المقدمة
بقلم فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري (رحمه الله)

مقدمة
الحمد لله تعالى ونحمده ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:
أيضاً فهذا تفسير موجز لكتاب الله تعالى القرآن الكريم وضعته مراعياً فيه حاجة المسلمين اليوم إلى فهم كلام الله تعالى الذي هو مصدر شريعتهم, وسبيل هدايتهم وهو عصمتهم من الأهواء وشفاؤهم من الأدواء قال تعالى (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين) وقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).

وقال تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) ومراعياً فيه أيضاً رغبة المسلمين اليوم في دراسة كتاب الله وفهمه والعمل به, وهي رغبة لم تكن لهم منذ قرون عدة حيث كان القرآن يقرأ على الأموات دون الأحياء ويعتبر تفسيره خطيئة من الخطايا وذنباً من الذنوب إذ ساد بين المسلمين القول: بأن تفسير القرآن صوابه خطأ وخطأه كفر, فلذا القارئ يقرأ (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً)
والناس حول ضريح الولي المدفون في ناحية المسجد يدعونه بأعلى أصواتهم: يا سيدي يا سيدي كذا وكذا ولا يجرؤ أحد أن يقول: ياإخواننا لا تدعوا السيد فإن الله تعالى يقول (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) ويقرأ القارئ (ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ويسمعه مَن يسمعه ولا يخطر على باله أن الآية تُصرح بكفر مَن لم يحكم بما أنزل الله, وأن أكثر المسلمين مورطون في هذا الكفر حيث تركوا تحكيم الشريعة الاسلامية إلى تحكيم القوانين المُلفقة من قوانين الشرق والغرب، وهكذا كان يُقرأ القرآن على أموات الأحياء وأحياء الأموات فلا يُرى له أثر في الحياة.

هذا ونظراً لليقظة الإسلامية اليوم فقد تعيَّن وضع تفسير سهل مُيَسَّر يجمع بين المعنى المراد من كلام الله وبين اللفظ القريب من فهم المسلم اليوم، تبين فيه العقيدة السلفية المنجية, والأحكام الفقهية الضرورية، مع تربية ملكة التقوى في النفوس بتحبيب الفضائل وتبغيض الرذائل والحث على أداء الفرائض واتقاء المحارم، مع التجمل بالأخلاق القرآنية والتحلي بالآداب الربانية.

وقد هممت بالقيام بهذا المتعين عدة مرات في ظرف سنوات وكثيراً ما يطلب مني مستمعو دروسي في التفسير في المسجد النبوي أن لو وضعت تفسيراً للمسلمين سهل العبارة قريب الإشارة يُساعد على فهم كلام الله تعالى وكنت أعِدُ أحياناً وأتهرب أحياناً أخرى حتى ختمت التفسير ثلاث مرات وقاربت الرابعة, وأنا بين الخوف والرجاء وشاء اللهُ تعالى أن أجلس في أواخر محرم عام 1406هـ, إلى فضيلة الدكتور عبدالله بن صالح العبيد رئيس الجامعة الاسلامية ويُلهَم أن يقول لي: لو أنك وضعت تفسيراً على غرار الجلالين يحل محله في المعاهد ودور الحديث تلتزم فيه العقيدة السلفية التي خلا منها تفسير الجلالين فضر كثيراً بقدر ما نفع، وصادف في النفس رغبتها، فأجبته بأن سأفعل إن شاء الله تعالى.

وبهذا الوعد تعينت وأستعنت الله تعالى وشرعت وفي أوائل رجب من العام نفسه تم تأليف المجلد الأول الحاوي لثلث القرآن الكريم وفي أول رمضان كان المجلد اللأول قد طبع والحمد لله, وواصلت التأليف والله أسأل أن يتم في أقرب وقت, وأن يتقبله مني وهو منه وله, فينتفع به كل مسلم يقرأه بنية معرفة مراد الله تعالى من كلامه ليعرف ربه معرفة تكسبه خشيته ومحبته ويعرف محابه تعالى ليتقرب بفعلها إليه ويعرف مساخطه ليتجنبها خوفاً مما لديه.

هذا وإن مميزات هذا التفسير التي بها رجوت أن يكون تفسير كل مسلم ومسلمة لا يخلومنه بيت من بيوت المسلمين فهي:
1- الوسطية بين الاختصار المخل والتطويل الممل.

2- اتباع منهج السلف في العقائد والأسماء والصفات.

3- الالتزام بعدم الخروج عن المذاهب الأربعة في الأحكام الفقهية.

4- إخلاؤه من الإسرائيليات صحيحها وسقيمها، إلا ما لابد منه لفهم الآية الكريمة وكان مما تجوز روايته لحديث.. وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.

5- إغفال الخلافات التفسيرية.

6- الالتزام بما رجحه ابن جرير الطبري في تفسيره عند اختلاف المفسرين في معنى الآية وقد لا آخذ برأيه في بعض التوجيهات للآية.

7- إخلاء الكتاب من المسائل النحوية والبلاغية والشواهد العربية.

8- عدم التعرض للقراءات إلا نادراً جداً للضرورة حيث يتوقف معنى الآية على ذلك وبالنسبة للأحاديث فقد اقتصرت على الصحيح والحسن منها دون غيرهما ولذا لم أعزها إلى مصادرها إلا نادراً.

9- خلو هذا التفسير من ذكر الأقوال وإن كثرت والالتزام بالمعنى الراجح والذي عليه جمهور المفسرين من السلف الصالح، حتى إن القارئ لا يفهم أن هناك معنى غير الذي فهم من كلام ربه تعالى, وهذه ميزة جليلة وذلك لحاجة جمع المسلمين على فكر إسلامي موحد صائب سليم.

10- التزمت في هذا التفسير بالخطة التي مثلتها هذه المميزات رجاء أن يسهل على المسلمين تناول كتاب الله دراسة وتطبيقاً وعملاً لا هم لهم إلا مرضاة الله بفهم كلامه والعمل به, والحياة عليه عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وقضاء وحكماً فلذا أخليته من كل ما من شأنه أن يشتت الذهن, أو يصرف عن العمل إلى القول والجدل.

ولذا فقد جعلت الكتاب دروساً منظمة متسقة فقد أجعل الآية الواحدة درساً فأشرح كلماتها ثم أبين معناها, ثم أذكر هدايتها المقصودة منها للاعتقاد والعمل.

وقد أجعل الآيتين درساً, والثلاث آيات والأربع والخمس ولا أزيد على الخمس إلا نادراً وذلك طلباً لوحدة الموضوع وارتباط المعنى به.

وقد جعلت الآيات مشكولة على قراءة حفص وبخط المصحف وإني أطالب المسلم أن يقرأ أولاً الآيات حتى يحفظها فإذا حفظها درس كلماتها حتى يفهمها ثم يدرس معناها حتى يعيه, ثم يقرأ هداياتها للعمل بها فيجمع بين حفظ كتاب الله تعالى وفهمه والعمل به وبذلك يسود ويكمل ويسعد إن شاء الله تعالى.

وقد جاء في الحديث: (أن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع آخرين) فمَنْ قرأه بحُسن نيَّة فحفظه وفهمه وعمل به وعلمه فقد يُدعى في السماء عظيماً, وفي الحديث الصحيح (خيركم مَنْ تعلم القرآن وعلّمه)، اللهم اجعلني وسائر المؤمنين مِمَّنْ يفوزون بهذه الخيرية فيتعلمون كتابك ويعملون به ويُعلِّمُونه ياحي ياقيوم.

وأخيراً أطالب كل مؤمن ومؤمنة، يقرأ تفسيري هذا المسمى: بأيسر التفاسير لكلام الله العلي الكبير، أن يستغفر لي، ويترحم عليَّ، فهذا حقي عليه، اللهم وفقه لأدائه، واغفر لي، وله، وارحمني وإياه، وسائر المؤمنين، والمؤمنات، والمسلمين، والمسلمات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وكتبه الراجي عفو ربه ورضوانه:
أبو بكر جابر الجزائري
المدينة المنورة
في 17 رمضان 1406هـ.