الباب السابع: ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها بمعنى الحال أو الاستقبال
----------------------------------------------------------------------------------------
فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ مالك يوم الدين ‏"‏‏.‏
الإضافة فيه إضافة غير تحقيقيه وهو في تقدير الانفصال والتقدير‏:‏ مالك أحكام يوم الدين وإذا كان كذلك لم يكن صفة لما قبله ولكن يكون بدلاً‏.‏
فإن قلت‏:‏ إنه أريد به الماضي فأضيف فجاز أن يكون وصفاً لما قبله والمعنى معنى فالوجه الأول أحسن لأنه ليس في لفظه ما يدل على الماضي والشئ إنما يحمل في المعنى على ما يخالف في اللفظ نحو نادى يقال لفظه لفظ الماضي والمعنى معنى المستقبل وهذا التقدير لا يصح في ‏"‏ مالك يوم الدين ‏"‏ إذ لا يقال‏:‏ لفظه لفظ الماضي ومعناه المستقبل‏.‏
ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ كل نفس ذائقة الموت ‏"‏ لولا ذلك لم يجز خبراً على كل لأنه لا يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة‏.‏
نظيره في الأنبياء‏:‏ ‏"‏ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير ‏"‏‏.‏
ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هدياً بالغ الكعبة ‏"‏ أي‏:‏ بالغاً الكعبة إضافة في تقدير الانفصال أي هديا مقدار به بلوغ الكعبة ليس أن البلوغ ثابت في وقت كونه هديا فإنما الحال هنا كالحال في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ‏"‏ أي‏:‏ مقدرين الخلود فيها‏.‏
ومثله‏:‏ ‏"‏ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثانى عطفه ‏"‏ أي‏:‏ ثانياً عطفه والإضافة في تقدير الانفصال لولا ذلك لم ينتصب على الحال‏.‏
ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولا الليل سابق النهار ‏"‏ أي سابق النهار‏.‏
والتقدير به التنوين‏.‏
ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنكم لذائقوا العذاب الأليم‏:‏ أي‏:‏ لذائقون العذاب الأليم فالنية به ثبات ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ‏"‏ هو في تقدير التنوين دليلة قراءة من نون ونصب ضره ورحمته‏.‏
ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم ‏"‏ أي‏:‏ مستقبلاً أوديتهم‏.‏
ومثله ما بعده‏:‏ ‏"‏ عارض ممطرنا ‏"‏ أي‏:‏ عارض ممطر إيانا ولولا ذلك لم يجز وصفاً على النكرة‏.‏
ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ إنما أنت منذر من يخشاها ‏"‏ دليله قراءة يزيد منذر من يخشاها بالتنوين‏.‏
فهذه الأسماء كلها إذا أضيفت خالفت إضافتها إضافة الماضي نحو قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فالق الإصباح وجعل الليل سكنا ‏"‏ لأن الإضافة في نحو ذلك صحيحة وتوصف به المعرفة ألا ترى أن فالق صفة لقوله ‏"‏ ذلكم الله ‏"‏ وإنما صحت إضافة لأنه لا يعمل فيما بعده فلا يشبه الفعل وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال عمل فيما بعده لأنه يشبه يفعل بدليل أن يفعل أعرب‏.‏
فأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ‏"‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ‏"‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه ‏"‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنا منجوك وأهلك ‏"‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ‏"‏‏.‏
فالهاء والكاف عند سيبويه في موضع الجر بالإضافة لكف النون كما أن الظاهر في قوله‏:‏ ‏"‏ سابق النهار ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ لذائقوا العذاب ‏"‏ جر وإن كانت الإضافة في تقدير الانفصال‏.‏
وعند الأخفش‏:‏ الكاف والهاء في موضع النصب بدليل قوله‏:‏ ‏"‏ وأهلك ‏"‏ فنصب المعطوف فدل على نصب المعطوف عليه‏.‏
وسيبويه يحمل قوله‏:‏ ‏"‏ وأهلك ‏"‏ على إضمار فعل كما يحمل‏:‏ ‏"‏ والشمس والقمر حسبانا ‏"‏ على إضمار فعل‏.‏
وكذلك‏:‏ ‏"‏ وما كنت متخذ المضلين عضداً ‏"‏‏.‏
فسيبويه يعتبر المضمر بالظاهر‏.‏
وكما جاز‏:‏ ‏"‏ ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ‏"‏ بجر المسجد وإضافة حاضري إليه فكذا هذا‏.‏
والأخفش يدعى أن النون لا يمكن إظهارها هنا لا يجوز‏:‏ منجونك ولا‏:‏ بالغينه ولا‏:‏ بالغونه‏.‏
فافترق الحال بين الظاهر والمضمر‏.‏
وأما قوله ‏"‏ فتبارك الله أحسن الخالقين ‏"‏ ليس بوصف لله لأنه نكرة والإضافة في تقدير الانفصال‏.‏
بدليل تعلق الظرف به في أحوج ساعة‏.‏
ملك أضلع البرية مايو - - جد فيها لما لديه كفاء فإن أحسن مرتفع ب هو لأنه موضع بناء‏.‏
وإن شئت كان بدلاً لأن إضافة أفعل في تقدير من‏.‏
فإذا ثبت‏:‏ زيد أفضل القوم والتقدير‏:‏ أفضل من القوم فإضافته غير محضة لا يتعرف بها فوجب أن يكون أحسن بدلاً لا وصفاً‏.‏
ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ وخاتم النبيين ‏"‏ بالكسر اسم الفاعل ليكون معرفة فيشاكل المعطوف عليه ومن فتح فهو مصدر أي ذا ختم.