منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة   المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة Emptyالخميس 28 نوفمبر 2013, 2:13 am

المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة Dr-almassarri-abdwahab
المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة 
الجزء الأول: التحديث 
الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة
البروتسـتانتية (القـرنان السـادس عشر والسابع عشـر) 
(Protestantism (Sixteenth and Seventeenth Century 

ثمة علاقة وثيقة بين البروتستانتية من جهة والعقيدة اليهودية والجماعات اليهودية من جهة أخرى. ولعل من أكثر العناصر أهمية شكل الحلول في كل من البروتستانتية واليهودية. فبدلاً من الحلول الفردي المؤقت المنتهي (في شخص المسيح أو في الكنيسة، جسد المسيح) نجد أن الحلول يكون في الشعب أو الجماعة، وهو حلول مستمر تنجم عنه حلولية ثنائية صلبة. ويمكن، انطلاقاً من هذا، عقد مقارنة بين العقيدتين لنكتشف بعض نقاط التشابه بينهما (وبإمكان القارئ أن يعود للقسم المعنون «الرأسمالية والجماعات اليهودية» حيث تعرضنا لبعض نقاط الاختلاف والاتفاق). وقد خلق هذا التشابه تربة مواتية في أوربا لتقبُّل اليهودية، وهي تربة لم تكن موجودة في أوربا الكاثوليكية. 

وإلى جانب هذا، نجد أن النزعة الأصولية التبسيطية الاختزالية في البروتستانتية جعلت الإصلاحيين يفضلون المبادئ اليهودية البسيطة التي يستطيع القوم فهمها على تعقيدات اللاهوت الكاثوليكي. وقد أكدت البروتستانتية الجانب العبراني في المسيحية على حساب ما وسمته بأنه الجانب الهيليني أو الوثني، وهو ما خلق تعاطفاً مع اليهود ومع الثقافة الدينية اليهودية، خصوصاً أن الكتاب المقدَّس أصبح أكثر الآثار الأدبية شيوعاً، فبدأ الاهتمام باللغة العبرية والتلمود والقبَّالاه. وقد أثار اللاهوت البروتستانتي قضية شديدة الخطورة وهي قضية الخلاص. فالخلاص ليـس ممكنا من خلال إقامة الشـعائر المقدَّسة، إذ أن مفتاح الخلاص أصبح من خلال النعمة الإلهية والاختيار الإلهي المستمر للبقية الصالحة. ومع تزايد أهمية الاختيار ومركزيته، طُرح سؤال عن العلاقة بين الميثاق والعهد الجديد، هل يفسخ العهدُ الجديد العهدَ القديم أم يُضاف إليه؟ وهذا ما يطرح سؤالاً آخر: هل يظل اليهود شعباً مختاراً؟ 

كانت المسيحية الكاثوليكية ترى نفسها «إسرائيل الحقيقية» (باللاتينية: إسرائيل فيروس Israel verus). وكان رأي الكنيسة الكاثوليكية أن مجئ المسيح قد نقض العهد الإلهي لإسرائيل وأنهاه. فبعد المسيح لا وعد ولا اختيار إلا لمن آمن بالخلاص وسعى إليه. وباب الخلاص مفتوح لكل الناس بلا استثناء، وعلى اليهود أن يؤمنوا بالمسيح مثلهم مثل غيرهم إذا أرادوا الخلاص. أما النبوءات الخاصة بعودة اليهود فكانت تُؤوَّل على أنها تحققت حينما أعادهم قورش إلى فلسطين. أما الفقرات الأخرى التي تتنبأ بمستقبل مُشرق لإسرائيل، فقد كانت تنطبق ـ حسب تفسير القديس أوغسطين ـ على إسرائيل الجديدة وحسب، أي الكنيسة المسيحية. وبعد ظهور المسيح وإنكار اليهود له أصبح اليهود إسرائيل الجسدية الزائفة والشعب المختار للعنة الإله وأصبحت اليهودية إسماً لا ديناً. ونتيجةً لذلك، كانت الكنيسة الكاثوليكية تفصل بين العبرانيين القدامى الذين كانوا يُعتبَرون شعباً مثالياً وإسرائىل التي ورثتها الكنيسة الكاثوليكية من جهة، واليهود المعاصرين الذين كانوا يقفون في ضعفهم وذلتهم شعباً شاهداً على عظمة الكنيسة من جهة أخرى. 

كان التفسير البروتستانتي لهذه القضية جدَّ مختلف إذ أكد على ديمومة اختيار اليهود رغم التناقض بين الوعد القديم بالاختيار والوعد الجديد بالخـلاص. فبحسـب وجهة النـظر البروتسـتانتية، لم يتغيَّر الميثاق. وقد فسر كالفن كلمة «الجديد» بمعنى «التجديد». وكما أن العهد الجديد لا يحتوي على نقض لما كان قديماً، فمحتوى الوعد واحد إنما أخذ أبعاداً جديدة، فالوعد لم يقم بحد ذاته بل ارتبط بمفهوم الوفاء به، أي أن الإله لم يُعط الوعد لليهود دون أن يتعهد بأن يفي به. والمسيح في نظر كالفن هو الوفاء بالعهد أو الوعد الإلهي دون نقض لما كان قبله، وهذا، على حد قول كالفن، ما قال به المسيح نفسه: إنه ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله، وإن كلامه لن يزول حتى يتم الكل. فنعمة الإله على اليهود في رأي كالفن لا يمكن إهمالها كعمل عظيم كان في الماضي ومرّ عليه الزمن بل هو متضمَّن في حياة الكنيسة، أي أنه وعد أزلي. ولأنه أزلي، فإن الماضي يشبه الحاضر ويشبه المستقبل، وثمة استمرارية صلبة تؤدي إلى التفسيرات الحرفية. وتقوم التفسيرات الحرفية بتحويل نصوص العهد القديم وقصصه الديني إلى حقائق ووقائع (حوادث) تاريخية. كما ساد الاعتـقاد بين البروتسـتانت بأن اليهـود المعاصـرين هم العبرانيون القدامى، وهم الفلسطينيون الغرباء في أوربا الذين سيعادون إلى فلسطين عندما يحين الوقت، ومن ثم ظهرت العقيدة الألفية الاسترجاعية وحلت محل فكرة الشعب الشاهد. وقد أدَّى هذا إلى ظهور ضرب من الفكر الصهيوني الاسترجاعي الذي يطالب بعودة اليهود إلى فلسطين. 

ومما ساعد على ذلك، نزوع البروتستانت نحو الخلط بين المقدَّس والتاريخي وبين المطلق والنسبي. فالوجدان البروتستانتي دائب البحث عن قرائن وإشارات (مادية) من الإله، ودائم الانتظار للرؤي (أبوكاليبس) التي تتحقق داخل التاريخ، وهذا جزء من نزعته الحرفية. وهذه الرؤية صهيونية في بنيتها، فهي رؤية تنكر التاريخ المتعيِّن، وتنتقل بسهولة من العهد القديم إلى فلسطين وبالعكس، وهي تحوِّل اليهود المعاصرين إلى شعب الإله المختار، الذي له حقوق أزلية في أرض الميعاد. ومما يجدر ذكره أن الأسطورة الاسترجاعية هي أسطورة صهيونية ومعادية لليهود في آن واحد. فهي ترى أن الخلاص لا يتم إلا بتحقيق عودة اليهود إلى وطنهم وتنصيرهم، أي التخلص منهم عن طريق التهجير والتنصير. وما حدث بعد ذلك في الاستعمار الاستيطاني هو إقرار أن الخلاص يتم عن طريق التخلص من اليهود بتهجيرهم، أما التنصير فلم يعد أمراً ذا بال في المجتمع العلماني الغربي الحديث. 

وقد تزامن ظهور البروتستانتية وحركة الإصلاح الديني مع تزايُد النشاط التجاري الرأسمالي في المجتمعات الغربية. ويرى ماكس فيبر أن ثمة علاقة تبادلية بين الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية الرشيدة )فالبروتستانتية هنا هي «تهويد» للمجتمع المسيحي بالمعنى الذي استخدمه ماركس). وقد كان اليهود جماعة وظيفية وسيطة تعمل بالتجارة والأعمال المالية مثل الربا، وهو ما زاد من أهميتها ونشاطها في المجتمع وخروجها عن هامشه وتحركها نحو مركزه. وقد وجد اليهود المارانو، المطرودون من شبه جزيرة أيبريا الكاثوليكية ومن محاكم التفتيش، ملجأ في الدول والمدن البروتستانتية مثل أمستردام وهامبورج ولندن وغيرها. ولم تَعُد الجماعات اليهودية تنفرد بكونها الأقليات الدينية في المجتمع، إذ كانت توجد الفرق البروتستانتية في الدول الكاثوليكية والفرق الكاثوليكية في الدول البروتستانتية التي كان أعضاؤها يواجهون رفضاً ومقاومة عنيفة أكثر من تلك التي كان يواجهها أعضاء الجماعة اليهودية. ففي أمستردام التي كان يُقال لها القدس الثانية، كان المجتمع البروتستانتي هناك يرحب باليهود ويضطهد الكاثوليك. وقد حاول المفكر الهولندي هيوجو جروتيوس (من منظِّري فكرة القانون الدولي العام والقانون الطبيعي) أن يُعرِّف المصادر المشتركة بين المسيحية واليهودية في بحثه المعنون حقيقة الدين المسيحي فبيَّن أن الفرق المسيحية (الكاثوليكية أو البروتستانتية) كان يُنظَر لها باعتبارها مصدر خطر حقيقي داخلي يفوق كثيراً الخطر اليهودي، فاليهود جماعة معزولة ضعيفة قليلة العدد وهامشية، وكان المجتمع يجيد التعامل معها. كما ظهرت فرق بروتستانتية متطرفة، كالمعمدانيين، هدَّدت البناء السـياسي والاجتماعي ذاته، فضلاً عن أنها كانت ذات جذور جماهيرية راسخة.

ولقد خلخل ظهور البروتستانتية في حد ذاته الإطار المسيحي الكاثوليكي العالمي الموحَّد، فبدأت تظهر تعددية عقائدية في المجتمع الغربي. ويشكل هذا، بطبيعة الحال، بداية تقهقر العقيدة المسيحية وتزايد العلمنة في المجتمع الغربي. وقد ألقى انقسام النخبة الحاكمة إلى بروتستانت وكاثوليك بظلال من الشك على العقيدة ذاتها، الأمر الذي أدَّى بدوره إلى ظهور أو تشجيع الشك الفلسفي واليقين الإلحادي والحركة الإنسانية التي تحوِّل الإنسان إلى مطلق يحل محل الإله. 

وقد ساهم مارتن لوثر في إشاعة جو التسامح تجاه أعضاء الجماعات اليهودية في بادئ الأمر، حيث تصوَّر أن بإمكانه هداية اليهود وتنصيرهم. ففي عام 1520 هاجم لوثر هؤلاء الذين يضطهدون اليهود، وأدان اضطهادهم من قبل الكنيسة الكاثوليكية محتجاً بأن المسيحيين واليهود ينحدرون من أصل واحد. بل ورفض لوثر المقولة الإقطاعية الدينية الغربية التي ترى أن اليهود هم أقنان البلاط أو المَلك، ووجد أنهم على حق في رفض المسيحية في صورتها الكاثوليكية الوثنية. ووردت كل هذه الأفكار في كتابه الذي نشره عام 1523، وطُبع سبع مرات في العام نفسه، بعنوان عيسى وُلد يهودياً. ودفاع لوثر عن اليهودية هو جزء لا يتجزأ من نزعته التبشيرية، أي أنه غير مهتم باليهود في حد ذاتهم وإنما مهتم بهم بمقـدار إمكـان تنصـيرهم، فهو يختم كتابه هذا بقولـه: " إذا أردنا أن نجعلهم خيراً مما هم، فعلينا أن نعاملهم حسب قانون المحبة المسيحي لا قانون البابا، علينا أن نحسن وفادتهم وأن نسمح لهم بأن يتنافسوا وأن نتيح لهم فرصة فهم الحياة والعقيدة المسيحيتين، وإذا أصر بعضهم على عناده فما الضرر في ذلك؟ نحن أنفسنا لسنا جميعاً مسيحيين صالحين". وقد عارض لوثر حرق التلمود ومصادرة الكتب الحاخامية، ولعل هذا هو ما حدا بالسلطات الكنسية إلى أن تعتبر لوثر « يهودياً » و« راعياً لليهود » و« شبه يهودي ». بل وتصوَّر بعض اليهود أيضاً أنه يهودي متخفٍّ من يهود المارانو. 

ولكن موقف لوثر تغيَّر في أواخر الثلاثينيات، إذ اتخذ موقفاً متطرفاً متعصباً يفوق في تطرفه موقف الكنيسة الكاثوليكية. فالكنيسة الكاثوليكية كانت دائماً ملتزمة بالدفاع عن اليهود وبحمايتهم باعتبارهم الشعب الشاهد، أما لوثر فأسقط هذا الدور تماماً (ضمن ما أسقط من مؤسسات وسيطة). ويُلاحَظ أن تزايُد اشتغال المسيحيين بالتجارة كان له جانبه المظلم بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية إذ كان ذلك يعني تزايُد التنافس معهم. وقد أدَّى الإصلاح الديني إلى فتح الباب على مصراعيه للاجتهادات والانشقاقات، فظهرت مجموعات المسيحيين الذين تمسكوا بحرفية العهد القديم والذين اتخذوا طابعاً يهودياً، كما هو الحال مع جماعة السبتيين الذين كانوا يستريحون يوم السبت بدلاً من يوم الأحد. وكتاب لوثر خطاب ضد السبتيين يتضمن هجوماً حاداً على اليهود الذين اتهمهم بأنهم يجمعون الأنصار لعقيدتهم. ثم ظهر في عام 1542 كتابه عن اليهود وأكاذيبهم ، أما عام 1543 فشهد نشر كتاب عن شيم هامفوراش ، أي الاسم الذي لا يُنطَق به، والكتابان يتضمنان سيلاً من الشتائم والهجوم على اليهود إذ وصفهم بأنهم خبثاء ولصوص وقطاع طرق وديدان مقزِّزة. ولكن الجدير بالذكر أن لوثر كان عنيفاً في هجومه على كل أعدائه من أمراء وأساقفة وبابوات ومحامين وغيرهم. وقد تأثر لوثر في كتابيه بيهوديين متنصرين. والأكاذيب التي يتحدث عنها لوثر تتعلق بمفهوم الاختيار والميثاق مع الخالق من خلال الختان في سيناء، وإيمان اليهود بأن الرب أعطاهم إرتس يسرائيل (أي فلسطين) والقدس. واستخدم لوثر في كتابه كل الاتهامات التي كانت توجَّه إلى اليهود في العصور الوسطى، مثل تهمة الدم وتسميم الآبار، واتهمهم بأنهم يلعنون المسيحيين في معـابدهم، ووصف اليهـودية بأنهـا أصبحت شكلاً من أشكال الوثنية. كما أوصى لوثر بضرورة إحراق معابد اليهود وتدمير منازلهم وأن يُجمَعوا كالقطيع في الحظائر حتى يتحققوا من أنهم ليسوا أسياداً في بلادهم وإنما غرباء في المنفى، وأن يخضعوا للسخرة، وأن تُسلب منهم كتب الصلوات الخاصة بهم والتلمود وأن يُمنع الحاخامات من تلقين تعاليم دينهم وأن لا يُسمح لهم بالسفر من خلال طرق الإمبراطورية. 

وصاغ لوثر في هذا الكتاب فكرة الشعب العضوي المنبوذ صياغة متبلورة، فهو يطالب بعدم إعاقة اليهود عن العودة إلى أرضهم في يهودا (أي فلسطين) ويوصي بتزويدهم « بكل ما يحتاجون إليه في رحلتهم لا لشيء إلا لنتخلص منهم، إنهم عبء ثقيل وهم بلاء وجودنا ». ونحن نرى في هذه العبارات نمطاً متكرراً في الحضارة الغربية. فمعاداة اليهود تُترجم نفسها دائماً إلى دعوة صهيونية، أي طرد اليهود وتوطينهم في فلسطين. وتشبه عبارات لوثر بعض العبارات التي وردت في المقدمة التي كتبها بلفور، صاحب الوعد المشهور، لكتاب تاريخ الصهيونية الذي كتبه ناحوم سوكولوف. وكانت آخر موعظة ألقاها لوثر، قبل موته بأربعة أيام، نوعاً من الهجوم على اليهود والمطالبة بطردهم. 

وأثناء محاكمات نورمبرج، صرح جوليوس سترايخر بوجوب محاكمة لوثر بدلاً منه لأن كل ما قاله هو عن اليهود قاله لوثر من قبله، وإن كان بشكل أكثر تطرفاً وحدة. ومن الأمور الجديرة بالتأمل أن ألمانيا هي بلد الإصلاح الديني أي البلد الذي فك الحلول الإلهي (النعمة) من الكنيسة وأطلق عقاله ليفيض على كل الدنيا وكل الناس فيتوحدوا بالإله. وبلد لوثر هو أيضاً البلد الذي ظهر فيه هيجل صاحب المنظومة الحلولية المتطرفة التي تصل إلى مرحلة وحدة الوجود التاريخية أو مرحلة نهاية التاريخ، وهو أيضاً بلد نيتشه الذي اكتشف أن وحدة الوجود تؤدي إلى موت الإله، وهو أخيراً بلد هتلر الذي نصب نفسه إلهاً يحكم بلده في إطار من الحلولية بدون إله. 

ومع هذا، يُلاحَظ أن موقف الكنيسة اللوثرية من اليهود أثناء الفترة النازية يختلف باختلاف البلد والانتماء السياسي، فالأوساط المحافظة كانت تؤيد النازيين في حين وقفت العناصر الليبرالية ضدهم. وبينما كان موقف الكنيسة في ألمانيا ممالئاً للنازيين، وقفت الكنيسة اللوثرية ضدهم في السويد والدنمارك. بل إن بعض كبار المفكرين اللوثريين الألمان تنبهوا إلى العلاقة الوثيقة بين فكرة الشعب الواحد الصهيونية، والأفكار النازية التي تُقدِّس التراث القومي. وفي عام 1982، عُقد مؤتمر بمناسبة مرور خمسمائة عام على مولد لوثر وحضره ممثلون عن الكنائس اللوثرية، وأعلن الحاضرون فيه رفض أفكار مؤسس الكنيسة اللوثرية المتصلة باليهود. ولا يتسم موقف المفكر الديني البروتستانتي جون كالفن (1509 ـ 1564) بهذا الوضوح والعنف، فلم تكن لديه علاقة كبيرة بأعضاء الجماعات اليهودية سواء في فرنسا أو سويسرا. ومع هذا، فقد كتب كالفن كتيباً أخذ شكل حوار بين يهودي ومسيحي يحاول كل منهما أن يدافع عن عقيدته ويدحض عقيدة الآخر. 

ولكن أثر كالفن في أعضاء الجماعات اليهودية يظهر بشكل غير مباشر، فقد أباح كالفن الربا، وهو ما أسبغ شرعية على أحد النشاطات الاقتصادية الأساسية للجماعات اليهودية. كما أن البروتستانتية الكالفنية التي ابتدعها كالفن، والتي سيطرت على معظم العالم الأنجلو ـ ساكسوني، ساهمت في ظهور الرأسمالية حسب أطروحة ماكس فيبر. وهو الأمر الذي ترك أثراً عميقاً في اليهود. وقد كان اهتمام كالفن بالعهد القديم بالغاً، كما ركز تركيزاً قوياً على النزعة القانونية والتقيد الحرفي والمفرط بالقانون. ومن هنا كان قربه من روح العقيدة اليهودية واتهامه، مثل كثير من المفكرين البروتستانت الأوائل، بأنه يهودي أو من دعاة التهويد. وثمة صدى لهذا الاتهام حتى في كتابات ماركس الذي وصف سيطرة البورجوازية على المجتمع بأنها عملية تهويد له.

ويُلاحَظ أن ثمة علاقة وثيقة بين البروتستانتية من جهة والصهيونية والجماعات اليهودية من جهة أخرى: 

1 ـ تأثرت اليهودية بالإصلاح الديني، فظهرت اليهودية الإصلاحية في ألمانيا (مهد الإصلاح الديني) متأثرة بفكر الإصلاح الديني المسيحي بشكل عام وبفكر لوثر على وجه الخصوص. وقد صرح الفيلسوف اليهودي هرمان كوهين أنه لا يرى أي فارق بين التوحيد اليهودي والبروتستانتية. 

2 ـ لاحظنا ظهور الفكر الاسترجاعي الصهيوني داخل الفكر البروتستانتي. ويمكن الإشارة إلى أن كثيراً من يهود أوربا كانوا، ابتداءً من القرن السابع عشر، يستقرون في البلاد البروتستانتية (هولندا وإنجلترا... إلخ)، والتي كان لها النصيب الأكبر في التشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي. ولذا، نجد أن معظم يهود العالم مركزون في البلاد البروتستانتية الاستيطانية التي تتحدث الإنجليزية: الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا. ولم يَعُد لهم وجود يذكر في البلاد الكاثوليكية. ومع هجرة اليهود السوفييت، سيتركز يهود العالم إما في البلاد البروتستانتية أو في إسرائيل. 

3 ـ يُلاحَظ ارتباط الحركة الصهيونية بالبلاد البروتستانتية. وقد تبنت إنجلترا المشروع الصهيوني بعد منافسة قصيرة مع ألمانيا وتبعتها الولايات المتحدة، وذلك بينما كان هناك دائماً رفض للمشروع الصهيوني في الأوساط الكاثوليكية. ويُلاحَظ أنه، مع تزايُد انتشار البروتستانتية في أمريكا اللاتينية، يُتوقع تزايد التعاطف مع المشروع الصهيوني. 

4 ـ ارتبطت هجرة أعضاء الجماعات اليهودية في العصر الحديث بالتشكيل الاستعماري الاستيطاني البروتستانتي الأنجلوساكسوني، ولذا نجد أن الغالبية الساحقة من يهود العالم توجد في الولايات المتحدة وكندا وجنوب أفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا (وأخيراً إسرائيل التي هي جزء من هذا التشكيل الأنجلو ساكسوني). 

5 ـ ثمة علاقة غير مباشرة بين البروتستانتية والجماعات اليهودية تتحدد في أن الرأسمالية، حسب أطروحة فيبر، وُلدت في المجتمعات البروتستانتية، كما أن ميلاد الرأسمالية الرشيدة كان أهم حدث في تاريخ الجماعات اليهودية، خصوصاً في الغرب. 

6 ـ ولا يزال كثير من غلاة البروتستانت يأخذون بالتفسير الحرفي للعهد القديم، وينظرون إلى فلسطين باعتبارها أرضاً مرتبطة باليهود، وينظرون إلى اليهود باعتبارهم العبرانيين القدامى، ويتفشى في صفوفهم تفكير صهيوني وحُمَّى استرجاعية ألفية. ويرى كثير منهم أن دولة إسرائيل هي تحقيق للنبوءات التي وردت في العهد القديم. لكن هذا لا يعني أن ثمة علاقة عضوية أو سببية بين البروتستانتية والصهيونية. وكما أسلفنا، تحوي الرؤية الاسترجاعية البروتستانتية قدراً كبيراً من كراهية اليهود ورفضهم. وتتحدث إذاعات غلاة البروتستانت في الولايات المتحدة عن ضرورة عودة اليهود، ولكنها ترى أيضاً أن هتلر هو سوط العذاب الذي أرسله الإله لتعذيب اليهود لإنكارهم المسيح.

عصــر النهضـة (القـرنان السـادس عشـر والسـابع عشـر( 
The Renaissance (Sixteenth and Seventeenth Century) 

رغم التفتح العام الذي شهدته الحضارة الغربية في عصر النهضة، فإنه لم تكن له مردودات إيجابية على أعضاء الجماعات اليهودية. وربما يعود هذا إلى وضع اليهود الخاص داخل المجتمع الغربي وإلى أنهم لم يكونوا جزءاً من القوى الاجتماعية التي أدَّت إلى ظهور النهضة والاستنارة فيما بعد. كما أن بنية المجتمع، برغم تغيرها في كثير من الوجوه، ظلت جامدة وتقليدية. ولذا، لم يشهد عصر النهضة (بشـكل عام) تغـيراً جـوهرياً في أحوال أعضاء الجماعات اليهودية، كما لم تحدث تطورات فكرية عميقة إلا في بعض الجماعات مثلما حدث في إيطاليا في بداية عصر النهضة. وكانت أوربا خالية من اليهود بعد أن طُردوا من إسبانيا عام 1492، ومـن البرتغـال عام 1496، ومن نافار وصـقلية وســردينيا عام 1498، ومن سويسرا وألمانيا عام 1490. أما إنجلترا وفرنسا، فكانتا قد طردتا أعضاء الجماعات اليهودية في فترة سابقة ولم يسمح لهم بالاستيطان فيهما. ولم تكن هناك جماعات يهودية إلا في شرق أوربا (بولندا) التي كانت خارج نطاق عصر النهضة (في بدايته)، أو في بعض الإمارات الألمانية التي استقبلت اليهود الذين كانوا قد طُردوا من إمارات أخرى. كما كان يوجد بعض اليهود في المدن/الدول الإيطالية في بداية عصر النهضة. بل إن هذه الفترة شهدت تكريس عزلة اليهود، وشهدت تحوُّل الجيتو من المكان الذي كانوا يعيشـون فيه إلى المكان الذي يتعين عليهم العيـش فيه. فمع عصر النهضة، فقدت كثير من الجماعات اليهودية في غرب أوربا دورها كجماعة وظيفية وسيطة تعمل بالتجارة والربا وحلت محلها جماعات مسيحية محلية أو دولية. 

ومع هذا، شهدت تلك الفترة بعض التحولات العميقة للجماعات اليهودية، وهي تحولات كان مقدراً لها أن تتصاعد في الفترات التاريخية اللاحقة بعد تزايُد أعداد يهود بولندا، وبدأ تشابكهم مع طبقة الشلاختا داخل إطار الإقطاع الاستيطاني في أوكرانيا (نظام الأرندا). ويُلاحَظ بدايةً الانفجار السكاني بين يهود بولندا الأمر الذي أدَّى إلى تحوُّلهم إلى الغالبية الساحقة من يهود العالم. كما بدأ يهود المارانو في تكوين مراكزهم السكانية والثقافية فى أمستردام وبوردو وسالونيكا (وفي كثير من مدن الدولة العثمانية) وكان يُطلَق عليهم «السفارد» أو «البرتغاليين». وكان السفارديون على مستوى ثقافي رفيع (نظراً لاحتكاكهم بالثقافة العربية الإسلامية)، وكانت النخبة بينهم على دراية بالأمور المصرفية المتقدمة. وكانت تربطهم فضلاً عن ذلك علاقات وثيقة باليهود السفارديين في الإمبراطورية العثمانية، الأمر الذي سهل عليهم القيام بالعمليات التجارية الدولية، وبذلك أمكنهم أن يلعبوا دوراً في الاقتصاد الجديد. وقد بدأ الأدب والفن في عصر النهضة ينفتحان على المواضيع العبرية واليهودية، فرسم رمبرانت يهود أمستردام (ومن بينهم إسبينوزا) وأبطال العبرانيين. ويُلاحَظ أن الأعمال الأدبية بدأت هي الأخرى تعالج شخصيات مثل شمشون ويهوديت وإستير. 

ومن المفارقات أنه حين بدأت أوربا في نبذ اليهود، اكتسب يهود أوربا مركزية بين يهود العالم بسبب ثقلهم السكاني (إذ أصبحوا يشكلون غالبية يهود العالم) وزاد وزنهم الثقافي مع تزايُد طباعة الكتب العبرية، وكذلك بسبب تزايد أهمية أوربا في العالم مع تزايد غزواتها الإمبريالية لأركان المعمورة الأربعة. ويُلاحَظ أن ظاهرة يهود البلاط بدأت في هذه الفترة ولكنها لم تتبلور إلا في القرن السابع عشر الميلادي. وقد بدأ تحرُّك أعضاء الجماعات اليهودية مع التشكيل الاستيطاني الغربي في هذه المرحلة، وهي عملية انتهت في الوقت الحاضر بوجود معظم يهود العالم في بلاد استيطانية. 

ويُلاحَظ أنه، في هذه الفترة، بدأ ظهور الفكر الصهيوني بين المسيحيين في البلاد البروتستانتية على وجه العموم وفي إنجلترا على وجه الخصوص. وهو فكر يذهب إلى أن خلاص العالم لن يتم إلا بالاستيلاء على فلسطين واسترجاع اليهود، أي عودتهم لها، وتنصيرهم حتى يتم الإعداد لعودة المسيح المخلِّص. والفكرة الصهيونية هي ذاتها الفكرة الاسـترجاعية مع إحلال العنصـر اليهودي محل العنصر المسـيحي. وعصر النهضة، كما أسلفنا، هو عصر الاكتشافات الجغرافية وبدايات الرأسمالية المركنتالية برغبتها في التوسع. ومن ثم، بدأت الفكرة الاسترجاعية في كسب المؤيدين لها، وبخاصة في البلاد البروتستانتية، وبدأ الحديث عن عودة اليهود إلى صهيون أي فلسطين. وبدأت محاولات إنشاء مستوطنات يهودية خارج أوربا، وقد جرت أولى المحاولات الاستيطانية في العالم الجديد. ولكن عصر النهضة، وانقلابه التجاري، والأفكار الصهيونية المسيحية التي سادت خلاله، لم تكن سوى إرهاصات للثورة الفرنسية والصناعية وللحركة الإمبريالية التي تركت أثرها العميق في العالم بأسره، وفي الجماعات اليهودية بطبيعة الحال. 

عصــر الاســتنارة (القـــرن الثــامن عشـر) 
The Enlightenment (Eighteenth Century) 

كان التيار الفكري الأساسي في هذه الفترة هو فكر حركة الاستنارة، وهو فكر يدعو إلى تحرير الإنسان من الغيبيات بهدف ترشيده. وهي عملية ترشيد أدَّت، فيما أدَّت، إلى تطويع الإنسان لخدمة الدولة المركزية المطلقة. وقد أدَّى ذلك إلى الهجوم على كل أشكال الغيب والخصوصية وكل الجيوب الإثنية. ولا شك في أن هذا الفكر، وكذلك التحولات الاجتماعية التي أدَّت إليه ونجمت عنه في الوقت نفسه، قد تركا أعمق الأثر في أعضاء الجماعات اليهودية في العالم بأسره، فقد استفادوا من هذه التحولات أيما استفادة مع أنهم اصطدموا بها في نهاية الأمر. والواقع أن هذه العملية التاريخية هي التي قضت على الجيتو وأعتقت اليهود، ولكنها قضت أيضاً على دورهم كجماعة وظيفية وسيطة، وزادت من معدلات الاندماج والعلمنة بينهم. 

ويُلاحَظ أن حركة أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا خلال العصور الوسطى في الغرب كانت قد أخذت شكل الانسحاب أو الهجرة إلى الماضي؛ فكانت هجرة من أوربا الغربية، حيث نشأت طبقات تجارية محلية، إلى الشرق السلافي حيث كان نمط التنظيم الاجتماعي شبيهاً بأوربا في العصور الوسطى وحيث كان بوسع أعضاء الجماعات اليهودية الاستقرار في مسام المجتمع وعلى هامشه ليلعبوا دوراً حدودياً. وكان اليهود المنسحبون هم أساساً اليهود الإشكناز الذين يشتغلون بالتجارة البدائية والربا، وكان أكبر تجمُّع لهم في هولندا وروسيا، وهو التجمُّع الذي نشأت فيه المسألة اليهودية (والأفكار الصهيونية فيما بعد). وقد استمرت هذه الحركة حتى بداية القرن السابع عشر الميلادي حين بدأت الدولة العثمانية (التي كانت تستوعب الفائض الأوربي من اليهود) في التجمد. 

أخذت الهجرة اليهودية منذ ذلك التاريخ تتجه نحو بلاد وسط وغرب أوربا، وهي البلاد التي كانوا قد طُردوا منها. وقد عاد اليهود إلى هذه البلاد بعد أن تساقط النظام الإقطاعي الوسيط وظهر حكم الملكيات المطلقة التي حطمت سلطة الأمراء الإقطاعيين وظهرت الدولة المركزية المطلقة. وكان يهود المارانو، بما لديهم من خبرة في الأمور المالية والتجارة الدولية، عنصراً أساسياً في الحركة الثانية لليهود. وفي عام 1612، سمحت هامبورج ليهود المارانو (وهم من السفارد) بالاستيطان فيها، وقد أعلن بعضهم يهوديته صراحة بعد الاستيطان. أما في فرنسا، فكان هناك بعض الجيوب اليهودية. ومع عصر النهضة، تغيَّرت الصورة. ففي أواخر القرن السادس عشر الميلادي، سُمح لبعض اليهود السفارد من المارانو بالاستيطان في بوردو وبايون. كما تم ضم منطقة الألزاس واللورين التي كانت تضم يهوداً من الأشـكناز، وبـعدها انتـشر اليهود، وبخاصة من الألزاس، في كل فرنسا. أما في إنجلترا، فقد سُمح بعودة اليهود عام 1664، وأُسِّس معبد يهودي في لندن عام 1690 ولم يكن هناك، في إنجلترا، جيتو يهودي بالمعنى المعروف، ولم تُفرَض عليهم هناك أية قيود. 
يتبع إن شاء الله...


المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة 2013_110


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الخميس 27 مارس 2014, 9:38 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة   المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة Emptyالخميس 28 نوفمبر 2013, 2:19 am

وقد هاجر يهود المارانو أيضاً إلى هولندا واستوطنوا في أنتورب، ثم في أمستردام، وتحالفوا مع البروتستانت في حربهم ضد الهيمنة الإسبانية، كما لجأ بعض يهود المارانو إلى الإمبراطورية العثمانية. وكان نمط الهجرة يأخذ في العادة شكل استيطان سفاردي في البداية ثم يتوافد المهاجرون الإشكناز. 

وقد أدَّى هذا، في بداية الأمر، إلى تزايُد عدم تجانس اليهود داخل القارة الأوربية. وفي داخل كل مدينة، كانت الجماعات اليهودية مستقلةً الواحدة عن الأخرى تماماً، ففي إيطاليا مثلاً كانت هناك جماعة يهودية إيطالية وأخرى إسبانية سفاردية وثالثة ألمانية إشكنازية، وكانت كل جماعة منفصلة عن الأخرى وتتصارع معها في بعض الأحيان. بل كانت الجماعة الواحدة تنقسم إلى عدَّة أقسام حسب المدينة التي ينتمي إليها أعضاؤها أصلاً. ومع هذا، كان هناك فريقان أساسيان هما: السفارد ممن يتحدثون اللادينو، والإشكناز المتحدثون باليديشية، وبخاصة بعد أن انضمت الجماعات الصغيرة الأخرى إلى أحد الفريقين وفقدت هويتها بينهم. وتركز يهود المارانو في شبه جزيرة أيبريا وثغور البحر الأبيض المتوسط، وداخل الدولة العثمانية، وداخل أوربا، وفي العالم الجديد. أما اليهود الإشكناز فقد تركزوا في شرق أوربا وداخل بعض مدن وسط ألمانيا. 

وكان الهرم الطبقي لليهود في الغرب يتكون من خمس أو ست طبقات. وعلى قمة الهرم، كانت تقف نخبة صغيرة من كبار المموّلين ويهود البلاط ويهود الأرندا ووكلاء الأمراء، وكان هؤلاء يُشكِّلون قيادة الجماعة اليهودية كما هو الحال مع يهود البلاط في وسط أوربا، والمهاماد في غربها، والقهال في شرقها، تليها طبقة أكبر من كبار التجار والوكلاء التجاريين وأصحاب المعامل. أما الطبقة الثالثة، وهي أكبرها حجماً، فهي جمهور الباعة الجائلين وبائعو الملابس القديمة وغيرهم من صغـار التجار. وكانت هناك طبـقة رابعة صغيرة من الحرفيين. وفي أسفل الهرم، كانت توجد قاعدة كبيرة من الجائلين والمتسوّلين والمتعطِّلين. 

وكما ذكرنا من قبل، كان بناء بعض المجتمعات الغربية فيما قبل الثورة الفرنسية هرمياً جامداً، وكانت حقوق الفرد تزداد بارتفاع مستواه الطبقي والاجتماعي. ولذا، لم يكن للفلاحين والأقنان أية حقوق تُذكَر. وكذلك الوضع بالنسبة ليهود ألمانيا، إذ كان يهود البلاط في قمة المجتمع ولهذا فقد كانوا يتمتعون بكل الحقوق تقريباً، أما يهود الجيتو فلم تكن لهم حقوق تذكر. وكان أعضاء الجماعة اليهودية في بروسيا يُقسَّمون حسب وضعهم في المجتمع ومدى نفعهم للدولة، وهو تقسيم تبنته فيما بعد معظم دول أوربا في القرن الثامن عشر الميلادي وتبنته روسيا في القرن التاسع عشر الميلادي. 

وكانت قاعدة الهرم الطبقي اليهودي تمتد من القرى إلى المدن، وُيلاحَظ خلو هذا الهرم من الطبقة الوسطى المرتبطة بالصناعة ومن التجار متوسطي الحال ومن العمال والفلاحين والنبلاء. وكان أعضاء الجماعة اليهودية، نظراً لعلاقتهم المباشرة مع الحاكم من خلال يهود البلاط أو كبار المموِّلين الذين لعبوا دور الوسطاء (شتدلان) بين الحاكم وأعضاء الجماعة، أحسن حالاً من بقية أعضاء المجتمع الخاضعين لأهواء النبلاء وموظفي بقايا النظام الإقطاعي الذي لم يكن له قانون موحَّد أو قواعد ثابتة. وبرغم تزايد اندماج أعضاء الجماعات اليهودية في مجتمعاتهم، فقد ظلت الجماعات اليهودية محتفظة بشيء من تماسكها وبكثير من مؤسساتها، وهو ما جعلها منفصلة نوعاً ما عن المجتمع ومنعزلة عنه ومتمتعة بهوية شبه مستقلة. 

وبعد تناقص دور اليهود كجماعة وظيفية وسيطة تتشكَّل من تجار صغار ومرابين، بدأت الحضارة الغربية تحوِّلهم مرة أخرى إلى جماعة وظيفية وسيطة أخرى تضطلع بالدور التجاري نفسه ولكن بما يُعبِّر عن التغيرات التي خاضها المجتمع الغربي. فبعد أن كان أعضاء الجماعة اليهودية هم الإسفنجة أو الأداة التي يمتص بها الحاكم الإقطاعي فائض القيمة من داخل مجتمعه، تحولوا إلى أداة يستخدمها حاكم الدولة المطلقة في النشاطات التي تقوم بها هذه الدولة داخل وخارج حدودها، إذ لم تعُد هناك ضرورة لامتصاص فائض القيمة لأن مؤسسات الدولة كانت تقوم بذلك على وجه أفضل. ومع هذا، استمر بعض أعضاء الجماعة اليهودية في لعب دور الجماعة الوسيطة القديمة أي التجارة البدائية والربا، وهؤلاء هم اليهود الذين كانوا يوجدون في قاعدة الهرم. والواقع أن معظم، إن لم يكن كل، أعضاء الجماعات اليهودية (في قمة الهرم وقاعدته) كانوا يضطلعون بأشكال مختلفة من الوساطة.

وقد كوَّنت الجماعات اليهودية في هذه المرحلة شبكة علاقات تجارية على مسـتويين: عالمي متقـدم، ومحلي بدائي. فكـان كبار المموِّلين اليهود، من يهود البلاط وغيرهم، يربطون بين الدول المختلفة ويسدُّون احتياجات الأمراء للأموال وحاجات الجيوش إلى التموين. فكان يهود الأرندا في بولندا يزوّدون يهود البلاط في وسط أوربا بالأخشاب والمحاصيل الزراعية التي كان يحتاج إليها غرب أوربا ووسطها بسبب زيادة عدد السكان آنذاك. وكان بوسع يهود أمستردام تدبير المعادن النفيسة التي قد يحتاج إليها نبلاء شرق أوربا أو وسطها. كما كانت تساندهم القاعدة الكبيرة من كبار تجار الجملة، والسماسرة والوكلاء التجاريين الذين كان يساندهم آلاف الباعة الجائلين وصغار تجار العملة والحرفيون اليهود الذين كانوا يعملون في العادة بالقرب من الوسيط اليهودي فيقومون بتقطيع الماس والصياغة والنسيج وخياطة الملابس وإصلاحها. 

ولهذا السبب، كان بوسع كبار المموِّلين اليهود، من يهود البلاط أو غيرهم، أن يدبِّروا أية كمية من الذهب يريدها الإمبراطور أو الأمير، ويعدوا له التموين اللازم للحملات العسكرية التي يجرِّدها، وذلك في أسرع وقت ممكن ورغم ظروف الحرب. كما كان بوسعهم، من خلال الشبكة نفسها، القيام بأعمال التجسس لصالح هذا الفريق أو ذاك، وتوصيل المعلومات بسرعة غـير متوفرة لأيٍّ من الفريقين المتحاربين، وذلك من خلال حلقة الاتصال اليهودية، سواء مع يهود الأرندا في بولندا أو يهود المارانو في الدولة العثمانية، أو المئات من صغار التجار والمموِّلين اليهود في طول أوربا وعرضها. وقد استفادت كل دول أوربا المتحاربة من هذا الهرم التجاري اليهودي الممتد، فاستفاد منهم الكاثوليك والبروتستانت، والألمان والسويديون. ولذا، لم يمس أيٌّ من الأطراف المتحاربة أعضاء الجماعات اليهودية بأذى. ومن هنا، فإن الادعاء النازي بأن اليهود استفادوا من الحرب له أساس من الصحة، ولكنه لا يصور الحقيقة بأكملها، ولا يُفسِّرها. 

وترجع إلى هذه الفترة بداية ارتباط الجماعات اليهودية بالاستعمار الغربي الحديث، وبخاصة في جانبه الاستيطاني، وكذلك تزايد اهتمام الغرب بالجماعات اليهودية باعتبارها عنصراً استيطانياً مالياً يشجع التجارة. فعلى سبيل المثال، كان أغلبية المستوطنين الأوربيين في سورينام من اليهود، وثار العبيد عليهم هناك. وقد سيطر المموّلون اليهود على كثير من أشكال التجارة الإستراتيجية، واشتركوا في كثير من المشاريع الاستعمارية، فساهموا في شركة الهند الشرقية الهولندية وفي غيرها من الشركات. كما اشتركوا في تجارة العبيد بنشاط كبير. واستوطنت بعض الجماعات اليهودية في العالم الجديد، وهو ما وسع نطاق الشبكة التجارية اليهودية. 

ويُلاحَظ أن أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوربا كانوا مرتبطين بالاقتصاد الإقطاعي التقليدي فيها، وبالنبلاء من خلال نظام الأرندا. أما في الغـرب والوسـط، فكانوا جزءاً من اقتصاد الدولة المطلقة، وبخاصة في مجال التجارة والنشاط الكولونيالي، أي تلك النشاطات المرتبطة بأهداف الدولة القومية الجديدة. وكان القاسم المشترك بين هذه النشاطات أن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا في أغـلب الأحـيان مرتبطين بأهداف الحاكم ومعادين لكثير من طبقات المجتمع. كما أنهم، رغم تراكم ثرواتهم، لم يصبحوا قط جزءاً من الاقتصاد الرأسمالي الجديد، فلم يستثمروا أموالهم في الصناعات الجديدة بل ظلوا بمنأى عنها. 

وظل رأس المال اليهودي مرتبطاً بالدولة، فحين كان رأس المال اليهودي يؤسس المصانع، كانت هذه المصانع تابعة للدولة. ولأنهم لم يؤسسوا مصانع مستقلة، فقد ظلوا تحت حماية الدولة، لا علاقة لهم بالرأسماليين الآخرين ولا بالجماهير ولا بأيٍّ من الطبقات المهمة في المجتمع، ولذا فإنهم لم يساهموا في تطور الرأسمالية الرشيدة. وكان أعضاء الجماعة اليهودية في الدولة المطلقة، وبخاصة في المراحل الأولى من تاريخها، إحدى أدوات التوحيد وفرض المركزية، بل كانوا أداة على درجة كبيرة من الكفاءة والموضوعية والحياد نظراً لوجودهم خارج المجتمع الغربي. 

ووضع الجماعات اليهودية في المجتمع الغربي كجماعة وظيفية وسيطة، وعلاقتهم الخاصة بالنخبة الحاكمة، يُفسِّر سرَّ تدهورهم بعد صعودهم. وتشكل الفترة من اندلاع حرب الثلاثين عاماً (1618 ـ 1648 حتى توقيع معاهدة أوترخت عام 1713، بعد حرب الخلافة الإسبانية، قمة ازدهار الجماعات اليهودية، والتي تلتها مرحلة التدهور، فقد كان الحاكم يصادر أموال اليهودي بعد موته وهو ما كان يعوق أي تراكم رأسمالي. وكان الملك يرفض أحياناً دفع ما عليه من ديون، فيدفع جزءاً منها وحسب، الأمر الذي كان يؤدي إلى القضاء على ثروة المموّل اليهودي. وكان هذا أمراً سهلاً على الحاكم، نظراً لعدم وجود قاعدة جماهيرية تساند اليهودي، ونظراً لاعتماده الكامل والمذل على الحاكم. وكانت علاقة الشك المتبادل بين الحاكم والمموِّل اليهودي، رغم حاجة الواحد منهما إلى الآخر، تؤدي بالمموِّل إلى تهريب جزء من رأسماله خارج حدود البلد الذي يعيش فيه، فقد كان الشك يجعل من المستحيل على أعضاء الجماعة اليهودية أن ينتموا انتماءً قومياً كاملاً. 

وقد بدأ التدهور بين السفارد في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، فلم يعد هناك وكلاء يهود لأي بلاط أوربي في مدينة هامبورج ذات الأهمية التجارية. وعلى سبيل المثال، حينما عُيِّن مندوب يهودي للبلاط الدنماركي في أمستردام، اضطر مجلس الشيوخ بضغط من الجماهير إلى رفض الاعتراف به. كما انتقلت وكالتا إسبانيا والبرتغال في أمستردام من أيدي أعضاء الجماعة اليهودية في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي. ولحق هذا التدهور نفسه بأعضاء الجماعة اليهودية من السفارد البرتغاليين في أمستردام، فتناقص استثمارهم في التجارة الدولية وفقدوا جزءاً كبيراً من رأسمالهم في مضاربات البورصة. 

وحدث الشيء نفسه بالنسبة إلى يهود ألمانيا، إذ دخلت السياسة المركنتالية الألمانية في مرحلة جديدة بعد عام 1720، فبدأت تحمي الصناعات والبضائع المحلية ومنعت استيراد الصوف والمواد الخام الأخرى. وكان ازدهار الجماعة اليهودية في ألمانيا يستند إلى استيراد البضائع من هولندا وإنجلترا. ومن أهم البضائع التي كانوا يستوردونها الأقمشة الهولندية وبضائع أخرى من التي طُبِّق عليها الحظر. وقد أدَّى كل هذا إلى تدهور وضع الجماعات اليهودية. 

ورغم تحسن وضعهم لفترة وجيزة (عام 1740) بسبب حرب الخلافة النمساوية، إلا أنهم لم يعودوا إلى سابق عهدهم، بل تزايد عدد الفقراء بينهم، فقد تضاعف مثلاً عدد فقراء اليهود السفارد البرتغاليين في أمستردام أربع مرات في فترة لا تتجاوز بضعة أعوام إذ زاد من 115 إلى 415، إلى نحو 40% من جملة أعضاء الجماعة السفاردية. وقد بدأ كبار المموِّلين اليهود بنقل رأسمالهم من التجارة اليهودية التقليدية إلى الصناعات الجديدة التي لم تكن صناعات يهودية (إن صح التعبير)؛ إذ كانت الدولة المطلقة تضع القوانين التي تجعل من الصعب على صاحب رأس المال اليهودي أن يستأجر يهوداً وحسب. 

أما فيما يتصل بيهود بولندا، فقد كانت هجمات شميلنكي أول ضربة تلقوها ثم تلتها الفوضى السياسية التي تسببت في اضمحلال الجماعة اقتصادياً. ووضعت معاهدة أوترخت حداً لحالة الحرب التي ازدهرت بسببها الجماعات اليهودية، وساد السلام الذي ساهم في القضاء على الأساس الاجتماعي للتجارة اليهودية وفي القضاء على الحاجة إليها. وأثَّر هذا أيضاً على يهود الأرندا إذ لم تَعُد أوربا في حاجة إلى المحاصيل الزراعية أو الأخشاب. أما التجارة الكولونيالية، فقد بدأت تتسع وتحتاج إلى قاعدتين بشرية ورأسمالية واسعتين للغاية؛ وهو ما جعل رأس المال اليهودي الهزيل بدون أهمية كبيرة. وقد أدَّى تقسيم بولندا ثم اختفاؤها، كوحدة سياسية مستقلة، إلى تقسيم أهم وأكبر تجمُّع يهودي على الإطلاق. 

ولذا، فمع النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، بدأ يتفاقم ضعف الحالة الاقتصادية ليهود أوربا: شرقها ووسطها وغربها. وبدأ أعضاء الجماعات اليهودية يعانون من الهامشية وانعدام الإنتاجية، لا لكسل طبيعي فيهم وإنما بسبب التطورات الاجتماعية والثقافية السريعة. وظهرت ظاهرة الشحاذ اليهودي (باليديشية: شنورير)، وهذه كلها جوانب مما يُسمَّى «المسألة اليهودية». ومما يجدر ذكره أن هذه المرحلة شهدت أيضاً تقلُّص نفوذ الجماعة اليهودية في الدولة العثمانية، وذلك نظراً لتزايُد النفوذ الغربي الذي شجع الأقليات المسيحية على حساب الجماعات اليهودية. وأخذ نصيب يهود الدولة العثمانية من تجارتها الدولية يتناقص ابتداءً من القرن السابع عشر الميلادي، حتى اختفى تماماً مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.

وكان أعضاء الجماعة اليهودية مرتبطين بالنظام السياسي الإقطاعي والدولة الإقطاعية في بولندا وفي غيرها من الجيوب نظراً لارتباطهم بالنخبة الحاكمة، ففي بداية الفترة التي نتناولها كان أعضاء الجماعة يقفون على مقربة من الدولة المطلقة ويخدمون أهدافها ومآربها. ولذا، فقد كانوا عرضة لهجوم أعداء السلطة الحاكمة نتيجة التطور التاريخي وتزايد نفوذ الدولة المطلقة ورغبتها في تصفية الجيوب الإثنية والدينية المختلفة كافة وكل الجماعات الوظيفية الوسيطة بما في ذلك تلك الجمـاعات التي خدمتها بعـض الأوقات. 

ومن هنا جاء دور الجيب اليهودي، فقررت الدولة المطلقة أن تحل مسألتها اليهودية على طريقتها المألوفة وهي ترشيد اليهود، بإخضاعهم للإجراءات نفسها التي طبقت على مواطني الدولة المطلقة. وإذا كان الهدف من هذه العملية أن تصل الدولة إلى الفرد مباشرة بحيث يمكنها توظيفه لصالحها تماماً، وإدارته من خلال مؤسساتها العامة، فإنها لذلك أخذت شكل تحرُّك على مستويين؛ مؤسسي وفردي. فعلى مستوى المؤسسات، أُلغيت كل المؤسسات اليهودية الوسيطة مثل القهال والمهاماد وغيرها. ولكن ثمة أسباباً داخلية خاصة باليهود ساهمت في عملية ضعف المؤسسات الوسيطة ومن بينها ازدياد عدم التجانس المهني والوظيفي بين أعضاء الجماعات اليهودية وتدنِّي المستوى الحضاري والثقافي لقيادتهم، الأمر الذي جعل هذه القيادات غير مؤهلة لتمثيل الجماعة اليهودية أمام الحكام غير اليهود. 

أما على المستوى الفردي، فقد حدث ترشيد اليهود وتطبيعهم أي تحويلهم إلى إنسان عصر الاستنارة الطبيعي. وقد سُميَّت العملية «عملية إصلاح اليهود»، أي تخليصهم من هامشيتهم وطفيليتهم وانعدام إنتاجيتهم وتحويلهم إلى عناصر نافعة يمكن توظيفها مع ما يوظَّف من عناصر مادية وبشرية أخرى في خدمة الدولة، ويمكن دمجها مع بقية المادة البشرية التي تكوِّن مواطني الدولة. ولم يكن هذا الأمر مقصوراً على أعضاء الجماعة اليهودية فقد أكد فكر حركة الاستنارة الحرية الشخصية وضرورة الحكم على الفرد من منظور مدى نفعه للدولة، ولذا كانت عملية الإعتاق والتحرير تتم بهدف زيادة نفع الإنسان وتحويله إلى مواطن منتج مستهلك (وقد وجدت فكرة تطبيع اليهود وتحويلهم إلى عناصر نافعة طريقها إلى الفكر الصهيوني). 

وقد تدخلت الدولة المطلقة في أخص خصوصيات الفرد اليهودي: متى يتزوَّج؟ ومن يتزوَّج؟ وأين يقيم؟ وماذا يرتدي؟ وكيف يحلق شعر رأسه؟ ومما يجدر ذكره أن الدولة المطلقة لم تكن تتدخل في شئون اليهـود وحسـب، بل كانت تتدخل في شئون كل الرعايا. ففي عام 1666، أصدرت الدولة الفرنسية قراراً يقضي بأن يُعفَى من الضرائب كل من يتزوج وهو دون العشرين، وذلك حتى يبلغ سن الخامسة والعشرين. كما كان يُعفَى من الضرائب ربُّ كل أسرة يبلغ عدد أفرادها عشرة، بشرط ألا يكون أحدهم منخرطاً في سلك الرهبان! وصدر قرار عام 1669 بفرض غرامة على الآباء الذين لا يزوجون أولادهم قبل سن العشرين، أو بناتهم قبل سن السادسة عشرة! 

كما تدخلت الدولة المطلقة في الأمور الدينية، فألغت المحاكم الحاخامية، وحرَّمت دراسة التلمود قبل سن السابعة عشرة، وهي إجراءات كانت تهدف إلى تحديث أعضاء الجماعة اليهودية وعلمنتهم حتى يصبحوا جزءاً عضوياً نافعاً يساهم في الإنتاج القومي للدولة. وهي كذلك عملية لم تنطبق ـ كما أسلفنا ـ على أعضاء الجماعة وحدهم وإنما على أعضاء المجتمع كافة. كما أن السلطات التي كانت تمارسها الدولة لم تختلف في أساسياتها عن السلطات التي كانت تمارسها الإدارة الذاتية اليهـودية. 

بل ربما كانت السـلطات الحكومية أكثر ليبراليةً وعقلانية، ولكنها مع هذا كانت أكثر قسوة بسبب ضخامة حجمها وبُعدها عن الفرد. ويظهر ذلك بشكل أكثر حدَّة في حالة أعضاء الجماعة اليهودية بسبب خصوصيتهم اليهودية، وبسبب أن عمليتي العلمنة والتحديث استخدمتا في البداية ديباجات مسيحية أخفت الجوهر العلماني التحديثي عن المسيحيين من مواطني الدولة المطلقة ومن ثم زادتها إيلاماً بالنسبة إلى اليهود. 

وإذا كانت عملية الإصلاح ترتبط بأسماء حكام مطلقين مثل جوزيف الثاني ونابليون بونابارت وألكسندر الثاني، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، فإنها لم تختلف كثيراً عن السياسة التي طرحتها الثورة الفرنسية. فالفكر الكامن في الملكيات المطلقة والجمهوريات الثورية هو فكر عصر الاستنارة، والنموذج الكامن هو نموذج الإنسان الطبيعي. ومع هذا، كان وضع أعضاء الجماعة اليهودية وطريقة حلّ المسألة اليهودية يختلفان من بلد إلى آخر بحسب مستوى تطوُّر هذا البلد. 

فبالنسبة إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية التي كانت تضم النمسا والمجر وبوهيميا ومورافيا، ثم جاليشيا التي كانت تضم كتلة يهودية كبيرة نوعاً ما، حاول الإمبراطور جوزيف الثاني أن يدمج اليهود في الإمبراطورية فأصدر عدة تشريعات في الفترة من 1781 إلى 1789 كما أصدر عام 1782 براءة التسامح التي كانت تهدف إلى تحديث المجتمع ككل وإلى إلغاء انعزالية اليهود المتمثلة في مؤسسات الإدارة الذاتية. وحدَّدت التشريعات حقوق النبلاء، كما استهدفت تحسين أحوال الفلاحين والحد من سلطان رجال الدين الكاثوليكي. وقد أُلغيت الشارة اليهودية التي كان على اليهود ارتداؤها خارج الجيتو. كما أُلغي كثير من القوانين التي كانت تحد من حركتهم، فأصبح من حقهم ممارسة أية حرفة وأن يعملوا بالتجارة والصناعة أو في أية وظيفة مدنية أو عسـكرية، وأصبح من حقهم أن يشيِّدوا منازل خاصة بهم في أي مكان. 

ومُنحوا حق التمتع بشرف الخدمة العسكرية عام 1787، كما حُظر عليهم استخدام اليديشية، وبخاصة التجار الذين كان عليهم أن يكتبوا حساباتهم بالألمانية. كما أصبح من المحظور على أعضاء الجماعات اليهودية ارتداء أزياء خاصة بهم، بل وفرضت عليهم الأزياء الأوربية، ومُنع الآباء من تدريس التلمود لأبنائهم قبل اكتمال دراستهم، وفُرض عليهم اختيار أسماء جديدة ألمانية. وقد حاولت حكومات الإمارات والدويلات الألمانية تطبيق سياسة ترمي إلى دمج اليهود، فأصدر فريدريك الأكبر ميثاقاً يضمن لهم حرية العبادة ولكنه يحدد في الوقت نفسه مكان سكناهم ونسبة المصرح لهم بالزواج. 

وقد خاض اليهود في روسيا وبولندا عملية تحديث مماثلة في مرحلة لاحقة، وإن كانت قد أخذت شكلاً خاصاً نظراً لخصوصية وضع اليهود فيها ونظراً لتعثر عملية التحديث. هذا على عكس الوضع في فرنسا وإنجلترا وهولندا، وهي بلاد ذات بورجوازيات محلية قوية لم تخش منافسة التاجر اليهودي ولم ترفض توطين اليهود، وبخاصة المارانو، بل أتاحت أمامهم فرصة الاشتغال بجميع الحرف. وكانت اللاأهلية الشـرعية (القانونية) المفروضة عليـهم محدودة وآخذة في الاختفاء، كما لم تظهر في مثل هذه البلاد مسألة يهودية إذ أخذت فيها المسألة اليهودية شكلاً غير مستعص على الحل لأن الجماعة اليهودية لم تكن جسماً غريباً فيها، ولم تكن أيضاً متميِّزة اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً، كما أن عدد أعضائها كان صغيراً. وكان لمعظم هذه البلاد مشروع استعماري قوي في فترة مبكرة، وأمكنها عن طريقه حلّ كثير من مشاكلها الاجتماعية.

وكما أسلفنا، كان الاقتصاد المركنتالي يمثل تحدِّياً للمسيحية وقيمها، ومن ثم شكَّل تحدِّياً للاقتصاد التقليدي المسيحي المبني على القيم المسيحية التقليدية. وكانت التجارة اليهودية عنصراً مهماً من عناصر التحدي التي ساهمت في تقويض دعائم الاقتصاد التقليدي. وتمثَّل هذا التحالف بين القوى المدافعة عن المركنتالية والتجارة اليهودية فيما يُسمَّى «فيلوسيمتزم (Philo-Semitism» حب السامية) أي التحيُّز لليهود وحبّ المعرفة التي ينقلونها. 

وقد شهدت هذه المرحلة بالفعل تزايُد الاهتمام بالدراسات العبرية، وهو اهتمام على مستوى من المستويات يُعدُّ تحدِّياً للقيم المسيحية والتقليدية ويُعبِّر عن تراجعها فهو من ثم شكل من أشكال العلمنة. كما أنه مرتبط بظهور الشك الفلسفي في هذه المرحلة، أي أن حب السامية أو التحيز لليهود هو تعبير آخر عن تزايُد معدلات العلمنة في المجتمع الغربي. وقد تنبه بعض رجال الكنيسة إلى أن هذا الاهتمـام باليهودية والدراسـات العبرية يشـكل هجوماً مقنَّعاً على المسيحية. ولعب المارانو دوراً أساسياً في علمنة الجماعات اليهودية، فقد كانوا كتلة بشرية متحركة لا جذور لها في بقعة جغرافية. 

ومن ثم، ساهموا بشكل فعّال في عملية التحديث والعلمنة على المستويين الاقتصادي والثقافي باشتراكهم في التجارة الدولية وفي بناء الدولة المطلقة، وبنشرهم لأول مرة كتباً وضعها يهود ولكن بإحدى اللغات الأوربية، وبإشاعتهم فكرهم الديني الذي كان جوهره تفكيراً لادينياً رافضاً لليهودية الحاخامية دون قبول دين آخر. وكانت اليهودية الحاخامية في ذلك الوقت قد بدأت تدخل أزمتها العميقة التي أودت بها في نهاية الأمر كعقيدة لأغلبية اليهود، إذ تحجرت تماماً داخل الجيتو وأصبحت خالية من المعنى منفصلة عن الواقع. وظهرت القبَّالاه لسد الفراغ النفسي والمعرفي، كما ظهر إسبينوزا من صفوف المارانو ووجه سهام نقده لليهودية وللفكر الديني بشكل عام، وترك اليهودية دون أن يؤمن بدين آخر. وبذلك، وضع إسبينوزا أساس اليهودية العلمانية بل والعلمانية ككل. 

وظهر شبتاي تسفي في الفترة نفسها، فطرح تصوراته التي قوَّضت دعائم اليهودية وتحدَّت القيادة الحاخامية الأرثوذكسية وأحرز شعبية غير عادية، بل وانضم إليه عدد كبير من الحاخامات. والواقع أن نجاح الشبتانية هو أكبر دليل على مدى عمق التغير الذي حدث لليهود واليهودية. وقد تزايدت معدلات العلمنة بين اليهود وتزايد ابتعادهم عن تراثهم الديني وغربتهم عنه بل واحتقارهم له، وهو احتقار كان يشعر به حتى المتدينون منهم. ومما عجل بعملية العلمنة أن قيادات الجماعات اليهودية انتقلت من يد الحاخامات إلى يد الأثرياء، من أمثال يهود البلاط الذين كانوا مُستوعَبين في الحضارة الغربية العلمانية حيث استمدوا شرعيتهم من تقبُّل مجتمع الأغيار لهم، هذا المجتمع الذي تشبهوا به وبطرقه، ولذا فقد كانوا هم النموذج الذي يُحتذى بين من يودُّون تحقيق النجاح. 

وأدَّت عمليات التحديث والعلمنة التي قامت بها الدولة المطلقة إلى ظهور نواة مستنيرة داخل الجماعات اليهودية يُقال لها «المسكليم» أي دعاة الاستنارة، وهي جماعات كانت منتمية بشكل شبه كامل للفكر الغربي غير اليهودي. كما ظهرت في صفوف اليهود جماعات مهنية وقطاعات اقتصادية مرتبطة بالاقتصاد الغربي الرأسمالي الجديد. لكل هذا، انتشر فكر عصر الاستنارة بينهم، وكانت الجماعات اليهودية عشية الثورة الفرنسية والانعتاق السياسي مهيأة لتقبُّل تحولات عنيفة. وتُعَدُّ معظم الفلسفات اليهودية الحديثة التي طُرحت في القرن التاسع عشر الميلادي، مثل الصهيونية وقومية الجماعات (الدياسبورا)، استجابات لهذه التحولات. 

وقد أخذت الفكرة الصهيونية تتغلغل في الفكر الغربي، الديني والعلماني، حتى أصبحت الإطار المرجعي الأساسي الذي يتم إدراك اليهود من خلاله، وأصبحت فلسطين مرتبطة في الذهن الغربي باليهود. ومع تزايد معدلات العلمنة في المجتمع الغربي، لم تختف الفكرة بل تم ترشيدها، واستُبعدت منها العناصر الغيبية مثل الشعب الشاهد والعقيدة الاسترجاعية، واكتسبت شكلاً علمانياً وأصبحت جزءاً من المشروع الاستعماري الغربي، فدعا توماس شيرلي إلى أن توطين اليهود في إنجلترا « لا لأنهم يهود وإنما لأنهم عنصر تجاري ». 

وقد ساد الخطاب العلماني في نهاية الأمر وضمر الخطاب الديني وتحوَّل إلي ديباجات تستخدمها شخصيات هامشية. وشهدت هذه المرحلة بروز ظاهرة معاداة اليهود بالمعنى العرْقي الحديث. والواقع أن فكر عصر الاستنارة، بطرحه فكرة الإنسان الطبيعي، وجد أن الخصوصية اليهودية تشكل تحدِّياً لهذه الفكرة. ولكن الفكر التنويري، بتأكيده على فكرة نفع الإنسان، وبانطلاقه من فكرة الإنسان الطبيعي العام، طلب من أعضاء الأقليات أن يُطبِّعوا أنفسهم ويرشِّدوها وأن يتَّبعوا القانون العام. ومن ثم طُلب منهم أن يتخلوا عن خصوصيتهم وعن كل ما يميِّزهم كأقلية إثنية أو دينية في الحياة العامة، ثم انسحب ذلك على الحياة الخاصة أيضاً حتى أصبح الجميع مواطنين نافعين، أي أن ما بدأ كمحاولة لإعتاق الأقليات انتهـى بعملية دمجها وتذويبها، وهو النمــوذج الكـامن في عصـر الاسـتنارة: تحرير الإنسان من المطلقات ثم تفكيكه وتذويبه. 

ويجب التنبه إلى أن عداء مفكري الاستنارة للخصوصية لم يكن مقصوراً على الخصوصية اليهودية بل كان هذا العداء عاماً لسائر الخصوصيات. كما كان بعض أعداء الخصوصيات المحلية يجدون أن خصوصية البريتون والفلامنج والأوكستينيان تسبب لهم قدراً من الضيق أكبر مما تسببه الخصوصية اليهودية. وكان مفكرو عصر الاستنارة يهاجمون المسيحية تحت ستار الهجوم على اليهودية (التي كانوا يسمونها «المسيحية البدائية»). ومن هذين العنصرين، ظهر الهجوم الشرس على اليهود في فكر الاستنارة. ولقد شكلت فكرة الشعب العضوي المنبوذ التي سادت في الفكر الغربي، وهي علمنة لبعض المفاهيم الدينية، الإطار المشترك للفكر الصهيوني والمعادي لليهود. ومع العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر الميلادي (1770)، بلغ عدد يهود العالم مليونين ومائتين وخمسين ألفاً، كان يوجد منهم في أوربا مليون وسبعمائة وخمسون ألفاً، أي الأغلبية العظمى، وكانت أغلبيتهم من يهود اليديشية في روسيا وبولندا وجاليشيا. 

الرومانسية والعداء للاستنارة (القرن التاسع عشر)
(Romanticism and the Counter-Enlightenment (Nineteenth Century 

تأثر المفكرون اليهود في العالم الغربي بالرومانسية والفكر المعادي للاستنارة في النواحي التالية: 

1 ـ الفكر العنـصري الغـــربي هـو إحدى ثمار الفـكر المعـادي للاستنارة. 
2 ـ فكرة القومية العضوية (والشعب العضوي [فولك])، وهي فكرة تضرب بجذورها في الفكر المعادي للاستنارة، هي حجر الزاوية في الفكر الصهيوني. 
3 ـ اليهودية المحافظة واليهودية التجديدية متأثرتان بالفكر المعادي للاستنارة. 

ونحن نذهب إلى أن الصهيونية، في بعض جوانبها، حركة «رومانسية»، فالرومانسية هي عودة إلى مطلق لا زمني متجسد في شيء ما يوجد في الزمان والمكان يُطلَق عليه بشكل عام «الطبيعة» وإن كان يأخذ أسماء أخرى، والصهيونية هي عودة إلى مطلق متجسد في الزمان والمكان: فهي عودة للأرض أو لروح الشعب اليهودي. أما فيما يتصل بالجوانب السياسية والاقتصادية فيمكن العودة للباب المعنون «التحديث وأعضاء الجماعات اليهودية». 

الجماعات اليهودية في عصر ما بعد الحداثة (القرن العشرون)
Jewish Communities in the Age of Post-Modernism (Twentieth Century) 

مع نهاية القرن التاسـع عـشر، وتزايد هيمـنة الإمبريالية على العالم، تبدأ الصهيونية في إحكام قبضتها على الجماعات اليهودية في الغرب. ويصبح تاريخ الجماعات اليهودية، من الناحية السياسية، هو تاريخ صهينة هذه الجماعات أو رفضها للصهيونية ومحاولتها التملص منها. وقد تناولنا هذا الجانب وخلفياته التاريخية والفكرية والسياسية في المجلد الخامس. ولكن من الناحية الحضارية والثقافية، يدخل أعضاء الجماعات اليهودية عصر ما بعد الحداثة فيزداد اندماجهم في مجتمعاتهم ولا يوجد أي تمايز مهني أو حرفي قسري، كما لا يوجد أي تمييز ضدهم. ويزداد تهميش اليهودية الحاخامية في حياة أعضاء الجماعات اليهودية، فهم يصبحون إما يهـوداً إثنيين (أي ملحدين) أو يهـوداً إصلاحيين أو محافظين، وهي صيغ يهودية مخففة للغاية فقد بعضها كل علاقة باليهودية الحاخامية المعيارية. فهم، على سبيل المثال، يتقبلون الشذوذ الجنسي ويسمحون بقيام أبرشيات للشواذ جنسياً يقودها حاخامات (من الذكور والإناث) من الشواذ أيضاً ويظهر لاهوت موت الإله (تناولنا هذا الجانب في الأبواب الأخيرة من المجلد السادس). 

ويظهر ما نسميه «الهوية اليهودية الجديدة»، وهي هوية غربية تماماً تغطيها قشرة زخرفية يهودية لا تؤثر في جوهر سلوك أعضاء الجماعات اليهودية. ويُلاحَظ أن المفكرين من أعضاء الجماعات اليهودية يصبحون جزءاً عضوياً من الفكر الغربي الحديث، فهوسرل ودريدا (رغم أصولهما اليهودية) مفكران غربيان تماماً. (انظر الأبواب الخاصة بالفكر والفلسفة وعلم النفس والاجتماع في هذا المجلد).


المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث: التحديث وأعضاء الجماعات اليهودية
» المجلد الثانى: الجماعات اليهودية.. الباب الأول: إشكالية الجوهر اليهودي
» الباب التاسع: اليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية وما بعد الحداثة
» الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية
» الجزء الثاني: ثقافات الجماعات اليهودية الباب الأول: ثقافات الجماعات اليهودية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: