منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية    الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Emptyالأربعاء 11 ديسمبر 2013, 10:59 pm

الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية 
علماء النفـس من أعضاء الجـماعات اليهودية 
Psychologists (and Psychiatrists) from Members of Jewish Communities 
يضم العهد القديم والتلمود إشارات عديدة إلى أعراض واضطرابات في السلوك تدل على أمراض نفسية وعقلية. ولم ير العهد القديم هذه الاضطرابات باعتبارها نوعاً من أنواع المرض، بل اعتبرها نتيجةً لتملك روح شريرة جسد الإنسان، ورأى ضرورة رجم الشخص الذي تملكته روح شريرة حتى الموت. وتأثر اليهود خلال العصر اليوناني بآراء فلاسفة اليونان وأطبائهم والذين كانوا أول من نظر إلى الأمراض النفسية نظرة علمية وربطوا بين الاضطرابات العقلية والاضطرابات الفسيولوجية. 
ويذهب التلمود في بعض أجزائه إلى أن اضطرابات السلوك والجنون نوع من أنواع المرض، واهتم التلمود أيضاً بوضع الشرائع التي تحدد المسئولية العقلية للمريض ووضعه في المجتمع. كما تناول التلـمود وأدب المـدراش قضايا عديدة حول سـلوك الفـرد وعلاقته بالمجتمع، وحول القيم والمواقف، وحول أساليب التهذيب والعقاب. وقد اعتبر التلمود الأحلام ذات مصدر إلهي، وكتب أحد الحاخامات كتباً عن الأحلام مماثلة لكتب قدماء المصريين واليونانيين. كما تأثر الفلاسفة من أعضاء الجماعات اليهودية بمفهوم ورؤية اليونانيين لطبيعة ودور الروح والعقل والذكاء. 
وفي العصور الوسطى في الغرب، اعتمد الأطباء من أعضاء الجماعات اليهودية، مثلهم مثل غيرهم من الأطباء، على النظريات اليونانية والرومانية في الطب، وانتشر الطب الشعبي بين أعضاء الجماعات اليهودية ويذهب الطب الشعبي إلى أن الأمراض العقلية والنفسية علامة على أن الأرواح الشريرة تتملك جسد الإنسان وأنها إحدى علامات الصراع بين قوى الخير وقوى الشر وكانت تعالج بالأحجبة والتعويذات والأناشيد وأحياناً بالتعذيب والسجن. وتناولت كثير من أعمال الفلاسفة والأطباء من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربي الإسلامي العديد من القضايا النفسية. فعلى عكس الغرب، احتل الطب في العالم الإسلامي مكانة رفيعة، وأدرك أطباء الإسلام حقيقة العلاقة بين النفس والجسم والتفاعل الوثيق بينهما وأحسنوا معاملة المصابين بالأمراض العقلية ونجحوا في علاج كثير من هذه الأمراض علاجاً نفسياً. 
وكان من أبرز من تناوَل القضايا النفسية الفيلسوف موسى بن ميمون الذي كتب عدة كتب في الطب في القرن الثاني عشر وتعرض للاضطرابات الجسدية الناتجة عن اضطرابات عقلية أو عاطفية. وقد تضمنت الحركة الحسيدية التي ظهرت في القرن الثامن عشر في الغرب كثيراً من الجوانب النفسية، إذ استمدت الكثير من الأفكار من القبَّالاه، كما أكدت تعاليمها أهمية النواحي الروحية والعاطفية. 
وفي العصر الحديث، بدأ إخضاع الطبيعة الإنسانية والاضطرابات والأمراض النفسية والعقلية للبحث والدراسة العلمية. وشهد القرن التاسع عشر بداية صعود الطب النفسي وبداية توصيف وتصنيف الأمراض العقلية والنفسية وبداية معاملة المرضى معاملة إنسانية طيبة. كما تأسست أقسام لعلم النفس الأكاديمي في الجامعات الأوربية وانتشرت معامل علم النفس في المدن الأوربية والأمريكية. وظهرت مدارس عديدة في علم النفس تطرح كل منها تفسيراتها ونظرياتها الخاصة حول حقيقة السلوك والطبيعة البشرية ودوافعها. 
وأدَّى انعتاق أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى إتاحة الفرصة لهم للالتحاق بالجامعات الأوربية حيث وجدوا في المجالات العلمية التي كانت لا تزال حديثة وهامشية، مثل علم النفس، فرصاً أكبر للحراك والتقدم العلمي لم تكن متوافرة في المجالات العلمية الأقدم والأكثر عراقة. 
وشكَّل أعضاء الجماعات اليهودية نسبة كبيرة في حقل علم النفس الأكاديمي بجميع فروعه ومدارسه، كما لعبوا دوراً ريادياً في الطب النفسي وفي نشأة التحليل النفسي ومدارسه. ومع هذا، لا يمكن الحديث عن «علم نفس يهودي» أو «تحليل نفسي يهودي» وهكذا، فالمحللون النفسيون وعلماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية يختلفون فيما بينهم ويتخاصمون وينتمون لمدارس وتيارات فكرية متصارعة، أُسُسها الفلسفية مختلفة. 
وقد اشترك بعض أعضاء الجماعات اليهودية في تأسيس بعض معامل علم النفس في كلٍّ من بلجيكا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة في نهايات القرن التاسع عشر. وقد كان أوتو سيلز عضواً بارزاً في مدرسة ويرزبورج لعلم النفس التي اهتمت بدراسة العمليات المصاحبة للتفكير. كما أسس ماكس فيرتهايمر (1880 ـ 1943) (بالاشتراك مع كرت كوفكا وولفجانج كوهلر) علم نفس الجشطالت، وكان أغلب مؤسسي هذه المدرسة من أعضاء الجماعات اليهودية. 
أما في مجال الطب النفسي، فكان سيزار لومبروزو أول طبيب نفسي من أعضاء الجماعات اليهودية، وقد صدر له عام 1864 كتاب العبقرية والجنون وقدَّم فيه عرضاً لجوانب الشخصية الإجرامية التي أرجعها إلى خصائص وراثية وربطها ببعض الظواهر التشريحية. 
أما هيبوليت برنهايم (1837 ـ 1919)، فكان من أوائل من وضعوا لبنات المدرسة النفسية التي رأت أن كثيراً من الاضطرابات العقلية ناشئة عن أسباب نفسية، على عكس المدرسة العضوية في ذلك الوقت والتي كانت ترى أن الاضطرابات العقلية ناتجة كلها عن علل عضوية. 
ويعود الفضل لسيجموند فرويد (1856ـ 1939) في إقامة البناء النظري الذي تأسس عليه التحليل النفسي الحديث. ورغم المعارضة التي واجهت نظرية فرويد في البداية، إلا أنه بدأ يضم حوله مجموعة من الأتباع، وسرعان ما أخذت تعاليم التحليل النفسي في الانتشار واعترف بها علم النفس الأكاديمي وامتدت إلى مجالات أخرى مثل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والنقد الأدبي والفني والتربية. 
وقد اختلف بعض أتباع فرويد معه ومن أبرزهم ألفريد أدلر وأوتو رانك (وهما يهوديان) وكارل يونج، وانتهى بهم الأمر إلى الانفصال عن مدرسته وتأسيس مدارس أخرى في التحليل النفسي. 
وقد اختلف أدلر (1870 ـ 1937) مع فرويد حول مدى أهمية الغريزة الجنسية في تكوين الأمراض العصابية، ورأى أن « الشعور بالنقص » الذي ينشأ في الطفولة، سواء نتيجة ضعف أو نقص بدني أو متاعب وصعوبات في بيئة الطفل، هو السبب الأول في تكوين هذه الأمراض. واعتبر أن دافع القوة وتفرُّد الذات هو القوة الإيجابية المسيطرة على الحياة على خلاف فرويد الذي اعتبر الدافع الجنسي القوة المهمة الفعالة. وأطلق أدلر على نظريته الجديدة « علم النفس الفردي ».
أما أوتو رانك (1884 ـ 1939)، فظهر خلافه مع فرويد في كتابه الذي عزا فيه أسباب الأمراض العصابية إلى تجربة الميلاد نفسها حيث تمحورت نظريته حول الأم وعلاقة الابن بها. وبينما رأى فرويد أهمية فهم وإدراك الذات والتخلص من الأوهام، أكد رانك أهمية التعبير عن الذات وأهمية الأوهام وقيمتها العلاجية. 
وقد أثارت حقيقة أن مؤسسي التحليل النفسي ورواده الأوائل كانوا جميعهم تقريباً من أعضاء الجماعات اليهودية كثيراً من الجدل حول مدى العلاقة بين ظهور نظرية التحليل النفسي ومضمونها والانتماء أو الأصل اليهودي، وذلك رغم أن فرويد وأتباعه كانوا من اليهود المندمجين وغير المتمسكين بممارسة الشعائر والتقاليد الدينية اليهودية، بل كانوا يسخرون من اليهود غير المندمجين، خصوصاً يهود شرق أوربا. وقد تنصَّر بعض أتباع فرويد حيث اعتنق أدلر البروتستانتية واعتنق رانك الكاثوليكية، لكن رانك عاد مرة أخرى إلى اليهودية عند زواجه. غير أن كل هذا لا ينفي وجود التأثير اليهودي في فكرهم، فرغم رفضهم العقلي لليهودية ورغم اندماجهم في بيئتهم الثقافية والاجتماعية إلا أن تكوينهم الثقافي والاجتماعي اليهودي الخاص كان له تأثير لا شك فيه على كلٍّ منهم يتفاوت من حالة إلى أخرى. 
وقد تعدَّدت وتباينت التفسيرات في هذا الصدد، فذهب البعض مثل إرنست جونز أحد أتباع فرويد وكاتب سيرته الذاتية (وهو غير يهودي) إلى نفي أية أهمية أو دلالة للانتماء اليهودي لفرويد وأتباعه، ولكنه كان يرى أيضاً أن تمسك فرويد بنظريته وأفكاره (رغم المعارضة الشديدة التي واجهته) ينهض دليلاً على قدرة اليهود« الموروثة » على الصمود أمام العداء والرفض، وهو تفسير سطحي متهافت. 
وفي محاولة تفسير وجود عدد كبير من أعضاء الجماعات اليهودية كمؤسسين لعلم النفس والتحليل النفسي وكممارسين له.
 ويمكننا أن نورد هذه الأسباب كمحاولة مبدئية: 
1 ـ يُلاحَظ أن أعضاء الجماعات الوظيفية يوجدون في المجتمع وليسوا منه، وهو ما يطوِّر عندهم الحاسة النقدية بشكل قد يكون مرضياً وعدمياً أحياناً. وهم، نظراً لعدم تجذرهم في المجتمع، يهتمون بالنماذج الهامشية والمرضية وتصبح عندهم مقدرة غير عادية على فهمها والتعامل معها، خصوصاً أن عضو الجماعة الوظيفية عنده كفاءة في التعامل مع الآخر باعتباره موضوعاً أو مجرد حالة، باطنه مثل ظاهره، لا حرمة له ولا قداسـة، تتم دراسـتها ورصـدها وتوظيفها والاسـتفادة منها. وهذه القدرة على التعامل بشكل محايد ومتجرد مع خبايا النفس البشرية هي مقدرة لا تتوافر لكثير من البشر، وهي لابد أن تتوافر (بشكل أو بآخر) فيمن يود أن يضع أسس علم للنفس بحيث تُدرَس النفس البشرية كما تُدرَس الأشياء الطبيعية، أو حتى باعتبارها أمراً أكثر تركيباً. 
والواقع أن اضطلاع أعضاء الجماعات اليهودية بدور الجماعة الوظيفية جعل عندهم تقبلاً واستعداداً نفسياً وفلسفياً كامناً لأن يتركزوا في علم النفس وفي التحليل النفسي حينما ظهر هذا العلم. ولعل هذا هو ما أعرب عنه فرويد في محاضرة له أمام رابطة أبناء العهد (البناي بريت) عام 1926 حين قال إنه (باعتباره يهودياً) قد تحرَّر من التحيزات والآراء المسبقة التي تقيد الحرية الفكرية لغير اليهود (مثل الإيمان بقداسة الإنسان)، وأن كونه يهودياً يسَّر له الانضمام إلى الجبهة المعارضة لأفكار وفلسفات الأغلبية. وأعضاء الجماعة الوظيفية مغامرون يكتشفون الآفاق الجديدة ويحاولون فتح مجاهلها والاستفادة منها، ولابد أن علم النفس والتحليل النفسي كانا أحد المجالات الجديدة التي ارتادها الأطباء من أعضاء الجماعات اليهودية. 
2 ـ ويمكن أيضاً أن نستخدم نموذج الحلولية (مقابل التوحيد) لتفسير تركز أعضاء الجماعات اليهودية في التحليل النفسي. ويمكن أن نذكر ابتداءً أن أعضاء الجماعة الوظيفية يتبنون رؤية حلولية للواقع (تضعهم داخل دائرة القداسة وتضع الآخر خارجها)، وأن القبَّالاه الحلولية سيطرت تماماً على اليهودية ابتداءً من منتصف القرن السابع عشر. والحلولية ترى أن الإله يحل في الإنسان والطبيعة ويتوحد بهما ويوحدهما بحيث يصبح الإله والإنسان والطبيعة شيئاً واحداً، وهذا يعني في واقع الأمر إلغاء كل الثنائيات بحيث يصبح الإنسان مادة مثل الطبيعة، يحوي داخله كل ما نحتاج إليه لفهمه وتفسيره، ويصبح سلوكه (البراني) وسيلة الوصول إلى عالمه (الجواني). 
ويُلاحَظ أن النموذج الحلولي يدور دائماً حول الجنس (والأرض) وهذا ما حدث في القبَّالاه التي وُصفت بأنها تجنيس للإله وتأليه للجنس (بمعنى الغريزة الجنسية). 
ويُلاحَظ أخيراً أن المنظومة الحلولية ترتبط دائماً بالحل السحري وبمحاولة الوصول إلى الصيغة السحرية التي تشفي الآلام، كما أنها رؤية تتجاوز مقاييس الخير والشر وتدور في واقع الأمر حول مفاهيم مثل لذة الوصول ومتعة الذوبان. والرؤية الحلولية (خصوصاً في مرحلة الحلولية بدون إله ووحدة الوجود المادية) تخلق أيضاً استعداداً نفسياً كامناً لدى من يتحرك في إطارها لأن يتكشف علماً مثل علم النفس يحاول التعامل مع النفس البشرية باعتبارها كياناً مكتفياً بذاته لا يمكن الحكم عليه أخلاقياً. فمهمة المحلل النفسي أن يساعد المريض في أن يرى نفسه (أو يقبلها) خارج إطار المعايير الأخلاقية، معايير الخير والشر، وأن يتحرك داخل مفهوم تحقيق الذات وراحتها!.
3 ـ ولعل الاتجاه المعادي للتاريخ وللوجود الإنساني داخل حدود التاريخ والمصاحب للرؤية الحلولية، والذي يمارسه أعضاء الجماعات الوظيفية بدرجات متفاوتة، ساهم هو الآخر في تعميق قابلية أعضاء الجماعات اليهودية للاشتغال بعلم النفس الذي تنحو كثير من اتجاهاته نحو تفسير سلوك الفرد في إطار معطيات نفسية ليس لها بالضرورة علاقة كبيرة بمعطيات التاريخ. 
4 ـ لاحظ بعض الدارسين أن ثمة تشابهاً بين مناهج التفسير في اليهودية ومناهج التفسير في علم النفس. فالمفسرون اليهود كانوا يدورون في إطار الشريعة الشفوية، وهو مفهوم حلولي يساوي بين الوحي الإلهي (المكتوب) والاجتهاد البشري (الشفهي)، بل ويجعل الاجتهاد الشفوي أكثر أهمية وفعالية من النص المقدَّس. كما ظهر مفهوم التوازي بين توراة الخلق (العادية الظاهرة) وتوراة الفيض (الباطنة)، ولا يمكن التوصل إلى توراة الفيض إلا من خلال إعادة تفسير وتأويل النصوص الدينية الواضحة الظاهرة بحيث يتجاوز المفسر المعاني المباشرة ويعلو عليها ويصل إلى المعنى الباطني. وقد اعتمد التحليل النفسي أيضاً على المفسر الوسيط الذي يُحلل النص ليكتشف وراءه المعنى الباطني (الذي يشبه التوراة الشفوية أو حتى توراة الفيض). 
5 ـ إذا كانت الحلولية تُلغي الثنائيات بحيث يصبح الإنسان جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة/المادة، غير قادر على تجاوزها، فإن الانتماء إلى الجماعة الوظيفية يُنجز شيئاً مماثلاً، إذ أن عضو الجماعة الوظيفية يرى نفسه في إطار وظيفته بحيث لا يصبح له وجود خارجها، وغير قادر على تجاوزها. فالإنسان الحلولي والإنسان الوظيفي لهما بنية واحدة، رغم اختلاف المضامين، وجوهر هذه البنية هو الواحدية. ويخلق هذا الوضع استعداداً كامناً للعلمنة بين أعضاء الجماعات الوظيفية، فالعلمانية تدور حول مفهوم الإنسان الطبيعي الذي تدور حوله الفلسفة العقلانية المادية والذي يتفرَّع إلى الإنسان الاقتصادي (الوظيفي) الذي يدور حول الاقتصاد السياسي، والإنسان الجسماني أو الجنسي، الموضوع الأساسي لبعض أشكال علم النفس.
ولكن كل هذه الأسباب لا تجعل من أعضاء الجماعات اليهودية مسئولين عن ظهور علم النفس والتحليل النفسي. فهذه أمور مرتبطة بتطور الحضارة الغربية وعلمنة ظاهرة الإنسان بحيث تُلغَى كل الثنائيات ويُدرَس الإنسان في إطار غرائزه وسلوكه، ويحل مفهوم النفس (العلماني) محل مفهوم الروح (الديني).وتجب الإشارة هنا أيضاً إلى أن التحليل النفسي وُلد في فيينا التي كانت تُعَدُّ في نهاية القرن التاسع عشر مركزاً ثقافياً وفكرياً مهماً يموج بالعديد من النظريات والقيم والمعايير الجديدة في الفكر والأدب والفنون.وكان ظهور التحليل النفسي جزءاً من هذه العملية الانقلابية وأحد مظاهر التحولات الجديدة التي كانت تهدِّد القيم والأفكار السائدة حول الدين والإنسان والمجتمع. 
وقد واجه التحليل النفسي هجوماً حاداً بسبب ما كان يشكله من تهديد للمفاهيم السائدة حول السلوك البشري بشكل عام والسلوك الجنسي بشكل خاص. ولأن رواده كان أغلبهم من أعضاء الجماعات اليهودية، فقد تضـاعف الهـجوم عليه من قبل المعادين لليهود. ومع مجيء النازية إلى أوربا، انتقل كثير من علماء النفس الأوربيين اليهود إلى الولايات المتحدة. 
ولم يكن أعضاء الجماعات اليهودية من رواد التحليل النفسي في الولايات المتحدة، ولم يبدأوا في دخول هذا المجال بشكل واسع إلا بعد انتقال علماء النفس اليهود الأوربيين إلى الولايات المتحدة. إذ انتقلت معهم أيضاً بعض مدارس علم النفس الأكاديمي المهمة مثل الجشطالت. وكان لأعضاء الجماعات اليهودية، خصوصاً في الولايات المتحدة، مساهمات مهمة ومتنوعة في بلورة النظريات الخاصة بعلم النفس في الفترة المعاصرة. ويُلاحَظ أن التحليل النفسي منتشر في الوقت الحاضر في أمريكا اللاتينية، خصوصاً في الأرجنتين، لكن أعضاء الجماعات اليهودية لم يلعبوا دوراً فكرياً مهماً داخل هذا التشكيل الحضاري. 
وقد كان من بين الأجيال الأولى للمحللين النفسيين من أعضاء الجماعات اليهودية مَنْ تعاطفوا مع الصهيونية وأيدوها مثل سيجفريد بيرنفلد الذي ساهم في تنظيم الشباب الصهيوني في ألمانيا. وماكس إيتنجتون، الذي أسس أول معهد تدريبي وأول عيادة للتحليل النفسي في برلين عام 1920، ثم استقر في فلسطين عام 1933 وأسس بها جمعية ومعهداً للتحليل النفسي لا يزالان موجودين حتى الآن. ولكن هناك من المحللين النفسيين من أعضاء الجماعات اليهودية مَن رفض الصهيونية أو لم يكترث بها أصلاً. والشخصيات الواردة في هذا القسم تقع كلها (باستثناء فرتايمر) في مجال التحليل النفسي والطب النفسي، وهي تختلف عن مجال علم النفس الأكاديمي بمعناه الدقيق. إلا أن اختيار «علم النفـس» في الـعنوان جاء جرياً مـع التقليد الشائع بضم هذه التخصـصات تحـت ما يُعرف بالعـلوم النفسـية أو الفـكر النفـسي بوجه عام.
سيجموند فرويد (1856-1939) حياته وسياقها الغربي واليهودي الفكري 
Sigmund Freud: His Biography and His Intllectual Western and Jewish Context 
مفكر من أعضاء الجماعة اليهودية في النمسا ومؤسس مدرسة التحليل النفسي، ويُعَدُّ من أهم المفكرين الغربيين، إن لم يكن أهمهم طُراً، لا يضارعه في مكانته (في رأي البعض) سوى كارل ماركس. وكما قال جاك لاكان إن ماركس وفرويد فسَّرا أهم عمليتين في المجتمع الإنساني، وهما الإنتاج والتكاثر (بالإنجليزية: برودكشن آند ربرودكشن production and reproduction) (الإنسان الاقتصادي الذي تحركه وسائل الإنتاج، والإنسان الجسماني الذي يحركه اللبيدو). 
وقد أثّر التحليل النفسي في معظم المدارس والاتجاهات الفكرية الغربية الحديث، حتى أن كثيراً من أفكار فرويد أصبحت بُعداً أساسياً في الخطاب الحضاري الغربي الحديثة. ولعل النسق الفرويدي من أهم الأنساق المعرفية التي وضعت أساس النسبية الأخلاقية التي أصبحت سمة أساسية في رؤية الإنسان الغربي للكون. وقد اكتسب فرويد مزيداً من الأهمية والمركزية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي (والمنظومة الماركسية) ومع شيوع فكر ما بعد الحداثة والتمركز حول الأنثى والاهتمام المتزايد بالجسد والجنس والإنسان الجسماني في الحضارة الغربية الحديثة. 
ارتبطت حركة التحليل النفسي ارتباطاً وثيقاً بالسيرة الذاتية لمؤسسها. وُلد فرويد في مدينة فرايبورج بمورافيا (الآن في التشيك)، وهي مدينة صغيرة في الإمبراطورية النمساوية/المجرية (متعددة الجنسيات والحضارات). وقد سُمِّي فرويد باسمين: اسم بولندي، «سيجسموند»؛ واسم عبري، «شلومو»، أي سليمان (تماماً مثل هرتزل الذي كان يُسمَّى «تيودور» و«بنيامين»). 
كان أبو فرويد يعمل بتجارة الصوف ولم يحالفه النجاح في تجارته فاضطر للانتقال إلى لايبزيج ثم إلى فيينا بحثاً عن الحراك الاجتماعي (كان فرويد يبلغ من العمر أربع سنوات حينما استقرت الأسرة في فيينا وبقي فيها بقية حياته). وكانت خلفية أبويه حسيدية، وأمه على وجه الخصوص جاءت من برودي (في جاليشيا) أحـد أهـم المعـاقل الحسـدية، وكان جـدها الأكبر تسـاديك حسيدي. وكان أبوها أحـد تلاميذ الواعظ أدولف جلينيك (1820 ـ 1893) القبَّالي الشهير، والذي كان يُلقي محاضراته في فيينا. ورغم هـذه الخلفـية الحسـيدية الأرثوذكسـية تزوج الأبـوان على يـد حاخـام إصـلاحي، فالأب كان قد فقد إيمانه الديني بعد أن هبت عليه رياح الاسـتنارة وأصـبح يؤمن إيمـاناً مطلقـاً بالعلم والعـقل (المـادي). 
كان أبو فرويد يكبر أمه بحوالي عشرين عاماً، وكان يتسم بالجمود والديكتاتورية (ولذا كان لا يذكره بالخير)، على عكس الأم التي وصفها فرويد بأنها كانت حنونة، وكان ينسب لها كل الصفات الحميدة. ويبدو أنه كان مستحوذاً على حب أمه إلى أن وُلد أخوه جوليوس فأحس فرويد نحوه بالكره العميق، ولكن حينما مات الأخ فجأة شعر فرويد بالذنب. وذكر فرويد أنه رأى أمه عارية فأثارته جنسياً، كما دخل مرة وهو في سن السابعة وتبول في غرفة نوم والديه. ويبدو أن علاقته بمربيته الكاثوليكية كانت تتسم بقدر كبير من الإبهام إذ كان يحبها ويكرهها في آن واحد، وكثيراً ما كانت تصحبه إلى الكنيسة. ويبدو أن الأبوين اهتما بفرويد على حساب إخوته بسبب نبوغه الملحوظ، ولذا كانت غرفته الغرفة الوحيدة المزودة بمصباح كيروسين (على عكس الغرف الأخرى المزودة بشموع). كما مُنع إخوته الآخرون من أن يتعلموا الموسيقى حتى لا يزعجوا أخاهم أثناء التدريب. 
لم يذهب فرويد إلى المدرسة إلا بعد أن ناهز العاشرة من عمره فتعلم القراءة والكتابة والحساب في البيت. وبرع في عدد من اللغات منها اللاتينية واليونانية والإنجليزية، كما تعلم العبرية (وإن كان قد أنكر هذه الحقيقة فيما بعد)، ودرس التوراة والعقيدة اليهودية في سن مبكرة. 
وفي عام 1873 التحق فرويد بجامعة فيينا حيث درس الطب، ولم يكن متحمساً لدراسته بيد أنه قضى جل هذه الفترة داخل معمل الفسيولوجيا، وكان أستاذه بروكه (مدير معهد الفسيولوجيا بالجامعة) من زعماء مدرسة هلمهولتز الطبية ذات المنحى المادي المتطرف. وركز فرويد في دراساته على العلوم الأساسية كالتشريح وعلم وظائف الأعضاء. بدأ فرويد عام 1873 أول سلسلة من أبحاثه العلمية الأصيلة حيث قام بدراسة الغدد التناسلية الذكرية لثعبان الماء، وقام بإجراء دراسات أخرى في مجال الأعصاب. كما أجرى بعض التجارب عن الكوكايين وكان هو نفسه يتعاطاه ويقدمه لخطيبته وأصدقائه، ووجد أنه يشفي من الاكتئاب ويساعد على التغلب على عُسر الهضم. 
ونشر عام 1884 ورقة بعنوان « حول الكوكا » تحدث فيها عن خواص الكوكايين التخديرية وربط بين استخداماته العلاجية وبين الممارسات الدينية لمواطني أمريكا الجنوبية وكان فرويد يتصور أنه اكتشف عقاراً سحرياً يشفي كل شيء وأنه من ثم سيتمكن من خلاله أن يحقق لنفسه الشهرة التي كان يبحث عنها. ولكن حينما عرفت المؤسسة الطبية بأمر تجاربه،وُجّه إليه نقد شديد لاستخدامه الكوكايين خارج نطاق العمليات الجراحية. فكر فرويد في أن يستمر في أبحاثه داخل إطار الجامعة وأن يحصل على وظيفة أكاديمية، ولكنه اضطر إلى التخلي عن مشروعه بسبب فقره وعدم استطاعته تحمل الأعباء المالية للبحث الأكاديمي في انتظار الأستاذية. 
وقد تفاقم الأمر إذ التقى بخطيبته مارثا بيرنايز وتفاهما على الزواج الأمر الذي كان سيكلفه الكثير. (ومع هذا يذهب البعض إلى أن معاداة اليهود المتفشية في الأوساط الأكاديمية النمساوية في هذا الوقت هي التي دفعته إلى قبول نصيحة أستاذه بروكه بأن يترك العمل الأكاديمي ويتجه إلى ممارسة الطب). ولم يكن القرار الذي اتخذه فرويد سهلاً إذ وجد نفسه يستبدل العلم التطبيقي بالعلم البحثي. ومع هذا اهتم أثناء فترة تدريبه في المستشفى بموضوعات مثل الجهاز العصبي والشلل ومرض عدم النطق (التي نشر عنها بحثاً عام 1891). 
وكجزء من تدريبه سافر فرويد إلى فرنسا عام 1885، حيث اتصل بعدد من الأطباء الفرنسيين المتخصصين في الأمراض النفسية وعلى رأسهم شاركو وبيير جانيه، وكانـوا في علاجهم الأمراض العقليـة يسـتعملون التنـويم المغناطيسي (ولنُلاحظ النمط المتكرر: المخدرات والعلاج النفسي ـ التنويم المغناطيسي والعلاج النفسي ـ وأخيراً العلاج النفسي من خلال دراسة اللاوعي). فاهتم فرويد بهذه الطريقة واكتشف أن من الممكن، في أحوال كثيرة، جعل المريض يتذكر حوادث ومشاعر يبدو أنها كانت سبباً في إحداث أعراض مَرَضية عصبية أو نفسية. فاستنتج من هذا أن استعادة مثل هذه الذكريات وما صاحبها من تجارب انفعالية تفيد في علاج المريض، لأنه وجد أن أعراض المرض غالباً ما كانت تختفي متى كان التذكر ممكناً. وقد عرف من شاركو فكرة الارتباط بين المرض النفسي والجنس.
وبعد عودة فرويد إلى فيينا عام 1886 توثقت علاقته مع جوزيف بروير الذي كان قد أجرى بعض المحاولات لعلاج المرضى المصابين بالهستريا. وقد سعى فرويد بالتعاون مع بروير إلى إكمال هذه الطريقة لكن تبيَّن لهما أن التنويم المغناطيسي لا يُفيد إلا في مساعدة المريض على التذكر واستعادة التجارب التي أدَّت إلى المرض. وبمزيد من التجارب تبيَّن لبروير أن بالإمكان الاستعاضة عن التنويم المغناطيسي بما سماه أحد مرضاه «العلاج بالمحادثة»، وذلك بأن يتحادث مع المريض في موضوعات انفعالية دون الاستعانة بالتنويم المغناطيسي.
ولنا أن نُلاحظ أن علاقة الطبيب الذي يستخدم التنويم المغناطيسي مع مرضاه لا تختلف كثيراً عن علاقة المحلل النفسي بمرضاه، فكلٌ من المنوم المغناطيسي والمحلل يأخذ دور الإرادة الأعلى، فهو السوبرمان، والمريض السبمان لا يمكنه أن يَشفَى إلا بأن يتخلى عما بقي لديه من إرادة، ويذعن لإرادة المنوم المتأله تماماً، ويفضي بما داخله فيتطهر، وعملية التطهر، في حالة المحـلل النفـسي، تتم من خلال التفسير. بحيث يدرك المريض نفسه من خلال تفسير طبيبه النفسي. 
وشهد عام 1895 صدور كتاب بروير وفرويد دراسات عن الهستريا الذي تكمن فيه البذرة الأولى التي نبتت منها فيما بعد نظرية التحليل النفسي في عقل فرويد. (ويذهب البعض إلى أن عام 1895 هو تاريخ ميلاد التحليل النفسي). وقد عرض المؤلفان في المقدمة المشتركة التي كتباها الخطوط العامة لنظريتهما التي ركزت على دلالة الانفعالات وأهمية التمييز بين الأحداث العقلية الشعورية واللا شعورية. وكان المؤلفان يتحركان في إطار كمي إذ أكدا أن «الطاقة النفسية» كمية ثابتة لابد أن تجد لنفسها مُتنفَّساً طبيعياً فإن لم تجده عبَّرت عن نفسها بطريقة غير سوية. ومن ثم يكون منهج العلاج النفسي عن طريق التنفيس هو البحث عن هذا المسار السوي وتفريغ العواطف من خلاله. 
لكن بروير وجد المناقشات مع المرضى حول التفاصيل الشخصية والجنسية لحالتهم أمراً محيراً وغير واضح. على عكس فرويد الذي وجد في أقوال مرضاه وردود أفعالهم مفاتيح يمكن استخدامها في العلاج. وقد أدَّى عدم اقتناع بروير بما يقوله فرويد عن الدور الحاسم للجنس في المرض النفسي إلى قطيعة بين الاثنين عام 1896 (وهذا نمط سنلاحظه في حياة فرويد: إصراره العقائدي على الواحدية الجنسية كنموذج تفسيري، ورفض كل اعتراض على هذه الواحدية، مثل موقفه مع يونج وأدلر فيما بعد، اللذين شككا في هذه الواحدية التفسيرية). 
وشهد عام 1900 إنجاز فرويد كتابه الأم تفسير الأحلام ويمثل هذا الكتاب نقطة تحول درامية مهمة في حياته إذ يطرح فيه أول ملامح نظريته النفسية،ويتحدث عن بناء الجهاز النفسي وتقسيمه إلى مناطق سماها الشعور واللاشعور، وعن نظريته في الكبت. ويذخر الكتاب بأحـلام فرويد وأحـلام غيره محللـة بطريقته التي أسماها «التداعي الطليق»، كما قدَّم في هذا الكتاب مفهوم مُركَّب أوديب. 
وشهد عام 1904 صدور كتاب علم أمراض النفس في الحياة اليومية، كما صدر في العام الذي يليه كتاب النكتة وعلاقتها باللا شعور. وبيَّن فرويد في هذين الكتابين أن الحيل التي وجدها في العصاب والأحلام تعمل أيضاً في كثير من زلات القلم أو اللسان أو اليد أو الذاكرة التي تصادفها في الحياة اليومية والتي تُعزَى عموماً إلى «الصدفة» أو التداعي الخاطئ أو إلى بعض العوامل العامة كالتعب. والأمر نفسه يسري على القفشات والنكت والفكاهات. 
وفي عام 1905 صدر كتاب ثلاث مقالات في النظرية الجنسية (الذي يُعدُّ أهم أعماله) حيث يطرح ملامح نظريته النفسية بشكل أوَّلي، ويتحدث عن الثنائية الجنسية والجنسية الطفلية ومراحل تطور النفس البشرية (المرحلة الفمية ـ المرحلة الشرجية ـ المرحلة القضيبية ـ فترة الكمون). 
ومما يجدر ذكره أن فرويد على المستوى الشخصي كان ينظر للجنس نظرة سلبية. وكان يحذر دائماً من خطر الجنس ويرى أن الناس يجب عليهم أن يتجاوزوا « هذه الحاجة الحيوانية المشتركة »، فالفعل الجنسي ـ في تصوره ـ منحط، ويلوث العقل والجسد. ومنذ عام 1897 حينما كان يبلغ من العمر 41 عاماً كتب يقول إنه أقلع هو شخصياً عن ممارسة الجنس. وفي عام 1902 بدأ فرويد حلقة النقاش الأسبوعية التي كانت تحضرها مجموعة خلصائه ومنهم يونج وأدلر ورانك وجونز وأبراهام وإيتنجتون ورايك وفيتلز وفرنزي وغيرهم. 
وفي عام 1909زارفرويد الولايات المتحدة وازدادت شهرته الدولية وألقى سلسلة محاضرات كلارك الشرفية، التي صدرت في كتاب محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي الذي يبسط فيه رؤيته العامة للتحليل النفسي وفكرة الأنا والأنا الأعلى والهو. وفي عام 1911 أُسِّست الجمعية الدولية للتحليل النفسي وانتُخب يونج رئيساً لها بدعم من فرويد. ولكنها شهدت عام 1914 انشقاق أدلر ويونج، فقد اهتم أدلر بدور العدوان، غاضاً من شأن الناحية الجنسية واهتم بدور الأنا مغفلاً اللاشعور وركز على الجانب الجماعي والاجتماعي، أما يونج فقد عارض اللاشعور الفردي باللاشعور الجمعي وعارض التفسير الجنسي لمُركَّب أوديب بتفسير رمزي لها. 
وشهد عام 1913 نشر كتاب الطوطم والتابو وهو أول كتاب يخرج بالتحليل النفسي من إطار الممارسة العيادية إلى فضاء الفلسفة الكونية والرؤية الحضارية. ويفترض فرويد في الكتاب أن أصل فكرة الطوطم هو الأب القوي الذي اتحد ضده الأبناء وقتلوه وأكلوا لحمه نيئاً في محاولة للتوحد معه، وأن الحيوان الطوطمي بديل الأب المقتول. ويؤكد الكتاب فكرة العلاقة بين بناء الأسطورة وبناء المرض النفسي. 
وفي عام 1914 نشر فرويد بحثاً في مجلة إيماجو (مجلة الجمعية الدولية للتحليل النفسي) حول تمثال موسى لمايكل أنجلو ونُشر البحث بدون اسم، وهو محاولة لتفسير تمثال مايكل أنجلو من منظور التحليل النفسي. ونشر عام 1915 بحثاً متخصصاً بعنوان الحب الطرحي وكتاباً بعنوان مستقبل وهم الذي يحارب فيه فكرة الدين ويُبيِّن أن التحليل النفسي آخر ضربة يوجهها العلم للدين باعتباره وهماً تعويضياً للبشر.
وشهد عام 1918 (أي في أعقاب الحرب العالمية الأولى) كتاب الحضارة ومنغصاتها وهو كتاب متشائم ملئ بالكآبة يرى أن الحرب حتمية وضرورة نفسية. وقد صيغت تعديلات رئيسية في النظرية الفرويدية ابتداءً من عام 1920، وتقابل النظرية الفرويدية الجديدة في الغرائز بين غرائز الحياة (إيروس) وغرائز الموت والعدوان (ثناتوس). (بينما كان التقسيم السابق يضع الأنا مقابل اللبيدو أو الهو). وفي كتاب ما وراء مبدأ اللذة (1920) استند فرويد إلى ما أسماه إجبار التكرار وإلى اعتبارات بيولوجية في القول بوجود نزعة بدائية للتدمير الذاتي. وفي عام 1934 بدأ فرويد يكتب كتاب موسى والتوحيد (الذي لم يُنشَر إلا عام 1939 قبل موته ببضعة أشهر). وبعد ظهور النازية اضطر فرويد لمغادرة النمسا إلى لندن حيث وافته المنية يوم 21 سبتمبر 1939. قد يكون من الضروري أن نضع فرويد في سياقه الحضاري (الاجتماعي ـ الاقتصادي ـ الفلسفي ـ السياسي) العام حتى نفهم نظريته وندرك أبعادهـا. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية    الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Emptyالأربعاء 11 ديسمبر 2013, 11:09 pm

وهـذا أمر مهم بالنسـبة لأية نظرية أو نتـاج فكري، ولكن الأمر بالنسبة لفرويد أكثر إلحاحاً لعدة أسباب: 
1 ـ يرتبط التحليل النفسي بفرويد ارتباطاً قوياً، الأمر الذي أدَّى بالكثيرين إلى افتراض يجعل حياة فرويد الشخصية السياق الوحيد للتحليل النفسي. 
2 ـ كان فرويد يربط أحياناً بين التحليل النفسي وانتمائه اليهودي. 
3 ـ يتلبس التحليل النفسي بلباس الموضوعية والعالمية وكأنه يقترب في دقته وحياده من العلوم الطبيعية المتجردة من الزمان والمكان، الأمر الذي يجعل كثيراً من الباحثين يغفلون عن الأبعاد الحضارية الغربية للتحليل النفسي. 
4 ـ يستخدم التحليل النفسي مجموعة من الرموز والمصطلحات (مُركَّب أوديب ـ الأنا ـ الهو ـ اللاشعور ـ النرجسية ـ المرحلة الشرجية) التي تضفي هالة من العالمية على التحليل النفسي، وكأنه ليس ذا سياق حضاري محدد. 
والسياق الحضاري لنظريات التحليل النفسي هو الحضارة الغربية الحديثة في العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر، التي هيمنت عليها العلمانية الشاملة (وحدة الوجود المادية) باعتبارها رؤية للكون. وقد تفرَّعت عنها أيديولوجيات وظواهر أخرى مثل الإمبريالية والعنصرية والصهيونية، وهي جميعاً تنويعات على الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية الشاملة. ونحن نَصف العلمانية الشاملة بأنها رؤية حلولية كمونية واحدية مادية ترى أن مركز العالم كامن فيه، وأن كل ما يلزم لتفسيره يوجد بداخله، وهو ما يعني أن العالم إن هو إلا مادة قابلة للحوسلة، وأن كل الظواهر، وضمنها الإنسان، تُفسَّر في إطار قوانين الحركة المادية، أي أن الإنسان يتم تفكيكه ثم رده إلى عنصر مادي واحد أو إلى بضعة عناصر مادية، فهو كائن طبيعي/مادي غير قادر على تجاوز قوانين الطبيعة/ المادة. 
العالم الطبيعي/المادي إذن هو نقطة البداية والنهاية في الحلولية الواحدية المادية، أي العلمانية الشاملة. ويبدأ النموذج الحلولي عادةً بإعلان أن الإنسان مركز الكون، وموضع الحلول والكمون. ولكنه سرعان ما يبتلعه الكون ليصبح مجرد جزء لا يتجزأ منه، تحركه القوى الطبيعية المادية ويذعن لقوانينها تماماً، فلا حول له ولا قوة ولا إرادة. ولذا نجد أن نظريات القرن التاسع عشر كانت تحاول قدر طاقتها أن تكتشف القانون العام الذي يحكم كل الظواهر الطبيعية المادية وأن تصل إلى النموذج القابل للتكرار بكل دقة وانتظام. وقد وصل هذا الاتجاه إلى ذروته في محاولة أينشتاين العقيمة الوصول إلى القانون الموحَّد الذي يربط جميع مجالات الطبيعة. 
وقد انطلقت مدرسة هلمهولتز (التي ينتمي إليها إرنست بروكه الذي ترك في نفس فرويد أثراً عميقاً لا يضارعه ما تركه غيره من الناس في نفسه طوال حياته كلها) من هذه الحلولية المادية الصارمة التي لا تعرف أية ثغرات أو انقطاعات. وقد لخص ديبو ريموند، أحد أعضاء هذه المدرسة، مبادئها في الكلمات التالية: « لا يوجد في جسم الإنسان من أنواع الطاقة الفعالة سوى الطاقات الفيزيائية والكيمائية العادية. ففي الحالات التي لا يمكن تفسيرها حالياً بهذه الطاقات علينا إما أن نكتشف الطريقة الخاصة لفعلها بواسطة المنهج الفيزيائي الرياضي أو أن نفترض وجود قوى جديدة مماثلة في مرتبتها للقوى الكيمائية الفيزيائية المطبوعة في المادة، يمكن ردها إلى قوة الجذب والطرد »، أي أن الإنسان إن هو إلا جسد مادي محض، تحركه قوانين الحركة. 
وقد ارتبط بهذا الاتجاه المادي الصارم اتجاهاً تطورياً، فقد كان أتباع مدرسة هلمهولتز يذهبون إلى أن أية وحدة في عالم الكائنات، حيواناً كانت أو إنساناً، هو عضو في أسرة واحدة اختلفت مظاهرها بحكم عملية التطور، وهو تطور طبيعي مادي ولذا « لا توجد أرواح أو جواهر أو صور كاملة، ولا توجد خطط عليا أو أغراض نهائية تؤثِّر في هـذا العالم. والطـاقات الطبيعية هي وحدها العلل فيما نشهد من معلومات ». 
كل هذا يعني في واقع الأمر رفض كل ما ليس مادياً رفضاً كاملاً، بالمعنى الصارم والمباشر للكلمة، كما يعني رفض محاولات العقل البشري تجاوز عالم الطبيعة/المادة أو أنسنته عن طريق إسقاط المشاعر الإنسانية عليه. وهكذا يَضمُر الإنساني ويذوي ثم يختفي وتصبح المرجعية الوحيدة هي الطبيعة/المادة، وهي مرجعية كمونية مادية تجعل القوى المادية الكامنة في الطبيعة المحرك الوحيد للتاريخ، وتجعل الصراع من أجل البقاء المادي جوهر الحياة، وتجعل القيم الإنسانية والأخلاقية مجرد مُعوِّقات في طريق التطور الطبيعي/ المادي. 
في هذا الإطار الطبيعي/المادي تظهر نظرية المنفعة (واللذة) التي تجعل الهدف النهائي، وربما الوحيد، للحياة تحقيق اللذة، كما يظهر مفهوم الحتمية المادية، حجر الأساس بالنسبة للعديد من نظريات وأيديولوجيات القرن التاسع عشر. لكن الحتمية المادية الصارمة تعني في واقع الأمر ظهور الإنسان أحادي البُعد الذي يُحركه عنصر واحد أو عنصران ماديان مثل العنصر الاقتصادي أو العنصر الجنسي. فظهر علم النفس الترابطي الآلي الذي يُفسِّر الإنسان في كليته باعتباره كائناً بسيطاً يدخل بقضه وقضيضه في شبكة السببية المادية الصلبة (وفيما بعد ظهر بافلوف والمدرسـة السـلوكية تعـبيراً عن هذا الاتجاه الاختزالي نفـسه).
ولكن هذه الهيمنة الكاملة للعقلانية المادية تعني في واقع الأمر ظهور اللاعقلانية المادية، فضمور الإنسان باعتباره كائناً حراً مسئولاً عن أفعاله، مستقلاً عن الطبيعة، يعني في واقع الأمر أن العقل الإنساني عديم الجدوى وكذلك القيم الإنسانية والفعل الإنساني، وهذا يعني حتمية ظهور نموذج آخر يملأ هذا الفراغ. وبالفعل شهدت أوربا تدريجياً ظهور فكرة اللاشعور وبدأ الاهتمام بالتنويم المغناطيسي (ومما يجدر ذكره أن الاهتمام بالسحر والتنجيم أخذ هو الآخر في التزايد، ومما هو معروف أن كثيراً من رواد حركة الحداثة في الفن كانوا يترددون على مدام بلاتافسكي العرّافة). وقد شاعت فلسفة شوبنهاور (التصوفية الحلولية) وفلسفة نيتشه التي تمجد الفرد والإرادة، وفلسفات القوة التي تمجد السوبرمان الإمبريالي، وتدعو ضمناً السبمان، أحادي البُعد، إلى أن يذعن للقوانين الطبيعية وقوانين الواقع، وهو ما كرسته كثير من الفلسفات المادية الواقعية مثل البرجماتية. 
وقد ظهرت مجموعة من المفكرين العلمانيين ممن أدركوا الجوانب المظلمة للاستنارة والجوانب التفكيكية للمشروع التحديثي في الإطار المادي، وممن أيقنوا أن عملية التقدم التراكمية قد اكتسبت حركية مستقلة ولم يَعُد الإنسان يتحكم فيها. وقد عبَّر هذا عن نفسه في موضوع « مأساة الحضارة » الذي عبَّر عنه ماكس فيبر أحسن تعبير، فقد كان يرى أن عبقرية الحضارة الغربية تكمن في اتجاهها نحو الترشيد، ولكنه اكتشف أيضاً أن تزايد معدلات الترشيد تنتهي إلى الترشيد الإجرائي المنفصل عن القيمة وعن الإنسان، والذي ينتهي بأن يُودَع الإنسان في القفص الحديدي التكنوقراطي البيروقراطي، فكأن التراكم الحضاري يؤدي إلى الضمور الإنساني. وهذه النزعة التشاؤمية لم تكن مقصـورة على فيبر، بل نجدها في كتابات زيميل وكارلايل وغيرهما، وتم التعبير عنها في مفاهيم مثل التشيؤ والتسلّع والعقلانية التكنولوجية. وإشكالية مأساة الحضارة هي تعبير عن إدراك بعض المفكرين الغربيين قضية تَداخُل العقلانية المادية واللاعقلانية المادية. 
وتتضح المادية (بشكلها العقلاني واللاعقلاني) في ظهور النسبية الأخلاقية واختفاء فكرة الإنسان الحر المسئول أخلاقياً، القادر على تجاوز ذاته وتجاوز بيئته. فالجريمة أثر سلبي من آثار البيئة، أو مجرد اضطراب نفسي ناجم عن اضطراب عضوي أو قوى نفسية معيَّنة لا يستطيع الإنسان التحكم فيها. وقد عبَّرت هذه النسبية الأخلاقية عن نفسها في الأخلاقيات السائدة في مدينة فيينا (المدينة التي وُلدت فيها حركة الحداثة الأدبية والفنية) فساد جو من الإباحية وظهرت عدة دراسات تنطلق من الجنس باعتباره المحرك الأول وعن دور الجنس عند الأطفال وأثر الكبت على الصحة العقلية والجنسية. وترددت كلمات مثل «اللبيدو» و«كاثارسيس (تَطهُّر)». 
ومما يجدر ذكره أن الجماعة اليهودية التي كان فرويد ينتمي إليها كانت تتسم بقدر عال من التحلل الخُلقي والاجتماعي. فيهود فيينا كانوا أساساً من يهود اليديشية الذين دخلوا مرحلة الانحلال الاجتماعي والثقافي بعد تَعرُّضهم لعمليات العلمنة الشرسة والجذرية التي قامت بها الحكومات المطلقة (في روسيا وألمانيا والإمبراطورية النمساوية/المجرية) وبعد دخول اليهودية الحاخامية مرحلة الأزمة، وبعد هيمنة المنظومة القبَّالية الحلولية، فتحولوا من جماعة متماسكة إثنياً ودينياً إلى جماعة مُفكَّكة. فكانت عند يهود المجر واحدة من أعلى نسب الأطفال غير الشرعيين، أما الجماعة اليهودية في جاليشيا (التي أتى منها والدا فرويد) فكانت تُعدُّ من أكبر مصادر البغايا في العالم كما سادت فيها أكبر نسبة تكاثر بين اليهود (ولذا كان يُقال لها باللاتينية «فاجينا جودايوروم» أي «فرج اليهود»). فالسياق اليهودي لم يكن يختلف كثيراً عن السياق الغربي العلماني الشامل. 
وفرويد هو ابن عصره، فرؤيته للكون حلولية واحدية مادية، علمانية شاملة، تدور حول فكرة الإنسان الطبيعي/المادي في جانبيه العقلاني واللاعقلاني، وقد تأثر بداروين ومدرسة هلهمولتز ورؤية جوته الحلولية للطبيعة. قال جوته في مقال عن الطبيعة: "أيتها الطبيعة أستحلفك مرات ومرات أن تقدمي لنا الإجابة عن كل أسرارك". 
فالسر ليس سراً وإنما هو ظاهرة طبيعية/مادية ويمكن اكتشافه، وحينئذ يصبح قانوناً عاماً (كان فرويد يتصور أن علم الأعصاب سيكتشف الأساس الفسيولوجي لتصوره للنفس البشرية)، فالإنسان كائن طبيعي/مادي، تخضع حركاته وسكناته لقوانين الطبيعة. ومن ثم فالسلوك الإنساني ليس عشوائياً، بل إن الظواهر النفسية، سواء كانت أعراض مرض أو سـقطات ذاكرة أو عثرات لسـان، قد تبدو كأنها لا معـنى لها وغير مفهومة، يسودها الاعتباط والتفكك أو الصدفة، ولكنها في واقع الأمر ظواهر لها معنى يمكن اكتشافه، فهي نتيجة منطقية للأسباب التي ارتبطت بها وأدَّت إليها. لذا فالسلوك الإنساني يتبع نمطاً محدداً له معنى كامن يمكن اكتشافه ودراسته بشكل علمي منهجي، تماماً كما تُدرَس الكائنات الأخرى مثل الحيوان. 
ومن هنا حديث فرويد عن «الجهاز النفسي» وكأن نفس الإنسان لا تختلف عن الجهاز التنفسي والهضمي والتناسلي. واستخدام مثل هذا المصطلح ينم عن رغبة فرويد الشديدة في تحقيق هدفه الأسمى ألا وهو الوصول بالتحليل النفسي إلى حالة العلم العام أو العلم الحقيقي (كما كان يقول). وقد كان يعتبر حالات تفسير الأحلام كعملية جمع المادة العلمية. ورغم أن التجربة المضبوطة مستحيلة في حالته إلا أنه كان يتصور أنه يستعيض عنها بقدرة المحلل على التقدير والتخمين. وقد حاول فرويد كذلك أن يجد الأصل العضوي (أي الأساس العلمي المادي الواقعي) لهذا الجهاز النفسي. بل إنه في عمل مثل ما فوق مبدأ اللذة حاول أن يجد الأصل الإمبريولوجي التشريحي لانفصال الأنا عن الهو. 
وهذه جميعاً محاولات لإخضاع الإنسان للقانون الطبيعي/المادي وإدخاله شبكة السببية المادية الصلبة بحيث يمكن تفسيره في كل أبعاده من خلال عنصر واحد أو عنصرين، فهو إنسان أحادي البُعد خاضع للحتميات المادية، لا يملك من أمر نفسه شيئاً. عند هذه النقطة تتحول عقلانية فرويد المادية إلى لا عقلانية مادية إذ تصبح عقلانية الإجراءات ولا عقلانية الرؤية (وهذه سمة عامة في الحضارة الغربية الحديثة لاحظها ماكس فيبر وغيره من المفكرين الغربيين). 
فإنسان فرويد الطبيعي يشبه من بعض النواحي إنسان آدم سـميث (وماركـس) الاقتـصادي، فكلاهما تحركه العناصر المادية الواحدية، وكلاهما خاضع لحتميات السوق أو الجسد، وكلاهما لا تحركه رغبة اجتماعية في التواصل أو رغبة إنسانية في التراحم. ورغم نقاط التماثل الواضحة هذه، إلا أنه ثمة نقطة اختلاف أساسية، فالإنسان الاقتصادي يتحرك في فضاء حضاري، فهو على الأقل يتحرك في السوق يجيد فهم آليات البيع والشراء. 
أما إنسان فرويد الجسماني فهو يتحرك في فضاء لا تاريخي لا إنساني، فركيزة النسق الفرويدي الأساسية، اللوجوس الحقيقي والنهائي، هو الإيروس (بل إنه هو التيلوس أيضاً فهو الأساس والمحرك والهدف). ويحاول فرويد أحياناً أن يوسِّع نطاق الدوال «جنس» و«لذة» و«لبيدو» و«إيروس» ليشمل كل مجالات الحياة (الحب ـ العمل... إلخ)، (تماماً كما يفعل بعض الماركسيين مع الدال «اقتصاد» أو «علاقات الإنتاج»). ولكن الجنس الرابض داخل الإنسان وما يرتبط به من نتائج (مثل مركَّب أوديب - مراحل تطور الشخصية البشرية) يظل الركيزة الأساسية في نهاية الأمر والمطاف. 
بل إن فرويد عمَّق البُعد اللاتاريخي واللااجتماعي في نظريته حينما عدَّل رؤيته، فبعد أن كان هناك صراع بين الأنا (ذات البُعد الاجتماعي) واللبيدو، أصبحت المسألة هي الصراع بين الإيروس والثاناتوس، وكلاهما يوجد في عالم القوى اللاتاريخية. وعلى كل فهذا الانتقال من الدافع الاقتصادي إلى الدافع الجنسي هو تعبير عن تزايُد معدلات الحلولية والكمونية. فالإنسان الاقتصادي يبحث عن مراكمة الثروة وتحركه وسائل الإنتاج وآليات السوق، أي أن ما يحركه شيء خارجه، وبالتالي فتمركزه حول ذاته ليس كاملاً إذ لا يزال يوجد عالم موضوعي خارجه. 
أما الإنسان الجسماني فما يحركه هو اللبيدو، أي شيء كامن تماماً داخلـه، لا يتفـاعل إلا في حدود الحد الأدنى مع المجتمع والحضارة، التي تشكل مجرد عوائق لتَحقُّق اللبيدو. (وظهور الجسد ثم الجنس باعتبارهما الصور المجازية الأساسية، حيث يُردُّ العالم أولاً للجسد ثم للجنس وفي نهاية الأمر للحظة القذف نفسها التي تصبح لحظة الخلق والتكوين وتأله الإنسان وذوبان الذات في الموضوع الكوني وغياب الوعي، هو إحدى سمات النظم الحلولية منذ بداية التاريخ).
ولكن التمركز حول الذات يؤدي إلى التمركز حول الموضوع، فمبدأ اللذة ـ حسب تصور فرويد ـ مبدأ كمي، إذ يذهب إلى أن ثمة كماً محدوداً من الطاقة داخل كل فرد (وداخل كل حضارة) إن لم يُستخدَم في مجال ما فإنه يُنقَل إلى مجال آخر، وإن لم يُشبَع بطريقة سوية، فإنه سيجد مسارات أخرى له. ومبدأ اللذة يدفع الإنسان دفعاً لإشباع رغباته الحسية وتحصيل أكبر قدر ممكن من اللذة وأقل قدر من الألم. وكلمتا «رغبة» و «إشباع» قد توحيان بوجود إرادة إنسانية، ولكن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك. 
فالإنسان كائن سلبي، آلة يسوقها اللبيدو واللاوعي، كائن ملحق بأعضائه الجنسية (على حد قول كارل كاوتسكي) يتلقى المدخلات التي تأتيه من الجسد ومن الواقع. وكل ما يفعله الجهاز النفسي هو أن ينظم نفسه بنفسه لتقليل التوتر الناجم عن تناقض الدوافع الغريزية بعضها مع بعض وبينها وبين الواقع. وهذه الطاقة قوة لم « تتحرر » من الإرادة والوعي الفرديين وحسب ولا من العقل والقيم الأخلاقية والقيمة (كما هو الحال مع الرشد المادي الاقتصادي) وإنما تعاديهم، بل وتشن عليهم هجوماً شرساً لا هوادة فيه. 
وإذا كان الإنسان الاقتصادي يسقط في الحتميات الاقتصادية، فهي على الأقل حتميات مفهومة غير مرتبطة بعالم خارج الإنسان وتتبع نموذجاً رياضياً يمكن التنبؤ به، أما إنسان فرويد الجسماني فيسقط في حتميات الجنس المظلمة الكامنة في ذاته ولكنها لا يمكن سبُر غورها أو فهمها. إن الإنسان، حسب الرؤية الفرويدية، كائن غير اجتماعي متمركز حول ذاته تماماً، ولكن الذات التي تمركز حولها يتحكم فيها اللاشعور ويسيِّرها، فهو كائن لا إرادة له، هو سبمان، دون الإنسان، يذعن تماماً لقوانين الطبيعة/المادة الكامنة فيه. وكما يقول فرويد: « إن حياتنا مُسيَّرة التزاماً بقوى مجهولة لا سبيل إلى التحكم فيها ». 
ولكن إلى جوار هذه الجمـلة الإخبـارية المظلمـة يضـيف فرويـد ما يلـي: « وهكذا فإن الأنا الواعية [التي تنطوي على الضمير والوعي والإرادة] في علاقتها بالهو [اللاشعور واللبيدو] تشبه رجلاً ممتطياً جواداً عليه أن يكبح جماحه ». والصورة المجازية التي يستخدمها فرويد تحتوي على قدر كبير من الإبهام غير موجود في الجملة الإخبارية. 
فبعد أن يتحدث عن قوى مجهولة تُسيِّر الإنسان، نجده يشير إلى الهو باعتبارها حيواناً جامحاً، والأنا باعتبارها الإنسان القادر على التجاوز وعلى التحكم بدرجات متفاوتة في الحيوان. والصورة تجعلنا نتعاطف مع الإنسان، فهو إنسان بمقدار استطاعته أن يكبح جماح الحيوان وبمقدار احتفاظـه بتوازنه. كما أن الصـورة لا تنطوي على فشل المحاولة الحتمي، فإمكانية النجاح إمكانية حقيقية مطروحة. هذا الإبهام الذي يَسم الصورة المجازية ويغيب في الجملة الإخبارية يعبِّر عن تَناقُض عميق داخل فرويد سنجده يتصاعد بحدة في أعماله الأخيرة. 
وإلى جانب السبمان الذي تتحكم فيه القوى المظلمة الجامحة هناك دائماً السوبرمان، هذا الكائن الإمبريالي، والذي يأخذ أشكالاً متعددة في المنظومة الفرويدية لعل أهمها المفسر القادر على فك الشفرات وفهم الأسرار. (ولعل اهتمام فرويد بالكوكايين والتنويم المغناطيسي ثم باللاوعي ودوره تعبير عن هذا العقل الإمبريالي الذي يحاول حوسلة العالم بأسره). 
ورؤية فرويد للإنسان، شأنها شأن أية رؤية مادية، رؤية صراعية إلى حد كبير. فهناك بطبيعة الحال رؤيته للعدوان كمحرك أساسي للإنسان، ولذا نجد الصراع في كل مكان: الإنسان في صراع مع الحضارة ـ الأنا في صراع مع الهو ـ الإيروس في صراع مع الثناتوس ـ الأب مع الابن ـ البنت مع الأم ـ الذكر مع الأنثى ـ آليات الدفاع ضد اللبيدو مقابل آليات الاقتحام والالتفاف. 
إن الرؤية الفرويدية جزء من حركة تفكيكية تقويضية عامة بدأت في واقع الأمر مع المشروع التحديثي الغربي، وتصاعدت حدتها في القرن التاسع عشر، ثم وصلت إلى قمتها مع الحركة التفكيكية في أواخر القرن العشرين. وكان فرويد يدرك أنه جزء من هذه الحركة التفكيكية التقويضية، فقد وصف نفسه بأنه أحد ثلاثة طعنوا نرجسية الإنسان (أي قاموا بتفكيكه ورده إلى المادة): كوبرنيكوس وداروين وفرويد نفسه. وفرويد محق في ذلك تماماً فكوبرنيكوس بيَّن للإنسان أن الأرض ليست مركز الكون، ومن ثم فالإنسان ليس ذا أهمية خاصة في النظام الشمسي، وإنما مجرد جزء من كل. وقد عمَّق داروين هذا الاتجاه حين بيَّن أن الإنسان سليل القرود وابن الطبيعة الذي أنتجته من خلال عمليـة تطـورية ليس لها هـدف واضح ولا يحـظى الإنسان فيها بأهمية خاصة. 
وأخيراً جاء فرويد ليُبيِّن أن القرد لا يوجد خارج الإنسان وحسب وإنما يوجد داخله وفي صميم كيانه. فإذا كان كوبرنيكوس وداروين قد حطما أي تفرُّد خارجي للإنسان، فإن فرويد حطم أيضاً أوهام التفرُّد الداخلي بحيث يصبح الإنسان خاضعاً لقوانين الطبيعة/المادة من الداخل والخارج، ومن ثم تم تحويله إلى مادة كاملة. ولكن بعد تحطيم مقولة الإنسان بهذه الشراسة، ماذا يبقى لنا؟ بعد التفكيك ماذا يمكن أن نفعل؟ كان دعاة الاستنارة المضيئة يتحدثون عن اليوتوبيا التكنولوجية وعن إمكانية إقامة الفردوس في الأرض. 
ولكن دعاة الاستنارة المظلمة لم يشاركوهم هذه الأوهام، فرؤيتهم للواقع وللإنسان كانت أكثر عمقاً، فقد كان عندهم إدراك للشر في النفس البشرية ولحدودها ولطموحها للتجاوز ولإخفاقها، ولذا فإحساسهم بالمأساة كان عميقاً، على عكس السطحية التي يتسم بها الفكر الاستناري. ولذا نجد أن فرويد رغم مادية النموذج الذي ينطلق منه إلا أنه استمر في تعديله وتطويره من آونة لأخرى حتى يمكنه أن يُعبِّر عن تركيبية النفس البشرية التي عجزت الاستنارة المضيئة عن إدراكها. 
ولكنه شأنه شأن دعاة الاستنارة المظلمة، كان يرى الذئب الرابض داخل الإنسان، والغابة الموجودة خارجه وكان يرى أن لا مخرج له منهما. ولذا نجده في كتاباته الأخيرة لا يتحدث عن اللبيدو والإيروس وحسب وإنما يتحدث أيضاً عن مأساة الحضارة والإحساس بالذنب والندم والثناتوس. وقد عبَّر فرويد عن إحساسه بالطريق المسدود الذي دخله المشروع التحديثي التفكيكي وعدميته الواضحة حين لخص الهدف النهائي لمشروع التحليل النفسي بأنه «تحويل البؤس الهستيري إلى شقاء عام » (تو ترانسفورم هستيريكال ميزري إنتو كومان أنهابينيس to transform hysterical misery into common unhappiness).
رؤيـــة فـرويــد 
Freud's World View 
ينتمي فرويد إذن إلى تقاليد التفكيك والتقويض المادية التي تودي بالإنسان كمقولة مستقلة عن عالم الطبيعة/المادة، ويقف على قمة هذه التقاليد الفيلسوف إسبينوزا الذي أدرك العالم من خلال نموذج حلولي هندسي بارد صارم. ولكن فرويد لم يكن مادياً على طريقة إسبينوزا اللا تاريخية الجامدة، وإنما كان مادياً على طريقة هيجل الدينامية الحركية، مادية المضمون مثالية الخطاب والديباجات. ومنظومة هيجل المادية واحدية مثل منظومة إسبينوزا ولكنها لا تتحقق دفعة واحدة في الزمان والمكان وإنما من خلال متتالية تاريخية. ولكن هذه المتتالية تنتهي عند نقطة محددة حيث يتحد المقدَّس والزمني ويتحد الفكر والمادة، أي أنها تنتهي بالتجسد الكامل حيث يصبح التاريخ جسد الإله لا يختلف كثيراً عن إله إسبينوزا الذي هو الطبيعة، ولكن إله هيجل إله عضوي ينمو تدريجياً إلى أن يصل إلى ذروته ولحظة اكتماله في نهاية التاريخ والفردوس الأرضي. 
ينطلق فرويد من المفهوم التطوري الهيجلي (والدارويني) وإن كان لا يشارك النزعة الطوباوية الهيجلية. وقد أحدث ثورة في مفهوم الشخصية. فقد كان يرى أن الشخصية ثمرة التفاعل المتبادل بين التكوين الوراثي للفرد وبيئته الاجتماعية، أي أن الشخصية فيما يرى فرويد هي التفاعل المتبادل بين حاجات الفرد الداخلية (الغرائز والدوافع) والعالم الخارجي. والفرد يكشف عن حاجاته ورغباته الغريزية عن طريق البيئة، التي إما أن تتيح لهذه الرغبات والحاجات فرصة التحقق والإشباع أو تحول دون ذلك عن طريق التعويق أو الإنكار. 
ورغم هذه الرؤية الدينامية في العلاقة بين الذات والبيئة إلا أن فرويد يسقط في الجمود والانغلاق حين ركز على الغرائز والدوافع بوصفها صاحبة الدور الأكبر في هذه العلاقة. أما البيئة فقد كان دورها سلبياً إلى أقصى حد،ينحصر في أنها إما أن تساعد على إشباع حاجات الفرد أو تعمل على إحباطها. ومن هنا كان تركيزه على الغريزة والدوافع وتهميشه لدور الحضارة وكل ما يقع خارج نطاق الذات وعالم الغرائز والدوافع. 
وتتميَّز الغريزة بأربع خصائص: 
مصدرها وهدفها وموضوعها وقوتها. فالمصدر، هو حالة البدن وحاجته للإشباع، والهدف هو التخلص من التوتر الذي يصاحب هذه الحالة، والموضوع هو الشخص أو الشيء الذي تتجه إليه الغريزة، أما القوة فهي شدة الحاجة المحركة للغريزة. والغريزة لفظ عام أما المصطلح الذي يفضل فرويد استخدامه فهو «اللبيدو» والتي يمكن ترجمتها بعبارة «طاقة شهوية» (يتحدث هوبز عن دافع واحد يسيطر على الإنسان هو اللبيدو دومناندي libido dominandi، أي شهوة السيطرة). وهو مرتبط باللاشعور والهو والقوى المظلمة داخل الإنسان التي لم تحتك بالحضارة ويتسم بأنه غير منطقي وغير أخلاقي أو متجاوز للمنطق والأخلاق. 
ويذهب كثير من مفسري فرويد إلى أن اللبيدو هي الطاقة الجنسية الكمية إلا أنها لا تعني مجرد النشاطات واللذة التي تتعلق بعمل الجهاز التناسلي وإنما تعني أيضاً مجموع التنبيهات والنشاطات التي تظهر منذ الطفولة وتنشأ عنها اللذة، وبهذا المعنى يشكِّل مفهوم الحـياة الجنسـية في نظـر فرويد مفهوماً أشـمل من مفهوم الحياة التناسلية. فاللبيدو هو ما يجعلنا نعيش الحياة ونحب ما نعمل، ونُقبل على ما نحب بعشق. 
واللبيدو ليس غريزة وإنما دافع، فالغرائز (مثل البقاء المادي) ثابتة ذات طابع بيولوجي حتمي، أما الدوافع فهي متغيِّرة وأقل حتمية، يتغيَّر هدفها وموضوعها وقوتها. وقد كان اللبيدو في البداية جزءاً لا يتجزأ من غريزة البقاء ولكنه انفصل عنها وأصبح مستقلاً، فمص الثدي على سبيل المثال عمل بيولوجي له أبعاد لبيدية. فهو مصدر للبقاء ومصدر للذة الجنسية في الوقت نفسه. ومع انفصال اللذة عن البقاء والدوافع عن الغرائز يظهر قدر من التناقض إلى أن تصبح اللذة الجنسية نهاية في حد ذاتها، مستقلة تماماً عن الرغبة في البقاء. وهي في هذه الحالة تُعدُّ انحرافاً عن غريزة البقاء نحو هدف آخر. وسنلاحظ هنا نمطاً أساسياً عند فرويد: هو أن نقطة انطلاقه حتمية مادية، ولكنه يبذل في الوقت نفسه محاولات مستمية لخلق ثغرة أو حيز داخل النظام المادي المصمت يسمح للإنسان بقدر من حرية الإرادة. 
واللبيدو ـ كما أسلفنا ـ هو الطاقة النفسية الكمية التي يستثمرها الإنسان في تعامله مع العالم الخارجي ولا يمكن فصله عن مفهوم صورة الجسد (إيماجو Imago) أو على حد تعبير ألفيم، المحلل النفسي البرتغالي، "صورة الجسد هي ظلام القاعة الذي نرى فيه الفيلم السينمائي". فالإنسان كما يراه فرويد يستثمر طاقته النفسية أو اللبيدو من خلال تصوره صورة جسده عبر مراحل تطورية معينة تبدأ برؤيته العالم كفم وثدي، مروراً بالمرحلة النرجسية حيث يركز الإنسان على جسده وحده، إلى أن يفهم أن ثمة آخر في هذا العالم. 
ويرى بعض مفسري فرويد أننا حين نترك نطاق التعريفات النظرية والقول وننتقل إلى مستوى الإجراءات وتشغيل النموذج، فإننا نجد أن فرويد كان، في واقع الأمر، يحصر اللبيدو في الجنس بالمعنى الغرائزي الحتمي. ونحن نميل للأخذ بهذا الرأي الأخير، ولكننا نضيف إلى هذا أن الجنس لم يكن المتعة الجنسية فحسب (وفرويد كما أسلفنا كان ينظر للجنس نظرة سلبية للغاية تَنمُّ عن الاشمئزاز) وإنما كان تصوراً أشمل ذا طبيعة حلولية. فالجنس هو اللذة التي تنتج عن الاتحاد بعنصر ما والشعور بالذوبان فيه، أي أنه يرتبط تماماً بالرغبة المحيطية في ذوبان الذات في موضوع أكبر منها. وهذا التعريف تعريف وسط مركَّب، بمعنى أنه يستوعب كلاً من الحتمية والرغبة في تأكيد حرية الاختيار. 
ويظهر التناقض بين تأكيد الحتمية والرغبة في خَلْق ثغرة أو حيز (يستطيع الإنسان أن يمارس من خلالهما حريته وفرديته) في لجوء فرويد إلى الإيقاع الهيجلي الثلاثي الذي يسم الفكر الغربي الحديث (الأطروحة والأطروحة المضادة والأطروحة الثالثة المركبة - صراع الأضداد واتحادها) وكلها محاولات ناجمة عن استخدام نموذج مادي واحدي لتفسـير الكـثرة والتعـدد والتركيب اللامتناهي الذي يسم الظاهرة الإنسانية. 
ويُقسِّم فرويد النفس الإنسانية (أو الخريطة النفسية) إلى ثلاثة أقسام طوبولوجية: 
1 ـ اللاشعور: 
مستودع الدوافع البدائية والجنسية والعدوانية ومقر الرغبات والحاجات الانفعالية التي قد تكون من القوة بحيث تشكل تهديداَ لصاحبها إذا ظهرت في شعوره وإدراك وجودها، ومن ثم فهو يحاول دفعها إلى عالم اللاشعور.
وعملية الكبت هذه هي نفسها عملية لا شعورية. وكلما حاولت هذه المشاعر الظهور في منطقة الشعور فإنها تُواجَه بمقاومة كبيرة. فمحاولة جعلها شعورية لا تتحقق إلا بصعوبة بالغة وبطرق عديدة. واللاشعور من ثم هو منطقة اختزان الذكريات، المؤلم منها والمخجل، والمشكلات الناجمة عن الدوافع المتعارضة التي يتعذر حلها. ويؤثِّر اللاشعور في سلوكنا اليومي ويوجهه، رغم أنه يقع خارج مجال شعورنا وإرادتنا. فالرغبات اللاشعورية أشد قوة وأعمق أثراً من الاتجاهات والمشاعر الشعورية. 
2 ـ الشعور (الوعي): 
مستودع الإحساسات والأفكار القادمة من العالم الخارجي أو تلك القادمة من عالم الوعي، والشعور يمثل الجانب السطحي للشخصية، والمستوى الظاهر لها. 
3 ـ ما قبل الشعور: 
مستودع الإحساسات والأفكار التي كانت شعورية منذ فترة وتم اختزالها ومن ثم بوسع الشخص تَذكُّرها حسب إرادته، ولكنها لم تكن في وعيه وانتباهه طوال الوقت. وهذا الجزء هو مُستقَر الذكريات ومستودع اللغة والأفكار المتداولة والشائعة وما يتعلمه الإنسان وخبراته السابقة. 
ويظهر التقسيم الثلاثي مرة أخرى في تقسيم الجهاز النفسي إلى الهو والأنا والأنا العليا: 
1 ـ الهو (باللاتينية: إيد Id): 
وهو البُعد البيولوجي في الشخصية ومستودع الغرائز ويمثل كل ما هو موروث وموجود في البدن. وتحوي الهو الفوضى والظلام والطيش واللاشعور، وهي قوة مجهولة لا يُسبَر لها غور. والهو لا تتحمل التوتر وتبحث عن الإشباع بغض النظر عن الظروف المحيطة، وتتحرك حسب مبدأ اللذة ومحاولة تقليل التوتر. ولا علاقة للهو بالعالم الخارجي وهو غير متكيف مع المجتمع فهـو لا يعـرف القـيم أو الخير أو الشـر أو الأخلاق. والهو لاشعوري ويسعى للتعبير عن نفسه على نحو غير مباشر، فمثلاً الأحلام وهفوات اللسان تجليات مُقنَّعة لمضمونات لاشعورية أفلتت من الأنا وصارت علنية ولا تخضع إلا لما أسماه فرويد «مبدأ اللذة». 
2 ـ الأنا (باللاتينية: إيجو Ego): 
وهو المكون النفسي الذي ينمو من الهو تحت تأثير البيئة ويمثل الأنا الشعور والعقل والنور. والأنا هو الجزء من الشخصية الذي يَنشُد العثور على مخارج واقعية لدوافع الهو فيقوم بإشباعها أو كفها أو تأجيلها تبعاً لما يمليه الواقع الخارجي. وفي الوقت نفسه يؤمِّـن الأنا الشخص من الوقوع في نزاع مع محيطه ويجنبه التجارب الأليمة، وهو مصدر ضبط النفس ووسيلة التكيف مع المحيط. ويتوهم الأنا (الشعور) أنه يستجيب للعالم الخارجي وفق معارف صادقة أو ما يسميه فرويد «مبدأ الواقع». ولكن فرويد يذهب إلى أن هذا إن هو إلا خداع للذات، فالأنا تظن أن سلوكها يتحكم فيه العقل والمعرفة إلا أنها تأتمر في واقع الأمر بأوامر الهو وغريزتي الجنس (إيروس) والموت (ثناتوس) وإن كان يتم هذا بشكل مقنَّع قد لا تدركه الأنا نفسها. 
3 ـ الأنا الأعلى (باللاتينية: سوبر إيجو Superego): 
وهو المكون الاجتماعي والأخلاقي والحضاري وينمو من الأنا ووظيفته السعي إلى تحقيق الغايات والمُثُل العليا (الاجتماعية والأخلاقية والحضارية). ويبدأ تكوين الأنا الأعلى في الطفولة، فالطفل يسعى إلى تحقيق اللذة ويسترشـد في سـلوكه بمبدأ اللذة ويسـتجيب لدوافعـه وغرائزه بلا حدود. ولكن كلما كبر بدأ يدرك مبدأ الواقع فيتعلم قواعد السلوك التي يتلقاها من أبويه ومن خلال نظام المكافأة والعقاب. وبالتدريج يتكون الرقيب وهو المثل الأعلى الذي يستخلصه الأنا من بين الأوامر والنواهي التشريعية والأخلاقية والدينية ويتعلم كيف يضبط سلوكه بما يواجهه من حقائق فيحقق أكبر قدر من اللذة مع أقل ضرر ناجم عنها. 
وهكذا تتكون الأنا الأعلى التي توعز للأنا بكبح جماح الهو وتحثها على إحلال الأهداف الأخلاقية محل الدوافع الغريزية (ولذا فهي أقرب إلى ما نطلق عليه «الضمير»). ومع هذا يمكن القول بأن موقف فرويد تجاه الأنا الأعلى يتسم بالتأرجح بين نقطتين: فمن ناحية تظهر الأنا الأعلى كوسيلة لإعلاء الرغبات وتحقيق الأهداف الأخلاقية، ولكن من ناحية أخرى تظهر باعتبارها رقيباً صارماً يصادر الرغبات الجنسية الضرورية ويؤدي إلى شعور بالذنب لا مبرر له. 
وقد أدمج فرويد الأنا في اللبيدو وأحل محلهما مفهوم الإيروس (الذي يُعبِّر عن نفسه من خلال غرائز حب الذات وحفظ النوع). ولزيادة تركيب الرؤية وضع فرويد الإيروس مقابل ما أسماه «ثناتوس» وهو عكس الحياة. وفي محاولته تفسير كنه ثناتوس (رغبة الموت والهدم) لا يقترب فرويد قط من العناصر الاجتماعية والتاريخية إذ يظل يدور في إطار الحلولية الكمونية المادية، فيحاول تفسير الثناتوس تفسيراً مادياً تطورياً حتى يبقى داخل نطاق النموذج المادي الواحدي الصارم. 
ولذا نجده في كتاب ما فوق مبدأ اللذة يذهب إلى أن المادة الحية العضوية تحتفظ داخلها بذكرى أصلها غير العضوي ولذا فهي تنزع إلى العودة إلى الأصل غير الحيوي. وأطلق على هذا مبدأ «إجبار التكرار»، أي الرغبة المحتومة في تكرار الحالة السكونية المتوازنة التي عاشتها المادة العضوية عندما كانت مادة غير عضوية (وكأن المادة تحوي داخلها سراً غير مُدرَك ومع هذا يدفعها هذا السر دفعاً، فهو تيلوس مادي حلولي تماماً). 
ويبدو أن الثناتوس سوف تنجح في النهاية في القيام بدورها وهو التحلل أو الموت الذي هو نهاية كل كائن حي. ومن ثم قال فرويد قولته الشهيرة: "إن هدف الحياة هو الموت"، وهي مقولة لا معنى لها بطبيعة الحال، إلا إذا كانت الإشارة إلى الموت البيولوجي، وهذا ما نعرفه جميعاً دون حاجة لفرويد. أما القول بأن الرغبة في الموت هو هدف الحياة فهو من لغو القـول الذي لا يفـسر شـيئاً والذي لا توجـد أية قرائن مادية أو عضوية عليه. 
ورغم أن اللبيدو هو المحرك الأول في النظام الفرويدي إلا أنه يتحقق في الزمان من خلال متتالية ثابتة يمر بها كل الأفراد، لا تختلف كثيراً عن تلك المتتاليات التاريخية العديدة التي كان العقل الغربي قد أفرزها في القرن التاسع عشر. فهناك متتالية كونت: مرحلة دينية ـ مرحلة ميتافيزيقية ـ مرحلة وضعية. كما توجد متتالية ماركس: شيوعية بدائية ـ عبودية ـ إقطاع ـ رأسمالية ـ شيوعية. وكانت هذه المتتاليات تنتهي دائماً في لحظة تحقُّق النموذج، قمة التقدم ونهاية التاريخ والفردوس الأرضي، أي الحضارة الغربية الحديثة. 
يشارك فرويد في فكرة المتتاليـة التاريخـية والمراحل الثابتـة ولكنه لا يشارك في النزعة الطوباوية. وقد حاول أن يُفسِّر نمو الشخصية الإنسانية من خلال نظرية نمو الغريزة الجنسية من عدد من «الغرائز المكوِّنة» (اللبيدو) التي تظهر لدى الطفل منذ الميلاد. ويذهب فرويد إلى أن الإنسان حيوان يُولَد عاجزاً تماماً يعتمد في بقائه على رعاية الأم والأب وأعضاء المجتمع الإنساني، وبدون هذه الرعاية فإن الطفل الإنساني يهلك. 
في هذه المرحلة يُلاحظ فرويد أن الطفل ليس ذاتاً متكاملة موحَّدة، وإنما هو حقل من القوى المتغيرة الحدود، ليست له هوية واضحة، والحدود بين الذات والموضوع ليست ثابتة. والطفل خاضع تماماً لمبدأ اللذة. لا يعرف الفرق بين الأجناس فهو ليـس بذات كما أنه لا جنس له (بالإنجليزية: أنجندرد سابجيكت ungendered subject). ويجد الطفل لذة جنسية في جسده وترتبط غرائزه الجنسية ببعض الأجزاء المعينة أو الأعضاء في الجسم. 
وهذه هي مرحلة الشهوية الذاتية (بالإنجليزية: أوتو إيروتيك auto-erotic). والطفل في هذه المرحلة لا يرى جسده باعتباره موضوعاً كاملاً. والغرض الأساسي من كل فعل يقوم به الإنسـان في هـذه المرحلة هو إشـباع الحاجات الحسـية وتحصيل أكبر لذة، أي تحقيق مبدأ اللذة. ثم يبدأ الطفل في النمو من خلال مراحل عدة هي في جوهرها ترتيب تدريجي للدوافع اللبيدية وإدراك متزايد لمبدأ الواقع. إذ سرعان ما يدرك الإنسان أيضاً وجود مبدأ الواقع ويصطدم به. وبالتالي يزداد الفعل الإنساني تركيباً، وبدلاً من تحقيق مبدأ اللذة وحسب، فإنه يحاول تحقيقه في إطار الاعتراف بمبدأ الواقع والحدود التي يفرضها على الذات، ومن ثم يحاول الإنسان تقليل الألم وتحاشي التوتر.
يتبع إن شاء الله...


الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية    الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Emptyالأربعاء 11 ديسمبر 2013, 11:22 pm

وتمر الشخصية بثلاث مراحل أساسية (الإيقاع الثلاثي الهيجلي دائماً) تفضي إلى مرحلة رابعة أخرى.
وإن كان فرويد كعادته أضاف مراحل انتقالية حتى تزداد خريطته البسيطة تركيباً: 
1 ـ المرحلة الفمية (الشفوية): 
وهي مرحلة تلعب فيها الشفتان دوراً أساسياً وفيها يحصل الطفل على اللذة من خلال عملية الرضاعة وفي علاقته بثدي الأم ومصه. وتتسم هذه المرحلة بالاتجاه نحو امتلاك الأشياء والاحتفاظ بها (وتستمر هذه المرحلة حوالي 18 شهر). 
2 ـ المرحلة الشرجية (الإستية): 
وهي مرحلة يحصل فيها الطفل على اللذة من خلال عملية التبرز، فطرد الفضلات يسبب له إحساساً بالارتياح ويزيل عنه مصدر الضيق والتوتر. والسمة الأساسية في هذه المرحلة هي الإخراج. ويبدأ الطفل يشعر بأن بوسعه أن يتحكم في مشاعر أمه عن طريق إخراج البراز (فهذا يسبب لها السعادة) أو الاحتفاظ به (فيسبب لها الضيق). ويُلاحَظ أن الطفل يبدأ في تَعلُّم جدلية الحياة من خلال معرفته الفرق بين المرحلتين: الاحتفاظ مقابل الإخراج، والتملك مقابل العطاء، والنشاط مقابل السلبية. 
3 ـ المرحلة القضيبية: 
وهي مرحلة تحتل فيها المشاعر الجنسية والعدوانية (المرتبطة بوظيفة الأعضاء التناسلية) مركز الثقل. ويُلاحَظ أن هذه المرحلة قضيبية وليست عضوية جنسية (بالإنجليزية: جنيتال genital) أي مختصة بالأعضاء التناسلية، فالقضيب ـ عند فرويد ـ هو المركز. وفي هذه المرحلة يحصل الطفل على اللذة من خلال تخيله الممارسات الجنسية والعبث بأعضائه التناسلية. 
وهذه المرحلة تهيئ لظهور مُركَّب أوديب (نسبة إلى أسطورة الملك أوديب الذي قتل أباه، وتزوج أمه جهلاً بحقيقة علاقته بهما). ومُركَّب أوديب يتلخص في أنه ميل جنسي من جانب أحد نوعي الجنس تجاه أحد الوالدين من الجنس المقابل، مع ميل عدواني تجاه أحد الوالدين من الجنس نفسه. فالصبي يميل إلى أمه، والفتاة تميل إلى والدها. ونتيجة ذلك يشعر الطفل بتهديد من الوالد من الجنس نفسه، إذ يخاف أن يقوم أبوه بخصيه. ويرى الطفل أن الطفلة دون قضيب فيظن أن الأب قد قام بخصيها، فيضطر إلى أن يكبت ميوله الشبقية نحو أمه ويقبل مبدأ الواقع ويُعزِّي نفسه بأنه سيصبح هو نفسه أباً فيما بعد ويتوحد مع الأب وقيمه، ومن ثم يصبح موضوعاً له جنس (بالإنجليزية: جندرد سابجيكت gendered subject). ويصبح الإنسان محل الحب والكره والخوف والتوقير في آن واحد. 
ولابد أن نشير هنا إلى أن مُركَّب أوديب هو جوهر المنظومة الفرويدية، فهو ليس مسألة تحدث على مستوى الفرد وحسب، وإنما تحدث على مستوى الجماعة والتاريخ الإنساني، أي على مستوى الحضارة ككل. فمن خلال مُركَّب أوديب ينتقل الطفل من حالة الالتصاق (المحيطية) بالأم ومن حالة الطبيعة إلى حالة الانفصال عن الأم والطبيعة والانتقال إلى حالة الحضارة. ومُركَّب أوديب بداية القيم والقانون وكل أشكال السلطة الدينية والاجتماعية والسياسية. ويُعدُّ تحريم الجماع بالمحارم رمز كل أشكال السلطة التي سيقبلها الإنسان (كما سنبين فيما بعد). إن قصة أوديب هي أسطورة التكوين (بالإنجليزية: جنسيس genesis) بالنسبة لفرويد. 
4 ـ مرحلة الكمون: 
بعد أن يكبت الطفل ميوله الشبقية نحو الأم، وبعد أن يصبح الأب محل الحب والكره يدخل الطفل مرحلة من الكمون الجنسي تستمر من السادسة حتى بداية سن البلوغ والمراهقة (12 عاماً) حين تبدأ المرحلة الخامسة. ويتوقف جانب كبير من مستقبل الابن على مدى نجاحه في صرف رغبته اللاشعورية في غشيان المحارم ورغبة الموت وتوجيهها نحو غايات اجتماعية مقبولة. 
5 ـ المرحلة التناسلية: 
وهي المرحلة التي تتجه فيها الميول الجنسية إلى الجنس الآخر، ويتحول الشخص من عالم الطفولة إلى عالم الراشدين والتأهب للزواج والاستقلال الأسري، أي أن جزءاً كبيراً من اللبيدو يتجه إلى الخارج، بعيداً عن الأهداف الجنسية، إلى مختلف الموضوعات والنشاطات التي تُكوِّن معاً الحضارة الإنسانية، إذ يحقق الفرد قدراً من التسـامي. والوظيفـة البيولوجيـة لهـذه المرحلة هي التكاثر وحفظ النوع. 
بيد أن هذه المكونات (الشعور وما قبل الشعور واللاشعور والهو والأنا والأنا الأعلى وإيروس وثناتوس) لا تعمل مستقلة بعضها عن بعضها الآخر، بل تعمل معاً في اتساق متكامل، وليس هناك فصل حاسم بين وظائفها. والتطور السوي هو تكامل تحت سيادة تلك الغرائز المرتبطة بالأعضاء التناسلية. ويعتقد فرويد أن الانحرافات الجنسية لدى الراشدين ترجع إلى الفشل في تحقيق السيادة واستمرار السيطرة غير الملائمة لبعض الغرائز المكونة الأخرى غير الغريزة التناسلية. 
وقد زاد فرويد تعقيد الصورة التي وضعها عن الجنسية وتطورها وذلك بإعطاء تصور لمراحل العلاقة بالموضوع. وأولى هذه المراحل هي المرحلة الذاتوية حيث يتمركز الطفل حول ذاته. ثم المرحلة النرجسية حيث يرى الآخر من خلال نفسه، وتتوجه اللبيدو إلى الذات. ومرحلة حب الموضوع المكتملة النمو والتي تتجه فيها الدفعات الجنسية إلى الخارج نحو شـخص (أو في الشكل البديل، نحو شيء) خارج الذات. 
وبالطبع لا يكتمل أبداً نمو الشهوية الذاتية، شأنها شأن أية وظيفة بدائية أخرى من وظائف العقل والجسم. إذ يظل هناك قدر معين من اللبيدو يجد إشباعه عن طريق الشهوية الذاتية، فنحن جميعاً نستمتع بأحاسيس نابعة من المناطق والأعضاء الشهوية في الجسم كالأعضاء الجنسية، والفم، والشرج، والجلد، والعضلات... إلخ. وبالنسبة للفم فإن الاستمتاع بتناول الطعام (جاسترونومي gastrononmy) قد طوَّر تلك الأحاسيس إلى ما يقارب الفنون الجميلة. ونحن جميعاً نُوجّه، بشكل سويّ، قدراً معيَّناً من «الحب» إلى أشخاصنا (قدري حفني).
وحين وصل فرويد إلى قضية المرأة نجده يتناولها بطريقة واحدية مادية حتمية، موغلة في الحتمية. وبدلاً من تَعقُّب وضع المرأة التاريخي وظروف حياتها في كل مرحلة من مراحل المجتمع فإنه يسميها «القارة المظلمة» من ناحية، وهي من ناحية أخرى رجل تم خصاؤه، تقضي حياتها تعاني من إحساس عميق بالنقص التشريحي الذي يشوب تكوينها الأنثوي. ويذهب فرويد إلى أن صغار الفتيات يُرجعن افتقارهن إلى التكوين التشريحي الذكري إلى الخصاء كعقوبة عن خطيئة. وتكتشف الطفلة أن أمها مخصيّة مثلها، فتنقل مشاعرها إلى الأب وتحاول إغواءه، وهي محاولة محكوم عليها بالفشل، فتترك الطفلة الأب لتعود للأم وتَقبَل وضعها كأنثى، وهو وضع يتسم بالدونية والسلبية. وبدلاً من القضيب الذي تحسد الذكر عليه، تحلم بأن يكون لها طفلٌ تحمل به من الأب. وهكذا أصبحت صفات المرأة التشريحية هي شخصيتها بل ومصيرها الحتمي. 
وعالم الشعور واللاشعور وما قبل الشعور والإيروس والثناتوس والهو والأنا والأنا الأعلى عالم صراعي (تماماً مثل عالم داروين الإمبريالي) لا تهدأ فيه النفس ولا تستقر. إذ تقوم الأنا والوعي بعمليات كبت مستمرة بينما تقوم الهو واللاوعي بمحاولات دائمة للاقتحام. وفي غياب أية مرجعية خارجية ومع إنكار قدرة الإنسان على التجاوز فإن الصراع يتأجج وتشتد حدته وتتحول النفس البشرية إلى ساحة حقيقية للصراع والاضطرابات لا يختلف كثيراً عن الصراع الدائر في المجتمع التعاقدي. 
ولكن الصـراع ليـس واضـحاً دائماً إذ تحاول الهو أن تخادع الرقيب. وأشار فرويد إلى عدة طرق تسلكها موضوعات الكبت في صورة متنكرة لتجد لها منفذاً إلى الشعور من بينها: الأعراض العصابية ـ النسيان (أي حجب ذكرى معيَّنة بذكرى أخرى أو تشويهها بحيث يختفي المكبوت) ـ الهفوات (فلتات القلم واللسان وما شابه ذلك) ـ النكتة. مثال ذلك لو نسى امرؤ اسم شخص ما، فإن هذا يعني أنه في أعماق أعماقه لا يحب هذا الشخص أو أنه يرغب في أن يزيحه بعيداً عن طريقه. إن العاطفة أو الرغبة التي سبق للمرء أن طردها من شعوره اعتراضاً منه عليها، تشق طريقها قسراً في صورة متنكرة في هيئة نسيان. كما يذهب فرويد إلى أن موضوع الدعابة هو أولاً وأساساً التسرية والعدوان وأن الدوافع المكبوتة ورغبات العدوان والتسرية كثيراً ما تنفذ إلى الشعور تحت ستار النكتة. 
ويذهب فرويد إلى أن الأعراض العصابية، مثل حالات الخوف المزمن أو الشلل أو غيرهما، إنما هي بعض المسالك الخادعة التي تشقها عنوة الرغبات أو الدوافع أو الأفكـار المكبوتـة والتي تحتفظ بشـحناتها من الطاقـة النفسية الثائرة أبداً، لتفرغ هذه الشحنة إما في شكل أعراض نفسية أو بدنية أو كليهما معاً. بل إن فرويد يذهب إلى أن المحلل بوسعه أن يجد مادته في كل ما يصدر عن المريض من أفعال وأقوال: « من كانت له عينان تبصران وأذنان تسمعان فسوف يرى اللاشعوري في كل الأرجاء ». 
ولكن المادة التي ستصل إلى المحلل ذات محتوى ظاهر يخبئ المعنى الباطن، ويلجأ اللاشعور إلى التخبئة من خلال آليات عديدة (تُسمَّى آليات أو ميكانزمات الدفاع) من بينها التكثيف « أي الإدغام اللاشعوري للأفكار» (بالإنجليزية: كوندنسيشن condensation) والنقل والإزاحـة (بالإنجليزية: ديسبليـسمنت displacement) والترميز والنكوص. ومن ثم يبدو المحتوى الظاهر كما لو كان لغزاً أو رسالة هيروغليفية أو كلاماً لا معنى له. لكل هذا يصبح الكبت مفتاحاً لفهم كل الظواهر العقلية السوية والعصابية (بل هو مفتاح فهمنا للحياة العقلية بوجه عام). 
أما عن العلاج فقد ذهب فرويد إلى أن المشكلة هي أن نسمح لما هو لاشعوري بالنفاذ إلى الشعور. وإذا تحقق لنا ذلك فبوسعنا تفسير محتواه اللاشعوري ومن ثم تزول الأعراض، ذلك لأن موضوع الكبت إذا دخل نطاق الشعور فإن شحنة الطاقة النفسية تجد سبيلها للانطلاق. وكما أسلفنا، بيَّن فرويد أن هناك عدة سبل للوصول إلى مادة اللاشعور. 
ولكن فرويد اقترح ثلاثة طرق أساسية للحصول على المواد التي سيخضعها للتحليل: 
1 ـ التداعي الطليق (الحر ـ اللا إرادي): 
التداعي الطليق أو الحر محاولة تستهدف الإفلات في غفلة من الرقيب أو الضمير أو الأنا الأعلى. ويشجَّع المريض على الإفصاح عن كل ما يرد إلى خاطره دون تَدبُّر سابق أو اتساق ودون حجب أية فكرة أو تصوُّر لأنه غير لائق أو محيِّر أو تافه أو مؤلم أو مشين أو غير معقول أو مخالف لقواعد الأخلاق والمعاملات، ودون أي تدخُّل أو توجيه من جانب الطبيب الذي يكون دوره، في بداية الأمر، مجرد مُستمع ومُسجِّل لما يسمع. 
ومن ثم يمكن أن تفلت الألفاظ والعبارات والتصورات الذهنية من الرقيب وتنكـشف المشـاعر المكبوتة في اللاشعور وتخرج إلى دائرة الشعور. حينئذ يتلقفها المحلل ليجد فيها زاداً من الرموز التي يمكنه أن يؤولها على نحو يكشف له معناها اللاشعوري وذلك على أساس أن التفكير الإنساني يأخذ شكل سلسلة من الخواطر المترابطة. وتسلسل الترابطات يؤدي إلى المشاعر والأفكار والدوافع التي تسببت في مشاكل المريض النفسية ثم من وراء ذلك إلى تجاربه الأصلية التي أدَّت إلى حدوث عدم التكيف النفسي. 
2 ـ الأحلام: 
يرى فرويد أن الأحلام تؤدي وظيفة مماثلة. فإذا كان هدف التداعي الطليق السماح للفكرة اللا إرادية بالنفاذ إلى اللاشعور في لحظة تَوقُّف الرقابة، فإن الأحلام بالمثل تخادع الشعور أثناء النوم، وهي الفترة التي تتوقف فيها الرقابة نسبياً، ومن ثم تسمح بمرور الدلالات الرمزية لمادة اللاشعور المكبوتة. وكان فرويد يرى أن الأحلام بنية مترابطة تمام الترابط لها منطقها الداخلي الخاص، ولذا يمكن إخضاع الأحلام والمادة الرمزية التي تحتويها لفن التأويل، شأنها في هذا شأن التداعي الطليق. وقد أُطلق على هذه الأحلام عبارة «الأحلام النمطية». ومع هذا فمن المهم أن نذكر أن فرويد ركز على فكرة التأويل الشخصي لكل رمز يرد في الأحلام. وفي كثير من الأحيان كان يرفض فكرة التأويل العام للرموز.
3 ـ الطرح أو التحويل: 
الطريقة الثالثة التي ابتدعها فرويد وطورها للتحليل النفسي هي «الطرح»، فالعلاقة الوثيقة بين المحلل والمريض والتي يكشف خلالها المريض عن مكنون نفسه تؤدي إلى قيام علاقة عاطفية مشبوبة من جانب المريض تجاه المحلل تتدرج ما بين العشق الجنسي وبين الاستخفاف الشديد والكراهية المقيتة. ويُفسِّر فرويد هذه الظاهرة بأن المريض يعيد تمثيل الانفعالات التي عاناها في موقف سابق وكبت ذكرياته عنها وينقل انفعالات طفولته المبكرة ومشاعرها واتجاهاتها إلى المحلل. ويذهب إلى أن هذه الانفعالات المطروحة تزودنا بدلالات المادة اللاشعورية المكبوتة. كما تعطي المريـض فرصـة الاسـتبصار، فهـي طريقة لتحقيق الشــفاء للمريض. 
وهنا يظهر الإيقاع الثلاثي مرة أخرى: 
المريض - المادة المشفَّرة الناتجة عن عمليات التداعي الحر والأحلام والطرح - وأخيراً يظهر المحلل الذي يلعب هنا دور الإله، أو على الأقل المفسر القادر على فك شفرة النص المقدَّس، ومن ثم فتفسيره في واقع الأمر أكثر قوة كما أنه مفعم بالمعنى أكثر من النص الأصلي نفسه. 
ولم يكتف فرويد بتقديم هذه الخرائط البسيطة أو المتشابكة للنفس الإنسانية بل عمم مفاهيمه على كل نشاطات الإنسان الحضارية (الفن ـ العلم ـ الثقافة ـ أصول المجتمع ـ الأخلاق ـ الدين ـ الحرب). فحينما يُعاد توجيه اللبيدو نحو موضوعات مختلفة، فإن هذا يتم من خلال عملية إزاحة متدرجة من موضوع لآخر، ولكل غريزة مُكوِّنة شكل من أشكال التسامي المميَّزة الخاصة لها، فالمشاعر التي كانت مُوجَّهة أصلاً إلى الأم تُوجَّه إلى المرأة المحبوبة أو المدرسة أو المدينة أو الوطن. ومشاعر الحب والكراهية والإعجاب والرهبة التي كانت مُوجَّهة للأب تُوجَّه نحو السلطة سواء أكانت الملك أم رئيس الجمهورية أم مدير المخابرات أم رجل الدين أم صاحب العمل. وكان فرويد يذهب إلى أن ثمة تلازماً حتمياً بين الحضارة من جهة وكبت الرغبات الغريزية (الحصان الجامح) والمرض النفسي من جهة أخرى، فكلما تقدمت الحضارة زاد قمع الإنسان لدوافعه البدائية. 
ويتبع ذلك نجاح أو فشل المرء بقدر أو بآخر في إعلاء الطاقة الجنسية المقموعة. ولكن هذا حل لا يتيسر إلا لقلة من الناس، أما الغالبية الساحقة فهـم يخفـقون في هذا، فالعصاب هو ثمن الحضارة بكل أوامرها التي تضع قيوداً على إشباع غرائز الإنسان، فكل إنسان متحضر هو إنسان عصابي بدرجة أو أخرى (عرَّف أحد المعلقين على فرويد الإنسان بأنه «حيوان عصابي»). وبسبب إحساس الناس بالقيود التي تفرضها عليهم الحضارة وبسبب ضيقهم بها فإنهم يندفعون إلى وسائل الإشباع البديل كالتدخين أو المخدرات أو الدين أو الأعمال الفنية الإبداعية. 
انطلاقاً من هذه الرؤية أعد فرويد ما أسماه «دراسة تسجيلية للمشاعر المرضية» عن ليوناردو دافنشي. وحاول في دراسته هذه أن يُفسِّر على ضوء منهج التحليل النفسي الأسباب التي من أجلها كان ليوناردو فناناً وعالماً في آن واحد. ويذهب فرويد إلى أن ليورنادو دافنشي أصبح فناناً بسبب مُركَّب أوديب الذي كان ذا صورة خاصة في حالته هو. 
إذ كان طفلاً يتيماً عاشقاً لأمه التي أيقظت فيه قبل الأوان نشاطه الجنسي ومن ثم تَسامَى بطاقة هذا النشاط إلى نشاطه كفنان. أما كونه عالماً فمرجعه إلى أن نشاطه الجنسي وهو طفل تَركَّز حول « البحث » عن الموضوعات الجنسية ثم عاوده هذا النشاط في مقتبل حياته، بعد أن كبته، في شـكل رغبـة حضارية في البحث في الطبيعة. وهكذا يُردُّ فن دافنشي إلى اللبيدو والبحث عن الطبيعة وإلى الطاقة الجنسية التي لم تتحقق. 
ولا يختلف الدين كثيراً عن الفن، فهو أيضاً عصاب ووسواس عام و« مرض نفسي أصاب البشرية »، كما لا يختلف عن الأحلام أو التداعي الحر فهو يمثل إخراج صراعات الإنسان اللاشعورية ورفعها إلى المستوى الكوني، وهو في جانب منه يزود الإنسان بإشباعات بديلة لدوافعه البدائية، وفي جانب آخر يعمل كقوة قامعة لتلك النزعات. 
وينطلق فرويد في كتابه الطوطم والمحرم من الافتراض الذي قال به داروين بأن الكائنات البشرية الأولى كان لها نمط من الحياة شبيه بنمط الحياة عند القردة العليا، أي أنها كانت تكوِّن جماعات صغيرة يرأسها ذكر قوي ومستبد هو سيد جماعته وأب لها لا حدود لما له عليها من سلطان. هذا الأب كان أباً غيوراً يستأثر بكل الإناث ولا يكاد أبناؤه يشبون عن الطوق حتى يطردهم خارج العشيرة أو يخصيهم أو حتى يقتلهم. ولكن حدث ذات يوم أن التأم شمل الإخوة المطرودين فقتلوا أباهم ووضعوا بذلك حداً لعصر العشيرة الأبوية، وحيث إنهم كانوا من أَكَلة لحوم البشر فقد التهموا لحم أبيهم نيئاً في محاولة التوحد به. 
وبعد فترة بدأت الجماعة تختار حيواناً قوياً مرهوباً ليحل محل الأب هو «الحيوان الطوطمي» أو «الطوطم». وظلت الجماعة تحتفظ للحيوان الطوطمي بالانفعالات الثنائيـة نفسها التي كانت من نصـيب الأب (أي التبجيل والبغض والخشية معاً)، ومن ثم فإن الطوطم برغم كونه موضع العبادة والحماية كان يُقتَل ويُلتَهم من أفراد الجماعة، وكان ذلك يتم في احتفال ذي طقوس خاصة هو الوليمة الطوطمية (التي ربما كانت أول احتفال بشري). 
غير أن الأبناء وكل الأخوة غير الأشقاء أدركوا أن المصير الذي حل بالأب سوف يحل بالضرورة بهم ما لم يؤلفوا حلفاً فيما بينهم يُحرِّم القتل والزواج من داخل القبيلة. وهكذا ظهرت " الأباعدية " أو الزواج بعيداً عن الجماعة التي ينتمي لها الفرد، أي أن جريمة قتل الأب وغشيان المحارم أدَّت في واقع الأمر إلى انتقال الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة الحضارة، وهي التي أدَّت إلى بناء مجتمع على أساس عقد اجتماعي من نوع خاص يتضمن التنازل عن الغرائز وإدراك الالتزامات المتبادلة. 
ولكن فرويد لا يكتفي بهذا العنصر العملي المادي، إذ نجده يتحدث عن إحساس بالذنب نشأ لدى جماهير الناس منذ عصور ما قبل التاريخ إثر جريمة قتل الأب وغشيان المحارم وأكل لحوم البشر. وانطلاقاً من مفهوم لاماركي تطوري يذهب فرويد إلى أن هذا الإحساس بالذنب أصبح على مدى آلاف الأعوام بمثابة ذاكرة سلالية مكبوتة داخل اللاشعور لها شحنتها القوية الفعالة. وبالتدريج تَحوَّل الأب القتيل إلى صورة الإله السماوي المحب الذي يَعد المؤمنين بالسعادة في عالم آخر إن هم تنازلوا عن رغباتهم الغريزية في هذا العالم، وما الخطيئة الأولى إلا ذكرى جريمة قتل الأب الإله، أما الوليمة الطوطمية والتناول المسيحي فهما شعيرتان يعيد بهما الإنسان تمثيل الجريمة والتهام الأب البدائي. وهكذا يصبح كل شـيء واضـحاً مفككاً، وهكـذا نكتشـف أن عقدة أو عقيدة أوديـب ليسـت محرك الأفراد وحسـب وإنما محرك التـاريخ والحضارة أيضاً. وفي الصفحات الأخيرة من الطوطم والمحرم يقول فرويد: « بوسعي إذن أن أنهي وألخص هذا البحث السريع بالقول بأننا نجد في مُركَّب أوديب بداية الدين والأخلاق والمجتمع والفن ».
ويُظْهر فرويد المقدرة التفكيكية التقويضية نفسها في دراسته للحضارة الإنسانية، فتفسيره لنشأتها لا يختلف كثيراً عن تفسيره لنشأة الفن والدين. فالمدنية تبدأ حين يتفق عدد من البشر على فرض حدود على إشباع الفرد لرغباته. ورؤية فرويد للطاقة الجنسية ـ كما أسلفنا ـ رؤية كمية، فثمة طاقة جنسية محددة في كل فرد وفي كل مجتمع، فإن أشبع كل فرد هذه الطاقة لن يكون هناك مجال للحياة الاجتماعية لكي تستمد من الحياة الجنسية الطاقة الضرورية لتأمين ديمومتها وتأمين تماسك الجماعة. « ولذا تنزع المدنية دائماً إلى وضع حدود لحياة الإنسان الجنسية، فهي في طورها الطوطمي بدأت بتحريم عشق المحارم، ثم تطورت المدنية بتحريماتها وقوانينها وعاداتها لتضع قيوداً جديدة على كل من الرجل والمرأة وهو ما أدَّى بحكم الضرورة الاقتصادية إلى سحب قدر كبير من الطاقة من أصولها الجنسية كإجراء احتياطي صارم. 
وهو يضرب مثلاً لذلك بحضارة الغرب (أي الحضارة المسيحية) التي بدأت بتحريم مظاهر الحياة الجنسية في الطفولة برغم وضوح مظاهرها، ثم أعقبت ذلك بوضع حدود لحياة الراشدين بما تفرض من قصر الاختيار بينهم على أفراد من الجنس الآخر وبما تحرِّم من ضروب الإشباع خارج العملية الجنسية بوصفه شذوذاً غير مباح. وهي في إصرارها على لون واحد من الحياة الجنسية للناس جميعاً تتجاهل الفروق بينهم ولا يعنيها أن يُحرم عدد قليل منهم من المتعة الجنسية وبذا تُنزل بهم ظلماً اجتماعياً فادحاً. وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل إنه حتى الحب الغيري (أي لأفراد من الجنس الآخر) قد تَعرَّض أيضاً لقيود إضافية بتحريمه خارج الزواج الشرعي وخارج الوحدانية، أي أن مدنية الغرب تقول للناس إنها لا تريد من الحياة الجنسية أن تكون في ذاتها مصدراً للذة وأنها لا تحتملها إلا لعدم وجود بديل لها لبقاء الجنس البشري وحسب » (جرجس). 
ثمة صراع جوهري بين رغبة الفرد الذي يأمل في الإشباع الجنسي ومتطلبات المجتمع التي تتعارض مع هذه الرغبات، فنمو المدنية رهن بما تفرضه على الفرد من قيود، ولذا فالإنسان يبغض المدنية. وقد لعب الدين دوراً أساسياً في عملية إعلاء الرغبة الجنسية والرغبة العدوانية عن طريق توليد الإحساس بالذنب بحيث يوجه الفرد إلى نفسه العدوان الفظ نفسه الذي كان يوجهه كطفل في خياله إلى العالم الخارجي على صورة قتل الأب فتصبح هذه النزعة العدوانية من مقومات الضمير. وينشأ توتر بين الضمير وصاحبه يؤدي إلى الشعور بالذنب الذي يظهر في صورة الحاجة إلى العقاب، ثم يَعقُب ذلك الندم. والندم منبعث من ثنائية شعور الطفل إزاء أبيه: البغض والحب معاً (قتل الأب الطوطمي وإشباع دافع البغض ونزعة العدوان من جهة، والحب الذي يظهر في صورة الندم من جهة أخرى). 
ويرى فرويد أن الأديان لم يفتها إدراك الدور الذي يلعبه الشعور بالإثم في المدنية، فزعمت أنها تعمل على خلاص الإنسان من هذا الشعور الذي تسميه الخطيئة. وقد حاولت المسيحية تحقيق هذا الخلاص عن طريق التضحية بحياة فرد واحد يحمل معه ذنوب البشر جميعاً. وهكذا تدعو الأديان إلى المحبة والتضحية بالذات وتُعمِّق في الإنسان الإحساس بالذنب إن أشبع رغباته. وهكذا كلما خطونا نحو المدنية زاد الثمن الذي ندفعه، وهو ثمن باهظ ليس له ما يبرره، إذ أن الرغبة في الإشباع والعدوانية أمور مفطورة في الطبيعة البشرية. 
ويتساءل فرويد عن حكمة الدعوة إلى فضائل مستحيلة مثل كبح جماح الرغبات الجنسية والعدوانية، فكل خبرات الحياة والتاريخ تبيِّن أن الإنسان أناني عدواني بطبعه. وإذا كانت هذه الخصال أساسية في الإنسان فإن الشيوعية، شأنها شأن الدين، تقوم بعملية تزييف للطبيعة البشرية، فالعدوان حَكَم حياة الإنسان كجماعة في العصور البدائية حين لم يكد يكون للملْكية الخاصة وجود، والعدوان يحكم حياته كفرد وهو لا يزال في المهد وحتى قبل أن يكون مفهوم الملكية بمعناها الشرجي قد تكوَّن لديه. 
وحتى إذا زالت من حياة الناس المنافسة من أجل الثروة المادية فستظل المنافسة في مجال العلاقات الجنسية قائمة. ولو زالت المنافسة من هذا المجال وسمحنا بالحرية الجنسية التامة وأزلنا نظام الأسرة (وهو لب حضارتنا) فسوف تكون هناك مجالات أخرى لإشـباع هـذا الميل إلى العـدوان لأن الإنسـان لن يشعر بالراحة دونه. وحينما طَلَب أينشـتاين من فرويد خطاباً يدعـو فيه إلى السـلام رد الأخير عليه قائلاً إن الحـرب أمـر طبيـعي تماماً، إذ أنها ترتكز على أساس بيولوجي مكين « فثمة غريزة للكراهية والتدمير تلتقي في منتصف الطريق مع تجار الحرب » (جرجس). 
ولكن هذا العداء المتبادل بين الناس ينطوي على تهديد مستمر للمجتمع بالتفكك، بل والفناء، لا تجدي في دفعه المصلحة المشتركة بينهم. ولكن في الإطار الدارويني/الفرويدي ثمة حل دارويني/فرويدي للمشكلة، فبدلاً من قمع الميول العدوانية (وهو أمر مستحيل على أية حال) تُوجَّه هذا الميول نحو الجماعات الأخرى أو نحو الأفراد الذين هم خارج الجماعة، ويمكن في هذا الإطار فهم حتمية حالة الحرب والتصفيات العرْقية والدينية. وفي هذا الشأن يذكر فرويد « فضل » اليهود على المدنية، فقد انتشروا في أرجاء العالم ومن ثم اتجه إليهم عدوان الشعوب التي عاشوا بينها فأتاحوا لتلك الشعوب فرصة التنفيس عن طاقة العدوان. 
ولكن في الغابة الداروينية المليئة بالبشر المصابين بالعصاب النفسي والذين لا همَّ لهم إلا إشباع غرائزهم الجنسية والعدوانية يظهر دائماً السوبرمان محرك التاريخ. ويظهر مُركَّب أوديب كنموذج تفسيري لكل شيء، فجماهير السبمن تشعر بحاجتها النفسية العميقة والنظرية للخضوع لسلطة بديلة لسلطة الأب (الذي تم ذبحه في بداية التاريخ والذي يقوم كل طفل بذبحه على الأقل مرة واحدة في حياته). وهذه الرغبة تُوجَد في الإنسان منذ الطفولة ولابد من التعبير عنها، ولذا فهي تتوجه للرجل العظيم الذي يحمل كل سمات الأب، وهو رجل يكون محط إعجابنا وموضع ثقتنا، ولكننا لا نملك إلا أن نهابه أيضاً. هذا الرجل العظيم هو الدكتاتور الذي يعـفينا من مسـئولية التفـكير والاختـيار على المستوى الاجتماعي، وهو المحلل النفسي الذي يلعب الدور نفسه على المستوى الفردي. 
ولكن هذا الحل، شأنه شأن كل الحلول التي يطرحها فرويد، يحوي جرثومة فنائه، فالدين وهم يُعمِّق الإحساس بالإثم، وتوجيه طاقة العدوان للخارج يعني أشكالاً مختلفة من العدوان، وعملية الإعلاء مكتوب عليها الفشل، وزيادة التمدن تعني زيادة الألم، والرجل العظيم يمكن أن يكون رجلاً عصابياً (وكان هتلر يقرع الأبواب). لذا انتهى فرويد بالغوص في العدمية واللاعقلانية المادية: « إنني الآن قادر على أن أنصت دون ارتياب لأولئك النقاد الذين يؤكدون لنا أن المرء الذي يُقوِّم غايات الحضارة ووسائلها لا يسعه إلا أن يَخلُص إلى نتيجة واحدة هي أن كل شيء لا يساوي الجهد المبذول من أجله، وأن الحضارة لم تُنتج لنا في نهاية الأمر سوى ما لا طاقة للإنسان بتحمُّله ». 
وهكذا انتصر الحصان الجامح وسقط راكبه وتحول إيمان العالم العقلاني المادي بسلطان المعرفة إلى استخفاف مطلق بها، تماماً كما أصبحت مهمة المحلل النفسي تحويل البؤس الهستيري إلى شقاء عام! وهكذا يتفكك المفكك الأكبر وتلفه الظلمات التي ادعى أنه اكتشفها في النفس البشرية.
ورغم إسهامات فرويد المهمة في فهم أنفسنا فثمة نقط قصور عديدة لابد من معرفتها لمعرفة حدود المنظومة الفرويدية. 
1 ـ نموذج فرويد المعرفي (شأنه شأن كثير من المفكرين العلمانيين الشاملين في القرن التاسع عشر)، نموذج حلولي واحدي مادي، يحاول تفسير الواقع بأسره في إطار عنصر مادي واحدي كامن في المادة. والنماذج المادية عادةً نماذج واحدية صراعية داروينية. وفرويد لا يمثل استثناءً من هذه القاعدة. وحدود نموذجه هي نفسها حدود النماذج المادية الصراعية، وهو يُسقط من اعتباره إلى حد كبير ما يقع خارج نطاق النماذج المادية مثل مفهوم حرية الإرادة والمقدرة على التكيف، بل على التجاوز الجذري. 
2 ـ نظرية التحليل النفسي نظرية أحادية التفسير ترفض تَعدُّد السببية وذلك يتضح في: 
أ ) تفسير ظاهرة المقاومة: 
فإذا وافق المريض على ما يقوله المحلل فهو يثبت صحة وجهة نظر التحليل النفسي، وإذا لم يوافق فهو يقاوم ما هو موجود داخله بالفعل، وبالتالي يثبت المريض في كلتا الحالتين صحة وجهة نظر المحلل النفسي! 
ب) القدرة التفسيرية المطلقة: 
تدَّعي نظرية فرويد القدرة على تفسير كل شيء بدءاً من فلتات اللسان مروراً بتدخين السجائر وصولاً للعلاقات الجنسية الكاملة، كما تشمل مقدرتها التفسيرية كل المراحل التاريخية منذ بداية ظهور الإنسان حتى نهاية الحضارة مروراً بأية ظاهرة اجتماعية ثقافية تخطر على قلب بشر!.
3 ـ أسقط النموذج الفرويدي الجوانب الاجتماعية ورغبة الإنسان في التواصل مع الآخرين. وكل أتبـاع فرويد الذين تمردوا عليه كان تمردهم يمثل محاولة لاسترجاع بعض العناصر التي أسقطها فرويد (يونج واللاشعور الجمعي ـ أدلر ومفهوم الجماعة والعنصر الاجتماعي). وبالطبع كان هناك من دفعوا أطروحته إلى نتيجتها المنطقية فأثاروا في نفسه الفزع مثل فيتلز (ومع هذا يجب أن نضع في الاعتبار أن فرويد نفسه في كتاباته كان يحاول أن يفلت من قبضة النموذج الحلولي الواحدي المادي، ومن هنا الحديث " الميتافيزيقي" عن ثناتوس والندم). 
4 ـ النموذج الدارويني نموذج طبيعي/ مادي يتسم بالعمومية وبإسقاط الخصوصية الإنسانية والحضارية. وقد حاول فرويد تَجاوُز هذا بتَبنّي النموذج اللاماركي: وهو نموذج يذهب إلى أن الصفات الحضارية المُكتسَبة يتم توارثها، فهو من ثم نموذج مادي علمي يدور في إطار الحتمية (التوارث) ولكنه يُدخل قدراً من الخصوصية (الصفات المتوارثة المكتسبة). ولكن مادية النموذج وعموميته تهزم فرويد فمفاهيم مثل مُركَّب أوديب ومراحل النفس البشرية المختلفة (الفمية ـ الشرجية ـ الكمون ـ التناسلية.. إلخ) هي مفاهيم ومراحل لا تعرف الخصوصية الحضارية ولا الفردية الإنسانية، فهي متحررة من الزمان والمكان. 
فكل البشر، أفراداً وحضارات، يمرون بالمراحل نفسها ويسقط معظمهم صرعى المرض النفسي، فهناك من يكتب قصيدة وهناك من ينتحر أو يُجن. أما التساؤل عن سبب حدوث هذا لشخص بعينه وحدوث العكس لشخص آخر، فهذا ما لا يستطيع النموذج الفرويدي تفسيره. كما لا يمكنه أن يُبيِّن لنا سبب أفضلية كتابة القصيدة على الانتحار. وأخيراً لا يستطيع النموذج الفرويدي أن يُفسِّر لنا لمَ يؤدي عصاب شاعر ما إلى كتابة قصيدة رديئة أو إلى صرخة ألم بينما يؤدي عصاب شاعر آخر إلى كتابة قصيدة عظيمة. 
5 ـ تظهر حدود النموذج الفرويدي في إغفاله طرح بعض الأسئلة الجوهرية. ففرويد يتحدث عن إحساس الإنسان بالذنب بعد مقتل الأب ولا يحدثنا عن مصـدر هـذا الإحسـاس: هل هو تعبير عن اللبيدو والإيروس أم تعبير عن الثناتوس؟ ولمَ يشعر الإنسان بالذنب أساساً؟ ولمَ يتذكر الإنسان شيئاً كريهاً مثل مقتل الأب ويتوارثه ويُشفِّره رموزاً يتعاطاها ليل نهار ثم يحاول بعد ذلك كبتها، مع أنه كان من المفروض، حسب ما تمليه الاتجاهات اللبيدية للإنسان، أن ينسى مثل هذا الفعل ويستمر في قتل الأب واغتصاب الأم والأخوات؟ لمَ هذه اللحظة الفارقة (كما يسميها على عزت بيجوفيتش)؟ لمَ هذا الدُوار الميتافيزيقي الذي يجعل الإنسان يرفض أن يستمر قرداً طبيعياً ويقرر أن يصبح إنساناً معذباً يتذكر الجرم ولا ينساه؟ ألا يشير هذا إلى حس أخلاقي أصيل في الإنسان بجوار اللبيدو؟ إن فرويد يرصد كل هذا ويشير إليه في منظومته، وهو ما يخلق فضاءً إنسانياً داخل المنظومة اللاإنسانية، ومع هذا تظل حدودها المادية مُطبَّقة عليه، تحدد حدود خطابه ومجال حركته ورؤيته. 
6 ـ لا تتسم منظومة فرويد بالشمول وحسب وإنما بقدر من الشمولية. فالأحلام، على سبيل المثال، لها معناها الظاهر الذي يختلف عن المعنى الباطن (الحقيقي) الذي لا يستطيع أحد إلا المفسر (السوبرمان) الوصول إليه. وهذا المفسر القوي قادر على فرض المعنى الذي يراه من خلال آلياته. والمعنى الباطن تعبير عن اللاشعور الذي يُوجِّه سلوكنا اليومي، رغم وجوده خارج دائرة شعورنا وإرادتنا. ولذا حين نكتشف في الإنسان وجود قوة فعالة مثل الحب والتراحم والإحساس بالذنب فإن المفسر القوي يردها إلى اللاشعور الذي يُرد بدوره إلى عالم الهو واللبيدو والظلام. وقد انتهى الأمر بالمحلل النفسي إلى أن يقول: « إن الشعور بالخطيئة تعبير عن اللاشعور » وهو قول متناقض يُبيِّن هيمنة أيديولوجيا اللاشعور الحتمية المادية. 
7 ـ توجد تحيزات في المنظومة الفرويدية تبين أنه يدور أساساً في إطار غربي: 
أ ) أسلفنا الإشارة للرؤية المادية والرؤية التطورية والرؤية الصراعية باعتبارها الرؤى المهيمنة على فرويد، وهي الرؤى السائدة في عصره في أوربا. 
ب) يتبنَّى فرويد نموذجاً ذكَرياً واضحاً في التحليل يتحوَّل فيه القضيب ليصبح الركيزة الأساسية للبناء الفوقي. فنجد أن الطفل يعاني من خوف الخصاء والمرأة تعاني من حسد القضيب. وهذا الموقف من المرأة هو امتداد لرؤية الفكر اليوناني للمرأة باعتبارها مخلوقاً أدنى من الرجل ورؤية الجسد الذكَري بوصفه نموذجاً للكمال والاتساق. 
جـ) يستخدم فرويد مجموعة من الأساطير اليونانية كصور مجازية يكتشف من خلالها النفس البشرية، ولا شك في أن هذا حدّ من مجاله. ولعله لو استخدم أساطير أخرى وصوراً مجازية أخرى لاختلف نطاق الملاحظة واختلفت الشواهد ومن ثم اختلفت النتائج. وقد أشار عديد من علماء الأنثروبولوجيا إلى وجود العديد من المجتمعات يؤدي تطورها التاريخي وطرق تنشئتها لأطفالها إلى تكوين شخصيات مختلفة تماماً عن افتراضات فرويد. وقد طرح أحد العلماء الصينيين سؤالاً عن مركب أوديب في الصين الذي تسود فيه عبادة الأسلاف، وهل يمكن أن ينشأ مثل هذا المركب في مثل هذا المجتمع؟
د ) تعميمات فرويد مأخوذة من مجتمع فيينا في القرن التاسع عشر بكل ما فيه من سمات التشدد والتزمت الجنسي العلني (والانحلال والتفسخ الجنـسي السـري) وهو ما جـعل كثيراً من الاضطرابات تأخذ شكلاً جنسياً. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية    الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Emptyالأربعاء 11 ديسمبر 2013, 11:36 pm

8 ـ كثير من مسلمات فرويد لا يمكن البرهنة عليها ولا يمكن تفسيرها عقلياً.
ولنأخذ قضية الأحلام: 
أ ) ليس هناك ما يدل على ضرورة ربط كل الأحلام بالجنس. 
ب) لم ينكر فرويد نفسه أن الأحلام أحياناً تكون ذات مصدر فسيولوجي مثل عسر الهضم أو الإحسـاس بعـدم الراحة ومن ثم فمثل هذه الأحلام ليست ذات هدف ولا معنى. 
جـ) لم ينكر فرويد أيضاً أن الأحلام تنبع أحياناً من الوعي ذاته ومن ثم لا علاقة لها باللاوعي. ولكن تظل مشكلة مَنْ الذي يقرر تلك المشكلة الأساسية. 
د ) يبدو أن مفهوم فرويد للأحلام والعقل يتناقض مع بعض مكتشفات العالم الحديث. 
9 ـ ثمة مفاهيم لم يستطع فرويد أن يحدد موقفه منها تماماً، ولذا فهي تتسم بالإبهام الشديد. فلنأخذ القمع والإعلاء: هل هي أمور مرغوب فيها أم شيء بغيض؟ ففي محاضراته في جامعة كلارك يتحدث عن إمكانية الإعلاء والتجاوز ويؤكد ضرورة أن تصبح بؤرة الدوافع الجنسية هدفاً أكثر بُعداً من الجنس وأن تكون لها قيمة اجتماعية أعلى. ولكنه في المحاضرة التالية يغوص في الحلولية مرة أخرى ويحذر من تَجاهُل الجانب الحيواني لطبيعتنا، وهذا الإبهام يظهر في كتاباته الحضارية مثل كتاب الطوطم والتحريم و موسى والتوحيد. 
ولعل هذا الإبهام هو الذي أدى بفرويد إلى التركيز على الشخصيات غير السوية. فالجنس بالنسبة لفرويد هو اللوجوس (الركيزة النهائية) والإشباع الجنسي هو التيلوس (الهدف النهائي). ولكنه في الوقت نفسه كان يرى أن الحضارة مبنية على القمع والإعلاء. وهكذا تصطدم الحتمية اللبيدية بالحقيقة الإنسانية الحضارية، فيظهر موضوع مأساة الحضارة. ولذا كان لابد أن يجد فرويد مخرجاً. ومن هنا كان التركيز على الشخصيات غير السوية، فهذه الشخصيات تعبير عن هيمنة اللاشعور والهو وقوانين الطبيعة/المادة، على عكس الشخصيات السوية التي تؤكد مجموعة من القيم الاجتماعية والأخلاقية التي تؤكد حرية الإرادة ومقدرة الإنسان على التجاوز والتي تتناقض مع النموذج المادي. 
ولعل هذا الإبهام في موقف فرويد وعدم حسمه لهذه القضية هو الذي أدَّى في نهاية الأمر إلى استخدام كثير من الناس نظريته في اللبيدو أساساً لتبرير الحرية الجنسية والإباحية والشذوذ، رغم إصراره هو نفسه على أن الكبت، وليس الإشباع، هو أساس الحضارة. فكأن منطق النموذج الواحدي الطبيعي/المادي هو الذي ساد وتفوَّق وهمَّش المقدرة على الإعلاء والتجاوز. 
10 ـ تدثر التحليل النفسي بلغة موضوعية وتحدَّث فرويد بأسلوب يوحي بأنه متجرد من الزمان والمكان، وبأن المفاهيم التي يستخدمها مفاهيم قابلة للاختبار وترقى لمستوى القوانين النظرية العامة.
وهو أمر يشكك فيه معظم الباحثين للأسباب التالية: 
أ ) كثير من المصطلحات التي يستخدمها فرويد إما عامة إلى درجة كبيرة (اللبيدو)، أو خاصة إلى درجة كبيرة (مركب أوديب)، أو غامض إلى أقصى حد (ثناتوس)، أو متناقضة (إيروس وثناتوس). 
ب) هذه المصطلحات تعبِّر عن مفاهيم ومقولات من الصعب اختبارها (وإن كان هناك من المفاهيم الفرويدية ما تم اختباره وبالفعل أثبت مقدرته التفسيرية). 
جـ) بنى فرويد أداءه على أساس نظريات إثنولوجية لم تتأكد صحتها فقد كان يتلقف أية نظرية إثنولوجية يتراءى له أنها تتلاءم وأغراضه رغم أنها أصبحت موضع استهجان من قبَل علماء الإثنولوجيا. وقد قال دفاعاً عن منهجه هذا: « إنني أولاً وقبل كل شيء لست عالم إثنولوجيا بل عالم تحليل نفسي: ومن ثم كان من حقي أن أنتقي من بين المعطيات الإثنولوجية كل ما أراه مفيداً لأبحاثي التحليلية ». وهكذا نراه يقتبس كل ما يبدو مفيداً لوجهة نظره ويتخذه أساساً لنظريته عن نشأة المجتمع والأخلاق والدين. 
د ) كانت طريقة فرويد في جمع البيانات غير منهجية وغير مضبوطة، فهو لم يسجل كلام المرضى مباشرةً بل كان يدونه بعد الجلسات، الأمر الذي يثير إمكانية أنه كان يعيد تفسيرها وهو يسجلها في وقت لاحق. كما أنه لم يحاول أن يتأكد من صحة أقوال مرضاه. وقد بدأت تظهر معلومات تبيِّن أنه كان ينام أحياناً أثناء مقابلاته مع مرضاه، كما كان يكتب بعض خطاباته أثناء الجلسات. بل إن هناك أيضاً من الأدلة ما يشير إلى أنه كان يزيف المعلومات أحياناً. ويُقال إنه نصح أحد المرضى بأن يترك زوجته بناءً على طلب عشيقة المريض التي دفعت لفرويد مكافأة مالية نظير هذا. وهناك كذلك قضية علاقته بأخت زوجته. 
هـ) كان فرويد يلوي عنق الحقائق فمريضته الشهيرة دورا على سبيل المثال قالت إن أحد أصدقاء أسرتها تحرش بها جنسياً، فكتب فرويد أنها تقمع ذكريات الطفولة عن ممارسـة العادة السـرية بل وتكبت رغبتهـا في أن يتم التحرش بها جنسياً. وحينما كانت دورا ترفض ادعاءات فرويد كان يخبرها أن رفضها يعني القبول لأنها مقاومة لا شعورية. فقد كان فرويد يرفض أية إجابة لا تتفق مع وجهة نظره طالما استقر رأيه على شيء، وكان يستخدم كل ذكائه وكل قدرته على الإقناع لإجبار مريضه على التصريح بصحة رأيه. 
و ) لم يشرح فرويد قط طريقة استخلاصه للنتائج من البيانات التي جمعها. 
ز ) نطاق البيانات التي جمعها فرويد كان ضيقاً للغاية فقد استند أساساً إلى بعض المشاهدات التي كان مجتمع فيينا يزخر بها، كما أن انتماءه اليهودي ساهم ولا شك في تضييق نطاق هذه البيانات. كما أن خبراته الشخصية كانت محدودة إلى حد كبير. ورغم كل هذا جعل فرويد من تلك المشاهدات أساساً لنظرية عامة في الشخصية تُطبَّق على الناس جميعاً أياً كان الوضع الحضاري الذي يعيشون فيه. 
11 ـ ويقودنا هذا إلى النقطة الأخيرة وهي شخصية فرويد نفسه، وهي قضية مهمة بسبب ارتباط التحليل النفسي به. ومن المعروف الآن أن فرويد لم يكن شخصية سوية تماماً، فقد كان يعاني ـ كما بيَّنا ـ مشكلة هوية حادة بسبب كونه يهودياً غير يهودي، الأمر الذي سبَّب كثيراً من الإبهام في مفاهيمه. 
ويشير الدكتور قدري حفني إلى شخصيته التسلطية وكيف أنه كان لا يقبل المعارضة. فحينما اختلف مع يونج وصفه بأنه الكذاب ـ المدعي ـ المهرطق (وهو ما يُبيِّن أن فرويد كان يرى أن التحليل النفسي البديل العلماني للدين، وأن المفسر هو البديل العلماني للكاهن). وحيث إن المسألة مسألة دينية فإن فرويد كتب إلى إرنست جونز مشجعاً إياه على طرد أنصار يونج من جمعية لندن مستخدماً في خطابه مصطلحاً شـبه ديني («إن عزمك على تطـهير جمعيـة لندن من أنصار يونج لأمر رائع»).
ووصف فرويد أدلر، بعد اختلافهما، بأنه « كومة من النفايات مليئة بالسم والشر». وقال إنه « صنع من القزم عملاقاً ». فرد أدلر: "... حتى القزم، إذا ما احتل مكانه على كتفي عملاق ضخم، فإنه يستطيع أن يرى أبعد ممن يحمله". فرد فرويد، مرة أخرى، قائلاً: «... قد يصدق ذلك على القزم، ولكن لا يصدق، بحال، على قملة في شعر ذلك العملاق ». 
بل إن الأمر ليمضي إلى ما هو أبعد من ذلك. فبعد وفاة أدلر، في الأول من مايو 1937، كتب آرنولد زفايج إلى فرويد معبِّراً عن تأثره لذلك، إذ أن أدلر وافته المنية فجأة وهو يسرع الخطى عبر أحد شوارع إسكتلندا في طريقه لإلقاء إحدى محاضراته، فإذا بفرويد يكتـب لزفايج، في 22 يونيـه 1937، مؤنباً إياه، لإبدائه مثل تلك المشاعر، قائلاً: «... إنني لا أفهم تعاطفك من أجل أدلر. إن ملاقـاة الموت في أحد الشـوارع الفاخرة في إسكتلندا ليُعدُّ، بالنسبة إلى ولد يهودي خرج من ضاحية متواضعة من ضواحي فيينا، حدثاً رائعاً في حد ذاته، ودليلاً على مدى ما بلغه من رفعة. لقد كافأته الدنيا بسخاء نظير ما قدمه من خدمات بمعارضته التحليل النفسي ». وكل هذه الملاحظات تدل على ضيق الأفق والتسلط والفشل الذريع في فهم الآخر. 
وقد ترك فرويد أثراً عميقاً في كثير من العاملين بالتحليل النفسي. فقام بعض أتباعه ببلورة بعض العناصر في المنظومة الفرويدية دون غيرها. ففيتلز مثلاً ذهب إلى أن الترخيصية الجنسية هي الحل الطبيعي لمشاكل البشر النفسية. وقام ويلهلم لايخ بالبحث عن الحل السحري في طاقة الأورجون التي ذهب إلى أنها الأساس العلمي للتحليل النفسي، وتحدث كارل أبراهام الألماني عن « سقوط قضيب الأم ». وقد تحوَّل التحليل النفسي في الولايات المتحدة إلى نوع من العبادة الوثنية حيث صار المحللون يعتقدون أنهم كهنة وأن مهنتهم مقدَّسة. وامتلأت كتب التحليل النفسي بالترهات التي تهدف إلى إقناع الفرد بأن كل ما يفعله سويّ، طالما أنه يريحه نفسياً ويُشبع رغباته. 
وعلى المستوى الفلسفي أكد بعض أتباع فرويد البُعد الحتمي، فذهب لاكان الفرنسي إلى أن اللاشعور هو الأساس فاستخدم منهج اللغويات ليخبرنا بأن اللاشعور هو من يتكلم أو يفكر حينما يتكلم الإنسان أو يفكر. كما ذهب لاكان إلى أن الاتصال البشري مستحيل حيث إن اللاشعور سيتدخل في الطريق. ولكن ظهر محللون نفسيون رفضـوا مثل هـذه الحتمـية مثل إريك إريكسون وإريك فروم ودونالد وينكوت. فإريكسون يُصِّر على تاريخية طريقة التحليل النفسي وبالتالي ينفي عنها الجانب الحتمي والفكر الاختزالي الذي يقفز من الفرد إلى المجتمع، ويتحدث عن الروح والخالق كضرورة للإيمان والثقة (على عكس فرويد « الذي لا إله له » على حد قوله). وبالمثل يرى وينكوت أنه لا يكفي أن نقول إن ثمة سبباً عضوياً للمرض النفسي، بل يجب أن نتساءل عن سبب اختلال هذا التوازن العضوي من الداخل. فالإنسان ليس آلة ولا مجموعة مركبات. والسؤال الأساسي عنده هو: لماذا وكيف أصبح الإنسان إنساناً؟
البُعـــد "اليهــودي" في رؤيــــة فرويــــد 
The Jewish Dimension Of Freud's World VIEW 
من القضايا الأساسية التي تثار في الدراسات الخاصة بتاريخ التحليل النفسي والمنظومة الفرويدية قضية البُعد اليهودي فيها، ويمكننا أن نؤكد ابتداءً أن فرويد ينتمي بشكل كامل إلى الحضارة الغربية التي هيمن عليها نموذج العلمانية الشاملة والتي كانت قد بدأت تدخل مرحلة السيولة واللاعقلانية المادية. ويُعتبَر فرويد من أهم مفكري هذه الحضارة ومنظريها، ولا يمكن فَهْم فكره إلا في إطار الحضارة الغربية الحديثة. ومع هذا يذهب كثير من مؤرخي الأفكار إلى القول بأن التحليل النفسي « علم يهودي » يضرب بجذوره في طبيعة اليهود النفسية (وهذه مقولة أخذ بها النازيون وكثير من الصهاينة). والمدافعون عن هذا الرأي (أ. روباك A.Roback ـ إيزيدور سادجر Sadger ـ إرنست جونز Jones) يسوقون قرائن عديدة من بينها أن اليهود دائمو التأمل في أسباب الظواهر، ويتضح هذا في مزامير داود وفي التلمود. 
وهذا التفسير يربط بين التحليل النفسي وبعض الصفات الأزلية الثابتة في طبيعة اليهود. وهناك من يحاول أن يُدخل بُعداً تاريخياً فيذهب إلى القول بأن التحليل النفسي هو محاولة اليهودي أن يعالج عُصابه الناجم عن وجوده الدائم في المنفى. وتذهب سوزان هاندلمان إلى أن فرويد إن هو إلا تعبير عن تقاليد الهرمنيوطيقا المهرطقة (انظر الباب المعنون «اليهود واليهودية وما بعد الحداثة») وهو جزء من انتقام اليهودي من مجتمع الأغيار الذي اقتلعـه من مكانه، ولذا فاليهـودي يقـوم بتفكيك الحضارة الغربية المسيحية، تماماً كما قامت هذه الحضارة بتفكيكه. ومثل هذه الأفكار تلاقي رواجاً غير عادي في بعض الأوساط في العالم العربي، وتُستخدَم في تدعيم الرأي القائل بوجود « مؤامرة يهودية » تعبِّر عن الجوهر اليهودي. 
وكان فرويد نفسه يغذي هذه الأفكار فكان يربط بين التحليل النفسي وانتمائه اليهودي، فالمقاومة التي لاقاها التحليل النفسي كانت، في تَصوُّره، جزءاً من رفض الحضارة الغربية لكل ما هو يهودي. والتحليل النفسي في تصوره كان من إبداعه (« لمدة عشر سنوات كنت أنا الشخص الوحيد الذي انشغل به ولا أحد يعرف أكثر مني ما هو التحليل النفسي »). 
وكان فرويد يتصور أن عالم الأغيـار سيرفض التحليل النفسي بسبب يهوديته ولذا كان يتصـور أنه لابد من إعطائه واجهة «مسيحية». وكان هذا هو الدور المُوكَل ليونج ابن الراعي السويسري. فكتب فرويد إلى كارل أبراهام (1908) خطاباً يحثه فيه على كسب مودته « فيونج مسيحي وابن قسيس [ولذا فهو] يجد عناصر مقاومة داخلية شديدة تعوق اقترابه مني. ونحن لا غنى لنا إطلاقاً عن رفاقنا الآريين كافة، وإلا سقط التحليل النفسي ضحية معاداة اليهود ». وحينما اعترض أتباع فرويد على ترشيح يونج لرئاسة الجمعية الدولية قال لهم فرويد: « إن معظمكم من اليهود ومن ثم فإنكم لن تستطيعوا ضم أصدقاء للفكر الجديد. 
على اليهود أن يَقنَعوا بدورهم المتواضع في تمهيد الطريق، فمن أشد الأمور أهمية بالنسبة لي أن أستطيع إيجاد روابط مع دنيا العلم. وها أنتم ترون أني أتقدم في السن وأشعر بالتعب من الهجوم المتواصل. إننا جميعاً [أي اليهود العاملين في حقل التحليل النفسي] في خطر ». ثم أمسـك فرويد بثنيـة سـترته ومـضى يقول بطريقة مسرحية: « إنهم لن يتركوا لي سترة أغطي بها ظهري ولكن السويسريين [أي المسيحيين] سينقذوننا سينقذونني، وسينقذونكم جميعاً أيضاً ».
وكان فرويد كثيراً ما يتباهى باليهودية وبانتمائه اليهودي، فكان يرى أن الشعب اليهودي قَدَّم التوراة للعالم، وأن اليهودية مصدر طاقة لكثير مما كتب. وقد أكد أكثر من مرة أنه كان دائماً مخلصاً لشعبه « ولم أتظاهر بأنني شيء آخر: يهودي من مورافيا جاء أبواه من جاليشيا ». وحينما سأله صديق يهودي عما إذا كان من الواجب على اليهود أن يوجهوا أولادهم لاعتناق المسيحية (وهو أمر كان شائعاً بين اليهود آنـذاك، بل من المعروف أن بعـض أقـارب فرويد قد تَنصـَّروا) رد قـائلاً : « اليهودية مصدر طاقة لا يمكن أن تُعوَّض بأي شيء آخر، [فاليهودي] عليه كيهـودي أن يكافح، ومن الواجـب أن يُنـمِّي في نفسـه كل هذا الكفاح، فلا تحرمه من هذه الميزة،. 
وقد انضم فرويد لجماعة بناي بريت عام 1895 وفيها ألقى أولى محاضراته عن تفسير الأحلام. وفي 6 مايو عام 1926 أقامت الجمعية حفلاً خاصاً بمناسبة بلوغه السبعين من عمره. ولم يَحضُر فرويد هذا الحفل وأناب عنه في حضوره طبيبه الخاص البروفسور لدفيج براون الذي ألقى كلمته والتي تضمنت قوله «... إن كونكم يهوداً لأمر يوافقني كل الموافقة لأنني أنا نفسي يهودي. فقد بدا لي دائماً إنكار هذه الحقيقة ليس فقط أمراً غير خليق بصاحبه، بل هو عمل فيه حماقة أكيدة. إنني لتربطني باليهودية أمور كثيرة تجعل إغراء اليهودية واليهود أمراً لا سبيل إلى مقاومته، قوى انفعالية غامضة كثيرة كلما زادت قوتها تَعذَّر التعبير عنها في كلمات. 
بالإضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية، الخلوة الآمنة لتركيب عقلي مشترك. ثم بعد هذا كله كان إدراكي أنني مدين بالفضل لطبيعتي اليهودية فيما أملك من صفتين مميزتين لم يكن في وسعي الغناء عنهما خلال حياتي الشاقة: فلأني يهودي وجدت نفسي خلواً من التحيزات التي أضلت غيري دون استخدام ملكاتهم الذهنية، وكيهودي كنت مستعداً للانضمام إلى المعارضة وللتصرف دون موافقة الأغلبية الساحقة. 
وهكذا وجدت نفسي واحداً منكم أقوم بدوري في اهتماماتكم الإنسانية والقومية، واكتسبت أصدقاء من بينكم، وحثثت الأصدقاء القليلين الذين تبقوا على الانضمام إليكم». ولكنه بعد خمسة أعوام نجده يكتب رداً على تهنئة حاخام فيينا له بمناسبة عيد ميلاده الخامس والسبعين يقول: « في مكان ما في أعماق روحي أشعر أني يهودي متعصب.. وأني شديد الدهشة أن أكتشف نفسي هكذا، رغم كل جهودي للوصول للموضوعية ولإنكار التحيز »، أي أن اليهودية التي جعلته خلواً من التحيزات في سن السبعين، جعلته غير قادر على إنكار التحيز في سن الخامس والسبعين. هل هذه سقطة فرويدية، بمعنى أنه فـي المرة الأولى كان يدَّعي خلـوه من التـحيزات حين كان يُلقي خطاباً عاماً، وفي المرة الثانية سقط القناع وكشف مكنون نفسه لأنه يكتب خطاباً خاصاً لحاخام؟ 
بل يبدو أن فرويد كان يغازل الصهيونية ويظهر هذا في تباهيه بما يُسمَّى «الشعب اليهودي». وكان فرويد يعرف تيودور هرتزل ويوليه الاحـترام ويشـير إليـه باعتـباره « الشـاعر والمحارب من أجل حقوق شعبنا ». وأرسل إليه أحد كتبه مع عبارة إهداء شخصي عليه. وكان أحد أبناء فرويد عضواً في جماعة قديما الصهيونية، كما كان هو نفسه عضواً فخرياً بها. 
وقد كتب فرويد إلى إحدى تلميذاته من العاملات بالتحليل النفسي، وهي إشبيلر اين، بعد أن علم أنها توشك أن تضع طفلاً، يقول لها: "... أود لو خرج الطفل ذكراً أن يصير صهيونياً متعصباً.. إننا يهود، وسـنظل يهوداً.. وسـيبقى الآخرون، على اسـتغلالهم لنا، دون أن يفهمونا، أو يقدرونا حق التقدير » (الخطاب مؤرخ في أغسطس 1913 ولكنه لم يُنشَر إلا عام 1982). وكان فرويد عضواً في مجلس أمناء الجامعة العبرية بالقدس، وكان يفتخر بذلك ويقول عنها « جامعتنا". 
ويُشير الدكتور قدري حفني إلى ما يسميه «التنظيم الصهيوني الفرويدي». فقد نشر فرويد عام 1914 كتيباً بعنوان تاريخ حركة التحليل النفسي أشار فيه إلى تشكيل الرابطة الدولية للتحليل النفسي عام 1902 "حين تشكَّلت حولي مجموعة من أطباء شبان، كان هدفهم المعلن تَعلُّم وممارسة ونشر التحليل النفسي... وبعد سنتين من المؤتمر الأول الخاص للمحللين النفسيين، انعقد المؤتمر الثاني في نورمبرج هذه المرة في مارس 1910، وفي الفترة الفاصلة بين هذين المؤتمرين... وإزاء العداء المتزايد الذي كان يُواجَه به التحليل النفسي في ألمانيا... صمَّمت مشروعاً، وأفلحت أثناء ذلك المؤتمر الثاني، في وضعه موضع التنفيذ، بمساعدة صديقي س. فيرنزي. وكان هذا المشروع يرمي إلى تزويد حركة التحليل النفسي بتنظيم... تحاشياً للتجاوزات التي يمكن أن تُرتكَب باسم التحليل النفسي... وكنت أرغب، أيضاً، في أن تقوم بين أنصار التحليل النفسي علاقات صداقة وتآزر ولهذا، وليس لأي شيء آخر، كنت أرغب في قيام الرابطة الدولية للتحليل النفسي...".
كان ذلك هو أقصى ما صرَّح به فرويد علناً آنذاك. أمّا ما نُشر بعد ذلك بأعوام طوال، فقد كان مختلفاً تماماً. لقد قام المحلل النفسي المعروف، إرنست جونز، ابتداءً من عام 1953، بالشروع في نشر سيرة حياة فرويد. وكان جونز آنذاك آخر الأحياء من القيادة السرية للتنظيم الصهيوني الفرويدي. وتضمَّنت تلك السيرة، التي نُشرت في ثلاثة أجزاء، العديد من الخطابات المتبادلة بين فرويد وخلصائه، ومن بينهم أعضاء تلك القيادة السرية، والتي كانت تضم، إلى جانب فرويد، كلاً من جونز وفيرنزي وساخس ورانك وأبراهام، وإيتنجتون الذي انضم إلى تلك القيادة بعد تشكيلها بعدة أعوام. 
أشار جونز إلى أن بداية التفكير في تشكيل تلك القيادة السرية ترجع إلى يوليه 1912 حيث اقترح جونز على فيرنزي اقتراحاً مؤداه تشكيل « جماعة صغيرة من المحللين الموثوق فيهم كنوع من الحرس القديم الذي يحيـط بفرويد ». ونوقـش هـذا الاقتراح، بالتفصيل مع فرويد، الذي استجاب له فوراً وبصورة إيجابية. 
وتتضح تفاصيل هذا الاقتراح، وكذلك طبيعة استجابة فرويد له، في خطاب بعث به فرويد إلى جونز، يحمل تاريخ الأول من أغسطس 1912، أي بعد مرور أقل من شهر على بزوغ الفكرة، ذكر فيه: "... إن ما استولى على خيالي فوراً هو فكرتك عن مجلس سري يتألف من خيرة رجالنا وأكثرهم استحقاقاً للثقة، للقيام على أمور التطورات اللاحقة للتحليل النفسي، وللدفاع عن القضية في مواجهة الأشخاص والأحداث بعد وفاتي... وقبل كل شيء، ينبغي أن تلتزم تلك اللجنة السرية المطلقة، سواء فيما يتعلق بوجودها أصلاً، أو فيما يتعلق بأعمالها... ومهما أتت به الأيام المقبلة، فإن القائد المقبل لحركة التحليل النفسي ينبغي أن يخرج من بين هذه الحلقة الصغيرة المختارة من الرجال...". 
ولم يمض عام حتى عقدت تلك القيادة أول اجتماعاتها في منزل فرويد، الذي أهدى لكل من أعضائها فصاً إغريقياً قديماً من مجموعته، وقام هؤلاء بتركيب هذا الفص على خاتم ذهبي، كان فرويد يلبس مثيلاً له. وحين انضم إيتنجتون إلى القيادة، أهدى فرويد إليه خاتماً مماثلاً كذلك. 
وكان عدد اليهود بين أتباع فرويد كبيراً بشكل ملحوظ. فحلقة النقاش الأسبوعية التي بدأها عام 1902 كان يحضرها يونج وأدلر ورانك وجونز وأبراهام وإيتنجتون ورايك وفيتلز وفرنزي، وكلهم من اليهود ما عدا يونج وجونز. ويشير الدكتور قدري حفني إلى الصهاينة منهم. فماكس إيتنجتون، مثلاً، وهو أحد أعضاء القيادة السرية للتنظيم الفرويدي الصهيوني، قرر، في سبتمبر 1933، أن يغادر ألمانيا إلى فلسطين، حيث أقام هناك بقية حياته، وأنشأ «الجمعية الفلسطينية للتحليل النفسي » التي ما زالت قائمة حتى الآن، بعـد أن تغيَّر اسـمها طبعاً. 
وقـال المحلل النفـسي سـيدني بومر: « لم يكن انتقـال إيتنجتون إلى إسـرائيل مجرد اسـتجابة لضرورات الحرب، بل كان نتيجة طبيعية لميله، طوال حياته، إلى الصهيونية ». أما المحلل النفسي الشهير، إرنست سيميل، والصديق الصدوق لماكس إيتنجتون، فهو صاحب الكتاب المعروف المعاداة للسامية مرض اجتماعي، وفيه يُرجع المشكلة اليهودية برمتها إلى أسباب نفسية خالصة. ولقد بلغ من تقدير فرويد لسيميل أنه أهداه، عام 1939، ذلك الخاتم الشهير نفسه الذي سبق أن أهدى مثله لأعضاء القيادة السرية للتنظيم قبل ذلك بسنوات طوال. 
أما سيجموند برنفيلد، المحلل النفسي، فهو نفسه ذلك العضو البارز في المنظمات الصهيونية، الذي تَبنَّى أفكار الفيلسوف الصهيوني مارتن بوبر، وكرَّس جانباً كبيراً من كتاباته النفسية لإبراز خصائص الشعب اليهودي، والدفاع عن فكرة «فلسطين كوطن قومي لليهود». وقد زكَّاه فرويد بقوله: "... إنه خبير بارز في التحليل النفسي. واعتبره واحداً من أقوى العقول بين تلامذتي وأتباعي...". وكذلك الحال بالنسبة للطبيب والمحلل النفسي فيلكس دويتش، الذي كان، منذ شبابه، من أنشط أعضاء التنظيم الطلابي الصهيوني في فيينا، والذي التقى، في صفوف هذا التنظيم، بمارتن فرويد، ابن سيجموند فرويد؛ ومن خلال لقائهما، عرف دويتش طريقه إلى فرويد والفرويدية. 
أما فيما يتصل بتكوين فرويد الثقافي فنحن نعرف أنه درس العبرية والتوراة في طفولته. ومن المؤكد أن فرويد كان على علم بالتراث القبَّالي فأبواه كانا من خلفية حسيدية، وكان جلينيك، وهو واحد من أشهر العلماء القبَّاليين، يعطي محاضراته في فيينا في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر. 
ورغم أن أحداً لم يدرس مدى معرفة فرويد بالحركة الفرانكية التي نبعت من الحركة القبَّالية، وحققت انتشاراً واسعاً بين العناصر الثورية اليهودية، إلا أن بوسعنا أن نفترض أن فرويد كان على علم بها وبرؤيتها للكون. وعلى كل لا يتطلب التأثر بالأفكار المعرفة المتخصصة والقراءة المباشرة للأعمال الأصلية، إذ يكفي أن يعيش المرء في مناخ فكري معيَّن وداخل تشكيل ثقافي معيَّن ليستوعب أفكاره الرئيسية. وهناك الملايين من «الرومانتيكيين » في بلادنا ممن استقوا رؤيتهم الرومانسية لا من جان جاك روسو ولا أشعار جوته أو وردزورث وإنما من الأغاني والأفلام والروايات العاطفية الشعبية والثقافة الشائعة. 
والمناخ الذي كان يعيش فيـه فرويد ويتحرك كان مشـبعاً بالأفكار والصـور الحلولية الكمونية اليهودية. وذكرى الحركة الفرانكية ذات النزعة الترخيصية كانت لا تزال حية في الأذهان، بخاصة بين يهود اليديشية في جاليشيا، وفلولها كانت لا تزال موجودة، وابنة رئيس الحركة (التي تقول بعض المراجع إنها كانت تعاشر أباها جنسياً، كجزء أساسي من طقوس الجماعة الترخيصية) ظلت تترأس الحركة حتى وفاتها في منتصف القرن التاسع عشر، وكان كثير من أعضائها منبثين بين النخبة الثقافية في أوربا. 
بعد تناول ادعاءات فرويد عن يهوديته وتعصبه وصهيونيته وعن العلم اليهودي، وبعد الحديث عن خلفية فرويد الثقافية اليهودية يظل السؤال مطروحاً: هل المنظومة الفرويدية بالفعل «منظومة يهودية »؟ وهل التحليل النفسي « علم يهودي » كما يدَّعي الصهاينة وأعداء اليهود في آن واحد، وكما يدَّعي فرويد نفسه أحياناً؟ في تصورنا أن الإجابة على هذا السؤال مركبة. وباختصار شـديد نحـن نذهب إلى القول بأن المنظومة الفرويدية قد تكون «يهودية » ظاهراً ولكنها في حقيقة الأمر منظومة علمانية شاملة، وبأن عناصرها اليهودية الصميمة تشبه بنيوياً عناصر داخل المنظومة العلمانية الشاملة، بسبب الإطار الحلولي الكموني الذي يجمع بينهما. 
ولنبدأ بتناول البُعد اليهودي الظاهر في المنظومة الفرويدية. ولإنجاز هذا يجب أن نُضيِّق نطاق الرؤية ونركز لا على التلمود كله وإنما على بعض العناصر الحلولية فيه وعلى القبَّالاه (وقد اعتمدنا على كتاب صبري جرجس، وعلى دراسة باكان فرويد والتقاليد الصوفية اليهودية). 
1 ـ لعل أهم نقط التماثل بين المنظومة الفرويدية والمنظومة القبَّالية هي مركزية الجنس في كليهما. وقد سُمِّيت الفرويدية «النظرية الجنسية الشاملة» أي «الواحدية الجنسية»، وهي تسمية لها ما يبررها. فالجنس ـ حسب تصور فرويد ـ ليس وراء كل سقم نفسي وحسب، بل إن طاقته هـي المحرك أيضـاً لكل ما يَصدُر عنه من وجوه النشـاط من لحظة أن نُولَد. والجنس ليس مقصوراً على العلاقة الجنسية، ولكنه في واقع الأمر صورة مجازية تتخلل على نحو ما كل النشاط الإنساني، وضمن ذلك نشاط الإنسان العلمي والفني. وهذا لا يختلف كثيراً عن استخدام القبَّالاه للجنس كصورة مجازية أساسية في رؤيتها للعالم فقد عزا التراث القبَّالي إلى الإله صفة الجنسية. فالتجليات النورانية العشرة (سفيروت) كان يتم التعبير عنها من خلال رموز وصور مجازية جنسية. وتُعدُّ الشخيناه (السفيروت العاشر) التعبير الأنثوي عن الإله. 
وفي صدد ما جاء عن الجنس في التراث القبَّالي يذكر باكان أن هذا التراث يتضمن عشرة أسفار هي الفيض القدسي والسلطات الخفية للإله، وكل جزء منها مرتبط بجانب من الإله. وتاسع هذه الأسفار اسمه «يسود» (ويعني الأساس) ومكان اليسود الأعضاء الجنسية لآدم قدمون أو الإنسان الأول وهو المايكروكوزم (العالم الأصغر) الذي يقابل الماكروكوزم (العالم الأكبر). (انظر: «الموضوعات الأساسية الكامنة في القبَّالاه وبنية الأفكار» ـ «التجليات النورانية العشرة [السفيروت]» ـ «التجلي الأنثوي للإله [الشخيناه]»). وقد وصف بعض الحاخامات القبَّالاه بأنها قامت بتجنيس الإله وتأليه الجنس، وهذا وصف دقيق أيضاً للمنظومة الفرويدية على الأقل في جانبها الاختزالي الشائع.
2 ـ ثمة نقطة التقاء بين الفكر القبَّالي والفكر الفرويدي تتمثل في المعرفة أو «داث»، فداث في التراث القبَّالي تَنتُج من اتحاد «حوخماه» أو الحكمة و«بيناه» أو الفهم. والحوخمـاه مفهـوم ذَكَري والبيـناه مفهـوم أنثوي، وبذا تكون داث النسل المقدَّس لاتحادهما الخفي. 
غير أن المعرفة (داث) تُستخدَم أيضاً في التوراة بمعنى الاتصال الجنـسي. وأول اسـتخدام لهـا ورد في (تكوين 4: 1) بهـذا المعـنى، « وعرف آدم امرأته حواء فحبلت... »، وقد تكرر استخدام الكلمة بالمعنى نفسه في مناسبات متعددة بعد ذلك. 
ويذكر باكان أن الزوهار يتحدث عن الاتصال الجنسي بوصفه «الكشف عن العرى». ولما كانت كلمة بيناه التي تعني «الفهم» تعني في الوقت نفسه «الأم» فإن الرجل الذي يخطئ جنسياً يكون في الوقت نفسه كأنه قد « كشف عن عرى الأم » (بيناه). وفرويد يخال أنه وصل إلى الفهم (بيناه) بالكشف عن اللاشعور، أي الكشف عن عرى العقل في الإنسان. ويتضمن مفهوم الموقف الأوديبي خيال الأم العارية. والمعرفة (داث) في التراث القبَّالي تَنتُج من اتحاد الحكمة والفهم، والمعرفة (الاستبصار) عند أصحاب التحليل النفسي الفرويدي ثمرة اتحاد الشعور واللاشعور. وهذا الاتحاد في ذاته كما يقولون خبرة شهوية عميقة من حيث أنه يتناول الكشف عن الموقف الأوديبي، أي اكتشاف المرء عقدة أوديب داخل نفسه والكشف عنها ثم الكشف عما تنطوي عليه من خيال الأب والأم في العلاقة الجنسية، ومن حلول الطفل، خيالاً أيضاً، محل الأب في هذه العلاقة. 
والعلاقة بين المعرفة والجنسية لها شواهد أخرى عند فرويد أيضاً، فقد ذكر في مجموعة مقالاته أن الطفل في سن الثالثة إلى الخامسة، حين تصل حياته الجنسية إلى قمتها الأولى، يبدأ يبدي من النشاط ما يمكن أن يُعزَى إلى رغبته في التقصي والمعرفة، كما أن الرغبة في المعرفة لدى الأطفال، فيما يرى فرويد، تتجه على نحو عنيف وفي فترة مبكرة إلى المشكلات الجنسية. بل إن التحليل الفرويدي ليمضي في هذا الاتجاه إلى مدى أبعد فيزعم أننا نكون أكثر دقة إذا قلنا إن هذه المشكلات (الجنسية) قد تكون أول ما ينبه رغبته في المعرفة عموماً. 
3 ـ ثمة نقطة التقاء أخرى أشار إليها باكان هي تلك المرتبطة بما جاء بالزوهار من نسبة الجنسية الثنائية للإنسان، فالإله ينطوي داخل نفسه على الشخيناه وهي مرادفه الأنثوي. وآدم الذي خُلق على مثال الإله كان ينطوي على مرادف أنثوي هو الضلع الذي خُلقت منه حواء. جاء بالتوراة « فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم » (تكوين 2: 21 ـ 22)، وجاء بها أيضاً « وهذه تُدعَى امرأة لأنها من إمرئ أُخذت » (تكوين 2: 23). 
والفكر القبَّالي ينطوي على أن الذكر والأنثى قطبان لكيان واحد، كما أن الزوهار يتضمـن أن « الإلــه لا يبـارك مكاناً إلا حيـث يجتمــع فيــه رجل وامرأة، وأن الرجل لا يُسمَّى رجلاً إلا إذا اتصـل بامرأة.. والرجل غير المتزوج ناقص وتعوزه نعمة الإله ». ويذهب فرويد إلى أن الإنسان يُولَد بتركيب جنسي ثنائي، وأن هذه الثنائية تنفصل فيما بعد، ولكن التحقيق في حياة الإنسان لا يصل إلى غايته إلا بعودة هذه الثنائية إلى الاتصال مرة أخرى في العلاقة الجنسية السوية. 
4 ـ في سفر براخوت في التلمود وردت آراء عن الأحلام تشبه كثيراً من آراء فرويد. فقد ورد في هذا السفر « إن المرء لا يرى في الحلم إلا ما توحي به أفكاره.. »، فالأحلام تعبير عن رغبة لدى الحالم وبالإمكان تفسيرها عن طريق اللـعب بالألفـاظ وهي ذات مدلول جنسي،وهي في أساسها تعبير رمزي،كما أنها تعبِّر عن الصراع بين دوافع « الخير» ودوافع « الشر».وهذه جميعاً تطابق ما قال فرويد عن الأحلام. 
ومن المعالم البارزة في سفر براخوت أنه يستخدم الخيالات الجنسية ليرمز إلى المعرفة فيقول « إذا حلم إنسان بأنه يتصل بأمه جنسياً فله أن يتوقع الوصول إلى الفهم.. وإذا حلم بأنه يتصل جنسياً بعذراء مخطوبة فله أن يتوقع الوصول إلى معرفة التوراة... وإذا حلم شخص بأنه يتصل جنسياً بامرأة متزوجة فله أن يثق في أنه على موعد مع القدر بالنسبة لمستقبل العالم، بشرط ألا يكون على معرفة بها وألا يكون قد فكَّر فيها أثناء المساء ». وقد وصف سفر براخوت قاعدتين رئيسيتين لتفسير الأحلام، الأولى أن كل الأحلام ذات معنى، فالحلم الذي لا يُفسَّر كالكلمة التي لا تُقرأ، والثانية أن كل الأحلام تخرج من الفم وأن كل الأحلام تتبع تفسيرها. 
5 ـ ثمة نقطة التقاء أخيرة بصدد ما يراه التراث القبَّالي في المراحل السابقة للبلوغ. جاء بذلك التراث، فيما روى باكان، أن المراحل السابقة للبلوغ تسودها دوافع شريرة. وفي هذا المعنى قال الزوهار إن الطفل بمجرد ولادته يرتبط « الملقن » الشرير به ويظل يلازمه حتى يصل إلى سن الثالثة عشرة حين يجيء إليه « الملقن » الخيِّر.ومنذ ذلك التاريخ يلازم الملقنان الرجل، الخيّر عن يمينه والشرير عن يساره. 
فإذا رجعنا إلى كتاب فرويد مقالات ثلاث في نظرية الجنسية ألفيناه يُقرر أن كل ما نعده انحرافاً جنسياً في حياة الإنسان بعد مرحلة الرشد كان مظهراً سوياً لجنسية الطفولة في المرحلة السابقة للبلوغ، أي أن الشر الذي يعاني منه الرجل هو امتداد لما كان سوياً في حياته أثناء الطفولة. 
ويمكننا الآن أن نتوجه إلى نقطة أكثر تفصيلاً هي علاقة التأويل الفرويدي بمدارس التفسير اليهودية. قال فرويد في تفسير الأحلام إنه سيقوم بتحليل الإنتاج الإنساني كما لو كان يحلل التوراة (ويُقال إن اسم المريضة «دورا» هو في واقع الأمر تحريف مُتعمَّد لكلمة «توراة» إذ استبدل فرويد حرف التاء بحرف الدال كما فعل مع «آتون» و«آدون» أو «أدوناي»)، وهـو لم يجانبه الصـواب في قولـه إذ نلاحظ نقط تماثل عديدة: 
1 ـ ابتداءً يرى التحليل النفسي أن حلم المريض لا يقول شيئاً داخلياً، فهو كلمات متراصة معناها الظاهري غير منطقي وغير مترابط، ولكن المفسر يأتي بآلياته التفسيرية المختلفة ليصل إلى المعنى الباطن فيصبح الحلم ذا معنى. كل هذا يعني أن الطبيب المفسر هو الشخصية المحورية فلا المريض ولا كلماته لها معنى. 
وهذا لا يختلف كثيراً عن موقف كثير من المنظومات الحلولية من عملية التفسير إذ تذهب هذه المنظومات إلى أن المعنى المنطقي الظاهر للنص معنى سطحي، أما المعنى الباطن فهو يتطلب تفسيراً عرفانياً إشراقياً لا يمكن أن يأتي به إلا «الشيخ» أو «الإمام». وهذا الموقف نفسه لا يختلف كثيراً عن بعض المواقف الحاخامية من التوراة، فالنص المقدَّس صامت، أو معناه الظاهر سطحي ليس ذا قيمة كبيرة. ويأتي المفسر الحاخامي أو القبَّالي مسلحاً بآلياته التفسيرية فيعيد ترتيب منطوق النص واستكناه ألفاظ وعبارات بعينها في ألعاب هندسية وحروفية كبيرة ليتكشف المعنى الحقيقي الخفي للتوراة. 
2 ـ لكل هذا نجد أن التفسير أكثر أهمية من النص في التحليل النفسي تماماً كما هو الأمر مع الشريعة الشفوية (التلمود ـ شروح الحاخامات) التي تصبح أكثر أهمية من النص المقدَّس ذاته. 
3 ـ بيَّن سفر براخوت كيف يُستخدَم اللعب بالألفاظ في سبر المعنى الخبيئ للأحلام. ففي التراث اليهودي يُعدُّ اللعب بالألفاظ من الوسائل المهمة في البحث عن المعنى الخفي للتوراة، وفي هذا الصدد فإن الاعتقاد يتجه إلى أن لكل كلمة معناها الباطن. وقد أكد كتاب الزوهار هذا الرأي كما أكد أهمية اللعب بالألفاظ. وفرويد أيضاً أكد أهمية اللعب بالألفاظ في كتابه علم أمراض النفس في الحياة اليومية، في الكشف عن اللاشعور وتبيين محتوياته، أي أن أهميتها تكمن في تبينُّ الدوافع الحقيقية وفي الوقت نفسه الخفية لدى الإنسان. (جرجس).
ولكن أكثر النظم الحلولية اليهودية اقتراباً من الفرويدية هي المنظومة الفرانكية، وهي المنظومة التي وصلت فيها الحلولية الكمونية اليهودية قمتها في العدمية والتفكيكية. وخلفية الفرانكية والفرويدية مشتركة فكلاهما أيديولوجية يحملها يهود فقدت اليهودية بالنسبة لهم أي معنى، وهم يهود فقدوا هويتهم اليهودية يودون الانتماء لمجتمع الأغيار.
لأن الانتماء اليهودي، بالنسبة لهم، كان قد أصبح عبئاً لا يُطاق للأسباب التالية: 
1 ـ يقول مؤرخو العقيدة اليهودية والجماعات اليهودية في أوربا إن اليهود نتيجة الاحتكاك الطويل بالمسيحية استوعبوا مفهوم الخطيئة الأولى والإحساس بالسقوط الأمر الذي عمَّق الإحساس بالذنب لديهم. 
2 ـ كانت اليهودية قد تحجرت بحيث أصبحت مجموعة من التحريمات والأوامر والنواهي التي أصبحت تمثل أغلالاً ثقيلة جعلت من الصعب على اليهودي أن يكون يهودياً وإنساناً في آن واحد. 
3 ـ في الوقت نفسه انتشرت مُثُل الاستنارة بين الأغيار وبين اليهود وزادت من معدلات التحرر الجنسي. 
4 ـ كان تراث القبَّالاه بصوره المجازية الجنسية العديدة قد تغلغل في الوجدان اليهودي وصَعَّد توقعاتهم الجنسية والطوباوية بشكل عام. ومع فشل حركة شبتاي تسفي وإحباط النزعة الطوباوية كان لابد أن تعبِّر هذه النزعة عن نفسها على شكل تصعيد التوقعات الجنسية. 
5 ـ كل هذا جعل من الصعب على أعضاء الجماعات اليهودية الاستمرار في إقامة الشعائر اليهودية وتنفيذ الأوامر والنواهي وكبح جماح رغباتهم وشهواتهم. في هذا الإطار ظهرت الفرانكية ومن بعدها الفرويدية. وقد أخذت الفرانكية شكل حركة مشيحانية ترخيصية، وأخذت الفرويدية (في شكلها الاختزالي الشائع) شكل حركة علمية ترخيصية. 
كان جيكوب فرانك يقول لقد أتيت لأحرر العالم من كل الشرائع والعادات الموجودة فيه. وبالفعل أوقف فرانك العمل بالأوامر والنواهي وألغى الحدود بين المقدَّس والمدنَّس فأصبح كل شيء مقدَّساً ومن ذلك الإثم نفسه، ومن ثم أصبح الوصول إلى النور غير ممكن إلا بالنزول في الظلام وأصبح الصعود غير ممكن إلا بالسقوط في الهوة. فمن خلال الوقوع في الخطيئة سينبثق عالم لا مكان للخطيئة فيه، عالم هو الخير كله. 
ولذا فالممارسات الجنسية الجماعية الداعرة شكل من أشكال العبادة وطريقة للتواصل بين أعضاء الجماعة (كما هو الحال دائماً مع الجماعات الحلولية المتطرفة). وقد جاء فرويد فوجد حضارة الغرب مليئة بالمحرمات التي فرضها الدين عليها، مكبلة بالقيود التي تحول دون انطلاق الناس، كما رأى الشعور بالإثم يكتنفهم إذا ما خرجوا على ما فيها من ضروب المنع والتحريم، فطُرح التحليل النفسي باعتباره الإطار الذي يرفع الشعور بالخطيئة عن كاهلهم. فكأن فرويد هو الماشيَّح العلماني الجديد الذي جعل اللبيدو هو اللوجوس، وتحقيقها دون قيود هو التيلوس (الهدف والغاية). وإن لم يكن فرويد قد دعا إلى الممارسات الجنسية الجماعية فإنه كان يرى أحياناً أن الطريق الأساسي للسعادة الحقة هو الإفصاح الجنسي الكامل. 
ويتواتر في العهد القديم موضوع جماع المحارم (قصة ابنتي لوط ـ قصة اغتصاب أمنون لأخته نامار). ولكن في المنظومة الفرانكية يكتسب الموضوع حدة خاصة (يُقال إن فرانك كان يجامع ابنته). وتأكيد أهمية جماع المحارم. ومركزية موضوع جماع المحارم أمر منطقي باعتبار أن الإنسان الذي لا حـدود له والذي تتمتع كل أفعـاله، مهما كانت آثمة، بقداسـة كاملة، هو إله، من حقه، بل من واجبه، أن يخرق كل الحدود ليؤكد قداسته الكاملة وألوهيته (النتيجة الحتمية للحلول الكامل). ويُلاحَظ أن جماع المحارم يلعب دوراً أساسياً في المنظومة الفرويدية. (ويمكن أيضاً أن نقارن بين دور الأب والأخ الأعظم والأم في المنظومة الفرانكية ودور الأب والأم والابن في المنظومة الفرويدية). 
ثم نأتي للنزعة التفكيكية العدمية. كان فرانك مدركاً لهذا إدراكاً كاملاً إذ قال: « أينما كان يخطو آدم، كانت تنشأ مدينة، لكن أينما أضع أنا قدمي يجب أن يُدمَّر كل شيء، فقد أتيت إلى هذا العالم لأُدمِّر وأُبيد ». وكان فرانك يرى أن مهمة أتباعه تحطيم كل الأديان على أن يتم هذا من خلال ما أسماه «عبء الصمت». وكان يرى أن اليهود قد اخترقوا الإسلام (من خلال شبتاي تسفي) وأن العناصر اليهودية المهرطقة قد اخترقت اليهودية ولم يبق سوى المسيحية ولذا كان على أتباع فرانك ادعاء المســيحية حتى ينضـموا إليهـا ويحطمـوها من الداخل. 
ولعـل فرويد لم يكن يتسم بالوضوح نفسه والعدمية نفسها فموقفه ـ كما أسلفنا ـ كان مبهماً، ومع هذا نجد في كتاباته ما يشي بإدراكه للدور التفكيكي الذي كان يلعبه، سواء في علاقته بالدين أو في الحضارة الإنسانية نفسها، فالدين وهم، والفن تعبير عن المرض، والحضارة أهم مصادر آلام الإنسان لأنها مبنية على قمع اللبيدو. 
وثمة إيمان بدور البطل المتميز في كل من الفرانكية والفرويدية ولذا نجد أن الحركة الفرانكية تدور حول جيكوب فرانك تماماً كما كانت حركة التحليل النفسي تدور حول فرويد. وأخيراً ثمة نزعة عسكرية واضحة في الفرانكية لا تظهر بالوضوح نفسه في المنظومة الفرويدية وإن كان فرويد ذاته يرى حتمية الحرب، باعتبار أن الصراع أحد الغرائز الإنسانية الأساسية. 
نقط التماثل إذن واضحة. ومع هذا هناك الكثير من التحفظات الجوهرية. ومن الطريف أن فرويد نفسه كان أول من أثار مثل هذه التحفظـات، فقد كان يصر أحياناً على أنه لا يوجـد « علم يهـودي أو آري »، وكان يشير إلى نفسه بأنه « رجل طب لا إله له »، أو « يهودي لا إله له ». وكما هو معروف كان فرويد يرى أن الدين، وضمن ذلك العقيدة اليهودية، مجرد وهم. 
وقد اشتكت زوجته من أنه كان يرفض أن يدعها تضيء شموع السبت (وهي إحدى الشعائر اليهودية) لأن الدين في تَصوُّره « محض خرافة ». وتضمنت صفحة العنوان في كتاب تفسير الأحلام، أهم ما كتب فرويد في نظر الكثيرين، شعاراً باللاتينية استعاره من فرجيل ونصه ما يلي: « وإذا لم تكن الآلهة القابعة فوق ذات نفع لي فسأثيره جحيماً شاملاً ». وهذه العبـارة النفعية المادية الوثنيـة مقتطعة من عبـارة أطول وأكثر دلالة هي: « إذا لم تكن قوتي كبيرة على نحو كاف فلن أتردد يقيناً في طلب العون حيثما يمكن أن يوجد. وإذا لم تكن الآلهة القابعة فوق ذات نفع لي فسأثيره جحيماً شاملاً ». ولخص فرويد موقفه من اليهودية حين وصف علاقته بإسبينوزا بأنهم « إخوة في اللا إيمان [أي الكفر[ ». 
ثمة ازدواجية ظاهرة هنا بين الانتماء الكامل لليهودية، بل والصهيونية، وتأكيد لأهمية هذا الانتماء والتباهي به من جهة، والإنكار الكامل له وتأكيد الانتماء للحضارة الغربية الحديثة ولنماذجها التفسيرية المادية من جهة أخرى. ولعل خطابه للراعي أوسكار فيستر يُعبِّر عن هذه الازدواجية، فقد سأله ساخراً: «وبالمناسبة ما بال التحليل النفسي لم يبتدعه واحد من المؤمنين الأتقياء. وكان عليه أن ينتظر ليقوم بذلك يهودي لا إله له (أي ملحد) ؟ » ففرويد هنا ليس يهودياً وحسب، وإنما ملحد أيضاً.
ولعل هذه الازدواجية تزول حين نضع أيدينا على عنصرين أساسيين وهما أن فرويد كان يهودياً غير يهودي، بمعنى أن إثنيته اليهودية كانت قشرة لا تؤثر في اللب، فهي مجرد ادعاء، إذ أن انتماءه الثقافي الحقيقي كان للحضارة الغربية الحديثة. والعنصر الثاني هو أن الحلولية اليهودية ذاتها لم تكن تختلف كثيراً عن الحلولية المسيحية أو الحلولية الواحدية المادية، أي العلمانية الشـاملة ومن الصعـب التمييز بينهما، فسواء على المستوى الإثني أو على المستوى العقائدي فإن فرويد في واقع الأمر ينتمي للمنظومة العلمانية الشاملة رغم كل التباهي بانتمائه اليهودي، ورغم كل ديباجاته اليهودية. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية    الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Emptyالأربعاء 11 ديسمبر 2013, 11:51 pm

1 ـ فرويد يهودي غير يهودي: 
حينما وُلد فرويد كانت اليهودية كعقيدة تفاقمت أزمتها، والجيتو كان قد تحطمت أسواره، وكان اليهود يندمجون بخطى سريعة متزايدة، ولذا تبخر وهم الخصوصية الإثنية اليهودية. وقد غيَّر سيجموند فرويد اسمه من «سيجسموند»، اسم الملك البولندي الذي دعا اليهود للاستيطان في بولندا وأحسن إليهم وأكرم وفادتهم، إلى «سيجموند» وهو اسم بطل نوردي (تماماً كما فعل هرتزل الذي كان له اسم عبري «بنيامين» وآخر أوروبي وهو «تيودور». أما ماكس «نوردو» فقد تَبنَّى اسمه النوردي بكل وضوح). وقد فكر فرويد في التنصر في إحدى مراحل حياته، شـأنه في هـذا شـأنه نصف يهود برلين، على سبيل المثال. فاليهود كانوا قد ابتعدوا تماماً عن عقائدهم الدينية وموروثاتهم الإثنية (التي أتوا بها من المجتمعات التي هاجروا منها)، وكان المثقفون بينهم قد ازدادوا ابتعاداً بعد انتشار مُثُل التنوير وتَزايُد معدلات الاندماج والعلم. 
ومع هذا واكب عمليات العلمنة والدمج تزايد ملحوظ في حدة العنصرية والعداء لليهود وانتشار مفاهيم مثل النقاء العرْقي والشعب العضوي التي فرضت على اليهود تصنيفاً لم تَعُد له أية علاقة بواقعهم، الأمر الذي يدل على غباء العنصريين، وأنهم غير قادرين على قراءة الواقع. كل هذا نتجت عنه ظاهرة اليهودي غير اليهودي، فهو يهودي اسـماً، إما لأنه يتصـور ذلك أو لأن المجتمع فرض عليه هذا الاسم، ولكنه فعلاً ابن عصره ومجتمعه، بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات. 
وقد عبَّر هذا الإبهام عن نفسه في كتابات فرويد مثل موسى والتوحيد. فموسى نبي اليهود هو في واقع الأمر من الأغيار، ورغم أنه أتى بالتوراة إلا أن التوراة هي في واقع الأمر عقيدة التوحيد المصرية. 
وقد اختلط يهوه إله اليهود بآتون إله المصريين وهكذا. وهذه التهويمات هي في الواقع تعـبير عن محـاولة فرويـد أن يتعامل مع قضية « اليهودي غير اليهودي »، ولكنها طُرحت هنا على هيئة « غير اليهودي اليهودي » وهما شيء واحد. فكأن موسى هو فرويد غير اليهودي الذي فُرض عليه أن يكون يهودياً. 
ويبدو أن فرويد لم يكن مدركاً لهذا الوضع على المستوى الواعي. وثمة تعبير مدهش عن هذا الإخفاق في الفهم في المقدمة التي كتبها فرويد للترجمة العبرية لكتاب الطوطم والتحريم. فقد أشار أحد أصدقائه إلى درجة ابتعاده عن « دين آبائه » بل عن كل دين آخر، وإلى أنه نبذ كل الخصائص المشتركة مع « قومه »، ثم سأله: « أي شيء تَبقَّى لك من اليهودية؟ » (وهو سؤال شديد الوجاهة، لم تتمكن الدولة الصهيونية حتى وقتنا هذا من الإجابة عليه: من اليهودي؟). وكان رد فرويد مبهماً إلى أقصى حد: "لم يبق لي الكثير منها، ولكن ما تَبقَّى على الأرجح هو الجوهر". ولكن يظل السؤال هو: ما هذا الجوهر اليهودي، الذي بقي بعد أن تساقط كل شيء آخر؟ لم يستطع فرويد الإجابة على هذا السؤال إذ أكد: "أنه يعجز عن تفسير هذا الجوهر"، وهي إجابة أقل ما توصف به أنها غريبة خصوصاً أنها صادرة عن مفكر جعل همه تفكيك كل ما هو إنساني وطوَّر آليات لفك شفرة الأحلام وزلات اللسان والنكت وتفسير أعماق الإنسان المظلمة، كيف يعجز مثل هذا المفكر عن فهم هذا الجوهر اليهودي (الذي كان الطاقة المحركة لفكره كما قال). لكـن فرويد تدارك الأمـر وقال: "ولكن اليوم سيجئ، دون ثمة ريب، حين يصبح ذلك [أي تفسير الجوهر اليهودي] ميسوراً للعقل العلمي". 
2 ـ الحلولية اليهودية والحلولية العلمانية الشاملة: 
لاحظ الناقد الروسي باختين حلولية فرويد حين أشار إلى المنظومة الفرويدية باعتبارها « واحدية روحية ». كما أشار بعض النقاد إلى النظرية الفرويدية بأنها النظرية « الجنسية الشاملة ». والواحدية هي الأرضية التي تلتقي عندها كل الحلوليات. 
ولعل فرويد ذاته قد أدرك ذلك (بشكل غير واع). فحينما غيَّر اسمه من «سيجسموند» اختار اسم «سيجموند»، وسيجموند في الميثولوجيا النوردية هو ذلك الكائن البشري الذي تحدَّى الآلهة وهزمها، وهو معادل يسرائيل في التراث العبري، فيعقوب صارع الإله وهزمه فسُمِّي «يسرائيل». فكأن فرويد أدرك تَماثُل الأساطير الوثنية الحلولية، وحينما كان فرويد يُطوِّر منظومته اختار أسماء لاتينية مثل «إيجو» و«سوبر إيجو» و«إيد»، ويُقال إن كلمة «إيد» صدى لكلمة «ييد» حسب رأي بعض المفكرين، وهي ليست بعيدة عن كلمة «يسود» التي تكاد تكون مساوية «للبيدو». 
وتتبدَّى حلولية فرويد وواحديته في ذلك التماثل المدهش بين المنظومة الفرويدية والمنظومة الغنوصية.
والتي يمكن إيجاز بعض جوانبها فيما يلي: 
أ ) كل من الغنوصية والفرويدية رؤية واحدية مغلقة ومنظومة حلولية تَرُد كل الظواهر إلى مبدأ واحد هو الأصل النوراني للإنسان في المنظومة الغنوصية، وهو اللبيدو في المنظومة الفرويدية. 
ب) تنطلق كل من الغنوصية والفرويدية من نقطة تماسك عضوي كامل قد تكون صلبة أو سائلة، ولكنها تخلو من أية ثغرات أو حدود بين الأشياء، هي حالة البليروما الأولى في النظام الغنوصي، وهي الحالة المحيطية للطفل أو حالة الطبيعة حيث يلتصق الطفل بأمه تماماً. وتظل هذه اللحظة الأولى مسيطرة على الإنسان ويقضي حياته بمحاولة العودة إليها (تماماً كما يفعل الإنسان الروحاني في المنظومة الغنوصية). 
جـ) كل من الغنوصية والفرويدية محاولة لتفسير الكون والإنسان والطبيعة والتاريخ من خلال مجموعة من الأساطير والصور المجازية، حيث نجد أن العلاقات السببية يُعبَّر عنها من خلال أحداث الأسطورة. 
د ) تعود جاذبية كل من الغنوصية والفرويدية (في شكلها الشعبي الترخيصي) إلى أنهما يقدمان حلولاً واحدية بسيطة لكل المشاكل. 
هـ) كل من المنظومة الغنوصية والفرويدية يُسقطان تماماً عنصر التاريخ والزمان والبنية فهما منظومتان كونيتان تتعاملان مع عناصر كونية متجاوزة للزمان والمكان وحدود الإنسان الفرد. 
و ) يُلاحَظ أن كلاً من الغنوصية والفرويدية ينطلقان من صورة مجازية جنسية أساسية، ويلعب الجماع في النظام الغنوصي دوراً أساسياً، فالأيونات ثمرة الجماع الجنسي بين الإله الأب والأم. ويلعب الجماع دوراً مماثلاً في المنظومة الفرويدية. كما يُلاحَظ أن الأيونات في المنظومة الغنوصية تحمل أحياناً أسماء الأعضاء التناسلية، وهذا ليس بعيداً عن استخدام فرويد للأعضاء التناسلية كمقولات تحليلية تفسيرية. 
ز ) يُلاحَظ أن الثنائية الجنسية مفهوم أساسي في كل من الغنوصية والفرويدية. 
ح) الخلاص الغنوصي يتم من خلال المعرفة، معرفة الإنسان لذاته، والصيغة السحرية الشاملة التي يمكن من خلالها فك شفرة الكون ومعرفة اسم الإله الأعظم. والخلاص الفرويدي يتم أيضاً من خلال فك شفرة أحلام المريض ومعرفة سبب عصابه ومن خلال هذه المعرفة يمكنه أن يصل إلى الخلاص. 
ط) لا يمكن أن يتم الخلاص والعودة إلى الأصل النوراني إلا من خلال خداع الأركون، حكام السماوات السبعة، الذين يمنعون الإنسان من العودة لأصله، والشيء نفسه يوجد في المنظومة الفرويدية. فعملية العلاج هي في جوهرها محاولة لمغافلة الرقيب حتى يُفصح المريض عن مكنونات نفسه ومن خلال فهمها يصل المريض إلى المعرفة التي ستيسر له سُبل الخلاص. 
ي) لا توجد منظومة أخلاقية غنوصية، والأمر نفسه ينطبق على المنظـومة الفـرويدية. فهما متجــاوزتان للأخـلاق ولفكرة الخير والشر. 
ك) لا يوجد مفهوم للخطيئة في كل من الغنوصية والفرويدية، فالشر خلل كوني والعصاب فشل في تسريب الطاقة الجنسية. 
ل) ثمة ثنائية صلبة تسم النظام الغنوصي هي ثنائية الروحانيين والجسمانيين (السوبرمن والسبمن) وهي لا تختلف كثيراً عن ثنائية المفسر (النوراني) والمريض (الجسماني). 
م ) يمكن أن نجد عناصر مختلفة أخرى مثل التشابه بين الإله الصانع وحالة الحضارة عند فرويد، فكلاهما معاد للإنسان، والتشابه بين سقوط الإنسان النوراني في المنظومة الغنوصية ثم عودته ومراحل حياة الإنسان في النظام الفرويدي (سقوطه وخوفه من الخصي وعودته وتصالحه مع الأب ـ سقوطه وعصابه وعودته من خلال العلاج). وقد لعب المفكرون اليهود دوراً أساسياً في كل من الغنوصية والفرويدية. كما أن موقف الغنوصية والفرويدية من اليهود ليس إيجابياً، فيهوه هو الإله الصانع في المنظومة الغنوصية، وقد بيَّنا موقف فرويد المبهم من اليهودية ويهوه. 
وتجب الإشارة إلى أن الفرويدية غنوصية تشاؤمية، من النمط النيتشوي، وليست غنوصية تفاؤلية، من النمط الماركسي. فإذا كانت الماركسية تبدأ من حالة البليروما (الشيوعية البدائية) وتنتهي نهاية سعيدة في المجتمع الشيوعي، فإن الفرويدية تبدأ في حالة البليروما، ولكن العودة مستحيلة، فحالة الحضارة، بكل ما تؤدي إليه من عصاب، هي مصير المجتمع.
ولنا أن نلاحظ أن المنظومة القبَّالية اليهودية التي تأثر بها فرويد هي الأخرى منظومة غنوصية في عناصرها الأساسية فهي تؤله الإنسان والمادة والجسد وأخيراً الجنس. 
ولا يهم إذا كان مصدر رؤية فرويد الحلولية يهودية أم لا، فقد تداخلت القبَّالاه اليهودية والقبَّالاه المسيحية بحيث لم يعد هناك فرق واضح بينهما. وقد تحول الاثنان باعتبارهما وحدة وجود روحية إلى وحدة وجود مادية، أي علمانية شاملة. ويظهر هذا في حلولية بومه وشبتاي تسفي وسويدنبرج الروحية، التي لا تختلف كثيراً عن حلولية إسـبينوزا أو لايبنتز أو هيـجل، الروحية المادية، التي هي في واقع الأمر وحـدة وجـود مادية ذات ديباجات روحية. فلا يوجد تناقض جوهري بين الحلوليتين، ويستطيع المثقف أن يكون حلولياً يهودياً مغرقاً في يهوديته أو حلولياً مسيحياً مغرقاً في مسيحيته. ولا يتناقض هذا مع كونه واحدياً مادياً (أي علمانياً شاملاً) مغرقاً في واحديته وماديته التي تُفصح عن نفسها من خلال ديباجات روحية. 
وفي مدخل «التحديث كتفكيك» بيَّنا النزعة التفكيكية في المشروع التحديثي في الإطار الحلولي الواحدي المادي، وفي المداخل الخاصة باليهودية وما بعد الحداثة تناولنا تقاليد الهرمنيوطيقا المهرطقة بين المثقفين من أعضاء الجماعات اليهودية، وكيف أن المثقف اليهودي يمكن أن يكون تفكيكياً بسبب علمانيته ويهوديته، فلا يوجد تناقض بين الواحد والآخر. والحلول هو الحلول والتفكيك هو التفكيك سواء كانت الديباجات علمانية مادية أم قبَّالية « روحية ». كل هذا يعني أن حلولية فرويد وماديته تنبع من الأرضية الحلولية الغنوصية الصلبة التي تنطلق منها كل الأيديولوجيات العلمانية، والديباجات اليهـودية إن هـي إلا ديباجات، فالبنيـة الحلوليـة الواحدية واحدة. 
ولعل أكبر دليل على أن الحلولية الواحدية هي المنظومة الأساسية ذات المقدرة التفسيرية الأشمل وأن المنظومة الفرويدية إن هي إلا تعبير عن هذه الحلولية المادية (العلمانية الشاملة)، أن هذه المنظومة انتشرت في كل أرجاء العالم بين اليهود وغير اليهود، وأصبحت عالمية غير مقصورة على وطن أو جماعة دينية أو إثنية بعينها. والمنظومة الفرويدية لا تختلف في هذا عن فكر تشارلز داروين أو مدرسة هلمهولتز، وهي مدارس أسسها مسيحيون، يُقال إن بعضهم كان معادياً لليهودية. 
ولعل حالة يونج الذي عارض فرويد وأصبح من أهم أعدائه تُلقي كثيراً من الضوء على هذه القضية. فيونج المسيحي كان يعرف القبَّالاه اليهودية اللوريانية وكان معجباً بشكل خاص بفكرة أن الإنسان يساعد الإله في عملية رأب الصدع الذي نشأ أثناء عملية الخلق (تَهشُّم الأوعية). وهذه العملية هي التي يُطلَق عليها في التراث القبَّالي اصطلاح «الإصلاح الكوني (تيقون)». وكان يونج معجباً أيضاً بالمنظومة الغنوصية وتأثر بها ونشر بعض أهم النصوص الغنوصية واكتشف أن الأفكار الغنوصية هي في واقع الأمر الأفكار التي كد معظم حياته للوصول إليها. وتحمل منظومته كثيراً من ملامح المنظومات الغنوصية. وفكرة الرموز الأولية عنده تمثل السيولة الكونية حيث الإنسان واحد في كل زمان (الإنسان القديم) وكذلك تظهر الثنائية الجنسية في أفكاره عن الأنيما والأنيموس أو القرين الذكري للمرأة والقرينة الأنثوية للذكر. فرغم معارضته لفرويد ورغم العداء بينهما فإن الإطار المعرفي العام واحد، وهو الحلولية الكمونية الواحدية ذات الديباجات الروحية. 
فرويد إذن مفكر حلولي واحدي مادي يستخدم ديباجات يهودية لا تؤثر بشكل جوهري في بنية منظومته أو مكوناتها. ومع هذا لابد من تأكيد أن فرويد، شأنه شأن ماركس، مفكر عظيم لا يمكن أن يذعن لهذه الواحدية أو الاختزالية ولذا نجد كثيراً من الإبهام في موقفه من الحلولية الواحدية. وقد أشرنا إلى صورة « الحصان الجامح » الذي يركبه الإنسان باعتبارها تعبيراً مأساوياً ملهاوياً عن هذا الإبهام، وعن التركيبية الكامنة خلف الاختزالية الجنسية، كما أشرنا إلى كتابه الحضارة ومنغصاتها وتأرجحه الشديد بين تأكيد ضرورة الكبت والإعلاء من أجل خَلْق الحضارة ثم إعلانه فشل المحاولة. 
وهذا الإبهـام نفسه نجده في موقفه من العداء لليهود واليهودية. وقد حكى أبو فرويد له عن حادثة وقعت له، إذ أن شخصاً غير يهـودي أسـقط قبعته في بالوعة الشـارع المجاورة للرصـيف وصرخ فيـه « أيها اليهودي ابتعد عن الرصيف ». وهنا سأل فرويد الابن أباه عن طريقة استجابته لهذا الموقف فقال الأب: « نزلت إلى الشارع والتقطت قبعتي من البالوعة ». ويبدو أن فرويد شعر بالاحتقار نحو أبيه، ولكنه ولا شك كان احتقاراً مشوباً بالحزن وبقدر من التعاطف. 
وفي محاولته تفسير ظاهرة العداء لليهود يسوق فرويد عدة أسباب تجعل من اليهود الضحية، وهذا هو الموقف الصهيوني التقليدي. ولكن فرويد في الوقت نفسه يجعل الضحية هي السبب فيما يلحق بها من أذى (وهذا هو الموقف التقليدي للمعادين لليهود)، فالعداء لليهود ـ حسب تصوره ـ غيرة لاشعورية يثيرها اليهود في غيرهم من الشعوب بادعائهم أنهم أول أبناء الإله وآثرهم عنده، أي أنهم شعب الله المختار. وقد فصل اليهود أنفسهم عن بقية العالمين بسبب إحساسـهم بالتـميز. وأخـيراً يرى فرويد أن اليهـود يمثلون ضمير الإنسان. ولكن موقف فرويد من الضمير مبهم للغاية. فاليهود هم الذين أعطوا المسيحية الوصايا العشرة بكل ما تحوي من حدود وقيود. والحدود والقيود أساس الحضارة، ولكنها أيضاً آلية الكبت والقمع. فمن ثم فاليهودي هو رمز الضمير الذي يأتي بالحضارة للناس، ومن ثم فهو أيضاً رمز هذا الكبت والإحساس بالذنب والعصاب الذي يصيب الإنسان في المجتمعات المتحضرة.
ونلاحظ أن فرويد ربط في هذا السياق بين اليهود والضمير (والكبت والحضارة). ولكن الأمر لم يكن كذلك دائماً، بل إن العكس هو الأغلب، فاليهود يرتبطون في الوجدان الغربي باللبيدو (اليهودي التائه ـ اليهودي كشيطان ـ اليهودي كقوة مكبوتة ـ قاتل المسيح ـ اليهودي كمتآمر أزلي ضد الشرائع المسيحية). وقد أسلفنا الإشارة إلى أن كلمة «إيد Id» التي اختارها فرويد للإشارة إلى الهو هي في واقع الأمر اختصار لكلمة «ييد» الألمانية والتي تعني «يهودي» وتومئ لكلمة «يسود» بمعنى الأساس الجنسي، أي اللبيدو. وقد أثار أحد الباحثين قضية أن كلمة Id ليست من اختيار فرويد، فقد استخدم التعبير الألماني داس. إس Das-es. ولكن هذا لا يغيِّر من الأمر شيئاً لأن الكلمة الألمانية نفسها ليست بعيدة عن كلمتي «ييد» و«يسود». ويبدو أن مثل هذا الاتجاه نحو التوحيد بين اليهود واللبيدو أمر شائع في الخطاب الحضاري الغربي، فأوتو رانك يتحدث عن اليهود باعتبارهم القوة المظلمة المحصنة ضد الحضارة والتي حافظت على علاقتها المباشرة والنشيطة مع الطبيعة. ونجد أدورنو وهوركهايمر يتحدثان أيضاً عن تلك العلاقة التلقائية المباشرة بين اليهود وحالة الطبيعة. في هذه المعادلة الجديدة سنجد أن اليهود هم اللبيدو وأن الحضارة (الغربية أو غير اليهودية) هي الضمير والأنا الأعلى والمقدرة على الكبت والتعالي والتجاوز. 
ويبدو أن فرويد أدرك أن الإفصاح عن اللبيدو دون حدود أو سدود أو قيود يعني تَقبُّل الرؤية الحلولية المادية والوثنية القَبلية، وأن رفضها وتأكيد التجاوز هو قبول للرؤية التوحيدية. فالإنسان يصبح سوياً (يصبح إنساناً) حين ينجح في التحكم في الحصان الجامح وفي إعلاء مشاعره وتجاوزها ونقلها من الأم ومن الجنس نفسه إلى الجنس الآخر، داخل حدود اجتماعية (أي أنه يتجاوز المرحلة الرَحمية في مصطلحنا). ومع هذا كان فرويد يرى أن عملية القمع هذه محكوم عليها بالفشل بالنسبة للأغلبية الساحقة، رغم أنها عملية جوهرية لتأسيس الحضارة. 
ثمة إبهام مأساوي هنا بين إعجابه بالتوحيد والتجاوز والحضارة (ولنسمها «النزعة الربانية»)، يواكبه إحساس عميق بفشل المحاولة وحتمية السقوط في الحلولية والنزعة الرَحمية. وقد عبَّر هذا الإبهام عن نفسه بشكل مثير واضح في آخر كتب فرويد موسى والتوحيد. فموسى هو الذي أتى بالشريعة والحدود وهو الذي علَّم اليهود عقيدة التوحيد (والإعلاء والتجاوز) فتحولوا من برابرة أجلاف (شعب اللبيدو) إلى شعب موحِّد، مختار من الإله. ولكن هل يخضع اللبيدو للكبت وقيود الحضارة والضمير (هل ينتصر التوحـيد على الحلول؟) إجـابة فرويـد ـ كما أسـلفنا ـ إجابة سلبية، ولكنه لم يكن بوسعه أن يقبلها بسبب عدميتها وسذاجتها. ولذا يحل فرويد هذه الإشكالية بأن يجعل عقيدة التوحيد عقيدة مصرية، ويجعل موسـى نفسـه مصرياً، ويجعل أصلـه اليهـودي أصلاً مُتخيَّلاً. 
ويستند فرويد في أطروحته هذه إلى أسانيد واهية للغاية (يبدو أن فرويد لم يكن يفرق بين الإبداع الأدبي والنظرية العلمية. ولذا كان العنوان الأصلي لكتاب موسى والتوحيد هو الرجل موسى: رواية تاريخية The Man Moses: A Historical Novel). ويرى فرويد أن «موسى» كلمة هيروغليفية تعني «الابن المحبوب» ونجدها في كلمة «رع موسى» (رمسيس) و«تحوت موسى» (تحتمس). واستنتج من ذلك أن الأمير المصري قد أزال الصدر الوثني من اسمه واستبقى العَجُز الذي لا يدل على اسم إله في ذاته. وقد قارن فرويد أيضاً بين اسمي الإله المستخدمين في التوراة «يهوه» و«أدوناي»، واسترعى انتباهه أن يهوه دموي ومقاتل وعنصري (إله الحلولية)، وهو ما يجعله إلهاً قَبلياً وثنياً، بينما أدوناي رقيق وكوني وإنساني (منزَّه عن الطبيعة والتاريخ وعالم المادة)، وهي صفات تجعل الرسالة عالمية وكونية. ولذا رجَّح فرويد أن أدوناي من أصل مصري وأن اسم «أدون» هو تحريف لكلمة «آتون». 
حاول موسى المصري (الضمير ـ الحضارة ـ الكبت ـ التجاوز ـ التوحيد) أن يُدخل المدنية على العبرانيين الأجلاف (اللبيدو ـ الحلولية ـ الوثنية) ولكنه فشل في ذلك، بل انتهى به الأمر إلى أن قتله العبرانيون. وهكذا انتصرت الوثنية والبربرية والحلولية على التوحيد. ولكن كما هو الحال دائماً بعد جريمة قتل الأب (أو المعلم الذي يقوم مقامه) شعر العبرانيون بالخطيئة والإثم (والرغبة في التجــاوز) فجـمعوا بين إلاهـهم الوثني يهـوه وأدوناي/آتون التوحيدي، إله موسـى، ونسـبوا إليه الأصل اليهودي، وكان فرويـد يقـول «كان موسى مصرياً، شاء قوم أن يجعلوا منه يهودياً » (وهذا ما نعبِّر نحن عنه بعبارة «اليهودية كتركيب جيولوجي تراكمي»). وهذه ليست نهاية سعيدة أو حزينة وإنما هي نهاية مأساوية/ ملهاوية، منفتحة، نهاية لم يُحسَم فيها شيء، فنحن أمام « موسى المصري » نبي اليهود، صاحب رسالة التوحيد في وسط حلولي!
ماجـنوس هـيرشفلد (1868-1935)
Magnus Hirschfeld 
عالم ألماني تخصَّص في العلوم الطبية والعلوم الخاصة بالجنس والعلاقات الجنسية، درس في مدينتي برسلاو وستراسبورج ثم درس الطب في جامعة ميونخ. وفي الفترة بين عامي 1894 و1896، عمل كممارس عام في مدينة ماجدبرج الألمانية حيث كان قد انتقل للعيش في إحدى ضواحي برلين. وتخصَّص مثل أبيه، الذي كان أيضاً طبيباً مرموقاً، في مشاكل الصحة العامة. وأقام مؤسسة للتأمين الصحي على العمال. إلا أن محاكمة الشاعر أوسكار وايلد، الذي كان متهماً بالشذوذ الجنسي، ثم انتحار أحد مرضى هيرشفلد عشية زواجه، أثار عنده اهتـماماً شـديداً بالبحث والدراسـة في العلوم المتصلة بالجنس بصفة عامة، وبالشذوذ بصفة خاصة. 
وأصبح هذا المجال بالفعل اهتمامه الأول والرئيسـي طوال حياته. وفي أول أعمـاله سافو وسقراط، الذي أصدره عام 1896، أكد هيرشفلد أن الرغبة الجنسية عند الشواذ، مثلها مثل الرغبة عند الأسوياء، وهي نتاج تفاعلات وعوامل بيولوجية داخل جسم الإنسان. وقد قوبل عمل هيرشفلد باستحسان، وهو ما شجعه على تأسيس اللجنة العلمية الإنسانية. وقد أثار هيرشفلد كثيراً من الاهتمام عندما بادر بتقديم التماس للبرلمان الألماني يطالب فيه بإلغاء الجزء الخاص بجرائم الشذوذ الجنسي من القانون الجنائي الألماني. 
وقد وقع على هذا الالتماس عدد من الشخصيات البارزة في تلك الفترة من أمثال مارتن بوبر وهيرمان هس وماكس برود وألبرت أينشتاين وتوماس مان وغيرهم. ونشر في الفترة بين عامي 1908 و1923 مجلة ثم كتاباً سنوياً نشر فيه مجموعة كبيرة ومتنوعة من الدراسات المتصلة بالشذوذ الجنسي في مجالات التاريخ والأدب والفن والموسيقى وعلم النفس وغير ذلك. وفي عام 1918، افتتح هيرشفلد مشروعه الطموح، ألا وهو معهد العلوم الجنسية، الذي شمل عيادة وجامعة حرة تُقدِّم محاضرات وفصولاً دراسية ومركزاً للأبحاث يضم 20.000 مجلد. وقد ضم المعهد قسماً للاستشارات الزوجية كان الأول من نوعه في ألمانيا، وتم تقليده على نطاق واسع في مناطق أخرى. 
وقد دُعي هيرشفلد لإلقاء محاضرة في الجامعة العبرية في القدس عام 1933. ومع مجيء النازية إلى الحكم في ألمانيا، تم إغلاق معهد العلوم الجنسية، كما تم إحراق كتب هيرشفلد وأعماله، وانتقل هيرشفلد إلى فرنسا حيث تُوفي عام 1935. 
ألفريـد أدلــر (1870-1937)
Alfred Adler 
عالم نفسي نمساوي ومؤسس علم النفس الفردي. وُلد في فيينا، وتخرَّج في جامعتها عام 1895. وبعد زواجه، اعتنق أدلر البروتستانتية باعتبارها أكثر الأديان ليبرالية. تأثر أدلر بالفكر الاشتراكي بتوجهه المجتمعي، وقد دعاه فرويد عام 1902 للانضمام إلى دائرته وإلى مجموعة النقاش التي تعقـد جلسـات أسـبوعية في فيينا. وفي عام 1910، انتُخب أدلر رئيساً لجمعية فيينا للتحليل النفسي والتي انبثقت من مجموعة النقاش. إلا أن الخلافات النظرية بينه وبين فرويد تزايدت إذ وجد أن إدعاء فرويد بأن تجارب الإنسان الجنسية تشكل الأساس النفسي لتطوره إدعاء مبالغ فيه. 
وقد اتفق مع فرويد حول أهمية الأحلام ولكنه رفض ربط فرويد الآلي بين الأحلام والجنس، فالرمز الواحد قد يكون له مدلول غير جنسي بالنسبة للآخر. وانتهى به الأمر إلى أن يرفض رؤية فرويد للنفس البشرية على اعتبار أن تحويله الجنـس إلى مقولة تفسيرية أساسـية بل ووحيدة هو شطط ما بعده شطط. ولذا، فقد استقال من جمعية فيينا للتحليل النفسي عام 1911. وأسس جمعية وجريدة خاصة به، وافتتح عام 1920 عيادات للأطفال. ومنذ عام 1926، أخذ في زيارة الولايات المتحدة بشكل دوري، ثم استقر في نيويورك حيث أصبـح عام 1932 أستاذاً لعلم النفس الطبي في كلية لونج أيلاند الطبـية. وتُوفي أدلر عام 1937 أثناء جولة علمية في إسكتلندا. 
وتستند نظرية أدلر حول الشخصية وأسلوبه في العلاج النفسي إلى مفاهيم وحدة تكامل الإنسان والإرادة والقدرة على تقرير المصير والتوجيه والتكييف المستقبلي للإنسان، وهي مفاهيم كانت تتناقض مع الرؤية الآلية للإنسان والعناصرية (أي التي تردُّ الإنسان لعدة عناصر بسيطة مادية) والتي كانت سائدة في عصره. فقد اعتبر أدلر أن الكائن الحي الذي ينمو من خلية واحدة يظل وحدة بيولوجية ونفسية واحدة، فالإنسان وحدة متكاملة تتسم بالانسجام، وكل العمليات الجزئية، مثل الدوافع والإدراك الحسي والذاكرة والأحلام، خاضعة جميعها للمجموع. وقد أطلق أدلر على هذه العملية المتكاملة «نمط حياة الفرد». لكن مفهوم تكامل الإنسان يستلزم وجود قوة دافعة مهيمنة واعتبر أدلر أنها السعي نحو الكمال. 
وحيث إن الفرد كائن فريد، فإن الهدف الذي يضعه لنفسه وأسلوبه في الوصول إليه فريد أيضاً. ورغم أن هذا الهدف قد يتخذ أشكالاً غريبة، فإنه دائماً يتضمن عنصر الحفاظ على احترام الذات. وقد يكون من المفيد التوقف هنا عند ما يُسمَّى الجوانب النيتشويه في علم النفس الأدلري، إ ذ يذهب أدلر إلى أن ثمة خوفاً داخل كل فرد من الدونية، فكل فرد يتأثر حتماً في حياته المبكرة بضعفه في مواجهة القوى المحيطة به. كما أن لكل فرد بعض نقاط الضعف أو الدونية البدنية أو العقلية. وحين يكتشف المرء ذلك، فإن اتجـاه بحثه عن القـوة يتحدد عموماً بمحـاولة تعويض تلك الدونية العضوية. 
والحياة الإنسانية تُكرَّس في الحقيقة للنضال من أجل التفوق كتعويض لذلك الإحساس بعدم الكفاءة، أي أن إرادة القوة هي القوة الدافعة الإنسانية الأساسية. وقد يتم التغلب على الإحساس بالدونية الأصلية من خلال التدريب وبذل الجهد المستمرين بحيث تتحول الدونية إلى تفوق. وقد يحدث العكس، إذ يضع الشخص لنفسه هدفاً خيالياً لا يتطلب أي إنجاز حقيقي في العالم الخارجي، بل قد يلجأ الفرد لحماية نفسه إلى اعتبار أنه إنسان تافه لا قيمة له، مستبدلاً دونية بأخرى أكثر إيلاماً. ويجب أن يهدف العلاج أولاً وقبل كل شيء إلى اكتشاف أسلوب حياة المريض والاتجاه العام للتعويض لديه. 
إلا أن أدلر يرى أننا لا يمكننا أن نعتبر الإنسان منفصلاً عن محيطه الاجتماعي، فمشاكل الحياة الأساسية (الوظيفية والاجتمـاعية والجنسـية جميعـها) هي، في الواقع، مشاكل اجتماعية. وحل هذه المشاكل أو التكيف الاجتماعي للفرد يحتاج إلى ما أسماه أدلر «الاهتمام الاجتماعي مكتمل النمو». إن هدف الفرد، إذن، يجب أن يتضمن فائدة أو نفعاً اجتماعياً يتفق مع قيم ومثل المجتمع. واعتبر أدلر أن الشخصيات المَرَضية هي في الواقع شخصيات فاشلة في الحياة نتيجة أن الاهتمام الاجتماعي غير مكتمل النمو وأيضاً نتيجة إحساس قوي بالدونية. 
ورأى أدلر أن دور المعالج النفسي تنمية الإحساس باحترام الذات لدى المريض من خلال التشجيع وتوضيح أخطائه في نمط الحياة من خلال تحليل وتفسير الذكريات البعيدة والأحلام من خلال العمل على تقوية الاهتمام الاجتماعي. وتتسم أساليب العلاج بالمرونة حيث إن هدفها الوحيد إعادة تنظيم إدراك المريض وتوجيه سلوكه نحو النضج والنفع الاجتماعي. 
وقد قدَّمت مدرسة أدلر في علم النفس بديلاً شاملاً لآراء فرويد. وتُعتبَر التطورات اللاحقة في نظرية الشخصية والعلاج النفسي مرتبطة إلى حدٍّ كبير بآراء ونظريات أدلر حيث إن الرؤية الإنسانية للإنسان، الذي يُعتبَر أدلر من روادها، والتوجه الاجتماعي الذي تبناه، اكتسبا قبولاً واسعاً في دوائر علم النفس. وتوجد جمعيات في أوربا، وخصوصاً في الولايات المتحدة، تتبنى نظريات أدلر في علم النفس مثل الجمعية الأمريكية لعلم النفس الأدلري والتي تصدر مجلة علم النفس الفردي. كما يوجد في إسرائيل معهد أدلري تأسس في تل أبيب تحت رعاية الحكومة يقوم بتدريب علماء النفس والمستشارين والمدرسين العاملين في المدارس الإسرائيلية. ورغم أن أدلر من أصل يهودي، إلا أنه لا توجد أية أنماط أو عناصر ظاهرة أو كامنة يمكن تفسيرها على أساس انتمائه أو أصوله اليهودية. هذا على عكس فرويد الذي تضرب رؤيته ومصطلحه بجذورهما في التراث القبَّالي، وعلى عكس يونج (المسيحي) الذي تأثر هو الآخر بهذا التراث نفسه. 
ماكــس فرتايمـــر (1880-1943)
Max Wertheimer 
مؤسـس علم نفـس الجشـطالت (أو المدرسة الشكلية في علم النفس). وُلد في براغ (تشيكوسلوفاكيا)، ودرس الفلسفة وعلم النفس وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ورزبورج. وفي عام 1910، اشتغل بالتدريس في جامعة فرانكفورت حيث بدأ أيضاً في إجراء أبحاثه العلمية التي تمخضت عنها نظرية الجشطالت والتي كان لها تأثير ثوري في مجال سيكولوجية الإدراك. وبيَّن فرتايمر من خلال أبحاثه أن « الحركة بالنسبة إلى الشخص الذي يدركها ليست قابلة للتجـزئة إلى إحسـاسـات بـدائية، فهي تؤلف كلاًّ أو شكلاً » (كلياً متكاملاً). ومن هنا كلمة «جشطالت» أو «أشكال» (كلية متكاملة). ولا يمكن اعتبار الإدراك أجزاء منفصلة عن بعضها البعض، فهي تتفاعل فيما بينها، والتغيير في أي جزء يؤدي إلى تغير تام في إدراك المجمل فالكل أكبر من مجموع أجزائه. وقد شكلت نظرية الجشطالت تحدياً عميقاً لعلم النفس الترابطي الذي كان سائداً آنذاك، خصوصاً إزاء المفهوم الذري للإدراك، وأوحت بقدر كبير من البحوث التجريبية في مجالات الإدارك الحسي والتعليم والذكاء وأنماط التفكير وغير ذلك من السلوك الإنساني. كما عمل فرتايمر على استخدام نظرية الجشطالت لمعالجة القضايا المتصلة بالمنطق وعلم الجمال والفنون وعلم الأخلاق. 
وبعد الحرب العالمية الأولى، التحق فرتايمر بجامعة برلين وأسس وقام بتحرير مجلة البحث النفساني التي قامت بنشر كثير من أبحاث مدرسة الجشطالت. ومع صعود النازية إلى الحكم، كان فرتايمر من أوائل العلماء اليهود الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة حيث انتقل إليها عام 1934 وانضم إلى المدرسة الجديدية للبحوث الاجتماعية في مدينة نيويورك، وظل بها حتى وفاته عام 1943. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية    الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  Emptyالخميس 12 ديسمبر 2013, 12:05 am

فريتــز فيتلـز (1880-1950) 
Fritz Wittels 
عالم نفساني أمريكي يهودي من أصل نمساوي، نادى بإتاحة الحرية الكاملـة للتعبير الجنـسي إلى درجة متطرفة أزعجت فرويد نفسه. وقد وصـف كارل يونج آراءه بأنهـا محاولة قاسـية وفظـة ترمي إلى تدمير « أنساقنا الأخلاقية الحالية ». ولكن فيتلز كان يرى أن إشباع الجنس سيزيد من إنجازات الإنسان وسيدفعه إلى الأمام، كما كان يرى أن التحليل النفسي سيغيِّر وجه الأرض ويسرع بالبعث الأخلاقي للإنسان ويأتي بالعصر الذهبي حيث لا مجال للأمراض النفسية. والواقع أن فيتلز في تجاوزه لفرويد قد نزع ما تبقى من سحر يحيط بالجنس (أي زاد معدلات العلمنة) وأنزله من عليائه ليصبح جهداً طبيعياً مادياً عضلياً، ومن ثم يمكن القول إنه كان أكثر « علمية» ومادية من فرويد. 
ويُلاحَظ هنا تداخل عدة موضوعات يهودية حلولية يدفع بها فيتلز إلى نهايتها المنطقية. فإذا كانت الخطيئة الكبرى هي كبت الرغبات الجنسية وفرض الحدود، فإن الخير الأعظم هو الإفصاح الكامل عنها وإسقاط الحدود والوصول إلى الخلاص بالجسد. فالإنسان، بحلول الخالق فيه، يصبح مطلقاً كامل القداسة يتجاوز الخير والشر. وفي إطار حلولي كامل، يحل الإله في كل من الخير والشر ويؤدي كلٌّ منهما إلى الآخر. لكن دوافع الإنسان، بما في ذلك دوافعه الدينية، هي خير وقداسة، فالخطيئة الكبرى هي فرض الحدود (والأوامر والنواهي) على هذه الدوافع. 
أما الخير الأعظم، فهو إسقاط الحدود والإفصاح الكامل عنها، بما في ذلك الرغبات الجنسية، فيتم الخلاص بالجسد (كما يقول الشبتانيون والحسيديون والقبَّاليون). وقد قيل إن القبَّالاه جنَّست الإله وألَّهت الجنس، أي أنها جعلت من الجنس مطلقاً. ومن ثم، فإن الإفصاح الجنسي هو خير السبل للتعبير عن المطلق واستحضار العصر المشيحاني (أو العصر الذهبي أو الفردوس الأرضي أو نهاية التاريخ) حين يتم إصلاح الخلل الكوني (تيقون) وهو عصر امتلاء كامل لا ثغرات فيه ولا مجال للأمراض النفسية، الجميع فيه أصحاء مثل الآلهة. 
هذه الرؤية القبَّالية الحلولية تظهر في كتاب فيتلز اليهودي الذي يتحول عن دينه وإن كان ذلك يتم بشكل آخر. إذ يذهب المؤلف إلى أن تحوُّل اليهودي عن دينه يدل على الإفلاس الخلقي، فاليهود هم هدف الاضطهاد والتمييز العنصري، ولذا فإنهم حينما يدافعون عن مصالحهم إنما يدافعون عن مصلحة البشر كلهم وعن العدالة، ومن هنا فإن دفاع اليهود عن أنفسهم إنما هو إصلاح العالم بأسره (تيقون)، ولذا يتعيَّن على اليهود أن يقبلوا الدفاع عن العدالة هدفاً لحياتهم. وهكذا، يُوضَع اليهود في مركز الكون ويتحولون إلى عنصر أساسي في عملية الخلاص الكوني، تماماً كما تفعل القبَّالاه. 
ويمكننا هنا أن نجد تماثلاً بنيوياً مدهشاً لا يمكن فهمه إلا في إطار الحلولية القبَّالية، فالإله يحل في اليهود والجنس والبشر، وتحرير اليهود موضع الحلول الإلهي وكذلك التعبير عن الرغبات الجنسية (التي هي الأخرى موضع الحلول الإلهي) سيحرر الإله وسيجمع شتاته المتبعثر (من خلال عملية التيقون) فتعود له وحدته وحيويته وفعاليته فتسود العدالة بين البشر ويأتي العصر الذهبي والمشيحاني. ويمكننا هنا أن نرى النمط الكامن الذي بدأ يتضح في كثير من حركات التحرر في الغرب حيث يدافعون عن حقوق السود والنساء والشواذ جنسياً كما يدافعون عن البيئة والحيوانات. ونقطة الانطلاق هنا ليست إنسانية (بمعنى أن الإنسان هو مركز الكون والمسئول عن تعميره والحفـاظ عليه) وإنماحلولية (فكـل الكائنـات متسـاوية لأنها تتمتع بالدرجة نفسها من القداسة)، ولذا لا يمكن فرض حدود من أي نوع عليها. ومن أهم مؤلفات فيتلز سيرة حياة فرويد (1924). 
ميـلاني كـلاين (1882-1960)
Melani Klein 
محللة نفسية بريطانية يهودية تخصصت في مجال نمو وتطور الطفل. وُلدت في فيينا، ودرست الفن والتاريخ في جامعة فيينا. وبعد زواجها واستقرارها في بودابست، تعرفت على أعمال سيجموند فرويد واهتمت بالتحليل النفسي، وقدَّمت أول دراسة لها حول نمو وتطور الطفل أمام جمعية التحليل النفسي في بودابست. وانتقلت بعد ذلك إلى برلين ثم إلى لندن عام 1926 حيث طورت من خلال عملها مع الأطفال نظرياتها وأساليبها في التحليل النفسي للطفل. 
وقد وجدت كلاين من خلال أبحاثها أن لعب الطفل ليس نشاطاً لا هدف له ولكنه ثمرة من ثمار الخيال الواسع للطفل وتعبير عن مشاعر القلق والذنب لديه. ويمكن دراسة هذا اللعب وتفسيره باستخدام أساليب التحليل النفسي وبأسلوب مشابه لأسلوب فرويد في تفسير الأحلام. 
ووجدت كلاين أن كثيراً من التطورات التي قال فرويد إنها تحدث للطفل في المرحلة الأوديبية (3 - 5 سنوات) تحدث في الواقع في السنة الأولى من حياة الطفل. كما توصلت كلاين إلى بعض النتائج المثيرة للجدل ومنها أن خيال المولود أو الطفل الصغير يدور حول ثدي الأم وأعضائها التناسلية ورغبته في تدمير ثديها. 
ولم تقتصر كلاين في تحليلاتها على الدوافع الغريزية والصراعات الداخلية لدى الطفل بل اهتمت أيضاً بالروابط العاطفية بين الطفل والعالم الخارجي، خصوصاً مع أمه، حيث وجدت أن علاقة الأم والطفل علاقة تجمع بين الحب والكراهية في آن واحد. فالعلاقة تتسم في بدايتها بالبارانويا والفصام حيث يحتفظ المولود في النصف الأول من عامه الأول بصورتين مختلفتين منفصلتين لأمه: الأولى الأم الطيبة التي تساعده وتلبي رغباته، والثانية الأم السيئة التي تهدده وتسبب له الإحباط. أما في النصف الثاني من العام الأول، فإن العلاقة تتسم بالكآبة حيث يكتشف الطفل أن الأم هي أم واحدة، ويصبح فقدان الأم من الاحتمالات الممكن حدوثها، ولأول مرة يبدأ شعوره بالقلق والذنب والحزن. 
وقد قدَّمت كلاين أفكارها ونظرياتها في عدد من الأعمال من أهمها التحليل النفسي للأطفال (1932)، ودراسة بعنوان « الحب والذنب والتعويض » (1937)، ونشرت هذه الدراسة في كتاب بعنوان الحب والكراهية والتعويض (1937). 
أوتـو رانـك (1884-1939)
Otto Rank 
عالم نفس نمساوي يهودي وُلد في فيينا لعائلة يهودية متوسطة الحال، اسمه الأصلي أوتو روزنفلد. انضم عام 1905 إلى دائرة فرويد للتحليل النفسي وأصبحت علاقته بفرويد وثيقة للغاية، وكان أحد المرشحين لخلافته. وحصل رانك على الدكتوراه من جامعة فيينا عام 1912 واختاره فرويد لتحرير مجلتي إيماجو و المجلة الدولية للتحليل النفسي التي كانت تُعَدُّ أهم مجلات التحليل النفسي في ألمانيا آنذاك. وفي عام 1924، أصدر رانك عمله المهم صدمة الميلاد والذي آذن بانشقاقه ثم أدَّى إلى انفصاله عن فرويد وعن التحليل النفسي الأرثوذكسي عام 1926. وفي هذا العمل، يؤكد رانك أن الاضطرابات النفسية والعاطفية تعود جذورها إلى تجربة ميلاد الإنسان نفسه، وأن كل إنسان يسعى شعورياً إلى العودة إلى حالة النعيم الأول التي تمتع بها حين كان في رحم أمه، ومن هنا تحتل الأم والطفولة موقعاً محورياً في نظريته. 
وقد اختلف رانك مع فرويد وعلماء النفس الأكاديميين في عصره حول رؤيته للإنسان حيث رفض النظرة الآلية للسلوك الإنساني وتبنَّى نظرة تستند إلى إرادة الإنسان الحرة سواء في التعبير عن المعاني أو المبادرة بالفعل، وأعطى الوعي أهمية وفاعلية في النفس البشرية أكثر مما فعل فرويد الذي ركز على أهمية اللاشعور. وفي المجال التطبيقي، طوَّر رانك ما عُرف باسم «العلاج بالإرادة» والذي ركَّز على أهمية الإبداع سواء في العلاج أو في التعامل مع الواقع. واعتبر رانك أن العصاب تعبير عن عمل فني فاشل، وأن التحليل ميلاد ثان للمريض من خلال إعادة تأكيد ذاته والتعبير عنها. 
وقد رفض رانك يهوديته واعتنق المسيحية الكاثوليكية عام 1908 واتخذ اسم «رانك» عام 1909 بسبب عدم ارتياحه لاسم «روزنفلد» ذي النبرة اليهـودية. ولكنه عاد مرة أخرى إلى اليهودية عند زواجه عام 1918. ولم يكن رفض رانك ليهوديته يعني عدم اكتراثه بها، ففي عام 1905 أصدر مقالاً بعنوان « Das Wesen des Yudentums » (طبيعة [الهوية] اليهودية) ادعى فيه أن اليهود وحدهم يمتلكون «العلاج الراديكالي» للعصاب. فهم باعتبارهم غرباء، ظلوا دائماً محصَّنين ضد أخلاقيات المجتمعات المتحضرة ذات التأثير المُحبط وظـلوا محاـفظين على عــلاقاتهم المباشرة والنشيطة مع الطبيعة. 
أما الآن، فإن اليهود يواجهون كبتاً لنشاطهم الجنسي يأتي من الخارج في شكل معاداة اليهود ومن الداخل في شكل الاندماج، وأصبحـوا مصـابين بالعصـاب والاضـطراب النفسي مثل سائر البشرية. ورغم ذلك، فإن صلتهم الوثيقة بالطبيعة واتجاههم نحو التجديد يجعلهم يحملون الأمل الأخير للبشرية ويؤهلهم ليكونوا بالفعل « أطباء » البشرية. واليهودي في نسق رانك ليس سوى المتوحش النبيل الذي ظهر في عصر الاستنارة، وهو الإنسان في حالة الطبيعة الذي يعيش على مقربة من الطبيعة ويتفاعل معها فلا تفسده المدنية أو حدودها. 
وهذا المتوحش النبيل يمكن أن يكون الهنود الحمر (سكان أمريكا الأصليين) أو الغجر أو البدو، وهو « اليهود » في حالة أوتو رانك. لكن تصوُّر رانك لليهود هو تصور أسطوري تماماً لا علاقة له بأي واقع، فالجماعات اليهودية جماعات غير متجانسة، ومن ثم لا يمكن الحديث عن اليهود بشكل مطلق. كما أن أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا كانوا يشكلون جماعات وظيفية تعيش في عزلة نسبية، ولكن عزلتها عن الأغلبية لم تكن تعني اقترابها من حالة الطبيعة، إذ كانوا يعيشون في الجيتوات داخل المدن، ويعملون أساساً بالتجارة والربا، وهي نشاطات لا علاقة لها بالطبيعة أو الزراعة. ولا يمكن النظر إلى تصنيف رانك لليهود كشعب طبيعي إلا باعتباره ترجمة علمانية جديدة لمفهوم الشعب المختار، على أن تحل الطبيعة محل الإله في الإطار الحلولي، كما أنه ولا شك قد تأثر بأسطورة اليهودي التائه، هذا الإنسان الموجود في المجتمعات دون أن يكون منها. واليهود في نسق رانك يشبهون الإيد (الهُوَ) أو اللبيدو في نسق فرويد، فهم الطاقة (الجنسية) التي لم يروضها التاريخ. وثمة نظرية تذهب إلى أن كلمة «إيد Id» عند فرويد مشتقة من كلمة «ييد Yid» التي تعني «يهودي». 
تيـودور رايـك (1888-1970)
Theodor Reik 
محلل نفسي أمريكي يهودي من أصل نمساوي. وُلد في فيينا وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة فيينا. تعرَّف إلى فرويد عام 1910 وتدرب بتشجيع منه ليكون محللاً نفسياً. وظل لمدة ثلاثين عاماً من أكثر أتباع فرويد وفاءً له. وبعد الحرب العالمية الأولى، مارس رايك التحليل النفسي في معهد التحليل النفسي في فيينا ثم في برلين عام 1929. وبعد صعود النازي إلى الحكم، انتقل إلى هولندا ثم إلى الولايات المتحدة عام 1938 حيث ساهم في نشر مفاهيم التحليل النفسي بها وأسس جمعية علم النفس الوطنية للتحليل النفسي. 
كتب رايك أكثر من خمسين عملاً قدَّم فيها أفكاره ونظرياته التي كان بعضها مخالفاً للتحليل النفسي الكلاسيكي. وقد رفض أن تكون عملية التحليل النفسي عملية عقلانية منظمة، فهي في رأيه عملية يجري خلالها تفاعل بين لا شعور المريض ولا شعور المحلل النفسي، وقد تنتج عنها مفاجأت لكل من الطرفين تكون ذات دلالات مهمة. واستعرض رايك هذه الأفكار في كتابيه المفاجأة والتحليل النفسي (1935)، والاستماع بالأذن الثالثة (1948). كما اهتم رايك بدراسة المازوكية (التلذذ بإيلام الذات). وفي كتابه المازوكية عند الإنسان المعاصر (1941)، يذهب رايك إلى أن المازوكية هي أساساً البحث عن اللذة، بل هي أيضاً (كما كان الحال مع الشهداء المسيحيين) البحث عن النصر النهائي. 
وفي كتابه علم نفس العلاقات الجنسية (1945)، يرفض رايك نظرية الليبيدو عند فرويد وبعض المفاهيم الجنسية المصاحبة لها. كما اهتم بدراسة الجريمة والدوافع الكامنة وراءها. وفي كتابه القاتل المجهول (1936) يرى رايك أن الإحساس اللا شعوري بالذنب هو الواقع الكامن وراء الجريمة، وأيضاً الدافع وراء حاجة المجرم إلى أن ينضبط وينال العقاب. 
وتخلى رايك عن العقيدة اليهودية في فترة مبكرة من حياته، ولكنه اهتم بدراسة الأديان بشكل عام والعقيدة اليهودية بشكل خاص من منظور علم النفس. ففي العشرينيات كتب دراستين حول كلٍّ من: دعاء كل النذور، والبوق (شوفار)، كما كتب دراسة من أربعة أجزاء حول تفسير العهد القديم تناول فيه الأنبياء (إبراهيم وإسحق)، وخلق حواء، وجذور الشعور بالذنب لدى الإنسان الحديث. أما في كتابه الطقوس الوثنية في اليهودية (1946) فإنه يُرجع كثيراً من الطقوس والشعائر التي تُمارَس في اليهودية اليوم إلى أصول وثنية وإلى طقوس عصور ما قبل التاريخ. كما اهتم رايك بدراسة العوامل النفسية الكامنة وراء روح الفكاهة بين أعضاء الجماعات اليهودية حيث ذهب في كتابه روح الفكاهة اليهودية (1962) إلى أن هناك تأرجحاً ما بين الرغبة المازوكية في إذلال الذات والشعور المرضي بالعظمة كامناً في الفكاهات والنكات التي يطلقها اليهود. 
ويلهــلم رايــخ (1897-1957)
Wilhelm Reich 
محلل نفسي نمساوي يهودي وُلد في جاليشيا وتخرَّج في كلية الطب من جامعة فيينا ثم انضم إلى جمعية فيينا للتحليل النفسي ثم إلى دائرة سيجموند فرويد. وساهم رايخ في تطوير نظرية التحليل النفسي، ولكنه انفصل عن النهج الفرويدي التقليدي واتجه إلى تأكيد ضرورة التركيز على الشخصية وعلى كيفية تبلورها وتكونها. وقد كان التحليل النفسي حتى ذلك الحين يركز على تفسير اللاشعور، ولذا فقد طالب بضرورة تحليل الشخصية، أي دراسة السمات الثابتة الكامنة وراء الصراع العصابي بدلاً من التركيز فقط على الأعراض. ورأى رايخ أن مرض العصاب يحدث نتيجة عدم تفريغ الطاقة الجنسية، كما أكد أن الكبت الجنسي هو السبب الرئيسي وراء الاضطرابات الجنسية الفسيولوجية وأن الصحة العقلية والنفسية تكمن في القدرة على الوصول إلى مرحلة الإشباع الجنسي، واعتبر أن الإعلاء محاولة ضارة لاستبطان أعراف المجتمع والتكيف معها وليس كما يؤكد فرويد علامة على الصحة العقلية والنفسية. 
وفي عام 1930، انتقل رايخ إلى برلين وأسس منظمة سكسبول، وهي منظمة كانت تدعو إلى الشيوعية الجنسية والتحرر الجنسي، ووصل أقصى حجم للعضوية فيها إلى 40 ألف عضو. وأكد رايخ أن عقدة أوديب الفرويدية يمكن تفاديها تماماً من خلال تفكيك البناء الاجتماعي البرجوازي، وأن الثورة الشيوعية يجب أن تصاحبها ثورة جنسية حتى لا تتحول الدولة الجديدة إلى دولة بيروقراطية جامدة. 
ولم تجد آراء رايخ قبولاً عند علماء النفس ولا عند الشيوعيين، وهو ما دفعه إلى الانفصال عنهما خلال الثلاثينيات. وفي عام 1939، استقر رايخ في الولايات المتحدة. وتضمنت أعماله خلال هذه الفترة تحليلاً للمسيح باعتباره تجسيداً للحب الجنسي. وقد أعرب رايخ عن أنه رغم رفضه جميع الأديان إلا أنه يجد نفسه أقرب إلى المسيحية منه إلى اليهودية. 
وقد ادعى رايخ اكتشافه لمادة الأرجون orgone في الجو. والأرجون ـ حسب زعمه ـ إشعاعات كونية يمكنها أن تشفي السرطان وأنها ذات بُعد جنسي (كما يدل على ذلك اسمها المشتق من كلمة «أورجازم orgasm» الإنجليزية والتي تعني «هزة الجماع» أو «الرعشة التي تصاحب لحظة القذف»). وقد قام ببيع علب الأرجون التي قال أنها تجتذب هذه المادة من الفضاء، مما عَرَضَه للمساءلة من قبل السلطات الأمريكية المختصة بالشئون الصحية والتي نجحت في إدانته بتهمة النصب، وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين. وتُوفي رايخ في السجن بعد عدة أشهر من بدء تنفيذ الحكم. 
وفكر رايخ كامن في النسق الفرويدي، وكل ما فعله أنه دفع التفسير الواحدي الجنسي إلى نتيجته المنطقية، فإذا كان الدافع الجنسي في الإنسان هو المحرِّك الأول والقيمة الحاكمة والركيزة النهائية، فإن الإفصاح عنه يصبح الخير المطلق، كما أن أي إعلاء يكون بمنزلة فرض حدود عليه، ومن ثم فهو شر خالص. ولا ندري هل يستلهم رايخ القبَّالاه مباشرة في مجال إعطاء الجنس مثل هذه المحورية، أو أنه تأثر بها من خلال فرويد وغيره، أو أن هذه المحورية تعبير عن الرغبة الحلولية (الغنوصية) في العودة إلى مرحلة السيولة الكونية التي لا تحدها حدود، وهي رغبة كامنة في كثير من الرؤى العلمانية الشاملة للكون! إن هذه الرغبة في التخلص من الحدود تأخذ شكل الحل السحري، أي الصيغة أو الوسيلة التي تأتي بالتحكم الكامل والسعادة الدائمة، وهذا ما يظهر في علب الأرجون التي تأتي بالسعادة الدائمة وحالة القذف الدائمة أو عند الطلب. كما أن العلبة السحرية تضمن التحكم الكامل والمرجعية الذاتية فعن طريق استخدامها يمكن استبعاد لا أعضاء الجنس الآخر وحسب وإنما أعضاء الجنس المثلي، فهي حالة استمناء فاوستيه بروميثية (وقد تنبأنا في رسالتنا للدكتوراه عام 1969 بأن الحضارة الغربية بتأكيدها مركزية مبدأ اللذة وتحقيق الذات ستمر بمرحلة من الشذوذ الجنسي تليها مرحلة استمنائية، باعتبار أن الاستمناء هو المرجعية الذاتية الكاملة التي تستبعد التاريخ والجغرافيا والآخر والمجتمع). 
إريـك فـروم (1900-1980)
Erik Fromm 
عالم نفس وفيلسوف أمريكي يهودي وناقد اجتماعي. وُلد في مدينة فرانكفورت في ألمانيا لعائلة يهودية أرثوذكسية، ودرس في المدارس الألمانية العلمانية وحصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع وعلم النفس من جامعة هايدلبرح، كما تلقى تعليماً دينياً يهودياً حيث درس العهد القديم والتلمود على أيدي كبار الحاخامات. 
دَرَّس فروم في معهد التحليل النفسي في برلين وساهم في تأسيس معهد التحليل النفسي في فرانكفورت، ثم انضم عام 1930 إلى معهد البحوث الاجتماعية، واتجه فروم خلال هذه الفترة إلى الاهتمام بالعوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في نمو الشخصية. وانتقد التحليل النفسي التقليدي لإغفاله الجانب الاجتماعي في حياة الإنسان واعتماده اعتماداً كبيراً على التكوين الغريزي للبشر. وعمل على بناء ما يمكن أن يُطلَق عليه «تحليل نفسي مادي» عن طريق الجمع والتأليف بين مفاهيم فرويد ونظرية ماركس. 
ومع وصول النازية إلى الحكم في ألمانيا، هاجر فروم إلى الولايات المتحدة عام 1934 واشتغل بالتدريس في عدد من الجامعات والمعاهد الأمريكية وأصدر عدداً من الأعمال المهمة من بينها الهروب من الحرية (1941) ، و الإنسان لنفسه (1947)، والتحليل النفسي في الدين (1950)، و اللغة النفسية (1952)، والمجتمع الصحي نفسياً (1955)، و فن الحب (1956)، وستكونون كالآلهة (1967)، وهو تفسير للرؤية التوراتية للإله من منظور التحليل النفسي. 
ويتناول فروم في أعماله معنى الحرية عند الإنسان المعاصر وإحساسه بالوحدة والعزلة لانفصاله عن الطبيعة وعن بقية البشر. ويرى أن القلق والاغتراب هما الثمن الذي دفعه الإنسان مقابل حريته. والاضطراب النفسي أو العصاب عند فروم يكون نتيجة هروب الإنسان من الحرية وإلقاء نفسه في علاقات خضوع وامتثال للغير: السلطة أو الحاكم المستبد. ويعزو فروم هذه الاضطرابات النفسية إلى عوامل ثقافية واجتماعية وإلى مساوئ النظام الرأسمالي والنظام الشمولي اللذين يحولان الإنسان إلى آلة وإلى بشاعة المجتمع الاستهلاكي الاكتنازي المعاصر. أما « الحرية الإيجابية »، فإنها تتحقق في رأي فروم من خلال العمل والمحبة ومن خلال قدرة الإنسان على تحقيق إمكاناته الداخلية واكتسابه شعوراً بذاته باعتبارها ذات قيمة وفعالية، ومن هنا فقد دعا إلى بناء مجتمع يستند إلى احترام الوجود الإنساني. 
ويرى فروم أن كل إنسان عنده احتياج عميق للدين، فالدين هو الإجابة المستفيضة عن أسئلة الوجود الإنساني. والوجود الإنساني ـ حسب رأي فروم ـ يستند إلى كل من التفكير العقلي والإيمان الديني، ولذا فلابد من التأليف بينهما ليظهر مجتمع يحقق فيه الإنسان إنسانيته الكاملة. وفروم يُفرِّق بين اتجاهين دينيين: الاتجاه الشمولي حيث يفقد الإنسان إرادته تماماً، والاتجاه الإنساني حيث يؤكد الإنسان ذاته ويمارس إحساسه بالمسئولية، ويرى فروم أن كتب الأنبياء الذين تتَّسم عقائدهم بالإيمان بالإنسانية وبتأكيد الحرية الإنسانية خير مثل على هذا الاتجاه. ويختلف فروم عن فرويد، ففرويد يرى أن الدين تعبير عن كبت وعصاب، أما فروم فيرى أن ثمة فارقاً شاسعاً بين هذا وذاك، فالإنسان المتدين يشارك الآخرين في مشاعره وأحاسيسه بينما الإنسان العصابي يعيش في عزلته، ويرى فروم أن ثمة جوهراً قيمياً أخلاقياً يوجد في الأديان كافة بحث عنه فروم في المسيحية والبوذية واليهودية. وقد تخلى فروم عن اليهودية الأرثوذكسية، ولكنه مع هذا لم يتخل عن عقيدته اليهودية ذاتها وإنما أعاد تفسيرها، فهو يرى أنها ديانة غير لاهوتية تؤكد أهمية التجربة الإنسانية. 
ويرى فروم أن العهد القديم كتاب ثوري لأنه يتمحور حول فكرة تحرير الإنسان، وأن الاغتراب (الذي هو جوهر تعاسة الإنسان في المجتمع الحديث) مرادف تماماً لمفهوم الوثنية وعبادة الأصنام في العهد القديم، وأن كتب الأنبياء هي التي تعبِّّر عن الرؤية الإنسانية المعادية للوثنية والرافضة لعبادة الأصنام. ومن الواضح أن فروم أجتزأ الطبقة التوحيدية الإنسانية في اليهودية وأسَّس عليها رؤيته لليهودية والدين، ومن هنا يأتي رفضه للحتمية وللتفسيرات المادية الأحادية وللجنس كمحرك وحيد للسلوك الإنساني. وقد انتقل فروم في سنواته الأخيرة إلى سويسرا عام 1969 حيث استمر في العمل الفكري إلى أن تُوفي عام 1980. 
إريك إريكسون (1902-1994) 
Erik Erikson 
محلل نفسي أمريكي يهودي وُلد في فرانكفورت. تدرب على منهج فرويد في التحليل النفسي وقام بوضع نظرية في نمو وتطور الشخصية تستند في كثير من جوانبها إلى نظرية فرويد، ولكنها تتجاوزها في الوقت نفسه حيث يرى إريكسون أن الشخصية تظل تنمو وتتطور طوال حياة الإنسان، كما يعرف بأهمية البيئة وتأثير الثقافة والتاريخ والمجتمع على تطور الشخصية. 
وفي إطار هذه النظرية، بلور إريكسون مفهوم أزمة الهوية، وهو مفهوم يبدو أنه تبلور لدى إريكسون نتيجة عدد من الأزمات الشخصية التي مرَّ بها خلال المراحل الأولى من حياته. وأولى هذه الأزمات تتعلق باسمه حيث ظل لعدد من السنوات يعتقد أن اسمه الحقيقي هو هومبرجر وهو اسم زوج والدته الذي كان يعتقد أيضاً أنه والده. أما أزمته الثانية، فواجهته في مدرسته في ألمانيا، إذ كان يعتبر نفسه ألمانياً ولكنه وجد زملاءه الألمان يرفضون ذلك باعتبار أنه يهودي، كما رفضه زملاؤه اليهود بسبب شعره الأشقر ومظهره الآري. أما أزمته الثالثة، فواجهته بعد تخرُّجه من المدرسة حيث ظل لعدة سنوات هائماً على وجهه في أنحاء أوربا باحثاً عن ذاته وهويته، وعندما بلغ الخامسة والعشرين استقر به المقام في فيينا حيث قام بالتدريس في مدرسة تأسست لتعليم كل أبناء مرضى وأصدقاء فرويد. وفي هذه الفترة، تلقى إريكسون تدريباً في التحليل النفسي على يد ابنة فرويد (آنا فرويد)، وحقق نجاحاً في حياته الشخصية والعملية، ووجد هويته وذاته سواء على المستوى الشخصي أو المهني. 
ورغم أن إريكسون لم يكمل تعليمه العالي إلا أنه قام بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة عام 1933 بالتدريس في جامعات هارفارد وييل وكاليفورنيا. وقد استقال من جامعة كاليفورنيا في بركلي عام 1950 كأسـتاذ لعلم النفـس، محتجاً على قسـم الوفـاء الذي كان عليه أن يدلي به، إذ وجد هذا القسم غامضاً مخيفاً ويشبه الصيغة السحرية التي تهدف إلى طرد الشر! (وتُعَدُّ هذه أزمة هوية أخرى عنده). وانضم عام 1951 إلى هيئـة مركز أوسـتن ريجز في سـتوكبريدج بولاية ماساشوستس. وفي عام 1960، عُيِّن أستاذاً للتطور الإنساني وعلم النفس في جامعة هارفارد. 
وتتمحور نظرية إريكسون في تطور الشخصية حول البحث عن «الأنا» أو الهوية الذاتية، ويُقسِّم إريكسون حياة الإنسان إلى ثماني مراحل من النمو والتطور النفسي الاجتماعي لكل مرحلة أزمة خاصة بها تنشأ من جراء احتكاك الفرد بالبيئة المحيطة به، ومن جراء الضغوط والمتطلبات التي تفرضها البيئة على الفرد. ونتيجة هذا الاحتكاك وهذه الأزمة يحدث تحوُّل في الشخصية حيث يواجه الفرد خيارين: التكيف أو عدم التكيف. ونجاح الإنسان في التعامل مع كل مرحلة، وكذلك حل كل أزمة بشـكل مقبـول، يعطيـه القدرة والقوة على التعامل مع المرحلة اللاحقة. 
والمراحل الأربع الأولى في تقسيم إريكسون تشبه مراحل فرويد (الفمية ـ الإستية ـ القضيبية ـ الكمون) ولكن إريكسون يعطي أهمية أكثر للعوامل النفسية الاجتماعية على العوامل البيولوجية. ويضيف إريكسون أربع مراحل أخرى (المراهقة ـ الصبا ـ الشباب ـ النضوج). وتتحدد هوية الإنسان في مرحلة المراهقة (12 ـ 18 عاماً) وتتحدد على أساسها طبيعة المراحل الثلاث الأخيرة. ومن إسهامات إريكسون تأكيده أهمية مرحلة المراهقة هذه. 
وقد طوَّر إريكسون مفهومه لدورة الحياة الثمانية إذ اقترح جدولاً للفضائل يقابل المراحل الثمانية للحياة (الأمل ـ الإرادة ـ الهدف ـ المقدرة ـ الإخلاص ـ الحب ـ الرعاية ـ الحكمة). وهذه الفضائل كامنة في الإنسان ككائن عضوي وتساعدها البنية الاجتماعية الصالحة على النمو وتجهضها البنية الفاسدة، أي أن الدورة النفسية تقابلها دورة أخلاقية. ولذا، فإن إريكسون يرى أن النمو النفسي وتكوين الشخصية الأخلاقية وجهان لعملة واحدة. ويُعتبر إريكسون، بسبب نظرياته هذه، من أهم المفكرين في علم النفس التطوري (مع جان بياجيه). 
وكان لنظرية إريكسون أهمية في مجال التحليل النفسي، وكذلك في مجال التعليم والعمل الاجتماعي. وقد قدَّم نظرياته في عدد من الأعمال من بينها الطفولة والمجتمع (1950) الذي تضمن نتائج أبحاثه حول بعض قبائل الهنود الحمر. وتناول في هذا الكتاب أيضاً تطوُّر الهوية والشخصية، كما تناول مسألة معاداة اليهود ودور اليهود في ظل بيئة ثقافية متغيِّرة. وفي كتابيه الشاب لوثر (1958)، و حقيقة غاندي بيَّن كيف عاش الرجلان أزمة في حياتهما ونجحا في تجاوزها والخروج منها بإحساس أعمق بالقـوة. وهـو يرى أن هـذا قد حدث لأن كليهما كان على استعداد لأن يخاطر بهويته المهنية وقبلا تعـريف هويتهما بطريقة تتضمن الاعتراف بمواطن الضعف فيها. 
وإذا ما بحثنا عن البُعد اليهودي في فكر إريكسون، فإننا سنجابه صعوبة بالغة، فقد رفض تبسيطات فرويد المادية الحلولية ورفض اعتبار الجنس ركيزة نهائية ورفض التفسير المجرد للسلوك الإنساني، وكان يحاول دائماً الوصول إلى نموذج تفسيري مركب للطبيعة البشرية فجمع بين المكوّن النفسي (الحتمي) والمسئولية الفردية الخلقية. وأقرب المفكرين له هو المفكر جان بياجيه (المسيحي). وقد يُقال إن سلسلة أزمات الهوية التي مر بها تعبير عن وضعه كيهودي، وهو قول يُبسِّط الأمور تماماً، فأزمة الهوية هي أزمة يمر بها كل فرد في العصر الحديث بسبب نسبيته ومعدل تغيُّره السريع ويواجهها المفكرون من اليهود وغير اليهود والأفراد العاديون من اليهود وغير اليهود. ولهذا السبب، نجد أن كثيراً من الموسوعات التي تناولت حياة إريكسون لا تذكر على الإطلاق مسألة أصوله أو انتمائه اليهودي. 
برونـــو بيتلهــايم (1903-1990)
Bruno Bettelheim 
عالم نفس أمريكي يهودي. وُلد عام 1903 في فيينا حيث نشأ وتعلَّم وحصل على درجة الدكتوراه. قُبض عليه عام 1938 وأُرسل إلى معسكرات الاعتقال، ثم أُفرج عنه بعد عام فهاجر إلى الولايات المتحدة. تدور معظم دراساته عن الأطفال، وله دراسة داخل معسكرات الاعتقال بيَّن فيها أن الأطفال يصابون بالشيزوفرنيا حينما يرون أن حياتهم تسيطر عليها قوة عشوائية لا معقولة لا يمكنهم التحكم فيها بأي شكل. ولبيتلهايم دراسة عن أطفال الكيبوتس؛ أطفال الحلم (1967)، وله أيضاً فوائد السحر ـ معنى وأهمية الحكاية الخرافية (1976). كما أن له دراسة في كتب المطالعة بعنوان تعلُّم القراءة: انبهار الطفل بالمعنى (1982)، حيث يعقد مقارنة بين كتب المطالعة الحديثة التي تحد آفاق الخيال والقصص التقليدية والحكايات الخرافية التي تعبِّر عن المخاوف العميقة عند الأطفال أو تعبِّر عن أحلامهم وآمالهم. ولعل يهوديته تنحصر في تناوله بعض الموضوعات اليهودية وفي بعض الحالات التي يدرسها، أما منهج التناول فتحدده عناصر مركبة كثيرة لا تختلف عن تلك العناصر التي تحدد منهج أي عالم نفس آخر.


الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الرابع عشر: علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث عشر: علماء الاجتماع من أعضاء الجماعات اليهودية
» الباب السادس: هجرات وانتشار أعضاء الجماعات اليهودية
» الباب السادس: إشكالية التعاون بين أعضاء الجماعات اليهودية والنازيين
» الباب الثامن: رأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة
» الباب السابع: رأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم (ما عدا الولايات المتحدة)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: