منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49233
العمر : 72

الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية Empty
مُساهمةموضوع: الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية   الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية Emptyالأحد 02 مارس 2014, 7:42 am

الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية 
الصهيونية الاشتراكية Socialist Zionism 
«الصهيونية الاشتراكية» اصطلاح مرادف لاصطلاح «الصهيونية العمالية». وقد أخذنا بالمصطلح الثاني لأنه أكثر حياداً. وقد أثبتت ممارسات الصهاينة العماليين أن انتماءهم الاشتراكي مجرد وهم، فقد قاموا باحتلال الأرض الفلسطينية وطردوا بعض أهلها بالتعاون مع قوى الاستعمار، ويُشكِّلون الآن الصفوة الحاكمة في إسرائيل، قاعدة الاستعمار الغربي في المنطقة العربية. أما اصطلاح «الصهيونية العمالية» فهو على الأقل يصف الانتماء الطبقي الفعلي لبعض قطاعات المستوطنين الصهاينة، كما أن كلمة «عمالي» لا تزال تُستخدَم للإشارة إلى مجموعة من الأحزاب الإسرائيلية. 
الصهيونية العمالية Labour Zionism 
«الصهيونية العمالية» تيار صهيوني يَقْبل الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة بعد تهويدها وإدخال ديباجات اشتراكية عليها، وهو تيار استيطاني بالدرجة الأولى. وقد نشأت الصهيونية العمالية في صفوف المثقفين اليهود في شرق أوربا ممن سقطوا ضحية تعثُّر التحديث في روسيا. 
ويتلخص إنجاز الصهيونية العمالية فيما يأتي: 
أولاً: نجاحها في التوصُّل إلى صيغة صهيونية مقبولة لدى الشباب اليهودي الثوري في أواخر القرن التاسع عشر. فقد شهد الشتتل ومنطقة الاستيطان اليهودي صراعاً طبقياً حاداً بين العمال والفقراء اليهود من جهة وأصحاب العمل (اليهود أساساً) من جهة أخرى. وكان 30% من جملة المقبوض عليهم لجرائم سياسية عام 1900 من اليهود. وكتب وايزمان في خطاب له يشكو من أن شباب اليهود ينخرطون في سلك الاشتراكية وكأن الحمى قد أصابتهم، ولعله كان يشير إلى أخيه الذي انخرط في صفوف الثوريين آنذاك. وقد نظمت اتحادات نقابات العمال اليهودية في الفترة 1895 ـ 1904 ما لا يقل عن 2276 إضراباً ضد أصحاب العمل، وانضم إليهم عمال غير يهود. ومن هنا كانت شعبية البوند وانتشاره. 
وقد تَأسَّس البوند في العام نفسه الذي أُسِّست فيه المنظمة الصهيونية (1897). ومع هذا، نجحت الصهيونية العمالية في خداع بعض هؤلاء وأقنعتهم بإمكان تحسين مستواهم المعيشي في فلسطين. وساعد على ذلك وجود إحساس عام بين المستوطنين بأنهم سيصبحون ملاكاً للأرض لا مجرد أُجراء زراعيين أو عمال صناعيين، أي أن الاسـتيطان كان يشـكل صعوداً أكـيداً في السلم الطبقي وليس هبوطاً فيه. بل يمكننا أن نقول إنه لولا الصهيونية العمالية لما قُدِّر للمشروع الصهيوني أي نجاح، فهي التي نقلت جزءاً من الكتلة البشرية اليهودية اليديشية إلى فلسطين. 
ثانياً: نجحت الصهيونية العمالية (صهيونية ساحة القتال الاستيطانية) في التوصل إلى صيغة تَحُل إشكالية خصوصية الاستيطان الصهيوني وإحلاليته. وقد اكتشف الصهاينة العماليون أن الصيغة الجماعية (ذات الديباجة الاشتراكية) هي الصيغة المُثلى الكفيلة بتحقيق الاستعمار الصهيوني بجانبيه الاستيطاني والإحلالي. فالدولة الراعية لم يكن لديها استعداد لمد المشروع الصهيوني بما يحتاج إليه من تخطيط شامل وجهد بشري وتمويل كثيف لتوطين المهاجرين من أوربا وتهويد فلسطين سكانياً. والمادة البشرية المهاجرة من شرق أوربا لم تكن تملك رأس المال اللازم. ومن هنا، كان الشكل الجماعي (التعاوني الاشتراكي) حيث تقوم المنظمة الصهيونية والصهاينة التوطينيون في الخارج بجمع رأس المال القومي اللازم من أعضاء الجماعات اليهودية (ولا سيما الأثرياء) في الغرب، ثم تقوم بإعطائه للوكالة اليهودية في الداخل، التي تقوم بتوظيفه بشكل تعاوني على أرض مملوكة ملكية جماعية. ويقوم العنصر البشري الدخيل بتنظيم نفسه على هيئة وحدات جماعية تمارس الزراعة والقتال لأن المجهود الفردي لا يمكن أن يُكتَب له النجاح (وهو أمر اكتشفه المستوطنون البيض الأوائل في الولايات المتحدة أثناء حرب الإبادة ضد الهنود بدون مساعدة من أي فكر اشتراكي). 
أما الشق الإحلالي من الاستعمار الصهيوني، فقد تكفلت به المفاهيم الاشتراكية الخاصة بنُبل العمل اليدوي. وقد نادت الصهيونية العمالية بأن يذهب يهودي المنفى إلى فلسطين ليعمل بنفسه ويزرع أرضها بيديه، فيزيل ما علق بذاته في الشتات، ويكون آخر اليهود وأول العبرانيين (كما قال جوردون). وهكذا، فإن اليهودي إذا استأجر عاملاً عربياً فقد هدم الفكرة الصهيونية من أساسها. ومن هنا طرح جوردون فكرة اقتحام العمل، أي أن يعمل اليهودي بنفسه، ثم اقتحام الأرض، أي أن يزرعها بنفسه، وأخيراً اقتحام الحراسة، أي أن يحرسها بنفسه (وهذا ما نسميه «الزراعة المسلحة»). ورغم أن الديباجات المُستخدَمة ديباجات ثورية شعبوية تتسم بشيء من الجمال والجاذبية، فإنها في واقع الأمر تترجم نفسها إلى إحلالية. فهذه المفاهيم تعني في واقع الأمر تغييب العربي، والاستيلاء على الأرض بعد إخلائها من سكانها العرب مصدر العمالة الرخيصة التي كانت تتهدد المشروع الصهيوني من أساسه، وإحلال المستوطن الصهيوني محله. وبذلك تكون الصهيونية العمالية قد نجحت في التوصل إلى الصيغة التي تسمح بترجمة أهم عناصر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (أي توطين الفائض اليهودي في فلسطين بعد التخلص من العرب) إلى برنامج عملي وممارسة فعلية. 
ويبدو أن أعضاء البورجوازية اليهودية المندمجة أو شبه المندمجة في الغرب ووسط أوربا (والتي جاء من صفوفها كثير من زعماء الصهيونية السياسية مثل هرتزل ونوردو) كانوا واعين بحقائق الموقف وبصعوبات الاستيطان. كما أنهم لم يكن يعنيهم، من قريب أو بعيد، شكل الدولة الصهيونية ما دامت تؤدي الأغراض المطلوبة منها مثل إبعاد يهود شرق أوربا عنهم والقيام بدور المدافع عن المصالح الإمبريالية. ولذلك، لم تمانع هذه القيادات البورجوازية في اتخاذ قرارات «اشتراكية» ثورية عديدة. فالنقطة الأولى في برنامج بازل تدعو إلى توطين اليهود في فلسطين بالوسائل اللازمة دون تأكيد أي محتوى طبقي أو نمط إنتاجي معيَّن. وبمرور الزمن، اكتشف جميع الصهاينة بشكل برجماتي أن الاستيطان الجماعي والعمالي هو أهم أشكال الاستيطان، فعملية تمويل المشروع الصهيوني كان لابد أن تتم بشكل جماعي أو قومي، كما أن المستوطنين اضطروا إلى التجمع على هيئة جزر متماسكة في وجه الرفض العربي. لكل هذا، نجد أن المؤتمرات الصهيونية الأولى (التي سيطرت علىها الطبقات الوسطى والحاخامات) وافقت على مبدأ تأميم الأرض باعتباره أهم أُسس الدولة الصهيونية في المستقبل، كما اتخذت هذه المؤتمرات كثيراً من القرارات الثورية الأخرى. وكان وايزمان (الصهيوني العملي البورجوازي) يعطف كثيراً على النشاط الصهيوني العمالي ولم يكن يأبه باعتراضات المموِّلين اليهود اعتقاداً منه أن الصهيونية العمالية ستَخدم، في نهاية الأمر، المشروع الصهيوني. 
وتجدُر ملاحظة أن الصهيونية العمالية الاستيطانية لا ترفض اليهودية الحاخامية وحسب وإنما تقدم نقداً عميقاً للشخصية اليهودية في المنفى باعتبار أنها تود أن تُسبغ مركزية على المُستوطَن الصهيوني فتزيد من شرعيته وتضمن تَدفُّق الدعم المالي والسياسي عليه. وكان التصور أنه كلما زاد هذا النقد عمقاً زادت الشرعية وزاد الدعم، بل إن النقد العمالي الاستيطاني وصل إلى درجة رفض ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» تماماً واعتبارها من مخلفات الماضي، ومن ثم نشأت الدعوة إلى أن يكون المستوطنون آخر اليهود وأول العبرانيين، وأصبحت الدعوة للهوية اليهودية من أمراض المنفى. 
وتؤمن الصهيونية العمالية بأزلية معاداة اليهود وإن كانت تعطي تفسيراً اجتماعياً مادياً لهذه الظاهرة. وتتلخص المشكلة، حسب التصور الصهيوني العمالي، في أن التركيب الاجتماعي والحضاري لليهود يختلف عن التركيب الاجتماعي والحضاري للشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها، فاليهود الذين يُحرَّم عليهم ممارسة مهنة الزراعة كانوا يعيشون أساساً في المدن، أما العمال منهم فهم لا يشكلون بروليتاريا صناعية وإنما ينتمون إلى قطاع البروليتاريا الرثة ومُحرَّم عليهم ممارسة كثير من الحرف والأعمال، أما أثرياء اليهود فإنهم يشتغلون بالتجارة والربا أو ببعض الصناعات الاستهلاكية. وهذا كله دليل على تَشوُّه البناء الطبقي عند اليهود وعلى هامشيتهم. وقد عبَّر بوروخوف عن هذه الفكرة بصورة الهرم المقلوب: فكل شعب يتكون من فئات اجتماعية تأخذ شكل الهرم الذي يتكون من قاعدة عريضة تُسهم في العمليات الإنتاجية الأساسية، وكلما بَعُدت العمليات الاقتصادية عن هذه العمليات الأساسية قلَّ عدد العاملين حتى نصل إلى قمة الهرم. ويجد بوروخوف أن هذا الهرم مُشوَّه تماماً عند اليهود ففي صفوفهم عدد كبير، من المحامين والأطباء والمفكرين وغيرهم، يشاركون في العمليات الإنتاجية الهامشية وينتمون إلى الطبقة الوسطى وإلى قمة الهرم، مع قلة قليلة من الفلاحين، إن وُجدت، وبروليتاريا صغيرة الحجم نسبياً ممن ينتمون إلى قاعدته.
وقد نتج عن هذا الوضع المتميز شيئان: 
أولاً: أن كل الطبقات اليهودية في المجتمع ـ رأسماليين كانوا أو عمالاً ـ كانت تشكل وحدة متميزة مرفوضة من بقية المجتمع بسبب هامشيتها (وبسبب تراثها الفكري الديني القومي). وهذا يعني أن معاداة اليهود شيء موجه ضد كل اليهود بجميع طبقاتهم، وهي تكاد تكون مرضاً أزلياً لأن المجتمعات الاشتراكية اللا طبقية غير قادرة على حل هذه القضية لعدم إدراكها خصوصية وضع اليهود. 
ثانياً: أُصيبت الشخصية اليهودية بالذبول والطفيلية لأنها فقدت علاقتها بالأرض الزراعية وبأي عمل منتج. وقد ازداد هذا الوضع حدَّة وتفاقماً، بسبب ظهور طبقة رأسمالية محلية (في روسيا وبولندا) تُنافس الرأسماليين اليهود وترفض استئجار العمال اليهود وذلك بسبب التعصب الديني ولأن العامل اليهودي في معظم الأحيان كان لا يمتلك الخبرات. ولقد راحت هذه الرأسمالية المحلية الجديدة تؤلب الجماهير المسيحية المُستغَلة ضد كل من الرأسماليين والعمال اليهود، حتى لا تعرف هذه الجماهير مستغليها الحقيقيين، وتحليل أوضاع اليهود بعد سقوط الجيتو على هذا النحو فيه كثير من الجدة والصدق. ويشترك الصهاينة العماليون في الإيمان بأن اليهود فقدوا كثيراً من الصفات القومية وإن كانوا مع هذا يشكلون أمة مستقلة أو أمة لها سمات الطبقة، وبأنها منبوذة في الغرب للأسباب التي ذُكرت آنفاً. 
وبالتالي، فإن الحل الذي يطرح نفسه هو إخلاء أوربا من يهودها وتصفية الجماعات اليهودية (وإن كان بوروخوف يرى إمكان استثمار مثل هذه الجماعات وبالتالي وجوب الدفاع عن حقوقها السياسية). وتتم عملية التصفية من خلال نقل الكتلة البشرية اليهودية إلى فلسطين، أي تحويل الهجرة التلقائية (إلى الولايات المتحدة وغيرها من البلدان) إلى استعمار استيطاني في فلسطين حيث ستُؤسَّس دولة صهيونية تُجسِّد القيم القومية اليهودية وتساهم في تطبيع الشخصية اليهودية وتُطهِّرها من أدران المنفى من خلال العمل اليدوي. 
وقد طالب العماليون بأن تُجسِّد هذه الدولة القيم الاشتراكية والثورية وكل القيم التقدمية المطروحة آنذاك في أوربا، ولا يخلو أي برنامج صهيوني عمالي من الحديث عن وحدة الطبقة العاملة. وفي الماضي، كان العماليون يتحدثون كذلك عن الأممية والتضامن البروليتاري العالمي وما شابه من شعارات. ولكن، داخل هذه الوحدة البنيوية الأساسية، توجد بنَى فرعية مختلفة. ولعل أهم هذه البنَى تيار بوروخوف الذي حاول توظيف المنهج الماركسي في خدمة رؤيته الصهيونية، فأكد الأساس الطبقي والاقتصادي للصهيونية، وخَلُص من تحليله إلى حتمية الحل الصهيوني كوسيلة لتزويد كل الطبقات اليهودية الهامشية بقاعدة للإنتاج. أما تيار سيركين، فقد ركز على العنصر الأخلاقي ووحدة الرؤية بين اليهود، ولذلك فهو يؤكد التعاون والأخوة ويُقلِّل أهمية الصراع الطبقي. وقد انصرف جل اهتمام جوردون إلى الجانب النفسي، ولذلك فقد ركز على فكرة اقتحام الأرض والعمل كوسيلة للتخلص من آفات المنفى وكوسيلة للولادة الجديدة وتحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج. وقد كُتب لأفكار جوردون وسيركين الشيوع في الأوساط العمالية الصهيونية. 
ويعود ظهور الاتجاه العمالي إلى المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898، لكنه قوبل برفض شديد من أغلبية المشاركين بزعامة هرتزل وكان الرافضون يقدِّمون الصهيونية آنذاك على أنها طريقة لتحويل الشباب اليهودي عن طريق الثورة. وبعد ذلك، عُقد مؤتمر في لاهاي عام 1907 لجماعات عمال صهيون بقيادة بوروخوف، ثم انضمت لهم جماعات أخرى، مثل العامل الفتي (هابوعيل هاتسعير) والفتي الحارس (هاشومير هاتسعير) واتحاد العمل (أحدوت هعفودا).
ويمكن القول بأن الموجة الثانية من الهجرة اليهودية (1905 ـ 1914) هي التي أتت بالمادة البشرية الاستيطانية العمالية. فالمهاجرون اليهود في الموجة الأولى من الهجرة كانوا في معظمهم من أبناء الطبقة الوسطى، ولذا فقد استقروا في المدن الفلسطينية، ولم يعمل منهم في الزراعة سوى 5% فقط. أما مهاجرو الموجة الثانية فكانوا ـ لاعتبارات تتعلق بانتماءاتهم الطبقية والأيديولوجية على حدٍّ سواء ـ مصرين على العمل الزراعي الذي رأوه مفتاحاً لحل المسأة اليهودية وإصلاح الهرم الاجتماعي المقلوب عند اليهود. 
لقد تمت هذه الموجة " الثانية " من الهجرة في سنوات الهجرة اليهودية الكبرى من روسيا وأوربا الشرقية إلى أمريكا، وحدثت نتيجة فشل ثورة 1905وازدياد معاداة اليهود في روسيا القيصرية نتيجة تعثُّر التحديث. ولقد كانت الأقلية العقائدية هي التي هاجرت إلى فلسطين بدلاً من أمريكا. كانت هذه الأقلية في معظمها من الشبان (77% كانوا في سن دون 25 عاماً)، ولا يملكون أية مدخرات، ومتشبعون بالأفكار الشعبوية الروسية (المعادية للصناعة) وبالأفكار الثورية الاشتراكية. ولذا استخدموا هذه الديباجات في تبرير الاستيلاء على الأرض العربية وطَرْد سكانها، ولذا بدلاً من المنطق الاستعماري التقليدي الذي يقوم بطرد السكان الأصليين وإبادتهم لأنهم من أجناس مُلوَّثة لجأ هؤلاء المهاجرون إلى تبرير عمليات الطرد والإبادة من خلال ديباجات اشتراكية ملتهبة. فاستولوا على الأرض بحجة أن الأرض لمن يزرعها، وطردوا أصحابها منها بحجة أن إنتاجيتهم ضعيفة. وقد تحوَّلت الصهيونية العمالية في المؤتمر الصهيوني الثاني عشر (1933) إلى أكبر أجنحة المنظمة الصهيونية العالمية وأكثرها تأثيراً على الصعيدين السياسي والعملي. 
ويعود هذا إلى نجاحها في مجالين أساسيين: 
أولاً: نجحت الصهيونية العمالية فيما فشلت فيه كل الاتجاهات الصهيونية الأخرى، أي تجنيد المادة البشرية الأساسية للعملية الاستيطانية. 
ثانياً: نجحت الصهيونية العمالية في تنفيذ القسم الأكبر والأهم من عمليات الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة من خلال صيغ وأشكال مختلفة. والبناء الاقتصادي السياسي في المُستوطَن الصهيوني نتاج نشاطات الصهيونية العمالية بالدرجة الأولى. فالهستدروت والكيبوتس والهاجاناه والبالماخ هي الأدوات التي استخدمها الصهاينة لتحويل جزء من فلسطين إلى مُستوطَن صهيوني تحكمه دولة صهيونية وظيفية، وهي مؤسسات أوجدتها وسيطرت عليها الصهيونية العمالية التي لا تزال لها اليد الطولى في إسرائيل. 
إن الصندوق القومي اليهودي الذي أسسه الممولون من أعضاء الجماعات اليهودية كان سيصبح مؤسسة بلا هدف بدون المادة البشرية وبدون المؤسسات العمالية التي حققت لها البقاء والاستمرار. ولذا ليس من الغريب أن تعرف أن أموال الصندوق القومي اليهودي ما بين سنة 1921 وسنة 1945 كانت تذهب، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى الاقتصاد العمالي. فالبند الوحيد الذي كان لا يخضع لسيطرة شبكة الأحزاب والمؤسسات العمالية هو بند الإسكان في المدن البالغ 6.8% فقط من مجموع الإنفاق. أما باقي المصاريف، فكان يذهب مباشرةً إلى العمال، كمصاريف المستعمرات الزراعية والهجرة والتدريب والإسكان، كما كان يذهب بصورة غير مباشرة إلى مؤسسات يُشرف العمالي عليها، كالمصاريف المتعلقة بالثقافة والأمن والصحة. 
وقد تحوَّلت «الصهيونية العمالية» في المؤتمر الصهيوني الثاني عشر (1933) إلى أكبر أجنحة المنظمة الصهيونية العالمية وأكثرها تأثيراً على الصعيـدين السـياسي والعملي الخاصين بالمشروع الصهيوني. ويُلاحَظ أنه مع تزايد اعتـماد الدولة الصـهيونية على يهود العالم، ومع تزايد خفوت النبرة الاشتراكية في صفوف الصهاينة العماليين، اختفى النقد الراديكالي للهوية اليهودية، بل استوعبت الصهيونية العمالية ديباجات الصهيونية الإثنية العلمانية وأصبحت الهوية اليهودية الرقعة المشتركة بين يهود الدولة الصهيونية ويهود العالم.
موسى هـس (1812-1875) Moses Hess 
رائد الصهيونية العمالية. وُلد في ألمانيا من أب بقَّال وأم كان أبوها حاخاماً. وانتقل هس، وهو بعد في التاسعة، إلى منزل جده حيث تلقَّى على يديه تعليماً دينياً وتعلَّم العبرية. ورغم ذلك، لم يُبد هـس أي اهتمـام بالقــضايا اليهودية إلا في مرحلة متقدمة من عمره. وقد اهتم هس بدراسة التاريخ وكان شديد الإعجاب بالفيزياء والأدب الفرنسي ودرس الفلسفة في الجامعة ولكنه لم يحصل على درجة علمية. وقد استقر هس معظم حياته في باريس حيث تزوج من فتاة أمية مسيحية تعمل بالدعارة، ولكنه أجَّل الزواج إلى ما بعد وفاة والده بعام واحد أي عام 1852 لكي يضمن حقه في الميراث. وكان لهس اتصال بالأوساط والمجالات الاشتراكية، كما كان صديقاً لكارل ماركس وفردريك إنجلز، ولكنه اختلف معهما بعد فترة قصيرة، كما كان عضواً في أحد المحافل الماسونية، وساهم بعدة مقالات في المجلات الماسونية. وقد أظهر إعجاباً شديداً في مقتبل حياته بالدين المسيحي والحضارة الغربية، وخصوصاً في ألمانيا، ولذلك فقد كان يؤكد أهمية ألمانيا مثل نوردو وجابوتنسكي، واشترك في الثورة الألمانية عام 1848 وحُكم عليه بالإعدام. وقد كان هس واقعاً تحت تأثير روسو وإسبينوزا وماتزيني، ولكن أهم مصادر تفكيره هي الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية. 
نشـر هــس عـام 1862 كتاباً كان عـنوانه الأصـلي حياة إسرائيل، ولكنه عدَّل هذا الاسم وسماه روما والقدس. وتَردُّده بين الاسمين ذو دلالة، فالعنوان الأول ديني حلولي صريح وله بُعْد يهودي خالص، أما الثاني فهو حلولي غربي استعماري. وروما التي يشير إليها هس هي روما الثالثة التي كان يشير لها ماتزيني والتي ستُؤسَّس عن طريق بعث القومية الإيطالية، فهو يرى أن ثمة علاقة بين بعث روما في أوربا وبعث القدس في الشرق، ويرى أن ثمة علاقة بين الحركة القومية العضوية والحركة الصهيونية. ويتحدث الكتاب عن الثورة الفرنسية كمَعْلَم أساسي في تاريخ الغرب، فهي تشكل بعثاً اجتماعياً سيؤيد المشروع الاستعماري الصهيوني في الغرب، أي أن هس قام في البداية بتصنيف الصهيونية تصنيفاً صحيحاً لا باعتبارها حركة تنبع من داخل ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» وإنما باعتبارها ظاهرة تنبع من حركيات التاريخ الغربي الاستعماري. والكتاب عبارة عن اثنتي عشرة رسالة إلى سيدة حزينة على فَقْد إنسان تحبه، ولعل هذا يفسر عدم ترابط الأفكار كما يفسر العاطفية الزائدة، وهو كتاب سطحي بشكل عام في أطروحاته ورؤيته السياسية. 
يتفق هس مع النقد المعادي لليهودية ولما يسمَّى «الشخصية اليهودية». وقد صرَّح في بداية حياته بأن شريعة موسى ماتت وأن اليهود إذا كان عليهم أن يختاروا ديناً فهو المسيحية فهي أكثر ملاءمة للعصر الحاضر، فهي دين يهدف إلى توحيد كل الشعوب وليس توحيد شعب واحد (كما هو الحال في اليهودية). ورغم أن هس لم يَتنصَّر إلا أنه لم يكن معارضاً تماماً لفكرة التعميد، فالدين اليهودي أصبح، على حد قول هايني، مصيبة أكثر منه ديناً خلال الألفي عام الماضية. بل إن كل الأديان إن هي إلا خطأ إنساني جماعي والدين إن هو إلا تعبير عن حالة مرضية. 
ولا يختلف موقف هس من اليهود عن موقفه من اليهودية. ففي أول كتاب له التاريخ المقدَّس للإنسانية، وهو كتاب ذو صبغة مسيحية رومنتيكية، يقول فيه إن اليهود قد أنجزوا مهمتهم الروحية بظهور المسيح برؤيته العالمية. وقد قدَّم تقسيماً لمراحل التاريخ يدور في إطار مسيحي: المرحلة الأولى هي مملكة الإله الأب (التي سادتها المسيحية)، أما المرحلة الثانية والأخيرة فهي مملكة الروح القدس (وهي مرحلة نهـاية التاريخ التي سـيتحقَّق فيها خلاص الجنـس البـشري بأسره)، وينشأ مجتمع اشتراكي كامل تُلغَى فيه الملكية الخاصة وحق الميراث وحكم مامون إله المال ويؤكد التضامن الإنساني نفسه دون أية عوائق، ومن ثم فهو مجتمع يحقق رسالة اليهودية القديمة ولكن في إطار علماني. وليس بإمكان اليهود الآن إلا أن ينضموا كأفراد إلى الحضارة العالمية، تماماً كما فعل إسبينوزا نبي اليهودية الحقيقي. بل إن اليهود سيعودون تحت راياته وسيُنفَخ في الشوفار اليهودي الذي نُفخ فيه حين طُرد إسبينوزا من حظيرة الدين. والقدس الجديدة بهذا المعنى ستبقى هنا في قلب أوربا وليس في فلسطين. 
وفي مخطوطة أخرى بعنوان البولنديون واليهود تنتمي للفترة نفسها (1840)، يرى أن البولنديين لهم مستقبل أما اليهود فلا مستقبل لهم لأنهم يعانون من نقص مطلق في الوعي القومي، والبولنديون لن يستسلموا قط لحقيقة تقسيم بولندا على عكس اليهود الذين استسلموا لحقيقة طردهم من فلسطين. ويذهب هس إلى أن اليهود والصينيين حفرية تاريخية لها ماض وليس لها مستقبل، بحيث أصبح الصينيون جسداً بلا روح وأصـبح اليهـود روحاً بلا جسد. ولذا فهو يرى أن الشعب المختار لابد أن يختفي إلى الأبد، فمن اختفائه قد تظهر حياة جديدة ثمينة. 
وقد صدرت له كراسة عن رأس المال (1845)، وهي تزخر بالإشارات المعادية لليهود (ويبدو أن ماركس قرأها قبل أن تُنشر وتأثر بها). يقول هس في هذه الكراسة إن أعضاء جماعة يسرائيل كانوا شعباً من الوثنيين، ربهم الأساسي هو مولك الذي كان يطلب منهم دم الضحايا. ولكنهـم، بمـرور الزمن، عبروا من مرحلة قرابين الدم (بالعبرية: دم) إلى مرحلة قرابين النقود (بالعبرية: داميم أي «رسـوم») وهـذه هي أصـول عبادة اليهـود للنقود إذ حلَّت محل مولك. وفي هذه الكراسة، يشير هس لإله يسرائيل باعتباره يهوه ـ مولك. ويصف شلومو أفنيري هذه العبارات بأنها "فرية دم جماعية" لا نظير لها في أدبيات معاداة اليهود. ويُعَدُّ هذا الرفض المبدئي لكل من اليهودية واليهود إحدى المقولات الأساسية الصريحة في صهيونية اليهود وغير اليهود وبُعْداً أساسياً في الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. 
ثم يذكر هس حقيقة ظهور القومية العضوية كإطار مرجعي في الغرب، فيقول: إن حركة التنوير دعوة للعالمية والإخاء ولكنها يصاحبها زيادة الوعي القومي (في أوربا) وزيادة الإحساس بأن الأمة كيان عضوي متماسك. ومصدر التماسك العضوي للشعوب العضوية هو العرْق، فهو القيمة الحاكمة الكبرى، وهو محرك التاريخ. فالتاريخ إن هو إلا ساحة للصراع العرْقي والطبقي، بل إن الصراع العرْقي هو الغالب. ولذا، تفشل كل محاولات الإصلاح لأنها تتجاهل عنصر العرْق. وهذا التركيز على العرْق أغلق أبواب الغرب تماماً أمام اليهود، إذ لم يَعُد بوسعهم الحصول على تأشيرة دخول الحضارة الغربية عن طريق التنصُّر (كما فعل هايني). 
ثم يذكر هس الحقيقة الأساسية في أوربا في عصره وهي أن الشعوب الأوربية اعتبرت وجود اليهود بينها شذوذاً، ولذا سيبقى اليهود غرباء أبداً لا يمكنهم الالتحام العضوي بأوربا، شعباً منبوذاً ومُحتقَراً ومُشتَّتاً؛ شعباً هبط إلى مرتبة الطفيليات التي تعتمد في غذائها على الغير؛ شعباً ميتاً لا حياة له (والمُلاحَظ أن الصور المجازية العضوية تتواتر في كتابات هس كما هو الحال في معظم الأدبيات الصهيونية والنازية والمعادية لليهود). المخْرَج من هذا الوضع هو الصيغة الصهيونية الأساسية التي تطرح فكرة الشعب العضوي المنبوذ، الذي يمكن حل مشكلته عن طريق توظيفه في خدمة الحضارة الغربية التي نبذته. ويبين هس أن اليهود عنصر حركي نافع، فمبدؤهم الرئيسي أن "موطن المرء حيث ينتفع". هذا هو دينهم، وهو أعظم من كل ذكرياتهم القومية إذ يرى أن اليهود متميزون باجتهادهم الصناعي والتجاري. ولذا، فقد أصبحوا مهمين للأمم المتحضرة التي يعيش فيها اليهود. وأصبحوا أمراً لا يمكن الاستغناء عنه لتقدُّم هذه الأمم (وهذا هو وَصفُنا للجماعة الوظيفية). 
ولكن اليهود ليسوا جماعة وظيفية وحسب، إذ يجب أن يُعاد إنتاجهم على هيئة شعب عضوي حتى تتمكن أوربا من أن تجد لهم مكاناً في الأرض وتشرف على مشروعهم الاستعماري. ولذا، فهو يرى اليهود باعتبارهم قوماً ينقصهم الوعي القومي. وحيث إن القومية والعرْق أمران مترادفان في عقل هس وفي وجدان أوربا في القرن التاسع عشر (فالعرْق هو مصدر الوحدة العضوية وهو القيمة الحاكمة المرجعية)، وحيث إن الانتماء القومي هو في جوهره انتماء عرْقي، نجد أن هس يشير إلى العرْق اليهودي باعتباره من العروق الرئيسية في الجنس البشري التي حافظت على وحدتها رغم التأثيرات المناخية عليها، كما حافظت السمة اليهودية على نقائها عَبْر العصور. وقد قسَّم هس العالم إلى جنسين أساسيين (السامي والآري) يهدف الأول إلى إضفاء الأخلاق على الحياة ويهدف الثاني إلى إضفاء الجمال عليها (وهو التقسيم الذي قبلته أوربا وقبله النازيون فيما بعد). 
ولكن التعريف العرْقي ليس التعريف الوحيد وإن كان هو الأساس. والواقع أن ثمة إشارات في الكراسة تدل على أنه يرى أن الوحدة بين اليهود إثنية (ثقافية) أيضاً على طريقة القومية العضوية، فهو يقول إن هويته القومية ترتبط بتراث أسلافه وبالأرض المقدَّسة وبالمدينة الخالدة. ويرى هس أن ثمة ترابطاً عضوياً عميقاً بين الهوية اليهـودية والدين اليهودي، فالدين أهم أشكال التعبير عن هذه الهوية، أي أنه يرى الدين مكوناً إثنياً وشكلاً من أشكال الفلكلور. ولذا، فقد اقترح هس عدم إدخال أية تغييرات عليه. واستنكر محاولات اليهود الإصلاحيين تحويل اليهودية إلى شيء عالمي أو إلى نسخة ثانية من المسيحية، فهي محاولة محكوم عليها بالفشل لأن اليهودية الإصلاحية لا تُبدي أي شكل من أشكال الاحترام للمقومات الأساسية للقومية الدينية التي تشكل جوهر الدين. فاليهودية دين عقيدة ودين عبادة قومية (على عكس المسيحية)، ولذا فهو يشير دائماً إلى «دين اليهود التاريخي»، أي دين يتبدَّى في الحياة القومية والتاريخية لليهود، والذي لا وجود له كمجموعة من القيم المطلقة المُتجاوزة لهذه الحياة المُنزَّهة عنها. 
ويَقرن هس بين الروح المقدَّسـة والعبـقرية الخلاقة للشـعب ويُوحِّدهما، فالواحد هو الآخر. وقد نبعت منها كل من الحياة الإثنية والعقيدة اليهودية، أي أن القومية العضوية أو روح الشعب أسبق من الدين، وما الدين سوى تعبير عن الروح القومية، وهذا يعني أن هس يَصدُر عن صورة مجازية حلولية عضوية ترى ترادفاً بين الدين والقومية، وتجعل الشعب المركز الوحيد للحلول والكمون، ومن ثم فهي حلولية بدون إله. وهكذا تكون قد تمت إعادة إنتاج الجماعة اليهودية في الغرب على هيئة شعب عضوي لا تقبله أوربا، أي شعب عضوي منبوذ. 
وطرح المشكلة على هذا النحو يشير إلى الحل وهو نقل الشعب الذي نبذه العالم الغربي وتوطينه في الشرق ليقوم على خدمة الغرب ومن ثم يصبح اليهود جزءاً من التشكيل الاستعماري الغربي بعد أن فشلوا في الانتماء إلى التشكيل الحضاري الغربي. ويشير هس إلى أنه قد تم تعبيد طريق الحضارة في الصحراء بحفر قناة السويس ومد الخطوط الحديدية التي تصل أوربا وآسيا، أي أن طرق المواصلات جعلت الشرق مفتوحاً أمام الغرب. ثم يشير إلى أن الظروف السياسية في الشرق (أي المسألة الشرقية) بدأت تتهيأ لدرجة تسمح بتنظيم عودة الدولة اليهودية للحياة. ولذا، يمكن أن تقوم إحدى الدول الغربية الاستعمارية (فرنسا الحبيبة مثلاً، المُخلِّص الذي سيعيد لشعبنا مكانته في التاريخ العالمي) بتشييد مستعمرات في أرض الأجداد. "فالأمم المسيحية لا تعارض عودة الدولة اليهودية إلى الحياة لأنهم بهذه الطريقة سيتخلصون من شعب غريب يعيش بينهم بعد أن كان شوكة في جنبهم". والدولة اليهودية يجب أن تكون دولة مستقلة مُعترَفاً بها من القانون الدولي (أي القانون الاستعماري الغربي) كدولة متحضرة (أي كدولة استيطانية وظيفية تدور في فلك الغرب الذي يضمن بقاءها واستمرارها وتدافع هي عن مصالحه).
ويَتوصَّل هس لفكرة الدولة الوظيفية، فاليهود سيذهبون إلى أرض الأجداد داخل إطار الحضارة الغربية الاستعمارية. لكل هذا، يرى هس أن اليهـود ينبغي علىهم ألا يطالبوا الإله بأرض الأجـداد من خـلال الصلاة، وإنما يجب عليهم أن يتحلوا بالشجاعة ويطلبوا هذه الأرض من الإنسان الغربي، وأن ينسلخوا عن اليهودية وينخرطوا في التشكيل الاستعماري الغربي (ذلك أن هس صهيوني يهودي غير يهودي). ويبين هس مدى نفع الدولة الوظيفية الجديدة، فاليهود يُكوِّنون "مركز اتصال بين القارات الثلاث... [وهم] حملة الحضارة إلى شعوب لا تعرفها... الوسيط بين أوربا وآسيا البعيدة، وذلك كي يمهدوا الطرق التي تقود إلى الهند والصين، لكل المناطق المعزولة التي يجب أن تُعرَّض للحضارة ". كما أنهم سيعطون الدولة العثمانية بعض المال الأمر الذي سيحد من تداعي الإمبراطورية (وهو ما كان يُهم فرنسا آنذاك).
ويَتوصَّل هس إلى مفهوم الصهيونيتين، فيميز بين يهود الشرق ويهود الغرب، فالمشروع الصهيوني لا يعني أن يهاجر يهود الغرب كلهم إلى فلسطين، ذلك أن أغلبية اليهود الذين يعيشون في بلدان متمـدنة في الغـرب لابد أن يبقـوا في بلادهـم بعد تأســيس دولة يهودية، فقد نجحوا في شق طريقهم بجهد بالغ وحققوا لأنفسهم مركزاً اجتماعياً وسوف لن يتخلوا عن أي نجاح حققوه. ولكنهم، مع هذا، سيساندون الشعب اليهودي من شرق أوربا (أي يهود اليديشية) في مهمته التاريخية، أي أنه حدد لهم دورهم في الحركة الصهيونية باعتباره صهيونية توطينية. "أما في تلك البلاد التي تؤلف الخط الفاصل بين الغرب والشرق، أي روسيا وبولندا وبروسيا والنمسا وتركيا، فالملايين من إخواننا يتضرعون إلى الإله بحماس كي يعيد المملكة اليهودية. 
لقد حافظ هؤلاء اليهود على بذرة الحياة اليهودية [الحياة الجيتوية] بإخلاص أكثر من إخواننا في الغرب". لقد توجَّس هس خيفة من البداية من أن المادة البشرية المطلوبة للمـشروع الاسـتعماري قد لا تكون طيـعة وقد لا تهاجر، ولذا فهو يقول: "إن عدد اليهود الذين سيسكنون الدولة ليس أمراً مهماً، فاليهود عبر تاريخهم يعيشون في كل مكان، وكل دولة مستقلة لها مواطنون يعيشون في أرض أجنبية" أي أنه لا يطالب بتصفية الدياسبورا. 
هذه هي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. ولكن هس كان مدركاً أنها في حد ذاتها لا تكفي، ولذا فلابد من زيادة مقدرتها التعبوية بإضافة ديباجات وأبعاد مختلفة، يقول هس إن دولة اليهود الجديدة ستوفر لهم الكرامة والاحترام والشرف، وسيتم تطبيعهم إذ سيُحوِّلهم حصولهم على أرض إلى أفراد، عمال نافعين، وسيُسهم رأسمالهم وعملهم في إعادة الحياة للأرض القاحلة، أي أنهم سيتحولون إلى مادة استيطانية ناجحة بيضاء. ثم يستخدم هس ديباجات إثنية دينية، فيؤكد أن هذا البعث القومي سيؤدي لا إلى إصلاح اليهود وحسب وإنما إلى إصلاح اليهودية نفسها، فعبقرية اليهود الدينية لن يعيدها إلا نهضة قومية (والقومية على كلٍّ أسبق من الدين). كما أن هذا الجفاف الديني سيختفي عندما تستيقظ الحياة الوطنية المنطفئة. 
وعندما يتغلغل تيار التطور الوطني القومي التاريخي الحر ثانيةً داخل تلك الشكليات الدينية المتزمتة. "فإذا حققنا هذه الخطوة الرئيسية لأمكننا التغلب على الصعوبات مهما بلغت.... ويمكننا بهذه الروح الوطنية تحرير الشعب اليهودي من الشكليات المميتة للروح". بل إن البعث القومي سيغير شكل التعبير الديني ذاته في المستقبل، فمن المؤكد أن اليهود سيختلفون في تعبيرهم الديني عما هو عليه في الحاضر وعما كان عليه في الماضي. بل إن هس يتنبأ بأنه بعد البعث القومي، وإنشاء دولة يهودية، سيقام سنهدرين منتخب يقوم بتعديل الشريعة اليهودية حسب احتياجات المجتمع الجديد (وهو الأمر الذي حَدَث بالفعل).
وإلى جانب الديباجة الإثنية، هناك الديباجة العمالية الأممية الإنسانية، "واليهودية القومية لا تستبعد النظرة العالمية، بل العكس هو الصحـيح، فالعــالمية هي النتيـجة المنطقية لصفات اليهود القومية". بل إنه "لا يوجد شعب غير اليهود له دين يربط العناصر القومية والعالمية والتاريخية معاً، فاليهود إذن هم وحدهم شعب الإله". ولقد أصبح تاريخ الإنسانية مقدَّساً من خلال اليهودية. فالتاريخ أصبح تطوراً عضوياً ومُوحَّداً يعود في أصله إلى حب الأسرة. وسوف لا يتم هذا التطور إلا إذا أصبحت الإنسانية كلها أسره واحـدة يتحـد أعضـاؤها بالروح القـدس وبإبداع التاريخ العبقري. والواقع أن هناك حتمية وراء اختيار اليهود لطريق العدالة في مجتمعهم، فهم طفيليون منبوذون يشعرون بالحاجة إلى ظروف عمل عادلة وصحيحة. 
ولذا، فهم بحاجة إلى أرض حتى يتحولوا من طفيليين هامشيين إلى عمال نافعين، ووجود مثل هذه الأرض التي ستشكل الوطن المشترك شرط أساسي لإدخال علاقة صحيحة بين رأس المال والعمل عند اليهود. وسيزداد تحقيق العدالة في المجتمع إن اعتمد على اسـتغلال الإنسـان للطبيعة بدلاً من اسـتغلال الإنسان للإنسان، وسيتحقق هذا من خلال التقدم العلمي. ففي الماضي، كانت الندرة مصدر الصراع الطبقي والعرْقي. ولذا، ومع تحقيق الوفرة من خلال تَقدُّم وسائل الإنتاج والعلم، ستختفي هذه الصراعات وستزول الحاجة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وسيختفي العداء بين الطبقة الرأسمالية والطبقة المنتجة، بل ستختفي الاختلافات بين النظرة الفلسفية والبحث العلمي، وسيتحد الذات والموضوع تماماً. 
وسيصبح الفاعل الفلسفي هو نفسه القانون العلمي، أي أن التاريخ والطبيعة سيتحدان وتتحقق الواحدية المادية الكونية في لحظة نهائية مطلقة في سبت التاريخ أي نهايته. ومن الواضح أن المشيحانية تحوَّلت هنا إلى عقيدة هيجلية علمانية. وفيما يتصل بالسكان الأصليين، فهناك ما يشبه الصمت بشأنهم، وحينما تحدَّث هس عن الأعراق في أوربا، فقد تحدَّث عن اختلافها لا عن تفاوتها، ولكنه حينما انتقل إلى الشرق فإنه يؤكد التفاوت فيما بينها حتى يُكسب مشروعه الصهيوني الشرعية الغربية الإمبريالية اللازمة. فاليهود سيجلبون الحضارة للمتخلفين وعليهم أن يعملوا على تثقيف القطعان العربية المتوحشة والشعوب الأفريقية وأن يجعلوا القرآن والإنجيل يتحلقان حول التوراة. 
وقد سـمع هس، قبل نشر كراسـته، عن كتـابات كاليــشر فنوَّه بها وبيَّن أنها علامة على البعث القومي الجديد، كما كان يرى ذلك في الحسيدية (فرَفْضُها الاندماج علامة على حيوية اليهودية الحديثة). وقد وصـف الزعيم الإصلاحي أبراهـام جايـجر كتابات هـس بأنها "ليست الولادة لعصر جديد، بل القبر المفتوح لعهد مضى". وقد ساهم هس في بعض الأعمال التمهيدية للاستيطان، فاشترك في تحقيق مشروع المدرسة الزراعية قرب يافا والذي تبنته الأليانس. وقد تُوفي هس عام 1875، ونُقلت رفاته إلى إسرائيل. وإلى جانب الدراسات التي أسلفنا الإشارة إليها، كَتَب هس في الاشتراكية وله كتاب المادية الدينامية يضم آراءه العلمية المقتبسة عن النظرة الحيوية.
يتبع إن شاء الله...


الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49233
العمر : 72

الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية Empty
مُساهمةموضوع: أهارون جوردون (1856-1922) Aharon Gordon    الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 12:49 am

أهارون جوردون (1856-1922) Aharon Gordon 
أحد مفكري الصهيونية العمالية وأحد أعمدة الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وُلد في بودوليا (روسيا) في بيئة زراعية تركت أثرها العميق فيه، وقد تلقَّى تعليماً دينياً ثم علمانياً، وعمل محاسباً حتى عام 1903. وفي تلك الفترة، فَقَد إيمانه باليهودية وبحركة التنوير، وتأثر بأفكار تولستوي والحركة الشعبوية الروسية، وتبنَّى رؤية آحاد هعام الصهيونية ووثنيته اللادينية. وتعرَّف خلال ذلك إلى جماعة أحباء صهيون وأصبح من أتباعها المتحمسين. وحينما بيعت الضيعة التي كان يعيش ويعمل فيها عام 1904، هاجر إلى فلسطين حيث اشتغل عاملاً زراعياً يدوياً في المستوطنات اليهودية هناك (وكان عمره آنذاك 48 سنة على عكس الأكثرية الساحقة من مهاجري الهجرة الثانية). أنجب جوردون سبعة أطفال لم يبق منهم سوى اثنين. وقد حاولت أسرته أن تُثنيه عن عزمه على الاستيطان ولكنه نجح في إحضارها إلى فلسطين إلا ابنه الأكبر الذي عاد إلى حظيرة الدين اليهودي وانفصل عن أبيه. وفي عام 1909، نشر جوردون في مجلة العامل الفتي مجموعة من المقالات يشرح فيها أفكاره وهي مجلة جماعة عمالية معارضة لجماعتي عمال صهيون واتحاد العمل. 
ينطلق جوردون من نقد عميق للجماعات اليهودية ولليهودية التي قضت تاريخها معزولة عن الطبيعة، مسجونةً داخل أسوار المدينة، ففقدت حب العمل. فالتلمود يقول إنه عندما ينفذ اليهود إرادة الإله سيقوم الآخرون بتنفيذ أعمالهم نيابةً عنهم، وهكذا تحوَّل اليهود إلى شعب طفيلي ميت. وإلى جانب هذا، فَقَد اليهود أيضاً مقومات الشخصية القومية المستقلة. فهم طفيليون لا في العمل المادي وحسب وإنما في المنتجات الثقافية كذلك، فهم يعتمدون على الآخرين مادياً وروحياً. إن الجماعات اليهودية في العالم سلبية في تَلقِّيها واستهلاكها حضارة الآخرين، فكل الشعوب تعيش من ثمرة عملها إلا اليهود. والحضارة كما يرى نتاج عملية تَطوُّر طبيعية لم يساهم فيها اليهود. ولذا، فإن اليهود المندمجين في حضارة غير يهودية سيكتسبون هوية غير يهودية جديدة ويتحولون بذلك إلى أشخاص غير طبيعيين ناقصين ومنشطرين داخلياً. 
والحل الذي يطرحه جوردون هو الحل الصهيوني، أي إسقاط اليهودية كدين وتحويل اليهود إلى مادة استيطانية، ولكنه يضيف إلى هذا المشروع ديباجته الخاصة. يذهب جوردون إلى أن اليهود يوجد أمامهم طريقان لا ثالث لهما: إما الاستمرار في حياة المنفى المريضة أو الخوض في طريق الحياة القومية الصحيحة، والواقع أن اختيار أحدهما يعني استبعاد الآخر. ولذا، يقترح جوردون على الرواد الصهاينة في فلسطين أن يكونوا آخر اليهود وأن يصبحوا رواد أمة عبرانية جـديدة تتكـون من رجــال ونساء تربطهم علاقة جديدة بالطبيعة. وهو يدعو إلى تصفية الدياسبورا (الجماعات اليهودية) تماماً. وإن تم الاحتفاظ بهم، فيجب أن يكونوا بمنزلة المستعمرات في علاقتهم بالوطن الأم، يزودونه بالمادة البشرية المطلوبة والدعم المالي والسياسي. 
وينطلق جوردون من إيمان بالواحدية المادية الكونية، ولذا فهو يرى أن ثمة وحدة كونية بل تماثلاً كاملاً بين الإنسان والطبيعة. غير أنه إذا كان الإنسان مجرد جزء عضوي من الطبيعة، فإن العقل الإنساني يفقد أهمـيته (فالعقل مركز الذاكرة ووسيلتنا للوصول إلى المعرفة التاريخية). بل إن العقل ـ حسب تصوُّر جوردون ـ يصبح حينئذ مصدر اغتراب الإنسان عن مصادر حياته، لأن المعرفة العقلية تقف على طرف النقيض من الحياة الكونية (وهنا يتضح تأثير نيتشه العميق). وإذا كان العقل هو مصدر اغتراب الإنسان، فإن المعرفة الحدسية هي التي تقلِّل غربته، وهي التي تجعله قادراً على الامتزاج بالطبيعة وبالقوة الكونية. إن حياة الإنسان مرتبطة بالحياة الخفية للكون (كما كان يزعم القبَّاليون). لكن الإنسان الذي ينبغي أن يعود جزءاً من الطبيعة عليه أن يتخلى عن العقل وعن أية حدود تفصل بينه وبين الطبيعة والقوة الكونية التي تسري فيها وفيه، وعليه أن ينغمس في تجربة دينية صوفية حلولية. وهنا نجد أن الدين لا يعلو على الطبيعة وإنما هو جزء لا يتجزأ منها. ونحن، هنا، نجد الثالوث الحلولي وقد تحوَّل إلى ثالوث عضوي: فمن الإله والإنسان والطبيعة ننتقل إلى قوة الكون التي تسري في كلٍّ من الإنسان والطبيعة وتُوحِّدهما. 
هذا الحديث الرومانسي عن الطبيعة والكون يُخفي كل المفاهيم الصهيونية الأساسية، فهو يعني أولاً رفض الدين اليهودي، فالحياة الطبيعية الجديدة هي بالنسبة لجوردون بمنزلة الدين لليهودي الورع المخلص، أي أنه سيُسقط المثل الدينية ويتبنَّى المثل الإثنية المطلقة المكتفية بذاتها، أي أنها حلولية موت الإله حيث تصبح الذات الإثنية هي العبد والمعبود والمعبد. ويقول في تعريفه العامل الكوني: إنه الانتماء العرْقي، وهو مجموعة من القوى العقلية والجسدية التي تؤثر في شخصية كل فرد من أفراد مجموعة هذا الجنس. والواقع أن هذا التعريف هو نفسه الفكرة الجرمانية والسلافية للشعب العضوي. ولذا، فهو يؤكد أن هذا العنصر الكوني لا يمكن أن يتحقق بالنسبة لليهود إلا في فلسطين حيث يرتبط الدم بالتربة، أما في المنفى "فالذات العرْقية تنكمش على نفسها بدون أي مصدر للحياة". 
ثم نأتي أخيراً للمفهوم المحوري، مفهوم دين العمل، وهي فكرة تستند إلى بعض أفكار الشعبويين الروس، كما أن لها جذوراً في الفكر الحسـيدي وتراث القبَّالاه وبالوضع الاقتصادي في منطقة الاستيطان، وقد أضفى جوردون عليها غلالة عصرية لتصبح إطاراً جيداً للمشروع الصهيوني. إن دين العمل عند جوردون إن هو إلا وسيلة من وسائل العودة للطبيعة الكونية والاتحاد بها، فعن طريق العمل اليدوي يُنشئ الإنسان علاقة عضوية مع الطبيعة (مثل علاقة الرسام بالصورة وليس علاقة المشتري بها) ويصبح العمل الزراعي (وحَرْث الأرض بالذات) عـملاً روحـانياً وقيمـة أخــلاقية في حد ذاته. 
ولكن الأساسات الصهيونية توجد وراء الحديث الكوني، إذ يقول جوردون إن حياة الإنسان الإبداعية والأخلاقية لا يمكن أن تتم على نحو فردي، بل لابد أن تتم على نحو قومي. فالقومية هي العنصر الكوني فينا، والطبيعة خلقت الشعب كحلقة وصل بين الكون والفرد، إذ أن الشعب هو جماعة طبيعية تُجسِّد علاقات كونية حية. والبعث القومي، حسب تصوُّر جوردون، لا يمكن أن يتم عن طريق إعادة التنظيم الاجتماعي ولا من خلال الحركات الجماهيرية وإنما من خلال جماعة متحدة بشكل عضوي وذات علاقة عضوية بالطبيعة. فالصهاينة لم يأتوا للصراع الطبقي وكُره الطبقات ولا من أجل الاشـتراكية أو باسـمها وإنما أتوا باسـم الشعب العضوي اليهودي. ولذا، فإن مضمون الصراع قومي صرف، بالمعنى العضـوي للكلمة الذي يسـتبعد الآخرين تماماً. وإن كان ثمة اشتراكية، فهي اشتراكية عضوية (إن صح التعبير) مقصورة على اليهود وحدهم. لكل هذا، يرى جوردون أن البعث القومي اليهودي لن يتم إلا عن طريق دين العمل الجماعي على الأرض المملوكة ملكية جماعية حيث يعود الشباب اليهودي للأرض المقدَّسة ليحرثوها ويزرعوها بأنفسهم دون أن يسمحوا لأي عامل عربي بأن يدخلها لأن العامل اليهودي أو العبري سيعمل بشكل ذاتي في مزارعه أو مصانعه الخاصة. أما إذا عاد ليعمل في مصانع أو مزارع الآخرين دون استقلالية، فإنه سيفشل في تحقيق أهداف المشروع الصهيوني. والعمال اليهود، إلى جانب ذلك، لن يعيدوا بَعْث أنفسهم وتطبيعها وغَسْل أدران المنفى عنها إن لم يعملوا بأنفسهم، فالشخصيـة اليهـودية التي أحضـروها معـهم لابد أن يتم التخلص منهـا. 
وإن لم يعمل اليهود بأنفسهم، فإنهم لن يحلوا محل الغريب. ولو حصل الصهاينة على كل سندات ملكية الأرض التي يطالب بها الصهاينة الدبلوماسيون (الاستعماريون)، أو براءة الاستيطان الدولية التي يطالب بها الصهاينة السياسيون، فإن البلد مع هذا سيظل في يد من يعمل فيه، أي في يد العرب. ولذا، لا ينبغي الاكتفاء بشراء الأراضي من العرب وإنما يجب إحلال اليهود محلهم، فبدون العمل العبري سيظل المُستوطَن الصهيوني في أيديهم. ولهذا، يرى جوردون أن الطبقة العاملة اليهودية هي عماد المشروع الصهيوني. ولا شك في أن منطق جوردون الرومانسي في مجال تأليه العمل لعب دوراً كبيراً في تجنيد شباب اليهود الثائرين في أوربا، ولكن جوردون في مَعرض مواجهته مع العرب لا يكتفي بالمنطق الرومانسي وإنما يتحدث كذلك عن حق اليهود الأبدي في الأرض الفلسطينية، وهو حق ينسخ كل الحقوق الأخرى، ثم يضيف: وخصوصاً أن العرب لم يخلقوا أي شيء طوال فترة استيلائهم على الأرض المقدَّسة، أي أنه ينظر إلى العربي من خلال مقولة العربي المتخلف كي يبرر الاستيلاء الصهيوني على الأرض. 
وقد كان جوردون من أوائل من نظَّموا الإضرابات ضد المزارع اليهودية التي استأجرت عرباً، وكان من بين سكان مستوطنة داجانيا التي نظـمت إضـراباً وطـلبت عزل المــدير الذي عينته المنظمة الصهيونية. وقد استجابت المنظمة لمطالب المضربين وتمت إدارة المزرعة على أساس تعاوني وأخذت الحياة فيها شكلاً جماعياً، وكانت هذه بداية الحركة الكيبوتسية. وقد قضى جوردون آخر أيامه في داجانيا. وبرغم أنه لم يشغل أي منصب رسمي في الحركة الصهيونية، إلا أنه أثَّر فيها تأثيراً عميقاً. جُمعت آثار جوردون في عدة مجلدات تحت عنوان كتبي . وقد أُطلق اسمـه على المتحـف الإقليمي للطـبيعة والزراعـة في داجانيا، كما سُمِّيت باسمه حركة جوردونيا للشباب التي تنتمي لحركة العامل الفتي والتي نشطت بين الحربين العالميتين. 
نحمــن ســيركين (1868-1924) Nachman Syrkin 
أحد مفكري الصهيونية العمالية. وُلد في روسيا لعائلة من الطبقة الوسطى عُرفت بالتدين، وتلقَّى تعليماً تقليدياً ثم دخل مدرسة روسية ودرس بعد ذلك الاقتصاد في ألمانيا. انضم في شبابه لجماعة أحباء صهيون، وحضر المؤتمر الصهيوني الأول (1897) ولكنه ظل من دعاة الصهيونية الإقليمية حتى عام 1909. 
رجع إلى أحضان المنظمة الصهيونية ممثلاً عن حزب عمال صهيون. وقد هاجر إلى الولايات المتحدة حيث استقر وكتب العديد من المقالات، كما أصدر مجلات باللغتين اليديشية والعبرية للدعوة للأفكار الصهيونية، ونشر رسالته للدكتوراه عام 1898 في كراس بعنوان المسألة اليهودية ودولة اليهود الاشتراكية. وقد ساهم سيركين خلال الحرب العالمية الأولى في تأسيس المؤتمر اليهودي الأمريكي وفي الدعوة له، وأيد فكرة الفيلق اليهودي وسافر كعضو في لجنة الوفود اليهودية إلى مؤتمر السلام في فرنسا عام 1917. 
تبنَّى سيركين الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وأدخل عليها ديباجة اشتراكية، فطرح رؤية للتاريخ اليهودي تستند إلى افتراض أن اليهود كانوا يكوِّنون دولة مستقلة ذات تاريخ مستقل. ويبدأ التاريخ اليهـودي سيرته الحـزينة من المنفى حين وجـد اليهــود أنفسهم في الجيتو، ولكنهم مع هذا حافظوا على هويتهم القومية المستقلة داخله وهو ما أدَّى إلى ازدواج الشخصية اليهودية. فهناك شخصية للخارج يتعامل اليهودي من خلالها مع الأغيار، وأخرى للداخل يتعامل من خلالها مع اليهود (وازدواجية المعايير هي إحدى أهم سمات الجماعات الوظيفية).
ثم فُرض الانعتاق فجأة على اليهود، الأمر الذي أدَّى إلى اندماجهم وتنازلهم عن هويتهم القومية، وأصبح اليهود جزءاً من الحركة الليبرالية التي تدافع عن حقوقهم. ولكن البورجوازية خانت الُمُثل الليبرالية بعد ذلك وتراجعت عنها، وزادت حدة الصراع الطبقي، الأمر الذي أدَّى إلى زيادة حدة كُره اليهود، وخصوصاً بين الفلاحين والطبقات الوسطى. فالفلاحون مهددون بالاختفاء من المجتمع الإقطاعي ويرون اليهودي طليعة المجتمع الجديد الذي يتهددهم. أما الطبقات الوسطى، فهي مهددة بالهبوط في السلم الاجتماعي، كما أنها تنتمي إلى طبقات الملاك ولكنها لا تملك شيئاً ولا حتى عملها، وهي طبقة لا شخصية لها. ولذا، فإنها برغم عدائها للرأسمالية تناضل نضالاً ثورياً يأخذ شكل كُره عنصري لليهود. والطبقة الحاكمة والكنيسة ورأس المال على استعداد لاسـتخدام هـذا الاتجـاه بين الفلاحين وأعضاء الطبقة الوسطى ولصالحهم، ومن هنا فإن معاداة اليهود كانت موجهة على الدوام من قبَل معظـم طبقات المجتـمع ضد الفـئات اليهــودية كافة وبدرجة واحدة. وقد كان الحل الاشتراكي المنطقي يتمثل في أن ينضم اليهود للبروليتاريا التي ستُنهي الصراع الطبقي فتنتهي بالتالي ظاهرة معاداة اليهود. 
وهنا يطرح سيركين عدة أسباب صهيونية ذات ديباجة اشتراكية ليبيِّن استحالة هذا الحل: 
1 ـ لاحَظ سيركين أن الأحزاب الاشتراكية لا تأخذ الظروف الخاصة بالمسألة اليهودية بعين الاعتبار ولذلك فهي عاجزة عن أن تطرح حلولاً لها. بل إن بعض الأحزاب الاشتراكية تتبنى مواقف معادية لليهود. 
2 ـ يُورد سيركين أسبابه الأخرى لطرح الصهيونية (أو «الاشتراكية اليهودية» كما يسميها) كحل وحيد للمسألة اليهودية وكلها تدور حول فكرة الخصوصية أو التفرُّد اليهودي. 
3 ـ ينتقد سيركين الاشتراكيين اليهود الذين تبنوا المُثُل الاندماجية أو الأممية كما ينتقد طرحهم لهويتهم القومية. ولكنه، حين يحاول تحديد هذه الهوية القومية اليهودية، يلاحظ أن اليهود سُلبَت منهم الخصائص القومية الظاهرية، فهم مشتتون يتحدثون جميع اللغات واللهجات ويعيشون بدون ملكية وطنية، ثم يضيف أنهم مع هذا كانوا (في الماضي) أمة مميَّزة "كان مجرد وجودها سبباً كافياً لأن تكون". 
4 ـ يذهب سيركين إلى أن الوجود اليهودي هو رمز الضمير الإنساني، وبذا تصبح القومية اليهودية قيمة في ذاتها. 
5 ـ يرى سيركين أن اليهودي هو البروليتاري الأزلي. ومن هنا، فإن الاشتراكية اليهودية ليست معادلة للاشتراكية المسيحية وإنما هي معادلة للاشتراكية البروليتارية، والخصوصية اليهودية هي في جوهرها اشتراكية. ولذا، فإن الصهيونية بطبيعتها هي حركة احتجاج يهودية ثوريـة كبرى يقـوم بها كل اليهود، ولذا فهي ملك للجميع. ومن وجهة نظره، يؤكد سيركين أن الصهيونية لا تتعارض مع الصراع الطبقي وإنما تتجاوزه وحسب. فهي ستفيد الطبقة العاملة أساساً ولكنها تتبنَّى الطبقات الأخرى كافة، وخصوصاً أن التاريخ اليهودي يجسد كثيراً من القيم الثورية. 
ثم يتوجَّه سيركين إلى طبيعة المجتمع الصهيوني الاستيطاني ليبين أن ثمة ظروفاً خاصة تجعل من الضروري أن يتخذ هذا المجتمع شكلاً اشتراكياً: 
1 ـ يُشير سيركين إلى وضع المهاجرين اليهود الطبقي فهم بقالون وباعة متجولون وحرفيون غير قادرين على التكيف مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الجديدة في روسيا، ولذا فإن هذه الجماهير تفكر في الهجرة بحثاً عن عمل وعن بناء اقتصادي اجتماعي جديد. ولجذب هذه الجماهير، لا يمكن أن يُطرَح عليها مجتمع مَبني على التفاوت لأن هذا سيعني عقداً اجتماعياً للعبودية الاجتماعية الجديدة. وبالتالي، لابد أن يكون المجتمع الجديد الذي يطمحون إليه مبنياً على المساواة، وخصوصاً أن هذه الجماهير كانت متجهة إلى الولايات المتحدة حيث توجد الفرص الاقتصادية النادرة ونوع من الحراك الاجتماعي الأكيد. 
2 ـ ستسود دولة اليهود الاشتراكية ثقافة لا دينية تنبع من الإثنية اليهودية، ولذا فستكون بمنزلة الحصن الذي يحمي القومية اليهودية المهـددة بالتآكل في المجتـمع الاشــتراكي والغــربي باتجاهاته الاندماجية. إن الثقافة البروليتارية اليهودية ستُمثِّـل تحدياً لليهودية الإصلاحــية (ومع هذا، لم يذكر سـيركين شــيئاً عن بعث اللغة العبرية). وهذه الثقافة العمالية ستربط بين الطموح العالمي لدى العمال ورؤى الأنبياء اليهود في العهد القديم. 
3 ـ يضيف سيركين إلى كل هذه الأسباب المؤدية إلى «حتمية» الصهيونية العمالية سبباً أخيراً هو أن اليهود المتأثرين برؤية الأنبياء لم يُصلُّوا طيلة حياتهم من أجل العودة ليؤسِّسوا دولة مثل كل الدول، أي أن حتمية الاشتراكية الصهيونية تضرب بجذورها في أحلام اليهـود عبر التاريـخ وتصبـح مثل العهـد مع الرب علامة تميُّز وانفصال. 
4 ـ يبين سيركين أن طبيعة المشروع الاستيطاني الصهيوني تتطلب أن يتم هذا المشروع بالطريقة الاشتراكية الجماعية لأن مشروعاً ضخماً لتغيير اقتصاد فلسطين وتركيبها السكاني يتطلب وَضْع خطط بعيدة المدى، والمشروع الحر بطبيعته لا يمكنه أن يقوم بذلك. 
5 ـ ويتطلَّب هذا المشروع الضخم تمويلاً كبيراً لا يستطيع رأس المال اليهودي الصغير أن يقوم به. ولذا نادى سيركين بما سماه «التراكم الاشتراكي»، أي أن تقوم المنظمة الصهيونية بتمويل المشروع الاستيطاني عن طريق تجميع رأسمال قومي، وتظل ملكية الأراضي ملكية عامة وتُوظَّف الأموال لا للربح وإنما للاستثمار الاجتماعي وعلى أساس التعادل. 
6 ـ ثم يقدم سيركين ديباجة اشتراكية أيضاً للطبيعة الإحلالية للمشروع الصهيوني باعتباره مشروعاً استيطانياً غربياً أبيض، فدولة يهودية رأسمالية تعني أن آليات السوق والعرض والطلب ستتحكم فيها، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الأجور " إلى درجة تجعل قبول أي يهودي أوربي لها مستحيلاً "، ولذلك سيقوم العمال من المواطنين الأصليين (أي العرب) بملء الفراغ، وسيقضي هذا على الجانب الإحلالي من المشروع الصهيوني. 
7 ـ يربط سيركين بين حركة التحرر القومي والاشتراكية، وبالتالي بين الصهيونية والاشتراكية، ويرى أن الصهاينة سيشكلون حركة هجرة ذات طابع تقدُّمي وسيتصلون بالحركات القومية المماثلة بين الشعوب غير الإسلامية في الدولة العثمانية التي يجب تقسيمها على أسس قومية بحيث تكون فلسطين من نصيب اليهود. كما يرى أن "إرتس يسرائيل" قليلة السكان ويمكن تفريغها من سكانها حتى يتسنى توطين اليهود الذين تود الدول الغربية التخلص منهم. وإذا قاوم العرب عملية التفريغ فسيكون هذا أكبر علامات تخلُّفهم ورفضهم الوعي البروليتاري ورفضهم أيديولوجيا تقدمية اشتراكية، الأمر الذي يعني أحقية نقلهم. 
وبرنامج سيركين هو نفسه الصيغة الصهيونية الأساسية مع إضافة الديباجة الاشتراكية، ذلك أن قبول ظاهرة معاداة اليهود وحل المشكلة اليهودية عن طريق الاستعمار، وتفريغ أوربا من يهودها، وتفريغ فلسطين من عربها، والاعتماد على الأثرياء اليهود، والتحالف مع القوى الإمبريالية وضرورة اللجوء للعنف، وغير ذلك من الثوابت، موجود بعد إضافة ديباجات اشتراكية وإثنية. وقد قام سيركين بزيارة فلسطين في العشرينيات، وكانت المقاومة العربية للغزوة الصهيونية قد بدأت، وقبل موته في نيويورك سمع عن الإضرابات العنيفة التي وقعت عام 1924. وقد أثَّر فكر سيركين في كثير من الصهاينة الاشتراكيين والأحزاب الصهيونية العمالية. 
جوزيــف ترومبلــدور (1880-1924) Joseph Trumpeldor 
زعيم صهيوني أصبح رمزاً للجيل القديم من الصهاينة الرواد المقاتلين الذين جاءوا إلى فلسطين. كان أبوه جندياً في الجيش الروسي وقد التحق جوزيف بمدرسة دينية قبل أن يدرس طب الأسنان. وأثَّرت فيه أفكار تولستوي، وامتزجت بالأفكار الصهيونية حيث بدأت تتبلور لديه فكرة المستعمرات الصهيونية المسلحة في فلسطين. وقد جُنِّد في الجيش الروسي عام 1902، وفَقَد ذراعه اليسرى في الحرب الروسية ـ اليابانية، ورُقِّي وحاز عدة أوسمة ثم أُعيد إلى الجبهة بناء على طلبه فأسره اليابانيون وفي الأسر قام بتنظيم مجموعة صهيونية من الأسرى. وقد درس ترومبلدور الزراعة ثم القانون، وأخذ في تنظيم مجموعة من الصهاينة في أوكرانيا عام 1911 حيث قرروا الهجرة إلى فلسطين. عمل في مستوطنة داجانيا ثم حضر المؤتمـر الصهـيوني الحادي عشـر (1913). 
وعند عــودته إلى فلسطين، رحَّلته السلطات التركية إلى الإسكندرية حيث شارك في تكوين فرقة البغالة الصهيونية وأصبح نائباً لقائدها. وبعد اشتراك هذه الفرقة في القتال مع البريطانيين، سافر مع جابوتنسكي إلى لندن من أجل تكوين الفيلق اليهودي. وفي منتصف عام 1917، سافر إلى روسيا لإقناع السلطات هناك بتكوين قوة عسكرية يهودية تُرسَل للقوقاز وتقاتل هناك حتى تصل إلى فلسطين. وبعد نجاح مبدئي، فشلت هذه المهمة وأُلقي القبض عليه فتحوَّل إلى تكوين حركة الرائد في روسيا. وفي 1919، سافر إلى فلسطين حيث عرض على أللنبي إلحاق قوات يهودية قوامها 10 آلاف جندي بالقوات البريطانية، غير أن عرضه رُفض. وكان قد اقترح من قبل غزو فلسطين بجيش قوامه 100 ألف يهودي! وقد أسَّس مكتباً للاستعلامات لقاعدة اليهود القادمين من روسيا وشارك في الدفاع عن المستعمرات الصهيونية في الجليل الأعلى حيث قتله العرب عام 1920. وقد جاءت حركة بيتار المسماة باسمه (بريت ترومبلدور) بعد ذلك لتركز على النواحي العسكرية الصهيونية في فكره. ولا تزال منظمات الشباب الصهيونية ترفعه إلى مرتبة المثل الأعلى. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49233
العمر : 72

الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية Empty
مُساهمةموضوع: دوف بوروخــوف (1881-1917) Dov Borochov    الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 12:55 am

دوف بوروخــوف (1881-1917) Dov Borochov 
أهم منظري الحركة الصهيونية العمالية ومؤسس حركة عمال صهيون وزعيمها. وُلد في روسيا وتلقى تعليماً علمانياً، وكانت نشأته في مدينة كان يُنفَى إليها الثوريون الروس، وكان أبوه عضواً في جمعية أحباء صهيون، الأمر الذي ترك أثراً عميقاً فيه، فقد ظل طوال حياته يحاول الجمع بين الصيغة الصهيونية الأساسية والديباجات الاشتراكية. وكان عضواً في الحزب الاشتراكي الديموقـراطي، ولكنه اســتقال عام 1906 ليُكوِّن حزب عمال صهيون. وفي العام نفسه، نشر بوروخوف مقاله الشهير "برنامجنا". كما وضع برنامج الحزب بالاشتراك مع إسحق بن تسفي (وهذا الحزب هو أول حزب صهيوني يصل للصيغة الصهيونية التي تجعل الاشتـراكية الأداة الوحيدة للاستيطان). وقد قُبض عليه عام 1907، وحينما أُفرج عنه ذهب إلى لاهاي حيث أسَّس الاتحاد الدولي لأحزاب عمال صهيون، وشغل منصب الأمين العام للاتحاد حتى وفاته. وقد تَنقَّل في أنحاء أوربا داعياً لصهيونيته ذات الديباجة الاشتراكية، كما شرح معظم أفكاره في كتاب الحركة العمالية اليهودية في أرقام (1918)، أجرى أبحاثاً في اللغة اليديشية ودراسات اجتماعية عديدة. وقد انتقل إلى الولايات المتحدة بعد اندلاع الحرب العالمية حيث قام بنشاط فعال لا في صفوف حزبه وحسب بل في صفوف المؤتمر الأمريكي اليهودي. وقد ساهم في تأسيس الفيلق اليهودي مع كلٍّ من بن جوريون (العمالي) وجابوتنسكي (اليميني)، وظل طوال حياته يتعاون مع كل الصهاينة بغض النظر عن انتمائهم الطبقي أو العقائدي. 
وعندما قامت ثورة كيرنسكي، عاد بوروخوف ليشارك في مؤتمر الأقليات متخذاً موقفين متعارضين يعبِّران عن التناقض المبدئي في تفكيره. ففي أغسطس 1917، طالب في مؤتمر لحزب عمال صهيون في روسيا بتوطين اليهود في فلسطين على أُسس اشتراكية! ولكنه في سبتمبر من العام نفسه، قدَّم بحثاً أمام مؤتمر الشعوب في كييف عنوانه «روسيا: كومنولث الأمم». 
ويتلخص إنجاز بوروخوف الفكري في أنه زاوج بين الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وديباجات اشتراكية ثورية مُستمدة من الأفكار اليسارية السائدة في شرق أوروبا بين صفوف المثقفين والعمال. ويُقسِّم بوروخوف البشرية من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية إلى أمم ثم طبقات، ويرى أن الأمم ككيانات حضارية عضوية تتسم بقدر عال من الثبات وتوجد قبل الطبقات. ولذا، فإن الأمم باقية أما الطبقات فتتغير. وقد تعرَّضت الأمم إلى تأثيرات وتغيرات شتى، والأمة العضوية هي النقطة المرجعية النهائية والقيمة الحاكمة الكبرى وهي تظل دون تغيُّر يُذكَر في أساسياتها الحضارية. 
ويفسر بوروخوف مسألة انقسام البشر إلى أمم وطبقات على أساس وجود علاقات إنتاج تُقسِّمهم إلى طبقات، وظروف إنتاج تُقسِّمهم إلى أمم. وظروف الإنتاج هي الاختلافات الجغرافية والأنثروبولوجية والتاريخية بين المجموعات البشرية المختلفة. كما أن عملية تطوُّر قوى الإنتاج نفسها يمكن أن تأخذ عدة أشكال تبعاً لاختلافات ظروف الإنتاج. 
يَنتُج عن هذا أن ثمة أمماً تخضع للاضطهاد، فهي لا تسيطر على ظروف الإنتاج الخاصة بها. وسيُلاحَظ في هذه الحالة أن الرموز القومية والجوانب الثقافية الخاصة بهذه الأمة ستكتسب، مستقلة، أهمية بالغة، ويُوجِّه جميع أعضاء هذه الأمة جهودهم نحو تقرير المصير (أي السيطرة على ظروف الإنتاج الخاصة بهم، وهذا طرح عمالي لإشكالية العجز بسبب انعدام السيادة) بدلاً من الصراع الطبقي (أي التناقضات داخل علاقات الإنتاج). وكل طبقة، داخل الأمة، لها اهتمامها الخاص بظروف الإنتاج، وخصوصاً عنصر الأرض (فهي القاعدة الإستراتيجية للصراع الطبقي). حينئذ تظهر حركة قومية ثورية تستوعب التركيب الطبقي للمجتمع ولكنها لا تَحجُب بالضرورة الوعي الطبقي، ويسميها بوروخوف «قومية الطبقة التقدمية الحقيقية» أو «قومية البروليتاريا الثورية المنظمة للشعوب المضطهدة».
وتطرح برنامج الحد الأدنى الذي يهدف إلى ما يلي: 
1 ـ تأكيد ظروف الإنتاج الطبيعية للأمة. 
2 ـ تأمين قاعدة طبيعية لعمل البروليتاريا وللنضال الطبقي. وبالتالي يظهر تركيب طبقي صحيح وصراع طبقي سليم، وبعدها تقوم البروليتاريا بنضالها الثوري على أساس سليم داخل التشكيل القومي الجديد. 
ثم ينصرف بوروخوف لتعريف المسألة اليهودية داخل هذا الإطار، فيقرر أن ما يميِّز اليهود كشعب (أو نصف شعب أو شبه شعب) هو أنهم شعب «لا أرض له». وكما يرى بوروخوف، فإن هذا الوضع الشاذ نتج عنه ما سماه بنظرية «الهرم المقلوب»، فكل شعب يتكون من فئات اجتماعية وطبقات تأخذ شكل الهرم الذي يتكون من قاعدة عريضة تساهم في العمليات الإنتاجية الأساسية. وكلما بَعُدت العمليات الاقتصادية عن هذه العمليات الأساسية، قلَّ عدد العاملين فيها حتى نصل إلى قمة الهرم. ويجد بوروخوف أن هذا الهرم الاجتماعي مُشوَّه تماماً عند اليهود إذ يوجد في صفوفهم عدد كبير من المحامين والأطباء والمفكرين وغيرهم ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى والعمليات الإنتاجية الهامشية، مع قلة قليلة (إن وُجدت) من الفلاحين بالإضافة إلى بروليتاريا صغيرة الحجم نسبياً. وكل هذا يرجع إلى عدم وجود ظروف أو أحوال إنتاج خاصة باليهود، ولذا فهم يظلون بمعزل عن بعض قطاعات الإنتاج التي تظل حكراً على الأمة التي تستضيفهم. وبظهور الرأسمالية وازدياد التطور الصناعي والتنافس الرأسمالي، بدأت الجماهير اليهودية تتحول من حرفيين إلى بروليتاريا. ولكن، بسبب وجودهم المنعزل، وبسبب ظاهرة معاداة اليهود المنتشرة في صفوف البورجوازية والبــروليتاريا المسـيحية، كـان العامـل اليهـودي لا يجـد عمـلاً إلا عنـد الرأسمـالي اليهــودي الذي كان يستثمر رأسماله عادةً في الصناعات الاستهلاكية (لأسباب أوضحها بوروخوف).
ولكل ما تقدَّم، فإن تحوُّل الحرفيين اليدويين اليهود إلى بروليتاريا صناعية كان يتم ببطء شديد وأحياناً كان يتوقف كليةً. ونظراً لأن البروليتاريا اليهودية كانت تعمل في الصناعات الاستهلاكية فحسب، فلم يكن بإمكانها أن تشل الاقتصاد إن قامت بإضراب عن العمل. وبالتالي، لم يكن بإمكانها الدفاع عن نفسها أو المطالبة بحقوقها. 
واستجابة لهذا الوضع الشاذ، طُرحت حلول عديدة من بينها الاندماج والديموقراطية السياسية أو الثورة البورجوازية. ولكن بوروخوف بيَّن أنها عملية مركبة تؤدي إلى إعتاق اليهود في المرحلة الأولى، ثم تزيد من حدة المنافسة القومية في مرحلة لاحقة الأمر الذي يزيد حدة معاداة اليهود. ولهذا، رفض بوروخوف الاندماج كحل للمسألة اليهودية. 
ثم يقدم بوروخوف تحليله لاستجابة الطبقات اليهودية المختلفة للمسألة اليهودية وللحل الصهيوني: 
1 ـ طبقة البورجوازية الكبيرة في الغرب: 
وهي طبقة لا تَحصُر نفسها في السوق المحلية، وليست لها أية مشاعر قومية، فهي ذات نظرة عالمية ويمكنها حل مشكلتها عن طريق الاندماج. ومع هذا، يُشكِّل تَدفُّق يهود شرق أوربا الفقراء على غرب أوربا مصدراً كبيراً لقلقهم، فهو يهدد عملية الاندماج التي يطمح إليها أعضاء هذه الطبقة بل يهدد مواقعهم الطبقية ومكانتهم الاجتماعية. وهذه الطبقات الغنية القوية تمقت الجماهير اليهودية الضعيفة ولكن معاداة اليهود تُذكِّرها بقرابتها لها، وهو ما حَوَّل المسألة اليهودية بالنسبة لها إلى عبء مفروض عليها. ولذا، فهي تبذل جهداً غير عادي لتَجد مخرجاً أميناً يبعد هذه الجماهير عنها. وتبحث عن حل يهودي للمسـألة اليهــودية كوسيلة للتخلص من الجماهير اليهودية. ولكل هذا، تكمن داخل صدر اليهودي الغربي المندمج نفسان: نفس الأوربي المعتز بنفسه، ونفس اخوانه اليهود الشرقيين (دون أن يكون هناك خيار في ذلك).
2 ـ يهود أوربا الشرقية من البورجوازيين الكبار: 
وهؤلاء مختلفون عن أقرانهم من أثرياء الغرب لأنهم يتأثرون بشكل أكثر مباشرة بحالة اليهود الراهنة. 
3 ـ الطبقة الوسطى: 
وهي طبقة أكثر ارتباطاً بالدعوة القومية لأن مصالحها تعتمد على السوق التي تستطيع الجماهير اليهودية ارتيادها امتداداً للغة القومية والمؤسسات الثقافية، وعلى هذا، فإن هذه الطبقة تُعتبَر سنداً للصهيونية الإثنية وهي لذلك لا تبحث عن حل جذري بل تَقْبل الحلول الليبرالية، وتدافع عن الثقافة اليهودية بل عن الدولة اليهـودية. ولكنـها، ما دامت تحافظ على مواقعها الطبقية، تبقى خارج الدائرة اليهودية.
4 ـ البورجوازية الصغيرة المنهارة والبروليتاريا: 
وهذه طبقة معزولة وتبحث عن سوق يحررها من عزلتها، ومشكلتها هي "مشكلة شعب منفي يبحث عن مكان يجد فيه أمناً اقتصادياً"، أي أن هذه الطبقة وحدها هي الشعب العضوي المنبوذ الذي يشكل جوهر المسألة اليهودية. 
من هنا كانت الهجرة اليهودية. وقد بدأت الجماهير اليهودية بالفعل تهاجر بأعداد كبيرة إلى الولايات المتحدة. ولكن الهجرة، كما قال هرتزل من قبل، لا تحل المسألة اليهودية، فهي تترك اليهود عاجزين في بلاد غريبة وهم يضطرون إلى التجمع لتسهيل عملية التكيف مع البيئة الجديدة. ولكن التجمع يعزلهم مرة أخرى ويعرْقل عملية التكيف ويفرض علىهم المحافظة على تقاليدهم الاقتصادية السابقة (ميراثهم الاقتصادي) ويتركزون فيها، ويتحولون بسبب ذلك إلى المراحل الأخيرة من الإنتاج وهو قطاع البضائع الاستهلاكية (أي أنهم يتحولون مرة أخرى إلى ما يشبه الجماعة الوظيفية). ومن ثم، فإنهم يظلون عاجزين عن الهيمنة على ظروف الإنتاج ويكونون أول ضحايا الأزمة الرأسمالية، ولذا فإن حاجة اليهود لتنمية قواهم الإنتاجية المستقلة تظل مسألة قائمة تتطلب حلاًّ. 
ويقترح بوروخوف الحل، وهو في جوهره الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة حيث تتحول الهجرة إلى استعمار واستيلاء على الأرض. ولكن بوروخوف يضيف ديباجة اشتراكية إذ يصبح الاستيلاء على الأرض هو حصول الشعب اليهودي على قاعدة إستراتيجية وعلى ظروف إنتاج مقصورة عليه وحده وخصوصاً الأرض، الأمر الذي سيُمكِّنه من أن يتواجد في المستويات الدنيا من العملية الإنتاجية وأن يعيد الهرم المقلوب إلى وضعه الطبيعي على قاعدته. وهذا المطلب تشترك فيه كل الطبقات اليهودية من أعضاء الأمة اليهودية العضوية التي تعاني من عدم السيطرة على ظروف الإنتاج. 
ثم يُورد بوروخوف المزيد من الأسباب الدالة على حتمية الحل الاشتراكي الصهيوني للمسألة اليهودية، أي ضرورة الاستيلاء على أرض واستعمارها حتى تشكل قاعدة للإنتاج. أما بالنسبة للاشتراكية، فيُورد بوروخوف أن المشروع الصهيوني يحتاج إلى قوى تقوم بتنظيم حركة الجماهير اليهودية المهاجرة وتوجيهها، وهو أمر مُلقى على عاتق البروليتاريا اليهودية. ولكنه مع ذلك كان يعترف بأن الهدف النهائي للصهيونية هدف بورجوازي، وهو إيجاد حكم سياسي إقليمي ذاتي، وإيجاد دولة يهودية يتم دمجها في المجتمع الدولي، كما أنه كان يدرك أن بناء الدولة لا يمكن أن يتم إلا بأموال بورجوازية وتنازلات سياسية ومساندة دولية (إمبريالية) لا يمكن إلا للبورجوازية اليهودية وحدها أن تحصل عليها. ولكنه، مع هذا، كان يجد أن ذلك يشكل خطوة نحو الاشتراكية، على اعتبار أنه سيُطبِّع ظروف الإنتاج والصراع الطبقي بالنسبة للطبقة العاملة اليهودية، كما أن دور العمال يمكن أن يتركز في حماية الدولة الصهيونية وفي محاولة فرض سمات تقدمية عليها. 
ولكن، إذا كان المطلوب هو الأرض، فلماذا فلسطين بالذات (وكان بوروخوف من معارضي مشروع شرق أفريقيا)؟ يجيب بوروخوف عن هذا السؤال بديباجات اشتراكية مصقولة. فالعمال اليهود ـ حسب قوله ـ ينظرون إلى استعمار فلسطين ونمو البروليتاريا كظاهرتين متلازمتين ومرتبطتين إحداهما بالأخرى، فالوعي الطبقي "لعمالنا" لا ينطلق من المصالح الأنانية الضيقة التي تتعارض مع مصالح الأمة في مجموعها، ولذا فهم طليعة الشعب اليهودي. 
ويضيف بوروخوف الأسباب التالية لضرورة الاستيلاء على أرض فلسطين دون أي أرض أخرى: 
1 ـ هـذا البلد لا يمثـل أي إغـراء بالنسـبة للمهاجرين من شعوب أخرى، ولذا فهو لن يجذب سوى المهاجرين الكادحين من اليهود. 
2 ـ يجب أن تكون الأرض التي سيتم الاستيلاء عليها مغرية بالنسبة للرأسمالي اليهودي الصغير والمتوسط بحيث يجد فيه وفي البلاد المجاورة سوقاً لمنتجاتها. 
3 ـ يجب أن يكون هذا البلد متخلفاً شبه زراعي. 
4 ـ يجب أن يكون البلد ذا مستوى ثقافي متدن وذا نمو سياسي منخفض. 
ومن وجهة نظر بوروخوف، فإن فلسطين تتوافر فيها هذه المواصفات المادية، فهي بلد شبه زراعي، كما أن الشعب الذي يقطنها ليس ذا طابع اقتصادي أو حضاري مستقل فهم منشقون ومفتتون، كما أنهم لم يتبلوروا في كيان اجتماعي متماسك الأمر الذي يجعلهم غير قادرين على التنافس مع رأس المال اليهودي والطبقة العاملة اليهودية. كما يمكن استيعابهم وصهرهم في الشعب اليهودي، فبإمكانهم الوقوف أمام قوى التقدم الاشتراكية. 
وفلسطين، علاوة على كل هذا، جزء من الإمبراطورية العثمانية وهو ما يعني أن المستوطنين اليهود سيدخلون حرباً تقوم ضد السلطان التركي المتخلف. وقد كان بوروخوف يتصور أن رأس المال اليهودي سيهاجر إلى " الأرض" بشكل عفوي، وذلك ليبني هناك صناعة راسـخة، ثم تهاجـر في أعقــابه آلاف مؤلفة من العمال اليهود. 
وعملية الاستيطان هذه هي التي ستحل مرض "الطاقة الفائضة" عند اليهود، مأساة البروليتاريا اليهودية ومصدر عذابها. ويبدو أن موقف بوروخوف من الجماعات اليهودية في العالم يشبه موقف هرتزل، فهو يرى ضرورة إفراغ أوربا من فائضها، ولكن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى تصفية الدياسبورا تماماً. ولذا، نادى بوروخوف بأن يقوم الصهاينة بالصراع على جبهتين: في الداخل (أي في فلسطين) ضد الأتراك والسكان الأصليين، وفي الخارج لتحسين أحوال اليهود. وفي عام 1917، وفي خطبة له أثناء انعقاد مؤتمر الفرع الروسي لعمال صهيون في كييف، عمَّق بوروخوف الديباجات الإثنية، فأكد أهمية الجوانب الحضارية اليهودية مثل "العودة إلى أرض الآباء" و"أساس النشاط الخلاق" للبعث اليهودي. 
ورغم أن كتابات بوروخوف كانت تتسم أحياناً بشيء من الصدق والذكاء، وخصوصاً إذا كانت في مجال الوصف المباشر، إلا أن معظم تحليلاته وتفسيراته غير دقيقة. وعلى سبيل المثال، لم يهاجر رأس المال اليهودي بشكل تلقائي إلى فلسطين وإنما كان يهاجر في فترات الركود الاقتصادي في أوربا وحسب (كما هو الحال دائماً مع رأس المال)، كما كان ينزح عن فلسطين حينما تتاح له فرصة اقتصادية أفضل خارجها. وهذه الهجرة لم تتم إلا بعد سقوط فلسطين في فلك الإمبريالية الإنجليزية، ولذا فقد كان رأس المال اليهودي جزءاً من رأس المال العالمي. ولم يهاجر العمال اليهود إلى فلسطين، كما تصور بوروخوف، فمعظم المهاجرين كانوا من البورجوازيين أو من البورجوازيين الصغار وهو ما اضطر كثيراً منهم إلى التحول إلى عمال. ومن الواضح أن التطور في روسيا وبولندا لم يكن نحو مزيد من انفصال الطبقة العاملة اليهودية، فاشتراك اليهود في الثورة البلشفية كان بنسبة عالية جداً تتخطى نسبتهم القومية. كما أن اليهود نجحوا في الاندماج في المجتمع الأمريكي رغم تركُّزهم في مستويات الإنتاج العليا وعدم سيطرتهم على ظروف الإنتاج الخاصة بالمجتمع الأمريكي. ولعل الخلل الأساسي في أطروحات بوروخوف يرجع إلى إصراره على وحدة اليهود القومية بدلاً من رؤيتهم كجماعات مختلفة تخضع لحركيات تاريخية وظيفية ودينية مختلفة. 
ولعل أكبر خطأ وقع فيه بوروخوف هو استهانته بالوجود العربي في فلسطين واكتفاؤه بالإشارات العابرة إليه، وهو في هذا كان ضحية التجريد الصهيوني الذي كان دائماً يشير إلى «الأرض» (أو الأرض المقدسة أو إرتس يسرائيل) التي تنتظر ساكنيها الغائبين آلاف السنين وكأن التاريخ توقَّف كليةً. وقد قُدِّر لهذه المشكلة التي كان يُتصوَّر أنها هينة وعرضية أن تترك أثرها العميق لا في الدولة الصهيونية فحسب بل في يهود العالم جميعاً. بل يمكننا أن نقول إن طريقة حسم هذه المشـكلة العرضية هي التي سـتحدد مصير المسـتوطنين اليهـود في المنطقة
بيرل كاتزنلسـون (1887-1944) Berl Katzenelson 
صحفي وزعيم صهيوني عمالي، وابن تاجر روسي. وقع تحت تأثير الجماعات اليهودية الاشتراكية الروسية منذ شبابه، وتأثر على وجه خاص بفكرة شذوذ الهيكل الاقتصادي لأعضاء الجماعات اليهودية. كان من دعاة الصهيونية الإقليمية، ولكنه هاجر عام 1909 إلى فلسطين ضمن أفراد الهجرة الثانية حيث اشتغل كعامل زراعي في عدة مستوطنات، كما ساهم في تأسيس عدة تنظيمات زراعية استيطانية (إيماناً منه بدين العمل الذي كان يبشر به صديقه جوردون). وقد أصبح من أهم الشخصيات الصهيونية بين المستوطنين وفي صفوف الحركة الصهيونية العالمية. وأثناء الحرب العالمية الأولى، انضم إلى الفيلق اليهودي. وقد أثَّر كاتزنلسون في بن جوريون ونال منه لقب «المعلم»، واشترك معه في تأسيس حزب اتحاد العمل ثم حزب الماباي فيما بعد. كما ساهم في إنشاء الهستدروت، وكان ممثلاً للهستدروت ولاتحاد العمل في عدة مؤتمرات محلية ودولية. رأس عام 1921 أول لجنة للهستدروت تتوجه إلى الولايات المتحدة، وشارك في تأسيس بنك العمال ومركز شباب الهستدروت، وأسس صحيفة دافار عام 1925، ورَأَس تحريرها حتى وفاته، كما ساهم في تأسيس دار النشر التابعة للهستدروت. وقد عارض اقتراحات التقسيم لإصراره على إقامة دولة يهودية خالصة على أرض إسرائيل (فلسطين). وكان كاتزنلسون يؤمن بأن الصندوق القومي اليهودي هو أهم عنصر في بناء المجتمع العمالي، وقد عُيِّن مديراً له. 
وقد ساعد كاتزنلسون على الهجرة الإحلالية غير الشرعية، وقاوم الكتاب الأبيض الصادر عام 1939. وتعبِّر معظم كتاباته عن فكرة «الاستيطان الصهيوني الاشتراكي» حيث يحاول أن يمزج بين ما يُسمَّى «القومية اليهودية» وتقاليدها من جهة والاشتراكية من جهة أخرى (وذلك انطلاقاً من أفكار سيركين). وكان كاتزنلسون من أكبر المدافعين عن التقاليد اليهودية، كما كان من الأصوات العمالية الأولى التي نادت بتنفيذ القوانين الخاصة بالطعام ويوم السبت، أي أنه كان يحاول المزج بين الصهيونية العمالية والصهيونية الإثنية العلـمانية والدينــية، وهـي الصيغة التي قُدِّر لها النجاح في نهاية الأمر. وقد نُشرت كتاباته في 12 جزءاً في الفترة 46 ـ 1960. 
يتســحاق تابنكــين (1887-1973) Yetzhak Tabenkin 
زعيم صهيوني عمالي، وأحد مؤسسي حركة الكيبوتس الموحَّد ومن أهم منظريها. وُلد في روسيا وتلقَّى تعليماً دينياً في طفولته ثم تلقَّى تعليماً علمانياً في وارسو وفيينا. استوطن فلسطين عام 1912 وكان من أوائل منظمي الزراعة المسلحة فيها وكان من مؤسسي الهستدروت (1920) والماباي (1930). وقد عارض تابنكين الاتفاق المبرم بين بن جوريون والتصحيحيين، كما عارض قرار التقسيم وطالب بأن يكون الاستيطان في كل إرتس يسرائيل. وحينما انقسمت الحركة العمالية عام 1944، كان تابنكين أحد مؤسسي حزب المابام. وكان عضواً فى كل مؤتمر صهيوني عُقد بعد الحرب العالمية الأولى حتى عام 1959. وبعد عام 1967، كان من المطالبين بأن تحتفظ إسرائيل بكل الأرض التي ضُمَّت وأن تصبح جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل. له عدة مؤلفات عن الكيبوتس. 
حاييــم أرلوسوروف (1899-1933) Hayyim Arlosoroff 
زعيم صهيوني وأحد قادة الحركة الصهيونية العمالية. وُلد في أوكرانيا حيث كان جده حاخاماً بارزاً، وانتقل مع والديه إلى ألمانيا عام 1905 حيث درس الاقتصاد في جامعة برلين وساعد في إنشاء جماعة العامل الفتي. وقد حاول أرلوسوروف مَزْج الأفكار الاشتراكية بالصهيونية في كتيب الاشتراكية الشعبية اليهودية (1919)، ولفت الأنظار إليه بتقديمه أفكاراً جديدة لتمويل المستعمرات الصهيونية. وقد انتقل أرلوسوروف إلى فلسطين عام 1924، ومثَّل صهاينة فلسطين في عصبة الأمم، وزار الولايات المتحدة في هذه الفترة وكتب عن الجماعة اليهودية هناك واتصل بجماعـات الطـلبة اليهـود الأمريكية كممثل للمنظمة الصهيونية العالمية. وقد انتُخب عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة ورئيساً للإدارة السياسية بها عام 1931، واشترك أرلوسوروف في عقد اتفــاق الهعفــراه بين المنظمـة الصهيونية وحكومة ألمانيا النازية لتسهيل هجـرة اليهـود الألمــان إلى فلسـطين. وفي نهــاية حياته، دعا أرلوســوروف إلى اتبـاع سـياسة متشــدِّدة في فلسـطين خشية ألا يتــم تحقــيق قيــام الدولة الصهيونية بسبب موقف بريطانيا المُتقلِّب وغير المأمون نتيجة ظروف الحرب العالمية الثانية. وقد قُتل عام 1933 بطريقة غامضة، فاتهم الصهاينة العماليون بعض الصهاينة التصحيحيين بقتله، فحُوكموا وأُدين أحدهم. غير أن الدفاع أصر على أن العرب هم الذين قاموا بالحادث. وقد تسبَّب الحادث في المزيد من الانشقاق في الحركة الصهيونية بين العناصر الصهيونية التصحيحية والعناصر الصهيونية العمالية. وقد ادعى التصحيحيون أن الحادث أُلصق بهم، وطالب مناحم بيجين بفتح باب التحقيق في الموضوع من جديد. وقد نُشرت أعمال أرلوســوروف بعد مـوته، وهـي تتضمن تحليلات سياسية واقتصادية وتأريخاً للاستعمار في العالم وقطعاً شعرية بالإضافة إلى مذكراته.


الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب العاشر: الصهيونية العامة (أو الصهيونية العمومية)
» الباب الحادى عشر: الـشعائر
» الباب الحادى عشر: العبادات الجديدة
» الباب الحادى عشر: عبادة يسرائيل
» الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: