لطائف من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي (25)
1- لطيفة: سبب المتاعب في المجتمع
إن رأيت أيها المسلم متعبة في الكون فاعلم أن حكماً من أحكام الله قد عطِّل،
إن رأيت فقيراً جائعاً أو عرياناً فاعلم أن حقاً من حقوقه قد أكله أو جحده غيره؛
لأن الذي خلق الكون، خلقه متوازناً، لكن الغني قبض يده عن حق الله، وأيضاً جاء قوم يتسولون بغير حاجة للتسول.
والفساد هنا إنما يأتي من ناحيتين: ناحية إنسان استمرأ أن يبني جسمه من عرق غيره، أو من إنسان آخر غني لا يؤدي حق الله في ماله، بذلك يعاني المجتمع من المتاعب.
2- يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة.. "
ففي أية ليلة ينزل فيها الله؟ ليلتك أم ليلة المقابل لك؟ أم الليلة التي تشرق الشمس فيها في مكان، وتغيب عن مكان آخر؟ إذن، كل واحد من المليون من الثانية ينشأ ليل وينشأ نهار، وهكذا نعلم أن الله معك ومع غيرك، باسطاً لك ولغيرك يده لذلك لا تفهم قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ".
لا تفهم ذلك بتخصيص ليل معين أو نهار معين؛ لأن يده مبسوطة في كل زمان وفي كل مكان وليس كمثله شيء.
3- قول المؤمن للسائل
إن السائل هو الجسر الذي يسير عليه المسلم إلى الثواب من الله.
فيقول العبد المؤمن للسائل: مرحباً بمن جاء ليحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة.
ولذلك عندما جاء مسلم إلى الإِمام عليّ- رضي الله عنه - فقال: أنا أريد أن أعرف أأنا من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة؟ واختار الإمام عليّ مقياساً للإِيمان في نفس كل مؤمن، وقال له: إن جاءك من يطلب منك، وجاء من يعطيك، فإن كنت تهش لمن يعطيك فأنت من أهل الدنيا، وإن كنت تهش لمن يأخذ منك فأنت من أهل الآخرة؛ لأن الإنسان يحبّ من يعمر له ما يحبّ.
4- اقتران الصلاة والزكاة في القرآن
دائماً نجد الصلاة والزكاة مقترنتان ببعضهما.
ولا تجد آية فيها ذكر للصلاة إلا وفيها ذكر للزكاة أيضاً.
إن الصلاة تعني ترك أمورك الحياتية التي تسعى فيها لدنيا الأسباب، أي أنك قد اقتطعت جزءاً من الزمن الذي كنت تقضيه في حركة حياتك لتقف فيه أمام ربك خالق الأسباب.
أما الزكاة فتعني أنك تقتطع جزءاً من مالك.
ففي الزكاة تتنازل عن بعض المال، لكنك في الصلاة تتنازل عن الوقت الذي يأتي لك بأصل المال وهو الذي تنتج فيه الرزق، والرزق وعاء الزكاة.ولذلك قلنا: إن الصلاة فيها زكاة وزيادة.
5- حين تغيب الشمس...
حين تغيب الشمس نجد كل واحد منا يستعين بنور يعطيه الضوء كل على قدر إمكاناته.
فإذا طلعت شمس الله فهل يبقى أحد مصباحه مضاء؟
كلا، لأن شمس الله قد سطعت تنير للجميع، وهذا الفرق بين نور محدود بقدرات الإنسان ونور من خلق الله يغمر الجميع. وهذا هو النور الحسي.
وفي المعنويات نور أيضا يهديك إلى القيم حتى لا ترتطم بالمعنويات السافلة التي قد تقابلك في مسيرة الحياة، يقول تعالى:{ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }المائدة 15
فإذا ما جاء نور الهداية من الله سبحانه وتعالى فيجب أن تطفأ بقية الأنوار من مقترحات أفكار البشر، فلا يأتي أحد بفكر رأسمالي، و آخر بفكر شيوعي، وثالث بفكر وجودي، لأن كل هذه القيم تمثل أهواء متنوعة من البشر تعمل لحساب أصحابها، أما منهج الله تعالى فهو لصالح البشر جميعاً.
وكما أن الله لا يحجب نور الشمس عن أحد؛ كذلك أنزل سبحانه نور الهداية ليختاره كل من التمس الطريق إلى الهداية.
6- الصلاة تُقام في كل ثانية على وجه الأرض...
فصلاة الفجر قبل شروق الشمس، لكن الشمس تشرق في كل دقيقة على بقعة مختلفة من الأرض.
فتُقام بذلك صلاة الفجر في كل وقت على ظهر الأرض وكذلك الظهر و العصر والمغرب والعشاء. والصبح في دولة قد يكون ظهراً في دولة ثانية، وعصراً في دولة ثالثة ومغرباً في دولة رابعة وعشاء في دولة خامسة.
إذاً جميع أوقات الصلاة قائمة على الأرض في كل لحظة من الزمن، ويرتفع الأذان: الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله في كل لحظة ويظل الله سبحانه وتعالى معبوداً بالصلوات الخمس في كل الزمن في كل بقاع الأرض.
وهذا سبب ربط الصلاة بالشمس.
وأيضاً إن ربط أوقات الصلاة بالشمس، فيه يُسْر التكليف ودوامه، لماذا؟
لأن القمر نراه أياماً، ولكننا لا نراه في أيام المحاق، مضافاً إلى ذلك أن القمر عندما يكون هلالاً لا يظهر للعين، ولكن الشمس تشرق وتغيب كل يوم في وقت محدد، وهي بضوئها ظاهرة لكل الناس من الشروق إلى الغروب، فلا يجدون مشقة في رؤيتها.
7- لماذا خصَّ الحق سبحانه القمر بحساب الشهر؟
لأن الله سبحانه يريد أن يوزع الفضل على كل الزمن، وييسر على الناس أداء مناسكه وما يكلفهم به.
فشهر رمضان يأتي مرة في الصيف، كما يأتي في الشتاء وفي الربيع وفي الخريف.
فالذين يصومون في الصيف المعروف بيومه الطويل، يصومون في الشتاء ويومه قصير. والذين يعانون من الصوم في حرارة الجو، يصومون أيضاً في برد الشتاء،
والذين يعيشون قرب القطب الشمالي يصومون مرة تسع عشرة ساعة مثلاً، ومرة ساعتين أو ثلاثاً، وهذه تعوض تلك فيتم العدل، وبذلك يتساوون في المتوسط مع أولئك الذين يصومون ثماني أو تسع ساعات يومياً، وتتكافأ الفرص بين المؤمنين جميعاً.
وهكذا شاء عدل الله أن تكون الأيام المفضلة عنده مُوزَّعة على الزمن كله، كذلك الحج يأتي في فصول السنة المختلفة.
فلو حسبت الشهور بالشمس لكان ميعاد الحج كل عام في أشهر الصيف دائماً، فلا يكون هناك عدل بين الذين يعيشون في مناطق حارة حيث يؤدون مناسك الحج بسهولة، في حين يؤديه من يحيا في المناطق الباردة بصعوبة.
ولتمام عدل الله بين خلقه نجده سبحانه قد أدار الأشهر القمرية في السنة الميلادية،
فيدور رمضان والحج في شهور العام كله، وبذلك يتم عدل الله على الجميع بالتشريع
الحق، ويدور التكليف مشقة ويُسْراً وصعوبة وسهولة على جميع المؤمنين.
8- جنة الله ورحمة الله...
حين يتكلم القرآن الكريم عن مراتب ومراقي الإيمان يقول عن أناس:
{ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... } غافر 40
ويقول عن أناس آخرين: { أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحمَة...} البقرة 157
والجنة باقية بإبقاء الله لها، ولكن رحمة الله باقية ببقاء الله، وهكذا تكون درجة الرحمة أرقى من درجة الجنة.
9- عجبت!!!
لقد لفت أنظارنا سيدنا جعفر الصادق: ونبهنا إلى ما فيه الخير حيث يقول:
" عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قوله تبارك وتعالى: { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }.
فإني سمعت الله عقبها يقول: { فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ }.
وعجبت لمن اغتم، ولم يفزع إلى قوله: {لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }.
فإني سمعت الله عقبها يقول: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِـي الْمُؤْمِنِينَ }.
وعجبت لمن مُكر به، ولم يفزع إلى قوله: { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }.
فإني سمعت الله عقبها يقول:- { فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ }.
وعجبت لمن طلب الدنيا ولم يَفْزَع إلى قوله تبارك وتعالى: { مَا شَآءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ }. فإني سمعت الله عقبها يقول:- { فعسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ }.
10- الدّنيا مزرعة الآخرة
فإن كنت تريد ثمرة فابذل الجهد.
والمثل الذي أضربه دائماً ـ ولله المثل الأعلى ـ نجد الفَلاَّح حين يزرع فداناً بالقمح، فهو يأخذ من مخزنه إردباً ليستخدمه كبذور في الأرض، ولو كانت امرأته حمقاء لا تعرف أصول الزراعة ستقول له: أنت أخذت من القمح، وكيف تترك عيالك وتنقصهم من قوتهم؟
هذه المرأة لا تعلم أنه أخذ من القمح المُخَزَّن؛ ليعود به بعد الحصاد أضعاف مضاعفة.
كذلك مطلوب الله سبحانه في الدّنيا قد يبدو وكأنه ينقصك أشياء، لكنه يعطيك ثمار الآخرة ويزيدها، وكما أنك تأخذ حظك من الثمار على قدر حظك من التعب ومن العمل، فذلك أمر الآخرة وأمر الدنيا.
فالدّنيا هي الوسيلةُ للدار الآخرة، والمزرعة التي نُعد فيها الزاد للقاء الله تعالى..
إذن: الدنيا أهم من أنْ تُنسَى من حيث هي معونة للآخرة، ولكنها أتفَهُ من أن تكونَ غاية في حَدِّ ذاتها.