويسن افتتاحه بركعتين خفيفتين، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وأما
النية، فيسن أن ينوي عند النوم قيام الليل، لحديث أبي الدرداء مرفوعًا: «من نام ونيته أن يقوم كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه» حديث حسن رواه أبو داود والنسائي.

مما يتعلق بصلاة الليل من «مختصر النظم»:
وأفضل نفل المرء ليلاً ببيته ... فقم تلو نصف مثل داود فاسجد
ولا تخلين الليل من ورد طائع ... لحزبك تتلو فيه سرًا تجود
وإن شئت فاجهر فيه ما لم تخف أذى ... لإبعاد شيطان وإيقاظ رقد
وخذ قدر طوق النفس لا تسأمنه ... وقل تستعن بالنوم عند التهجد
فإن لم تصل فاذكر الله جاهدًا ... وتب واستقل مما جنيت تسدد
فلا خير في عبد نؤم إلى الضحى ... أما يستحي مولاً رقيبًا بمرصد
يناديه هل من سائل يعط سؤله ... ومستغفر يغفر له ويؤيد

س274: ما حكم صلاة الضحى؟ وما أقلها وما أكثرها؟ ومتى وقتها؟ واذكر دليل كل مما تقدم.
ج: تسن صلاة الضحى، لما ورد عن أبي هريرة قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» متفق عليه.

وفي لفظ لأحمد ومسلم: وركعتي الضحى كل يوم، وأكثرها ثمان، لما ورد عن أم هانئ: «أنه لما كان عام الفتح، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى» متفق عليه.

ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال، لحديث: «قال تعالى: يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» رواه الخمسة إلا ابن ماجه.

وأفضله إذا اشتد الحر، لحديث: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم.

س275: تكلم عن أحكام ما يلي: صلاة الاستخارة، صلاة الحاجة، الصلاة عقب الوضوء، واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: تسن صلاة الاستخارة ولو في خير، ويبادر به بعدها، لما ورد عن جابر بن عبد الله، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، ويقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري –أو قال: عاجل أمري وآجله-، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به، قال: ويسمي حاجته»» رواه الجماعة إلا مسلمًا.

وتسن صلاة الحاجة إلى الله تعالى أو إلى آدمي، لحديث عبد الله بن أبي أوفى مرفوعًا: «من كانت له حاجة إلى الله عز وجل أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع له ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين» رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: غريب.

وتسن صلاة عقب الوضوء لحديث أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة»، فقال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي» متفق عليه.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:22 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 10:39 pm

43- سجود التلاوة

س276: ما حكم سجود التلاوة؟ ولمن يسن؟ وهل يتابع المأموم الإمام فيه؟

ج: يسن سجود التلاوة مع قصر فصل للقارئ والمستمع، لحديث ابن عمر «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعًا لجبهته» متفق عليه. وعن عمر: «أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل، حتى جاء السجدة فنزل فسجد، وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة، قال: «يا أيها الناس، إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه»» رواه البخاري.



وفي لفظ: «إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء»، وعن زيد بن ثابت قال: «قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (النجم) فلم يسجد فيها» متفق عليه؛ وأما إذا سجد الإمام في الصلاة الجهرية، فيلزم المأموم متابعته؛ وأما في الصلاة السرية، فقيل: يكره؛ لأن فيه إيهام على المأمومين، وقيل: يلزم المأموم اتباعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجد»؛ ولأنه لو كان بعيدًا أو أصمًا لسجد في صلاة الجهر بسجود إمامه، فكذا هنا وعندي أن هذا القول أرجح لما أراه من قوة الدليل. والله أعلم.


س277: ما الذي يقال في سجود التلاوة؟ بينه مع ذكر الدليل.

ج: يقول في سجوده ما يقول في سجود صلب الصلاة، أي يقول: «سبحان ربي الأعلى وإن زاد غيره فحسن، ومنه: «اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود»، ومما ورد «سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي.


وعن ابن عباس قال: «كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم، كأني أصلي إلى أصل شجرة فقرأت السجدة، فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها تقول: اللهم احطط عني بها وزرًا، واكتب لي بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، قال ابن عباس: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة، فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة» رواه ابن ماجه والترمذي، وزاد فيه: «وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود –عليه السلام-».


س278: ما حكم سجود الشكر؟ وضح وقته ودليله، ومثل لما يحتاج إلى تمثيل.

ج: يسن سجود الشكر عند تجدد النعم العامة والخاصة، وعند اندفاع نقم عامة له وللناس أو خاصة به ظاهرة، كتجدد ولد أو مال أو جاه أو نصرة على عدو، لحديث أبي بكرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدًا لله» رواه الخمسة إلا النسائي.


وعن عبد الرحمن بن عون رضي الله عنه قال: «سجد النبي صلى الله عليه وسلم فأطال السجود، ثم رفع رأسه، فقال: «إن جبريل أتاني فبشرني فسجدت لله شكرًا»» رواه أحمد وصححه الحاكم.


وعن البراء بن عازب: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليًا إلى اليمن، فذكر الحديث، قال: فكتب إلى بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدًا شكرًا لله تعالى على ذلك» رواه البيهقي، وأصله في البخاري: «وسجد حين شفع في أمته فأجيب» رواه أبو داود، «وسجد الصديق حين جاءه قتل مسيلمة» رواه سعيد، «وسجد علي حين رأى ذا الندبة من الخوارج» رواه أحمد. «وسجد كعب حين بشر بتوبة الله عليه» وقصته متفق عليها، ويقول إذا رأى مبتلى في دينه أو بدنه: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً».


44- أوقات النهي

س279: ما هي أوقات النهي؟ وما أدلتها؟

ج: الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، هي: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ومن الطلوع إلى ارتفاع الشمس قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تدنو من الغروب، وبعد ذلك حتى تغرب، وسندها ما ورد عن عبد الله الصنابحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت من الغروب قارنها، فإذا غربت فارقها» ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات، رواه مالك وأحمد والنسائي.


أما دليل الوقت الأول، فلما ورد عن يسار مولى ابن عمر قال: «رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد ما طلع الفجر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الساعة، فقال: «ليبلغ شاهدكم غائبكم، أن لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين»» رواه أحمد وأبو داود، وقيل: من صلاة الفجر وقت النهي، لما ورد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» متفق عليه. ولفظ مسلم: «لا صلاة بعد صلاة الفجر».


وأما دليل باقي الأوقات فلحديث عقبة بن عامر «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» رواه مسلم، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها».


وفي رواية قال: «إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز، فإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان» متفق عليه.


قال العمريطي ناظمًا لأوقات النهي:

كل صلاة لم يكن لها سبب ... في الخمسة الأوقات حتمًا تجتنب


من بعد فرض الصبح من وقت ... الأدا إلى طلوع الشمس عند الابتدا


وبعد ذلك الطلوع المعتبر ... إلى ارتفاع الشمس رمحًا في النظر


وعند الاستواء إلى الجمعة ... فالنفل فيها جائز إن أوقعه


وبعد فرض العصر لا اصفرارها ... عند الغروب ثم لاستتارها


س280: ما الذي يجوز فعله في أوقات النهي؟ وما هي أدلته؟

ج: قضاء الفرائض في أوقات النهي، لعموم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه، ويجوز فعل المنذورات؛ لأنها واجبة أشبهت الفرائض، وتفعل سُّنة فجر بعده، وقيل: صلاة الصبح، لقوله: «لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر»، وتفعل سُّنة ظهر بعد العصر في الجمع تقديمًا كان أو تأخيرًا، لما روت أم سلمة قالت: «دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم أكن أراك تصليها؟ فقال: «إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر، وأنه قدم وفد بني تميم فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان»» متفق عليه.


ويجوز فعل ركعتي طواف، لحديث جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان.


ويجوز إعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد، لحديث يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لما يصليا فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: «ما منعكما أن تصليا معنا؟» قالا: قد صلينا في رحالنا. قال: «فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه، فإنهما لكما نافلة» رواه أحمد واللفظ له والثلاثة، وصححه ابن حبان والترمذي.


وعن أبي ذر مرفوعًا:

«صل الصلاة لوقتها؛ فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل إني صليت فلا أُصلي» رواه أحمد ومسلم.

وتجوز الصلاة على الجنازة في الوقتين الطويلين، وهما بعد الفجر وبعد صلاة العصر لطول مدتهما، ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة؛ لحديث عقبة بن عامر وتقدم قريبًا، وذكره في الحديث للصلاة مقرونًا بالدفن يدل على إرادة صلاة الجنازة، ولأنها صلاة من غير الخمس أشبهت النوافل؛ وأما إن خيف عليها في الأوقات القصيرة، فتجوز الصلاة عليها للعذر، وتفعل تحية مسجد إذا دخل الإمام يخطب بمسجد ويركعهما ولو كان وقت قيام الشمس قبل الزوال، ولما روى أبو سعيد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» رواه أبو داود.


قال الشيخ سليمان بن سحمان –رحمه الله الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:

وعند أبي العباس لا حظر للذي ... يصليهما أعني تحية مسجد


وذا لعموم النص إذ لا مخصص ... فخذ قول من بالنص يهدي ويهتدى


أليس بها تقضي الفروض وكالذي ... سمعت به في نظمه ذا التعدد


كذلك صح النهي حالة خطبة!! ... إمام لمن يأتي بنفل التعبد


فأما الذي يأتي ابتداء فإنه ... يصلي ولا يجلس تحية المسجد


فهذا دليل واضح متقرر ... وقد كان في وقت من النهي فاقتد


والتطوع نوعان:

نوع له سبب، ونوع لا سبب له، أما الذي لا سبب له وهو التطوع المطلق، فلا يجوز فعله في شيء منها، وأما ما له سبب، كسجود التلاوة، والشكر، وصلاة الكسوف، وقضاء سُّنة راتبة، وتحية مسجد، وسُّنة وضوء، فقيل: لا يجوز فعلها في هذه الأوقات، لعموم أحاديث النهي المتقدمة، وقيل: بتجويز ذوات الأسباب، لما ورد عن أبي قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق عليه.


وقال في الكسوف:

«فإذا رأيتموهما فادعوا الله تعالى وصلوا»، وفي لفظ: «فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة» والركعتين عقب التطهر، لعموم قوله في حديث أبي هريرة «في ساعة من ليل أو نهار» متفق عليه.


وفي حديث جابر في صلاة الاستخارة:

«إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة» الحديث رواه الجماعة إلا مسلمًا.


45- باب صلاة الجماعة وأحكامها

س281: ما حكم صلاة الجماعة؟ واذكر الدليل على ما تقول.

ج: واجبة وجوب عين للصلوات الخمس المؤداة حضرًا وسفرًا حتى في الخوف، لقوله تعالى: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ } فأمر الجماعة حال الخوف، ففي غيره أولى يؤكده قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}.


وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» متفق عليه.


وعن أبي هريرة: «أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولي دعاه، فقال: «هل تسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «فأجب» رواه مسلم والنسائي.


س282: ما هي الحكمة في مشروعية صلاة الجماعة؟

ج: شرع لهذه الأمة الاجتماع للعبادة في أوقات معلومة، فمنها ما هو في اليوم والليلة للمكتوبات، ومنها: ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة متكرر وهو صلاة العيدين لجماعة كل بلد، ومنها: ما هو عام في السنة وهو الوقوف بعرفة، لأجل التواصل، والتوادد، والتعارف، والتآخي، وتعليم الجاهل بأحكامها من شروط وأركان، وواجبات وسنن.


س283: بين ما أقل الجماعة؟ واذكر الدليل على ما تذكر، وماذا يعمل مع تاركها؟

ج: أقل الجماعة اثنان في غير جمعة وعيد، لما روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة» رواه ابن ماجه، وعن مالك بن الحويرث، قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، فقال: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما»» رواه البخاري، ويقاتل تاركها، أي الجماعة، لحديث أبي هريرة المتفق عليه كالأذان، لكن الأذان إنما قاتل على تركه إذا تركه أهل البلد كلهم بخلاف الجماعة، فإنه يقاتل تاركها وإن أقامها غيره؛ لأن وجوبها على الأعيان بخلافه.


س284: أين تفعل صلاة الجماعة؟ وكم تفضل الصلاة في جماعة على صلاة المنفرد؟ وما هو الدليل على ما تذكر؟

ج: تفعل في المسجد، لحديث زيد بن ثابت مرفوعًا: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد»، وقال ابن مسعود: «من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن» الحديث رواه مسلم.


وتفضل الصلاة في الجماعة على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، لما ورد عن عبد الله بن عمر ـرضي الله عنهماـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» متفق عليه. ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بخمس وعشرين جزءًا، وكذا للبخاري عن أبي سعيد، وقال: درجة.


س285: بين هل ينقص أجر من ترك الجماعة لعذر؟ واذكر الدليل على ذلك.

ج: ولا ينقص أجر المصلي منفردًا مع العذر، لما روى أحمد والبخاري وأبو داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحس الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» رواه أحمد وأبو داود، والنسائي.


س286: ما هو الثغر؟ وما هو المستحب لأهله؟ التعدد أم الاجتماع في مسجد واحد؟

ج: الثغر: هو المكان المخوف من فروج البلدان، والأفضل لأهله الاجتماع بمسجد واحد؛ لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة، فإذا جاءهم خبر من عدوهم سمعه جميعهم وتشاوروا في أمرهم، وإن جاء عين للكفار رأى كثرتهم فأخبر بها، قال الأوزاعي: لو كان الأمر إلى لسمرت أبواب المسجد التي للثغور ليجتمع الناس في مسجد واحد.


س287: ما الأفضل لغير أهل الثغر؟ اذكر ذلك مرتبًا مع ما تستحضره من دليل أو تعليل.

ج: الأفضل لغيرهم في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره؛ لأنه يعمره بإقامة الجماعة فيه، ويحصلها لمن يصلي فيه، وذلك معدوم في غيره، أو تقام فيه الجماعة بدون حضوره لكن في قصده غيره كسر قلب إمامه أو جماعته فجبر قلوبهم أولى قاله جمع، منهم الموفق والشارح، ثم ما كان أكثر جماعة، ثم المسجد العتيق وأبعد أولى من أقرب؛ أما ما كان أكثر جماعة، فلما ورد عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر جماعة فهو أحب إلى الله تعالى» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي؛ وأما المسجد العتيق، فلأن الطاعة فيه أسبق، والعبادة فيه أكثر، وأما الأبعد، فلما ورد عن أبي موسى قال: قال موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الناس في الصلاة أجرًا أبعدهم إليها مَمْشَى» رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.


ولما أخرجه مسلم عن جابر قال: «خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: «إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب السجد؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: «يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم»».


وأهل الثغور المستحب اجتماعهم ... إذا لم يَضُرُ في مسجد متفرد


وغيرهم الأولى له ما تعذرت ... إقامتها إلا بحضرته قد


من بعد ذا ما كان أوفى جماعة ... فأقدم بنيانًا فأبعد مقصد


س288: بين حكم الإمامة في مسجد له إمام راتب، وإذا تأخر فماذا يعمل؟

ج: يحرم أن يؤم في مسجد له إمام راتب، فلا تصح إمامة غيره قبله إلا مع إذنه أو مع تأخره وضيق الوقت، ويراسل راتب إن تأخر عن وقته المعتاد مع قرب محله وعدم المشقة ليحضر أو يأذن أو يعلم عذره، ولا يجوز أن يتقدم غيره قبل ذلك، فإن بعد محله أو قرب وفيه مشقة أو لم يظن حضوره أو ظن حضوره ولا يكره ذلك صلوا جماعة؛ لأنهم معذورون وقد أسقط حقه بالتأخر، ولأن تأخره عن وقته المعتاد يغلب على الظن وجود عذر له.


س289: بين ما تستحضره من دليل على ما تقدم؟

ج: ما ورد عن ابن مسعود عن عقبة بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم، أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا في القراءة سوءا، فأعلمهم بالسُّنة؛ فإن كانوا في السُّنة سواء، فأقدمهم هجرة؛ فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنًا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه»، وفي لفظ: «لا يؤمن الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه».


وفي لفظ: «سلما بدل سنا» روى الجميع أحمد ومسلم. والراتب بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بالإمامة ممن سواه، وأما إن تأخر وضاق الوقت أو كان لا يكره ذلك فيصلون، لما ورد عن سهل ابن سعد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، قال: فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حق وقف في الصف، فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف، فقال: «يا أبا بكر، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟» فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء»» متفق عليه.


س290:ما حكم الشروع في النفل بعد إقامة الصلاة؟ وماذا يعمل من شرع في نافلة ثم أقيمت الصلاة؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.

ج: إذا أقيمت الصلاة لم يجز الشروع في نفل، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» رواه مسلم؛ فإن شرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة لم تنعقد، لما روى عن أبي هريرة «وكان عمر يضرب على كل صلاة بعد الإقامة، وإن أقيمت وهو فيها أتمها خفيفة، لقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ».


س291: ما الذي تدرك به الجماعة؟ وما الدليل على ذلك؟

ج: تدرك بإدراك ركعة مع الإمام، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» رواه أبو داود، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» أخرجاه. وعن ابن عمر ـرضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته» رواه النسائي، وابن ماجه، والدارقطني، واللفظ له وإسناده صحيح لكن قوي أبو حاتم إرساله.


س292: ما الذي تدرك به الركعة؟ وهل تجزى تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع؟

ج: تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، لحديث أبي هريرة وتقدم قبل هذا السؤال، وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- «أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «زادك الله حرصًا ولا تعد» رواه البخاري، وتجزئ تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، لفعل زيد بن ثابت، وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة؛ ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد، فأجزأ الركن عن الواجب، وإتيانه بهما أفضل خروجًا من خلاف من أوجبه. والله أعلم.


س293: ما الأولى لمن أدرك الإمام بعد الركوع؟ وماذا يلزم من قام قبل التسليمة الثانية؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.

ج: إذا أدركه بعد الركوع لم يكن مدركًا للركعة، وعليه متابعته قولاً وفعلاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا» الحديث وتقدم، وإن قام مسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية بلا عذر يبيح المفارقة للإمام لزمه العود ليقوم بعدها؛ لأنها من جملة الركن، ولا تجوز المفارقة بلا عذر.


س294: إذا أدرك في سجود السهو بعد السلام، فهل يدخل معه؟ وإذا فاتته الجماعة ، فما المسنون في حقه؟ وضح ذلك.

ج: إذا أدركه في سجود سهو بعد السلام لم يدخل معه؛ لأنه خرج من الصلاة ولم يعد إليها به، وإن فاتته الجماعة استحب له أن يصلي في جماعة أخرى؛ فإن لم يجد استحب لبعضهم أن يصلي معه، لحديث أبي سعيد: «أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يتصدق على ذا فيصلي معه؟» فقام رجل من القوم فصلى معه» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي بمعناه.


س295: هل تجب القراءة على المأموم إذا سمع قراءة الإمام؟ اذكر الدليل على ما تقول.

ج: لا تجب القراءة على المأموم، لقوله تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } قال أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية نزلت في الصلاة، ولما ورد عن أبي هريرة مرفوعًا: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فانصتوا» رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه أحمد في رواية الأثرم، ومسلم بن الحجاج، وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» رواه أحمد في مسائل ابنه عبد الله، ورواه سعيد، والدارقطني مرسلاً، وعن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: «هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟» فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: «فإني أقول ما لي أنازع القرآن؟» قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن، وحديث عبادة الصحيح محمول على غير المأموم، وكذلك حديث أبي هريرة، وقد جاء مصرحًا به عن جابر مرفوعًا: «كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج إلا وراء الإمام» رواه الخلال.


س296: متى تسن القراءة للمأموم؟ وما محل سكتات الإمام؟ وما دليلها؟

ج: يستحب أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه، وإذا لم يسمعه، ودليل السكتات حديث الحسن عن سمرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتين: إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها»، وفي رواية: «سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}» رواه أبو داود، ويقرأ فيما لا يجهز فيه متى شاء لقول جابر: «كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» رواه ابن ماجه. قال في «المغني»: والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه. هذا قول أكثر أهل العلم.


س297: هل يستفتح المأموم فيما يجهر فيه الإمام؟

ج: أما في حال قراءة إمامه فلا يستفتح ولا يستعيذ؛ لأنه إذا سقطت القراءة عنه كيلا يشتغل عن استماع قراءة الإمام، فالاستفتاح أولى؛ ولأن قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} يتناول كل ما يشغل عن الإنصات من الاستفتاح وغيره؛ ولأن الاستعاذة إنما شرعت من أجل القراءة، فإذا سقطت القراءة سقطت التبع.

س298: متى يشرع المأموم في أفعال الصلاة؟ وما حكم موافقة الإمام؟ وما حكم مسابقته؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.

ج: يشرع في فعلها من غير تخلف بعد فراغ الإمام؛ فإن وافقه كره وتحرم مسابقته، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا رفع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع» الحديث، إذ الفاء للتعقيب، فلو سبق الإمام المأموم بالقراءة وركع تبعه الإمام ويقطع القراءة التي شرع بها ويركع عقبه؛ وأما الموافقة في أقوال الصلاة، كأن كبر للإحرام معه أو قبل إتمامه الإحرام، لم تنعقد صلاته، عمدًا كان أو سهوًا؛ لأن شرطها أن يأتي بها بعد إمامه وقد فاته؛ وأما الدليل على تحريم المسابقة، فهو ما ورد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالقعود، ولا بالانصراف» رواه أحمد ومسلم. وحديث أبي هريرة: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» الحديث متفق عليه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن حول الله رأسه رأس حمار أو يحول الله صورته حمار» رواه الجماعة.


س299: بين حكم ما يلي: مأموم ركع أو سجد قبل إمامه، مأموم ركع ورفع قبل إمامه، مأموم ركع ورفع قبل ركوع ثم سجد قبل رفعه، وضح ذلك توضيحًا شافيًا.

ج: أما الأول: وهو من ركع أو سجد قبل إمامه، فهذا عليه أن يرجع ليأتي بما سبق به الإمام بعده لتحصل المتابعة الواجبة؛ فإن لم يفعل عمدًا حتى لحقه الإمام فيه بطلت صلاته، وإن كان سهوًا أو جهلاً فصلاته صحيحة ويعتد به، وأما من ركع ورفع قبل إمامه؛ فإن كان عالمًا عمدًا بطلت صلاته، لأنه سبقه بمعظم الركعة وإن كان جاهلاً أو ناسيًا وجوب التابعة بطلت الركعة التي وقع السبق فيها فقط، وأما من ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه، فهذا تبطل صلاته؛ لأنه لم يعتد بإمامه في أكثر الركعة إلا الجاهل والناسي، فتصبح صلاتهما لللعذر، وتبطل تلك الركعة، ويصليها الجاهل والناسي قضاء.


وإياك عن سبق الإمام فإنه ... مخالسة الشيطان عند التعبد


سعى في التواني ثم لما عصيته ... تدارك سعيًا في فنون التفسد


فاركن إن سابقته ثم لم تعد ... لجهد فإن أدركت فيه فأطل


فإن أنت يومًا لم تعد مع تعمد ... وعلم بحكم بطلت في المجود


وسبق بركن ثم يدرك في الذي ... يليه في الأولى مبطل مع تعمد


وصحح لذي جهل وناس صلاته ... وفي الأظهر أبطل ركعة السبق واردد


وسبقك بالركنين في العمد مبطل ... وفي غيره صحح وللركعة افسد


وسبق بركن واحد ليس مبطلاً ... سوى بالركوع افهم على المذهب اهتد


وإن تأممن خفف وتمم مراعيًا ... لحالة مأموم وأولاك زيد


ولا تنتظره إن شق من كان داخلاً ... وإلا فلاستحبابه انصر وأيد


س300: بين حكم تخلف المأموم عن الإمام بركن أو بركنين؟

ج: إذا تخلف مأموم عن إمامه بركن بلا عذر فكسبق به بلا عذر؛ فإن كان ركوعًا بطلت، وإلا فلا، وإن تخلف عنه بركن لعذر من نوم أو زحام ونحوه، فإن فعل الذي تخلف به ولحقه صحت ركعته ويلزمه ذلك حيث أمكنه استداركه من غير محذور، وإن لم يفعله ويلحقه بأن لم يتمكن منه لغت الركعة التي تخلف عنه بركنا فيقضي بدلها، وإن تخلف عنه بلا عذر بركنين بطلت صلاته؛ لأنه ترك الائتمام لغير عذر، وإن كان تخلفه بركنين لعذر كنوم وسهو وزحام لم تبطل للعذر، ويلزمه أن يأتي به ويلحق إمامه مع أمن فوت الآتية فإن لم يأت بما تركه بتخلفه مع أمن فوت الركعة الآتية باشتغاله بما تخلف به بطلت صلاته وإلا بأن خاف فوت الآتية بأن أتى بما تخلف به لغت الركعة التي وقع فيها التخلف لفوات بعض أركانها والتي تليها عوضها فيبنى عليها ويتم إذا سلم إمامه.

يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:27 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 10:57 pm

س301: اذكر شيئًا مما يسن في حق الإمام مقرونًا بالدليل؟
ج: يسن لإمام التخفيف مع الإتمام، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية إلا في صلاة خوف في الوجه الثاني أو بيسير كبـ (سبح والغاشية)؛ أما دليل التخفيف مع الإتمام، فهو ما ورد عن أبو هريرة «إذا صلى أحدكم فليطول ما شاء» رواه الجماعة. وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاذ، أفتان أنت؟ - أو قال: أفاتن أنت؟- فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى» متفق عليه. وأما دليل تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية، فتقدم في سنن الصلاة ي جواب سؤال سابق، ومما يسن للإمام أنه إذا عرض لبعض المأمومين عارض يقتضي خروجه من الصلاة أن يخفف كما إذا سمع بكاء الصبي ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه» رواه أبو داود، ونكره للإمام سرعة تمنع المأموم ممن فعل ما يسن، وقال الشيخ تقي الدين: يلزمه مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه، وقال: ليس له أن يزيد على القدر المشروع وأنه ينبغي أن يفعل غالبًا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبًا ويزيد وينقص للمصلحة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحيانًا، ويستحب للإمام انتظار داخل ما لم يشق
على مأموم، لحديث ابن أبي أوفى: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم» رواه أحمد وأبو داود وثبت عنه صلى الله عليه وسلم الانتظار في صلاة الخوف لإدراك الجماعة.

46- من الأحكام التي تتعلق بالمرأة في خروجها إلى المسجد
س302 [كذا في الأصل]: إذا استأذنت امرأة إلى المسجد ليلاً أو نهارًا أكره لزوج وسيد منعها إذا خرجت تفلة غير مزينة ولا مطيبة، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات» رواه أحمد وأبو داود، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذنتكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وفي لفظ: «لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن» رواه أحمد وأبو داود. وله منعها من الخروج إلى المسجد إن خشي بخروجها إليه فتنة أو ضررًا، وكذا الأب مع ابنته إذا استأذنت في الخروج إلى المسجد كره له منعها إلا أن يخشى فتنة أو ضررًا، وله منعها من الانفراد عنه؛ لأنه لا يؤمن من دخول من يفسدها ويلحق العار بها وبأهلها. قال أحمد: والزوج أملك من الأب؛ فإن لم يكن أب فأولياؤها المحارم لقيامهم مقامه.

س303: ما الدليل على أن الخروج للنساء إلى المساجد إنما يجوز إذا لم يصحب ذلك ما فيه فتنة؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة» رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا» رواه مسلم وتقدم حديث أبي هريرة في جواب السؤال الذي قبل هذا.

س304: بين أيهما أفضل للمرأة: الصلاة في المسجد أم في بيتها؟ واذكر الدلل على ما تقول والحكمة في ذلك.
ج: في بيتها أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وبيوتهن خير لهن وليخرجن تفلات» رواه أحمد وأبو داود ظاهره حتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» رواه أحمد ووجه ذلك والله أعلم: لأمن الفتنة والرياء.
ويكره منع الخود ما لم يخف أذى ... وفي بيتها أولى لها فلتقعد
وإن خرجت في زينة أو تطيبت ... لتمنع وإن خفت الأذى امنع واشدد

47- فصل في الإمامة
س305: بين من الأولى بالإمامة مع الدليل؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا، ثم الأسن، لما ورد عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنة؛ فإن كانوا في السُّنة سواء فأقدمهم هجرة؛ فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا -وفي رواية: «سنًا»-، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» رواه مسلم، وعن مالك بن الحويرث قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا وصاحب لي فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما» رواه الجماعة، ثم الأشرف إلحاقًا للإمام الصغرى بالكبرى، ولحديث: «قدموا قريشًا ولا تقدموها»، وحديث: «الأئمة من قريش» ثم الأتقى؛ لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإجابة، وقد جاء: «إذا أمَّ الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال» ذكره الإمام أحمد في «رسالته»، وقيل: إن الأتقى والأورع مقدم على الأشرف؛ لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وهذا القول عندي أنه أقوى دليلاً؛ لأن الإمامة كما لها في العلم والتقى، وفي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» رواه الدارقطني وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن سركم أن تقبل صلاتكم، فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» وصاحب البيت وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان، لحديث: «لا يؤمن الرجل الرجل في بيته» رواه مسلم؛ وأما أن إمام المسجد أحق بالإمامة فيه، فلأن ابن عمر أتى أرضًا له وعندها مسجد يصلي فيه مولى له، فصلى معهم ابن عمر، فسألوه أن يؤمهم فأبى وقال: «صاحب المسجد أحق» رواه البيهقي بسند جيد، ولأن في تقديم غيره افتياتًا وكسرًا لقلبه، وقال أبو سعيد مولى أبي أسيد: «تزوجت وأنا مملوك فدعوت ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر، فقالوا: وراءك، فالتفت إلى أصحابه، فقال: أكذلك؟ قالوا: نعم، فقدموني» رواه صالح بإسناده في مسألة.

س306: بين حكم إمامة الفاسق ودليل الحكم، واذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: قيل: إنها لا تصح إمامته إلا في جمعة وعيد تعذرًا خلف غيره، لقوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ } وروى ابن ماجه مرفوعًا: «لا تؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجرًا، ولا فاجر مؤمنًا إلا أن يقهر بسلطان يخاف سوطه أو سيفه»، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فإنهم وفدوا فيما بينكم وبين ربكم» رواه الدارقطني؛ ولأن الفاسق لا يقبل خبره المعنى في دينه، ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة، وأما صلاة الجمعة والعيد خلف الفاسق بلا إعادة إن تعذرت مع غيره، فلأنهما يختصمان بإمام واحد، فالمنع خلفه يؤدي إلى تقويتهما دون سائر الصلوات نعم لو أقيمتا في موضعين في أحدهما إمام عدل فعلهما وراءه. وفي «الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية»: ولا تصح خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة، مع القدرة على الصلاة خلف غيرهم. انتهى.
وقيل: تجوز الصلاة خلف الفاسق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا خلف من قال لا إله إلا الله، وعلى من قال لا إله إلا الله»، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم برًا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر» رواه أبو داود، وقال البخاري في «صحيحه» (باب إمامة المفتون والمبتدع) وقال الحسن: صل وعليه بدعته، ثم روى عن عبيدالله ابن عدي ابن خيار: «أنه دخل على عثمان بن عفان وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج، فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم»، وعن عبد الكريم البكاء قال: «أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون خلف أئمة الجور» رواه البخاري في «تاريخه»، وفي البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم» انتهى.
وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج مع فسقه، وقد قيل: إنه قد أحصى الذين قتلهم من الصحابة والتابعين، فبلغوا مائة ألف وعشرين ألفًا، والحسن والحسين وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان، والذين كانوا في ولاية يزيد وابنه كانوا يصلون معهما، وصلوا وراء الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر وصلى الصبح أربعًا. وروي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟» قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: «صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» رواه مسلم، وفي لفظ: «فإن صليت لوقتها كانت نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك»، وفي لفظ: «فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي»، وفي لفظ: «فإنها زيادة خير».
وهذا فعل يقتضي فسقهم وقد أمره بالصلاة معهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة» عام فيتناول محل النزاع؛ ولأنه رجل تصح صلاته لنفسه فصح الائتمام به، وعندي أن هذا القول أرجح دليلاً والله أعلم.

س307: ما حكم إمامة الخنثى والمرأة؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: أما للرجال فغير صحيحة، أما الخنثى فلاحتمال أن يكون امرأة، وأما المرأة، فللحديث المتقدم: «ولا تؤمن امرأة رجلاً» وأما للنساء فصحيحة، لما ورد عن أم ورقة ـ رضي الله عنها ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها» رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة.

س308: ما حكم إمامة الصبي؟ وضح مع ذكر الدليل.
ج: إمامته بمثله وللبالغ في نفل فصحيحة، وأما إمامته للبالغ في فرض، فقيل: إنها غير صحيحة. قال ابن مسعود: «لا يؤمن الغلام حتى تجب عليه الحدود»، وقال ابن عباس: «لا يؤمن الغلام حتى يحتلم» رواهما الأثرم، ولم ينقل عن غيرهما من الصحابة خلافة، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا صبيانكم» ولأنها حال كمال والصبي ليس من أهلها أشبه المرأة بل آكد، لأنه نقص يمنع التكليف، وصحة الإقرار والإمام ضامن وليس هو من أهل الضمان؛ ولأنه لا يؤمن منه الإخلال بالقراءة حال السر، وقيل: إنها صحيحة إمامته للبالغ في فرض، لما ورد عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: قال أبي جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا، فقال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا، قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنًا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين» رواه البخاري وأبو داود، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كان في القراءة سواء، فأعلهم بالسُّنة» الحديث وتقدم، فهو يتناول الصغير؛ ولأنه يؤذن للرجال فجاز أن يؤمهم كالبالغ، وهذا عنيد أنه أرجح لقوة الدليل. والله أعلم.

س309: بين حكم ما إذا صلى الإمام وهو محدث، أو عليه نجاسة، واذكر الدليل.
ج: إذا صلى الإمام وهو محدث أو عليه نجاسة ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة لم يعد من خلفه ويعيد الإمام، لما روى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم» رواه محمد بن الحسين الحراني، ولما روى «أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلامًا فأعاد الصلاة ولم يعد الناس»، وروى مثل ذلك عن عثمان وابن عمر، وعن علي قال: «إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد، ولا أمرهم أن يعيدوا» رواهما الأثرم، وهذا في محل الشهرة ولم ينكر فكان إجماعه؛ ولأن الحدث مما يخفي ولا سبيل إلى المعرفة من الإمام للمأموم فكان معذورًا في الاقتداء به.

س310: ما صفة صلاة المأمومين خلف إمام الحي المرجو زوال علته؟
ج: إمام الحي هو إمام كل مسجد راتب ويصلون وراءه جلوسًا ندبًا، وإن ابتدأ بهم قائمًا ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قيامًا، لما ورد عن عائشة قالت: «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس»، فصلى أبو بكر تلك الأيام ثم إن النبي
صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه في الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي قائمًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر» متفق عليه.
وفي رواية لهما يسمع أبو بكر الناس التكبير فأتموا قيامًا لابتدائهم قيامًا؛ وأما الدليل على استحباب صلاتهم خلفه جلوسًا، فهو ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون» متفق عليه.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف، قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون»» وروى أنس نحوه أخرجهما البخاري ومسلم.

س311: بين حكم ائتمام المفترض بالمتنفل واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: قيل: إنه لا يصح ائتمام المفترض بالمتنفل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» وكون صلاة المأموم غير صلاة الإمام اختلاف عليه، والقول الثاني: وهو الأرجع عندي، لما أراه من قوة الدليل أنه يصح لما ورد عن جابر «أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة» متفق عليه، ورواه الشافعي والدارقطني، وزاد هي له تطوع وهم
مكتوبة، «وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة من أصحابه في صلاة الخوف ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم» رواه أبو داود والأثرم، والثانية منهما تقع نافلة وقد أم بها مفترضين، وروي عن أبي خلدة قال: «أتينا أبا رجاء لنصلي معه الأولى فوجدناه قد صلى، فقلنا: جئناك لنصلي معك، فقال: قد صلينا؛ ولكن لا أخيبكم، فقام فصلى وصلينا معه» رواه الأثرم. ومنها ما رواه الإسماعيلي عن عائشة «أنه صلى الله عليه وسلم كان يعود المسجد فيؤم بأهله»، وعن عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - قال: «قال أبي: جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا، فقال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا»، قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنًا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين» رواه البخاري والنسائي.
قال في «الاختيارات الفقهية»: ويصح ائتمام مفترض بمتنفل وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو مذهب الشافعي. اهـ.

قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:
وقال أبو العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمد
يصلي بهم فرض وهم ذو فريضة ... وقد كان صلى الفرض خلف محمد
كذا من يصلي الظهر يأثم بالذي ... يصلي صلاة الغير غير مفند

س312: ما حكم ائتمام المتنفل بالمفترض؟ والمتوضئ بالمتيمم؟
ج: يصح، لما ورد عن يزيد بن الأسود «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: «ما منعكما أن تصليا معنا؟» قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: «فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما، ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه فإنها لكما نافلة» رواه أحمد، واللفظ له والثلاثة، وصححه ابن حبان والترمذي؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث محجن بن الأدرع «فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة» رواه أحمد وأبو داود.
وفي حديث أبي سعيد: «من يتصدق على ذا فيصلي معه» رواه أحمد وأبو داود، ومنها: «أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلوها في بيوتهم في الوقت ثم يجعلوها معهم نافلة».
وأما ائتمام المتوضئ بالمُتيمم فيصح، لما ورد من أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - صلى بأصحابه في غزوات ذات السلاسل بالتيمم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكر عليه، وتقدم هذا الحديث في جواب سؤال سابق.
وأمَّ ابن عباس أصحابه متيمًا وفيهم عمار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكروه؛ ولأنه متطهر طهارة صحية فأبه المتوضئ.

س313: بين حكم إمامة من يلي: الأقلف، ولد الزنا، الجندي، الخصي، المنفي بلعان، اللقيط. واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: تصح إمامتهم إذا سلم دينهم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» الحديث.
وتقدم في جواب سؤال سابق، وقالت عائشة ـرضي الله عنهاـ في ولد الزنا: «ليس عليه من وزر أبويه شيء» قال الله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ولأن كلا منهم حر مرضي في دينه ويصلح لها كغيره. وصلى التابعون خلف ابن زياد وهو ممن في نسبته نظر.

قال الناظم –رحمه الله-:
ولا بأس في نجل الزنا ومجند ... إذا أحرز اشترط الإمام المجود

س314: ما صفة ائتمام من يقضي الصلاة بمؤديها؟ وما صفة عكسها؟ وما حكم إمامة الرجل لقوم فيهم من يكرهه؟ وضح ذلك.
ج: الأولى: صفتها كأن يصلي شخص الظهر قضاء خلف إمام يصليها أداء والعكس ائتمام مؤدى الصلاة بقاضيها كأن يصلي الظهر أداء خلف إمام يصليها قضاء، والحكمة ي الصورتين صحيحة؛ لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت، ويكره أن يؤمَّ قومًا أكثرهم له كارهون، لما روى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تقبل منهم صلاة: من تقدم قومًا وهم له كارهون» الحديث رواه أبو داود، وقال علي لرجل أو قومًا وهم له كارهون: إنك لخروط.
قال أحمد –رحمه الله-: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثر القوم، وإن كان ذا دين وسنة فكرهه القوم لذلك لم يكره إمامتهم.
قال منصور: أما إنا سألنا أمر الإمامة، فقيل لنا: إنما عني بهذا الظلمة، فأما من أقام السُّنة، فإنما الإثم على من كرهه.
قال القاضي: والمستحب، أن لا يؤمهم صيانة لنفسه وإن استوى الفريقان، فالأولى أن لا يؤمهم أراد بذلك الاختلاف.

س315: ما حكم إمامة الرجل للنساء؟
ج: يكره أن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن، لما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم» أخرجه البخاري، ولما فيه من مخالطة الوسواس، ولا بأس بأن يؤم بذوات محارمه أو أجنبيات معهن رجل فأكثر؛ لأن النساء كن يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة.

س316: ما حكم الصلاة خلف من يصلي بأجرة؟
ج: من صلى بأجرة لم يصلي خلفه، قال أبو داود: سُئل أحمد عن إمام يقول: لا أصلي بكم رمضان إلا بكذا وكذا، فقال: أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟ فإن دفع إليه شيء بغير شرط، فلا بأس، وكذا لو يُعطى من بيت المال أو من وقف.

48- فصل في موقف الإمام والمأمومين على اختلاف أنواعهم
س317: ما الموقف المستحب للإمام والمأمومين؟
ج: يسن وقوف إمام متقدمًا ووقوف المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر خلف الإمام، ووقوف المرأة الواحدة خلف الرجل، وامرأة أمت نساء فوسطًا؛ أما دليل الأول «فلأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة تقدم وقام أصحابه خلفه»، وعن جابر بن عبد الله قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، فجئت فقمت عن يساره، فنهاني فجعلني عن يمينه، ثم جاء صاحب لي فصفنا خلفه، فصلى بنا في ثوب واحد مخالفًا بين طرفيه» رواه أحمد. وفي رواية: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه» رواه مسلم وأبو داود.
وعن سمرة قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا» رواه الترمذي، وعن ابن عباس قال: «صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة معنا تصلي خلفنا وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه» رواه أحمد والنسائي، وعن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا» رواه مسلم وأبو داود.
وأما الدليل على أن المرأة إذا أمت النساء أنها تقف وسطًا بينهن: روي عن عائشة ورواه سعيد عن أم سلمة، ولأنه يستحب لها الستر وهذا أستر لها. والله أعلم.

س318: بين الموقف فيما إذا أم رجلاً وصبيًّا أو رجلاً وامرأة؟
ج: يسن وقوف رجل يمينًا لكماله وصبي شمالاً، ولو أم رجلاً وامرأة فرجل يقف يمينًا وتقف امرأة خلفًا، لحديث مسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفه».

س319: ما هو الموقف الجائز؟ وما الدليل عليه؟
ج: الجائز وقوف المأمومين جانبي الإمام أو عن يمينه، ووقوف المرأة عن يمين الرجل، لما ورد عن الأسود، قال: «دخلت أنا وعمي علقمة على ابن مسعود بالهاجرة، قال: فأقام الظهر ليصلي، فقمنا خلفه، فأخذ بيدي ويد عمي ثم جعل أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره، فصفنا صفًا واحدًا قال: ثم قال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة» رواه أحمد، ولأبي داود والنسائي معناه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وسطوا الإمام وسدوا الخلل» رواه أبو داود.

س320: بين ما هو الموقف الواجب وما دليله؟ واذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: وقوف الرجل الواحد عن يمينه، لما روى ابن عباس قال: «بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي من وراء ظهره، فعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن» متفق عليه، وعن جابر قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، فجئتُ حتى قمتُ عن يساره، فأخذ بيدي فأدراني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه» رواه مسلم، فمن وقف عن يساره مع خلو يمينه وصلى ركعة كاملة بطلت صلاته، وقيل: تصح، اختاره أبو محمد التميمي، وللوفق. وقال في الفروع وهو أظهر، وفي الشرح وهي القياس، كما لو كان عن يمينه، وكون النبي صلى الله عليه وسلم رد جابرًا وابن عباس لا يدل على عدم الصحة بدليل رد جابر وجبار إلى ورائه مع صحة صلاتهما عن جانبيه. وهذا القول فيما يظهر أنه أرجح فيكون الوقوف عن يمينه سُّنة مؤكدة لا واجب تبطل بتركه الصلاة.

س321: ما هو الموقف الممنوع؟ وما هو الدليل عليه؟
ج: وقوف الرجل الواحد خلف الإمام، أو خلف الصف أو قدام الإمام عن علي بن شيبان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل، فقال: «استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف»» رواه أحمد وابن ماجه، وعن وابصة بن معيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد صلاته» رواه الخمسة إلا النسائي. وفي رواية، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل خلف الصفوف وحده، فقال: «يعيد الصلاة» رواه أحمد. والقول الثاني: صحة صلاة الرجل الواحد خلف الصف لعذر، قال الشيخ تقي الدين: وتصح صلاة الفذ لعذر. اهـ.
وعندي أن هذا القول أرجح؛ لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز فالمصافة إذا قلنا إنها واجبة فليست بأوجب من كثير من أركان الصلاة وشروطها ومع ذلك فكل من عجز عن شرط غير النية أو عن ركن؛ فإن صلاته صحيحة إذا أتى بما يقدر عليه؛ لأنه اتقى الله ما استطاع. والله أعلم.

س322: بين حكم تقدم المأموم على إمامه مع ذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: إذا تقدم عليه فصلاته غير صحيحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» ولأنه لم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا هو في معنى المنقول، فلا يصح، ولأنه يحتاج في اقتدائه به الالتفات في صلاته فيستدبر القبلة عمدًا وإلا لأدى إلى مخالفته في أفعاله وكلاهما يبطل الصلاة، وقيل: تصح في الجمعة والعيد والجنازة لعذر، واختاره الشيخ تقي الدين، وتصح الصلاة فيما إذا تقابلا أي الإمام والمأموم داخل الكعبة، وكذا تصح إذا تدابروا داخل الكعبة، فيصح الاقتداء، لأنه لا يتحقق تقدمه عليه، ولا تصح إن جعل ظهره إلى وجه إمامه لتحقق التقدم، وكذا تصح إذا استدار الصف حول الكعبة والإمام عن الكعبة أبعد من المأموم الذي هو في غير جهته بأن كانوا في الجهة التي عن يمينه أو شماله أو مقابله، وأما الذين في جهته التي يصلي إليها فمتى تقدموا عليه لم تصح لهم لتحقق التقدم عليه، وكذا في شدة الخوف فلا يضر تقدم المأموم للعذر، ويصح الاقتداء إن أمكنت متابعته لإمامه.

س323: ما الذي يعلم به تقدم المأموم على إمامه؟ وإذا وجد المأموم الصف تامًا فماذا يعمل؟ وإذا بطلت صلاة أحد اثنين صفًا بأن لم يكن معهما غيرهما فماذا يعمل الآخر أي الذي لم تبطل صلاته؟
ج: الاعتبار في التقدم والتأخر في حال القيام بمؤخر قدم وهو العقب، ولا يضر تقدم أصابع لطول قدمه، ولا تقدم رأسه في السجود لطوله؛ فإن صلى قاعدًا فالاعتبار بالإلية، لأنها محل القعود، وإذا وجد المأموم الصف تامًا؛ فإن وجد خللاً في الصف دخل فيه، أو وجه غير مرصوص كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون في الصف»؛ فإن لم يجد في الصف موضعًا يقف فيه وقف عن يمين الإمام إن أمكنه؛ فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه بنحنحة أو إشارة، وإن بطلت صلاة أحد اثنين صفًا تقدم الذي لم تبطل صلاته إلى يمين الإمام أو إلى الصف أو جاء معه آخر فوقف يصلي معه صحت صلاتهما؛ وإن لم يتقدم ولم يأت من يقف معه نوى المفارقة للعذر، وتقدم الكلام على وقوف الرجل الواحد خلف الإمام أو خلف الصف في جواب سؤال سابق.
وفي الصف فادخل إن تأتي بلا أذى ... وإلا فقم من عن يمين المقلد
فإن لم يؤاتي نبهن مصاففا ... بلا جذبه واكره به في الموطد

س324: من المقدم من المأمومين إذا كانوا أنواعًا؟
ج: إذا اجتمع أنواع يقدم الرجال، ثم الصبيان، ثم الخناثى، ثم النساء، وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الإمام إذا اجتمعت جنائزهم.
وخلف الإمام اصفف رجالاً فصبية ... تليهم خناثى فالنسا مع تعدد
كذلك فاحكم في الصلاة عليها ... وفي دفنهم للقبلة ابدأ بمبتدى
وأما الدليل على تقديم الرجال، فقوله صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى» رواه مسلم. ويقدم الأفضل فالأفضل؛ وأمَّا الصبيان، فلأنه صلى الله عليه وسلم «صلى فصف الرجال، ثم صف خلفهم الغلمان» رواه أبو داود.
وأما الخناثى فلأنه يحتمل أن يكونوا رجالاً، وأما النساء، فلما ورد عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام، ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن لكي يتوب الناس، ويجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان» رواه أحمد، ولقوله: «أخروهن من حيث أخرهن الله».
وعن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالفه قال: فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا» رواه مسلم.

س325: بين حكم وقوف المرأة في صف الرجال، وحكم صلاة من يليها أو خلفها، وحكم صلاتها، وإذا أم رجل رجلاً وصبيًا فأين موقف الرجل والصبي؟
ج: يكره لها الوقوف في صف الرجال، لما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم بتأخيرهن؛ فإن وقفت في صف الرجال لم تبطل صلاة من يليها ولا من خلفها ولا صلاة من أمامها ولا صلاتها، كما لو وقفت في غير صلاة، والأمر بتأخيرهن لا يقتضي الفساد مع عدمه، وإن أم رجل رجلاً وصبيًا استحب أن يقف الرجل عن يمينه لكمال الرجل، والصبي عن يساره أو أم رجلاً وامرأة وقف الرجل عن يمينه والمرأة خلفه، لحديث أنس المتقدم قريبًا في الجواب الذي قبل هذا السؤال.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:28 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 11:12 pm

س326: بين حكم صلاة من وقف معه من يعلم عدم صحة صلاته، أو يعلم أنه محدث أو نجس لا يعلم منه ذلك.
ج: إذا وقف معه من يعلم عدم صحة صلاته فهو منفرد، وإن وقف معه محدث أو نجس لا يعلم منه ذلك، فالاصطفاف صحيح، وإن وقف معه صبي في فرض وهو رجل لم يصح على المذهب، وعلى القول الثاني أنه يصح. قال في «المغني»: فإن كان أحد المأمومين صبيًا وكانت الصلاة تطوعًا جعلهما خلفه لخبر أنس وإن كانت فرضًا جعل الرجل عن يمينه والغلام عن يساره، كما جاء في حديث ابن مسعود: «وإن جعلهما جميعًا عن يمينه جاز وإن وقفا خلفه»، فقال بعض أصحابنا: لا تصح، لأنه لا يؤمه فلم يصافه كالمرأة ويحتمل أن تصح؛ لأنه بمنزلة المتنفل، والمتنفل يصح أن يصاف المفترض كذا هنا. والله أعلم.

49- فصل في أحكام الاقتداء
س327: ما الذي يشترط لاقتداء المأموم الإمام؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره ولا من وراءه إذا سمع التكبير، وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين؛ فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان: أحدهما: لا يصح الإتمام به اختاره القاضي؛ لأن عائشة قالت لنساء كُنَّ يُصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب، ولأنه لا يمكن الاقتداء في الغالب.
والرواية الثانية: يصح، قال أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة: أرجو أن لا يكون به بأس، وسُئل عن رجل يصلي يوم الجمعة وبينه وبين الإمام سترة قال: إذا لم يقدر على غير ذلك، وقال في المنبر: إذا قطع الصف لا يضر، ولأنه أمكنه الاقتداء بالإمام فيصح اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى؛ ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام، والعلم استماع التكبير، فجرى مجرى الرؤية، ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره. والله أعلم.

س328: ما حكم إتمام الصفوف ورصها وسد خللها؟ وما دليل الحكم؟
ج: مستحب، لما ورد عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنهما ـ قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف»» رواه مسلم.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة»، وعن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر، فيقول: «تراصوا واعتدلوا»» متفق عليهما، وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتموا الصف الأول ثم الذي يليه؛ فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

س329: ما الذي تحصل به تسوية الصفوف؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: تحصل بالمناكب، والصدور، والأعناق، والأكعب، لما ورد عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: «لا تختلفوا تختلف قلوبكم»، وكان يقول: «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول»» رواه أبو داود بإسناد حسن.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا الصفوف، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصف صفًا وصله الله، ومن قطع صفًا قطعه الله» رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رصوا صفوفكم وقاربوا بينهما وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف» حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم.

س330: ما حكم تسوية الصفوف؟ وما الدليل على ذلك؟ وما الدليل على استحباب الميامن؟
ج: تسوية الصفوف مستحبة، لما ورد عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: «فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة».
وأما الدليل على أفضلية ميامن الصفوف، فهو ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف»رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم.
وفيه رجل مختلف في توثيقه، وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول: «رب قني عذابك يوم تبعث عبادك»» رواه مسلم.
وروى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ميسرة المسجد قد تعطلت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عمَّر ميسرة المسجد كُتب له كفلان من الأجر» رواه ابن خزيمة وغيره.

س331: بين حكم علو الإمام عن المأموم، وعلو المأموم عن الإمام، واذكر دليل كل منهما، وما حكم اتخاذ المحراب؟ وما حكم الصلاة فيه؟
ج: يكره علو إمام عن مأموم؛ لأن عمار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده فأتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟» فقال عمار: فلذلك ابتعتك حين أخذت على يدي. رواه أبو داود. ولا بأس باليسر؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر ونزل القهقري فسجد في أصل المنبر ثم عاد» الحديث متفق عليه.
وأما علو المأموم عن الإمام فلا بأس ولو كان علوه كثيرًا. روى الشافعي عن أبي هريرة «أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام» رواه سعيد عن أنس؛ ولأنه يمكنه الاقتداء أشبه المتساويين، ويباح اتخاذ المحراب نصًا، وقيل: يستحب أومأ إليه أحمد، ويكره للإمام الصلاة فيه إذا كان يمنع المأموم مشاهدته، روي عن ابن مسعود وغيره؛ لأنه يستر عن بعض المأمومين أشبه ما لو كان بينه وبينهم حجاب إلا من حاجة كضيق مسجد، وكثرة الجمع، فلا يكره لدعاء الحاجة.

س332: اذكر شيئًا مما يكره في حق الإمام والمأموم مقرونًا بالدليل.
ج: يكره تطوع الإمام بعد صلاة مكتوبة موضعها، لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: «لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه» رواه أبو داود؛ ولأن في تحوله إعلامًا بأنه صلى فلا ينتظر، ويكره مكث الإمام كثيرًا بعد المكتوبة مستقبل القبلة، وليس ثم نساء، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» رواه مسلم.
ويستحب للمأموم أن لا ينصرف قبله للخبر إن لم يطل لبثه؛ فإن كان ثم نساء لبث هو والرجال قليلاً لينصرفن «لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يفعلون ذلك، قال الزهري: فنرى -والله أعلم- لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال» رواه البخاري من حديث أم سلمة؛ ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء.
ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم عرفًا. رواه البيهقي عن ابن مسعود، وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: «كنا ننهي أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردًا» رواه ابن ماجه وفيه لين. وقال أنس: «كنا نتقي هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد وأبو داود، وإسناده ثقات؛ فإن كان ثم حاجة كضيق المسجد وكثرة الجماعة لم يكره.

س333: ما حكم حضور المسجد لآكل بصل أو فجل أو نحوه؟ وما دليل الحكم؟
ج: يكره حضور المسجد لمن أكل ثومًا، أو بصلاً، أو فجلاً ونحوه حتى يذهب ريحه ولو خلا المسجد من آدمي لتأذي الملائكة؛ لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أكل الثوم، والبصل، والكرات، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى ممَّا يتأذى منه بنو آدم» متفق عليه، قال العلماء: وكذا جزار له رائحة منتنة، ومَنْ له صنان، وكذا مَنْ به برص أو جذام يتأذى به قياسًا على أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى.
قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
ومن أكل المستخبث العرف فاكرهن ... له أن يصلي في جماعة مسجد

50- فصل في الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة
س334: ما هي الأعذار المسوغة لترك الجمعة والجماعة؟
ج: يعذر بترك جمعة وجماعة مريض، وخائف حدوث مرض ليسا بالمسجد، ومن يدافع أحد الأخبثين، أو بحضرة طعام هو محتاج إليه وله الشبع، ويعذر بترك الجمعة والجماعة من له ضائع يرجوه، أو يخاف ضياع ماله، أو يخاف فواته، أو يخاف ضررًا فيه أو يخاف ضررًا في معيشته يحتاجها، أو يخاف ضررًا في مال استؤجر لحفظن أو يخاف بحضور جمعة أو جماعة فوت قريبه، أو موت رفيقه، أو كان يتولى تمريضهما وليس من يقوم مقامه أو يخاف على نفسه من ضرر نحو لص، أو سلطان، أو من ملازمة غريم له ولا شيء معه، أو يخاف فوت رفقة بسفر أو غلبة نعاس يخاف به فوتها في الوقت إذا انتظر الجماعة، أو يخاف به فوتها مع الإمام، أو يخاف أذى بمطر ووحل، وثلج، وجليد، وريح باردة بليلة مظلمة، أو يخاف أذى بتطويل إمام، أو كان عليه قود يرجو العفو منه ولو على مال، وكذا عريان لم يجد سترة أو لم يجد غير ما يستر عورته في غير حاجة عراة ومن هو ممنوع من فعلها كالمحبوس والزلزلة.

س335: ما هي الأدلة الدالة على أن هذه الأعذار مسقطة للجمعة والجماعة؟
ج: أما المرض فلأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن المسجد وقال: «مُروا أبا بكر فليصل بالناس» متفق عليه . وأما الخائف حدوث مرض فلأنه في معنى المريض.
وأما من بحضرة طعام محتاج إليه, ومن يدافع أحد الأخبثين؛ فلما ورد عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة» رواه البخاري.
وعن عائشة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
وعن أبي الدرداء قال: «من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ» ذكره البخاري في «صحيحه».
وأما من له ضائع يرجوه أو يخاف ضياع ماله, أو فواته, أو ضرر فيه أو يخاف على مال استؤجر لحفظه, فلحديث ابن عباس مرفوعًا: «من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى» رواه أبو داود.
والخوف ثلاث أنواع: على المال من سلطان أو لص أو نحوه, وعلى نفسه من عدو, أو سيل, أو سبع, وعلى أهله وعياله, فيعذر في ذلك كله؛ لعموم الحديث, وكذا إن خاف موت قريبه نص عليه؛ لأن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد وهو يتجمر للجمعة, فأتاه بالعقيق وترك الجمعة.
وأما الأذاء بمطر, ووحل, وجليد , وريح باردة بليلة مظلمة, فلحديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر المنادي فينادى بالصلاة صلوا في رحالكم في الليلة الباردة والليلة المطيرة في السفر" متفق عليه وروي في الصحيحين عن ابن عباس "في يوم مطير".
وفي رواية لمسلم "وكان يوم جمعة" وأما تطويل الإمام, فلأن رجل صلى مع معاذ ثم انفرد فصلى وحده لمَّا طول معاذ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره؛ وأما الممنوع من فعلهما كالمحبوس، فلقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

ومن «مختصر النظم» ما يلي:
وعشرة أسباب لترك جماعة ... وجمعة اختصت بعذر مجرد
مريض ومن يخشى ضياع مريضه ... وخوف ولاة أو غريم مشدد
ومحتاج طعم حاضر قبل أكله ... وذو نعسة أن يرقب الجمع يرقد
ومن قد غدا للأخبثين مدافعًا ... ومن إن توانى عن قوافل تبعد
وراج وجود الماء يخشى فواته ... ومن إن يغب عن مصلح المال يفسد
وعذران عما التاركين اعتبرهما ... بوحل ووبل العارض المتزيد
وعذر عموم للجماعة مطلقًا ... رياح شداد في دجى متصرد
وإن وجد الزمني ومن خف سقمه ... إلى جمعة طولا ولم يؤذ أطد
وليس العمى عذر لترك جماعة ... ولا جمعة مع طول هاد ومرشد

51- باب صلاة أهل الأعذار
س336: ما الحالات التي تلزم المريض لأداء المكتوبات؟ اذكرها على الترتيب؟
ج: تلزم المريض الصلاة قائمًا فإن لم يستطع فقاعدًا، وإن عجز فعلى جنبه، والأيمن أفضل؛ فإن عجز أومأ بطرفه؛ فإن عجز فبقلبه مستحضرًا القول والفعل، ولا تسقط ما دام العقل ثابتًا.



س337: ما الدليل على هذه الحالات الثلاثة التي تلزم المريض؟
ج: قوله صلى الله عليه وسلم لعمران ابن حصين: «صلي قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه الجماعة إلا مسلمًا، وزاد النسائي: «فإن لم تستطع فمستلقيًا لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها».

س338: ما الدليل على أن الأيمن أفضل؟ وأنه يومئ إيماء ويجعل سجوده أخفض؟
ج: عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يصلي المريض قائمًا إن استطاع؛ فإن لم يستطع صلى قاعدًا؛ فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة؛ فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيًا رجلاه مما يلي القبلة» رواه الدارقطني.

س339: إذا تعذر الإيماء من المستلقي فهل يجب عليه شيء بعد ذلك؟
ج: قيل: يومئ بطرفه ناويًا مستحضرًا للفعل والقول إن عجز عنه بقلبه كأسير خائف، ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وقال في «الاختيارات الفقهية»: متى عجز المريض عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة ولا يلزمه الإيماء بطرفه، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد. والله أعلم.

س340: إذا قدر على القيام في أثنائها من عجز عنه في أولها أو غير القيام؟
ج: إذا قدر على القيام في أثناء الصلاة انتقل إليه لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أو قدر على القعود ونحوه مما عجز عنه من كل ركن أو واجب في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتمها؛ لأن المبيح العجز وقد زال؛ وأما الصلاة قبل أن كان العذر موجودًا وما بقي يجب أن يأتي بالواجب فيه.

س341: بين حكم صلاة المريض مستلقيًا مع قدرته على القيام بقول طبيب؟
ج:له أن يصلي مستلقيًا مع القدرة على القيام لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة وهو العدل الضابط، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم صلى جالسًا حين جحش شقه، والظاهر أنه لم يكن لعجزه عن القيام بل فعله إما للمشقة أو إن لم يجد الماء إلا بزيادة على ثمن المثل صونًا لجزء من ماله وترك الصوم لأجل المرض، ودلت الأخبار على جواز ترك القيام في صلاة الفرض على الراحلة خوفًا من ضرر الطين على ثيابه وبدنه، وأم سلمة تركت السجود لرمد بها. والله أعلم.

س342: بين حكم الصلاة في السفينة، مع ذكر ما تستحضره من الأدلة؟
ج: ولا تصح صلاة الفرض في السفينة من قاعد مع القدرة على القيام، لما ورد عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصلي في السفينة؟ قال: «صل قائمًا إلا أن تخاف الغرق»» رواه الدارقطني وأبو عبد الله الحاكم على شرط الصحيحين، وعن عبد الله بن أبي عتبة قال: «صحبت جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة في سفينة فصلوا قيامًا في جماعة أمهم بعضهم وهم يقدرون على الجد» رواه سعيد في «سننه».

س343: بين متى تصح الصلاة الفريضة على الراحلة؟ مع ذكر الدليل.
ج: وتصح الصلاة المكتوبة على راحلته واقفة أو سائرة، لتأذي بوحل ومطر ونحوه، لما روى يعلى بن أمية «أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته، والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع» رواه أحمد والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم وفعله أنس، ذكره أحمد ولم ينقل عن غيره خلافه.

س344: هل تصح المكتوبة على الراحلة لغير الوحل والمطر ونحوه؟
ج: نعم تصح أيضًا عليهم، لخوف انقطاع عن رفقة، أو خوف على نفسه إن نزل: من سبع أو سيل، أو عدو، أو عجز عن ركوبه إن نزل للصلاة فإن قدر ولو بأجرة يقدر عليها نزل، والمرأة إن خافت تبرز وهي خفرة صلت على الراحلة، وكذا من خاف حصول ضرر بالمشي، ذكرهما في «الاختيارات» (ص74)، ولا تصح مكتوبة على راحلة لمرض؛ لأنه لا أثر للصلاة عليها.

س345: ماذا يلزم من صلى على الراحلة المكتوبة لعذر؟ وماذا يعمل من بماء وطين أو مربوط أو نحوه؟
ج: يلزم من صلى على الراحلة الاستقبال وما يقدر عليه من ركوع أو سجود أو بإيماء بهما وطمأنينة، لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ومن أتى بكل فرض وشرط لمكتوبة أو نافلة وصلى على الراحلة أو صلى بسفينة ونحوها سائرة أو واقفة ولو بلا عذر من نحو مطر أو مرض صحت صلاتهُ لاستيفائها ما يعتبر لها، ومن بماء وطين لا يمكنه الخروج منه يومئ بركوع وسجود كمصلوب، ومربوط، ويسجد غريق على متن الماء، ولا إعادة في الكل لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

52- فصل في القصر
س346: بين حكم قصر الصلاة في السفر مقرونًا بالدليل؟
ج: يسن قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، لما ورد عن عمر قال: «صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك» متفق عليه.
وعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» رواه الجماعة إلا البخاري، وقد تواترت الأخبار أن البني صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره حاجًا، ومعتمرًا، وغازيًا، قال أنس: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فصلى ركعتين حتى رجع، وأقمنا بمكة عشرًا نقصر الصلاة» وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعًا: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته».

س347: اذكر ما تستحضره من رخص السفر؟
ج: أولاً: قصر الصلاة، فتقصر الرباعية من أربع إلى ركعتين. ثانيًا: الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما. ثالثًا: الفطر في رمضان. رابعًا: الصلاة النافلة على الراحلة إلى جهة سيره. خامسًا: المسح على الخفين، والعمامة والخمر ثلاثة أيام بلياليها. سادسًا: أنه موسع للإنسان في ترك الرواتب في سفره ولا يكره له ذلك مع أنه يكره تركها في الحضر. سابعًا: ما ثبت في «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا». ثامنًا: أن الجمعة لا تجب على مسافر سفر قصر. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

س348: بين هل مسافة القصر محددة؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنه لابد أن يكون السفر طويلاً أربعة يرد، وهي ستة عشر فرسخًا، كل فرسخ ثلاثة أميال، لما روى ابن عباس أنه قال: يا أهل مكة، لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة، وكان ابن عباس وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد، ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشد، فجاز فيها القصر كمسيرة ثلاثة أيام، واختار الشيخ تقي الدين –رحمه الله تعالى-:تقصر الصلاة في كل ما يسمى سفرًا سواء قل أو كثر ولا يتقدر بمدة، وهو مذهب الظاهرية، ونصره صاحب «المغني» فيه سواء كان مباحًا أو حرامًا، ونصره ابن عقيل في موضع.
وقاله بعض المتأخرين من أصحاب أحمد والشافعي، وسواء نوي الإقامة أكثر من أربعة أيام أو لا هذا عن جماعة من الصحابة، وقرر أبو العباس قاعدة نافعة، وهي: أن ما أطلقه الشارع يعمل بمقتضى مسماه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بعده.

وقال الناظم مشيرًا إلى اختيار شيخ الإسلام:
وقال إمام العصر لا حجة لهم ... على ذا ولكن باسمه فليحدد

وقال الشيخ سلميان بن سحمان مشيرًا إلى ذلك:
وقد قصروا، أعني الصحابة، دون ما ... يقدره من فرسخ بالتعدد
فما حدد المعصوم قدر مسافة ... لفطر ولا قصر فهل أنت مقتد
وما اختاره الشيخ تقي الدين هو الأرجح عندي، لظاهر القرآن؛ فإن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض؛ ولأن الحكمة وهي المشقة التي علق الشارع عليها التخفيفات موجودة في قصير السفر وطويله. والله أعلم.

س349: بين البريد والفرسخ والميل؟
ج: البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية، وبأميال بني أمية ميلان ونصف، والهاشمي اثنا عشر ألف قدم ستة آلاف ذراع، والذراع أربع وعشرون أصبعًا معترضة عرض كل أصبع منها ست حبات شعير بطون بعضها إلى بعض، عرض كل شعيرة ست شعرات برذون، وقال ابن حجر في شرح البخاري»: الذراع الذي ذكر قد حرر بذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع، ومائتان وخمسون ذراعًا، قال: وهذه فائدة نفيسة قل من ينتبه لها. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

س350: بين أحكام ما يلي: من ائتم بمن يلزمه الإتمام، من قصر ثم رجع قبل استكمال المسافة، من ذكر صلاة حضر في سفر، أو سفر في حضر.
ج: أما الأولى، فيلزمه الإتمام؛ لأن ابن عباس سُئل: «ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السُّنة» رواه أحمد؛ وأما من قصر ثم رجع قبل استكمال المسافة، فلا إعادة عليه؛ وأما من ذكر صلاة حضر في سفر فيتمها؛ لأن القضاء معتبر بالأداء وهو أربع، وكذا من ذكر صلاة سفر في حضر فيتم؛ لأن القصر من رخص السفر فبطل بزواله.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:29 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 11:28 pm

س351: بين حكم ما إذا ذكر صلاة سفر في آخر، وحكم ما إذا أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة، وحكم ما إذا حبس ولم ينو الإقامة؟
ج: في الأولى يقصر؛ لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر كما لو قضاها في نفسه، وفي المسألة الثانية: يقصر أبدًا؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة» رواه البخاري، «ولما فتح مكة أقام بها سبعة عشر يومًا يصلي ركعتين» رواه البخاري.
وقال أنس: «أقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم برام هرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة»، وقال نافع: «أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين حبسه الثلج»، وعن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: «أقمت معه سنتين بكابل يقصر الصلاة ولا يجمع»؛ وأما من حبس ولم ينو إقامة فإنه يقصر أبدًا.

53- فصل في الجمع بين الصلاتين
س352: ما حكم الجمع بين الصلاتين؟
ج: يجوز في ثمان حالات: أولاً: في سفر قصر، ولمريض يلحق بتركه مشقة، ولمرضع، ومستحاضة ونحوها، ولعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة ولعاجز عن معرفة الوقت، ولعذر يبيح ترك الجمعة والجماعة، ولشغل كذلك.

س353: ما الدليل على إباحة الجمع بسفر القصر بين الظهر والعصر، وبين العشاءين؟
ج: ما ورد عن معاذ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر جميعًا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن غريب.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل في سفر قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما؛ فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب» متفق عليه.

س354: أيهما أفضل: الجمع أو تركه؟ والقصر أم تركه؟
ج: ترك الجمع أولى للاختلاف فيه غير جمعي عرفة ومزدلفة؛ وأما القصر فهو أفضل من الإتمام. قال في «الشرح»: القصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلماء، ولا نعلم أحدًا خالف فيه إلا الشافعي في أحد قوليه، قال: الإتمام أفضل؛ لأنه أكثر عملاً وعددًا، وهو الأصل، فكان أفضل كغسل الرجلين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم على القصر.
قال ابن عمر: «صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله» متفق عليه، ولما بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى أربعًا استرجع، وقال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق ولوددت أن حظي من أربع ركعتان متقبلتان.

س355: ما الدليل على إباحة الجمع للمريض الذي يلحقه بتركه مشقة؟
ج: «لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف، ولا مطر، وفي رواية من غير خوف ولا سفر» رواهما مسلم من حديث ابن عباس، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض، وقد ثبت جوازًا الجمع للمستحاضة، وهي نوع مرض واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر، وقد روي عن أبي عبد الله –رحمه الله تعالى- أنه قال في هذا الحديث رخصة للمريض والمرضع.

س356: ما الدليل على إباحته للمرضع والمستحاضة ونحوها؟ والعاجز عن الطهارة بماء أو تيمم لكل صلاة؟ والعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى؟
ج: أما المرضع، فلمشقة كثرة النجاسة، وأما المستحاضة ونحوها، كذي سلس وجرح لا يرقأ دمه، فلقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة حين استفته في الاستحاضة: «وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلي الظهر والعصر جميعًا، ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ويقاس عليه صاحب السلس ونحوه، والعاجز عن الطهارة بماء أو تيمم لكل صلاة؛ لأنه في معنى المريض، والمسافر؛ وأما العاجز عن معرفة الوقت فأومأ إليه أحمد؛ ولكن محله كما قال بعض العلماء: إذا تمكن من معرفة الوقت في أحد الوقتين؛ وأما إذا استمر معه الجهل فلا فائدة في ذلك.

س357: ما مثال العذر الذي يبيح ترك جمعة وجماعة؟ وما مثال الشغل الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة ويبيح وجودهما أو أحدهما الجمع بين الصلاتين؟
ج: مثال الأول: خوفه على نفسه، أو ماله أو حرمته، ومثال الثاني: من له شغل يخاف بتركه ضررًا في معيشته يحتاجها.

س358: ما الذي يختص به الجمع بين العشاءين؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يختص بالعشاءين ثلج، وبرد، وجليد، ووحل وريح شديدة باردة ومطر يبل الثياب ويوجد معه مشقة؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة» رواه النجاد بإسناد، وفعله أبو بكر وعمر وعثمان. وروى الأثرم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: «إن من السُّنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء»، ولمالك في «الموطأ» عن نافع «أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم»، وقال أحمد في الجمع في المطر: «يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق كذا صنع ابن عمر» ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر. قيل لأبي عبد الله: الجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ قال: لا ما سمعته.
وهذا اختيار أبي بكر وابن حامد، وقول مالك، وقال أبو الحسن التميمي فيه قولان: أحدهما: يجوز اختاره القاضي وأبو الخطاب وهو مذهب للشافعي، لما روى يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر»؛ ولأنه معنى أباح الجمع فأباحه بين الظهر والعصر كالسفر، واستدل أهل القول الأول أن مستند الجمع ما ذكر من قول أبي سلمة والإجماع، ولم يرد إلا المغرب والعشاء وحديثهم لا يصح؛ فإنه غير مذكور في الصحاح والسنن، وقول أحمد: ما سمعت يدل على أنه ليس بشيء، ولا يصح القياس على المغرب والعشاء لما بينهما من المشقة لأجل الظلمة ولا القياس على السفر؛ لأن مشقته لأجل السير وفوات الرفقة وهو غير موجود هاهنا.

س359: هل يجوز الجمع لمنفرد؟ ولمن طريقه تحت ساباط يمنع وصول المطر إليه؟ أو من كان مقامه في المسجد أو لمن يصلي في بيت؟
ج: يجوز، لأن الرخصة العامة يستوي فيها وجود المشقة وعدمها، كالسفر وكإباحة المسجد في حق من لي له إليه حاجة، وقد روي «أنه –عليه السلام- جمع في مطر وليس بين حجرته ومسجده شيء».

س360: ما الأفضل لمن أبيح له الجمع؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: الأفضل فعل الأرفق به من تقديم وتأخير سوى جمعي عرفة ومزدلفة إن عدم الأرفق، فالأفضل بعرفة التقديم، ومزدلفة التأخير، وإن استويا فتأخير أفضل؛ أما الدليل على أن فعل الأرفق هو الأفضل، فهو ما ورد عن مالك في «الموطأ» عن أبي الزبير عن أبي الطفيل «أن معاذًا أخبرهم أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال: وأخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا».
قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت الإسناد.

س361: ما الذي يشترط للجمع في الأولى؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يشترط أربعة شروط: أولاً: نيته عند إحرامها. ثانيًا: أن لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف. قال في «الشرح»: ويعتبر أن لا يفرق بينهما إلا تفريقًا يسيرًا والمرجع في اليسير إلى العرف والعادة، وقدره بعض أصحابنا بقدر الوضوء والإقامة؛ والصحيح أنه لا حد له؛ لأن التقدير بابه التوقيف، فما لم يرد فيه توقيف فيرجع فيه إلى العادة كالقبض والحرز، فإن فرق بينهما تفريقًا كثيرًا بطل الجمع، واختار الشيخ تقي الدين –رحمه الله تعالى-: لا موالاة في الجمع في الأولى، قال: وهو مأخوذ من نص أحمد في جمع المطر إذا صلى إحدى الصلاتين في بيته، والأخرى في المسجد، فلا بأس، ومن نصه في رواية أبي طالب والمروذي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق، وعلله أحمد بأنه يجوز الجمع، وقال: لا يشترط للقصر والجمع نية، واختاره أبو بكر عبد العزيز بن جعفر وغيره. انتهى من «الاختيارات الفقهية» (صحيفة 74)، وهذا القول عندي أنه أقوى دليلاً؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل التكبير نويت الجمع ولا القصر ولا الأمر، بذلك ولو كان شرطًا لنقل نقلاً مشتهرًا. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
ووجه اشتراط الموالاة؛ لأن معنى الجمع: المقارنة والمتابعة، ولا يحصل مع تفريق بأكثر من ذلك. والشرط الثالث: وجود العذر المبيح للجمع عند افتتاحهما، وعند سلام الأولى. والشرط الرابع: استمرار العذر في غير جمع مطر ونحوه إلى فراغ الثانية.

س362: إذا أحرم بالأولى ناويًا الجمع لمطر ثم انقطع أو انقطع سفر بإحدى المجموعتين، فما الحكم؟ وضح ذلك توضيحًا شافيًا، ووضح ما إذا انقطع بعد أحدهما؟
ج: إذا أحرم الأولى منهما ناويًا الجمع، ثم انقطع ولم يعد؛ فإن حصل وحل لم يبطل الجمع؛ لأن الوحل ناشئ عن المطر وهو من الأعذار المبيحة أشبه ما لو لم ينقطع المطر، وإن لم يحصل وحل بطل الجمع، وإن انقطع سفر بأولى المجموعتين بأن نوى الإقامة أو رست به السفينة على وطنه بطل الجمع والقصر لانقطاع السفر فيتمها، وتصح فرضًا لأنها في وقتها وإن انقطع سفر بثانية المجموعتين بطل الجمع والقصر ويتمها نفلاً، وإن انقطع بعدهما فلا إعادة، ومرض في جمع كسفر؛ فإن عوفي بالأولى أتمها وصحت في الثانية صحت نفلاً، وبعدهما أجزأتا.

س363: ما الذي يشترط الجمع في ثانية المجموعتين؟ووضح ما لو صلاهما
خلف إمامين أو خلف من لم يجمع أو أحدهما منفردًا والأخرى جماعة، أو صلى إمامًا بمأموم الأولى، وصلى بمأموم آخر الثانية؟ واذكر فائدة الجمع بين الصلاتين؟
ج: يشترط لجمع بوقت ثانية وهو جمع التأخير شرطان: أحدهما: نيته أي الجمع بوقت أولى المجموعتين ما لم يضق عن فعلها لفوات فائدة الجمع، وهو التخفيف بالمقارنة بين الصلاتين؛ ولأن تأخيرها إلى ضيق الوقت عن فعلها حرام فينافي الرخصة، وهي الجمع، والشرط الثاني: بقاء العذر إلى دخول وقت ثانية؛ لأن المبيح للجمع العذر؛ فإن لم يستمر إلى وقت الثانية إلى المقتضى للجمع، فامتنع كمريض بره ومسافر قدم، ولا يشترط غير ما مر، فلو صلاهما خلف إمامين أو صلاهما خلف من لم يجمع صح، أو صلى إحداهما منفردًا أو صلى الأخرى جماعة أو صلى إمامًا بمأموم الأولى وصلى بمأموم آخر الثانية، أو صلاهما إمامًا بمن لم يجمع صح لعدم المانع.

54- فصل في صلاة الخوف
س364: ما حكم صلاة الخوف؟ وما سندها من الكتاب والسُّنة؟
ج: تصح صلاة الخوف إن كان القتال مباحًا حضر أو سفر؛ أما دليلها من الكتاب، فقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الآية، وقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} الآية؛ وأما السُّنة: فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الخوف، وحكمها باق في قول جمهور أهل العلم، وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على فعلها، وصلاها علي وأبو موسى وحذيفة.

س365: إذا كان العدو في جهة القبلة، فما صفة صلاة الخوف؟
ج: صفتها كما روى جابر قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفنا خلفه صفين، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجد ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا» رواه مسلم.

س366: اذكر صفة ثانية من صفات صلاة الخوف، وما الذي قاله الإمام أحمد نحوها؟
ج: الوجه الثاني: إذا كان العدو في غير القبلة، فصفتها كما ورد عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف «أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائمًا فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاء العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته فأتموا لأنفسهم فسلم بهم» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وفي رواية للجماعة عن صالح ابن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الصفة، قال الإمام أبو عبد الله –رحمه الله تعالى: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة، كل ذلك جائز لمن فعله.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله –رحمه الله تعالى-: تقول بالأحاديث كلها أو تختار واحدًا منها؟ قال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن؛ فأما حديث سهل فأنا أختاره.

س367: ما هي الصفة الثالثة لصلاة الخوف؟
ج:صفتها كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة» متفق عليه.

س368: إذا شد الخوف وتواصل الطعن والضرب، والكر والفر، ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما سبق، فماذا تكون صفة تأديتها واذكر الدليل؟
ج: إذا حصل مثل هذا صلوا رجالاً وركبانًا للقبلة وغيرها، لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} قال ابن عمر: «فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم مستقبلين القبلة وغير مستقبليها» متفق عليه. زاد البخاري: قال نافع: «لا أرى ابن عمر قال ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم» ورواه ابن ماجه مرفوعًا.

س369: ما حكم حمل السلاح في صلاتها؟ وإذا خاف على نفسه فكيف تكون تأديته لصلاته؟ وكيف يأتي بالركوع والسجود واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: يسن حمل ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله، كسيف وسكين، لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} ولمفهوم قوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ}؛ ولأنهم لا يأمنون أن يفاجئهم العدو، كما قال تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ} الآية، وإذا خاف على نفسه يصلي على حسب حاله، ويفعل كل ما يحتاج إليه من هرب أو غيره لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} الآية، ويؤمنون بركوع وسجود طاقتهم والسجود أخفض من الركوع؛ لأنهم لو تمموا الركوع والسجود لكانوا هدفًا لأسلحة العدو ومعرضين أنفسهم للهلاك.

55- باب صلاة الجمعة
س370: ما حكم صلاة الجمعة؟ وما الأصل في فرضها؟ ولم سميت جمعة؟
ج: أولاً: الجمعة سميت جمعة، قيل: لجمعها الخلق الكثير، وقيل: إنما سميت جمعة لجمعها الجماعات، وهو قريب من الأول، وقيل: لجمع طين آده فيها، وقيل: لأن آدم جمع فيها خلقه، قال الزركشي: واشتقاقها من اجتماع الناس للصلاة قاله ابن دريد. وقيل: بل لاجتماع الخليفة فيه وكمالها.
ويروى عنه -عليه أفضل الصلاة والسلام- «أنها سميت بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء في الأرض» انتهى من «الإنصاف»؛ وأما الأصل في مشروعيتها فهو الكتاب والسُّنة والإجماع؛ وأما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ} فأمر بالسعي ويقتضي الأمر الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى الواجب، ونهى عن البيع لئلا يشتغل به عنها، فلو لم تكن واجبة لما نهى عن البيع من أجلها؛ وأما السُّنة فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم» رواه أحمد ومسلم، وعن أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» رواه مسلم، ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن عمر وابن عباس، وعن أبي الجعد الضمري، وله صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه» رواه الخمسة، ولأحمد وابن ماجه من حديث جابر ونحوه.
وإياك والتفريط في جمعة بها ... قد اختص رب الخلق أمة أحمد
ففي يومها يعطي المزيد لفائز ... فينظر من غير كيف فقيد
وفي تركها من غير عذر ثلاثة ... يران على قلب الغفول البعد

س371: على من تجب صلاة الجمعة؟ وهل تجب على العبد؟
ج: تجب على كل ذكر مسلم مكلف مستوطن ببناء يشمله اسم واحد؛ أما كونه مسلمًا مكلفًا، فلأن الإسلام والعقل شرطان للتكليف والعبادة، فلا تجب على مجنون إجماعًا، ولا على صبي في الصحيح من المذهب، لما روى طارق بن شهاب مرفوعًا: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض» رواه أبو داود؛ وأما كونه ذكر فلأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال؛ وأما كونها لا تجب على المسافر، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير.
وأما العبد، فقيل: لا تجب عليه الجمعة، لحديث طارق ابن شهاب وتقدم، ولما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضًا أو مسافرًا أو امرأة أو صبيًا أو مملوكًا» رواه الدارقطني، والقول الثاني: أنها تجب عليه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، وعن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رواح الجمعة واجب على كل محتلم» رواه النسائي، وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجمعة على من سمع النداء» رواه أبو داود والدارقطني، وقال فيه: «إنما الجمعة على من سمع النداء»، وهذا القول عندي أنه أقوى دليلاً؛ لأن النصوص الصحيحة عامة في دخولهم. والله أعلم.

س372: هل الجمعة مستقلة أم بدل من الظهر؟ وما معنى كونها فرض الوقت؟
ج: هي مستقلة وليست بدلاً عن الظهر، ومعنى كونها فرض الوقت أي يتعين لها، فلو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم تصح ظهرهم؛ لأنهم صلوا ما لم يخاطبوا به وتركوا ما خوطبوا به كما لو صلوا العصر مكان الظهر.

س373: هل تؤخر الفائتة لخوف فوات الجمعة؟ وهل تقتضي الجمعة إذا فاتت؟
ج: نعم تؤخر فائتة لخوف فوتها؛ لأنه لا يمكن تداركها بخلاف غيرها من الصلوات، ولا تقضي إذا فاتت لكن الظهر بدل عنها.

س374: إذا حضر الجمعة مسافر أو امرأة أو خنثى، فما الحكم؟
ج: تجزئه عن الظهر لأن إسقاط الجمعة عنهم تخفيف فإذا صلاها فكالمريض إذا تكلف المشقة.

س375: إذا حضر الجمعة مريض ونحوه فهل تجب عليه؟ وهل تنعقد به؟
ج: إذا حضرها مريض أو خائف على نفسه، أو ماله، أو أهله أو نحوه ممن له شغل أو عذر يبيح ترك الجمعة، وجبت عليه وانعقدت به وجاز أن يؤم فيها؛ لأن الساقط عنه الحضور للمشقة فإذا تكلفها وحضر تعينت عليه كمريض المسجد.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:30 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 11:40 pm

س376: إذا صلى الظهر من عليه حضور الجمعة، فما الحكم؟
ج: لا تصح صلاة الظهر يوم الجمعة ممن يلزمه حضورها بنفسه أو غيره قبل تجميع الإمام، ولا مع شكه في تجميع الإمام؛ لأنها فرض الوقت، فقد صلى ما لم يخاطب به وترك ما خوطب به أشبه ما لو صلى العصر مكان الظهر.

س377: إذا صلى المعذور قبل تجميع الإمام ثم زال عذره قبل تجميع الإمام، فما الحكم؟
ج: تصح من معذور قبل تجميع الإمام بشرط أنه قد دخل وقت الظهر؛ لأنه فرضه وقد أداه ولو زال عذره قبله كمعضوب حج عنه ثم عوفي إلا الصبي إذا بلغ، والأفضل لمن لا تجب عليه أن يؤخر الصلاة حتى يصلي الإمام الجمعة فيصلي بعده.

س378: بين حكم السفر في يوم الجمعة؟ واذكر الدليل أو التعليل على ما تقول؟
ج: يحرم سفر من تلزمه في يومها بعد الزوال حتى يصلي الجمعة لاستقرارها في ذمته بدخول وقتها، فلم يجز له تفويتها بالسفر بخلاف غيرها من الصلوات لإمكان فعلها حال السفر إن لم يخف فوت رفقته؛ فإن خافه سقط عنه وجوبها وجاز له السفر؛ وأما قيل الزوال فيكره لمن هو من أهل وجوبها خروجًا من الخلاف ولم يحرم، لقول عمر -رضي الله عنه-: «لا تحبس الجمعة عن سفر» رواه الشافعي في «مسنده» وكما لو سافر من الليل، ولأنها لا تجب إلا بالزوال وما قبله وقت رخصة ومحل الكراهة إن لم يأت مسافر بها في طريقه؛ فإن أتى بها في طريقه لم يحرم.

س379: ما هي شروط صحة صلاة الجمعة؟
ج: شروط صحتها أربعة: أحدها: الوقت. ثانيًا: حضور العدد المعتبر. ثالثًا: أن يكونوا بقرية مستوطنين. رابعًا: تقدم خطبتين.

س380: ما أول وقت الجمعة وما آخره؟ ومتى تلزم؟ ودلل على ما تقول.
ج: يدخل وقتها من أول وقت صلاة العيد، أي من ارتفاع الشمس قيد رمح، وآخره آخر وقت الظهر، وتلزم بالزوال؛ لأن ما قبله وقت جواز؛ أما الدليل على أول وقتها، فلحديث عبد الله بن أسيد السلمي قال: «شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدته مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول زال النهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره» رواه الدارقطني وأحمد واحتج به، قال: وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال ولم ينكر فكان إجماعًا. وعن جابر «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريح حين تزول الشمس» رواه أحمد ومسلم، وعن سهل ابن سعد قال: «ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة» رواه الجماعة.
وقيل: إن أول وقتها كوقت الظهر بعد الزوال، لما ورد عن سلمة
ابن الأكوع - رضي الله عنه - قال: «كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء» أخرجاه، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس» رواه أحمد والبخاري، وأبو داود والترمذي.
وفعلها بعد الزوال أفضل خروجًا من الخلاف، ولأنه الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يصليها فيه في أكثر أوقاته. والله أعلم.

س381: بين الحكم إذا شك في خروج الوقت؟ وإذا لم يتم العدد المعتبر إلا بالإمام.
ج: لا تسقط الجمعة بشك في خروج الوقت؛ لأن الأصل عدمه والوجوب محقق، وإذا كان الإمام من أهل وجوبها فيتم به العدد ويصلون جمعة، لقول كعب بن مالك: «أول من جمع بنا سعد بن زرارة في هزم النبيت في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً» رواه أبو داود.
قال ابن جريج: قلت لعطاء: أكان يأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وقال أحمد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة.
وقال جابر: «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطر» رواه الدارقطني. وقيل: تنعقد باثنين، واستدلوا بأن العدد واجب بالحديث والإجماع، ورأوا أنه لم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد مخصوص، وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين ولا فرق بينها وبين الجماعة، ولم يأت نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا، وقيل: بثلاثة اختاره الأوزاعي، والشيخ تقي الدين، لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وهذا جمع وأقله ثلاثة، وقيل: بخمسين، لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «لما بلغ أصحا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين جمع بهم» رواه النجاد. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

س382: ما الذي تدرك به الجمعة؟ وما الذي تدرك به صلاتها؟
ج: تدرك بإدراك ركعة قبل خروج وقتها، لما تقدم في حديث أبي هريرة وعائشة في جواب سؤال سابق، وكذا صلاتها لا تدرك إلا بإدراك ركعة، لما ورد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته» رواه النسائي، وابن ماجه، والدارقطني، واللفظ له وإسناده صحيح، لكن قوى أبو حاتم إرساله.
ولما روى البيهقي عن أبي مسعود، وابن عمرو عن أبي هريرة مرفوعًا: «من أدرك ركعة من الجمعة، فقد أدرك الصلاة» رواه الأثرم، وتقدم بعض الأدلة في جواب سؤال سابق.

س383: ماذا يلزم من أحرم مع الإمام ثم زحم عن السجود بالأرض؟
ج: يلزمه السجود مع إمامه ولو على ظهر أخيه، أو رجله، لقول عمر «إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه» رواه أبو داود الطيالسي، وسعيد، وكالمريض يأتي بما يمكنه ويصح؛ فإن لم يمكنه السجود على ظهر إنسان أو رجله، فإذا زال الزحام سجد بالأرض ولحق إمامه إلا أن يخاف فوت الركعة الثانية مع الإمام؛ فإن خافه فإنه يتابعه فيها وتصير ثانية الإمام أولاه ويتمها جمعة.

س384: إذا لم يتابع المأموم المزحوم في الثانية مع خوف فوتها، فما الحكم؟
ج: إن لم يتابعه المأموم المزحوم في الثانية مع خوف فوتها عالمًا بتحريمه بطلت صلاته، لتركه واجب المتابعة بلا عذر، وإن جهل تحريم عدم متابعته فسجد سجدتي الركعة الأولى ثم أدرك الإمام في التشهد أتى بركعة ثانية بعد سلامه وصحت جمعته؛ لأن أدرك مع الإمام منها ما تدرك به الجمعة وهو ركعة.

س385: ما حكم صلاتهما فيما قارب البنيان من الصحراء؟
ج: تصح إقامتها فيه؛ «لأن أسعد بن زرارة أول من جمع في حرة بني بياضة» أخرجه أبو داود والدارقطني، قال البيهقي: حسن الإسناد صحيح، قال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة.

س386: إذا نقص العدد المعتبر قبل إتمام الجمعة، فما الحكم؟ وإذا أدرك مع الإمام منها أقل من ركعة، فما الحكم؟
ج: إن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرًا إن لم يمكن فعل الجمعة مرة أخرى، ومن أدرك مع الإمام منها أقل من ركعة يتمها ظهرًا إذا كن نوى صلاة الظهر ودخل وقتها وإلا انقلبت نفلاً؛ أما في الأولى فكمن أحرم بفرض فبان قبل وقته.
وأما في الثانية فلحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ولأن الظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذا استدامة.

س387: بين ما تستحضره من شروط لصحة الخطبتين مع ذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: أولاً: تذكر دليلاً للخطبتين، قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} والذكر هو الخطبة، فأمر بالسعي إليها فيكون واجبًا، لمواظبته –عليه الصلاة والسلام- عليها مع قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وعن عمر وعائشة -رضي الله عنهما- «قصرت الصلاة من أجل الخطبة»، وعن جابر بن سمرة قال: «كانت للنبي خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا» رواه مسلم.
وعن ابن عمر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم» رواه الجماعة، ومما يشترط حمد الله، وذلك لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجزم –أي مقطوع- البركة» رواه أبو داود، ورواه الجماعة مرسلاً.
وروى أبو داود عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشهد قال: «الحمد له».
ويتعين هذا اللفظ في قول الجمهور، وقال جابر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بحمد الله ويثني عليه بما هو أهله» الحديث.
ثانيًا: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار لشيخ تقي الدين أن الصلاة عليه –أفضل الصلاة والسلام- واجبة لا شرط، قاله في «الإنصاف».
وقال في «الشرح الكبير»: ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك في خطبته. اهـ.
والدليل على ذلك: أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر نبيه كالأذان؛ ولأنه قد روي في تفسير قوله تعالى: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } قال: لا أذكر إلا ذكرت معي. ويتعين لفظ الصلاة أو يشهد أنه عبد الله ورسوله.
ثالثًا: قراءة آية من كتاب الله عز وجل، لما روى جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات ويذكر الناس» رواه مسلم، ولما روى الشعبي قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس، وقال: «السلام عليكم» ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وكان أبو بكر وعمر يفعلانه» رواه الأثرم، وقيل: لا يشترط قراءة آية، فلو قرأ ما تضمن الحمد والموعظة ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه.
رابعًا: الوصية بتقوى الله عز وجل؛ لأنها المقصود بالخطبة، فلم يجز الإخلال بها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظم. وعن جابر بن سمرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا ويجلس بين الخطبتين ويقرأ آيات ويذكر الناس» روه الجماعة إلا البخاري والترمذي، وعنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات» رواه أبو داود.
خامسًا: موالاتهما مع الصلاة؛ لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافه، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ولما ورد لأحمد والنسائي «كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ويقيم إذا نزل» وهذا يدل على الموالاة.
سادسًا: النية، لحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
سابعًا: حضور العدد المعتبر، قال في «الشرح الكبير» : فصل ويشترط حضور العدد المشترط في القدر الواجب من الخطبتين، وقال أبو حنيفة في رواية أبي داود عنه: لا يشترط؛ لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط له العدد؛ كالأذان ولنا أنه ذكر من شرائط الجمعة فكان من شرطه العدد، وكتكبيرة الإحرام ويفارق الأذان؛ فإنه ليس بشرط، وإنما مقصوده الإعلام والإعلام للغائبين، والخطبة مقصودها الموعظة فهي للحاضرين. اهـ. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

س388: اذكر ما تستحضره من سنن الخطبتين، والأدلة الدالة على ذلك؟
ج: أولاً: الطهارة من الحدث والجنابة، فتصح خطبة جنب كأذانه، وعنه أنها من شرائطها؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- لم يكن يفصل بين الخطبة والصلاة بطهارة، فدل على أنه كان متطهرًا.
ثانيًا: ستر العورة.
ثالثًا: إزالة النجاسة قياسًا؛ لأن الخطبتين بدل ركعتين؛ لقول عمر وعائشة: «قصرت الصلاة لأجل الخطبة».
رابعًا: الدعاء للمسلمين «لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يوم الجمعة دعا وأشار بأصبعه وأمن الناس» رواه حرب في مسائله؛ ولأن الدعاء لهم مسنون من غير الخطبة ففيها أولى.
خامسًا: أن يتولاهما من يتولى الصلاة.
قال أحمد في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس: لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة؛ لأنه لا يشترط اتصالها بها، فلم يشترط أن يتولاهما واحد كصلاتين.
سادسًا: رفع الصوت بهما حسب الطاقة، لما ورد عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته» الحديث رواه مسلم.
سابعًا: أن يخطب قائمًا على مرتفع معتمدًا على قوس أو عصا؛ أما الدليل على كونه قائمًا، فلقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} قال جابر بن سمرة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائمًا» فمن نبأك أنه يخطب جالسًا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة، رواه أحمد ومسلم وأبو داود؛ وأما الدليل على كونه معتمدًا على قوس أو عصا، فلما ورد عن الحكم بن حزن الكلفي قال: «قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة فلبثنا عنده أيامًا شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على قوس أو قال على عصا،
فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: «أيها الناس إنكم لن تفعلوا أو لن تطيقوا كل ما آمركم ولكن سددوا وابشروا»» رواه أحمد وأبو داود.
قال ابن القيم –رحمه الله في «زاد المعاد» (1/ 242): ولم يكن يأخذ بيده سيفًا ولا غيره، وإنما يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة على عصا، ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف ولم يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائمًا وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف فمن فرط جهله. اهـ.

قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمهما الله-:
وما كان من هدي النبي اعتماده ... على السيف إذ لا نص فيه لمهتد
ولكن يكون الاعتماد على العصى ... أو القوس ذا هدى النبي محمد
وما ظنه الجهال أن اعتماده ... على السيف فيما يزعمون لمقصد
إشارة إظهار لدين أتى به ... فزعم بعيد الرشد غير مسدد
ثامنًا: أن يجلس بينهما قليلاً، لقول ابن عمر «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس» متفق عليه؛ فإن أبى أو خطب وهو جالس فصل بينهما بسكتة ليحصل التمييز بينهما، وليست واجبة؛ لأن جماعة من الصحابة سردوا الخطبتين من غير جلوس منهم: المغيرة، وأبي بن كعب، قال أحمد: ولا بأس أن يخطب من صحيفة كقراءة في الصلاة من مصحف.
تاسعًا: قصر الخطبتين، لما روي عن عمار بن ياسر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة» رواه أحمد ومسلم، وعن جابر بن سمرة قال: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا وخطبته قصدًا» رواه الجماعة إلا البخاري، وأبا داود.
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة» رواه النسائي.
عاشرًا: أن يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم، لما روى ابن ماجه عن جابر -رضي الله عنه- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم» رواه الأثرم عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن الزبير -رضي الله عنهم-، ورد هذا السلام وكل سلام فرض كفاية على المسلم عليهم، وقيل: سُّنة كابتدائه.
الحادي عشر: جلوسه حتى يؤذن، وذلك لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب» رواه أبو داود مختصرًا.
الثاني عشر: أن يقصد الخطيب تلقاء وجهه فلا يلتفت يمينًا وشمالاً لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه أقرب إلى أسماعهم كلهم، ولا بأس أن يشير بأصبعه في الدعاء، لما ورد عن حصين بن عبد الرحمن قال: «كنت إلى جنب عمارة بن رويبة وبشر بن مروان يخطبنا، فلما دعا رفع يديه، فقال عمار: قبح الله هاتين اليدين، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب إذا دعا يقول هكذا فرفع السبابة وحدها» رواه أحمد والترمذي بمعناه وصححه.

س389: ما صفة صلاة الجمعة؟ وما دليلها؟
ج: صلاة الجمعة ركعتان، وذلك بالإجماع حكاه ابن المنذر، وقال عمر - رضي الله عنه - : «صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى» رواه أحمد، وابن ماجه يسن أن يجهر فيهما بالقراءة. قال الأئمة: لفعله –عليه الصلاة والسلام- ونقله الخلف عن السلف. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «صلاة النهار عجماء إلا الجمعة والعيدين».

س390: ما المسنون قراءته في صلاتها؟ وما هو الدليل عليه؟
ج: يسن أن يقرأ جهرًا في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين بعد الفاتحة، وإن قرأ بالأولى بسبح، وفي الثانية بالغاشية فحسن، لما ورد عن ابن عباس ـرضي الله عنهماـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين» رواه مسلم، ولعن عن النعمان ن بشير قال: «كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ}» رواه أبو داود والنسائي.

س391: ما المسنون أن يقرأه في فجرها؟ وما الدليل عليه؟ وما الحكمة في ذلك؟
ج: يُسن أن يقرأ في فجرها (الم السجدة)، وفي الركعة الثانية {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ}، لما ورد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح (الم تنزيل السجدة)، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ}» الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وعن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (الم تنزيل)، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ}» رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود؛ ولكنه لهما من حديث ابن عباس، والحكمة قيل: لتضمنها ابتداء خلق السموات والأرض وخلق الإنسان.

س392: ما حكم إقامة الجمعة والعيدين في أكثر من موضع من البلد؟ وضح ذلك.
ج: تحرم إقامتها وعيد في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة؛ لأنهما لم يكونا يفعلا في عهده وعهد خلفائه إلا كذلك، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وإما لحاجة كضيق مسجد البلد، وكتباعد أقطار البلد فيشق على من منزله بعيد عن محل الجمعة، وكخوف فتنة ونحوه.

س393: إذا وقع عيد في يوم الجمعة فما الحكم؟وما دليل الحكم؟وضح ذلك
ج: إذا وقع عيد في يوم الجمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد مع الإمام سقوط حضور لا سقوط وجوب؛ وأما الإمام فلا يسقط عنه حضور الجمعة لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون» رواه أبو داود وابن ماجه، وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - وسأله معاوية: «هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلى العيد أول النهار ثم رخص في الجمعة، فقال: «من شاء أن يجمع فليجمع»» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

س394: كم أقل السنة بعد الجمعة؟ وكم أكثرها؟ واذكر الأدلة على ما تذكر.
ج: أقل السُّنة الراتبة بعد الجمعة ركعتان، لحديث ابن عمر مرفوعًا: «كان يصلي بعد الجمعة ركعتين» متفق عليه، وأكثرها ست ركعات، لقول ابن عمر: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله» رواه أبو داود، ولا راتبة لها قبلها ويستحب أربع ركعات، لما روى ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يركع من قبل الجمعة أربعًا، وروى سعيد عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات وبعدها أربع ركعات، وقال عبد الله: رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن المؤذن ركعات، ويُسن أن يفصل بين السُّنة وبين الجمعة بكلام أو انتقال.

س395: بين إلى كم تنقسم خصائص الجمعة؟ ومثل لكل قسم.
ج: إلى ثلاثة أقسام: قسم قبل الصلاة.
القسم الثاني: في كل يومها.
القسم الثالث: بينهما بحسب ما ورد.
ومثال الأول: كالاغتسال والطيب.
ومثال الثاني: كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والذكر والدعاء.
ومثال الثالث: كقراءة سورة الكهف في يومها ومنه ساعة الإجابة.

س396: اذكر ما تستحضره مما يُسن قبل صلاة الجمعة وبعدها؟
ج: يُسن قراءة سورة الكهف في يومها، وكثرة دعاء وأفضله بعد العصر، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغسل لها فيه وأفضله عند مضيه وتنظف وتطيب، ولبسُ أحسن ثيابه، وهو البياض، وتبكير غير إمام بعد طلوع الفجر ماشيًا إن لم يكن عذر، ولا بأس بركوبه لعذر وعود، وأن يخرج إليها على أحسن هيئة بسكينة ووقار مع خشوع، ويدنو من الإمام، وأن يستقبل القبلة وأن يشتغل بذكر الله تعالى، وأفضله قراءة القرآن.

س397: اذكر ما تستحضره من أدلة ما تقدم مما يُسن قبل صلاة الجمعة وبعدها؟
ج: أما دليل الغسل، فهو ما ورد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه» رواه أحمد؛ وأما الطيب والإنصات، فهو ما ورد عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من ظهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يروج إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب الله له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة إلى الجمعة الأخرى» رواه أحمد والبخاري؛ وأما التبكير: فهو ما ورد عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومَنْ راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومَنْ راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومَنْ راح من الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومَنْ راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» رواه الجماعة إلا ابن ماجه؛ وأما الدنو من الإمام، فلما ورد عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احضروا الذكر وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها» رواه أحمد وأبو داود.
وأما دليل الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيها فهو ما ورد عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعفة، فأكثروا علي من الصلاة فيه» الحديث رواه الخمسة إلا الترمذي.
وأما الدليل على كثرة الدعاء، فهو ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل خيرًا إلا أعطاه إياه، وقال: بيده قلنا يقللها يعني يزدهدها» رواه الجماعة إلا أن الترمذي وأبا داود لم يذكر القيام ولا تقليلها؛ وأما الدليل على استحباب قراءة سورة الكهف، فهو ما روى البيهقي بإسناد حسن عن أبي سعيد مرفوعًا: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين»؛ وأما المشي إليها بسكينة ووقار، فلما ورد عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار» الحديث متفق عليه؛ وأما استقبال القبلة، فلما أخرجه الطبراني بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء سيدًا وإن سيد المجالس قبالة القبلة» وأخرج نحوه في «الأوسط» من حديث ابن عباس ـرضي الله عنهماـ، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدعو في الاستسقاء استقبل القبلة كما في البخاري وغيره، وقد استقبل القبلة صلى الله عليه وسلم في غير موطن كما في يوم بدر.

س398: متى يجب السعي إلى الجمعة؟ واذكر الدليل.
ج: يجب السعي إليها بالنداء الثاني الذي بين يدي الخطيب، لقوله تعالى: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ } الآية؛ لأنه الذي كان على عهده صلى الله عليه وسلم، ولا يجب بالأول؛ لأنه مستحب، ولأن عثمان سنه وعملت به الأمة.

س399: ما حكم تخطي رقاب الناس؟ وما دليل الحكم؟
ج: يكره أن يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إمامًا فلا يكره أو إلى فرجة لا يصل إليها إلا به، والدليل على الكراهة قوله –عليه الصلاة والسلام- وهو على المنبر لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: «اجلس فقد آذيت» رواه أحمد؛ وأما من رأى فرجة فيباح إلى أن يصل غليها لإسقاطهم حقهم بتأخرهم عنها.

س400: ما حكم إيثار الإنسان غيره بمكانه الفاضل؟ وما حكم وضع مصلى في المسجد؟
ج: يكره إيثار غيره بمكان أفضل ويجلس فيما دونه؛ لأنه رغبة عن الخير، ولا يكره للمؤثر قبوله ولا رده، وقام رجل لأحمد من موضعه فأبى أن يجلس فيه، وقال: ارجع إلى موضعك، فرجع إليه، نقله سندي.
وأما فرش المصلى، فقال في «الاختيارات الفقهية» في (ص81): وإذا فرش مصلى ولم يجلس عليه ليس له ذلك ولغيره رفعه في أظهر قولي العلماء.
قلت: ومثله وضع النعل والعصا، وتقديم الخادم والولد ثم إذا حضر قام عنه وجلس فيه، فهذا لا يجوز فيما أرى. والله أعلم.

قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:
ووضع المصلى في المساجد بدعة ... وليس من الهادي القويم محمد
وتقديمه في الصف حجر لروضة ... وغضب لها عن داخل متعبد
ويشبهه وضع العصا وحكمها ... كحكم المصلى في ابتداع التعبد
بلى مستحب أن يمطا ويرفعا ... عن الداخلين الراكعين بمسجد
لئن لم يكن هذا بنص مقرر ... ولا فعل أصحاب النبي محمد
فخير الأمور السالفات على الهدى ... وشر الأمور المحدثات فبعد.

يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:31 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 11:53 pm

س401: إذا قام إنسان في موضعه وزاحمه عليه آخر فأيهما أحق؟
ج: من قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه قريبًا فهو أحق به، لحديث مسلم عن أبي أيوب مرفوعًا: «من قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به، ومن لم يصل إليه إلا بالتخطي فكمن رأى فرجه».

س402: ما حكم إقامة الغير من مكانه والجلوس فيه؟
ج: يحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه ولو عبده الكبير أو ولده الكبير أو كانت عادته الصلاة فيه حتى المعلم، لحديث ابن عمر -رضي الله عنه-: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه» متفق عليه.
ولا يتخطى الناس إلا إمامهم ... وراء مكانًا خاليًا في المؤكد
ويحرم رفع الغير عن بقعة له ... ويكره إيثار المساوي بمقعد

س403: ما حكم تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب؟
ج: تسن تحية المسجد ركعتان لكل من دخله قصد الجلوس أو لا غير خطيب دخل للخطبة، وغير داخله والإمام في مكتوبة، وبعد شروع في إقامة، وغير داخل المسجد الحرام؛ لأن تحيته الطواف وينتظر من دخل حال الأذان فراغ مؤذن لتحية مسجد ليجيب المؤذن ثم يصليها ليجمع بين الفضيلتين، وإن جلس قبل التحية قام فأتى بها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «قم فاركع ركعتين» متفق عليه من حديث جابر؛ فإن طال الفصل فات محلها، وتقدم حديث أبي قتادة في باب أوقات النهي.

س404: ما حكم الكلام والإمام يخطب؟
ج: يحرم الكلام والإمام يخطب إن كان المتكلم من الإمام بحيث يسمعه إلا له أو لمن كلمه لمصلحة ويجب الكلام والإمام يخطب لتحذير ضرير عن هلكة، وتحذير غافل عن هلكة وبئر ونحوه كقطع الصلاة لذلك وأولى ويباح إذا سكت الخطيب بين الخطبتين وإذا شرع في الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر.

س405: اذكر ما تستحضره من الأدلة لما تقدم؟
ج: أما دليل التحريم في حق من هو منه بحيث يسمعه، فقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} قال أكثر المفسرين: إنما نزلت في الخطبة، وسميت قرآنًا لاشتمالها عليه، ولخبر الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت، واللغو الإثم»، ولقوله: «من قال صه فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له» رواه أحمد وأبو داود، ولقوله صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عباس: «والذي يقول أنصت ليس له جمعة» رواه أحمد، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء: «إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ» رواه أحمد؛ وأما الدليل على جوازه للخطيب أو لمن كلمه لمصلحة، فمن ذلك حديث أنس قال: «جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يوم الجمعة، فقال: متى الساعة؟ فأشار الناس إليه أن اسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الثالثة: «ما أعددت لها؟» قال: حب الله ورسوله، قال: «إنك مع من أحببت»» رواه البيهقي بإسناد صحيح؛ ولأنه كلم سليكًا وكلمه هو رواه ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة، وسأل عمر، وعثمان فأجابه، وسأل العباس ابن مرداس الاستسقاء؛ ولأنه حال كلام الإمام وكلام الإمام إياه لا يشغل عن سماع الخطبة.

56- باب صلاة العيدين
س406: ما حكم صلاة العيدين؟ وما الأصل في مشروعيتها؟
ج: صلاة العيدين فرض كفاية، والأصل في ذلك الكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب فقوله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} المشهور في التفسير أن المراد بها صلاة العيد؛ وأما السُّنة: فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيدين.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «شهدت صلاة الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر كلهم يصليها قبل الخطبة» متفق عليه.
وأجمع المسلمون على صلاة العيدين؛ ولأنها من أعلام الدين الظاهرة، فكانت واجبة كالجهاد، ولا تجب على الأعيان، لحديث الأعرابي حين ذكر له خمس صلوات، قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» الحديث متفق عليه، وروي أن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وواظب على صلاة العيدين.

س407: بين ماذا يعمل مع من تركها وحدد وقتها وإذا خرج وقتها فهل تقضى؟
ج: إن تركها أهل بلد قاتلهم الإمام كالأذان؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، وفي تركها تهاون بالدين، ووقتها كوقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال؛ فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد خروج الوقت صلوا من الغد قضاء؛ أما دليل وقتها، لأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يصلونها بعد ارتفاع الشمس؛ وأما الدليل على قضائها من الغد، فلحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قالوا: «غم علينا هلال شوال فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد» رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه إسحاق والخطابي؛ ولأن العيد شرع له الاجتماع العام وله وظائف دينية ودنيوية وآخر النهار مظنة الضيق عن ذلك غالبًا.
وإن صلاة العيد فرض كفاية ... يقاتل آب فعلها بالمهند
ومن قيد رمح مبتدأ وقت فعلها ... إلى أن تزول الشمس بعد التكبد
وإن لم يحط العيد علمًا بيومه ... إلى أن تزول الشمس صلوا من الغد

س408: هل تُصلى صلاة العيد في البلد أم في الصحراء؟ وهل الأولى تقديم الصلاة أم التأخير أم فيه تفضيل؟ وضح ذلك مع ذكر الأدلة.
ج: تسن في صحراء قريبة عرفًا من بنيان، لحديث أبي سعيد «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى» متفق عليه.
وكذا الخلفاء بعده؛ ولأنه أوقع هيبة وأظهر شعارًا، ولا مشقة لعدم تكررها، ويُسن تقدم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، لما روى الشافعي مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم «أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس» ولأنه يتسع بذلك وقت الأضحية ووقت صلاة الفطر.
وتأخير فرض الفطر والأكل قبله ... وعكسهما في النحر سُّنة مرشد
وتكره في البنيان من غير حاجة ... وليس بمكروه لعذر بمسجد

س409: اذكر ما تستحضره مما يسن غير ما تقدم؟
ج: يُسن أكل في عيد فطر قبل الخروج، ويُسن الإمساك عن الأكل في الأضحى حتى يصلي ليأكل من أضحيته إن ضحى، والأولى من كيدها، وإن لم يضح خير بين أكل قبل خروج وتركه.
ثالثًا: يُسن غسل لصلاة العيد في يومه.
رابعًا: يُسن تبكير مأموم بعد صلاة الصبح ما يشاء إن لم يكن عذر،
ودنو من الإمام، وتأخير إمام إلى وقت الصلاة على أحسن هيئة من لبس وتطيب ونحوه، ويُسن أن يرجع من طريق غير الذي جاء منه إليها، ويستحب للإمام أن يستخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد، ويخطب بهم إن شاءوا وهو المستحب، والأولى ألا يصلوا قبل الإمام وإن صلوا قبله فلا بأس، رأيهما سبق سقط الفرض به وجازت التضحية.
ومغتسلاً بكر إليها وماشيًا ... بأحسن زي في سوى أول عد
ومن أم أخر مخرجًا لاجتماعهم ... ومعتكف يبقى ثياب التعبد
ومن شرط عيد عدة وتوطن ... وليس بشرط فيه إذن المقلد

س410: اذكر ما تستحضره من الأدلة مشيرًا إلى ما تقدم مما يُسن؟
ج: أما الأكل في الفطر والإمساك في الأضحى عن الأكل حتى يضحي، فلما ورد عن ابن بريدة ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي» رواه أحمد والترمذي، وصححه ابن حبان؛ وأما الغسل لصلاة العيد، فلما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم جمعة من الجمع: «إن هذا يوم جعله الله عيدًا للمسلمين فاغتسلوا»، ولما روي أن عليًّا وابن عمرو ـرضي الله عنهماـ كانا يغتسلان، ولأنه يوم يجمع فيه الكافة للصلاة، فسن الغسل فيه لحضورها كالجمعة؛ وأما التبكير فلأجل أن يحصل له الدنو من الإمام من غير تخط وانتظار الصلاة فيكثر ثوابه وأما كونه على أحسن هيئة، فلما روى جابر -رضي الله عنه- «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة» رواه ابن عبد البر، وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه» رواه البيهقي، ويكون مظهرًا للتكبير؛ وأما مخالفة الطريق، فلما روى جابر -رضي الله عنه- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق» رواه البخاري، وعن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه» رواه أحمد ومسلم والترمذي، وعن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق» رواه أبو داود، وابن ماجه؛ وأما الاستخلاف بضعفة الناس، فلفعل علي حيث استخلف أبا مسعود البدري. رواه سعيد.

س411: ما الذي يشترط لها؟ وما حكم حضور صلاة العيد للنساء؟
ج: ومن شرطها استطيان، وعدد الجمعة، والوقت، ولا يشترط إذن الإمام؛ أما الاستيطان، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها في سفره ولا خلفاؤه، وكذلك العدد المشترط؛ لأنها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة؛ وأما دخول الوقت فكسائر المؤقتات؛ وأما النساء فلا بأس بحضورها لهن غير مطيبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليخرجن تفلات ويعتزلن الرجال»، ويعتزل الحيض المصلى بحيث يسمعن لحديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: «أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى» متفق عليه.

س412: بأي شيء يبدأ الإمام إذا أتى؟ وما هو الدليل؟
ج: يبدأ بالصلاة فيصلي ركعتين، لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعثمان رضي الله عنهم يلون العيدين قبل الخطبة» متفق عليه. وفي «الصحيحين» عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما»، ولقول عمر: «صلاة الفطر والأضحى ركعتان ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى» رواه أحمد.

س413: ما صفة صلاة العيدين؟ وهل لها أذان وإقامة؟
ج: صلاة العيدين ركعتين يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وقيل: التعوذ ستًا، وفي الثانية قبل القراءة خمسًا، يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، وإن أحب قال غير ذلك، ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة فيهما، ثم يقرأ جهرًا الفاتحة ثم سبح في الأولى، ثم الغاشية في الثانية، ولا نداء ولا إقامة للعيد، لما روي عن ابن عباس وجابر، ولم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء. متفق عليه.
وللعيد فافهم لا تؤذن ولا تقم ... وبالفرض قبل الخطبتين لتبتد
وكبر لإحرام وستًا عقيب ما ... به استفتحوا ثم استعذ بعد ترشد
وخمسًا فكبر بعد تكبير نهضة ... لثانية مع كلها رافع اليد
وخذ كلما كبر في الحمد والثنا ... وصل على خير الهداة محمد
ويقرأ في الأولى بسبح وبعدها ... بغاشية جهرًا بغير تبلد

س414: ما الدليل على تكبيرات صلاة العيد؟ والذكر الذي بينهما؟
ج: دليل التكبيرات الزوائد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعًا في الأولى وخمسًا في الأخرى» إسناده حسن رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه ابن المديني، وعن عائشة مرفوعًا: «التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع» رواه أبو داود، واعتددنا بتكبيرة الإحرام؛ لأنها في حال القيام ولم تعتد بتكبيرة القيام لأنها قبله، قاله في الكافي؛ وأما الذكر الذي بينهما، فدليله ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «سألت ابن مسعود -رضي الله عنه- عما يقوله بعد تكبيرات العيد، قال: «يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم»» رواه الأثرم وحرب، واحتج به أحمد –رحمه الله-، وإذا شك في عدد الركعات بنى على الأقل، وإذا نسي التكبير حتى ركع سقط ولم يأت به؛ لأنه سنة فات محلها؛ وأما الدليل على رفع اليدين مع كل تكبيرة فلحديث وائل بن حجر «أنه –عليه السلام- كان يرفع يديه مع التكبير» قال أحمد: فأرى أن يدخل فيه هذا كله؛ ولأن ابن عمر كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيد، وعن زيد كذلك رواهما الأثرم؛ وأما الدليل على قراءة سبح والغاشية فيها، فهو ما روى سمرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» رواه أحمد، وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: «كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» رواه مسلم.

س415: ماذا يفعل بعد صلاة العيد؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: إذا سلم خطب خطبتين وأحكامهما كخطبتي جمعة حتى في الكلام إلا في التكبير مع الخاطب، وسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع نسقًا قائمًا، لما روى سعيد عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة قال: يكبر الإمام يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية سبع تكبيرات «ويكثر التكبير بين أضعاف الخطبة، لقول سعد المؤذن «كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين» رواه ابن ماجه.

قال الناظم:
وبعد الصلاة اخطب هنا مثل جمعة ... وبينهما لا قبل في وجه اقعد
ويستفتح الأولى بتسع مكبرا ... وثانية في السبع فاحسب وعدد
فإن كنت في فطر فبين زكاته ... وإن كنت في أضحى فلنحر أرشد
وما زاد في التكبير والذكر بينه ... مع الخطبتين احفظ تسد ندب مرشد

س416: إذا فاتت صلاة العيد فهل تقضى؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: يُسن لمن فاتته قضاؤها في يومها قبل الزوال وبعده على صفتها، لما روي عن أنس إذا لم يشهدها مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن عتبة مولاه، فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما وكسائر الصلوات كمدرك إمام في التشهد، لعموم «ما أدركتم صلوا، وما فاتكم فاقضوا» وإن أدركه بعد التكبير الزوائد أو بعد بعضه لم يأت به.

س417: ما هو التكبير المطلق؟ وما صفته؟ وما حكمه؟ وضح ذلك.
ج: المطلق: هو الذي لم يقيد بكونه عقب المكتوبات، وصفته: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ويجزئ مرة واحدة إن زاد فلا بأس وإن كرره فحسن.
وحكمه: أنه مسنون، وإظهاره وجهر غير أنثى به في المساجد، والمنازل، والطرق حضرًا وسفرًا في كل موضع يجوز فيه ذكر الله في ليلتي العيدين في حق كل من كان من أهل الصلاة من مميز، وبالغ حرًا أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى من أهل القرى والأمصار، لعموم قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}.

س418: متى ابتداء التكبير المطلق؟ ومتى انتهاؤه؟ ومتى يبتدئ المقيد؟
ج: يبتدئ التكبير المطلق من ابتداء عشر ذي الحجة، ويتأكد من ابتداء ليلتي العيدين، ومن الخروج إليهما إلى فراغ الخطبة فيهما، ثم إذا فرغت الخطبة يقطع التكبير المطلق لانتهاء وقته، والمقيد وهو ما كان عقب الفرائض يبدأ به المحل من فجر يوم عرفة والمحرم من ظهر النحر، وينتهي التكبير إلى عصر آخر أيام التشريق.

س419: ما هو دليل التكبير المطلق في العيدين وفي عشر ذي الحجة؟
ج: قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} وعن علي -رضي الله عنه- أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق، وقال الإمام أحمد: كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعًا، وأوجبه داود في الفطر لظاهر الآية، وليس فيها أمر وإنما أخبر عن إرادته تعالى، قال في «المغني»: وروى الدارقطني أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، وفي كل عشر ذي الحجة ولو لم يرى بهيمة الأنعام. قال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

س420: ما هو دليل التكبير المقيد؟
ج: ما روى جابر -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه، فيقول: «مكانكم»، ويقول: «الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد فيكبر» فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق» رواه الدارقطني، قيل لأحمد: تذهب إلى فعل ابن عمر لا يكبر إذا صلى وحده؟, قال: نعم، وقال ابن مسعود: «إنما التكبير على من صلى في جماعة» رواه ابن المنذر، ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا ومنك نصًا، قال: لا بأس يرويه أهل الشام عن واثلة ابن الأسقع.



س421: ما هي الأيام المعلومات؟ وما هي الأيام المعدودات؟
ج: أيام العشر هي الأيام المعلومات، وأيام التشريق هي الأيام المعدودات. ذكره البخاري عن ابن عباس.

قال في «مختصر النظم»:
وليلتي العيدين كبر وإنه ... بليلة عيد الفطر أولى فوكد
وفي قصد فرض العيد أعلنه ماشيًا ... وفي كل عشر النحر غير مقيد
وفي يوم تعريف فكبر معظمًا ... عقيب صلاة الفجر شفعًا تؤيد
وفي النحر بعد الظهر إن كنت محرمًا ... وعصر انتها التشريق كل ليحدد
إمامًا ومأمومًا وعنه ومفردا ... عقيب صلاة الفرض لا النفل قيد

س422: اذكر ما تستحضره من الفروق بين العيدين والجمعة؟
ج: أولاً: إن الجمعة إذا فاتت لا تقضى، بل يصلون ظهرًا؛ وأما العيد فتقضى بنظير وقتها.
ثانيًا: أنه يشرع في صلاة العيد تكبيرات زوائد في كل ركعة في الأولى ستًا بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمسًا بعد تكبيرة الانتقال لما تقدم في جواب سؤال سابق.
ثالثًا: إن صلاة الجمعة المشروع أن تكون في قصبة؛ وأما العيد فالمشروع أن تكون في الصحراء إلا لعذر، لقول أبي سعيد: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى» متفق عليه، وكذا الخلفاء بعده؛ ولأنه أوقع لهيبة الإسلام وأظهر لشعائر الدين.
رابعًا: وجوب فطر يوم العيد دون الجمعة، لما ورد عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن صوم يومين، يوم الفطر ويوم النحر» متفق عليه.
خامسًا: المخالفة في الطريق في العيد، لحديث جابر وأبي هريرة وتقدما في جواب سؤال سابق.
سادسًا: إن الجمعة فرض عين بالإجماع، وأما العيدان ففيهما خلاف.
سابعًا: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله عز وجل خيرًا إلا أعطاه إياه، وتقدم حديث أبي هريرة في جواب سؤال سابق.
ثامنًا: إن صلاة الجمعة يندب لتاركها بلا عذر أن يتصدق بدينار أو نصف على التخيير، لما أخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وابن ماجه عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار؛ فإن لم يجد فبنصف دينار».
تاسعًا: إن صلاة الجمعة من تركها تهاونًا وكسلاً طبع الله على قلبه، لما تقدم في جواب سؤال سابق.
عاشرًا: مشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى من غير فرق بين البكر، والثيب، والعجوز، والشابة، والحائض ما لم تكن الأنثى معتدة أو كان في خروجها فتنة أو كان لها عذر، لحديث أم عطية وتقدم في جواب سؤال سابق.
الحادي عشر: إن صلاة الجمعة بعد الخطبة، وأما العيد فصلاتها تتقدم على خطبتها، لما تقدم في جواب سؤال سابق.
وأما الدليل على تقدم الخطبة على الصلاة في الجمعة، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}.
وعن ثعلبة بن أبي مالك قال: «كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر، فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين كلتيهما فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا» رواه الشافعي في «مسنده»، وفي «الموطأ» أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته، قلما يدع ذلك إذا خطب «إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا؛ فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للمنصت السامع فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف» الحديث.
وفي حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: «ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه» الحديث.
الثاني عشر: إن الجمعة ينادي لها ويقام؛ وأما العيد فبغير أذان ولا إقامة، لما ورد عن ابن عباس وجابر «لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء» متفق عليه.
الثالث عشر: استحباب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة، وتقدم الدليل في جواب سؤال سابق.
الرابع عشر: استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، وتقدم الدليل في جواب سؤال سابق.
الخامس عشر: استحباب الغسل في يوم الجمعة، وتقدم الدليل في جواب سؤال سابق.
السادس عشر: إن وقت صلاة الجمعة أوله من الزوال إلى وقت العصر عند أكثر العلماء، وعند الإمام أحمد من أول وقت صلاة العيد إلى وقت العصر وتقدم أدلة كل من القولين في جواب سؤال سابق.
السابع عشر: كراهة السفر في يوم الجمعة قبل الزوال، لما روى الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سار من دار إقامة يوم جمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفر وأن لا يُعان على حاجته».
الثامن عشر:يستحب في مغرب ليلة الجمعة قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ولما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}» رواه في «شرح السُّنة».
التاسع عشر: قراءة الجمعة والمنافقين فيها، لما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون»، وأخرج الطبراني في «الأوسط» بلفظ بالجمعة يحرض بها المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين يفزع المنافقين.
العشرون: استحباب قراءة سورة { الم * تَنزِيلُ } السجدة، و { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ } في صبحها، لما أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة { الم * تَنزِيلُ } السجدة، و { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ } ».
الحادي والعشرون: اختصاص الجمعة بإرادة التحريق لمن تخلف عنها أخرج الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم».
الثاني والعشرون: ما يتعلق بالعيدين من زكاة الفطر والتكبير المطلق والمقيد ومن الهدي والأضاحي.
الثالث والعشرون: إن الخطبتين في العيدين سُّنة وفي الجمعة شرط.
الرابع والعشرون: إنه يكره التنفل قبل الصلاة وبعدها في موضعها بخلاف الجمعة، لما ورد عن ابن عباس قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما» رواه الجماعة.
وعن ابن عمر: «أنه خرج يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله» رواه أحمد والترمذي وصححه، وللبخاري عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد، وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم «إنه كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» رواه ابن ماجه، وأحمد بمعناه.
الخامس والعشرون: استحباب قص الشارب، وتقليم الأظفار يوم الجمعة لما روى البغوي في «مسنده» عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة»، وأخرج البزار والطبراني في «الأوسط»، والبيهقي في «الشعب»: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة».
السادس والعشرون: ما ورد في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل، ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام» رواه مسلم.
السابع والعشرون: إنه يُسن أكله قبل الخروج لصلاة الفطر والأفضل على تمرات وترًا، لما ورد عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترًا» رواه البخاري، ويقول بريرة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي» رواه أحمد.
الثامن والعشرون: الإنصات، لما روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» اهـ. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

57- باب صلاة الكسوف
س423: ما هو الكسوف؟ وما حكم صلاته؟ وما الأصل في مشروعيتها؟
ج: قوله لغة: الاحتجاب، وفي عرف الفقهاء: ذهاب ضوء أحد النيرين أو ذهاب بعضه، وحكم صلاته: سُّنة مؤكدة، لحديث المغيرة بن شعبة: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته؛ فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي»» متفق عليه.

س424: حدد وقتها، وهل تقضى إذا فاتت؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: وقتها من ابتداء الكسوف إلى التجلي، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا حتى ينجلي» رواه مسلم، ولا تقضى إن فاتت بالتجلي لما تقدم، ولم ينقل الأمر بها بعد التجلي ولا قضاؤها؛ ولأنها غير راتبة ولا تابعة لفرض فلم تقضى، كاستسقاء، وتحية مسجد، وسجود تلاوة، وشكر.


س425: هل يؤذن لها؟ وضح ذلك واذكر الدليل.
ج: نعم ينادي لها الصلاة جامعة، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: «لما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة، ثم قام فركع ركعتين ثم جلي عن الشمس» الحديث متفق عليه، وعن عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: «خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديًا الصلاة جامعة» الحديث متفق عليه.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:32 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالأحد 01 نوفمبر 2015, 12:08 am

س426: هل يشترط لها إذن الإمام؟ وهل الأولى فعلها جماعة؟ وهل لها خطبة؟ وضح ذلك.
ج: لا يشترط لها ولا الاستسقاء إذن الإمام، وفعلها جماعة أفضل لقول عائشة ـرضي الله عنهاـ: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه» متفق عليه، ويجوز للصبيان حضورها، وليس لها خطبة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة دون الخطبة. وقال الشافعي: يخطب لها لحديث عائشة. والله أعلم.

س427: ما صفة صلاة الكسوف؟ اذكرها بوضوح.
ج: وهي ركعتان يقرأ في الأولى جهرًا ولو في كسوف الشمس الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع فيسمع ويحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويطيل وهو دون الأول، ثم يركع فيصل وهو دون الأول، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في كل ما يفعل ثم يتشهد ويسلم.

س428: ما الدليل على صفتها؟
ج: ما روى جابر قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر فصلى بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحو ذلك فكانت أربع ركعات وأربع سجدات» رواه أحمد ومسلم وابو داود.
وعن أسماء ـ رضي الله عنها ـ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف فأقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فسجد فأطال السجود، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف» رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه.

س429: اذكر شيئًا مما يُسن في الكسوف. وإذا تجلى فيها أو قبلها فما الحكم؟
ج: يُسن ذكر الله، والدعاء والاستغفار، والتبكير، والصدقة والعتق، والتقرب إلى الله بما استطاع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا» الحديث متفق عليه، وعن أسماء «إن كنا لنؤمر بالعتق في الكسوف، وإن تجلى فيها أتمها خفية، وإن تجلى الكسوف قبلها لم يصل؛ لأنها لا تقضى».
وليس كسوف النيرين بموجب ... لأمر سوى تخويفنا والتهدد
فلا تسمع التهويل من كل مفتر ... وكذب بأحكام المنجم وأوردد
وصل إذن ثنتين تجهر فيهما ... نهارًا أو ليلاً من جميع ومفرد
بأم الكتاب اقرأ وبعد بسورة ... مطولة واركع طويلاً تعبد
ومن بعد فارفع واقرأ الحمد واقرأن ... مطولة دون التي مرت اقتد
ومن بعدها فاركع ركوعًا مطولاً ... دوين الذي من قبل فاعلم به يد
وفي السجدتين امكث طويلاً مسبحًا ... وتنهض للأخرى نهوض تجلد
وتفعل كالأولى بها وهي دونها ... وبكل وسلم صاح بعد التشهد
ولا تبتدي إن زال سلطان كاسف ... كبعد الجلا واقصر متى زال ترشد

58- باب صلاة الاستسقاء
س430: ما هو الاستسقاء؟ وما حكم صلاته؟ وما سببها؟ وما هو الدليل على حكمها؟
ج: هو الدعاء بطلب السقيا على صفة مخصوصة، وهي سُّنة مؤكدة حضر وسفرًا، لقول عبد الله بن زيد «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوج إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» متفق عليه، وتفعل جماعة وفرادى، والأفضل جماعة، وسببها: إجداب الأرض ومثله غور ماء الآبار والعيون.

س431: متى وقت صلاة الاستسقاء؟ وما صفتها؟ وما أحكامها؟ وما سببها؟ وما الدليل الذي تستحضره لهذه المذكورات؟
ج: وقتها، وصفتها، وأحكامها كصلاة العيد؛ لقول ابن عباس: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي في العيدين» صححه الترمذي، وعز جعفر بن محمد عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعًا وخمسًا» رواه الشافعي. وعن ابن عباس نحوه، وزاد فيه: «وقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بالغاشية»، وقالت عائشة: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس» رواه أبو داود، وذكر ابن عبد البر أن الخروج لها عند زوال الشمس عند جماعة من العلماء، وفي «المغني»: لا تفعل وقت نهي بلا خلاف.

س432: تكلم عما ينبغي فعله للإمام ولغيره عند إرادة الخروج للاستسقاء؟
ج: إذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم بردها إلى مستحقيها، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} وأمره بترك التشاحن لكون المعاصي سبب الجدب والتقوى سبب البركات، وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} البهائم تلعن عصاة بني آدم وبعدهم يومًا يخرجون فيه، ويتنظف لها بالغسل، والسواك، وإزالة الرائحة الكريهة قياسًا على صلاة العيد ولا يتطيب؛ لأن يوم استكانة وخشوع ويخرج متواضعًا متخشعًا متذللاً متضرعًا، لما ورد عن ابن عباس ـرضي الله عنهماـ قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا مبتذلاً، متخشعًا مترسلاً، متضرعًا، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه» رواه الخمسة، وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان.

س433: تكلم عن خطبة الاستسقاء، واذكر الدليل عليها.
ج: يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد، ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، ويرفع في دعائه؛ لقول أنس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وكان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه» متفق عليه. فيدعو بدعءا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر ويجعل الأيسر على الأيمن. وعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم» ثم قال: «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغًا إلى حين» ثم رفع يده فلم يزل حتى رُئي بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة، فرعدت، وبرقت، ثم أمطرت» رواه أبو داود، وقال: غريب، وإسناده جيد.

س434: بين حكم ما يلي: الرداء هل ينزع قبل الثياب، إن لم يسقوا لأول مرة؟ إن سقوا قبل خروجهم؟ الوقوف في أول المطر؟ إخراج الرحل والثياب؟
ج: يتركون الرداء محولاً حتى ينزعونه مع ثيابهم؛ لأنه لم ينقل عنه –عليه السلام- ولا عن أحد من أصحابه أنهم غيروا الأردية حتى عادوا؛ فإن سقوا وإلا عادوا ثانيًا وثالثًا؛ لحديث: «إن الله يحب الملحين في الدعاء»، وقال أصبغ استسقى للنيل بمصر خمسة وعشرين مرة متوالية، وحضره ابن وهب، وابن القاسم، وجمع إن سقوا قبل خروجهم؛ فإن كانوا قد تأهبوا للخروج خرجوا وصلوها وسألوه المزيد من فضله؛ لأن الصلاة لطلب رفع الجدب ولا يحصل غالبًا بمجرد نزول المطر، وإن لم يتأهبوا للخروج لم يخرجوا وشكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله لحصول المقصود، وسن وقوف في أول المطر وتوضؤا، واغتسال منه وإخراج رحله، وإخراج ثيابه ليصيبها المطر؛ لحديث أنس -رضي الله عنه- «أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا له: لِمَ صنعت هذا؟ فقال: «إنه حديث عهد بربه»» رواه مسلم. وروى أنه جرى الوادي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا بنا إلى هذا الذي سماه الله طهورًا حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه».

س435: ما المسنون قوله عند سماع أو حصول ما يلي: إذا كثر المطر حتى خيف منه؟ إذا رأى المطر؟ إذا رأى سحابًا أو هبت ريح؟ إذا سمع صوت الرعد والصواعق؟ إذا سمع نهيق حمار أو نباح كلاب؟ إذا سمع صوت الديك؟
ج: إذا كثر المطر وخيف منه سن قول: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر» لما في «الصحيحين» من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك، وإذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبًا نافعًا» لما ورد عن عائشة قالت: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبًا نافعًا»» رواه البخاري، وإذا رأى سحابًا أو هبت ريح سأل الله من خيره واستعاذ من شره، ولا يجوز سب الريح، بل يقول ما ورد عن عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به»، وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر؛ فإذا مطرت سُري عنه فعرفت ذلك عائشة، فسألته، فقال: «لعله يا عائشة كما قال قوم عاد، فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا»، وفي رواية: ويقول إذا رأى المطر: «رحمة» متفق عليه.
وإذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته»، لما ورد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» رواه أحمد، والترمذي، وقال: حديث غريب.
عن عامر بن عبد الله بن الزبير «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: «سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته»» رواه مالك، وإذا سمع نهيق حمار أو نباح كلاب استعاذ من الشيطان الرجيم، وإذا سمع صياح الديكة سأل الله من فضله، لما ورد في حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فاستعيذوا بالله من الشيطان الرحيم؛ فإنه رأى شيطانًا»، وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير من الليل فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم؛ فإنها ترى ما لا ترون».
يا أمة الهادي أما تنتهون عن ... ذنوب بها حبس الحيا المتعود
فذلك عقبى الجود من كل ظالم ... وعقبى الزنى ثم الربا والتزيد
نعم بما يجني العقوبة غيرنا ... هنا وغدا يشقى بها كل معتد
كفى زاجرًا للمرء موت محتم ... وقبر وأهوال تشاهد في غد
ونار تلظى أوعد الله من عصى ... فمن خارج بعد الشقا ومخلد
فقد عند حبس القطر في الناس واعظًا ... وخوف ومرهم بالمتاب وهدد
إذا خفت فوت الزرع والجدب في الربى ... تهيأ وميقات الخروج لهم عد
ويشرع تنظيف وترك تطيب ... وإصلاح مخفى السرائر أكد
ويخرج بعض من مظالم بعضهم ... ويستغفرون الله من كل مبعد
وبادر إلى الصحرا بهم متضرعًا ... بإخبات ذي تقوى وذل ملهد
وأكثر على الهادي الصلاة بها تصب ... وفيما به يرجو الغياث ليجهد
ويستغفر الله العظيم لنفسه ... ويأمر باستغفارهم والتفقد
ويخضع نحو الأرض بالطرف خاشعًا ... ويرفع كف المستغيث المجهد
ويدعو دعاء المخبتين بقلبه ... دعاء غريق في دجا الليل مفرد
ولكنما صدق اللجاء مفاتح الخزائن ... فادع واسع الفضل واجتهد
ولا تقنطن من رحمة الله إنما ... قنوط الفتى خسرانه فادع تهتد
وقل بانكسار قارعًا باب راحم ... قريب مجيب بالفواضل مبتد
إلهي آتى العاصون بابك ما لهم ... سواك يزيل الأزل في الماحل الصد
إليك فررنا من عذابك رهبة ... فلا تطردنا عن جنابك واسعد
دعوناك للأمر الذي أنت ضامن ... إجابته يا غير مخلف موعد
إليك مددنا بالرجاء أكفنا ... فحاشاك من رد الفتى فارغ اليد
ويدعو بغيث مغدق متدفق ... يرد ظماء الهضب والمتوهد
ويستقبل البيت الحرام محولاً ... يمين رداء نحو يسرة مرتد

59- كتاب الجنائز
س436: ما المسنون للإنسان؟ وما الواجب؟
ج: يسن الاستعداد للموت، وتجب التوبة فورًا من المعاصي، ويجب الخروج من المظالم إما بردها أو الاستحلال من أربابها، ويشرع أن يزداد من الأعمال الصالحة؛ لقوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا}، ويستحب أن يكثر من ذكر الموت؛ فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره» رواه البخاري أوله.
وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «استحيوا من الله حق الحياء»، قالوا: إنا نستحي يا نبي الله والحمد لله، قال: «ليس كذلك؛ ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى، وليحفظ البطن وما وعى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» رواه أحمد والترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

س437: بين أحكام ما يلي: التداوي، الحمية، التداوي بمحرم، التميمة، الأنين، الصبر على المرض، تمني الموت، واذكر الأدلة على ما تقول.
ج: يجوز التداوي ولا ينافي التوكل، لما روى أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بالحرام» وتستحب الحمية.
قال ابن القيم -رحمه الله-: والأصل في الحمية قوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فحمى المريض من استعمال الماء؛ لأنه يضره.
وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي، وعلى ناقه من مرض ولنا دوال معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها وقام علي يأكل منها، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: «إنك ناقه حتى كف»، قالت: وصنعت شعيرًا وسلقًا فجئت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: «من هذا أصب؛ فإنه أنفع لك»»، وفي لفظ: «من هذا أصب؛ فإنه أوفق لك» اهـ.
ويحرم التداوي بمحرم أكلاً وشربًا وبصوت ملهاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتداووا بالحرام» الحديث وتقدم، وتحرم التميمة وهي العوذة أو الخرزة تعلق لنهي الشارع ودعائه على فاعله، وقال: «لا يزيدك إلا وهنًا، انبذها عنك، ولو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا»، روي ذلك عن أحمد وغيره والإسناد حسن ويكره الأنين؛ لأنه يترجم عن الشكوى، ولما روي عن عطاء أنه كرهه، ويستحب للمريض أن يصبر وكذا كل مبتلى للأمر به في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}، وقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «والصبر ضياء، والصبر الجميل صبر بلا شكوى، والشكوى إلى الخالق لا تنافيه، بل هي مطلوبة ومن الشكوى إلى الله قول أيوب: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)، وقول يعقوب: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)».
قال سفيان بن عيينة: وكذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعًا، ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل في مرضه «أجدني مغمومًا وأجدني مكروبًا»، وقوله لعائشة: «بل أنا وارأساه» ذكره ابن الجوزي؛ وأما تمني الموت، فيكره لضر نزل به، لما ورد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به؛ فإن كان لابد متمنيًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي» متفق عليه، ولا يكره تمني الموت لضر بدينه، وخوف فتنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون»، وتمني الشهادة ليس من تمني الموت المنهي عنه، بل هو مستحب لاسيما عند حضور أسبابها، لما في «الصحيح»: «من تمنى الشهادة خالصًا من قلبه أعطاه الله منازل الشهداء».

س438: تكلم عن أحكام ما يلي: عيادة المريض، تذكيره التوبة، والوصية، وحسن الظن بالله عز وجل، واذكر الدليل لما تقول؟
ج: تسن عيادة مريض غير مبتدع وغير متجاهر بمعصية، وقال ابن حمدان: فرض كفاية.
وقال الشيخ تقي الدين: الذي يقتضيه النص وجوب ذلك، واختاره جمع والمراد مرة، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنازة» متفق عليه؛ وأما تذكيره التوبة، فلحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ولأنه أحوج غليها من غيره، وهي واجبة على كل أحد من كل ذنب في كل وقت؛ وأما تذكيره الوصية، فلحديث ابن عمر: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» متفق عليه؛ وما حسن الظن بالله فهو واجب، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل»، ولخبر «الصحيحين» عن أبي هريرة مرفوعًا: «أنا عند ظن عبدي بي –زاد أحمد- إن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًا فله»، وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»، فقالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: «ليس ذلك؛ ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه؛ وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» متفق عليه.

س439: اذكر شيئًا مما ينبغي ويُسن في حق المريض أو يجب.
ج: ينبغي للمريض أن يشتغل بنفسه بأن يستحضر في نفسه أنه حقير من مخلوقات الله، وأن الله غني عن عباداته وطاعاته، ولا يطلب العفو والإحسان إلا منه، وأن يكثر ما دام حاضر الذهن من القراءة والذكر، وأن يبادر إلى أداء الحقوق برد المظالم، والودائع، والعواري، واستحلال نحو زوجة، وولد، ووالد وقريب، وجار وصديق، ومن بينه وبينه معاملة، ويحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، ويصير على مشقة ذلك، ويجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال، ويتعاهد نفسه بنحو تقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف إبط، وأخذ شاربه، وإزالة الأوساخ، وأن يعتمد على الله فيمن يحب من بنيه وغيرهم، ويوصي للأرجح في نظره بقضاء ديونه، وتفرقة وصيته، ونحو غسله، والصلاة عليه، وعلى غير بالغ من أولاده، ويجب المسارعة في قضاء الدين وما فيه إبراء ذمته من إخراج كفارة، وحج ونذر وغير ذلك، ويُسن الإسراع في تفريق وصيته، كل ذلك قبل الصلاة عليه؛ فإن تعذر إيفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن.

س440: إذا نزل بالإنسان لقبض روحه، فماذا يسن؟ وضح ذلك.
ج: وإذا نزل به سن أن يليه أرفق أهله به، وأعرفهم بمداراته، وأتقاهم لله، وأن يتعاهد بل حلقه بماء أو شراب، ويندي شفتيه بقطنة، وأن يلقنه قول لا إله إلا الله مرة، لما ورد عن أبي هريرة، وأبي سعيد ـرضي الله عنهماـ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» رواه مسلم والأربعة، ولم يزد على ثلاث إلا أن يتكلم فيعد تلقينه برفق لتكون آخر كلامه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» رواه أحمد والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

س441: بين حكم قراءة (يس) عند المحتضر، وحكم توجيه المحتضر.
ج: مسنونان، لما ورد عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا على موتاكم يس» رواه أبو داود، والنسائي وصححه ابن حبان.
وأما الدليل على سنية توجيهه إلى القبلة قبل النزول به وتيقن موته وبعده، لقوله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام: «قبلتكم أحياءً وأمواتًا» رواه أبو داود، ولما روت سلمى أم ولد رافع قالت: قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضعي فراشي هاهنا واستقبلي بي القبلة، ثم قامت واغتسلت كأحسن ما يغتسل ولبست ثيابًا جددًا، ثم قالت: تعلمين أني مقبوضة الآن، ثم استقبلت القبلة وتوسدت يمينها»؛ ولقول حذيفة: وجهوني، وعلى جنبه الأيمن أفضل إن كان المكان واسعًا وإلا على ظهره وأخمصاه إلى القبلة.



س442: إذا مات الإنسان، فما الذي يسن في حق من حضره؟
ج: يُسن تغميض عينيه وعند تغميضه قول باسم الله وعلى وفاة رسول الله، ولا يتكلم من حضر إلا بخير، ويشد لحييه، ويلين مفاصله عقب موته بإلصاق ذراعيه بعضديه، ثم يعيدهما، وإلصاق ساقيه بفخذيه، وفخذيه ببطنه، ثم يعيدها؛ فإن شق ذلك عليه تركه وينزع ثيابه ويسجي بثوب، ويجعل على بطنه حديدة أو نحوها ووضعه على سرير غسله متوجهًا منحدرًا نحو رجليه، وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة، ولا بأس أن ينتظر به من يحضر من ولي وكثرة جمع إن كان قريبًا ما لم يخش عليه أو يشق على الحاضرين.

س443: اذكر ما تستحضره لما تقدم من دليل أو تعليل؟
ج: أما الإغماض وأن لا يتكلم إلا بخير والدعاء للميت، فللحديث الوارد عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: «إن الروح إذا قبض أتبعه البصر»، فضج ناس من أهله، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون»، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه»» رواه مسلم، وأما تليين مفاصله قبل قسوتها لتبقى أعضاؤه سهلة على الغاسل لينة، وأما خلع ثيابه، فلئلا يحمي جسده فيسرع إليه الفساد ويتغير، وأما ستره بثوب، فلما روت عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى سجى ببرد حبرة» متفق عليه، أما جعل حديدة أو نحوها على بطنه، فلما روى البيهقي أنه مات مولى لأنس عند مغيب الشمس، فقال أنس: ضعوا على بطنه حديدة، ولئلا ينتفخ بطنه، وأما وضعه على سرير غسله فليبعد عن الهوام، ويرفع عن نداوة الأرض، وأما كونه متوجهًا إلى القبلة، فلما تقدم من حديث: «قبلتكم أحياء وأمواتًا»؛ وأما كونه منحدرًا نحو رجليه فلينحدر عنه الماء؛ وأما إسراع تجهيزه إن مات غير فجأة، فلحديث: «لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» رواه أبو داود، وفي موت فجأة بصاعقة، أو هدم، أو خوف من حرب، أو سبع أو ترد من جبل، أو غير ذلك وفيما إذا شك في موته حتى يعلم.
ويشرع للمرضى العيادة فأتهم ... تخض رحمة تغمر مجالس عود
فسبعون ألفًا من ملائكة الرضى ... تصلي على من عاد يمشي إلى الغد
وإن عاد في أول اليوم واصلت ... عليه إلى الليل الصلاة فاسند
وذكر لمن تأتي وهو فؤاده ... ولقنه عند الموت قول الموحد
ولا تضجرن بل إن تكلم بعده ... فعاود بلطف واسأل اللطف واجهد
ويس إن تتلى يخفف موته ... ويرفع عنه الإصرار عند التلحد
ووجهه عند الموت تلقاء قبلة ... فإن مات غمضه ولحييه فاشدد
وملبوسه فاخلع ولين مفاصلا ... وضع فوق بطن الميت مانع مصعد
ومستترًا للغسل ضعه موجهًا ... ومنحدرًا تلقاء رجليه فاعمد
ووف ديون المرء مسرعًا وفرقن ... وصية عدل ثم تجهيزه اقصد

س444: ما هي العلامات الدالة على موت من شك في موته أو مات فجأة؟
ج: يعلم موته بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، وارتخاء رجليه، وغيوبة سواد عينيه في البالغين وهو أقواها؛ لأن هذه العلامات دالة على الموت يقينًا، وقد يفيق بعد ثلاثة أيام ولياليها، وقد يعرف موت غيرهما بهذه العلامات وبغيرها كتقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلد، وحكم النعي يكره وهو النداء بموته؛ لحديث: «إياكم والنعي؛ فإن النعي من عمل الجاهلية» رواه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعًا، ولا بأس أن يعلم به أقاربه وإخوانه من غير نداء؛ لإعلامه صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنجاشي في اليوم الذي مات فيه، متفق عليه من حديث أبي هريرة، وفيه كثرة المصلين فيحصل ثواب ونفع للميت. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

60- فصل في غسل الميت وما يتعلق به
س445: بين أحكام ما يلي: غسل الميت، تكفينه، الصلاة عليه، دفنه، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: غسل مرة أو ييمم لعذر من عدم الماء، أو عجز عن استعماله لخوف نحو تقطع أو تهر فرض كفاية اجتماعًا على من أمكنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه» متفق عليه من حديث ابن عباس، وكذا تكفينه فرض كفاية؛ لقوله: «وكفنوه في ثوبيه»، وكذا الصلاة عليه فرض كفاية لقوله: «صلوا على من قال لا إله إلا الله» رواه الدارقطني والخلال، وضعفه ابن الجوزي، ولما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه قضاء؛ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال: «صلوا على صاحبكم»» الحديث متفق عليه، وحمله ودفنه كفاية، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} قال ابن عباس: معناه: أكرمه بدفنه، ولا شك أن دفنه متوقف على حمله إلى محل الدفن.

س446: من هو شهيد المعركة؟ وهل يغسل؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: شهيد المعركة هو: من مات بسبب قتال كفار وقت قيام القتال لا يغسل ولا يصلى عليه، لما ورد عن جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في الثوب الواحد، ثم يقول: «أيهم أكثر أخذًا للقرآن» فإذا أشير إلى أحد قدمه في اللحد وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم» رواه البخاري والنسائي وابن ماجه والترمذي، وصححه عن أنس: «إن شهداء أُحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وإن سقط من دابته أو وجد ميتًا ولا أثر به أو حمل فأكل أو شرب أو طال بقاؤه عرفًا غسل وصلى عليه؛ أما من مات بغير فعل العدو فلعدم مباشرتهم قتله وتسببهم فيه فأشبه من مات بمرض؛ وأما من وجد ميتًا ولا أثر به، فلأن الأصل وجوب الغسل فلا يسقط يقين ذلك بالشك في مسقطه؛ فإن كان به أثر لم يغسل ولم يصل عليه؛ وأما من حمل بعد جرحه فأكل ونحوه، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه، وكان شهيدًا رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله، فحمل إلى المسجد فلبث فيه أيامًا ثم مات.

س447: ما هي الشروط المشترطة في الماء المغسل فيه والغاسل؟
ج: أما في الماء فيشترط الطهورية والإباحة كباقي الأغسال؛ وأما في الغاسل فيشترط الإسلام، والعقل، والتمييز؛ لأنها شروط في كل عبادة، والأفضل ثقة عارف بأحكام الغسل ليحتاط، ولقول ابن عمر: لا يغسل موتاكم إلا المأمونون.

س448: من الأولى بغسل الميت الذكر؟ اذكره موضحًا.
ج: الأولى به وصية العدل؛ لأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء، وأنس أوصى أن يغسله محمد بن سيرين؛ ولأنه حق للميت فقدم وصيه على غيره، ثم أبوه إن لم يكن وصي لاختصاصه بالحنو والشفقة، ثم الجد وإن علا لمشاركته للأب في المعنى، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته نسبًا، ثم الأقرب فالأقرب نعمة، ثم ذوو أرحامه كميراث الأحرار في الجميع –أي جميع ما تقدم- فلا تقديم لرقيق؛ لأنه لا يرث ثم الأجانب من الرجال.

س449: من الأولى بغسل المرأة؟ وهل لزوجها أن يغسلها وبالعكس؟
ج: الأولى بغسل أنثى وصيتها لما تقدم في الرجل فأمها، وإن علت فبنتها وإن نزلت، ثم القربى فالقربى كميراث، فتقدم أخت شقيقة ثم لأب، ثم لأم وهكذا، وعمة وخالة سواء وحكم تقديمهن كرجال يقدم منهن من يقدم من رجال لو كن رجالاً، ولكل من الزوجين غسل صاحبه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي وأقول وارأساه، فقال: «بل أنا وأرأساه، ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك، ثم صليت عليك ودفنتك»» رواه أحمد وابن ماجه، وعن عائشة أنها كانت تقول: «لو استقبلت من الأمر ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.
وتقدم أن أبا بكر أوصى أن تغسله زوجته أسماء فغسلته.

س450: بين أحكام ما يلي: إذا مات رجل بين نسوة ليس فيهن زوجة ولا أمة مباحة له؟ إذا ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوج، ولا سيد لها؟ إذا مات خنثى مشكل؟ إذا مات مَنْ له دون سبع سنين؟ إذا مات الكافر فهل يغسله المسلم؟ اذكر ذلك بوضوح.
ج: إذا مات رجل بين نسوة لا رجل معهن ممَّنْ لا يباح لهن غسله بأن لم يكن زوجاته ولا إماؤه يمم بحائل، وإذا ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوجها ولا سيدها يممت بحائل، وكذا الخنثى المشكل ييمم بحائل، وإن كانت له أمة غسلته؛ لأنه إن كان أنثى فلا كلام، وإن كان ذكرًا فلأمته أن تغسله، ولرجل وامرأة غسل مَنْ له دون سبع سنين من ذكر وأنثى؛ لأنه لا حكم لعورته بدليل أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء، ويحرم أن يغسل مسلم كافرًا أو أن يحمله أو يكفنه أو يتبع جنازته كالصلاة، لقوله تعالى: {لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بل يوارى لعدم مَنْ يواريه من الكفار كما فعل بكفار بدر واراهم في القليب، ولما روي عن علي -رضي الله عنه- قال: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: «اذهب فواره» رواه أبو داود، والنسائي، وكذا كل صاحب بدعة مكفرة يوارى لعدم مَنْ يواريه، ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا تتبع جنازته.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:33 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالأحد 01 نوفمبر 2015, 12:18 am

س451: ما حكم ستر الميت حال الغسل؟ وما حكم الحضور عند الميت المغسل؟
ج: أخذ في غسله ستر عورته وجوبًا؛ لحديث علي: «لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» رواه أبو داود، وهذا فيمن له سبع سنين فأكثر كما تقدم، وسن ستره كله عن العيون في خيمة أو بيت؛ لأنه أستر، ويكره لغير معين في غسله حضوره؛ لأنه ربما كان في الميت ما لا يحب أن يطلع أحد عليه والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين.

س452: ماذا يعمل الغاسل بعد ذلك؟ وما حكم مس عورة من له سبع سنين؟
ج: يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، ويعصر بطنه برفق ليخرج ما هو مستعد للخروج، ويكثر صب الماء حينئذ ثم يلف على يده خرقة فينجيه، ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بغير حائل كحال الحياة، ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة.

س453: ما حكم النية والتسمية في حق المغسل للميت؟
ج: يجبان كما يجبان في غسل الحي فينوي ثم يسمي وجوبًا، وتسقط التسمية سهوًا أو جهلاً.

س454: ما حكم توصية الميت؟ وما صفتها؟ واذكر الدليل.
ج: حكمها مسنونة؛ لحديث أم عطية مرفوعًا في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» رواه الجماعة، وصفته كوضوئه للصلاة ما خلا المضمضمة والاستنشاق فلا يدخل الماء في فيه ولا في أنفه ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما ولا يدخلهما الماء.

س455: ماذا يعمل الغاسل بعد ذلك من صفة تغسيله؟
ج: ثم يضرب سدرًا ونحوه فيغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، لحديث: «ابدأن بميامنها» وكغسل الحي يبدأ بصفحة عنقه، ثم يده اليمنى إلى الكتف، ثم كتفه وشق صدره وفخذه وساقه إلى الرجل، ثم الأيسر كذلك ويقلبه الغاسل على جنبه مع غسل شقيه، فيرفع جانبه الأيمن ويغسل ظهره ووركه وفخذه ويفعل بجانبه الأيسر كذلك ولا يكبه على وجهه، ثم يفيض الماء القراح على جميع بدنه فيكون ذلك غسلة واحدة يجمع فيها بين السدر والماء القراح.

س456: ما الواجب في غسل الميت؟ وما المسنون من الغسلات، وما المكروه وما المحرم؟
ج: الواجب: مرة إن لم يخرج شيء مع الكراهة، قال أحمد: لا يعجبني واحدة؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته: «اغسلها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر إن رأيتن ذلك بماء وسدر» الحديث متفق عليه، والمسنون: القطع على وتر ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، والمحرم: الاقتصار على ما دون السبع ما دام يخرج.

س457: بين أحكام ما يلي: جعل كافر في غسل الميت، جعل سدر، خضاب شعره، قص شارب، تقليم أظفار، أخذ شعر إبط، واذكر الحكمة في ذلك.
ج: يُسن جعل كافور في الغسلة الأخيرة؛ لأن الكافور يصلب البدن ويبرده ويطرد عنه الهوام برائحته، وإن كان الميت محرمًا جنب الكافور؛ لأنه من الطيب، وسن خضاب شعر رأس المرأة ولحية الرجل بحناء، وقص شارب غير محرم وتقليم أظفار إن طالا، وأخذ شعر إبطيه؛ لأنه تنظيف ولا يتعلق بقطع عضو أشبه إزالة الوسخ والدرن ويعضده عمومات سنن الفطرة، وجعله معه كعضو ساقط، لما روى أحمد في مسائل صالح عن أم عطية قالت: «يغسل رأس الميتة فما سقط من شعرها في أيديهم غسلوه ثم ردوه في رأسها» ولأنه يستحب دفن ذلك من الحي فالميت أولى.

س458: ما حكم حلق رأس الميت، وضفر شعر الأنثى؟ وإذا خرج من الميت شيء بعد المسح، فما الحكم؟ وما حكم التنشيف في حق الميت بعد الغسل؟
ج: يحرم حلق رأس الميت، ويحرم أخذ شعر عانته، ويسن أن يضفر شعر أنثى ثلاثة قرون وسدله وراءها، لقول أم عطية: «فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها» رواه البخاري. وإذا خرج شيء بعد سبع حشي بقطن؛ إن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل ويوضأ وجوبًا وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الغسل، ويُسن التنشيف بثوب كما فعل به صلى الله عليه وسلم ولئلا يبتل كفنه.

س459: بين حكم استعمال ما يلي: الماء الحار في غسل الميت، الأشنان، الخلال، تسريح شعره.
ج: يكره الماء الحار إن لم يحتج إليه لشدة برد؛ لأنه يرخي البدن فيسرع إليه الفساد، والبارد يصلبه ويبعده عن الفساد، ويكره الخلال إن لم يحتج إليه لشيء بين أسنانه؛ لأنه عبث وكره أشنان إن لم يحتج إليه لوسخ، ويكره تسريح شعره رأسًا كان أو لحية؛ لأنه يقطعه من غير حاجة، وعن عائشة أنها مرت بقوم يسرحون شعر ميت فنهتهم عن ذلك، وقالت: علام تنصون ميتكم؟

س460: ما صفة تغسيل المحرم الميت، وهل يغسل السقط ويصلى عليه؟
ج: محرم ميت كحي يغسل بماء وسدر، ولا يقرب طيبًا، ولا يلبس ذكر مخيطًا، ولا يغطي رأسه ولا وجه أنثى ولا يؤخذ شيء من شعره ولا ظفره، لحديث ابن عباس مرفوعًا في محرم مات «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» متفق عليه، ولا تمنع معتدة من طيب لسقوط الإحداد بموتها، والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه، لحديث المغيرة مرفوعًا: «والسقط يصلى عليه» رواه أبو داود والترمذي، وفي رواية الترمذي: «والطفل يصلى عليه»، وقال: حسن صحيح، وذكره أحمد واحتج به.

س461: بين أحكام ما يأتي: إبقاء دم الشهيد عليه، إذا مات وبيده خاتم ونحوه، سوء الظن بمسلم، ما رآه طبيب أو غاسل من الميت؟
ج: يجب بقاء دم الشهيد عليه، لأمره صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء أحد بدمائهم إلا أن تخالطه نجاسة فيغسلها؛ لأن دفع المفسدة وهو غسل النجاسة أولى من جلب المصلحة وهو بقاء أثر العيادة، ويزال خاتم ونحوه كسوار وحلقة ولو ببرد؛ لأن تركه معه إضاعة مال بلا مصلحة ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} الآية. ويستحب ظن الخير بمسلم، ولا ينبغي تحقيق ظنه في ريبةٍ، ويجب على طبيب ونحوه كجراحي أن لا يحدث بعيب ببدن من بطبه؛ لأنه يؤذيه ويجب على غاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا. وفي الخبر مرفوعًا: «ليغسل موتاكم المأمونون» رواه ابن ماجه.

س462: بين ما الواجب في الكفن؟ وما المسنون؟ واذكر الدليل موضحًا.
ج: يجب تكفينه في ثوب لا يصف البشرة من ملبوس مثله يستر جميعه سوى رأس المحرم ووجه المحرمة؛ أما كونه في ثوب، فلقول أم عطية: «فلما فرغنا ألقي علينا حقوه، فقال: أشعرنها إياها ولم يزد على ذلك» رواه البخاري؛ وأما رأس المحرم ووجه المحرمة، فلقوله: «ولا تخمروا رأسه»؛ وأما المسنون في حق الرجل فثلاث لفائف بيض من قطن، لحديث عائشة قالت: «كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجًا» متفق عليه، وزاد مسلم في رواية: «وأما الحلة فاشتبه على الناس فيها أنها اشتريت ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية»، قال أحمد: أصح الأحاديث في كفن النبي صلى الله عليه وسلم حديث عائشة؛ لأنها أعلم من غيرها. وقال الترمذي: قد روي في كفن النبي صلى الله عليه وسلم روايات مختلفة، وحديث عائشة أصح الروايات التي رويت في كفنه، قال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم، والمسنون في حق المرأة في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، لحديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت: «كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقا، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر» رواه أبو داود، والصبي في ثوب واحد ويباح في ثلاثة ما لم يرثه غير مكلف، ولصغيرة قميص ولفافتان، والخنثى كالأنثى في الكفن خمسة أثواب.

س463: ما صفة تهيئة اللفائف؟ وما صفة وضع الميت عليها؟
ج: تبسط اللفائف على بعضها واحدة فوق أخرى، وتجعل اللفافة الظاهرة وهي السفلى من الثلاث أحسنها، وذلك بعد تبخيرها بعود ونحوه بعد رشها بماء ورد لتعلق رائحة البخور بها لم يكن محرمًا، ويجعل الحنوط وهو أخلاط طيب فيما بينها، أي يذر بين اللفائف، ثم يوضع الميت على اللفائف مستلقيًا ويجعل من قطن مخيط بين إليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالبنان تجمع إليتيه ومثانته ويجعل الباقي من قطن محنط على منافذ وجهه ومواضع سجوده جبهته، ويديه، وركبتيه، وأطراف قدمه تشريفًا لها، وكذا مغابنة كطي ركبتيه، وتحت إبطيه وسرته؛ لأن ابن عمر كان يتتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك، وإن طيب كله فحسن؛ لأن أنسًا طلى بالمسك، وطلى ابن عمر ميتًا بالمسك، ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل عند رأسه، ثم يعقدها وتحل في القبر، لقول ابن مسعود: «إذا أدخلتم الميت القبر فحلوا العقد» رواه الأثرم.

61- شروط الصلاة على الميت وأركانها
س464: ما الذي تسقط به الصلاة على المكلف؟ وما شروطها؟
ج: تسقط الصلاة عليه بمكلف، وشروطها ثمانية: النية، والتكليف، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة، وإسلام المصلي والمصلى عليه، وطهارتهما ولو بتراب للعذر.

س465: ما هي أركان الصلاة على الميت؟
ج: أركانها سبعة: القيام في فرضها؛ لأنها صلاة وجب القيام فيها كالظهر والتكبيرات الأربع؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعًا» متفق عليه، وقراءة الفاتحة لعموم حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ أم القرآن»، وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن، وقال: «لتعلموا أنها من السُّنة، أو قال: من تمام السُّنة» رواه البخاري، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت، والترتيب، والسلام لعموم حديث: «وتحْليْلُهَا التسليم».

س466: ما صفة الصلاة على الميت؟
ج: صفتها أن ينوي، ثم يكبر أربعًا يرفع يديه مع كل تكبيرة يحرم بالتكبيرة الأولى ويتعوذ، ويسمي ويقرأ الفاتحة، ولا يستفتح. وفي الثانية يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يصلي عليه في التشهد، ويدعو في الثالثة بأحسن ما يحضره، وسن بما ورد ومنه: اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وشاهدنا، وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا، ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسُّنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وافسح له في قبره ونور له فيه؛ وإن كان صغيرًا أو بلغ مجنونًا واستمر، قال: اللهم اجعله ذخرًا لوالديه، وفرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما، واعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم؛ وإن لم يعلم إسلام والديه دعا لمواليه، ويؤنث الضمير على أنثى ويشير بما يصلح لهما على خنثى، ويقف بعد تكبيرة رابعة قليلاً، ولا يدعو ويسلم واحدة عن يمينه، ويجوز أن يسلمها تلقاء وجهه، ويجوز أن يسلم ثانية.

س467: ما هو الدليل على ذلك؟
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من السُّنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ويقرأ في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرتين، ولا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرًا في نفسه» رواه الشافعي في «مسنده»، والأثرم وزاد: السُّنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم.
وروى الجوزجاني عن زيد بن أرقم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر على الجنازة أربعًا، ثم يقول ما شاء الله، ثم ينصرف» قال الجوزجاني: كنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف.

س468: ما حكم فعلها جماعة؟ وهل يستفتح فيها؟ وهل يكتفي فيها بتسليمة؟
ج: تُسن جماعة، كفعله –عليه السلام- وأصحابه واستمر الناس عليه، وسن أن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة، لحديث مالك بن هبيرة: «كان إذا صلى على ميت جزأ الناس ثلاثة صفوف، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليه ثلاثة صفوف من الناس فقد أوجب»» رواه الترمذي وحسنه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولا يستفتح فيها؛ لأن مبناها على التخفيف، ولذلك لم تشرع فيها السورة بعد الفاتحة، ويجزئ تسليمة واحدة عن يمينه، قال الإمام أحمد عن ستة من الصحابة وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم.

س469: من الأولى بالصلاة على الميت؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: الأولى بها: وصيه العدل، فسيد برقيقه، فالسلطان، فنائبه الأمير، فالحاكم، فالأولى بغسل رجل فروج بعد ذوي الأرحام، ثم مع تساوي يقرع ومن قدمه ولي لا وصي بمنزلته.
والدليل على تقديم الوصي على غيره أن أبا بكر -رضي الله عنه- أوصى أن يصلي عليه عمر، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر، وأوسى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير، وأوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو برزة، وأوصت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن يصلي عليها أبو هريرة، ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته، فكان إجماعًا، ويسن أن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة، كحديث مالك بن هبيرة «كان إذا صلى على ميت جزأ الناس ثلاثة صفوف، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليه ثلاثة صفوف من الناس فقد أوجب»» رواه الترمذي والحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

س470: ما حكم الصلاة على الميت في المسجد؟ وما دليل الحكم؟
ج: تباح الصلاة عليه في المسجد إن أمن تلويثه، لما ورد عن عائشة ـرضي الله عنهاـ قالت: «والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد» رواه مسلم، «وصلى على أبي بكر فيه» رواه سعيد.

س471: أين موقف الإمام والمنفرد من الجنازة؟ وضحه مع ذكر الدليل.
ج: السُّنة أن يقف الإمام والمنفرد عند رأس رجل ووسط المرأة، وذلك لما روى أحمد والترمذي، وحسنه وإسناده ثقات عن أنس - رضي الله عنه - : «أنه صلى على رجل فقام عند رأسه، ثم صلى على امرأة فقام وسطها، فقال العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم؟ قال: نعم».
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة فقام وسطها» متفق عليه.

س472: إذا اجتمع جنائز، فما صفة تقديمهم للصلاة عليهم؟ وما هو الدليل.
ج: يُسن أن يلي الإمام من كل نوع أفضلهم، فأسن، فأسبق، ثم يقرع؛ فإن كان رجلاً، وصبيًا، وامرأة وخنثى قدم إلى الإمام الرجل، ثم الصبي، ثم الخنثى المشكل، ثم المرأة، لما روي عن ابن عمر - رضي الله عنه - «أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة».
وروى عمار بن أبي عمار أن زيد بن عمر بن الخطاب، وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ ماتا فصلى عليهما سعيد بن العاص فجعل زيدًا مما يليه، وأمه مما يلي القبلة، وفي القوم الحسن، والحسين، وأبو هريرة، وابن عمر، ونحو ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين.

س473: ما الدليل على أنه يلي الإمام الأفضل؛ فإن تساووا فأكبر فأسبق فقرعة؟
ج: أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى».
ثانيًا: أنه المستحق للتقديم في الإمامة يؤيده: أنه صلى الله عليه وسلم يقدم في القبر من كان أكثر قرآنًا؛ وأما عند الاستواء في الفضل فأكبر، فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «كبر كبر»؛ وأما تقديم الاسبق عند الاستواء فيما تقدم فواضح لسبقه؛ وأما استعمال القرعة عند الاستواء في ذلك فكالإمامة ويقدم الأفضل من الموتى أمام المفضولين في المسير؛ لأن حق الأفضل أن يكون متبوعًا لا تابعًا.

س474: ما الذي ينبغي أن يدعو به في التكبيرة الثالثة في صلاة الجنازة؟
ج: يدعو بأحسن ما يحضره، وسن الدعاء بما ورد، ومن الوارد: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا، ومثوانا وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام والسُّنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من القبر وعذاب النار» رواه مسلم من حديث عوف بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على جنازة حتى تمنى أن يكون ذلك الميت، وفيه: «وأبدله أهلاً خيرًا من أهله، وأدخله الجنة، وافسح له في قبره ونور له فيه»؛ وإن كان صغيرًا، قال: «اللهم اجعله ذخرًا لوالديه وفرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم» لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: «السقط يُصلى عليه، ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة»، وفي لفظ: «بالعافية والرحمة» رواهما أحمد، وإنما لم يسن الاستغفار له؛ لأنه شافع غير مشفوع فيه ولا جرى عليه قلم، فالعدول إلى الدعاء لوالديه أولى من الدعاء له، وما ذكر من الدعاء لائق بالمحل مناسب لما هو فيه، ويؤنث الضمير على أنثى، ويشير ما يصلح لها على خنثى، ويقف بعد رابعة قليلاً، لما روى الجوزجاني عم زيد بن أرقم -رضي الله عنه- «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعًا ثم يقف ما شاء الله، فكنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه ويرفع يديه مع كل تكبيرة» رواه الشافعي عن ابن عمر، وسعيد عن ابن عباس، والأثرم عن عمرو وزيد بن ثابت، وسن وقوفه مكانه حتى ترفع.

س475: ما هي شروط الصلاة على الجنازة؟ اذكرها بوضوح.
ج: يشترط لها ما لمكتوبة إلا الوقت، حضور الميت بين يديه إلا على غائب عن البلد ولو دون المسافة أو غير قبلته، لحديث جابر: «في صلاته عليه السلام على النجاشي وأمره أصحابه بالصلاة عليه» متفق عليه، وإلا إذا صلى على غريق ونحوه كأسير، فيسقط شرط الحضور للحاجة وكذا غسلهما لتعذره، فيصلي عليه بالنية إلى شهر وزيادة يسيرة، والشرط الثاني: إسلام الميت، والشرط الثالث: تطهيره ولو بتراب لعذر؛ فإن تعذر التيمم صلى عليه.
يتبع إن شاء الله...



المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 4:34 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49318
العمر : 72

المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الأول   المجلد الأول Emptyالأحد 01 نوفمبر 2015, 12:36 am

س476: المسبوق في صلاة الجنازة هل يقضي؟ وإذا خشي رفعهما فماذا يعمل؟ وإذا سلم ولم يقض فما حكم صلاته؟ وهل يجوز دخوله بعد الرابعة من فاتته الصلاة عليه قبل الدفن، فهل يصلي عليه بعد؟
ج: يقضي مسبوق إذا سلم إمامه ما فاته على صفتها؛ فإن خشي رفع الجنازة تابع التكبير رفعت أو لم ترفع، وإذا سلم مسبوق ولم يقض شيئًا صحت، ويجوز دخوله بعد التكبيرة الرابعة، ويقضي الثلاث التكبيرات استحبابًا لينال أجرها، ويصلي على من قبر من فاتته الصلاة عليه قبل الدفن إلى شهر من دفنه، ولا تضر زيادة يسيرة، قال القاضي: كاليوم واليومين، قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان، وقال أكثر ما سمعت: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على أم سعد بن عبادة بعد شهر، ولحديث أبي هريرة: «أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابًا، ففقدها النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأل عنها أو عنه، فقالوا: ماتت أو مات، فقال: «أفلا كنتم آذنتموني؟» قال: فكأنهم صغروا أمرها
أو أمره، فقال: «دلوني على قبرها أو قبره، فدلوه فصلى عليها أو عليه»»، وعن ابن عباس قال: «انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعًا» متفق عليه.

س477: إن وجد بعض ميت فهل يصلي عليه؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: إن وجد بعض ميت تحقيقًا لم يصل عليه وهو غير شعر، وسن وظفر، فحكمه ككله، فيغسل ويكفن ويصلى عليه وجوبًا، وينوي بالصلاة على ما وجد ذلك البعض الموجود. والدليل على الصلاة عليه أن أبا أيوب صلى على رجل إنسان، قاله أحمد، وصلى عمر على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة على رؤوس. رواهما عبد الله بن أحمد بإسناده، قال الشافعي: ألقى طائر بمكة بدأ من وقعة الجمعة عرفت بالخاتم، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وصلى عليها أهل مكة؛ ولأنها بعض ميت فيثبت لها حكم الجملة؛ فإن كان الميت صلى عليه غسل ما وجد وكفن وجوبًا وصلى عليه استحبابًا وكذا إن وجد الباقي من الميت، فيغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن بجنبه ولا يصلى على ما بان من حي، كيد سارق، وقاطع طريق.

س478: بين حكم الصلاة على الغال وقاتل نفسه؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: لا يسن للإمام الأعظم ولا إمام كل قرية وهو واليها في القضاء الصلاة على الغال ولا قاتل نفسه عمدًا، أما الغال، وهو من كنتم من الغنيمة شيئًا ليختص به، فلأنه –عليه السلام- امتنع عن الصلاة على رجل من جهينة غل يوم خيبر، وقال: «صلوا على صاحبكم» رواه الخمسة إلا الترمذي احتج به أحمد؛ وأما قاتل نفسه عمدًا، فلحديث جابر بن سمرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءوه برجل قد قتل نفسه بمشاقص ولم يصل عليه» مسلم وغيره.

س479: إذا اشتبه من يصلي عليه بغيره كمسلم بكافر، فما الحكم؟ وهل يدفنوا جميعًا؟ واذكر ما للمصلي على الجنازة من الأجر مقرونًا بالدليل؟
ج: إن اختلط من يصلي عليه بغيره أو اشتبه من يصلي عليه بغيره، وذلك كاختلاط موتى مسلمين بكفار ولم يتميزوا صلى على الجميع ينوي بالصلاة من يصلي عليه منهم وهم المسلمون، لوجوب الصلاة، ولا طريق له غير ذلك، وغسلوا وكفنوا كلهم؛ لأن الصلاة عليهم لا تمكن إلا بذلك، إذ الصلاة على الميت لا تصح حتى يغسل ويكفن مع القدرة، وإن أمكن عزلهم عن مقابر المسلمين والكفار دفنوا منفردين، وإلا دفنوا معنا؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى، وللمصلي على جنازة قيراط من الأجر وهو أمر معلوم عند الله تعالى، وله بتمام دفنها قيراط آخر، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفه فله قيراطان»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» متفق عليه، ولمسلم: حتى توضع في اللحد. وللبخاري من حديث أبي هريرة «من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها؛ فإنه يرجع بقيراطين مثل جبل أُحد».

62- فصل في حمل الجنازة
س480: تكلم عن أحكام ما يلي: حمل الجنازة، الإسراع فيها، التربيع في الحمل، واذكر صفته بوضوح، الحمل بين العمودين؟
ج: حملها إلى محل دفنها فرض كفاية، ويُسن التربيع، لما ورد عن ابن مسعود قال: «من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها؛ فإنه من السُّنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع» رواه ابن ماجه. وصفته أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى، ثم ينتقل إلى المؤخرة، ثم اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى، ثم ينتقل إلى المؤخرة ولا يكره حمل بين العمودين
كل عمود واحد على عاتق نصًا، لما روي أنه –عليه الصلاة والسلام- حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين، ويبدأ من عند رأسه والجمع بين التربيع والحمل بين العمودين أولى؛ وأما الإسراع في الجنازة فمسنون، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بالجنازة؛ فإن كانت صالحة قربتموها إلى خير، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» رواه الجماعة، ولا يكره الحمل على دابة لغرض صحيح كبعد القبر.

س481: هل الأولى التقدم أمام الجنازة؟ أم التأخر؟ أم فيه تفضيل؟
ج: يستحب كون المشاة أمامها. قال ابن المنذر: «ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة» رواه أحمد عن ابن عمر؛ ولأنهم شفعاء، والشفيع يتقدم المشفوع له، وسن كون راكب خلفها، لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: «الراكب فخلف الجنازة» رواه الترمذي، وقال حسن: صحيح؛ ولأن سيره أمامها يؤذي تابعها.

س482: تكلم عن أحكام ما يلي: جلوس تابعها قبل الوضع، رفع الصوت معها، إتباع المرأة لها، إتباعها إذا كان معها منكر، واذكر ما تستحضره من دليل؟
ج: يكره جلوس تابعها حتى توضع بالأرض للدفن، لحديث مسلم عن أبي سعيد مرفوعًا: «إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع» قال أبو داود: روى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال فيه: «حتى توضع بالأرض» ورفع الصوت معها مكروه ولو بالذكر والقرآن، لحديث: «لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار» رواه أبو داود.
وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له ونحوه بدعة، وروى سعيد أن ابن عمر وسعيد بن جبير قا لقائل ذلك: لا غفر الله لك وكره أن يتبعها امرأة، لحديث أم عطية: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» وحرم أن يتبعها مع منكر عاجز عن إزالته، ويلزم القادر على إزالته أن يزيله ولا يترك اتباعها.

س483: من المقدم بالتكفين والدفن، وما حكم القيادة للجنازة إذا جاءت، واذكر الدليل، وما تستحضره من خلاف.
ج: المقدم بالتكفين من يقدم بغسل ونائبه كهو، والأولى توليه بنفسه، ويقدم بدفن رجل من يقوم بغسله؛ «لأنه –عليه الصلاة والسلام- ألحده العباس وعلي وأسامة» رواه أبو داود وكانوا هم الذين تولوا غسله، ولأنه أقرب إلى ستر أحواله وقلة الاطلاع عليه، ثم يقدم الأجانب محارمه من النساء، فالأجنبيات للحاجة، ويقدم بدفن امرأة محارمها الرجال، الأقرب فالأقرب؛ لأن امرأة عمر -رضي الله عنه- لما توفيت قال لأهلها: أنت أحق بها، ولأنهم أولى بها حال الحياة فكذا بعد الموت، ثم الزوج؛ لأنه أشبه بمحرمها من الأجانب فأجانب بعد الزوج، ثم محارمها النساء القربى فالقربى، وكره دفن عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وأما القيام للجنازة، فقيل: إنه مكروه وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب، لحديث علي -رضي الله عنه- قال: «رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا تبعًا له، وقعد فقعدنا تبعًا له –يعني في الجنازة» رواه مسلم وغيره، وعن ابن عباس مرفوعًا: «قام ثم قعد» رواه النسائي، وقيل: يستحب، اختاره الشيخ تقي الدين وابن عقيل، لما ورد عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع» رواه الجماعة، ولأحمد: وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه، وله أيضًا عنه: أنه ربما تقدم الجنازة فقعد حتى إذا رآها قد أشرفت قام حتى توضع، وعن جابر قال: «مرت بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها»»، وعن سهيل بن حنيف، وقيس بن سعد «أنهما كانا قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنهما من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: «أليست نفسًا» متفق عليهما، والذي يترجح أنه يُسن القيام لها ولو كانت كافرة. والله أعلم.

س484: تكلم عن أحكام ما يلي مع تبيين المعاني: اللحد، الشق، التوسع، التعمير، أيهما أفضل: اللحد أم الشق، واذكر دليلاً لما يحتاج إلى دليل.
ج: اللحد: أن يحفر في أسفل حائط القبر حفرة تسع الميت وأصله الميل، وكونه مما يلي القبلة أفضل، والشق أن يحفر وسط القبر كالحوض ثم يوضع الميت فيه ويسقف عليه ببلاط أو غيره أو يبنى جانباه بلبن أو غيره، واللحد أفضل من الشق، قال أحمد: لا أحب الشق، لحديث: «اللحد لنا والشق لغيرنا» رواه أبو داود؛ فإن تعذر اللحد لكون التراب ينهال ولا يمكن دفعه بنصب ابن أو حجارة ونحوه لم يكره، وسن أن يعمق القبر ويوسع بلا حد؛ لقوله –عليه السلام- في قتلى أُحد: «احفروا ووسعوا وعمقوا» قال الترمذي: حسن صحيح، وعن رجل من الأنصار قال: «خرجنا في جنازة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر، ويقول: «أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين رب عذق له في الجنة»» رواه أحمد، وأبو داود؛ ولأن التعميق أبعد لظهور الرائحة وأمنع للوحش، والتعميق: الزيادة في النزول، والتوسيع: الزيادة في الطول والعرض، ويكفي ما يمنع السباع والرائحة.

س485: ما صفة إدخال الميت القبر؟ وما هو الدليل عليها؟
ج: يُسن أن يسجي قبر لأنثى ولخنثى، وكره لرجل إلا لعذر، وسن أن يدخل قبره من عند رجله إن كان أسهل عليهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا، وعبد الله بن زيد أدخل الحارث من قبل رجلي القبر وقال: هذا من السُّنة. رواه أحمد، وإلا من حيث سهل دفعًا للضرر والمشقة.

قال العمريطي:
ويستحب سله من رأسه ... إذا أراد وضعه في رمسه
وكونه على اليمين يضجع ... وأوجبوا استقباله إذ يوضع
وإن استوت الكيفيات فهي سواء، لعدم المرجح ومن في سفينة يلقى في البحر سلا كإدخاله القبر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه وتثقيله بشيء.

وقد ألغز بها الشيخ عبد الرحمن الزواوي، فقال:
وهل ناب ماء عن تراب كفيت ما ... يسوؤك عقباه ولا نالك البلى

فقال في حلها:
من مات في بحر وقد عز دفنه ... ففي البحر يلقى وهو بالترب بدلاً

س486: ما المسنون قوله لمن يدخل الميت في القبر؟ وما صفة تلحيده؟
ج: يُسن أن يقول ملحده: بسم الله وعلى ملة رسول الله، لحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وضعتم موتاكم في القبول، فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله» رواه الخمسة إلا النسائي، وسن أن يلحده على شقه الأيمن، ويجب أن يستقبل به القبلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «في الكعبة قبلتكم أحياء وأمواتًا» ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف.



س487: بين أحكام ما يلي: حثو التراب على الميت، رفع القبر عن الأرض، الدعاء للميت، رش القبر بعد الدفن. واذكر الدليل.
ج: يُسن حثو التراب على الميت ثلاثًا، ثم يهال عليه التراب، وسن رفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما، ويكره فوقه، ويستحب الدعاء للميت، أما دليل حثي التراب على الميت، فهو ما ورد عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثًا» رواه ابن ماجه، وللدارقطني معناه من حديث عامر بن ربيعة، وزاد وهو قائم، ولما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم حثا على الميت ثلاث حثيات بيده جميعًا»، ثم يهال عليه التراب، لقول عائشة ـرضي الله عنهاـ «ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي» رواه أحمد؛ وأما الدليل على استحباب الدعاء للميت بعد الدفن، فهو ما ورد عن عثمان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل» رواه أبو داود، وصححه الحاكم؛ وأما الدليل على سنية رفعه قدر شبر فلقول جابر «إن النبي صلى الله عليه وسلم رقع قبره عن الأرض قدر شبر» رواه الشافعي، ويكره رفعه أكثر، لقوله –عليه السلام- لعلي: «لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» رواه مسلم؛ وأما الدليل على سنية رش القبر، فهو ما روى جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ماء ووضع عليه الحصباء» رواه الشافعي.

س488: اذكر ما تستحضره مما يحرم فعله في القبر، وعند القبر، وعلى القبر.
ج: يحرم إسراجه، واتخاذ المسجد عليه، وتجصيصه، والبناء عليه، والاستسقاء بترابه، وتخليفه، وتبخيره، وتقبيله، والجلوس عليه، والوطء عليه، والكتابة عليه، والتخلي عليه، والطواف به، والتمسح بالقبر، والتخلي بين القبور، والصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، والإتكاء إليه.

س489: اذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على تحريم المذكورات.
ج: أما الدليل على تحريم اتخاذ القبور مساجد، وتحريم اتخاذ السرج عليها، فهو ما ورد عن ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» متفق عليه؛ وأما الدليل على تحريم تجصيص القبر، وتحريم القعود عليه، وتحريم البناء عليه، وتحريم الكتابة على القبور، وتحريم الوطء عليه، والإتكاء إليه، فهو ما ورد عن جابر قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، والترمذي وصححه ولفظه «نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ»، وفي لفظ النسائي: «ونهى أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، أو يكتب عليه»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر» رواه الجماعة إلا البخاري، والترمذي، وعن عمرو بن حزم قال: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا على قبر، فقال: «لا تؤذ صاحب هذا القبر أو لا تؤذه»» رواه أحمد، ولا يمشي في النعل بالمقبرة، لما ورد عن بشير بن الخصاصية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي في نعلين بين القبور، فقال: «يا صاحب السبتين ألقهما»» رواه الخمسة إلا الترمذي.
وعن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» رواه مسلم، ومن البدع المحرمة: تخليق القبر، وتقبيله والطواف به، والاستشفاء بترابه، والتمسح به، والصلاة عنده، وقصد القبر لأجل الدعاء، وأما الدليل على تحريم التخلي عليها وبينها: فلحديث عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق» رواه الخلال، وابن ماجه.

س490: بين أحكام ما يلي: دفن اثنين فأكثر في قبر، دفن بصحراء، المقدم في المسبلة عند الاستواء، إهداء القرب.
ج: يحرم دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر؛ وأما للضرورة، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أُحد، كان يجمع الرجلين في القبر الواحد، ويسأل أيهم أكثر أخذًا للقرآن فيقدمه، واللحد حديث صحيح؛ وأما التقديم فيقدم من يقدم إلى الإمام وتقدم، والدفن بالصحراء أفضل من الدفن بالعمران؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- كان يدفن أصحابه بالبقيع ولم تزل الصحابة والتابعون –رضوان الله عليهم أجمعين- ومن بعدهم يقبرون في الصحارى؛ ولأنها أشبه بمساكن الآخرة، ويقدم في مسبلة عند ضيق بسبق، ثم مع التساوي في سبق يقدم من قرع وأي قرية فعلها وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت نفعه ذلك.

س491: اذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على أن من فعل قربة وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت أنه ينفعه ذلك؟
ج: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}، وقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}، وقال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه في فضل صلاة الجماعة: «فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه»، ودعا صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة، فقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وأفسح له في قبره ونور له فيه»، وقال: «إذا صليتم على الميت فاخلصوا له الدعاء» وفي حديث عوف بن مالك قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله» الحديث رواه مسلم.
وعن ابن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع. متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين، وأن عمرو سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك» رواه أحمد.
وعن أبي هريرة «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص أفينفعه إن تصدقت عنه؟ قال: «نعم»» رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وعن عائشة «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم»» متفق عليه، وعن ابن عباس: «أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإن لي مخرفًا فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها» رواه البخاري، والترمذي، وأبو داود.
وعن الحسن عن سعد بن عبادة: «أن أمه ماتت، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفاتصدق عنها؟ قال: «نعم»، قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال –عليه الصلاة والسلام-: «سقي الماء»، قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة» رواه أحمد، والنسائي، وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» رواه أبو داود، وصححه الحاكم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مات وعليه صوم صام عنه وليه» متفق عليه، عن أسيد بن مالك بن ربيعة الساعدي قال: «بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وافتقاد عهدهما بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما» رواه أبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه.
ومن الأدلة المستحسنة قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية لما ضحى بكبشين، فلما ذبح أحدهما قال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن محمد وآل محمد»، ولما ذبح الثاني قال: «اللهم هذا عني وعمَّن لم يضح من أمتي»، وفي رواية ابن ماجه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موسومين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد، وذبح الآخر عن أمته وعمن شهد له بالبلاغ، ففيه دليل على أن النفع قد نال الأحياء والأموات من أمته بأضحيته صلى الله عليه وسلم، وإلا لم يكن في ذلك فائدة، فإنه قوله صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى»، وقال للذي قضى الدين عن الميت: «الآن بردت جلدته». والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

س492: ما المسنون قوله لمن أصيب بمصيبة؟
ج: يُسن أن يسترجع فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، لما ورد عن أم سلمة قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها»، فلما مات أبو سلمة قالت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم.

س493: بين أحكام ما يلي: الصبر على المصيبة، الرضى بمرض أو فقر أو عاهة.
ج: يُسن الصبر على المصيبة ويجب منه ما يمنعه عن محرم، وفي الصبر على موت الولد أجر كبير، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» رواه البخاري، ولا يلزم الرضى بمرض وفقر وعاهة، ويحرم الرضى بفعل المعصية، قال الشيخ تقي الدين: إذا نظر إلى إحداث الرب لذلك للحكمة التي يحبها ويرضاها رضى لله بما رضي لنفسه فيرضاه ويحبه مفعولاً مخلوقًا لله ويبغضه ويكرهه فعلاً للمذنب المخالف لأمر الله، انتهى. وكره لمصاب تغير حاله من خلع رداء ونحوه، وتعطيل معاشه لما فيه من إظهار الجزع. قال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء من كل أمة أن من لم يتمش مع القدر لم يتهن بعيش.

س494: بين معاني الكلمات الآتية: الندب، النياحة، تعزية.
ج: الندب هو: تعداد محاسن الميت بلفظ النداء مع زيادة ألف وهاء في آخره نحوه: واسيداه واجبلاه، وانقطاع ظهراه، وأصل الندب أثر الجرح شبه ما كان يجده من الوجد والحزن بألم الجرح ووجعه، والنياحة: رفع الصوت بالندب، والتعزية: التسلية لصاحب الميت، وحثه على الصبر، ووعده بالأجر، ووعظه بما يزيل عنه الحزن والألم والهم.

س495: ما حكم الندب، والنياحة، ولطم الخد، والصراخ، ونتف الشعر ونحوه؟
ج: كلها هذه من المحرمات، لما ورد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية»، وعن أبي بردة قال: «وجع أبو موسى وجعًا فغشى عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا، فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة». وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه من نيح عليه يعذب بما ينح عليه».
وفي صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة» الأحاديث الثلاثة التي قبل هذا متفق عليها. وعن النعمان بن بشير قال: «أغمى على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة بفكي واجبلاه، واكذا، واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه» رواه البخاري، وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة واعضداه، واناصراه، واكاسباه، جبذ الميت، وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها» رواه أحمد.

س496: ما حكم التعزية؟ وما الذي يقال للمصاب؟ وما الذي يرد به المعزى؟
ج: التعزية سُّنة، لما ورد عن الأسود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عزى مصابًا فله مثل أجره» رواه ابن ماجه، والترمذي، ولحديث عمرو بن حزم مرفوعًا: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة» رواه ابن ماجه، ويقال للمصاب بمسلم أعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، أو يقول غير ذلك. قال الموفق: لا أعلم في التعزية شيئًا محدودًا إلا أنه يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً، فقال: «رحمك الله وآجرك» رواه أحمد، وفي تعزية المسلم بكافر: «أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك» وتحرم تعزية الكافر، ويقول المعزى: استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك، ولا بأس بأخذه بيد من عزاه، قال أحمد: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وإن شئت فلا.

س497: ما حكم البكاء على الميت؟ وما هو الدليل على الحكم؟
ج: يجوز البكاء على الميت، لما ورد عن أنس - رضي الله عنه - قال: «شهدت بنتًا للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر فرأيت عينيه تدمعان» رواه البخاري. وعن ابن عمر قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: «قد قضي؟» فقالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: «ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب؛ ولكن يعذب بهذا أو يرحم»، وعن أسامة بن زيد قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًا لها في الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب»، فعاد الرسول، فقال: «إنها أقسمت لتأتينها»، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ ابن جبل قال: فانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» متفق عليهما.

س498: ما حكم تصليح الطعام لأهل الميت؟ وما دليل الحكم.
ج: يُسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم، لما ورد عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعى أبي حين قتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم» رواه الخمسة إلا النسائي. قال الزبير: فعمدت سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى شعير فطحنته وأدمته بزيت جعل عليه وبعثت به إليهم، ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: فما زالت السُّنة فينا حتى تركها من تركها، وسواء كان الميت حاضرًا أو غائبًا وأتاهم نعيه، وينوي فعل ذلك لأهل الميت لا لمن يجتمع عندهم فيكره؛ لأنه معونة على مكروه وهو اجتماع الناس عند أهل الميت. نقل المروذي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره إنكارًا شديدًا، ولأحمد وغيره عن جرير وإسناده ثقات، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة، ويكره لأهل الميت فعل الطعام للناس يجتمعون عندهم.

س499: ما حكم زيارة القبور للرجال؟ وما الذي يقوله الزائر؟ وأين موقفه من الميت؟
ج: تسن زيارة قبر مسلم وأن يقف زائر أمامه قريبًا منه؛ أما الدليل على أنها مستحبة للرجال، فلما ورد عن بريدة بن الخصيب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» رواه مسلم، زاد الترمذي: «فإنها تذكر الآخرة» زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود: «وتزهد في الدنيا، ويقول الزائر للقبور والمار بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم»، لما ورد عن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين المسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية»» رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» رواه الترمذي، ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس قاله أحمد، وفي الغنية يعرفه كل وقت وهذا الوقت آكد، وقال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع كلامه وأنس به، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك. انتهى.

س500: بين حكم زيارة القبور للنساء، وما حكم زيارتها بشد رحل؟
ج: قيل: إنه مكروه، لما ورد عن أم عطية قالت: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» متفق عليه، وقيل: يحرم، لما ورد عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور» رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه.
ولا يجوز شد الرحل لزيارة القبور، لما ورد عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» متفق عليه.

قال في «مختصر النظم»:
ويشرع للذكران زور مقابر ... ويكره في أولى المقال لنهد
وما قد روى عند المرور بقوله ... فكم مرسل قد جاء فيه ومسند
وتعزية المرء المصاب فضيلة ... وتغيير زي الساخط أكره وشدد
وكل بكاء ليس معه نياحة ... ولا ندب الآبى به غير معتدي
ويحرم شق الجيب واللطم بعده ... النياحة مع ندب وأشباهها اعدد
ويسأل في القبر الفتى عن نبيه ... وعن ربه والدين فعل مهدد
فمن ثبت الله استجاب موحدًا ... ومن لم يثبت فهو غير موحد
وتلك لعمرى آخر الفتن التي ... متى تنج منها فزت فوز مخلد
فنسأله التثبيت دنيًا وآخرًا ... وخاتمة تقضي بفوز مؤبد

63- فصل فيما يتعلق بالسلام
س501: ما حكم السلام؟وما دليل الحكم؟وما المواضع التي يكره فيها السلام؟
ج: السلام مسنون لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» رواه مسلم، ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلام الحي؛ لأن النصوص صحت بالأمرين، وقال ابن البنا: سلام التحية منكر، وسلام الوداع معرف، وابتداؤه من جماعة سُّنة كفاية، والأفضل السلام على جميعهم؛ لحديث: «أفشوا السلام بينكم».

وأما المواضع التي يكره فيها السلام فقد نظمها الغزي:
سلامك مكروه على من ستسمع ... ومن بعد ما أبدى يسن ويشرع
مصل وتال ذاكر ومحدث ... خطيب ومن يصغى إليهم ويسمع
مكرر فقيه جالس لقضائه ... ومن بحثوا في الفقه دعهم لينفعوا
مؤذن أيضًا مع مقيم مدرس ... كذا الأجنبيات الفتيات امنع
ولعاب شطرنج وشبه بخلقهم ... ومن هو في مع أهل له يتمتع
ودع كافرًا أيضًا ومكشف عورة ... ومن هو في حال التغوط أشنع
ودع أكلا إلا إذا كنت جائعًا ... وتعلم منه أنه ليس يمنع
كذلك أستاذ مغن مطير ... فهذا ختام والزيادة تنفع

س502: ما حكم رد السلام؟ واذكر كيفيته بوضوح.
ج: رده فرض كفاية؛ فإن كان واحدًا تعين عليه لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، وعن علي مرفوعًا: «يجزي عني الجماعة إذا أمروا أن يسلم أحدهم، ويجزي عن الجلوس أن يرد أحدهم» رواه أبو داود؛ وأما الكيفية: فيستحب أن يقول المبتدي بالسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيأتي بضمير الجمع، وإن كان المسلم عليه واحدًا، ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فيأتي بواو العطف في قوله: عليكم. ويجزي في السلام: السلام عليكم، ويجزي في الرد: وعليكم السلام.

س503: إذا سلم على إنسان ثم لقيه ثانيًا، فهل يسلم عليه؟ وما حكم الابتداء في السلام؟ وما حكم السلام على الصبيان؟ وهل يسلم عند الانصراف.
ج: إذا سلم على إنسان ثم لقيه ثانيًا أو ثالثًا أو أكثر من ذلك، فيسلم لعموم حديث: «افشوا السلام بينكم»، وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه؛ فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه» رواه أبو داود، وحديث المسيء وتقدم.
وأما الابتداء في السلام فمسنون، لما ورد عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام» رواه أبو داود بإسناد جيد، ويستحب أن يسلم عند الانصراف من المجلس، لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، ويستحب أن يسلم على الصبيان، لما ورد عن أنس: «أنه مر على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله» متفق عليه.

س504: بين من المسنون في حقه أن يبتدئ في السلام ممن يلي صغير وكبير، قليل وكثير، راكب وماش، مار وقاعد؟
ج: يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير» متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «والراكب على الماشي».

س505: تكلم عن أحكام ما يلي: متى تجب الإجابة على كل من المُتلاقيين إذا مر جماعة على قاعد؟ إذا سلم على غائب برسالة أو كتابة أو من وراء جدار؟
ج: تجب الإجابة على كل من المتلاقيين إذا بدآ جميعًا بالسلام وسمع كل منهما صاحبه، وإذا ورد جماعة على قاعد أو قعود فالوارد هو الذي يبدأ بالسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «والمار على القاعد» وإذا سلم على من وراء جدار وجبت الإجابة عند البلاغ، وإذا سلم على غائب عن البلد برسالة أو كتابة وجبت الإجابة عن البلاغ، ويستحب أن يسلم على الرسول، فيقول: وعليك وعليه السلام، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال له رجل: أبي يقرئك السلام، فقال: «عليك وعليه السلام»، وفي موضع آخر: «وعليه السلام»، وقال في موضع آخر: «وعليك وعليه السلام».

س506: بين ما فيما يلي من كيفية أو حكم: السلام على الأصم، سلام الأخرس وجوابه، سلام النساء على النساء، المصافحة بين الرجال والنساء.
ج: إذا سلم على أصم جمع بين اللفظ والإشارة، وسلام الأخرس وجوابه والإشارة لقيامه مقام نطقه، وسلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال، وتستحب مصافحة رجل لرجل وامرأة لامرأة، لما ورد عن أبي الخطاب قتادة قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه البخاري، وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا» رواه أبو داود.

س507: بين ماذا ينبغي لمن دخل على جماعة فيهم علماء؟ وما حكم الانحناء في السلام؟ وما حكم المعانقة؟ وما حكم السلام إذا دخل على أهله؟ وما الذي يقول؟
ج: إذا دخل على جماعة فيهم علماء سلم على الكل، ثم سلم على العلماء سلامًا ثانيًا تمييزًا لمرتبتهم، وكذا لو كان فيهم عالم واحد، ولا يجوز الانحناء في السلام وتجوز المعانقة، لما ورد عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: «لا»، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: «لا»، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «قدم زيد بن حارثة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن؛ وأما إذا دخل بيته فيُسن، لقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وعن أنس -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: حسبك هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان» رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن حبان في «صحيحه»، وفي «سنن أبي داود» عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله».

س508: ما حكم تشميت العاطس؟ وما حكم رده؟
ج: تشميته إذا حمد فرض كفاية، ورده فرض عين، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله»، وعنه أيضًا: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم» رواه أبو داود، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: «عطس رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته وعطست فلم تشمتني، فقال: «هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله»» متفق عليه.

س509: بين ما تستحضره من آداب ما يلي: العطاس، والتشميت، التثاؤب؟
ج: إذا تثاءب كظم ندبًا ما استطاع؛ فإن غلبه التثاؤب غطى فمه بكمه أو غيره كيده لما ورد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل» رواه مسلم، وإذا عطس خمر وجهه لئلا يتأذى به غيره وخفض صوته؛ لحديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: «إنه كان إذا عطس غطى وجهه بثوبه ويده» حديث صحيح. قال في «شرح منظومة الآداب»: قال ابن هبيرة: إذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفسه على صحة بدنه وجودة هضمه واستقامة قوته، فينبغي له أن يحمد الله، ولذلك أمره صلى الله عليه وسلم.
وفي البخاري: إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب؛ لأن العطاس يدل على خفة بدن الإنسان ونشاطه، والتثاؤب غالبًا لثقل البدن وامتلائه وارتخائه، فيميل إلى الكسل فأضافه إلى الشيطان؛ لأنه يرضيه أو من تسببه إلى دعائه إلى الشهوات؛ فإن عطس ثانيًا شمته، وإن عطس رابعًا دعا له بالعافية، ويجب الاستئذان على كل من يريد الدخول عليه من أقارب وأجانب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}، وعن أبي موسى: «الاستئذان ثلاث؛ فإن أذن لك وإلا فارجع» متفق عليه. وعن كلدة بن حنبل -رضي الله عنه- قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه ولم أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع، فقل: السلام عليكم أأدخل؟» رواه أبو داود، وقال الترمذي: حديث حسن، ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف به إذا لم يعرفه المخاطب بغيره، وإن
كان فيه صورة تبجيل له بأن يكنى نفسه أو يقول: أنا المفتي فلان، أو القاضي فلان، أو الشيخ فلان، أو ما أشبه ذلك، لما ورد في صحيحي البخاري ومسلم: عن أم هانئ بنت أبي طالب ـرضي الله عنهاـ، واسمها فاختة على المشهور، وقيل: فاطمة، وقيل: هند، قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمة تستره، فقال: «من هذه؟» قلت: أنا أما هانئ، وعن أبي ذر قال: «خرجت ليلة من ليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني، فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو ذر» متفق عليه.
هذا آخر ما تيسر لي جمعه من كتب الحديث، وكتب الفقه مبتدأ به من كتاب الطهارة، ومنتهيًا في هذا الجزء إلى آخر كتاب الجنائز، متمشيًا في المؤلف على طريقة الفقهاء، وكان الفراغ من هذه الأسئلة والأجوبة في يوم الجمعة الموافق 29/ 3/ 1384.
والله أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به نفعًا عامًا إنه سميع قريب، على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.

ومما أرى أنه من المناسب سوقه في هذا الموضع الأبيات التي تلي نقلتها من منظومة الآداب لابن عبد القوي –رحمه الله تعالى-:
وكن عالمًا أن السلام لسنة ... وردك فرض ليس ندبًا بأوطد
ويجزئ تسليم امرئ من جماعة ... ورد فتى منهم على الكل يا عدي
وتسليم تزر والصغير وعابر السبيل ... وركان على الضد أيد
وإن سلم المأمور بالرد منهم ... فقد حصل المسنون إذ هو متبدى
وسلم إذ ما قمت عن حضرة امرئ ... وسلم إذا ما جئت بيتك تهتد
وإفشاؤك التسليم يوجب محبة ... من الناس معروفًا ومجهولاً اقصد
وتعريفه لفظ السلام مجوز ... وتنكيره أيضًا على نص أحمد
وقد قيل نكره وقيل تحية ... كالميت والتوديع عرف كردد
وسنة استئذانه لدخوله ... على غيره من أقربين وبعد
ثلاثًا ومكروه دخول لهاجم ... ولا سيما من سفرة وتبعد
ثلاثًا ومكروه دخول لهاجم ... ولا سيما من سفرة وتبعد
ووقفته تلقاء باب وكوة ... فإن لم يجب يمضي وإن يخف يزدد
وتحريك نعليه وإظهار حسه ... لدخلته حتى لمنزله اشهد
وكل قيام لا لوال وعالم ... ووالده أو سيد كرهه أمهد
وصافح لمن تلقاه من كل مسلم ... تناثر خطاياكم كما في المسند
وليس لغير الله حل سجودنا ... ويكره تقبيل الثرى بتشديد
ويكره منه الانحناء مسلمًا ... وتقبيل رأس المرء حل وفي اليد
وحل عناق للملاقي تدينا ... ويكره تقبيل الفهم افهم وقيد
ونزع يد ممن يصافح عاجلاً ... وأن يتناجى الجمع ما دون مفرد
وأن يجلس الإنسان عند محدث ... بسر وقيل احظر وإن يأذن اقعد
ومر أي عجوز لم ترد وصفاحها ... وخلوتها اكره لا تحيتها اشهد
وتشميتها واكره كالخصلتين ... للشباب من الصنفين بعدي وأبعد
ويحسن تحسين لخلق وصحبه ... ولاسيما للوالد المتأكد
ولو كان ذا كفر وأوجب طوعه ... سوى في حرام أو لأمر مؤكد
كتطلاب علم لا يضرهما به ... تطليق زوجات برأي مجرد
أحسن إلى أصحابه بعد موته ... فهذا بقايا برك المتعود
ويحسن خفض الصوت من عاطس وأن ... يغطي وجهًا لاستتار من الردى
وقل للفتى عوفيت بعد ثلاثة ... وللطفل بورك فيك وأمره بحمد
وغط فمًا واكظم تصب في تثاؤب ... فذلك مسنون لأمر المرشد
ولا بأس شرعًا إن يطبك مسلم ... وتشكر الذي تلقى وبالحمد فابتدى
وترك الدوا أولى وفعلك جائز ... ولم تتيقن فيه حرمة مفرد
ورجح على الخوف الرجا عند بأسه ... ولاق بحسن الظن ربك تسعد.
تم بحمد الله وحسن توفيقه وعونه الجزء الأول من «الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية»، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني وأوله «كتاب الزكاة».
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
** ** ** ** ** **
هذا الكتاب وقف لله تعالى ومن استغنى عن الانتفاع به فليدفعه إلى غيره ممن ينتفع به من طلبة العلم أو غيرهم.
طبع على نفقة المؤلف وجماعة من المحسنين وحقوق الطبع محفوظة للمؤلف
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
ومن أراد طبعه ابتغاء وجه الله تعالى لا يريد به عرضًا من الدنيا فقد أذن له وجزى الله خيرًا من طبعه وقفًا أو أعن على طبعه أو تسبب لطبعه وتوزيعه على إخوانه المسلمين فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاث نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير ، والرامي به ومنبله»، الحديث رواه أبو داود ، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد يدعو له» الحديث رواه مسلم .
----------------------------------
وَقْفٌ للهِ تَعَالَى
تَأْلِيفُ
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين



المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المجلد الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المجلد السابع.. الجزء الأول.. الباب الأول: إشكالية التطبيع
» المجلد الأول
» المجلد الأول
» المجلد الأول: الإطـار النظــرى
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الأول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــــه الــدنــيـــــــا والديـــــن :: الأسئلة والأجوبة الفقهية-
انتقل الى: