منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Empty
مُساهمةموضوع: بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة    بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Emptyالثلاثاء 25 مارس 2014, 12:15 am

بسم الله الرحمن الرحيم
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  44444410
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: 
فإن من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل وأشرف العبادات هي بر الإنسان بوالديه، ومن جلالة قدر هذه العبادة وعلوها, قرنها الله عز وجل بحقه سبحانه وتعالى، وهي شعيرة عظيمة ومرتبة سامية رفيعة، من وفق لها فقد وفق للخير كله، ومن حرمها وضيعها: فقد خسر الدنيا والآخرة: وذلك هو الخسران المبين، وقد ضيعت وفرط فيها وتساهل فيها الكثير وللأسف الشديد في زماننا هذا، وما ذاك إلا بسبب بعد الكثير عن الله عز وجل واشتغالهم بالملهيات وبالدنيا الزائفة، التي خدعت العاقل اللبيب، قبل الشاب السفيه. 
وإن هذه الدراسة الجادة المدعمة بالأدلة الشرعية ما هي إلا ومضات ونبضات تدفقت من قلم الأستاذ الفاضل عبد الله بن عبد اللطيف العقيل، نبض بها قلبه وعقله قبل قلمه، فخرج لنا هذا الكلام النير المبارك، وهذه الدراسة وبٍحق هي أول دراسة علمية محكمة، والتي قدم فيها برنامجاً مثالياً مقترحًا للبر بالوالدين، وإني أنصح بنشر هذا المؤلف وتوزيعه على جميع فئات المجتمع وخاصة الشباب منهم والشابات، وأن يحتسب محبو الخير وطالبو الأجر والثواب بطباعته وتوزيعه على الناس، وإني أشكر الباحث على جهده المبارك، وأسأله تبارك وتعالى أن يبارك في عمله ووقته إنه سميعٌ مجيب، كما أسأله تبارك وتعالى أن يرزقنا ويوفقنا بالقيام ولو بشيء يسير من حقوق والدينا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 
قاله
عبد الله بن عبد العزيز العقلا
*******************************
المقدمة
أولاً: فاتحة الكتاب
الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين، وجامعهم إلى يوم الدين، أمر عباده بالعدل والإحسان، ونهى عن كل فاحش ومنكر من القول والعمل، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]، وجعل أعظم الناس حظا من البر والإحسان الوالدين، حيث قرن الإحسان إليهم بعبادته التي هي أعظم مقصد في هذه الحياة، فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23] وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء: 36]، ووصى بهما ما لم يوصِ بأحد من الخلق بعد الرسول  فقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت: 8] وقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [الأحقاف: 15] وأثنى على أولي الألباب الذين اتصفوا بصلة الأرحام وخشية الله تعالى، فقال: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد: 21]، ولعن في كتابه قاطع الرحم - وأعظم الرحم وأقربها الوالدان - فقال: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد: 25] وقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد: 22-23].
فسبحانه من إلهٍ عظيم رحيم وشرع قضى في كتابه العظيم وعلى لسان رسوله الكريم كل ما يُصلح البشرية ويُسعدها ويشد من الروابط الإنسانية والاجتماعية بين أفرادها بما يجلب لها الخير والسعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، ورتب على ذلك من الثواب والعقاب ما فيه عبرة للمعتبر وحافز عظيم لمَن وفقه الله لبر والديه وصلة رحمه -جعلنا الله منهم- ورادع لكل من أغواه الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء فعق والديه وقطع رحمه -عياذاً بالله-. 
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد الهادي البشير النذير معلم الإنسانية وهادي البشرية إلى كل خير ومُحذرها من كل شر، أضاء الله به الدنيا نوراً وملأها سعادة وسروراً، فكل السعادة والخير والنجاة في اتباعه، وقد أمر ببر الوالدين وصلة الأرحام، وقدَّم بر الوالدين على الجهاد. 
فعن عبد الله بن مسعود أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أحب العمل إلى الله عز وجل؟ قال: (الصلاة على وقتها) قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين) قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)، ورغَّب في صلة الرحم فقال: «مَن أحب أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليَصل رحمه» رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، وكذلك رواه مسلم. 
ومما حذر منه عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، فعن عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: «يقول الله تعالى أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسماً من اسمي فمَن وصلها وصلته، ومَن قطعها قطعته». 
وعلى هذا فإن طاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما من أوجب الواجبات وأفضل القربات ومن أعظم أنواع البر والإحسان وأوجبه، وإن عقوقهما من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب ومن أبشع أصناف العقوق والنَّكران للجميل والإحسان. 
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً، وسوف يتم عرض ما يفي بالمقصود إن شاء الله بين ثنايا هذا الكتاب المختصر الذي أسأل الله أن يجعله نافعاً، ولوجهه الكريم خالصاً. 
ثانيا: مصادر البحث ومنهجه:
اعتمدت بعد الله تعالى على كتابه العظيم ثم جملة من الكتب وهي: 
1- تفسير ابن كثير، وقد أشرت إلى ما نقل منه برمز (ك) وبعده رقم الجزء والصفحة. 
2- رياض الصالحين، للإمام النووي رحمه الله، بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط، وأشرت إلى ما نقل منه برمز (ر) وبعده رقم الصفحة. 
3- بر الوالدين، للحافظ ابن الجوزي رحمه الله، بتحقيق الشيخ محمد عبد القادر أحمد عطا رحمه الله، وقد أشرت إلى ما نقل أو اقتبس منه برمز (ج) وبعده رقم الصفحة. 
4- إصلاح المجتمع، للشيخ محمد البيحاني رحمه الله، وأشرت إلى ما تم نقله أو اقتباسه من هذا الكتاب برمز (ح) وبعده رقم الصفحة. 
5- حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة، لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى، وأشرت إلى ما تم نقله أو اقتباسه منه برمز (ث) وبعده رقم الصفحة. 
6- الإعلام فيما ورد في بر الوالدين وصلة الأرحام، لإبراهيم الحازمي، وأشرت إلى مما تم نقله أو اقتباسه منه بعلامة (إ) وبعده رقم الصفحة. 
وتمنيت لو أن الوقت متاح لمزيد من التحقيق والجمع حول الموضوع.
هذا، وقد تم تقسيم البحث إلى عدة فصول وفي كل فصل عدة مباحث، ولم أنص على كلمة مبحث وإنما أذكر المبحث تحت الفصل التابع له فيعلم أنه فرع منه وكذلك فروع المباحث، كما هو واضح في فهرس الموضوعات. 
ثالثاً: تنبيهات: 
1- إذا ذكرت الرَّحم مطلقاً فإن للوالدين منها أوفر الحظ والنصيب لأنهما سبب الرَّحم ومنشؤها وأصلها، وعليه، فأي آيات تذكر أو أحاديث ترد في الحث على صلة الرَّحم وبيان فضلها فإنها تدل على أن فضل بر الوالدين أعظم والحث عليه أكبر وأوجب، وأي آية تذكر أو أحاديث ترد في الوعيد على القطيعة والعقوق فإنها تعني أن الوعيد بشأن عقوق الوالدين أعظم وأشد. 
2- كثيراً ما يأتي ذكر الأولاد أو الأبناء، وهذا اللفظ إذا أطلق فإنه يشمل الذكور والإناث، لأن النساء شقائق الرجال، ومن الناحية اللغوية فإن لفظي (الأولاد) و (الأبناء) كما هو معلوم يشمل البنين والبنات، وعلى ذلك فإن ورود أي من هذين اللفظين في هذا الكتاب فالمقصود به الذكور والإناث، وكل حسب قدرته وطاقته وظروفه يبر والديه على ضوء الحق المتأكد والمتعين لهما. 
3- قد يتيسر للابن من البر ما لا يتيسر للبنت كما هو معلوم، والله تعالى يقول: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا [سورة البقرة: 286] ويقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». 
والله تعالى فضله عظيم ويجزي المؤمن على نيته الحسنة الصالحة الصادقة حتى وإن لم يعمل ما نوى بسبب عذر صحيح من مرض أو عجز أو ظرف قاهر أو غيره. 
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم». 
وعن أنس رضي الله عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبًا ولا واديًا إلا وهم معنا، حبسهم العذر»، أي: إن لهم من الأجر مثل ما عملنا: لأنهم راغبون في مثل ما نعمل وعازمون على عمله لو تمكنوا من ذلك، ولولا أن لديهم عذرًا شرعياً صحيحاً من مرض أو عجز أو عدم قدرة أو غيره لخرجوا معنا وصنعوا مثلنا، فالحمد لله على فضله. 
وبما أنه يتيسر ويتاح للابن ما لا يتاح للبنت لأنها قد تكون مرتبطة بأولاد وزوج له أيضًا حق عظيم عليها، ولأنها لا تستطيع السفر إلا بمَحرم كما أنها لا تستطيع الخروج من بيتها إلا بإذن زوجها إن كانت متزوجة، كما لا تستطيع القيام بأعمال أخرى خارج المنزل بصفة مستمرة بسبب ظروفها والتزاماتها الأسرية والمنزلية أو الزوجية، فإن الواجب والمسؤولية أعظم على الابن، وكلاهما لا يُعذر فيما يستطيع من البر والإحسان لوالديه بالقول والعمل، بالنفس والمال، بالحسن والمعنى، بل يأثم كلاهما إذا قصر فيما يقدر عليه من الواجب تجاه والديه، والأحاديث والآيات السابقة فيها النور والهدى. 
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. 
المؤلف
عبد الله بن عبد اللطيف العقيل
ص.ب: 88996 الرياض 11672
فاكس:
2253721 هاتف: 2253644
*********************************
الفصل الأول
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  418069women
عِظَمْ حق الوالدين وبِرِّهِمَا
أولاً: حق الوالدين وقيمتهما في كتاب الله وأنه بعد حقه تعالى: 
إن أعظم الناس منَّة وأكبرهم نعمة على المرء والداه فهما اللذان تسببا في وجوده واعتنيا به أتم العناية منذ أن كان حملاً إلى أن صار رجلاً، ولهذا جعل الله مرتبة حق الوالدين مرتبة عظيمة عالية حيث جعل حقهما بعد حقه المتضمن لحقه تعالى وحق رسوله , وبلغ من عناية الله بحقوق الوالدين أن قرن برهما والإحسان إليهما بعبادته وحده لا شريك له، التي هي أعظم وأوجب مهمة على الإنسان في هذه الدنيا، فقد قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23-24].
نقل ابن الجوزي عن الأنباري قوله: (إن هذا القضاء ليس من باب الحكم، إنما هو من باب الأمر والفرض).
قوله تعالى: (وَقَضَى) أي: أمر وفرض أن تعبدوه وحده لا شريك له وأن تحسنوا إلى والديكم، والإحسان هو غاية البر والإكرام، لأن إحسان الأبوين قد بلغ الغاية العظمى فوجب أن يكون إحسان الولد إليهما كذلك. 
وأرشد تعالى إلى تأكد الإحسان إليهما في كبرهما عندما يعجزان وتضعف قواهما، وهو أشد تأكداً ووجوبا على الولد. 
كما أرشد الحق سبحانه وتعالى إلى أدنى درجات العقوق وهو قول (أف) التي تشير إلى الاستياء أو التضجر من الوالدين أو من بعض تصرفاتهم وأحوالهم، فهو حرام وما فوقه أعظم حرمة وأشد عقوقاً. 
قال ابن كثير: لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ.
وقال بعض أهل اللغة: الأف هو لكل ما يستقل أو هو أقل القليل. 
وفي الإشارة إلى القليل تأكيد على أن ما فوقه من العقوق أشد حرمة وأعظم جرماً. 
وقوله تعالى وَلَا تَنْهَرْهُمَا أي: لا تكلمهما ضجراً صائحا في وجههما. 
قال ابن كثير: أي لا يصدر منك إليهما فعل قبيح، كما قال عطاء بن أبي رباح: لا تنفض يدك عليهما.
أما القول الكريم فهو القول اللطيف اللين وأحسن ما تجده من القول. 
قال ابن كثير: أي لينًا طيبًا حسنًا بتأدب وتوقير وتعظيم. 
وقوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء: 24] تعبير في غاية اللطافة والرقة والبيان، وهو تمام لين الولد لهم في القول والعمل والمعاملة وتمام رحمته إياهم. 
قال ابن كثير: أي تواضع لهما بفعلك. 
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  957095
لهذا قال تعالى بعدها: وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا أي: أدع لهما بالرحمة لما لهم من الفضل في الإيلاد والتربية والإنفاق والإحسان في الصغر بل والكبر. 
قال ابن كثير: أي قل ذلك في كبرهما وعند وفاتهما. 
وقد قرن الله حق الوالدين بحقه في آيات أخرى، كما قال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء: 36] وقال تعالى عند ذكر الوصايا العشرة في سورة الأنعام: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام: 151] قال ابن كثير: أي وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحساناً، أي أن تحسنوا إليهم. 
وقد أوصى الله تعالى بالوالدين خير وصية، فكما أنه قرن حق الوالدين بحقه في ثلاث آيات أوردناها فيما سبق فإنه تعالى قد أوصى بهما في ثلاث آيات أخرى كذلك، فقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأحقاف: 15]. 
قال ابن كثير رحمه الله: أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما السبب في وجود الإنسان ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق، ومع هذه الوصية بالرأفة والإحسان والرحمة بالوالدين فلا تطعهما في الشرك وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين. 
ويوم القيامة تُحشر مع الصالحين لا في زُمرة والديك: لأن المَرء يُحشر يوم القيامة مع مَن أحب دينيًا. 
ثانياً: تأكيد السنة المطهرة لهذا الحق: 
1- جاءت السنة المطهرة مؤكدة ما ذكره القرآن العظيم من عظم حق الوالدين وأنه متعين بعد حق الله تعالى، فقد أخرج البخاري عن أبي عمرو الشيباني، قال: حدثنا صاحب هذه الدار وأشار إلى دار عبد الله بن مسعود، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» قلت ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». 
2- تقديم بر الوالدين على الجهاد: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، قال: (فهل لك من والديك أحدٌ حي؟) قال: نعم، بل كلاهما، قال: (فتبتغي الأجر من الله تعالى؟) قال: نعم، قال: (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) متفق عليه، واللفظ لمسلم. 
وفي رواية لهما: جاء رجل فاستأذن في الجهاد فقال: «أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد» وهذان نصان صريحان على أن بر الوالدين مُقدم على الجهاد وأن رضاهما شرط للخروج لجهاد التطوع. 
3- روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يَجزي ولد والدًا إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه». 
وعلق ابن الجوزي رحمه الله على هذا الحديث بقوله: ثبت أن الولد إذا اشترى أباه عتق عليه بنفس الشراء، إلا أنه يتلفظ بعتقه، هذا مذهب العلماء ما خلا داود. 
فللحديث معنيان، أحدهما: أنه أضاف العتق إليه لأنه ثبت بالشراء، والثاني أدق معنى وهو: أن يكون المراد أن مُجازاة الوالد لا تُتصور، لأن عتق الابن له لا يُتصور، لأنه بنفس شرائه للأب يُعتق، فصار هذا كقوله تعالى: وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] وذلك لا يتصور، انتهى.
ثالثاً: صلة الرحم: 
1- عظم فضلها والوعيد على قطعها: 
وردت آيات عدة يحثُّ فيها الرب سبحانه وتعالى على صلة الأرحام ويثني على الواصلين ويعظم شأن الرحم، منها ما ذكره الله تعالى في سورة الرعد في معرض ثنائه على أولي الألباب وهم أولو العقول والبصائر الذين يعرفون الحق فيوقنون به ويعملون بمقتضاه، فيقول تعالى مثنيا على الواصلين: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد: 21] قال ابن كثير: من صلة الأرحام الإحسان إليهم. 
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، فجعل صلة الأرحام من علامات التقوى وخشية الله. 
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  763057717
أما ما ورد في السنة المطهرة من الحث والحض على صلة الأرحام وبيان قدر الرحم وعلو شأنها فهو كثير جداً، ونذكر قطافا منها تفي بالمقصود إن شاء الله تعالى. 
فالواصل من أفضل الناس، وقد حدثت درة بنت أبي لهب أنه قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أفضل؟ قال: (أتقاهم لله وأوصلهم لرَحمه، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر). 
والرحم معلقة بالعرش، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله  قال: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله». 
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله تعالى: أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته». 
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله عز وجل لما خلق الخلق قامت الرحم وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: أما ترضي أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، اقرءوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ»والحديث رواه البخاري ومسلم. 
2- علاقة صلة الرحم ببر الوالدين: 
إن جميع ما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة عن صلة الرحم فإن للوالدين منه الحظ الوافر والنصيب الأعظم، لأن الأبوين منشأ كل رحم وهما السبب في وجود الإنسان وهما أخص الأرحام، ثم إنه لا يتصور أن ولداً يصل إخوته وأخواته أو أعمامه وعماته أو أخواله وخالاته أو أبناءهم أو أخوال أمه وأبيه أو عمومتهم أو نحوهم وفي نفس الوقت يكون عاقا لوالديه، فهذا كمن يصوم ولا يصلي فكيف يقبل صومه وقد ترك عمود الإسلام التي من تركها فقد كفر على قول العلماء المحققين، وكمن يحج ولا يصلي، فلعمر الله إنه لا يقبل حجه إلا أن يتوب فيه وبعده توبة نصوحاً. 
وإذا كان لصلة الرحم ووصل الأقارب والإحسان إليهم حسب الطاقة والقدرة والحاجة له من المنزلة العالية والأهمية في دين الإسلام ما سبق بيانه، والتفريط والقطع فيه من الوعيد ما فيه مزدجر ورادع، فما بالك بحق الوالدين اللذين هما أخص الأرحام وأقربهم وأولاهم بالصلة والبر والإحسان وهم أصل كل قرابة. 
إذا، لا رحم أحق بالوصل أعظم من الوالدين، وقد فرض الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- برهما والإحسان إليهما بشتى أنواع البر والإحسان، وعظمت الشريعة المطهرة شأن عقوقهما وتوعدت عليه بأعظم الوعيد وجعلته من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب. 
وكيف لا يستحق الوالدان هذه المنزلة ويتوجب لهما هذا الحق العظيم وهما السبب في وجود الإنسان وهما اللذان يبذلان مهجهما وأموالهما في سبيل نجاح وعافية وإسعاد أبنائهم، ومن قبل هذا فقد تحملت الأم من آلام وأتعاب الحمل والوضع ومن ثم الإرضاع والرعاية في الصغر ما الله به عليم. 
رابعاً: بر الوالدين والحياة الاجتماعية: 
إن صلة الرحم وبر الوالدين من الأسس الهامة لبناء الحياة الاجتماعية والإنسانية الكريمة، فبر الوالدين يبث الرحمة والمودة بين أفراد الأسرة الصغيرة، كما أن المحبة والعطف المتبادل بين الوالدين وأبنائهم يربي الأطفال عاطفيًا ونفسيًا حتى يتكون لديهم الاستقرار النفسي والعاطفي. وبعطف الوالدين ورحمتهم لأبنائهم وبر الأولاد بوالديهم تُبنى الأسرة السليمة الصالحة التي تقوى فيها روابط الحب والعطف والشفقة بين الأبناء ووالديهم مما يهيئ البيئة الصحيحة لتكوين الفرد الصالح السليم الذي يسهم بشكل فاعل في بناء مجتمعه والنهوض بأمته والذي يكون رحيمًا شفيقًا بإخوانه المسلمين يحترم الكبير ويعطف على الصغير ويخلص في عمله ويتقن أداءه. 
كذلك صلة الرحم، والتي هي امتداد لما ذكر أعلاه، فإن فيها توسيعاً لدائرة التعاطف والتراحم من الأسرة الصغيرة إلى أقارب وأرحام متشعبين يتسع نطاق التراحم والتعاطف بينهم لتأسيس البيئة الاجتماعية السليمة التي تشمل بيوتا مترابطة وأسرًا متراحمة تكاد تشمل بشبكتها أكثر أفراد المجتمع، بل لا يكاد أحد يشذ عن هذه الشبكة التراحمية المتداخلة بين أفراد المجتمع.
وهذا من الأسرار العظيمة لتعظيم شأن صلة الرحم في دين الإسلام وفي جو الأسرة وبين الأرحام وبالتالي المجتمع كله، حيث تنشأ أجمل صور الترابط والتلاحم والتناصح والتعاون على البر والتقوى بين أفراد المجتمع الإسلامي الواحد الذي يعطف فيه الكبير على الصغير ويوقر فيه الصغير الكبير، ويعطف فيه الغني على الفقير والمسكين، ويعين فيه القوي الضعيف، وينصر فيه المظلوم، ويحق فيه الحق، مجتمع يجبر فيه الكسير، ويواسى فيه الحزين والمريض، وتكفل فيه الأرملة واليتيم، حتى يصدق فيه قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى». وبهذا يقوى بنيان الأمة وتشتد أركانها فتصمد أمام أعدائها، بل تنتصر عليهم، وتتحقق لها العزة والتمكين والسعادة في الأرض مع طمأنينة النفوس بإذن الله، وذلك ما وعد الله به عباده المؤمنين عندما يحققون هذه الشروط: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8].
خامساً: لماذا وجب شكر الوالدين: 
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Images?q=tbn:ANd9GcRkLBMYd4aUzcuxC6TiR2JuCsDfAKWRePFGOLlq2tNw_ISUS_K0
1- قال ابن الجوزي رحمه الله: غير خاف على عاقل حق المنعم، ولا منعم بعد الحق تعالى على العبد كالوالدين، فقد تحملت الأم بحمله أثقالاً كثيرة، ولقيت عند وضعه مزعجات مثيرة، وبالغت في تربيته، وسهرت في مداراته، وأعرضت عن جميع شهواتها، وقدمته على نفسها في كل حال. 
وقد ضم الأب إلى التسبب في الإيجاد محبته بعد وجوده، وشفقته وتربيته والكسب له والإنفاق عليه. والعاقل يعرف حق المحسن، ويجتهد في مكافأته، وجهل الإنسان بحقوق المنعم من أخس صفاته لا سيما إذا أضاف إلى جحد الحق المقابلة بسوء المنقلب، وليعلم البار بالوالدين أنه مهما بالغ في برهما لم يف بشكرهما. 
2- إن شُكر المُنعم سبحانه وتعالى واجب شرعاً وعقلاً، وشكره يكون بتوحيده ومحبته، وامتثال أمره واجتناب نهيه، والإيمان برسله ومحبتهم واتباعهم، وتصديق ما أخبر به ورسله، ودوام حمده والثناء عليه بما هو أهله، وشكره على ما أولاه من النعم وصرف من النقم، والصبر والرضى بما يقدره ويقضيه، وحمده على كل حال، وقد أمر الله بالشكر فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172]، وقد تأذن بالزيادة لمن شكره فقال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7]. 
ثم إن الحق سبحانه مع أمره بشكره فقد أمر أيضا بشكر الوالدين، بل إن الله تعالى قد قرن شكر الوالدين بشكره، فقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان: 14]، فشكرهم متوجب شرعًا وعقلًا، وما ذاك إلا لما لهم من الفضل البين على أولادهم، في الإيلاد والرعاية والعناية التامة والنفقة والمحبة، وغير ذلك، ولعظيم حقهم توجب لهم أعظم الشكر وأتم البر والإحسان، ولعظيم حقهما أمر الله بطاعتهما وبرهما وشكرهما والإحسان إليهما على الدوام جزاء لهما على ما صنعاه ومكافأة لهما على جميل ما فعلاه. 
3- يقول الشيخ محمد البيحاني رحمه الله: 
أعظم الناس منَّة وأكبرهم نعمة على المرء والداه اللذان تسببا في وجوده، واعتنيا به منذ أن كان حملاً إلى أن صار رجلًا، فأمه تحمله تسعة أشهر في بطنها، تُعاني به ألم الوحم وثقل الحمل، ثم تضعه كرها تشاهد الموت وتقاسي أشد الآلام، وترضعه حولين كاملين. 
تضيق في أول الحمل بالشراب والطعام أحشاؤها، وتضعف عند الوضع أعضاؤها، فحمله كره ووضعه كره. 
ثم هي بعد ذلك تجوع ليشبع وتسهر لينام وتتعب ليستريح، وتترك كثيراً مما تشتهيه خشية أن يتغير لبنها فيمرض ولدها، وكم تعاني من الأتعاب عند فصاله ووقت فطامه، فهي به رحيمة وعليه شفيقة، تفضل موتها على حياته، وتود لو يقبل الموت فداء فتفدي بنفسها ولدها الذي يجهل حقها، ولا يؤدي شيئًا مما عليه، والجنة تحت أقدام الأمهات، وهي أحق الناس ببر ابنها لها وحسن صحبته لها، و: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن: 60] ويواصل الشيخ البيحاني حديثة بقوله: وأما أبوه فيجد ويسعى في طلب العيش لتحصيل النفقة، يظل نهاره يكد، ويبات ليله يساعد الأم على التربية، فيهز بطفله المهد، ويسكته إذا بكى، ويحاول دفع الأذى عنه بكل ما في وسعه حتى الذي يناله من البق والبعوض، ويخشى عليه الثقل من وطأة الذر، وكلاهما يقول: 
وإنمــــا أولادنا بيـــــــــننا 
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني مـن الغمض
انتهى كلامه. 
فسبحان من ملأ قلوب الوالدين بهذا الفيض من الحنان والعطف ووهبهما هذه الأحاسيس الرقيقة والمشاعر الفياضة التي تنسكب على الطفولة وتكسبها أسمى معانيها وأجمل لحظاتها. 
وفي هذا يشير أحد الشعراء إلى هذا الحنان والعطف الفطري لدى الأبوين فيقول سائلاً شخصاً آخر: 
سألتك بالله الذي رفع السما
ومن أنبع الماء الزلال من الحجر
وحنن قلب الوالدين تحــــننا 
وسواك من ماء مهين قد انهمـــر
إن الحديث عن مشاعر الوالدين وما فطرا عليه من الشفقة والعطف على أولادهم وإيثارهم على أنفسهم لا ينتهي مما لو استمر الإنسان بتدوين ذلك ذاكرًا الأمثلة والوقائع الحية لوصل إلى مجلدات، ولكن لعل في الإشارة إلى ذلك ما يغني عن الإطالة، واللبيب بالإشارة يفهم. 
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  12030721132039
سادساً: بر الوالدين الكافرين أو المشركين: 
لما تبين تماما بالأدلة الساطعة النقلية والعقلية أن حق الوالدين عظيم والإحسان إليهما فريضة وواجب، فإن الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى الوالدين غير المسلمين وحسن صحبتهما في الدنيا وبذل المعروف لهما وطاعتهما في غير معصية لله، فقال تعالى في هذا: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 14-15].
وتنص هذه الآية على أن الإحسان إلى الوالدين وبذل المعروف لهما لا يؤثر عليه كونهما مشركين , بل حتى لو كانا يدعوان الابن إلى الباطل فإن حقهما في حسن الصحبة لا يسقط، وهذا من عظمة الإسلام وعموم رحمة رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي شملت العالمين. 
وفي السنة المطهرة تقول أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: قَدِمَتْ عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: قَدِمَتْ عليَّ أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: «نعم صِلِي أمك». 
ولعل السبب في أن الصلة الدنيوية وإحسان الصحبة للوالدين متأكدة وواجبة على الأولاد حتى وإن كان الوالدين غير مسلمَين هو أنهما يشتركان في مُسببات البِّر مع الوالدين المسلمين وذلك من ناحية أنهما سبب الإيجاد وأنهما يرعيان أولادهما في الصغر ويعطفان عليهم والأم تحمل وتضع كرها وترضع، إلى غير ذلك. 
فإذًا لا فرق في أن لهما منةً وفضلاً عظيمًا على الأولاد، غير أن الوالدين المسلمَين الصالحَين يزيدان فضلاً على الأولاد بحُسن الرعاية والتربية لهم وذلك بسبب ما يدعوهم إليه دينهم الذي يوجب عليهم إحسان تربية ورعاية الأولاد، كذلك في الغالب يكونان (أي الوالدَين المسلمَين) أكثر عطفا وشفقة بسبب تأثير الإيمان وهذا الدين العظيم الذي هو دين الرحمة والشفقة والخير، وقبل هذا كله هما مسلمان صالحان، وبالتالي يزيد ما لهم من الفضل على الأولاد وما لهم من الحق أيضاً عن الوالدين غير المسلمين، مع بقاء أصل الحق مشتركًا، والله تعالى أعلم. 
قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا أي: إن حرصا عليك كل الحِرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً أي محسنًا إليهما.
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Images?q=tbn:ANd9GcR99nZ7P24tOrhRt3uqV7BgV4s3rKPy-eJF0cEyY73vK7l1bhWNMQ
سابعاً: الأم وتقديمها في البر وتخصيصها بمزيد من الإحسان: 
لقد خص الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم الأم بمزيد عناية في البر والاحسان لما لا يخفى لها من عظيم الفضل والمنة على الولد فقد حملته وهنا على وهن بضعة شهور وعانت به أتعاب الحمل المختلفة وقاست به آلام الولادة ثم أرضعته ما شاء الله وقامت برعايته أتم قيام، حيث كانت تقوم بجميع شؤون مطعمه ومشربه وملبسه بل وقضاء حاجته، وأغدقت عليه صنوف العطف والحنان، أفلا تستحق بعد ذلك كله أجمل الشكر وأتم الإحسان؟! وإلى هذا يشير المولى جل وعلا لهذا الحق الزائد للأم بعد وصيته بالوالدين جميعاً، بقوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حيث قال بعدها مباشرة: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15].
قال ابن كثير: قوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ أي: قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعباً من وحم وغثيان وثقل وكرب إلى غير ذلك مما ينال الحوامل من التعب والمشقة، وقوله: وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا أي: بمشقة من الطلق وشدته. 
وفي الآية الأخرى يقول الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان: 14]، فذكر الوالدين ثم أشار إلى الأم، لأن برها مُقدم وأشار إلى سبب ذلك من أتعاب ومشاق الحمل وما بعده من الولادة والرضاعة والرعاية. 
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ قال مجاهد: مشقة وهن الولد، وقال قتادة جهداً على جهد، وقال عطاء الخراساني: ضعفا على ضعف. 
ولقد جاء في السنة المطهرة ما يؤكد التفسير المذكور للآيات السابقة فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال ثم مَن؟ قال: (أمك) قال: ثم مَن؟ قال (أمك) قال: ثم مَن؟ قال: (أبوك).
ولا أدل من هذا الحديث الصريح على علو شأن الأم وأنه مهما بذل الإنسان في برها والإحسان إليها فلن يصل إلى بعض إحسانها وفضلها عليه فضلاً عن أن يبلغه. 
وأخرج هذا الحديث أحمد عن معاوية، وفي لفظه زيادة: (...ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب). 
ومعنى (صحابتي) في الحديث بمعنى: صحبتي. 
وعن المقداد بن معد يكرب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب». 
وأخرج أحمد أيضًا عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات». 
يتبع إن شاء الله...


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الثلاثاء 25 مارس 2014, 5:46 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Empty
مُساهمةموضوع: دعوة الوالدين مستجابة   بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Emptyالثلاثاء 25 مارس 2014, 5:44 am

ثامناً: دعوة الوالدين مستجابة:
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  074000821a170ebe8232cd2426f72746
1- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه حديثًا طويلاً عن الذين تكلموا في المهد وأنهم ثلاثة، وذكر منهم جريح، وسوف نذكر من الحديث شاهدنا في الموضوع، قال عليه الصلاة والسلام: (كان جريج رجلاً عابداً، فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته فانصرفت.
فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات.
فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغي يُتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم فتنته، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت قالت هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك، قال: أين الصبي؟ فجاءوا به فقال دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبي وطعنه في بطنه وقال: يا غلام مَنْ أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يُقبلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا... وذكر تتمة الحديث...).
2- وعند البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدين على ولدهما».
لهذا ينبغي على الوالدين أن يحذرا من الدعوة على أولادهما عند الغضب أو عندما يريا ما لا يرضيهما فلعلهما يوافقان باب إجابة مفتوح فتكون الدعوة سببًا في هلاك الولد أو شقائه في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا، وربما شقائهم به أو معه, نعوذ بالله من الشقاء في الدنيا والآخرة - فإذا دعيا فلا يدعيان إلا بخير وصلاح.
الفصل الثاني
ثواب وحسن عاقبة بر الوالدين وصلة الرحم:
1- دخول الجنة:
يقول الله تعالى في الكتاب العزيز ذاكرًا الثواب العظيم لمن يصلون الرحم ويخشون ربهم ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وغير ذلك من أعمال البر العظيمة: "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ" [الرعد: 21-22].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف رجلٌ أدرك والديه أو أحدهما عند الكبر ولم يدخل الجنة»، يعني بسببهما وبسبب برهما والإحسان إليهما.
وأخرج أحمد والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الجنة تحت أقدام الأمهات».
وروي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نِمْتُ فرأيتني في الجنة، فسمعت قارئاً يقرأ، فقلت: مَنْ هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كذلك البر، فكان من أبر الناس بأمه». فما أسهل المطلوب وهو بر الوالدين، فهو يسير على مَنْ يَسره الله عليه، وما أعظم العطاء وهو الجنة مع التوفيق في الدنيا والآخرة بفضل الله ورحمته.
2- قبول الأعمال الصالحة والتجاوز عن السيئات مع دخول الجنة:
ذكر الله تعالى في سورة الأحقاف بعد ذكر البار بوالديه الداعي لهما بالخير أنه يتقبل منه عمله ويغفر له ويدخله الجنة، قال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" [الأحقاف 15-16].
3- الوالدان من أبواب الجنة:
عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الوالدة أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه»، وأورده المنذري وعزاه لابن حبان في صحيحه بلفظ: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فحافظ على ذلك الباب إن شئت أو دع».
وعن جاهمة السلمي أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد، فقال: «ألك والدة؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن عند رجليها الجنة».
وأخرج الطبراني عن جاهمة أيضًا قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أستشيره في الجهاد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألك والدان»؟ قلت: نعم، قال: «الزمهما فإن الجنة تحت أقدامهما».
وبهذا يتبين أن رضا الوالدين مقدم على الجهاد.
4- من أسباب طول العمر وبركته مع سعة الرزق:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه»، وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ سره أن يُمد له في عمره ويُوسع له في رزقه، ويُدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه».
ولا ريب أن بر الوالدين أعظم صلة للرحم كما تم بيانه في المقدمة وفي الفصل الأول، وأن بر الوالدين وصلة الرحم من أسباب انشراح الصدور ودفع المكروه وبركة الأعمال والأرزاق وصلاح الحال بإذن الله.
5- السعي على الوالدين في سبيل الله:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال عمر رضي الله عنه: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبل، فأشرفنا على وادٍ، فرأيت شاباً أعجبني شبابه، فقلت يا رسول الله: أي شابٍ لو كان شبابه في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عمر لعله في سبيل الله وأنت لم تشعر» ثم جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا شاب، هل لك مَنْ تعول؟ قال: نعم، قال: مَنْ؟ قال: أمي، فقال: الزمها فإن عند رجليها الجنة».
6- دعاء الله ورجاء رحمته ببر الوالدين، وأنه مما يُفرج الكُرَبْ:
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «انطلق ثلاثة نفر مِمَّنْ كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوا، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.
قال رجل منهم: اللهم إنه كل لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما.
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا مما نحن فيه من هذه الصخرة.. ثم ذكر الحديث.. إلى أن قال: فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون».
7- بر الأبناء بوالديهم البارين (كما تدين تدان):
من بركات بر الوالدين في الدنيا أن الله يُوفق أبناء البَّار فيكونون بارين به بإذن الله، والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.. وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم».
يقول البيحاني -رحمه الله-:
بر الوالدين والسعي في مرضاتهما شيء يُحبه كل إنسان، ومَنْ كان في يومه ولداً باراً أو عاقاً فسوف يكون غداً والداً محتاجاً إلى بر أبنائه وبناته وسيفعلون معه كما فعل، وكما تدين تُدان والجزاء من جنس العمل.
الفصل الثالث
شؤم العقوق والقطيعة وعظيم إثمهما:
ليس من المُستغرب بعد كل هذا التأكيد والتعظيم لحق الوالدين وسائر الأرحام أن تكون عقوبة العقوق والقطيعة والزجر عنهما بنفس المستوى، ولقد وردت آيات بينات وأحاديث جامعات تبين شناعة الجرم وعظم الذنب لمن عق والديه أو قطع رحمه، ولا غرو فقيمة بر الوالدين عظيمة في دين الإسلام وفي شريعة محمد خير الأنام -صلى الله عليه وسلم-.
وفيما يلي نستعرض أخطر آثار وعواقب العقوق والقطيعة:
1- عقوق الوالدين من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب:
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب وأشنعها لما فيها من عظيم النكران للجميل والإحسان ومقابلته بضده. 
فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًاً فجلس. فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور» فما يزال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس».
وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال: وكثرة السؤال، وإضاعة المال».
كما ثبت أن الله لا ينظر للعاق لوالديه يوم القيامة ولا يدخله الجنة لعظم وقبح ما اقترفه من ذنب، فقد أخرج أحمد والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى».
2- خسران مَنْ أدرك والديه أو أحدهما فلم يُدخلاه الجنة أو أدركهما فأدخلاه النار:
مغبونٌ وخاسرٌ أيُما خسران مَنْ أدرك والديه أو أحدهما ولم يكونا له سببًا في دخول الجنة وذلك ببره بهما وإحسانه إليهما، وخاسرٌ أعظم مَنْ يكونا سببًا له في دخول النار بسبب عقوقه وإساءته إليهما.
وفي هذا المعنى روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف مَنْ أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة».
«ورغم أنف»: كناية عن الذل كأنه لصق بالرغام وهو التراب هواناً، وكناية عن عظم الخسارة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صعد المنبر فقال: «آمين ثلاث مرات» فلما نزل قيل يا رسول الله: إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين ثلاث مرات، فقال: «إن جبريل أتاني، فقال: مَنْ أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومَنْ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومَنْ ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين».
3- قاطع الرحم ملعون ومتوعد بالنار:
قال الله تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" [محمد: 22-23].
قال ابن كثير: قوله: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ" أي تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية الجهلاء تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام، وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموماً وعن قطع الأرحام خصوصاً، بل، قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال.
وقال تعالى في عقوبة القاطعين للأرحام، وأعظم الأرحام الوالدين: "وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" [الرعد: 25].
وفي السنة أخرج البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «لا يدخل الجنة قاطع» قال سفيان في روايته: أي قاطع رحم.
فما أعظم هذه الآيات، إذ يكفي زجراً لعن الله وتوعده للقاطع بسوء الدار والمنقلب والنار وبئس القرار، وإخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن القاطع لا يدخل الجنة، وليس معناه الخلود في النار إذا كان من أهل الإيمان والصلاة، ولكن هذا يدل على عظم الذنب وشناعته.
4- تعجيل العقوبة في الدنيا للعاقين:
من العواقب الوخيمة لعقوق الوالدين وقطع الأرحام هو تعجيل العقوبة في الدنيا، إما بالمثل بأن يعامله أبناؤه بمثل ما عامل والديه وكذلك أقاربه، أو بعقوبة في ماله أو في نفسه أو في عياله أو بقلة التوفيق وكثرة الضيق -نعوذ بالله من كل ذلك- سواء أدرك ذلك أم لم يُدركه.
فعن أبي بكرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل الذنوب يُؤخرُ اللهُ منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عُقوق الوالدين، فإنه يُعجله لصاحبه في الدنيا».
وذكر أن عاقاً كان يجر أباه برجله إلى الباب، فكان له ولد أعق منه، وكان يجره برجله إلى الشارع، فإذا بلغ الباب قال: حسبُك ما كنت أجر أبي إلا إلى هذا المكان، فيقول له ولده: هذا جزاؤك والزائد صدقة مني عليك.. نعوذ بالله من الشقاء.
5- لا يُقبل عمل القاطع:
إن من عقوبة قاطع الأرحام عدم قبول العمل، خصوصاً إذا كانت القطيعة على أمور الدنيا الفانية أو بسبب أمور تافهة يتنزه عنها العقلاء والكرماء والنبلاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أعمال بني آدم تُعرض على الله كل خميس ليلة جمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم».
6- لعن من لعن والديه:
لعنُ الوالدين حرام، ومَنْ تسبب في لعن والديه فقد عَظُمَ إثمه، فكيف بِمَنْ يسب والديه مباشرة. روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ ! قال: «نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه».
وفي رواية أخرى: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه» قيل يا رسول الله: كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه».
وغالباً لا يسب أحد أبويه ويلعنهما مباشرة كما بيَّن الحديث ولكنه يسب أم هذا أو أباه فيسبون أمه وأباه ويصبون عليهما من اللعنات والشتائم أضعاف ما صدر منه، والبادئ أظلم.
7- العقوق وخطر سوء الخاتمة:
روي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: (كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه آت فقال: شاب يجود بنفسه فقيل له قل لا إله إلا الله فلم يستطع، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كان يصلي؟ فقال: نعم، فنهض الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونهضنا معه، فدخل على الشاب فقال: قل لا إله إلا الله، فقال: لا أستطيع، قال: لِمَ؟ قال: كان يعُق والدته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أحَيَّةٌ والدته؟ قالوا نعم، قال: ادعوها فدعوها فجاءت، فقال: أهذا ابنكِ، قالت: نعم، فقال لها: أرأيتِ لو أججتُ نارً ضخمة فقيل لكِ إن شفعتِ له خلينا عنه وإلا حرقناه بهذه النار، أكنتِ تشفعينَ؟ قالت: يا رسول الله إذن أشفعُ، قال: فأشهدي الله وأشهديني أنكِ قد رضيتِ عنه، قالت: اللهم إني أشهدكَ وأشهد رسولكَ أن قد رضيتُ عن ابني هذا، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: يا غلام، قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالها، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: الحمد لله الذي أنقذه من النار).
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  92741alsh3er
الفصل الرابع
آثار وأقوال جميلة ومؤثرة حول البر والعقوق:
1- روي عن كعب بن علقمة، أن موسى عليه السلام قال: يا رب أوصني، قال: أوصيتك بأمك، فإنها حملتك وهنًا على وهن. قال: ثم بمن؟ قال: بأمك ثم أبيك.
2- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايعه، فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان، قال: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما».
فما أرحم هذا الرسول الكريم بأمته عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى فيه: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [التوبة: 128].
3- عن عمر رضي الله عنه، قال: «إبكاء الوالدين من العقوق» وكذا روي عن ابنه عبد الله.
4- عن الحسن أنه سئل عن بر الوالدين فقال: «أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما ما لم يكن معصية».
5- روي عن هشام بن حسان قال: قلت للحسن: إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: تعش العشاء مع أمك تقر به عينها، أحب إلي من حجة تحجها تطوعاً.
6- روي عن رفاعة بن إياس قال: رأيت الحارس العكلي في جنازة أمه يبكي، فقيل له: تبكي؟ قال: ولِمَ لا أبكي وقد أغلق عني بابٌ من أبواب الجنة.
7- وروي أيضا أنه لما ماتت أم إياس بن معاوية بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة وأغلق أحدهما.
8- يقول الشيخ البيحاني: روي أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أبي أخذ مالي، فقال له المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «اذهب فأتني بأبيك» فلما جاء الشيخ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- «ما بالُ ابنك يشكوك، أتريد أن تأخذ ماله» فقال له: سلهُ يا رسول الله هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: دعنا من هذا، أخبرني عن أي شيء قلته في نفسك ما سمعته أذنك، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينًا، لقد قلت في نفسي ما سمعته أذناي، فقال: قل فأنا أسمع، قال:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً
تعلُّ بما أحنوا عليك وتنهــل
إذا ليلة ضاقت بك السقم لم أبت
لسقمك إلا ســـاهراً أتملــمل
كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنني
لأعلم أن المــوت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مــدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المُنــــعم المُتــفضل
فليتك إذا لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
فحينئذ أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلابيب الولد وسلمه لوالده قائلاً: «أنت ومالك لأبيك».
9- يقول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: «إن حق الوالدين عليك أن تبرهما وذلك بالإحسان إليهما قولاً وفعلا بالمال والبدن، تمتثل أمرهما في غير معصية الله وفي غير ما فيه ضرر عليك، تُلين لهما القول وتبسط لهما الوجه وتقوم بخدمتهما على الوجه اللائق بهما ولا تتضجر منهما عند الكبر والمرض والضعف ولا تستثقل ذلك منهما فإنك سوف تكون بمنزلتهما، سوف تكون أبا كما كانا أبوين، وسوف تبلغ الكبر عند أولادك إن قدر لك البقاء كما بلغاه عندك، وسوف تحتاج إلى بر أولادك كما احتاجا إلى برك، فإن كنت قد قمت ببرهما فأبشر بالأجر الجزيل والمجازاة بالمثل فمن بر والديه بره أولاده، ومن عق والديه عقه أولاده، والجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان».
10- عن عمر بن الزبير رحمه الله قال: «ما بر أبويه مَنْ أحَدَّ النظر إليهما».
11- وعن محمد بن سرين رحمه الله تعالى، قال: «مَنْ مشى بين يدي أبيه فقد عقَّهُ، إلا أن يمشي يميط الأذى عن طريقه، ومَنْ دعا أبيه باسمه فقد عقَّهُ، إلا أن يقول: يا أبتِ».
12- عن مجاهد رحمه الله، قال: «لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه، ومَنْ شدَّ النظر إلى والديه لم يبرهما، ومَنْ أدخل عليهما ما يُحزنهما فقد عقَّهما».
13- وقال الحسن البصري رحمه الله: «مُنتهى القطيعة أن يُجالس الرجل أباه عند السلطان» أي يُقاضيه.
14- ورد في أشراط الساعة: أن يطيع الرجل زوجته ويعق أمه، وأن يبر صديقه ويجفو أباه.
15- روي عن بعض الحكماء: لا تُصادق عاقاً، فإنه لن يَبرك وقد عَقَّ مَنْ هو أوجب منك حقاً.
16- قال يزيد بن أبي حبيب: «إيجاب الحجة على الوالدين عقوق» يعني الانتصار عليهما في الكلام.
17- وسُئِلَ كعب الأحبار عن العقوق، فقال: «إذا أمرك والداك بشيء فلم تطعهما فقد عققتهما العقوق كله».
18- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الوالد، والمظلوم، والمسافر.
19- روي عن مجاهد رحمه الله: ثلاثة لا تحجب دعوتهم عن الله عز وجل: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد لولده، وشهادة أن لا إله إلا الله.
20- يقول الشيخ البيحاني رحمه الله: الطفل يظهر حبه لأمه قبل كل أحد، فإذا غابت عنه دعاها، وإذا أعرضت عنه ناجاها، وإذا أصابه مكروه استغاث بها وناداها، يحسب أن الخير كله عندها ويظن أن الشر لا يخلص إليه ما دامت تضمه بيديها وترعاه بعينيها، ثم الولد لا يحب بعد أمه إلا أباه الذي إذا دخل هش وبش له، وإذا خرج تعلق به، وإذا حضر قعد على حجره، وإذا غاب سأل عنه وانتظر مجيئه، يرى أنه إذا رضي عنه أعطاه كل شيء، وأنه إذا غضب قدر على كل شيء، يُخوف الناس كلهم بأبيه، وأي حب للوالدين أعظم من هذا، ولكنه إذا كبر نسي الجميل وأنكر المعروف ولم يتذكر بعطفه على بنيه وتحكمهم عليه أنه كان كذلك في صغره بين أمه وأبيه.
إن للوالدين حقاً علينا
بعد حق الإله في الاحترام
أولدانا وربيانا صغاراً
فاستحقا نهاية الإكرام
21- بعض الأولاد لا يكفيهم من العقوق أنهم لا يقومون بما أوجب الله عليهم تجاه الوالدين بالبر والإحسان إليهم والذي تدعو إليه الفِطَرُ السليمة والعقول الراجحة والقلوب الرحيمة، بل إنهم يسيئون إليهم ويؤذونهم بالقول أو بالفعل ويصح فيهم قول الشاعر على لسان الأبوين.
أريد حياته ويريد موتي
عذيرك من خليلك من مراد
22- كما أن بعض الأولاد يسيئون إلى والديهم ويتنصلون من برهم والإحسان إليهم في وقت يكونون هم في أمس الحاجة إليهم، وذلك عند كبر سنهم وضعف قواهم واشتداد حاجتهم إلى الخدمة والعطف والمؤانسة والرعاية بكل معانيها، إذا يصبحان في حاجتهما قريبا من حاجة الطفل، فهما يريدان مَنْ يُضحكهما ويرعاهما، ويريدان مَنْ يُكثر مجالستهما بحسن الحديث ولطيف العبارة، لأنهما يحسان بأنهما منعزلان عن الناس وأن لا أحد يهتم بهما، ولهذا نصت الآية العظيمة على تأكد حقهم وتعاظمه عند الكبر في قول الله تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" الآية [الإسراء: 23].
وبدلاً من أن يزداد عطف الأولاد وشفقتهم على والديهم عند كبرهم ويزداد برهم بهم والإحسان إليهم بجميع صنوف البر والإحسان القولية والعملية، والمالية والبدنية، الحسية والمعنوية، فإن بعض الأولاد يضيق ذرعاً بوالديه عند كبرهما، عياذا بالله من العقوق، وربما سبُّوهُما أو آذوهما فعلاً، وقالوا بلسان حالهم لأبيهم أو لأمهم -نعوذ بالله من ذلك-:
وماذا تريد اليوم منا وأنت في
بقية أيام ورجلك في القبر
لقد ملَّك الدهر الطويل وأنت لم
تمل حياة السوء في آخر العمر
23- من حق الوالدين الرجوع في العطية، فقد أخرج البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحل لرجلٍ أن يُعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يُعطي ولده».
الفصل الخامس
صور حية ونماذج صادقة من البر بالوالدين:
1- بر إبراهيم عليه الصلاة والسلام: وفي مخاطبته لأبيه عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، مع أن أباه كان مشركًا ولم يسلم، عبرة وقدوة وأعظم أسوة، كما قال الله تعالى: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ" [الممتحنة: 4]، وكما قال تعالى: "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ" [البقرة: 130]، وقال تعالى: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [النحل: 123].
فقد خاطب إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبيه بألطف عبارة وأحسن نداء وألين كلام، في تواضع جم ورأفة عظيمة، وبلغ الغاية في الإشفاق واللين مما لو قيل للحجر لتهدهد، وبلغ الغاية في صدق المشاعر والنصح الخالص، فعليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولذلك فإني سأكتفي بذكر الآيات البينات دون تعليق وشرح فهي معبرة غاية التعبير، وليس أبلغ ولا أدل ولا أجمل ولا أعظم من كلام الله تعالى، يقول الله تبارك وتعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" [مريم: 41-47].
2- بِرُّ عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: يقول الله تعالى عن عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا" [مريم: 31-32].
3- برُّ يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام: بين الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أن الأنبياء بارين بوالديهم، كيف لا وهم قدوة الخلق.
يقول تعالى مُثنيًا على يحيي بن زكريا عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا" [مريم: 12-14].
فكان عليه السلام محسنًا بوالديه بارًا بهما، مطيعًا لأوامرهما ونهيهما، ولم يكن مسيئًا ولا مغلظًا لهما بالقول ولا بالعمل.
4- لأنها تفعله وتتمنى بقاءك وأنت تتمنى فراقها: عن زرعة بن إبراهيم، أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه، فقال: إن لي أمًا بلغ منها الكبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، وأوضئها، وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري وحبست نفسي عليها؟ قال: إنها كانت تصنع ذلك بك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها.
5- صورة أخرى من البر: رأى عمر رضي الله عنه رجلاً يحمل أمه، وقد جعل لها مثل الحوية (كساء) على ظهره، ويطوف بها حول البيت وهو يقول:
أحمل أمي وهي الحمالة
ترضعني الدر والعلالة
فقال عمر: الآن أكون قد أدركت أمي، فوليت منها مثل ما وليت أحب إليَّ من حمر النعم.
6- حمله لأمه على رقبته للحج لا يساوي طلقة من طلقاتها: قال رجل لعبد الله بن عمر. رضي الله عنهما. حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها المناسك، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا طلقة من طلقاتها.
7- إن أباه كان ودًّا لعمر: في صحيح مسلم عن عبد الله بن دينار: أن رجلا من الأعراب لقي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في طريق مكة، فسلم عليه وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار فقلنا: أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان ودًا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أبرَّ البر صلة الولد أهل ود أبيه».
8- أبو هريرة وأمه: روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان إذا أراد أن يخرج من البيت وقف على باب أمه، فقال: «السلام عليكم يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمكِ الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمكَ الله كما بررتني كبيراً، وإذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك».
9- ابن سيرين والنخلة: عن محمد بن سيرين رحمه الله أنه قال: بلغت النخلة ألف درهم، فنقرت نخلة من جمارها، فقيل لي: عقرت نخلة تبلغ كذا، وجمارة بدرهمين؟ قلت: وقد سألتني أمي، ولو سألتني أكثر من ذلك لفعلت.
10- يغسل رأس أمه: روي عن سفيان الثوري، قال: كان محمد ابن الحنفية يغسل رأس أمه بالخطمى ويمشطها ويخضبها.
11- لا يأكل مع أمه: روي عن الزهري، قال: كان الحسن بن علي لا يأكل مع أمه، وكان أبر الناس بها، فقيل له في ذلك، فقال أخاف إن أكلت معها، أن تسبق عينها إلى شيء من الطعام وأنا لا أدري، فآكله، فأكون قد عققتها، وفي رواية: أخاف أن تسبق يدي يدها. وقيل: إنه نقل مثل ذلك عن عبد الله بن عمر أو عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم.
12- ابن مسعود مع أمه: وعن أنس بن النضر الأشجعي أنه استقت أم ابن مسعود ماءً في بعض الليالي، فذهب فجاءها بشربة فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح.
13- ظبيان من أبر الناس بأمه: وعن ظبيان بن علي الثوري، وكان من أبر الناس بأمه، قال: لقد نامت أمه ليلة وفي صدرها عليه شيء، فقام على رجليه يكره أن يوقظها ويكره أن يقعد، حتى إذا ضعف جاء غلامان من غلمانه، فما زال معتمداً عليهما حتى استيقظت، وكان رحمه الله يسافر بها إلى مكة فإذا كان يوم حار حفر بئراً، ثم جاء بنطع فصب فيه الماء، ثم يقول لها: أدخلي تبردي في هذا الماء.
14- علا صوته: وعن عون بن عبد الله أنه نادته أمه فأجابها، فعلا صوته، فأعتق رقبتين.
15- منصور لا يرفع طرفه إلى أمه: وعن بكر بن عباس، قال: ربما كنت مع منصور في مجلسه جالساً فتصيح به أمه، وكانت فظة غليظة، فتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى؟ وهو واضع لحيته على صدره، ما يرفع طرفه إليها.
16- بر ولد ابن ذر: قال ابن الجوزي: بلغنا عن عمر بن ذر، أنه لما مات ابنه قيل له: كيف كان بره بك؟ قال: ما مشى معي نهاراً إلا كان خلفي، ولا ليلاً إلا كان أمامي، ولا رقد على سطح أنا تحته.
الفصل السادس
حقوق الوالدين وطرق البر بهما ملخصة في نقاط:
يمكن لنا أن نلخص مما سبق من الآيات البينات والأحاديث النيرات والآثار الواعظات، أن بر الوالدين والقيام بحقوقهما يتمثل إجمالاً فيما يلي:
1- الحب والتوقير:
من حق الوالدين على أولادهما حبهما واحترامهما وتوقيرهما، والحب والاحترام والتوقير واجب لكل مسلم على أخيه المسلم، وهو من الصغير للكبير، ومن المأمور للأمير، وللوالدين من أولادهما. وإذا كانت القلوب مجبولة على حب مَنْ أحسن إليها فلا أحد أكثر إحساناً بعد الله على الإنسان من والديه.
2- ومن حقهما أن لا يوالي عدوهما وأن لا يجانب صديقهما، وذلك بالمعروف.
3- التأدب والطاعة:
ومن حقهما التأدب لهما، ولين القول لهما وطيب الحديث معهما، وطاعتهما بامتثال أوامرهما واجتناب نهيهما وذلك في غير معصية الله. كما تحصل طاعتهما بالوقوف عند رغبتهما، والعمل بما يرضيهما ويوافق رأيهما، والإنصات لهما إذا تحدثا، وتصديقهما فيما يقولا، وقضاء حوائجهما، وأن يغدو عليهما ويروح وقتما يريدا، حسب القدرة والطاقة مع الاجتهاد في ذلك "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" [البقرة: 286].
قال ابن الجوزي: يكون بر الوالدين بطاعتهما فيما يأمران به ما لم يكن بمحظور، وتقديم أمرهما على فعل النافلة، والاجتناب لما نهيا عنه، والإنفاق عليهما، فلا يرفع الولد صوته، ولا يحدق إليهما، ولا يدعوهما باسمهما، ويمشي وراءهما، ويصبر على ما يكره مما يصدر عنهما. 
يتبع إن شاء الله...


بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Empty
مُساهمةموضوع: الدعاء لهما أحياء وأمواتاً   بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Emptyالثلاثاء 25 مارس 2014, 6:44 am

4- الدعاء لهما أحياء وأمواتاً:
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  284697oobk
ومن البر الخفي الذي يقدر عليه كل الأولاد الذكر والأنثى، الغني والفقير، القوي والضعيف، الدعاء لهما سراً في الصلوات والخلوات، وجهراً على مسامعهما تطييباً لخواطرهما، كقول: غفر الله لكما ورحمكما ونحوه.
وهذا الدعاء للآباء والأمهات، سواءً كانوا أحياءً أو أمواتًا، وقد أمر الله تعالى به في قوله: "وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" [الإسراء: 24] وكما قال الله تعالى عن المؤمنين: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر: 10].
والدعاء مرغب فيه أيضاً من الوالدين لأولادهما فدعوتهما مستجابة بإذن الله كما سبق ذكره في بعض الأحاديث والآثار.
هذا، وقد دعا الأنبياء لوالديهم، كما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه قبل أن يُنهى عنه، في قول الله تعالى: "وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ" [الشعراء: 86] مع أن أباه كان مشركًا.
وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا" [نوح: 28].
وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علمٌ يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والله يأمرنا بدعاء بعضنا لبعض، ورغب بالدعاء من الآباء للأبناء والعكس ووعد على ذلك بالإجابة، يقول الله تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر: 60] ويقول تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [البقرة: 186] وأثنى الله تعالى على أهل قوله: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" [الفرقان: 74].
وقد ذكر أهل العلم أنه لا شيء أنفع للوالدين الميتين -بعد رحمة الله- من الدعاء لهما والاستغفار لهما، فهو من أعظم البر بهما والإحسان إليهما، لأنه أعظم أثراً ونفعاً.
وعن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه رجل من بنى سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما فقال: «نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما» والصلاة عليهما أي: الدعاء لهما.
5- الرعاية وحُسن الصُّحبة:
حيث تجب رعايتهم والإحسان إليهم بالمال والنفس وبكل أنواع الإحسان والرعاية البدنية والمالية والمعنوية الممكنة، ولا فرق في هذا أن يكونا مسلمين أو مشركين: لعموم قوله تعالى: "وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا" [لقمان: 15]. 
وإن من حسن الصحبة الصبر على ما قد يجده الولد منهما، ولين القول لهما، وعدم القيام بأي قول أو عمل يسبب الحرج أو الضيق لهما.
6- النفقة:
ومن حقهما النفقة عليهما، فهي واجبة على الولد، ويتأكد الوجوب تماما إن كانا محتاجين أو فقيرين أو عاجزين عن الاكتساب لمرض أو كبر أو غيره، ولهذا لا يحل دفع الزكاة لهما، لأن نفقتهما واجبة أصلاً على الابن من أصل ماله وليس من الزكاة، والولد وما ملك لأبيه.
7- إضحاكهما:
ومن حقهما إضحاكهما وإدخال السرور عليهما بالقول والفعل والمال والنفس.
8- إنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي بسببهما:
ومن حقهما وبرهما والإحسان إليهما بعد موتهما، وإنفاذ عهدهما ووصيتهما على الوجه الذي يحبانه ويرغبانه لو كانا حيين، وإكرام صديقهما باحترامه وتقديره وتوقيره وصلته حسب الإمكان، وأيضا صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وذلك بصلة قرابات الأب والأم وقرابات الابن من جهتهما مع الإحسان إلى قرابات الوالدين بما يستطيع من سبل البر والإحسان.
وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه قال ابن دينار فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان ودًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي رواية: إن أباه كان صديقًا لعمر. 
وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه».
مما سبق يتبين أن لبر الوالدين مكانة عالية تجعله لا ينتهي بوفاة الوالدين بل يمتد في حياة الابن البار الصالح، وكما أن الابن يحب أن يكون أولاده بهذه المنزلة من بره والإحسان إليه بعد موته، فليحب هذا وليفعله لوالديه إن كان صادقا، فكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل.
9- الصدقة عنهما:
سبق بيان أن من أعظم ما يقدمه الإنسان لوالديه الدعاء لهما بعد وفاتهما، وكذلك في حياتهما، هذا مع البر والإحسان بالنفس والمال. كذلك الصدقة عنهما فهي تصلهما إن شاء الله كما ذكر ذلك أهل العلم، وشاهد ذلك الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة والمذكور في فقرة (4) آنفا، حيث نص على أن من الأعمال التي تصل للميت الصدقة، سواء الجارية أو المقطوعة، وسواء كانت منه مباشرة أو من أحد أولاده له، وعن ابن عباس أن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: «نعم» قال: فإني أشهدك أن حائطي صدقة عنها.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم». متفق عليه، وافتلتت: أي ماتت.
10- حق الوالدين عن أبي هريرة:
عن أبي غسان الضبي أنه خرج يمشي بظهر الحرة وأبوه يمشي خلفه، فلحقه أبو هريرة، فقال: مَنْ هذا الذي يمشي خلفك؟ قلت: أبي، قال: أخطأت الحق ولم توافق السنة، لا تمش بين يدي أبيك، ولكن امش خلفه أو عن يمينه، ولا تدع أحداً يقطع بينك وبينه، ولا تأخذ عرقًا (أي لحمًا مختلطًا بعظم) نظر إليه أبوك فلعله قد اشتهاه، ولا تحد النظر إلى أبيك، ولا تقعد حتى يقعد ولا تنم حتى ينام، وتتمة الحديث: ثم قال: أتعرف عبد الله بن خداش؟ قلت: لا، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «فخذه في جهنم مثل أحد، وضرسه مثل البيضاء» قال أبو هريرة: فقلت: ولِمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: «كان عاقاً لوالديه».
11- هناك حق يغفل عنه أكثر الأولاد وهو أن كل والد ووالدة يحبان أن يعرفا ماذا يعمل أبناؤهم وبناتهم وما هي أحوالهم، العامة منها على الأقل.
وإنه لمن الجحود والنكران والخطأ البين أن كثيرًا من الأولاد يخبرون أصدقاءهم بكل أحوالهم وذهابهم ومجيئهم ورحلاتهم وبأخبار دراستهم وأخبار أعمالهم ووظائفهم وتجارتهم وسفرهم، وغير ذلك، أما إذا جلسوا مع والديهم فكأنهم أجانب يؤدون السلام الفريضة فقط. 
وإن هذا الحق من الحقوق المهدرة برغم أهميته، ويؤدي عدم قيام الأولاد به إلى تباعد العلاقة مع الوالدين وإلى قهر الوالدين وإلى إحساسهما بالوحشة من أولادهم وغربتهم عنهم وإلى تجفيف العواطف وقسوة المشاعر. 
إن الوالدين أحرص الناس على أولادهم وأكثرهم سروراً بنجاحهم وتوفيقهم ورفعتهم وأكثرهم مواساة وتعاطفا عند مواجهة أولادهم لأي صعاب أو مشاكل في الحياة، ولابد أن يعي الأولاد هذا الحق تماماً ويقوموا به حق قيام. 
ولا يقصد من ذلك أن يبلغ الوالد والديه بكل صغيرة وكبيرة أو يقع في غيبة الناس أو يتسبب في إزعاج والديه بكثرة الأخبار والقيل والقال، بل المطلوب أن يحدث الولد والديه بجميع أموره على وجه العموم والاختصار مثل أخبار الدراسة وأخبار الوظيفة وأخبار الرحلة وأخبار أعماله الخاصة وأخبار ما واجهه من صعاب باختصار شديد دون إزعاج لهما، وكذلك أخبار أصحابه وأصدقائه على وجه العموم دون غيبة ولا استهزاء بأحد، وهكذا.
وإن الوالدين يحبان ذلك كثيرًا جدًا وإن هذا له أثر كبير على عواطف الوالدين وراحتهما وزيادة محبتهما للولد ورضاهما عنه وقرة عينهم به. 
وهذا الحق متأكد -ولا شك- لدخوله في عموم أدلة ووسائل البر بالوالدين والإحسان إليهما والتي تم إيرادها بإسهاب فيما سبق من الفصول والمباحث، والله أعلم.
الفصل السابع
إضاءات وتنبيهات مهمة:
أولاً: حكم البر بالوالدين وصلة الأرحام:
لا ريب أن المستعرض للآيات والأحاديث الكثيرة التي سبق بيانها فيما مضى من الفصول يتضح له جليا بما لا يقبل التأويل أن بر الوالدين فرض عين على كل فرد ولا يعذر به أحد، وأن صلة الرحم واجبة وجوباً عينيا على كل فرد حسب استطاعته وقدرته.
قال القاضي عياض: 
(لا خلاف في أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة والآيات والأحاديث تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها ولو بالكلام ولو بالسلام، وتختلف الصلة باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل إلى غايتها لا يسمى قاطعاً، وإذا قصر عما يقدر عليه لا يسمى واصلاً).
وقال النووي: 
مَنْ استحل قطيعة الرحم بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهو كافر مخلد في النار، ومَنْ قطع ولم يستحل القطيعة فإنه لا يدخل الجنة في أول الأمر مع السابقين بل يُعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى.
ثانيا: الصلة بالمكافأة:
إنه من الخطأ الكبير والفعل المشين أن يُقاطع الإنسان بعض أهل رحمه ولا يصلهم إلا إذا وصلوه، وهذه لا تعتبر صلة، ولكنها مكافأة. 
وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس الواصل بالمُكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». 
والواصل خير من القاطع وهو أعز وأعلى ممن قطعه ما دام واصلاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسفهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك». 
قال النووي: 
والملُّ هو الرماد الحار: أي كأنما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم، ولكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه، وإدخالهم الأذى عليه، والله أعلم.
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  326
ثالثا: حق الأولاد على الوالدين:
كما أن الله تعالى قد فرض على الأبناء بر آبائهم، فإنه تعالى قد أوجب على الوالد أيضا أن يساعد أولاده على بره وبر أمهم، بداية يكون ذلك باختيار الزوجة الصالحة التي هي اللبنة الرئيسية الثانية في البيت المسلم الصالح، وفي الحديث المشهور: «فاظفر بذات الدين تربت يداك». 
وعلى الأبوين بعد ذلك الإحسان إلى أولادهما ورحمتهم والعطف عليهم وحسن الكلام معهم وتجنب السباب والشتام والكلام البذيء لكي تنشأ قلوبهم وطباعهم على الرحمة والعطف والأدب، مما سوف ينعكس على مجمل سلوكهم وعلى برهم بوالديهم، كما أن على الوالدين أن يساعدا أولادهما على البر بعدم تكليف الأولاد ما لا يستطيعون وما يشق عليهم فعله سواء كان ذلك التكليف حسيا أو مادياً، معنويا أو ماليا، وأن لا يرهقوهم من أمرهم عسراً، قال الله تعالى: "لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا" [البقرة: 233]، وقال تعالى: "لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" [الأنعام: 152]، وقال سبحانه: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاآتَاهَا" [الطلاق: 7].
وفي المثل: (إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، أو فسل ما يستطاع).
ومن حق الأولاد على والديهم التربية الصالحة الحسنة على الدين والأخلاق الحميدة والآداب الفاضلة فهو أعظم معين لهم على بر والديهم وسلك دروب هذه الحياة المتشعبة وشقها بأمان واطمئنان بإذن الله تعالى، وعلى الوالدين حث أولادهم على كل خير وتوجيههم إليه سواء كان ذلك شفهيا مباشرة أثناء الجلسات والأحاديث والرحلات العائلية أو عن طريق إهدائهم الكتيب والشريط المفيد النافع، وبإدخالهم حلقات تحفيظ القرآن، وعن طريق اختيار الرفقة الطيبة لهم، وأهم من ذلك عن طريق القدوة العملية والقولية والسلوك والأخلاق القويمة الشاملة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور «كلكم راع وكلكم مسؤولٌ عن رعيته»رواه البخاري ومسلم.
كما أن على الوالدين أن ينهوا أبناءهم عن كل شر وأن يصرفوهم ابتداء عن جميع أسباب الشر بالوسائل التي ذكرت قبل قليل وبعدم تعريضهم لما يحرف سلوكهم ويفسد أفكارهم وفطرهم سواء كان ذلك مجلات فاسدة أو كتب وروايات غرامية أو آلات وأشرطة محرمة أو قنوات ماجنة أو مواقع مظللة أو فاسدة في الشبكة العالمية أو غير ذلك. وهذا الواجب المتحتم على الوالدين يدخل في قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" [التحريم: 6].
قال ابن كثير رحمه الله:
حول هذه الآية عن علي في قوله تعالى: "قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا" يقول: أدبوهم وعلموهم، وعن ابن عباس يقول: اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصيه ينجيكم الله من النار. 
وقال مجاهد: 
اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله. 
وقال قتادة: 
تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه، فإذا رأيت معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها. 
وهكذا قال الضحاك ومقاتل، قالا: 
حق على المسلم أن يعلم أهله ما فرض الله عليهم وما نهاهم، وفي الحديث: «مروا أبناءكم للصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر».
كما أن على الأب اختيار صحبة أبنائه والتأكد من مرافقتهم لأهل الخير ممن اتزنت عقولهم واستقام سلوكهم وحسنت أخلاقهم، ليكون ذلك عونا لهم على برهم وعلى صلاح أمر دينهم ودنياهم، وعلى نفعهم لمجتمعهم وأمتهم وأنفسهم، والأم كذلك مع بناتها، إن مسؤوليتهم مشتركة وعظيمة تجاه الأبناء والبنات. 
وعلى الوالدين أيضا توجيه أبنائهم في كل أمورهم ومساعدتهم فيما يعترضهم من مصاعب الحياة الدراسية والاجتماعية والعملية وغيرها، وأن يكونا قريبين منهم منفتحين لهم برفق وسعة صدر وحسن تقبل، يعطونهم الفرصة ليتحدثوا وليعبروا عما في نفوسهم وينقلوا ما يشغلهم وما يشكل عليهم لوالديهم لكي يخففوا عنهم ويوجهوهم التوجيه التربوي السليم في كل شأن ومشكلة حسب حالتها بما يصلحهم، وإلا لجأ الأبناء والبنات إلى غير آبائهم ولا تسأل بعد ذلك عما سيحصل من العواقب السيئة واستغلال الآخرين مما لا يخفي على ذي لب.
لهذا على الوالدين أن يعرفا ما عليهما من الحقوق والواجبات ليقوما بها لتكتمل منظومة البر والإحسان.
ومن جانب آخر على الوالدين أن يهتموا بوجهات نظر أولادهم ورغباتهم، بل أكثر من ذلك أن يشاركوهم بعض هواياتهم ويحققوا لهم بعض رغباتهم ويناقشوا معهم وجهات نظرهم ما دام ذلك في نطاق المباح والمشروع على ضوء الشرع المطهر. 
وفي حالة وجود أي انحرافات لدى الأولاد في السلوك أو التفكير أو عندما يمارسون هوايات أو أفعالاً ضارة ونحوها، فإنه يجب على الوالدين تعديلها إلى الصواب والحق والنافع بالإقناع والنصح وحسن التوجيه، إلا إذا لم يجد الإقناع والتوجيه والنصح فإنه لا مانع بعد ذلك من إلزامهم بالحق والخير وصرفهم إلزاماً عن الباطل والشر.
رابعاً: الوالدان والقدوة الحسنة:
يجب على الوالدين أن يكونا قدوة حسنة لأبنائهم في السلوك والتعامل، وفي القول والعمل، فالأبناء يشاهدون والديهم ويصنعون مثلهم، ومن شابه أباه فما ظلم، كما يقول المثل، والقدوة بالأفعال أكثر صدًى وتأثيرًا من القدوة بالأقوال. 
فلا يصح أن يقول الوالدان لأولادهم: لا تكذبوا أو لا تقولوا هذا الكلمات السيئة أو لا تفعلوا هذه الأفعال المحرمة أو هذه السلوكيات الخاطئة، وهم يكذبون ويقولون ويفعلون.
كما لا يصح أن يكون الأبوان لا يحسنان إلى والديهم ولا يوقروهما ولا يحترمونهما ثم ينتظران من أبنائهم أن يكونوا بارين بهم محسنين إليهم وهم يشاهدونهم يفعلون عكس ذلك، هذا لعمري في القياس بديع. 
على الوالدين أن يكونا قدوة لأبنائهم بالإحسان والبر بآبائهم وأمهاتهم، وكذا في سلوكهم وأقوالهم وأعمالهم وسائر تصرفاتهم.
خامساً: الوالدان والعدل بين الأبناء:
واجب على الوالدين العدل بين أولادهم، فلا يجوز أن يفضلا ولداً على آخر لما يسببه ذلك من الغيرة والحسد والحزازة بين الأولاد بدلًا من غرس المحبة والتعاون والتآلف والعطف والحنان بينهم. 
وكذلك يجب على الآباء أن يقدروا ويتفهموا قدرات أبنائهم والفروقات الفردية بينهم، الجسمية والعقلية والخلقية، وأن يقبلوهم كما هم، وليحذروا من المفاضلة بينهم أو تفضيل أحدهم بسبب ذلك لأنه ظلم بين، وعليهم أيضا أن لا يشغلوا أنفسهم بالمقارنة غير المفيدة (بل الضارة في كثير من الأحيان) التي قد تولد اهتزاز الثقة عند الأولاد وانتشار الحسد بينهم، سواء لأولادهم فيما بينهم أو مع غيرهم. 
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».
كما أن على الوالدين عدم إسداء الثناء الزائد على أحد الأولاد بحضرة إخوته الآخرين، بل عليهم الثناء عليهم ومكافأتهم باتزان وبصورة عادلة ومتساوية كلما كان ذلك مناسباً لتشجيعهم، وهكذا في جانب العقاب والمعاتبة، والحذر كل الحذر من مدح أحدهم عن طريق السخرية والازدراء بأحد إخوته أو بغيرهم فإن هذا من القسوة والظلم والشر ونشر الغل والحسد.
سادساً: الوالدان وخصوصيات الأبناء:
ينصح الوالدان بعدم التدخل والتحكم في خصوصيات أبنائهم، أي في حياتهم الخاصة، بما يعكرها عليهم ما دام أن الأبناء قائمين بما عليهم حسب جهدهم وطاقتهم، ولأن هذا التدخل قد يكون من الأسباب المؤدية إلى بعض العقوق للوالدين لكونه قد يدخل بما لا يستطيعه الإنسان مع أن هذا لا يبرر العقوق أو التقصير بحق الوالدين بأي حال من الأحوال.
والوالدان العاقلان الناصحان هما اللذان يقدران لأبنائهما حياتهم الخاصة كما عاشاها من قبلهم ويراعيان أمورهم ويتفهمان وضع أبنائهم والتزاماتهم الواجبة الأخرى، والابن كذلك يعرف قدر والديه فلا يقدم شيئاً عليهما بل يجعل برهم ورضاهم أهم الواجبات لديه وحقهم من أعظم الحقوق عنده، ودون تفريط بالواجبات الأسرية والدينية الأخرى، على ضوء قول الله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" [البقرة: 143]، "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن: 16]. والطاعة إنما هي بالمعروف فيما لا ضرر فيه على الأبناء وفيما يحفظ للوالدين حقهم ولا يؤدي إلى إضرار بهم، وذلك كله على ضوء ما سبق بيانه من شأن الوالدين وعظم حقوقهم.
سابعاً: الجهاد وبر الوالدين:
إذا كان الجهاد هو ذروة سنام الإسلام وحامي حوزة الشريعة والديار الإسلامية وله من المنزلة العظيمة ما لا يخفى، والآيات والأحاديث أكثر من أن تعد وتحصى في فضل الجهاد والمجاهدين والشهادة في سبيل الله وفضل الشهداء، وليس هذا مجال حصرها، وإنما مع عظم شأنه فقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَنْ جاء يريد الجهاد متطوعاً أن يرجع فيستأذن أبويه وذلك في أكثر من رواية تم ذكرها في الفصول السابقة. 
فاشترط الرسول -صلى الله عليه وسلم- رضا الوالدين للذهاب للجهاد كقوله: (ففيهما فجاهد) أو (ارجع فاستأذنهما)، ومن ذلك حديث أخرجه أحمد والنسائي عن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أردت الغزو، وجئتك أستشيرك، فقال: «هل لك من أم؟ »قال: نعم، فقال: «الزمها، فإن الجنة تحت رجليها».
قال الخطابي: 
الجهاد إذا كان الخارج فيه متطوعاً، فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين، أما إذا تعين عليه فرض الجهاد فلا حاجة به إلى إذنهما، وإن منعاه من الخروج عصاهما وخرج في الجهاد، وهذا إذا كانا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه من الجهاد فرضا كان أو نفلاً، وطاعتهما حينئذ معصية لله ومعونة للكفار، وإنما عليه أن يَبرهما ويُطيعهما فيما ليس بمعصية.
ولا يتعين الجهاد على كل فرد إلا بدعوة ولي الأمر للنفير العام وإفتاء العلماء المعتبرين المجتهدين بتعينه فإنه يخرج بعد أن يطيب قلوب والديه ويغدق عليهما أجمل الإحسان بالقول والعمل والمال، بالقول بلين الكلام لهما وتطييب نفوسهما وترضيتهما حتى يرضيا، وبالمال والعمل أيضا بأن يضع لهما نفقة ويكلف من يخدمهما، وغير ذلك، فيخرج وهما منشرحا الصدر راضيين عنه طيبة نفوسهما داعين له بالتوفيق، بدلاً من أن يكونا ساخطين عليه، وشتان بين أجر من يفعل هذا ومن لا يفعله، فلا يعني تعين الجهاد أن يخرج الولد ويضرب برضا والديه عرض الحائط، فهذا لا يفعله الرحماء والمتقون حقاً ولا من في قلوبهم شفقة وعطف ومن يقدرون موقف الأبوين تجاه هذا الأمر الذي يعني الخروج إليه بالنسبة لهما شبه وفاة أو قتل.
ثامناً: نصح الوالدين:
إن رأى الولد من والديه أو أحدهما ما لا يُرضي ولا يقر شرعاً ولا عرفاً فلينصحهما بطريقة غير مباشرة إن تيسر وهو الأحسن أو مباشرة في سر بينه وبينهم، وذلك بألطف عبارة وأحسن إشارة وأعظم تذلل وبدافع الشفقة والمحبة، لأن حقها عظيم ولأن ذلك أقرب وأدعى إلى قبولهما لنصحه ورجوعهما إلى الصواب والحق، وعليه أن يتحمل رد فعلهما ويتقبله أيًّا كان شكله حتى لو وصل للأذى الجسدي أو النفسي، فإنهما لن يلبثا أن يندما على قسوتهما معه خصوصاً إذا كان لا يزال يلاطفهما ويستعطفهما ويترجاهما مع إساءتهما إليه، لأن قلوبهما في الغالب مجبولة على الرحمة والشفقة بالأبناء والشاذ لا حكم له، وفي قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه التي سبق إيرادها مع أن أباه كان مشركاً أعظم أسوة في هذا الأمر.
تاسعاً: طلاق الزوجة بأمر الوالدين:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانت تحتي امرأة وكنت أحبها وكان عمر يكرهها، فقال لي طلقها، فأبيت فأتى عمر رضي الله عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «طلِّقها» رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الوالدة أو الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعلق الشيخ محمد البيحاني على حديث ابن عمر السابق فقال: 
إنه لا يخفى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شكا ولده عبد الله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أمره بطلاق زوجته فأبى، وأنه عليه الصلاة والسلام قال له: «أطع أباك» وحمله على الطلاق وهو كاره، ولكن ذلك لسوء خلق في المرأة ولشيء يُخالف رأي عمر الذي كان ينزل بموافقته القرآن. 
وسئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عن ذلك؟ فقال له رجل: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي، قال لا تطلقها، قال: أليس عمر يأمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه. 
وقال بعض العلماء: تجب طاعة الأب إذا أمر بالطلاق، ولا تجب طاعة الأم في ذلك. 
وسئل ابن تيمية رحمه الله عمن تأمره أمه بطلاق امرأته؟ فقال: لا يحل له أن يطلقها بل عليه أن يبرها، وليس تطليق امرأته من برها.
ويواصل الشيخ البيحاني رحمه الله حديثة حول الموضوع فيقول: 
لا ينبغي لمؤمن ولا مؤمنة أن يوقعا ابنهما في العقوق بمخاصمة زوجة ابنهما وأولاده (أو إثارة المشاكل التافهة، والحساسية الزائدة لأتفه الأمور، والتدخل الذي ليس فيه مصلحة في كل صغير وكبير من حياتهم وعلاقتهم فيما بينهم وفيما بينهم وبين الآخرين). 
والتحكم في ماله وولده وبيته (بغير حق) كما يفعل بعض الجاهلين من الآباء أو الأمهات الجاهلات، كما لا يجوز لأب مؤمن أن يجبر ابنه على نكاح امرأة لا يرغب فيها ولا يطيق العيش معها، قال العلماء: وليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح مَنْ لا يريد وأن الابن إذا امتنع لا يكون عاقاً. انتهى.
يتبع إن شاء الله...


بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Empty
مُساهمةموضوع: برنامج مقترح للبر بالوالدين   بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  Emptyالثلاثاء 25 مارس 2014, 5:57 pm

الفصل الثامن
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  2b3ee53ab8a617a905f94035e5d31f11
برنامج مقترح للبر بالوالدين
إن تعدد مشاغل الإنسان في هذا العصر وتشعب مهامه ومسؤولياته أدى إلى أن يهمل الإنسان بعضا أو كثيراً من الواجبات الأخرى، أو أن يقوم بالبعض على حساب البعض الآخر، ولربما قام بالمستحب خير قيام وقصر في الواجب، أو على الأقل قدم المفضول على الفاضل، بسبب تزاحم الأعمال وعدم تنظيمها حسب الأولويات بما يحقق القيام بأداء الأهم فالمهم فالأقل أهمية ووزن ذلك بحيث لا يأخذ الأقل أهمية من الوقت مثل ما يأخذ المهم ولا يأخذ المهم من الوقت مثل ما يأخذ الأهم وهكذا يعطي كل ذي حق حقه ويكون هناك توازن في حياة الإنسان بحيث لا يغلب جانب على جانب ولا يقوم بأمر وواجب على حساب الأمور والواجبات الأخرى.
من أجل هذا ولعظم حق الوالدين ولأن كثيراً من الناس (وأنا واحد من هؤلاء الناس) يقصر في حقهم أعظم تقصير، وكثيراً منهم من غير قصد سيء أو من غير تعمد ولكن بسبب ما ذكرت من عدم تنظيم أموره وترتيب الأولويات في حياته، مع غفلة عن عظيم حق الوالدين وخطر عقوقهم. 
لذلك فإني أقترح برنامجاً لبر الوالدين، وهو عبارة عن نموذج مقترح يمكننا من بر والدينا عمليا بمشيئة الله، وبعد ذلك على كل واحد أن يعدل في هذا النموذج بما يناسب وضعه وظروفه ومسؤولياته الأخرى بحيث يعطي الوالدين حيزاً من الوقت والجهد والمال يليق بعظيم حقهم ويرد عليهم جزءا يسيراً من إحسانهم إليه.
 (البرنامج المقترح)
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  653766256
الحالة الأولى: إذا كان الولد في نفس المدينة مع والديه
أولاً: برنامج يومي:
1- لمن يسكن مع والديه من الذكور والإناث:
التصبيح، وهو رؤيتهم في الصباح قبل الذهاب للمدرسة أو العمل إن تيسر بشكل مختصر (كقول صباح الخير وكيف أصبحت بعد السلام وتقبيل الرأس والسؤال عن الحال وليس بالضرورة الجلوس)، وإذا لم يتيسر في الصباح ففي المساء، وعليه بالتأدب معهم ومحاولة إدخال السرور عليهم طيلة اليوم، وعدم التسبب في أي ضيق أو إزعاج لهم، وهذا ينطبق أيضا على الذكور والإناث المتزوجين ممن يسكنون مع أهليهم.
2- إذا كان ذكراً متزوجاً ويسكن في سكن مستقل:
القيام بالزيارة الميدانية لهم وتفقد أحوالهم وإدخال السرور عليهم والحديث معهم، ويقترح أن تكون يوميا مرة واحدة، أو يوما بعد يوم على الأقل، ويتضمن ذلك قضاء حوائجهم العاجلة والجلوس معهم ولو لفترة وجيزة (في حدود نصف ساعة إلى الساعة).
3- إذا كانت أنثى متزوجة:
الاتصال بهم ومحادثتهم وإدخال السرور عليهم والسؤال عنهم وعن أحوالهم، ويفضل أن يكون ذلك يومياً أو يوماً بعد يوم على الأقل.
ثانيا: برنامج أسبوعي:
1- إذا كان ذكراً متزوجاً:
أ- يقوم بزيارة الوالدين (مع أهله وأولاده مرة بعد أخرى) ويمكث عندهم عدة ساعات، ويحدثهم بأخباره العامة، ويشاركهم في وجبة الغداء أو العشاء مثلا. 
أو يستضيف والديه في أحد أيام نهاية الأسبوع على عشاء أو غداء أو يطلبهم للمبيت عنده أو يبيت هو عندهم مع أولاده، والتغيير في هذه الأحوال أجمل وأفضل.
ب- إنهاء أعمالهم الأسبوعية (إن كان هناك شيء منها) مثل شراء الحاجيات وقضاء الأعمال الأخرى الخاصة بهم، سواء لإيصالهم ومصاحبتهم إلى أماكن معينة يرغبون الذهاب إليها للزيارة أو للعلاج أو لغيرها، أو إنهاء أعمال لهم في المصالح الحكومية ونحوها. 
ويكون شراء الحاجيات وغيرها من حسابهم أو من حساب الولد إذا كانوا محتاجين، وحتى من حساب الولد على كل حال إذا كان الله قد أنعم عليك بالمال وسعة الرزق.
2- إذا كانت أنثى متزوجة:
أ- الزيارة الأسبوعية لمدة نصف يوم حسب الإمكان، وتحدثهم بأخبارها العامة.
ب- استضافتهم كل أسبوعين ولو على الشاي والمرطبات الخفيفة.
ج- إهداء شيء بسيط لهما ولو كعكة من الخبز.
ثالثاً: برنامج شهري:
1- الذكر، متزوجاً أو غير متزوج:
الذهاب معهم لنزهة برية أو في حديقة أو نزهة خارج المنزل لزيارة بعض الأقارب، ونحو ذلك.
2- الأنثى متزوجة أو غير متزوجة:
نفس ما يفعل الذكر إن تيسر.
رابعاً: برنامج سنوي:
1- الذكر:
 إذا كان مقتدراً وكبيراً أو متزوجاً ومقتدراً:
استصحابهم للعمرة أو إلى نزهة صيفية أو لزيارة أقارب في أي مدينة من المدن المختلفة (لمدة أسبوع مثلاً) حسب الرغبة، أو القيام بالعمرة والنزهة الصيفية معاً.
2- الأنثى: 
إن تيسر لها مصاحبتهم مع زوجها وأولادها في إحدى رحلاتهم أو سفرياتهم.
الحالة الثانية: إذا كان الولد في مدينة أو دولة غير التي بها والديه:
أولاً: برنامج أسبوعي:
1- الذكر:
الاتصال كل ثلاثة أيام، ولو لمدة عشر دقائق، لمحادثتهم والاطمئنان عليهم، وكسب رضاهم، وإدخال السرور عليهم، والسؤال عن حالهم وعن أي شيء ينقصهم، وطلب الدعاء منهم، وإطلاعهم باختصار على أخباره العامة، وينبغي أن لا يقل ذلك الاتصال بهم عن مرة كل أسبوع على أقل تقدير لمن هم في نفس الدولة ومرة كل أسبوعين لمن هم في دولة مختلفة.
2- الأنثى:
الاتصال كل أسبوع للسؤال عن حالهم والاطمئنان عليهم، والسؤال عن حاجاتهم، وإدخال السرور عليهم، والحصول على رضاهم وطلب الدعاء منهم، وإطلاعهم باختصار على أخبارها العامة، ينبغي أن لا يقل هذا الاتصال بهم عن مرة كل أسبوعين على أقل تقدير لمن هي في نفس الدولة، وعن شهر لمن هي في دولة مختلفة.
ثانياً: برنامج شهري وربع سنوي:
1- إذا كان ذكراً:
أ- يرسل لهم حاجيات ومصاريف إذا كانوا بحاجة لذلك، وكان هو مقتدراً.
ب- إذا كان متزوجاً فإنه يجعل زوجته وأولاده يقومون من وقت لآخر بمحادثة والديه هاتفياً والسؤال عنهم، وهذا له أثر كبير في إدخال البهجة والسرور عليهم، إذ أنهم يسمعون صوت أحفادهم وزوجة ابنهم مما يشعرهم بأهميتهم ومكانتهم وإحساس الآخرين بهم، ويزيد الروابط الأسرية ويقوي في النفس دافع الرحمة والشفقة المتبادلة، ويزيد من تقديرهم واحترامهم ودعائهم بالتوفيق والخير لهذا الابن ولأسرته.
ج- زيارتهم كل شهرين أو ثلاثة على أقل تقدير إذا كانوا في نفس الدولة، أو سنة على أقل تقدير إذا كانوا في دولة أخرى، هذا إذا كانوا ليسوا عاجزين أو شديدي الحاجة، ففي هذه الحالة فإن الفترة بين الزيارة والتي تليها تكون أقصر. 
وهذا أيضا له ارتباط بقدرة الابن على تحمل مصاريف السفر وكذلك إذا كان في نفس الدولة أو في دولة أخرى، ومهما يكن فإنه في سبيل الله وسبب إن شاء الله في بركة وزيادة المال كما جاء في بعض الأحاديث المتعلقة بالسعي على الوالدين وصلة الرحم.
د- إذا كانا عاجزين وكباراً جداً فإنه يحرص على زيارتهم كل شهر إذا كان في نفس الدولة وكل ثلاثة أشهر أو ستة أشهر على الأقل إذا كانوا في دولة أخرى ليدرك الفضل العظيم والأجر الجزيل ويفوز برضوان الله وجنته.
هـ- ملاحظة:
إذا كان للأب أو الأبوين أكثر من ابن وهم مقعدين وفي حالة عجز(أي الوالدين) فإنه لا يجوز لهم (أي الأولاد وبخاصة الذكور) بحال ترك والديهم بل عليهم أن يتفقوا بأن يقوم أحدهم أو اثنان منهم برعايتهم في مدينتهم أو بلدهم ويتكفل البقية ببعض المصاريف الثابتة للذين ضحوا وجلسوا عندهم وإلا أثم الجميع أيما إثم وفرطوا في واجب عظيم وخسروا خسارة عظيمة.
أو أن يقوم أحد الأبناء وفي الغالب أكبرهم أو أقدرهم بإحضارهم إلى المدينة أو البلد الذي هو فيه. إن قبلوا ذلك. لكي يحسن رعايتهم ويكونا أمام عينيه، وعلى إخوته المساهمة معه من الناحية المادية في القيام بهذا الواجب العظيم.
2- إذا كانت أنثى:
الاتصال بهم والسؤال عنهم وجعل زوجها وأولادها يحادثونهم من وقت لآخر ليسمعوا صوت صهرهم وأحفادهم ويأنسوا بذلك وتنتشر العلاقات الحميمة الدافئة بينهم، وكذلك تقوم بما تستطيعه من أنواع الإحسان كأن ترسل لهم بعض المصروفات إن كانوا بحاجة وكانت هي ميسورة الحال أو زوجها وهو راض بذلك. 
وعلى زوجها أن يكون عوناً لها على بر والديها، كما أن عليها أن تكون عوناً له على بر والديه، وكما تدين تدان.
ثالثاً: برنامج سنوي:
1- الذكر: 
شبيه جداً بالبرنامج السنوي المقترح لمن يسكنون في نفس المدينة.
2- الأنثى: 
زيارتهم على الأقل مرة في السنة أو صحبتهم في رحلة أو نزهة حسب الاستطاعة وحسب ظروفها الزوجية، وكذلك دعوتهم لزيارتها في مدينتها والإقامة عندها بضعة أيام للاستئناس والاستجمام.
هذا البرنامج الشامل اجتهاد مني، وعلى كل واحد ذكر أو أنثى أن يعدل في هذا البرنامج بما يتوافق مع ظروفه، ولكني أظن - والله تعالى أعلم، أن مثل هذا البرنامج يتوافق مع أكثر الناس وأنه سهل التطبيق وليس فيه كلفة، والعون والتوفيق من الله.
وهذا بالطبع للعموم أما من كان لوالديه ظروف خاصة من إصابة بأمراض مقعدة أو في حالة وجود عجز كامل عندهم أو نحو ذلك فإنه يتم مراعاتهم وعمل كل ما يجب نحو هذه الظروف الخاصة على ضوء حقهم العظيم الذي بُيِّن في ثنايا هذا الكتاب.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الخاتمــة
إن كل عاقل متأمل في الآيات العظيمة والأحاديث الشريفة التي جاءت في شأن بر الوالدين يتبين له تماماً أن حق الوالدين مُتعين على كل ولد (ذكر أو أنثى) لأنهما السبب في وجوده ولأنهما اعتنيا به غاية العناية وأحسنا إليه غاية الإحسان في وقت كان في أمس الحاجة لهما وهو في الصغر، فوجب لهما من الحق والبر والإحسان ما لم يتوجب لأحد بعد الله تعالى.
ووجب على الإنسان العاقل أن يشكرهما وأن يقابل فضلهما وإحسانهما بالإحسان و "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" [الرحمن: 60] ولذلك فقد عظم الله شأنهما وقرن حقهما بحقه تعظيما له ولبيان مكانته القصوى فقال تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" [الإسراء: 23] وقرن شكرهم بشكره فقال: "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ" [لقمان: 14].
ويبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الحق عندما سئل عن أحب العمل إلى الله فقال: «الصلاة على وقتها» ثم «بر الوالدين» ثم «الجهاد في سبيل الله». 
ولا ريب أن حق الوالدين والقيام ببرهما وبذل المعروف والإحسان لهم أعظم من جميع نوافل العبادات بنص الآية والحديث السابق.
وأن الإنسان مهما بذل لهما من الإحسان والبر فلن يصل -مهما فعل- إلى بعض إحسانهم وفضلهم عليه، إذا فقد تأكد لنا أن بر الوالدين فرض عين على كل ولد، الذكر والأنثى كل حسب قدرته، كما قال الله تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" [البقرة: 286].
وإن تقصير أي من الأولاد عن القيام بالبر والإحسان الذي يقدرون عليه يعتبر عقوقاً ولؤما ونكرانا للجميل أيما نكران. 
ولأجل عظم هذا الحق فقد رتب الشارع الحكيم على البر أعظم المثوبة والأجر، وجعله من أسباب دخول الجنة وتكفير السيئات، وجعل القيام بالوالدين في سبيل الله، هذا الثواب في الآخرة، أما في الدنيا فإنه من أسباب السعادة وبركة العمر وسعة الرزق، وأن يكون أبناؤه بارين به فكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل. 
وفي نفس الوقت فقد جعل الشارع الحكيم العقوق من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ومن أسباب دخول النار، وتعجيل العقوبة في الدنيا بنكد العيش وأن يكون أولاده عاقين له وبذهاب بركة العمر، وغير ذلك. 
ولنا في بر بعض الصالحين من الأنبياء وغيرهم أسوة وقدوة، كإبراهيم ويحيى وعيسى عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، وبر بعض الصالحين، ولنا في الآيات البينات والأحاديث الجامعات التي وردت في مواضعها في هذا الكتاب خير دليل وهدي لبر والدينا. 
هذا وإن بر الوالدين يكون بالحب والتوقير، ويكون بالتأدب معهما وطاعتهما في غير معصية الله، ويكون بالدعاء لهما أحياء وأمواتا، ويكون بإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما، ويكون بصلة رحمهما، ويكون بالنفقة عليهما، ويكون بحسن الرعاية لهما، ويكون بالصدقة عنهما، ويكن بإخبار الولد لهما بأحواله وشؤونه العامة، ويكون بمشاورتهما، وغير ذلك من أنواع البر والإحسان المقدور عليه والممكن سواء كان بالبدن أو المال وسواء كان حسيا أو معنوياً.
هذا، وإنه لمن المناسب لكل فرد أن يضع له برنامجاً أو تنظيماً معيناً يناسب ظروفه ووقته لكي يمكنه من استمرارية بر والديه والإحسان إليهما على الدوام، لكي لا تأخذه مشاغلة الخاصة عنهما فيكون قد خسر خسراناً مبيناً وأضاع حقاً عظيماً.
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
ثبت المراجع
بعد القرآن الكريم:
1- تفسير القرآن العظيم
 للإمام أبي الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي، المتوفى سنة 774هـ، بدون تاريخ الطبع، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.
2- رياض الصالحين
للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676هـ، بتحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة السابعة 1406هـ مؤسسة الرسالة، بيروت. لبنان.
3- بر الوالدين
للحافظ الإمام جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي البغدادي، المتوفى سنة 597هـ، بتحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا، الطبعة الأولى 1408هـ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت. لبنان.
4- إصلاح المجتمع
محمد بن سالم بن حسين الكدادي البيحاني، المتوفى سنة 1392هـ، بدون تاريخ الطبع، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.
5- حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة
الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الخامسة، 1408هـ، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض.
6- الإعلام فيما ورد في بر الوالدين وصلة الأرحام
إبراهيم بن عبد الله موسى الحازمي، الطبعة الأولى 1410هـ، مطابع الدرعية الرياض.


بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
بر الوالدَين.. دراسة علمية جادة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معلومات علمية مفيدة
» مؤسسات علمية وتعليمية
» مجموعة أفلام علمية للأطفال الأحبة
» قنبلة علمية عربية اسمها شادية حبَّال
» الاحتفال بالمولد النبوي.. مناقشة علمية هادئة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـضـــــائل الـشـهــــور والأيـــــام :: عيد الأم 21 مارس-
انتقل الى: