منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية    الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية  Emptyالخميس 13 فبراير 2014, 1:45 am

الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية 
العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود العالم 
Silent Contract between Western Civilization and the Zionist Movent regarding Western Jewry 
«العقد» هو اتفاق بين طرفين يلتزمان بمقتضاه تنفيذ بنوده، أما «العقد الصامت» فهو عقد ضمني غير مكتوب لا يتم الإفصاح عنه أو التصريح به. والعقد الصامت في أغلب الأحيان غير واع ومع هذا فهو يعبِّر عن نفسـه من خـلال سـلوك الأفراد والجـماعات والمؤسسات. 
ويمكن القول بأن كل مجتمع إنساني يستند إلى عقد صامت بين أعضائه ينطلق من بعض المقولات الأولية القَبْلية التي يؤمن بها أعضاء هذا المجتمع، وتستمد السلطة الحاكمة شرعية وجودها واستمرارها من هذا العقد. والحديث عن «العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية» هو محاولة من جانبنا لتسمية شيء كامن مهم مُتضمَّن لم يُسمِّه أحد من قبل، رغم المقدرة التفسيرية للمصطلح. 
وقد ظل تاريخ الصهيونية متعثراً قبل ظهور هرتزل وظلت الصهيونية فكرة غير قادرة على التحقق لأسباب عديدة من أهمها أن دعاة الفكر الصهيوني كانوا من الصهـاينة غير اليهـود أو من أعداء اليهود، الأمر الذي جعل أعضاء المادة البشرية المستهدفة (أي اليهود) يرفضون الدعوة إلى استيطان فلسطين. كما أنه لم تكن هناك أية أطر تنظيمية تضم كل الجماعات اليهودية. وعلاوة على هذا كان هناك يهود الغرب المندمجين الذين كانوا يرون أن المشروع الصهيوني يهدد وجودهم ومكانتهم وكل ما حققوه من مكاسب. 
وقد حل هرتزل كل هذه الإشكاليات، فقام بوضع العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية استناداً للصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي نبعت من صميم هذه الحضارة ومن تاريخها الفكري والاقتصادي والسياسي. ولم يكتف هرتزل بوضع العقد وإنما قام بتأسيس المنظمة الصهيونية التي طرحت نفسها كإطار تنظيمي يمكن من خلاله توقيع العقد مع الحضارة الغربية وفرض الصيغة الصهيونية الشاملة على الجماهير اليهودية بحيث تتحول هذه الجماهير إلى مادة استيطانية ويدخل المشروع الصهيوني إلى حيز التنفيذ. كما طوَّر هرتزل الخطاب المراوغ الذي جعل بالإمكان إرضاء مختلف قطاعات يهود العالم الغربي (في غرب أوربا وشرقها)، بل استيعاب كل ما قد يجد من مشاكل في المستقبل، الأمر الذي فتح الباب أمام تهويد الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. 
وهرتزل، واضع العقد الصامت، لم يكن مفكراً من الطراز الأول أو مُنظِّراً قادراً على التجريد وإنما كان صحفياً ذكياً سطحياً قليل الثقافة وخبرته السياسية محدودة، ولذا فإن تَوجُّهه كان برجماتياً عملياً. ومع هذا، فإن كتاباته تضم مادة هذا العقد الصهيوني الصامت كما تضم كتابات من لحقه مواد تكميلية للعقد. 
وكما أسلفنا هذا عقد صامت، غير مكتوب، أي أن كلمة «عقد» هنا تُستخدَم مجازاً. ومع هذا يمكننا القول بأن هذه الصورة المجازية ليست من نحتنا إلا بشكل جزئي. فهي تتواتر في الأدبيات الصهيونية غير اليهودية (وهذا أمر متوقع، فهي صهيونية كانت تنظر لليهود كعنصر نافع غريب يمكن توظيفه) ثم انتقلت الكلمة إلى كتابات الصهاينة اليهود. فقد أشار هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول (1897 إلى ضرورة التفاهم التام مع الوحدات السـياسيـة المعنية حتى يتم الحديث عن حقـوق الاسـتعمار وعن المنافع التي سيقدمها الشعب اليهودي برمته مقابل ما يُعطَى له. كما أشار إلى أن هذا سيأخذ شكل اتفاقية وإلى أن الاتفاقية سوف تصاغ على أساس الحقوق (التي ستُمنَح لليهود) وعلى أساس تعهدات قانونية معترف بها. وحينما طلب القيصر ولهلـم الثـاني من هـرتزل أن يلخـص لـه مطـالب الصهيونيـة، قـال هـذا "تشارتر charter"، أي «ميثاق» أو «براءة» أو «عقد شركة». وكان الصهاينة يشيرون إلى وعد بلفور باعتباره هذا الميثاق أو البراءة أو العقد الذي مُنح للحركة الصهيونية. 
وقد كان هرتزل يهدف إلى تحديث المسألة اليهودية، ولذا فقد كان من اللازم أن يستخدم (فعلاً أو ضمناً) اللغة التعاقدية النفعية التي تفهمها الحضارة الغربية. 
وإذا حاولنا ترجمة هذا العقد الصامت الذي يستند إلى الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة والصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المُهوَّدة إلى لغة تعاقدية بسيطة، فإنه سيأخذ الشكل التالي: عقد بين المنظمة الصهيونية (كمتحدث غير مُنتخَب باسم يهود شـرق أوربا وغربها) وبين العالم الغربي (وضمنه المعـادون لليهود)، وتفاهم ضمني بين يهود غرب أوربا ويهود اليديشية. تتعهد الحركة الصهيونية بمقتضى هذا العقد بإخلاء أوربا من يهودها (أو على الأقل الفائض البشري اليهودي) وتوطينهم في منطقة خارج هذا العالم الغربي (داخل دولة وظيفية).
ويتحقق نتيجة ذلك ما يلي: 
1 ـ الهدف الأكبر: 
يُؤسِّس المستوطنون، في موقعهم الجديد، قاعدة للاستعمار الغربي، وتتعهد الصهيونية بتحقيق مطالب الغرب ذات الطابع الإستراتيجي ومنها الحفاظ على تَفتُّت المنطقة العربية. 
2 ـ أهداف أخرى: 
أ ) يتم بذلك تخليص العالم الغربي من اليهود الزائدين، باستيعابهم في ذلك الجيب وتحويل فيض المهاجرين من يهود اليديشية. 
ب) عن طريق نَقْل اليهود، ستقوم الحركة الصهيونية بالسيطرة على الشباب اليهودي وتسريب طاقته الثورية من خلال القنوات الصهيونية. 
جـ) ستقوم الحركة الصهيونية بحشد يهود العالم وراء المشروع الصهيوني الغربي بحيث يصبحون عملاء ووكلاء للغرب أينما كانوا. 
د ) ستقوم الحركة الصهيونية بتجنيد يهود الغرب المعروفين بثرائهم ليدعموا هذا المشروع الغربي دون أن تطالبهم بالهجرة. 
هـ) عن طريق نقل اليهود، ستقضي الصهيونية على معاداة اليهود في الغرب. 
ونظير ذلك، سيقوم الغرب (ككل) برعاية هذا المشروع ودَعْمه، كما أنه سيساعد الحركة الصهيونية في الهيمنة على يهود العالم الغربي (الذين يشكلون غالبية يهود العالم). 
ولم يتوجه العقد بطبيعة الحال لمشكلة السكان الأصليين وكيفية حلها، ومع هذا يمكن القول بأن الحل مُتضمَّن في تَعهُّد الدول الغربية بضمان بقاء الدولة الوظيفية، الأمر الذي يعني استعدادها لاستخدام الآليات المألوفة المختلفة ضد السكان الأصليين من طَرْد أو إبادة أو محاصرة. 
وبرغم تناقض بنود العقد، إلا أنه تم توقيعه (مجازاً) وأصبح قيام الصهيونية بـ "خدمة اليهود والمسيحيين" (على حد قول نوردو) ممكناً وبتوظيف المادة البشرية اليهودية في خدمـة الحضارة الغربيـة، ولذا "سـتقام الصلوات في المعـابد ]اليهودية] من أجل نجـاح هذا المشروع، وسـتُقام الصلـوات في الكنائـس أيضاً" (على حد قول هـرتزل). 
وقد أُضيف بعد ذلك عقد تكميلي أو تفاهم بين يهود الغرب التوطينيين ويهود شرق أوربا الاستيطانيين بحيث تَكفَّل يهود الغرب بالجانب التوطيني بدعم المُستوطَن الصهيوني مالياً والضغط من أجله سـياسياً شريطة ألا تناقض مصالح المُستوطَن الصهيوني مصالح بلادهم، وبحيث يكتسبون شيئاً من هويتهم من خلال تَوحُّدهم العاطفي مع المُستوطَن الصهيوني مع بقاء ولائهم لأوطانهم، كما يتعيَّن على الصهاينة الاستيطانيين ألا يقوموا بشيء من شأنه إحراجهم أمام حكوماتهم أو وَضْع ولائهم لأوطانهم موضع الشك. أما الاستيطان والقتال والدفاع عن المصالح الإستراتيجية، فيقوم به الاستيطانيون في صهيون: أرض الميعاد والقتال. 
وقد لعبت الصياغة الصهيونية المراوغة دوراً أساسياً في صياغة العقد وترويجه. كما تم توقيع العقد بإصدار إنجلترا وعد أو عقد بلفور. وقد عبَّر العقد عن نفسه عبر تاريخ الصهيونية من خلال مذكرات تفاهم واتفاقيات عسكرية وإستراتيجية ودعم عسكري ومالي وسياسي فعلي. 
الوعود البلفورية Balfour Declarations 
«الوعود البلفورية» مصطلح نستخدمه للإشارة إلى مجموعة من التصريحات التي أصدرها بعض رجال السياسة في الغرب يدعون فيها اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ويعدون بدعمه وتأمينه نظير أن يقوم اليهود على خدمة مصالح الدولة الراعية، أي أنها دعوة لتوقيع العقد الصامت بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية. 
والوعود البلفورية تعبير عن نموذج كامن في الحضارة الغربية يضرب بجذوره فيها. وهي حضارة تنحو منحى عضوياً، وتجعل التماسك العضوي مثلاً أعلى. ونظراً لأن التماسك العضوي هو المثل الأعلى، فإن عدم التجانس يصبح سلبياً كريهاً. وينتج عن هذه الرؤية للكون رفض الآخر في شكل الأقليات. ومن ثم، نجد أن الحضارة الغربية (والمسيحية الغربية) لم تتوصل إلى إطار تتعامل من خلاله مع الأقليات، وبالذات اليهود، وإنما همَّشتهم (شعب شاهد) وحوسلتهم (جماعة وظيفية). ومنذ عصر النهضة الغربية والثورة العلمانية الشاملة، بدأت أزمة الجماعات اليهودية وظهرت الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي تُعَد جزءاً من فكرة العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود العالم: شعب عضوي منبوذ ـ نافع ـ يُنقَل خارج أوربا إلى فلسطين ليُوظَّف لصالحها في إطار الدولة الوظيفية. 
وقد صدرت معظم الوعود البلفورية في القرن التاسع عشر واستمرت حتى صدور وعد بلفور عام 1917، الذي حسم مسألة علاقة اليهود بالحضارة الغربية. 
وسنقوم بمحاولة تحليل عدد من الوعود البلفورية وسنقسمها إلى ثلاثة عناصر أساسية: 
1 ـ نص الوعد 
2 ـ الديباجة العلنية (أو الأسباب المعلنة) التي عادةً ما ترد في الوعد نفسه أو في مجال الدفاع عنه. 
3 ـ الدوافع الخفية (العميقة أو الحقيقية) وهي عادةً لا ترد في أيٍّ من الوعود، وعلينا أن نبحث عنها في نصوص وحقائق تاريخية تشكِّل السياق التاريخي للوعد البلفوري موضع البحث. 
ويُعتبَر نابليون بونابرت من أوائل القادة الغربيين الذين أصدروا وعداً بلفورياً وهو أيضاً أول غاز للشرق في العصر الحديث. 
وفيما يلي الجزء المهم من نص الوعد: 
"من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسـية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين. 
أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط. 
إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وإن لم تكن لهم مواهب المتنبئين مثل أشعياء ويوئيل ـ قد أدركوا ما تنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع من دمار وشيك لمملكتهم ووطنهم: أدركوا أن عتقاء الإله سيعودون لصهيون وهم يُغنّون، وسيُولَد الابتهاج بتَملُّكهم إرثهم دون إزعاج، فرحاً دائماً في نفوسهم (أشعياء 35/10). 
انهضوا إذن بسرور أيها المبعدون. إن حرباً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، تخوضها أمة دفاعاً عن نفسها بعد أن اعتبر أعداؤها أرضها التي توارثوها عن الأجداد غنيمة ينبغي أن تُقسَّم بينهم حسب أهوائهم. وبجرة قلم من مجلس الوزراء تقوم للثأر وللعار الذي لحق بها وبالأمم الأخرى البعيدة. ولقد نُسي ذلك العار تحت قيد العبودية والخزي الذي أصابكم منذ ألفي عام. ولئن كان الوقت والظروف غير ملائمة للتصريح بمطالبكم أو التعبير عنها، بل وإرغامكم على التخلي عنها، فإن فرنسا تقدم لكم إرث إسرائيل في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات. 
إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، والذي يقوده العدل ويواكبه النصر، جعل القدس مقراً لقيادتي، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تَعُد تُرهب مدينة داود. 
يا ورثة فلسطين الشرعيين: 
إن الأمة التي لا تتاجر بالرجال والأوطان، كما فعل أولئك الذين باعوا أجدادهم لجميع الشعوب (يوئيل 4/6)، تدعوكم لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء. 
انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تُخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تَحالُفهم الأخوي شرفاً لإسبرطة وروما (مكابيون 12/15)، وأن معاملـة العبـودية التي دامت ألفي عام لم تُفلح في إخمادها. 
سارعوا! إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين ـ للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سُلبت منكم لآلاف السنين، وهي وجودكم السـياسي كأمة بين الأمم، وحقـكـم الطـبيعي في عبادة يهـوه، طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد. (يوئيل 4/20. 
وفيما يتعلق بوعد نابليون البلفوري، يمكن ملاحظة ما يلي: 
1 ـ جوهر الوعد هو العبارة التالية: "تقدِّم فرنسا فلسطين لليهود في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات... وهذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين". "تدعوكم [فرنسا] لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء". "وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي في عبادة يهوه طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد". 
2 ـ لا يختلف تصريح نابليون عن وعد بلفور، فنابليون يعتبر أعضاء الجماعات اليهودية شعباً غريباً عن وطنه (وهو ما يعني إسقاط المواطنة عنه) وهو شعب مرتبط بفلسطين. وقد وجه نابليون نداءه إلى "الشعب الفريد" و"المبعدين" الذين عاشوا "تحت قيد العبودية والخزي... منذ ألف عام" و"ورثة فلسطين الشرعيين" (أي الشعب العضوي المنبوذ) بأن يتبعوا فرنسا التي ستقدم لهم إرث إسرائيل، أي أرض فلسـطين، أي أنهم سـيتم خروجهم من فرنسا وتوطينهم في فلسطين. 
3 ـ ثم نأتي ثالثاً إلى الدوافع الخفية الحقيقية، وليس من الصعب تخمينها، فنابليون لم يَكُن يُكن كثيراً من الحب أو الاحترام لليهود، وهذا يظهر في تشريعاته داخل فرنسا. ولذا، فإن إرسالهم إلى فلسطين فيه حل للمسألة اليهودية في فرنسا (والتي كانت قد بدأت في التفاقم). ومع هذا، كان نابليون يهدف إلى توظيف اليهود في خدمة مشاريعه وتحويلهم إلى عملاء له، وهذا ما قاله ملك إيطاليا لهرتزل (وقد وافقه الزعيم الصهيوني على رأيه). ولعل إشارة نابليون إلى التقاليد المكابية هو إشارة خفية للدور القتالي (المملوكي) الذي يمكن أن تلعبه الدولة اليهودية المقترحة في خدمة المصالح الغربية.
وقد صدرت أيضاً عدة وعود بلفورية ألمانية. ويمكننا هنا أن نتوقف قليلاً عند واحد من أهم إسهامات هرتزل للحركة الصهيونية وهو أنه إذا كانت الفكرة الصهيونية إمكانية كامنة في الحضارة الغربية تود أن تتحقق، فلم يكن بإمكانها أن تخرج من عالم الوجود بالقوة إلى عالم الوجود بالفعل إلا من خلال آليات محددة أهمها تنظيم المادة البشرية (اليهودية) التي سيتم ترحيلها وتأسيس إطار تنظيمي يستطيع أن يتلقى الوعود وأن يقوم بتنفيذها. وحينما أصدر نابليون وعده البلفوري لم يكن هناك تنظيم يهودي يمكنه تلقِّي هذا الوعد والعمل على تسخير المادة البشرية لتنفيذه. وهذا ما أنجزه هرتزل بعد أن نشر كتابه دولة اليهود الذي وضَّح فيه ما نسميه «العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية». فقرَّر هرتزل أن يأخذ بزمام الأمور وأن يتوجه للدول العظمى. وقد ساعده في مسعاه هذا القس (الواعظ) الصهيوني نصف المجنون هشلر إذ قدمه إلى أحد كبار المسئولين الألمان الذي تحدَّث إلى القيصر عن الموضوع. 
وكانت ثمرة هذه الاتصالات وعد بلفوري ورد في خطاب من دون إيلونبرج باسم حكومة القيصر إلى هرتزل (مؤرخ في سبتمبر 1898وجاء فيه: 
"إن صاحب الجلالة على استعداد أكيد أن يناقش الأمر [توطين اليهود] مع السلطان، وأنه سيسعده أن يستمع إلى مزيد من التفاصيل منكم في القدس. 
وقد أصدر جلالته أوامره بأن تُذلِّل كل الصعاب التي تواجه استقبال وفدكم. 
وأخيراً يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسئولية محمية [يهودية] في حالة تأسيسها. وجلالته، حينما يكشف لكم عن نواياه، فهو يعوِّل، بطبيعة الحال، على مقدرتكم على الكتمان. وكم يسعدني أن أنقل لكم هذه المعلومات، وأتمنى أن تنجح في الوصول إلى القدس في الموعد المحدد. وفي الحقيقة، فإن فشلك في هذا سيسبب لجلالته خيبة الأمل. وأترك لكم، بما تتميزون به من لباقة، أن تقرروا ما إذا كنتم تودون الوصول إلى إستنبول في الوقت الذي يصل فيه جلالته إليها أم لا ". 
ويمكننا ملاحظة ما يلي: 
1 ـ جوهر الوعد يُوجَد في العبارة: "يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسئولية محمية [يهودية] في حالة تأسيسها" وأنه "على استعداد أكيد أن يناقش الأمر [توطين اليهود] مع السلطان". 
2 ـ وإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الديباجة العلنية والنوايا المعلنة، فإننا لن نجد لها أيَّ أثر، فقيصر ألمانيا لم يكن تحت أية ضغوط للبحث عن مسوغات رومانسية، بل إن العكس في حالته هو الصحيح، إذ كان عليه أن يبرر أمام شعبه مسألة تعاطفه مع المشروع الصهيوني وتأييده له، بل واستعداده لأن يضع الصهاينة تحت حمايته. وكما قال في خطابه المؤرخ 29سبتمبر 1898والمُرسَل إلى دوق بادن، فإن تسعة أعشار شعبه سيُصدَم صدمة عميقة إذا اكتشف هذه الحقيقة. فاليهود ـ كما يقول ـ هم قتلة المسـيح، وهو يعـترف بهـذه الحقيقـة، ولكنه يضـيف قائلاً: "إن الإله قد أنزل بهـم العـقاب على ما اقترفوه من آثام، إلا أنه لم يأمر المسيحيين بأن يسيئوا معاملة هذا الشعب". 
3 ـ وأما العنصر الثالث، أي الدوافع الحقيقية الخفية، فهي موجودة وبغزارة، في خطاب القيصر المذكور، وفي تعليقه على تقرير سفير ألمانيا في سويسرا عن المؤتمر الصهيوني الأول (1897 فهو، في مجال تسويغ تعاونه مع "قتلة المسيح"،
يورد الأسباب التالية لتأييد ألمانيا للمشروع الصهيوني: 
أ) سينتج عن توطين شعب إسرائيل رخاء للمنطقة، ولا سيما أن الملايين ستصب في الأكياس العثمانية، الأمر الذي قد يؤدي إلى شفاء الرجل المريض. 
ب) ستُوجَّه طاقة اليهود ومواهبهم إلى أهداف أكثر نبلاً من استغلال المسيحيين. 
جـ) إفراغ ألمانيا من اليهود الذين فيها "وكلما عجلوا بالذهاب..، كان ذلك أفضل. فلن أضع أية عراقيل في طريقهم". 
د) إذا بُحثت المسألة من منظور الحقائق السياسية [لا الأخلاقية]، فإن ألمانيا ستستفيد غاية الاستفادة لأن رأس المال اليهودي العالمي، بكل خطورته، سينظر بعين العرفان إلى ألمانيا. 
ولعل موقف القيصر من اليهود، بما يتسم به من كره عميق لهم وترحيب شديد بالتخلص منهم واستعداد تام لتوظيفهم في خدمة المصالح الألمانية، لا يختلف كثيراً عن موقف نابليون من قبله أو موقف بلفور من بعده. 
ورغم وعود القيصر، ورغم حرصه على تبنِّي المشروع الصهيوني، إلا أنه لم يكن مدركاً مدى عُمْق الرفض العثماني للمشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي أدركه إبان زيارته لإستنبول. ولذا، فحينما تم اللقاء في نهاية الأمر في القدس، حيث كان من المتوقع أن يُصدر القيصر وعده البلفوري العلني الكامل، تراجع واكتفى ببعض المجاملات الخالية من المعنى. 
ومن الأمثلة الأخرى على الوعود البلفورية، الوعد البلفوري الروسي القيصري. فقد قام هرتزل بمقابلة فون بليفيه، وزير الداخلية الروسي المعادي لليهود، بتفويض من المؤتمر الصهيوني الخامس (1901)، حتى يَحصُل على تصريح يعبِّر عن نوايا الروس يتلوه في المؤتمر الصهيوني السادس المزمع عقده سنة 1903. وبالفعل، صَدَر الوعد البلفوري القيصري على النحو التالي (في شكل رسالة وجهها فون بليفيه إلى تيودور هرتزل).
وهذا هو منطوق الوعد: 
"ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين، وتنظيم هجرة اليهود الروس، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبذ ذلك. وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت الإجراءات العملية التي يفكر فيها على تخفيف عدد اليهود في روسيا". 
وقد توصَّـل هرتزل أيضـاً إلى اتفاق مع المسئولين الروس مفـاده: أنْ تبذل الحكومـة الروسيـة مسـاعيها الحميـدة لـدى تركـيا لتسـهيل دخـول اليهود إلى فلسطين. وستقدم مساعدات مالية للمهاجرين تُجمَع من مصادر يهودية، وستُسهِّل تنظيم الجمعـيات الصهيـونيـة الملتـزمة ببرنامج بازل. وقد سُمح أيضاً لبنك الاستـيطان اليهودي ببيع أسهمه في روسيا شريطة أن يفتح فرعاً له في البلد لكـي تستطيع السلطات مراقبة عمليات البيع. كذلك قام بليفيـه بتزويد هـرتزل برسـالة موقعـة منه، وبعد أن بحث محتوياتها مع القيصر، أعلن فيها أن الحكومة الروسية تنظر بعين العطف إلى الصهيونية ما دام هدفها إقامة دولة مستقلة في فلسطين، وأنها على استعداد لمساعدتها. وهذه المساعدة قد تتخذ شكل حماية الممثلين الصهاينة أمام الحكومة العثمانية، وتسهيل نشاط جمعيات الهجرة ومساعدتها مالياً من الضرائب التي تُجبى من اليهود. وقد استغل هرتزل هذه الرسالة، في أكثر من مناسبة، فيما بعد. 
ويُلاحَظ أنه لا توجد أية ديباجات رومانسية في هذا الوعد، فهو مسألة تعاقدية جافة يتحدث فيها كل طرف عن الفائدة المرجوة وعلى العائد من الصفقة. ولذا، فقد أكد فون بليفيه دون مواربة أو حياء أن الهدف هو التخلص من اليهود عامة باستثناء الأثرياء منهم، وجاء هذا واضحاً في قوله: "... إن نجاح اليهود في إقامة دولة مستقلة لهم تستوعب عدة ملايين منهم لهو أمر نقبله وندعمه... إننا لا نريد التخلص من جميع اليهود الروس... إننا نريد فقط التخلص من المعدمين والمضطربين". وحذر فون بليفيه من أن التأييد الروسـي القيـصري سـيتم سحبه إن كان هـدف الصهيونية، غير المعلن، هو تحقيق تركيز قومي لليهود في روسيا، فالدعم الروسي مشروط بالتخلص من اليهود. 
وقد كان ذلك مفهوماً تماماً لدى هرتزل الذي أكد في مفاوضاته مع بليفيه أن الحركة الصهيونية "ستستقطب جميع اليهود وضمنهم المتطرفون [أي العناصر الثورية التي كانت تقض مضجع الدولة الروسية القيصرية]. أما إذا انهارت آمالنا، فإن الوضع سينقلب رأساً على عقب وستكسب الأحزاب الثورية إلى صفوفها أولئك الذين سينسحبون من الصهيونية التي أمثلها أنا وزملائي". كما أن هرتزل فهم تماماً تحذير بليفيه. وهكذا فإننا نجده، في المؤتمر الصهيوني السادس (1903، يؤكد للمجتمعين أن الحكومة الروسية لن تسبب أية مشاكل للحركة الصهيونية، ما دام نشاطها منحصراً ضمن النظام والقانون (أي في عملية التخلص من اليهود وتفريغ روسيا منهم). واستطاع هرتزل بجهد وتصميم أن يحول بين المؤتمر وبين مناقشة مذابح كيشينيف، وقد علق على الموضوع في رسالة بعث بها إلى بليفيه قال فيها: "... رغم المصاعب التي واجهتني في إدارة جلسات المؤتمر بجوها المشحون نتيجة الأحداث المؤلمة (مذابح كيشينيف)، إلا أنني نجحت في المحافظة على النظام وإعادة الهدوء إلى الجلسات.. ولا شك في أن الفضل يعود في ذلك إلى رسالتكم التي تكرمت بإرسالها في 2 1أغسطس والتي كشـفت محتوياتها لأخـمد بذلك كل جـدال ثار حول تلك الأحداث".
ويمكن أن ننظر إلى مشروع شرق أفريقيا باعتباره أحد أهم الوعود البلفورية وهو لا يختلف كثيراً عن الوعود البلفورية التي أشرنا إليها وإن كان أكثر جدية وأكثر تحدداً منها. كما أنه يشبه في كثير من النواحي وعد بلفور الذي صدر في نهاية الأمر. (انظر الباب المعنون «الصهيونية الإقليمية»). 
وقد صدر آخر الوعود البلفورية عن ألمانيا بعد صدور وعد بلفور نفسه عن إنجلترا، إذ استغل الصهاينة الوضع الدولي الناشيء عن الجمود الذي ساد جبهات القتال عام 1916 واتجهوا إلى حث الحكومة الألمانية على إصدار بيان رسمي يتضمن العطف على الصهيونية في فلسطين. ولكن الحكومة الألمانية كانت لا تزال مرتبطة بتحالف مع الحكومة العثمانية. كما كانت تخشى أن يؤدي تدهور الوضع العسكري إلى أن تسارع الحكومة العثمانية بعقد صلح منفرد مع الحلـفاء. وحـيث إن ألمانيا لن تضـحي بتحالفها من أجل الصهاينة، فإنها ترددت كثيراً في الاستجابة للمطلب الصهيوني. ثم صدر وعد بلفور نفسه عام 1917، وعند هذه النقطة. وحسبما جاء في دراسة الدكتور محافظة، "اندفع الصهاينة يلحون على حكومة برلين لتلبية مطالبهم مع تشكيل وزارة طلعت باشا في عام 1917 وحاولت الحكومة الألمانية إرضاء الصهاينة بتَدخُّلها الحاسم لإلغاء التدابير العسكرية التي فرضها جمال باشا على اليهود في فلسطين عام 1917. وبعد صدور تصريح بلفور، اتجه الصهاينة إلى برلين لإستصدار تصريح مماثل. كما انتهزوا زيارة الصدر الأعظم (طلعت باشا) في مطلع يناير 1918، فقابله الزعيم الصهيوني ألفريد نوسيج الذي بحث معه موضوع اليهود في الدولة العثمانية (ومما يجدر ذكره أن هذا الزعيم الصهيوني أصبح عميلاً للجستابو النازي فيما بعد، كما وضع خطة لإبادة يهود أوربا. وقد قبض عليه ثوار جيتو وارسو. وبعد محاكمة قصيرة، نُفِّذ فيه حكم الإعدام). وطلب نوسيج باسم الصهاينة إلغاء القيود المفروضة على هجرة اليهود إلى فلسطين. فوعدهم الصدر الأعظم بأن الباب العالي سوف يعيد تنظيم الأوضاع حالما تعود القدس وجنوب فلسطين إلى السيادة العثمانية بصورة تَكفُل الرضا التام لليهود وتحقق أمانيهم كافة. وقد نُشر هذا التصريح في الصحف الألمانية في اليوم التالي للقاء. 
ولا يمكن أن نسمي هذا التصريح وعداً بلفورياً بمعنى الكلمة وإن كان يقترب من ذلك. ومن الواضح أن ذلك يمثل إحدى الحيل التي كانت تستعملها الدولة العثمانية على ممثلي العالم الغربي، وهو فن تَملَّك العثمانيون ناصيته نظراً لضعفهم العسكري. ولكن أهمية هذا التصريح لا تكمن فيه وإنما في أنه أعطى الضوء الأخضر للدولة الألمانية. 
وقد استمر الصهاينة في ضغوطهم حتى حصلوا على تصريح من وكيل وزارة الخارجية الألمانية في اليوم التالي لتصريح الصدر الأعظم هذا نصه: 
"نحن نؤيد رغبة الأقليات اليهودية، في البلدان التي لهم فيها ثقافة متطورة، في أن تختط طريقها الخاص بها، ونميل إلى دعم أمانيها. أما بالنسبة إلى أماني اليهود، وبخاصة أماني الصهاينة منهم في فلسطين، فإن الحكومة [الألمانية] ترحب بالتصريح الذي أدلى به مؤخراً الصدر الأعظم، طلعت باشا، والذي يعبِّر عن عزم الحكومة التركية، المتفق مع نظرتها الودية نحو اليهود بوجه عام، على تنمية استقرار يهودي مزدهر في فلسطين، عن طريق الهجرة غير المُقيَدة والاستيطان ضمن قدرة البلاد الاستيعابية وقيام حكم ذاتي يتفق وقوانين البلاد والتطور الحر لحضارتها". 
ويُلاحَظ أن صياغة هذا الوعد تميل نحو الإبهام الشديد، فهو يؤكد حق اليهود المندمجين في الاستمرار في اندماجهم، وهو يميِّز بينهم وبين الصهاينة الذين لهم أمان في فلسطين حيث سيسمح لهم "باستقرار يهودي مزدهر في فلسطين"، وهي عبارة غامضة حاول الوعد تحديدها عن طريق عبارة "قيام حكم ذاتي"، ثم عاد وعدَّلها من خـلال إضـافة عبارة "يتفق وقوانين البلاد والتطور الحر لحضارتها". ولنلاحظ أن فكرة "قوانين البلاد" تحل محل عبارة "القانون العام" أو "القانون الدولي" التي ترد في الأدبيات الصهيونية، خصوصاً في صياغتها الهرتزلية، وهي عبارة تعني "حسب القانون الغربي أو الاستعماري". فكأن الوعد هنا ينزع المشروع الصهيوني من سياقه الغربي ويضعه في سياق عثماني، الأمر الذي يعني فقدانه كل معنى، فالمستوطنون الصهاينة كان معروضاً عليهم دائماً أن يحصلوا على المواطنة العثمانية ويستقروا في فلسطين كعثمانيين لا كعنصر استيطاني تابع لدولة غربية. والقضية لم تكن قضية عدة آلاف يهودي لا وطن لهم، أو مضطَّهدين في أوطانهم ويبحثون عن مأوى لهم، وإنما هي قضية غَرْس عنصر بشري غريب يتحول إلى دولة ذات تَوجُّـه غربي اسـتعماري اسـتيطاني رفض هذا الحـل. 
وبعد صدور الوعد البلفوري الألماني، استمر الصهاينة في الضغط على الدولة العثمانية. وكلَّف الصدر الأعظم، بعد عودته من برلين، النائب اليهودي التركي قاراصو بتأليف لجنة يهودية عثمانية لوضع التفاصيل العملية لإنشاء شركة ذات امتياز في إستنبول تتولَّى العمل في المناطق المأهولة باليهود لإقامة حكم ذاتي فيها. وأمر طلعت باشا بدراسة الخطة التي وضعهتا اللجنة ووعد بتبنيها عند بَحْث شروط الصلح بعـد انتهاء الحـرب. وسعى الصـهاينة، انطـلاقاً من هذا الوعد، إلى الحصول على مزيد من التنازلات من الجانب العثماني، وإصدار تصريح عثماني مماثل لتصريح بلفـور. وقد تمكنـوا من الحصـول على هذا التصريح في 4 1تمـوز 1918، وتشكلت لجنة عثمانية لوضع ما جاء فيه موضع التنفيذ. 
ويمكننا ملاحظة اختفاء الديباجات العلنية المزخرفة أو الإشارة إلى الدوافع الحقيقية، فلا توجد أية إشارة للشعب اليهودي أو أمانيه القومية أو ارتباطه الأزلي بالأرض، وإنما هي إشارة روتينية إلى "أماني الصهاينة" وحـديث عن اسـتقرار يهودي مزدهر. ومقابل هذا، لا توجد أية إشارة لكره اليهود أو الرغبة في استخدامهم أو تأسيس حامية عسكرية يقطنون فيها كمادة قتالية. ولا شك في أن وجود العثمانيين كطرف هو الذي أفضى إلى هذا الوضع. فهم لم يتحمسوا قط للمشروع الصهيوني، بل كانوا يرونه جزءاً من المحاولة الغربية لتفتيت حكمهم ودولتهم. ومع هذا، فقد اضطروا كارهين للدخول في حوار مع الصهاينة وتقديم بعض التنازلات بسبب تدهور الوضع العسكري العام على الجبهات كافة وفقدان معظم فلسطين، واعتقاد الدولة العثمانية أن تحقيق بعض المطالب الصهيونية قد يُحسِّن وضعها في مؤتمر الصلح الذي كان مقبلاً. 
ويمكننا أن نقول إن وعد بلفور هو أهم حدث في تاريخ الصهيونية وتاريخ الجماعات اليهودية في العالم، كما أن أهميته بالنسبة لفلسطين والفلسطينيين لا تخفى على أحد.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية  Empty
مُساهمةموضوع: وعـــد بلفـــور Balfour Declaration    الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية  Emptyالخميس 13 فبراير 2014, 1:55 am

وعـــد بلفـــور Balfour Declaration 
«وعد بلفور» هو التصريح الشهير الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1917 تعلن فيه عن تعاطفها مع الأماني اليهودية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وحين صدر الوعد كان عدد أعضاء الجماعة اليهودية في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان. وقد أخذ الوعد شكل رسالة بعث بها لورد بلفور في 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد إدموند دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك. 
وفيما يلي النص الكامل للرسالة: 
"عزيزي اللورد روتشيلد: 
يسعدني كثيراً أن أنهي إليكم، نيابةً عن حكومة جلالة الملك، التصريح التالي تعاطفاً مع أماني اليهود الصهاينة التي قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء. إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين أو بالحقوق أو الأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى. وسوف أكون مديناً بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني. 
(إمضاء)
وفيما يتصل بهذا النص، نلاحظ ما يلى: 
1 ـ صيغة الوعد واضحة تماماً هنا إذ تُوجَد هيئة حكومية (حكومة جلالـة الملك) تؤكد أنها تنظر بعين العطف إلى إنشـاء وطن قومي سيضم "الشعب اليهودي"، أي أنه تم الاعتراف باليهود لا كلاجئين أو مضطهدين مساكين، كما أن الهدف من الوعد ليس هدفاً خيرياً ولكنه هدف سياسي (استعماري). كما أن هذه الحكومة التي أصدرت الوعد لن تكتفي بالأمنيات وإنما سوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. هذا هو الجوهر الواضح للوعد. 
2 ـ ثم تبدأ بعد ذلك الديباجات التي تهدف إلى التغطية، فالوعد لن يضر بمصالح الجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا بمصالح الجماعات اليهودية التي لا تود المساهمة في المشروع الصهيوني، بل تود الاستمرار في التمتع بما حققته من اندماج وحراك اجتماعي. وسنلاحظ أن الديباجات تتسم بكثير من الغموض إذ أن الوعد لم يتحدث عن كيفية ضمان هذه الحقوق. 
ثم نأتي الآن للأسباب التي يوردها بعض المؤرخين (الصهاينة أو المتعاطفون مع الصهيونية) لتفسير إصدار إنجلترا لوعد بلفور. فهناك نظرية مفادها أن بلفور قد صدر في موقفه هذا عن إحساس عميق بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لليهود، ولذلك، فإنه كان يرى أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التاريخية. ولكن من الثابت تاريخياً أن بلفور كان معادياً لليهود، وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة الإنجليزية بين عامي 1903 و1905 هاجم اليهود المهاجرين إلى إنجلترا لرفضهم الاندماج مع السكان واستصدر تشريعات تحد من الهجرة اليهودية لخشيته من الشر الأكيد الذي قد يلحق ببلاده. 
وقد كان لويد جورج رئيس الوزراء لا يقل كرهاً لأعضاء الجماعات اليهوديةعن بلفور، تماماً مثل تشامبرلين قبلهما، والذي كان وراء الوعد البلفوري الخاص بشرق أفريقيا. وينطبق الوضع نفسه على الشخصيات الأساسية الأخرى وراء الوعد مثل جورج ملنر وإيان سمطس، وكلها شخصيات لعبت دوراً أساسياً في التشكيل الاستعماري الغربي. 
ويرى بعض المؤرخين أن إنجلترا أصدرت الوعد تعبيراً عن اعترافها بالجميل لوايزمان لاختراعه مادة الأسيتون المحرقة أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو تفسير تافه لأقصى حد لا يستحق الذكر إلا لأنه ورد في بعض الدراسات الصهيونية والدراسات العربية المتأثرة بها. ويبدو أن وايزمان نفسه قد تقبَّل هذا التفسير بعض الوقت. ولذا، حينما توترت العلاقات بين إنجلترا والمستوطنين الصهاينة في الأربعينيات، وضع وايزمان مواهبه العلمية تحت تصـرف الإمبراطـورية، متصـوراً أن بإمكانه ممارسة بعض التأثير عليها. وبطبيعة الحال، لم يُوفَّق وايزمان في مساعيه. وفيما يتصل بجهوده الدبلوماسية نفسها أثناء الحرب، يمكن القول بأنه كان شخصية محدودة الذكاء، فلم يدرك الأبعاد الإمبريالية للمشروع الصهيوني أو لوحشية المشروع الإمبريالي، وغير مدرك حتى لدقائق السياسة البريطانية (وهذا هو وصف موظفي الخارجية البريطانية له في تقاريرهم السرية التي تم الكشف عنها مؤخراً). وحينما اندلعت الحرب العالمية الأولى، كان وايزمان قد وصل لتوه إلى سويسرا في إجازة صيفية. ثم اضطر إلى العودة إلى بريطانيا، فطلب منه لويد جورج أن يقابل هربرت صمويل، فعبَّر عن خوفه من أن يكون صمويل مثل سائر يهود إنجلترا معادياً للصهيونية، ولكنه فوجئ بأن صمويل هذا صهيوني هو الآخر. وحينما تقدَّم بطلباته الصهيونية، أخبره صمويل بأن طلباته هذه متواضعة أكثر من اللازم وأن عليه أن يفكر على مستوى أكبر من ذلك (ويبدو أن هرتزل لم يشف التسلليين تماماً من ضيق الأفق والفشل في إدراك عالمية الظاهرة الإمبريالية ووحشيتها). ثم أخبره صمويل بأن أعضاء الوزارة يفكرون في أهداف صهيونية، ودوَّن وايزمان بعد ذلك العبارة التالية: "لو كنت يهودياً متديناً لظننت أن عودة الماشيَّح قد دنت". ومع هذا، وكما سنبيِّن فيما بعد، أظهر وايزمان شيئاً من الذكاء باكتشافه بريطانيا (لا ألمانيا) باعتبارها القوة الإمبريالية الصاعدة التي يمكنها أن ترعى المشروع الصهيوني. ولعل الأمر لا يدل على ذكاء بقدر ما ينبع من وجوده في إنجلترا بالفعل وتَحرُّكه داخل إطار المصالح البريطانية. ولعله لو وُجد في فرنسا لما أدرك شيئاً. 
وهناك نظرية تذهب إلى أن الضغط الصهيوني (واليهودي) العام هو الذي أدَّى إلى صدور وعد بلفور، ولكن من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا كتلة بشرية ضخمة في بلاد غرب أوربا، وهم لم يكونوا من الشعوب المهمة التي كان على القـوى العظـمى أن تساعـدها أو تعـاديها، بل كان من الممكـن تجاهلهم. ويمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا مصدر ضيق وحسب، ولم يكونوا قط مصدر تهديد. أما الصهاينة فلم تكُن لهم أية قوة عسكرية أو سياسية أو حتى مالية (فأثرياء اليهود كانوا ضد الحركة الصهيونية). ولكل هذا، لم يكن مفر من أن تكون المطالب الصهيونية على هيئة طلب لخدمة مصالح إحدى الدول العظمى الإمبريالية.
ولعل أكبر دليل على أن الضغط الصهيوني أو اليهودي لا يشكل عنصراً فعالاً في عملية استصدار وعد بلفور وأنه عنصر ثانوي على أحسن تقدير، هو نجاح الصهاينة في إنجلترا وفشلهم في ألمانيا. فقد بذل صهاينة ألمانيا جهوداً محمومة لاستصدار وعد بلفوري، وكانت توجد عنـدهم مقومـات النجـاح.
ولكن كل هذا لم يُجد فتيلا: 
1 ـ بذل صهاينة ألمانيا قصارى جهدهم ليبينوا للحكومة الألمانية مدى نفع اليهود للمشروع الاستعماري الألماني، وقد كان هناك كثير من المفكرين الألمان غير اليهود يشاركون في هذه الرؤية. 
2 ـ كان عدد كبير من الزعماء الصهاينة يقف وراء ألمانيا، وكانت برلين لوقت طويل المقر الرئيسي للمنظمة. 
3 ـ كانت ألمانيا حليفة لتركيا التي كانت فلسطين تابعة لها. 
4 ـ كانت لغة المؤتمرات الصهيونية هي الألمانية، كما كانت ثقافة مؤسسي الحركة الصهيونية ألمانية. 
5 ـ كانت الجماعة اليهودية في ألمانيا مُشرَّبة بالثقافة الألمانية، وكان كثير من أعضاء النخبة الثقافية الألمانية من اليهود، وقد يسَّر هذا على اليهود الحركة داخل المجتمع الألماني. 
6 ـ كانت الجماعة اليهودية في ألمانيا ذات ثقل مالي وثقافي وسياسي كبير إذ كانت أهم البنوك الألمانية في أيد يهودية. 
7 ـ اشترك أعضاء الجماعة اليهودية في ألمانيا في القوات الألمانية أثناء الحرب بأعداد تفوق نسبتهم القومية. 
8 ـ كانت القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى تقوم بما سمته «تحرير» بولندا وليتوانيا وغرب روسيا (مراكز الكثافة البشرية اليهودية) واعتبرت اليهود عنصراً بشرياً ألمانياً تابعاً لألمانيا. وقد أسَّس الزعيم الصهيوني ماكس بودنهايمر لجنة لتحرير يهود روسيا عام 1914. وكان بين أعضائها ليو موتزكين. وقد تم إصدار نشرة بالعبرية كتب ناحوم سوكولوف افتتاحيتها. وكان أمل الصهاينة أن تستولي القوات الألمانية على غرب روسيا حيث كان يوجد معظم اليهود. ومعنى هذا أنه كان ثمة تلاق بين الآمال الصهيونية والآمال التوسعية الألمانية. 
9 ـ كانت أرستقراطية اليهود في أمريكا (كبار المموِّلين) من أصل ألماني، وقد كانت هذه الأرسـتقراطية متعـاطفة تماماً مع ألمانيا ومؤيدة لها. 
ويمكن أن نقـارن هـذا الوضع بوضـع الجماعة اليهوديـة في إنجلترا، التي كانت صغيرة العدد ومندمجة ومعادية للصهيونية، وكانت الحركة الصهيونية فيها ضعيفة للغاية. ومع هذا، فشل صهاينة ألمانيا في استصدار وعد بلفوري من ألمانيا. وحينما نجحوا، كان ذلك في مرحلة متأخرة من الحرب وكان وعداً باهتاً للغاية، بينما نجح صهاينة إنجلترا فيما فشل فيه صهاينة ألمانيا. 
وفي الواقع، يمكننا تفسير الفشل الصهيوني في ألمانيا والنجاح الصهيوني في إنجلترا، لا بالقوة والضعف الذاتيين الصهيونيين، ولا بحجم الضغوط الصهيونية مهما كانت ضخمة ومهمة وحيوية، ولكن بالعودة إلى المصالح الإستراتيجية الغربية. ويبدو أن ألمانيا، بسبب علاقتها الحميمة مع تركيا، لم يكن بإمكانها أن تُصدر مثل هذا الوعد (تماماً كما كان الوضع مع إنجلترا عام 1904 حينما أصدرت وعد شرق أفريقيا البلفوري ولم تذكر فلسطين من قريب أو بعيد لأن علاقتها مع الدولة العثمانية لم تكن تسمح بذلك). 
ومن المعروف أن وايزمان، كي ينجح في الحصول على وعد بلفور، قطع علاقته مع اللجنة التنفيذية الصهيونية في برلين ورفض التراسل مع زملائه في دول الوفاق Entente ورفض موقف الحياد الرسمي الذي اتخذته المنظمة. كما أنه لم يخبر المقر الرئيسي للمنظمة في كوبنهاجن بمباحثاته مع إنجلترا. ويُقال إن انقسام الحركة الصهيونية لم يُعق جهوده بل ساعدها. والواقع أن نجاحه في إنجلترا، تماماً مثل الفشل الصهيوني في ألمانيا، يمكن تفسيره بإستراتيجية الإمبراطورية الإنجـليزية التي قـررت تقسيـم الدولة العثمانية واحـتلال الشرق العربي. ولعل ذكاء وايزمان يَكمُن في اكتشافه ذيلية الصهيونية وحتمية الاعتماد على الإمبريالية وصعود القوة البريطانية فتبعها بكل قوته وقطع كل علاقاته مع المنظمة الصهيونية ذات الجذور الألمانية والتوجه الألماني. 
ويمكننا الآن تناول الديباجات والأسباب الحقيقية لصدور الوعد: 
كان وعد بلفور إمكانية كامنة في الحضارة الغربية تريد أن تتحقق لتوجد بالفعل، ولذا يجب ألا ننظر لوعد بلفور بمعزل عن الوعود البلفورية السابقة عليه أو اللاحقة له أو عن المعاهدات الاستعمارية الدولية التي أُبرمت أثناء الحرب العالمية الأولى وكانت تهدف إلى حل المسألة الشرقية عن طريق تقسيم تركيا، وأهم هذه المعاهدات اتفاقية سايكس ـ بيكو واتفاقية ماكماهون ـ حسين. كما لا يجب النظر إلى الوعد بعيداً عن البراءات التي كانت تُعطَى للشركات الاستيطانية في آسيا وأفريقيا، ولا عن تقسيم العالم من قبَل القوى الإمبريالية الغربية وإعادة تقسيمه عام 1917، ولا عن الرؤية المعرفية الإمبريالية، ولا عن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي كانت كامنة في الحضارة الغربية. ولذا، قد يكون من المفيد أن نحاول فَهْم وعد بلفور في هذا الإطار باعتباره براءة لاستعمار فلسطين، الأمر الذي يتطلب منا أن نزيح الديباجات العلنية لنصل إلى لُب الموضوع، أي المصالح الإستراتيجية الغربية كما تخيَّلها أو توهَّمها أصحابها وكما قاموا بتحديدها.
ويمكن أن نتحدث عن بعض الفوائد الجانبية التي سيجنيها أصحاب الوعد من إصداره ومن تأسيس الوطن القومي اليهودي: 
1 ـ يتحدث العقد الصامت بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية عن تحويل يهود شرق أوربا عن غربها، حفاظاً على الأمن القومي بالداخل. ولابد أن الحكومة البريطانية كانت تأخذ هذا في اعتبارها، وخصوصاً أنه قد سبق لها إصدار وعد شرق أفريقيا البلفوري لهذا السبب. 
2 ـ يتحدث العقد الصامت عن تسريب الطاقة الثورية من شباب اليهود من خلال المشروع الصهيوني. وهذه مسألة لم تكن بعيدة عن أذهان أصحاب وعد بلفـور. وقد نُشر خبـر إصـدار الوعـد في الصحف في 8 نوفمبر 1917، وهـو العـدد نفسه الذي نُشرت فيه أنباء اندلاع الثورة البلشفية، وقامت طائرات الحلفاء بإلقاء ألوف النسخ من وعد بلفور وأنباء صدوره على يهود روسيا القيصرية وبولندا وألمانيا والنمسا. 
3 ـ كان ثمة اعتقاد غالب بأن الإعلان سيكون ذا قيمة دعائية على الصعيد الدبلوماسي، ذلك أن وعد بلفور سيَلقى صدى لدى اليهود الروس بحيث يمكن أن يصبحوا بشكل من الأشكال أداة ضغط على الحكومة الروسية المؤقتة حتى لا تتراجع عن رغبتها في متابعة الحرب مع ألمانيا. 
4 ـ كان من المتوقع أن يؤدي الوعد إلى عائد مماثل بين يهود أمريكا الذين كانوا قد أصابهم شيء من خيبة الأمل بسبب تحالف الحلفاء الوثيق مع حكومة روسيا القيصرية التي كانت مكروهة عند أعضاء الجماعات اليهودية، فكان من المؤمل أن يشجع الوعد أصحاب الأموال من أعضاء الجماعات اليهودية على المساهمة في الجهود الحربية للحلفاء وعلى عدم الارتماء في أحضان الألمان، وخصوصاً أن أرستقراطية يهود الولايات المتحدة كانت من أصل ألماني. 
ولكن مسار الأحداث أثبت أن ثمة خطأً فاحشاً في التقدير، فلم يكن يهود روسيا أو الولايات المتحدة مهمين إلى هذا الحد. وكانت المنظمة الصهيونية منقسمة على نفسها، كما أن عدد الصهاينة من اليهود كان لا يزال صغيراً للغاية. وقد أوقفت الحكومة الروسية كل عملياتها العسكرية في أكتوبر 1917 حتى قبل وعد بلـفور، ثم استــولى البلاشفة على الحكم وأنهوا النفوذ الصهيوني فيها. وعلى أية حال، كان يهود روسيا منقسمين ولم يكن بوسعهم أن يحملوا روسيا على الاستمرار في الحرب. أما في أمريكا، فلم يلعب أعضاء الجماعات اليهودية دوراً في الحرب وتم توفير الدعم الأمريكي المطلوب من خلال الحكومة دون أي التفات إلى الصهيونية أو الصهاينة.
ولكن كل هذه فوائد جانبية للحضارة الغربية. أما الفائدة الكبرى، فهي تأسيس دولة وظيفية في فلسطين تُوظَّف في إطارها المادة البشرية اليهودية في خدمة الاستعمار الغربي. فالدافع الحقيقي لوعد بلفور هو رغبة الإمبراطورية البريطانية في زرع دولة استيطانية في وسط العالم العربي في بقعة مهمة جغرافياً لحماية مصالحها الاسـتعمارية، وخصـوصاً في قناة السـويس ولحــماية الطريق إلى الهند. 
وكان وايزمان يعرف، رغم بطء إدراكه، أن كل هؤلاء الإنجليز الذين لا يهمهم اليهود ولا اليهودية تُحرِّكهم دوافع المصالح الإمبريالية، وأن مهمته تتلخـص في تقديم المادة البشـرية حتى يمكنهم توظيفها. ولذا، فقد صرح قائلاً: إن وافقت إنجلترا على منحنا فلسطين، فإننا سنحصل على وطن وستحصل هي على سند فعال. وقد قال وايزمان إنه لم يحلم قط بوعد بلفور، وإنه جاء بكل صراحة بشكلٍّ مفاجئ. إذ كان قد أعد نفسه لأن يبدأ نشاطه بعد انتهاء الحرب، ولكن الإمبراطورية الإنجليزية كانت قد قررت أن تُوظِّف اليهود لمصلحتها. ومن ثم، لم يكن هناك مفر من إدخالهم في الصورة. ولذا، وعلى عكس المُتصوَّر، لم يبادر الصهاينة بالمفاوضات مع الحكومة الإنجليزية وإنما نجد أن الحكومة البريطانية هـي التي بادرت بالاتصـال بهم. 
وقد تَقـدَّم الصهاينة بمطالبهم، ولكن رئيس الوزراء إسكويث كان ملتزماً بسياسة إحلال العرب محل الأتراك. ولكن قبل استقالة إسكويث، كانت الحكومة البريطانية قد درست مستقبل فلسطين وتوصلت إلى مخطط بشأن هذا المستقبل. وهناك لحسن الحظ المذكرة التي تقدَّم بها السير هربرت صموئيل في مارس 1915 للحكومة البريطانية ووضَّح فيها الاحتمالات الخمسة لمستقبل فلسطين بعد انهيار الدولة العثمانية. وما يهمنا هنا الاحتمالان الرابع والخامس في هذه المذكرة. لقد كان الاحتمال الرابع هو "الإقامة المبكرة لدولة يهودية وإنشاء محمية بريطانية". لكن هذا الاحتمال تم رفضه لأن اليهود كانوا لا يشكلون آنذاك سوى أقلية صغيرة لا تُذكَر "الأمر الذي سيؤدي إلى تلاشي حلم الدولة الصهيونية". وتضيف المذكرة أن زعماء الحركة الصهيونية "كانوا على إدراك تام لهذه الاعتبارات". 
وأما الاحتمال الخامس فهو الاحتمال الأوحد القابل للتحقيق حسبما جاء في المذكرة، وهو يشكل في رأينا الدوافع الحقيقية والعامة لإصدار وعد بلفور: 
1 ـ يشكل إنشاء المحمية ضماناً لسلامة مصر [أي سلامة المصالح الإمبراطورية البريطانية التي كانت مصر تشكل إحدى ركائزها الأساسية أنذاك[
2 ـ سوف يُقابَل إعلان الحماية البريطانية بالترحيب من السكان الحاليين [وسيتم بالتالي تحاشي الصدام مع اليهود[ 
3 ـ ستُعطَى المنظمات اليهودية تحت ظل الحكم البريطاني تسهيلات لابتياع الأراضي وإنشـاء المسـتعمرات وإقامة المؤسـسات التربوية والدينية، والتعاون في إنماء البلاد اقتصادياً، وستنال مسألة الهجرة اليهودية مركز الأفضلية بحيث يتحول السكان اليهود إلى أكثرية مستوطنة في البلاد [أي توطيد دعائم الاستيطان الصهيوني]. 
4 ـ ستؤدي هذه الخطوة إلى شعور يهود العالم بالامتنان تجاه بريطانيا وسوف يؤلف اليهود كتلة متحيزة للإمبراطورية البريطانية [توظيف اليهود في الداخل والخارج لخدمة المصالح الإمبريالية البريطانية]. 
5 ـ يشير صموئيل في المذكرة (وفي أماكن أخرى) إلى أنه، بعد أن يستقل اليهود في دولة خاصة بهم، سوف تشكل هذه الدولة جزءاً من الحضارة الغربية وتدافع عن مصالحها. 
وإذا كان هذا هو الإطار العام، فإن التحرك من خلاله كان يتطلب استقالة إسكويث عام 1916، وقد حل محله لويد جورج كرئيس للوزراء وبلفور وزيراً للخارجية. وهنا ظهر السير مارك سايكس (1979-1919 المهندس الحقيقي لوعد بلفور الذي عُيِّن مستشاراً لوزارة الخارجية البريطانية لشئون الشرق الأوسط. ويكاد يكون هناك ما يشبه الإجماع بين المؤرخين على أن الإمبراطورية البريطانية كانت شديدة الاهتمام بفلسطين، وقد أبرمت معاهدة سايكس ـ بيكو لتحديد طريقة تقسيم الدولة العثمانية. ولم يشترك الصهاينة في المفاوضات المؤدية، ولم يُدعَوا إليها، ولم يعرفوا بها حتى بعد توقيعها، أي أن مصير فلسطين تقرَّر دون مشاركتهم. 
وكان سايكس يقبل مبدأ تقسيم الدولة العثمانية، ولكنه كان معارضاً لذلك القسم الخاص بتدويل فلسطين. لأن هذا كان "ينفي السيطرة البريطانية عليها" بل كان يعني قيام سيطرة فرنسية، الأمر الذي كان يعني زيادة حجم نفوذ الفرنسيين بشكل لا يتفق مع الواقع، كما قد يؤدي إلى نسـف الموقف الإسـتراتيجي لبريطانيا في الشرق الأوسط برمته. وكان لويد جورج مقتنعاً بحاجة بريطانيا إلى فلسطين للدفاع عن مشارف قناة السويس، ومن هنا برزت أهمية المشروع الصهيوني كوسيلة للانسحاب بلباقة من اتفاقية سايكس ـ بيكو. فهذا المشروع يعني ببساطة تحويل فلسطين إلى وطن قومي يهودي تحت الرعاية البريطانية، وهذه الرعاية تعني في الواقع احتلال بريطانيا لفلسطين، ومن ثم قررت بريطانيا توظيف اليهود حتى تتخلص من البنود الخاصة بفلسطين في اتفاقية سايكس بيكو. ومنذ أن اتصل الصهاينة بهربرت صموئيل، اكتشفهم سايكس الذي أراد أن يستخدمهم في محاولة تعديل الاتفاقية وظلوا هم الجانب المتلقي لما تشاؤه الإرادة الإمبريالية البريطانية. وبعد أن تقرَّر توظيفهم، دُعي الصهاينة لأول مرة للاجتماع مع ممثلي الحكومة في فبراير 1917. وتتالت الأحداث، فقام سايكس بكتابة أولى مسودات الوعد، وتمت الموافقة عليها. وحينما تمت صياغة الوعد (كما لاحظ آحاد هعام) تمت صياغته بدون الالتفات إلى مقترحات الصهاينة أو مقترحات أعداء الصهيونية. 
وقد تأخر صدور الوعد بعض الوقت بسبب معارضة يهود إنجلترا المعادين للصهيونية، إذ قاد لوسيان وولف وسير إدوين مونتاجو حملة ضد الوعد وإصداره لأنه يُسقط حق المواطنة عن اليهـود ويجـعلهم مواطنين في دولة أخرى. واسـتجابةً لهذه الضغوط، أُسقطت عبارة "الجنس اليهودي" وحل محلها عبارة "الشعب اليهودي" كما أضيفت عبارة أن الوعد لن يؤدي إلى الإخلال بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى. 
ولكن الحكومة الإنجليزية لم تعامل أعداء الصهيونية برفق شديد إذ أن بلفور أخبر وولف وأصدقاءه أن يوقفوا الهجوم على الصهيونية، فالمشروع الصهيوني يشكل جزءاً من المشروع الاستعماري الغربي وعليهم أن يعوا ذلك. 
ووعد بلفور صيغة جديدة من البراءات الاستعمارية التي كانت تُمنَح للمسـتوطنين الغربيين في آسـيا وأفريقيا. وحينما أُصدر وعد بلفـور، سماه الصهاينة «الميثاق أو البراءة». وقد كانوا، في ذلك، أكثر دقة من كثير من العرب ومؤرخي الصهيونية، فوعد بلفور كان الميثاق الذي يشبه البراءة التي مُنحت لرودس (وإن كان وعد بلفور أكثر التزاماً بمساعدة اليهود من البراءة التي مُنحت لرودس). وقد مُنحت براءة بلفور لليهود بعد تقسيم تركيا بطريقة لا تختلف كثيراً عن البراءات التي أُعطيَت لبعض الشركات الغربية في أعقاب تقسيم أفريقيا في مؤتمر برلين. وقد أصدرت بريطانيا البراءة بعد التفاوض مع الحلفاء، ووافقت عليه مسبقاً كلٌّ من فرنسا وإيطاليا، ثم أيَّدته الولايات المتحدة، فهو ليس وعداً إنجليزياً وإنما هو وعد غربي، كما أن المستعمرة اليهودية التي ستُؤسَّس لن تكون تابعة لإنجلترا وحسب وإنما ستخدم المصالح الإمبريالية الغربية كافة. ولذا، فإن ثمة مسافة بين الصهاينة والحكومة البريطانية رغم التزام إنجلترا بدعم المُستوطَن الصهيوني، إلا أنه كان من المتوقع أن يقع عبء العمل الاستيطاني نفسه على عاتق الصهاينة أنفسهم (تماماً كما هو الحال مع شركات الاستيطان). 
ويُلاحَظ أن براءة بلفور الاستيطانية، مثل البراءات الأخرى، صدرت دون اسـتشـارة السـكان الأصليين ودون أخذ مصيرهم في الاعتبار.
عقـــد بلفــور Balfour Contract 
«عقد بلفور» مصطلح قمنا بسكه للإشارة إلى وعد بلفور. فوعد بلفور هو بمنزلة «عقد» علني واضح وقِّع بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية العالمية باعتبارها ممثلة للجماعات اليهودية في العالم لوضع العقد الصامت والصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة موضع التنفيذ. 
جيمـس بلفـور (1848-1930)James Balfour 
صهيوني غربي بريطاني يستخدم الديباجات المسيحية تارة، والعلمانية (العرْقية والإمبريالية) تارة أخرى، ويمزج بينها جميعاً تارة ثالثة. ويُنسَب إليه التصريح الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1917 ويُسمَّى «وعد بلفور». تلقَّى بلفور تعليماً دينياً من أمه في طفولته، وتشبَّع بتعاليم العهد القديم، خصوصاً في تفسيراتها الحرفية البروتستانتية. ورؤية بلفور لليهود متأثرة بالرؤية الألفية الاسترجاعية التي تراهم باعتبارهم شعباً مختاراً ومجرد وسيلة للتعجيل بالخلاص، وهي الرؤية التي تمت علمنتها فتحوَّل اليهود إلى الشعب العضوي (المختار) المنبوذ. 
ويتجلى هذا المزيج من الكره والإعجاب من جانب بلفور في تلك المقدمة التي كتبها لمؤلَف سولوكوف تاريخ الصهيونية حيث يبدي معارضته لفكرة المُستوطَن البوذي أو المُستوطَن المسيحي. فالمسيحية والبوذية في رأيه هما مجرد أديان، ولكنه يَقْبل فكرة المُستوطَن اليهودي لأن "العرْق والدين والوطن" أمور مترابطة بالنسبة إلى اليهود كما أن ولاءهم لدينهم وعرْقهم أعمق بكثير من ولائهم للدولة التي يعيشون فيها. إن هذا الشعب العضوي يتميَّز أعضاؤه بالنشاط والحركية، ولذا فقـد حقـقوا نجـاحاً باهراً في المجتمع. 
ولكن هذا الشعب العضوي المختار هو أيضاً "جماعة أجنبية معادية" تؤمن بدين هو محل كره مُتوارَث من المحيطين بها، أدَّى وجودها في الحضارة الغربية إلى "بؤس وشقاء استمرا دهراً من الزمان". ولأن تلك الحضارة لا تسـتطيع طَرْد أو اسـتيعاب هذه الجماعة، فهم يتسببون في كوارث تحيق بإنجلترا (كما فعل يهود اليديشية المهاجرون إليها). وقد أعلن بلفور أن ولاء اليهود للدولة التي يعيشون فيها "ضعيف إذا ما قُورن بولائهم لدينهم وعرْقهم، وذلك نتيجة طريقتهم في الحياة ونتيجة عزلتهم، فهم لا يتزاوجون إلا من بني جنسهم". وهذا اتهام لليهود بأنهم جماعـة لا تندمـج كما أنها تعـاني من ازدواج الولاء بل من انعدامه أحياناً، وهو اتهام يوجهه دائماً الصـهاينة ومعـادو اليهود لما يسمونه «الشخصية اليهودية». 
وقد اعترف بلفور نفسه لوايزمان بأنه وجد نفسه متفقاً مع افتراضات كوزيما فاجنر (ابنة الموسيقار) عن اليهود ومتقبلاً لها، وهي افتراضات معادية لليهود بشكل متطرف. لكل هذا، خلص بلفور إلى أنه ليس من مصلحة أي بلد أن يكون فيه يهود مهما بلغت وطنيتهم وانغماسهم في الحياة القومية. وانطلاقاً من كل هذا، فقد تبنَّى قانون الغرباء الذي صدر بين عامي 1903 و1905 والذي كان يهدف إلى وضع حدٍّ لدخول يهود اليديشية إلى إنجلترا. وقد أدَّى موقفه هذا إلى الهجوم عليه من قبَل المؤتمر الصهيوني السابع (1905، حيث وُصفت تصريحاته بأنها "معاداة صريحة للشعب اليهودي بأسره"، كما هاجمته الصحافة البريطانية. 
وقد يبدو الأمر لأول وهلة وكأنه نوع من التناقض الواضح الذي يقترب من الشيزوفرانيا، ولكن أفكار بلفور الاسترجاعية (علمانية كانت أم دينية) تعبِّر عن رغبة في التخلص من اليهود وفي حوسلتهم لخدمة الحضارة الغربية. والواقع أن مفهوم الحوسلة هو الذي يفسر تأرجحه بين الحب والكره، فالحب هو حب لشعب عضوي مختار متماسك، ومن ثم فإنه لا ينتمي إلى مسار التاريخ الإنساني العادي ولا يمكن استيعابه في الحضارة الغربية، والكره هو أيضاً كره لشعب عضوي مختار متماسك يرفض الاندماج أو الانتماء لمسـار التاريخ الإنسـاني العــادي أو الحضارة الغربية. والنتيجة واحدة، حباً أو كرهاً، وهي نقل اليهود خارج أوربا وتوظيفهم في خدمة الحضارة الغربية. فالشعب العضوي المنبوذ لا يمكن أن يحل مشكلته داخل التشكيل الحضاري الغربي عن طريق الاندماج في المجتمعات الغربية، وإنما يمكنه حلها من داخل التشكيل الاستعماري الغربي عن طريق التحول إلى مادة استيطانية نافعة بيضاء تُوطَّن خارج أوربا (في أية بقعة في آسيا أو أفريقيا). 
وبالفعل، تعمَّق اهتمام بلفور بالمسألة اليهودية حين حضر هرتزل وتفاوض مع وزير المستعمرات جوزيف تشامبرلين ووزير الخارجية لانسدون، حيث أجرى معهما مفاوضات بشأن توطين اليهود في شبه جزيرة سيناء لتحويل الفائض البشري اليهودي عن إنجلترا وتوطينه في خدمة الإمبراطورية. وفي هذا الإطار، اقترح تشامبرلين، الوزير في وزارة بلفور، توطين اليهود في إحدى المستعمرات الإنجليزية، وتُرجم هذا الاقتراح إلى مشروع شرق أفريقيا. 
وفي عام 1905، قام بلفور بمقابلة حاييم وايزمان في مانشستر وأُعجب به كثيراً، ولكنه نسي فكرته الصهيونية إلى حدٍّ كبير في فترة الحرب. ثم قابله مرة أخرى عام 1915 وناقش معه الأهداف الصهيونية (بعد أن كانت الوزارة البريطانية قد ناقشتها عام 1914 وعندما عُيِّن وزيراً للخارجية في وزارة لويد جورج عام 1916، عاد بلفور لاهتمامه القديم بالصهيونية بسبب تزايد أهمية فلسطين في المخطط الإمبريالي البريطاني وبسبب تصاعُد الجو الثوري الذي ساد أوربا والشرق العربي (وقد كان بلفور يرى أن الصهاينة حماة مجتمع ذي تقاليد دينية وعرْقية تجعل اليهودي غير المندمج قوة محافظة هائلة في السياسة العالمية). 
زار بلفور الولايات المتحدة عام 1917 في إطار محاولات إنجلترا حث الولايات المتحدة على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء، وقابل الزعـيم الصهيوني الأمريكي لويـس برانديز. وفي نوفمبر من العـام نفسه، أصدر بلفور تصريحه أو وعده المشهور نيابةً عن الحكومة الإنجليزية. وقد شهد العام نفسه رفضه التدخل لدى الحكومة الروسـية لإزالة القـيود المتعلقة بإعـطاء اليهود حقوقهم المدنية. 
وبعد ذلك، استمر بلفور في دعم الصهيونية عدة سنوات وفي يونيه عام 1922، ألقى خطاباً في مجلس اللوردات البريطاني يحث فيه بريطانيا على قبول فرض الانتداب على فلسطين، وتقدَّم بمسودة قرار الانتداب لعصبة الأمم، كما شارك في افتتاح الجامعة العبرية عام 1925 وقد بيَّن بلفور تصوُّره لمستقبل فلسطين في إحدى المذكرات حيث قال: إن الصهيونية، سواء أكانت على حق أم كانت على باطل، خيِّرة كانت أم شريرة، فإنها ذات جذور متأصلة في "تعاليم قديمة وحاجات حالية وآمال مستقبلية" (غربية). ولذا، فإن أهميتها "تفوق رغبات وميول السبعمائة ألف عربي" قاطني هذه الأرض. وقد أكد بلفور في مذكرة أخرى أن الحلفاء لم يكن في نيتهم قط استشارة سكان فلسطين العرب. 
وانطلاقاً من إدراك الأهمية الجغراسية (الجغرافية/السياسية) لفلسطين، طلب بلفور أن تكون فلسطين متاحة لأكبر عدد من المهاجرين (الذين رفض من قبل دخولهم إنجلترا) وأن تُوسَّع حدودها لتشمل الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن. ويوجد في إسرائيل موشاف يُدعَى «بلفوريا» أسسه مستوطنون من الولايات المتحدة، كما توجد شوارع في القدس وتل أبيب سُمِّيت جميعها باسمه، ويطلق كثير من اليهود على أبنائهم اسم «بلفور» مع أنه ليـس اسماً عبرياً أو يهودياً. وقد ألَّـف بلفور عدة كتب في الفلسفة الدينية، من أهمها: دفاع عن الشك الفلسفي (1879)، وأُسس الاعتقاد الديني: ملاحظات أولية لدراسة اللاهوت (1893)، و الإيمان بالله والفكر: دراسة في العقائد المألوفة (1923). 
مارك سايكس (1879-1919 ) Mark Sykes 
دبلوماسي ورحالة بريطاني وُلد في لندن وتلقَّى تعليمه في موناكو وبروكسل وكمبردج. عمل في الجيش البريطاني بعض الوقت في جنوب أفريقيا (1902 وسافر إلى سوريا والعراق، وعُيِّن ملحقاً فخرياً للسفارة البريطانية في إستنبول. وعُيِّن بسبب خبرته الواسعة في شئون الشرق مساعداً لوزارة الحرب البريطانية، وكانت وظيفته تزويد مجلس الوزراء بالمعلومات والمشورة حول شئون الشرق الأوسط. ولم يكن سايكس من صانعي القرار إلا أنه كان مؤثراً جداً فيهم بسبب شهرته كخبير في شئون الشرق الأوسط وحظوته لدى أصحاب السلطة. بل يرى كاتب سيرة حياته أنه كان القوة المحركة للسياسة البريطانية الخاصة بفلسطين التي أدَّت إلى إصدار وعد بلفور ثم الانتداب البريطاني على فلسطين. ومما تجدر ملاحظته أن سايكس كان كاثوليكياً على عكس الغالبية الساحقة من الصهاينة غير المسيحيين الذين يأتون من أوساط بروتستانتية. 
اشترك سايكس، بحكم منصبه، في المباحثات التي جرت في لندن وكان يمثل فيها الجانب البريطاني. أما فرانسوا جورج بيكو، القنصل الفرنسي السابق في بيروت ومستشار السفارة الفرنسية في لندن، فكان يُمثل الجانب الفرنسي فيما يتصل بما كان يُسمَّى «المسألة السورية»، أي مستقبل المنطقة العربية (وخصوصاً الشام) وتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية في آسيا. وقد انتهت هذه المباحثات، بشكل مبدئي (عام 1916 بتوقيع اتفاقية سايكس ـ بيكو الشهيرة لتقسيم مناطق النفوذ بين إنجلترا وفرنسا. وقد وُضعَت فلسطين بمقتضى الاتفاق تحت إشراف إدارة دولية. 
وبعد هذا التوقيع المبدئي، اطَّلع السير مارك سايكس على المذكرة التي وزعها هربرت صمويل على أعضاء الوزارة البريطانية يقترح فيها أن تبنَّت إنجلترا المشروع الصهيوني. وقد اكتشف سايكس على التو أنه لو تبنَّت إنجلترا المشروع الصهيوني، فإن هذا سيوفر لها موطئ قدم راسخاً في الشرق الأرسط. واكتشف سايكس أن بوسعه استخدام الصهاينة في التخلص من الجزء الخاص بوضع فلسطين تحت إدارة دولية (أي فرنسية إنجليزية). ومما له دلالته، أن القيادة الصهيونية لم تكن تعرف شيئاً عن الاتفاق السري هذا (أي أن القرار دائماً قرار استعماري يتم توظيفه لاحقاً الصهاينة). ولم يعرف وايزمان عن الاتفاق إلا في 16 أبريل 1917 من تشارلز سكوت رئيس تحرير المانشستر جارديان. وقد تقرَّر أن يعبِّر الصهاينة عن رغبتهم في أن تكون فلسطين تحت حكم إنجلترا وحسب وألا تُقسَّم. وبالفعل، قام الصهاينة بما طُلب منهم، وقام سوكولوف بمقابلة بيكو وعبَّر له عن وجهة النظر الصهيونية، وأكد له أن الدولة الصهيونية لن تضر بمصالح فرنسا. ولكن العنصر الحاسم في تغيير وجهة النظر الفرنسية لم يكن الضغوط الصهيونية وإنما وصول القوات البريطانية تحت قيادة أللنبى إلى فلسطين واستيلائهم عليها دون عون القوات الفرنسية. كما أن اندلاع الثورة البلشفية وانسحاب روسيا من الحرب غيَّر الصورة تماماً. وقد انتهى الأمر بأن تنازلت فرنسا عن فلسطين لإنجلترا. وقد شارك سايكس بشكل أساسي في الصياغة النهائية لوعد بلفور. 
وكان سايكس ـ كما هي العادة مع الصهاينة غير اليهود ـ معادياً لليهود بشكل صريح ويَصدُر عن مفهوم الشعب العضوي المنبوذ. فاليهودي بالنسبة له هو المموِّل العالمي. وينقسم اليهود ـ حسب تصوُّره ـ إلى قسمين: اليهود المتأنجلزون (أي المندمجون) الذين يتخلون عن هويتهم (العضوية)، ومن ثم يمكثون في بلادهم ولا يهاجرون منها، وكان سايكس يكن لهم احتقاراً عميقاً، وهناك العبراني الحقيقي (هذا الذي يترك إنجلترا ليستوطن في بلده العضوي)، وهؤلاء كان يحبهم سايكس، شأنه في هذا شأن النازيين وشأن كل من يرغب في أن "يعود" اليهود إلى "وطنهم القـومي" في فلسـطين، فتُفرَّغ أوربا من يهـودها. ومن هنا، فلا غرو أن يؤيد سايكس المشروع الصهيوني.


الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثالث: العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث عشر: الصهيونية الإثنية العلمانية
» الباب الثالث: المسألة الإسرائيلية والحلول الصهيونية
» الجزء الثالث.. الباب الأول: العنصرية الصهيونية
» الباب الثالث: الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة
» الجزء الثالث.. الباب الأول: المنظمة الصهيونية العالمية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: