منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 التفكر طريق الإيمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

التفكر طريق الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: التفكر طريق الإيمان   التفكر طريق الإيمان Emptyالجمعة 15 نوفمبر - 17:17

التفكر طريق الإيمان
التفكر طريق الإيمان 9k=
عبد الله بن سليم القرشي 

الأخ الشيخ / عبد الله بن سليم القرشي     وفقه الله 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته    وبعد ..
فأبعث إليكم بمسودة كتابكم الكريم ( التفكر طريق الإيمان ) إذ لم أجد ما يوجب الملاحظة أعانكم الله تعالى على طباعته ، وهو كتاب جدير بالقراءة لحسن أسلوبه وجودة طرحه العلمي ، وما يبعث في النفس من الأثر الفعال . 
نفع الله بكم . 
صالح بن سعد اللحيدان. 
 
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله     

أما بعد .. 

فالعقل طاقة أودعت في تكوين الإنسان ، وهبة من الله ونعمة من الله وفضل ، مما يحتم عليه أن يستخدمها ويضعها في المجال الذي خلقت له من صرفها فيما رسمه لها الإسلام من التفكر والتدبر والتأمل ، وهذا يوضح لك أن الفكر في الإسلام ليس فكراً تجريدياً ، بل له خصائص تميزه عن غيره من المدراس الفكرية والفلسفية فرضوخ الفكر لتعاليم الإسلام ، والمضي به قدماً وفق تعاليمه يؤدي إلى العبودية لله تعالى . 

لذلك اهتم الإسلام بالعقل ، واحترمه حيث عني بتحريره من الأوهام والخرافات والتقليد الأعمى والتبعية غير الواعية ، وأيقظه وحثه على التفكير والتأمل في الكون لينطلق يجوب جنباته ليصل به إلى إدراك صنع الله وعظمته فيتوجه لعبادته .

ولهذا فإن الإسلام لم يكتف بهذا بل نجده – بما أن العقل مفطور على التطلع إلى المعرفة – لم يعطل هذا التطلع ، بل رسم له كيفيته ، وأدخله في بوتقته الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها الفكر الإنساني من وضع الحدود التي يسبح فيها في ظل تعاليمه مما يشعرك بأهمية إيقاظ الفكر ، وضرورة الاعتناء به .

فهذا البحث المتواضع مساهمة في إعطاء الفكر مجاله الصحيح الذي أعطاه إياه الإسلام في ظل تعاليمه العظيمة ، وأيضاً مساهمة في تغذية الصحوة الإسلامية من الناحية الفكرية ، وإثراء لها ، ووضع الطريقة الصحيحة لاستغلال الطاقة الفكرية كما رسمها الإسلام مما يساعد على تنامي هذه الصحوة المباركة ، ويساهم في رقيها فكرياً ، بإذن الله تعالى .
التفكر طريق الإيمان Images?q=tbn:ANd9GcRGT5loAegokGAUHlrlPTP7oGBn1VRkbgJHP1oPyRdA-aPXj01f
تعريف الفكر: 

فكر – الفاء – والكاف – والراء تردد القلب في الشيء .

يقال تفكر إذا تردد قلبه معتبراً .

ورجل فكرُ كثير الفكر.

فكر – الفكرة إعمال الخاطر في الشيء – قال سيبويه : ولا يجمع الفكر ولا العلم ولا النظر – قال :

وقد حكى ابن دريد في جمعه : أفكاراً .

والفكرة كالفكر ، وقد فكر في الشيء وأفكر فيه وتفكر بمعناه ورجل فكير مثل فسيق .

فكير : كثير الفكر . ( عن كراع ) .

وقال الليث : التفكر اسم التفكير ومن العرب من يقول : الفكر : الفكرة والفكرى على فعلى اسم وهي قليلة .

وقال الجوهري : التفكر : التأمل . والاسم الفكر والفكرة والمصدر الفكر بالفتح .

قال يعقوب : يقال ليس لي في هذا الأمر فكر ؛ أي ليس لي فيه حاجة . قال : ( والفتح فيه أفصح من الكسر ) .

( والفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم ، والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان ، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحل له صورة في القلب .

ورجل فكيرٌ كثير الفكرة قال بعض الأدباء : الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلباً للوصول إلى حقيقتها .

والتفكر جولان العقل في طريق استفادة علم صحيح .
التفكر طريق الإيمان 5039_9236_9780
من التعاريف السابقة يتضح أن التفكر هو : 

تردد القلب في الشيء للعبرة .

وإعمال الخاطر في الشيء .

والتأمل .

وجولات العقل في الشيء ، وفركه ، والبحث فيه للوصول للحقيقة .

فعلى هذا يكون التفكر : 

تحريك العقل بالتأمل ، وإعمال الخاطر في الشيء للوصول إلى علم بحقيقة الشيء المبحوث فيه للاستفادة منه ، والاعتبار به . 

فيكون التفكر في مخلوقات الله  هو : جولان الفكر فيها ، والبحث فيها وتأملها حتى يوصلك إلى علم صحيح حقيقته معرفة الله  المعرفة التي تستحثك على الإقرار له بالتوحيد [ الخالص بالطاعة والخلوص من الشرك ] فعلى هذا يكون التفكر طريقاً للإيمان بالله [ وحده ].

حال النبي صلى الله عليه وسلم في التفكر:

يتضح ذلك من صفاته عليه الصلاة والسلام فقد كان فقد كان طويل السكوت ، دائم الفكرة ، وقد ساعده ذلك على التأمل فقد حبب له الخلاء قبل مبعثه  فقد كان يمكث في غار حراء طول الشهر يرقب الكون بفكرة يتأمله ، ( ويقضي وقته في العبادة والتفكر فيما حوله من مشاهد الكون [ ليرى ] من قدرة مبدعه وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة وتصوراتها الواهية ، ولكن ليس بين يديه طريق واضح ، ولا منهج محدد ، ولا طريق قاصد يطمئن إليه ويرضاه . 

وكان اختياره  لهذه العزلة طرفاً من تدبير الله له ليعده لما ينتظره من الأمر العظيم ، ففي هذه العزلة كان يخلو إلى نفسه ، ويخلص من زحمة الحياة وشواغلها الصغيرة ، ويفرغ لموحيات الكون ، ودلائل الإبداع .

ولا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت ، وانقطاع عن شواغل الأرض ، وضجة الحياة ، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة لابد من فترة للتأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه الطليقة ... وهكذا دبر الله لمحمد  وهو يعده لحمل الأمانة الكبرى ، وتغيير وجه الأرض ، وتعديل خط التاريخ دبر له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات ينطلق في هذه العزلة شهراً من الزمان ) .

هكذا كان حاله – عليه الصلاة والسلام – قبل مبعثه في تفكره وتأمله في هذا الوجود العظيم المترامي الأطراف يتأمله ليدرك عظمة الخالق وظل كذلك حتى جاءه جبريل علية السلام وقد تهيأ لاستقبال أمر الله . 

هذا وإننا نجده عليه الصلاة والسلام بعد مبعثه دائم الفكرة في هذا الوجود العظيم ليستشعرعظمة الخالق مما يشعرك بأهمية التفكر والتأمل في هذا الوجود .

فعن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله  مع أهله ساعة ، ثم رقد فلما كان ثلث الليل الأخير قعد فنظر إلى السماء فقال : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) . 

ثم قام فتوضأ واستن فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، ثم خرج فصلى الصبح ) .

وفي رواية أخرى إسنادها صحيح ، يتضح منها تكرار خروجه – عليه الصلاة والسلام – للنظر في السماء مع تلاوته للآية – إن في خلق السماوات .... الآية التي تحث على التفكر في خلق السماوات والأرض – إن عبد الله بن عباس حدث أنه بات عند نبي الله  ذات ليلة فقام نبي الله  من آخر الليل فخرج فنظر في السماء ، ثم تلا هذه الآية في آلي عمران : ( إن في خلق السماوات والأرض ......................... سبحانك فقنا عذاب النار ) ( 191 ) ثم رجع فتسوك وتوضأ ، ثم قام فصلى ، ثم اضطجع ، ثم رجع أيضاً فنظر في السماء فتلا هذه الآية ، ثم رجع فتسوك وتوضأ ، ثم قام فصلى ، ثم اضطجع ، ثم رجع أيضاً فنظر في السماء ثم تلا هذه الآية ، ثم رجع فتسوك وتوضأ ، ثم قام فصلى .
 
ومن هذا الحديث يتضح حرصه عليه الصلاة والسلام على فعل الخير من الصلاة في جوف الليل مع التفكر في مخلوقات الله ، والنظر إليها وتأملها والاعتبار بها ، حتى إنه  ليلة أنزلت عليه هذه الآية بكى عليه الصلاة والسلام حتى  بلغت دموعه حجره الشريف ( فحينما زار عطاء وعبد الله بن عمر وعبيد بن عمير أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – طلب منها عبد الله بن عمر أعجب ما رأت من رسول الله  قال : فبكت ، وقالت : كل أمره كان عجباً ، أتاني في ليلتي حتى دخل معي في فراشي حتى لصق جلده بجلدي ، ثم قال : ( يا عائشة ائذني لي أتعبد لربي قالت إني لأحب قربك ، وأحب هواك قالت : فقام إلى قربة في البيت فما أكثر صب الماء ثم قام فقرأ القرآن ، ثم بكى حتى رأيت أن دموعه قد بلغت حقويه قال : ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم بكى حتى رأيت دمعه قد بلغت حجره ، ثم اتكأ على جنبه الأيمن ووضع يده تحت خده قال : ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض ، فدخل عليه بلال فآذنه بصلاة الفجر ثم قال : الصلاة يا رسول الله ، فلما رآه بلال يبكي قال : يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! فقال : يابلال ، أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ومالي لا أبكي ، وقد نزل علي الليلة ( إن في خلق .......... فقنا عذاب النار ) ( 191 ) ، ثم قال : ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر فيها ) ، فانظر إلى بكائه  حينما تفكر في هذه الآية ، فأوصله هذا التفكر إلى استشعار عظمة خالقه ، وأيضاً نجده  بفعله هذا يربي العقل ، ويوجهة الوجهه الصحيحة المثمرة المؤدية إلى توحيد الله فهذا حاله في التفكر فكن أخي المسلم مقتدياً برسول الله  .
التفكر طريق الإيمان %25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D9%2581%25D9%2583%25D8%25B1-%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D8%25B9%25D8%25AA%25D8%25A8%25D8%25A7%25D8%25B1
حال السلف الصالح في التفكر 

أما حال سلفنا الصالح فقد كان لديهم اهتمام كبير بهذه القضية ، لما أدركوا حث القران  عليها يتضح ذلك من خلال النصوص التى نقلت إلينا من كلامهم على التفكر ومن الحث عليه  مما يشعرك بأهمية التفكر ، كيف لا وهو طريق الإيمان بالله  .

قال الحسن البصري : ( إن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه ).

وقال أيضاً : ( ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر ، وبالتفكر على التذكر ، ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة ) ، قال الحسن عن عامر بن عبد قيس قال : سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي  يقولون : بأن ضياء الإيمان ، أو نور الإيمان التفكر . 

وقال بشر : ( لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله  ).

وقال عمر بن عبد العزيز : ( الفكرة في نعم الله من أفضل العبادة ) .

وسأل رجل أم الدرداء بعد موته عن عبادته فقال : ( كان نهاره أجمعه في بادية التفكر ) . 

وقال الشيخ الداراني : ( عودوا أعينكم البكاء ، وقلوبكم التفكر ) .

وقال سفيان بن عيينة : ( الفكرة نور تدخله قلبك ) وكان دائماً يتمثل : 

إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة

وقال كعب : ( من أراد أن يبلغ شرف الآخرة فليكثر التفكر يكن عالماً ) .

وقال وهب بن منبه : ( ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم ، ولا فهم امرؤ قط إلى علم ، ولا علم امرؤ قط إلا عمل ) .

وقال إسحاق بن خلف : ( كان داود الطائي في ليلة مقمرة فقام فمشى على السطح وهو شاخص حتى وقع في دار جار له قال : فوثب صاحب الدار من فراشه عرياناً من الفراش فأخذ السيف وظن أنه لص فلما رأى داود رجع فلبس ثيابه ووضع السيف وأخذ بيده حتى رده إلى داره فقيل لداود فقال : ما رأيت أو ما شعرت ) .

وقال خليفة العبدي : ( لو أن الله – تبارك وتعالى – لم يعبد إلى عن رؤية ما عبده أحد ، ولكن المؤمنين تفكروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء ، وغطى كل شيء ، وفي مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض ، وفي النجوم ، وفي الشتاء والصيف ، فو الله ما زال  المؤمنون يتفكرون في خلق ربهم – تبارك وتعالى – حتى أيقنت قلوبهم بربهم  ، وحتى كأنما عبدوا الله – تبارك وتعالى – عن رؤيته ) .

حدثنا أبو عصمة قال : ( سمعت أبا زيد يقول رأيت سفيان الثوري – رحمه الله – وقد طاف وصلى خلف المقام ركعتين ، ورفع رأسه فنظر إلى السماء وانقلب منكساً عليه قال فخرج حبش زمزم فحملوه وأدخلوه وصبوا عليه الماء حتى أفاق ، فحدثت به أبا سليمان فقال : ليس النظر أقلبه إنما أقلبه الفكر ) .

وقال ابن عون : ( الفكرة تذهب الغفلة ، وتحدث للقلب الخشية ، كما يحدث الماء للزرع النماء وما جليت القلوب بمثل الأحزان ، ولا استنارت بمثل الفكرة ) .

فمن هذا يتضح لنا حال السلف في التفكر ، والحث عليه ، وأنه من أفضل العبادات ، وأنه طريق موصل إلى الجنة ، وفيه عبرة ، وأنه نور في القلب يرسم لك الطريق إلى [ عبادة الله وحده ] ، وأنه طريق إلى العلم بالله سبحانه وتعالى وتوحيده ، وأنه يؤدي إلى الخوف من الله مما يورثه التفكر من إحداث عظمة الله في القلب فيؤدي إلى العمل بشريعة الله وهذا هو الأصل والمهم والغاية من التفكر في صنع الله حيث يوصلك إلى طاعة الله وتوحيده .

وأيضاً فإن البحوث التي توصل لها المسلمون الأولون في مجالات الطب ، والفلك ، والكيمياء ، والفيزياء ... وتأسيس المنهج التجريبي القائم على التجربة ، والملاحظة ما هي إلا استجابة لما حثهم عليه الإسلام من التفكر والتأمل في صنع الله سبحانه وتعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض  لآيات لقوم يعقلون ) . 

فهداهم هذا التفكر والتأمل بإذن الله – تعالى – إلى معرفة هذه الحقيقة مما جعلهم في القمة بالنسبة لغيرهم من الأمم الأخرى . فهل من رجعة صادقة من قلوب صادقة إلى كتاب الله وسنة رسوله  فنرقى بهما كما رقى سلفنا الصالح ؟! .

أقسام التفكر 
التفكر طريق الإيمان 55191_large
ينقسم التفكر إلى قسمين : 

1- قسم ممنوع : وهو التفكر في ذات الله وما يتعلق بها .

2- قسم جائز : وهو التفكر في مخلوقات الله .

فالقسم الممنوع هو : 

التفكر في ذات الله سبحانه وتعالى ؛ لأن العقل البشري عاجز عن إدراك ذاته العلية سبحانه وتعالى لذلك نجده  ، يحذرنا من التفكير في ذات الله  ، عن ابن عمر عن رسول الله  قال : ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ).

وفي رواية أخرى عن ابن عباس عن رسول الله  قال : ( تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في الله) .

( فالتفكر في ذاته  ممنوع منه ، وذلك أن العقول تتحير في ذلك ؛ فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكر ، أو تتوهمه القلوب بالتصوير ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) . 

وفي شرح الطحاوية عند قوله لا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأفهام (... أنه لا ينتهي إليه وهم ، ولا يحيط به علم قيل الوهم ما يرجى كونه ، أي يظن أنه على صفة كذا ، والفهم : هو ما يحصله العقل ويحيط به والله تعالى لا يعلم كيف هو إلا هو  : وإنما نعرفه سبحانه بصفاته ، وهو أنه أحد ، صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ) .

لذلك فإن الله  ( ... لم يكلف الناس أن يبحثوا في ذاته سبحانه لم يكلفهم الجهد الذي يعلم سبحانه أنهم لن يقدروا عليه قط ، وأن قصارى ما يحدث لهم حيث يحاولونه أن تنفجر طاقاتهم وتتبدد ، كما تنفجر طاقة الذرة التي انحرفت عن مسارها فتتحطم وتحطم من تلقاه في الطريق ، وحين نهى الرسول الكريم أتباعه لم يكن  يحجر على تفكيرهم ، أو يضع عليه القيود ، كلا .. إنما كان يوفر جهودهم للنافع من الأعمال ، كان يصون هذا الجهد من أن يتبدد سدى ويؤدي إلى الضلال ، كان يريد للناس أن ينفقوا طاقتهم ... في تعمير الأرض وزيادة الإنتاج ، الإنتاج بمعناه الواسع الشامل العميق ، الإنتاج الروحي والفكري والمادي في ميدان العقيدة وميدان الجهاد ، وميدان العمل بمعناه الاصطلاحي المفهوم ) .

إذا كان الإنسان لا يدرك من خلق نفسه إلا الشيء القليل فكيف يتجاوز بعقله الذي عجز أن يدرك تراكيب خلقه إلى أن يتفكر في الخالق العظيم الذي ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) .
التفكر طريق الإيمان 03
وأيضاً مما يدخل في التفكر المنهي عنه : 

التفكر في قضايا الغيب – مما اختص الله به سبحانه وحده بلا شريك كعلم الساعة ، وإنزال الغيث وعلم ما في الأرحام وموت الإنسان متى يكون وأين يكون وماذا يكسب غداً ؟ ... 

والتفكير في القدر فإن العقل ليس له فيه مجال ولكي يدرك الإنسان كيف يجري الله قدره ، بخيره وشره ، أن يكون على مستوى الإله ؟ وذلك أمر لن يكون . 

فالله وحده هو المتفرد بالألوهية والعلم المحيط بالزمان والمكان والأشياء والأشخاص والأحداث . 

ومن ثم ضل العقل حيثما تكلم في القدر واستراح القلب المؤمن المطمئن بذكر الله ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله القلوب ) .

نعم .. استراح قلبه لما حكم شرع الله ، وعرف حدود عقله بما حده الله فحصلت له الطمأنينة .
 
فالمتأمل في هذه القضايا يجد أنها ليست في مقدور الفكر الإنسان ، ولا يستطيعه لأنها غيب قد اختص الله به ، محجوب عن الإنسان فالاشتغال به نوع عبث لا يجدي ، وبحث لا طائل من ورائه إلا التخبط والضياع .

وأيضاً مما يدخل في التفكر المنهي عنه التفكير في التشريع على وجه إنشاء الأحكام من دون الله فإن هذا حق لله تعالى وحده بلا شريك كما قال تعالى : ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) .

وقال تعالى : ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) .

وقال تعالى : ( له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ) . 

وقال تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ) .

يتضح من هذه الآيات الكريمة أن الحكم لله وحده لا شريك له فيه ، ففي مقابل هذا الإثبات نجد أن الله قد نفى ( صفة الخلق والتدبير والملك عن كل ما سواه ، ثم نفى صفة الحكم والتشريع عن كل ما سواه ، وقد تكاثرت الآيات القرآنية في إثبات مختلف صفات النقص للإنسان خاصة ، فكل ما سواه سبحانه مخلوق مفتقر ومحتاج إلى الله لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا موتاً ولا نشوراً بل لا يملك أدنى من ذلك كما قال تعالى في وصف ما يعبد من دونه .
 
قال تعالى : ( إن الذي تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً ). 

وقال عنهم : ( لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) .

وحتى القطمير لا يملكونه كما قال تعالى : ( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ). 

ووصفهم بأنهم : ( لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً ) .

وفي مقابل ذلك ليس لهم من حق التصرف والتدبير والأمر والتشريع شيء ، فلا ينبغي أن يصرف لهم أي نوع من أنواع العبادة وإذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم أعظم الناس منزلة عند الله ليس لهم في الخلق والتصرف والأمر شيء فكيف لغيرهم ؟ 

وقد وصف القرآن الرسل بأنهم بشر لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا يعلمون الغيب إلا ما أخبرهم الله به ، ومهمتهم هي التبليغ . والإنذار والتبشير وهم فيما يبلغونه عن الله لا يقدمون فيه ولا يؤخرون ولا يكتمون منه شيئاً ولا يبدلون ، فأمر الحكم والتشريع إذن لله وحده دون ما سواه ، والرسل مبلغون ما أوحي إليهم سواء بلفظه أو بمعناه ) .

هؤلاء رسل الله .. فكيف بغيرهم من البشر الذي يعطون أنفسهم حتى التشريع من دون الله ؟ لا شك أن هذا الفعل هو شرك وكفر بالله فمن نازع الله فيه فقد نازعه فيما اختص به سبحانه من إنشاء الأحكام والتحليل والتحريم .

وأنت ترى مما سبق أنه ليس لأحد أن يشرع للناس ، ويحلل ويحرم ذلك لأن العقل البشري أداة لا تصلح لهذا العمل ، ولأنه ليس في مقدوره وليس من مجالاته ؛ لأن العقل البشري لا يستطيع التجرد عن الهوى ، ولا في مقدوره مراعاة المصالح المطلقة ، ولا يمكن أن يستحضر كل ما يحتاجه حاضره ، ومستقبله في كل شئون الحياة لقصوره عن ذلك الإدراك مما يدلك على أنه ليس له حق التشريع من دون الله .

على هذا يتضح لك خطورة إنشاء الأحكام من دون الله حيث أنها منازعة لله  في خاصة من خصائص الألوهية ، ويؤدي بالمشرع من دون الله إلى الكفر والشرك ويؤدي تطبيق هذا التشريعات البشرية في واقع الناس إلى حصول الخلل في حياتهم بقدر النقص الموجود في التشريع البشري فيحصل الفساد بسبب هذا النقص .

قال تعالى : ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) فكفى بذلك خطورة أن يحصل الفساد في السماء والأرض! .
يتبع إن شاء الله...


التفكر طريق الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

التفكر طريق الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفكر طريق الإيمان   التفكر طريق الإيمان Emptyالجمعة 15 نوفمبر - 17:22

أما التفكر في النصوص الشرعية في الكتاب والسنة للتعرف على حكم الله وتطبيق شريعته فهو مهمة العلماء الذين لا يقومون بإنشاء الأحكام بمجرد عقولهم بل يتبعون الطرق التالية : 

1- الرجوع إلى الكتاب والسنة .

2- فهم الشريعة بلغة العرب ، وتفسير القرآن بالقرآن والسنة بالقرآن .

3- مع العلم أن هذا الاستنباط هو كشف عن حكم الله ، وليس تشريعاً من المخلوقين وانظر لقوله تعالى : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ،

وقوله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) .

وهي دائرة تحرك فيها صحابة رسول الله  بحثاً عن حلول لقضايا استجدت بعد انقطاع الوحي ، ومن ثم كان اجتهادهم في حرب الردة فهماً للنصوص ، وكان اجتهادهم في جمع القرآن ، ثم في جمعه في مصحف واحد ، ثم في تدوين الدواوين ، ثم في غير ذلك من الأمور .. ).

يتضح مما سبق أن تفكر العلماء المجتهدين في الشريعة يكون لاستنباط الحكم عند وقوع حادثة يبحثون لها عن حل في نصوص الشريعة عن الحكم ، واستنباطه لأن الشريعة الإسلامية قد تكفل الله بجعلها مواكبة لكل الأزمنة ، وفيها الحلول لكل المشكلات، والمعضلات التي تواجه أي مجتمع.

وهذا يوضح لك أن العقل ليس له الاستقلال في إنشاء الحكم إنما له حق التأمل والتدبر والتفقه والاستنباط على وفق الشرع وحكمه ، وفي هذا المجال يكون التفكير مشروعاً بل واجباً .

ومن الأمثلة التي يدخل فيها التفكر المنهي عنه أيضاً وضع التشريعات بغير رجوع للشريعة الإسلامية قضايا العبادات والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية ، وغيرها مما لا يقدر عليه العقل القاصر لأنها من القضايا التي لا يستطيع الإنسان بفكره أن يصل بها إلى حل لأنه قاصر عن فهم حقيقة النفس الإنسانية وما تحتاجه ، لذلك نجد أن العقل يتخبط في مثل هذه القضايا مما يسبب له الشقاء في حياته وآخرته لأن هذه القضايا ليست من مجال قدرته ولا يستطيعها ، والواقع أكبر شاهد على ذلك فمن نواتج التشريعات القاصرة في النواحي الاقتصادية ما نراه من جثوم البنوك الربوية والتعامل بالربا مما نتج عنه تضخم الأموال في أيدي فئة دون أخرى ، وهذا سبب فقدان التوازن بين أفراد المجتمع الواحد مع ما فيه من محاربة لله ولرسوله .

ومن الأمثلة أيضاً التي وقع فيها العقل البشري من الانحراف لما أخذ يكفر في وضع التشريعات لقضايا الجنسين والأخلاق وقضية المرأة ولم يتبع الشريعة الإسلامية فإنه ليس بخاف أن قضية المرأة قضية تداخلها الرغبات والشهوات والمحاب لما أودعه الله في النفس من الميل إلى المرأة فإننا نجد التشريعات بالنسبة لهذه القضية تأتي مختلطة يعلوها الغباش ، وتحجبها الرغبات فينتج عن ذلك التخبط الذي نراه اليوم في العالم الغربي وبعض من العالم الإسلامي لما أخذوا يشرعون للمرأة ؛ حيث أصبحت المرأة سلعة تباع وتشترى للمصالح الدعائية ، ومصايد لقضاء اللذائذ ، وإرواء الشهوات فكان من نتيجة ذلك ضياع الأسر والأطفال وذهاب الأخلاق واتخاذ الأخدان واشتغال نار الشهوة بسبب إثارة الغرائز والعواطف والغرامات ؛ فأخذت المرأة تتفنن في إبداء زينتها فكان العري والقصص الغرامية وظهور المسارح والرقص وغير ذلك مما يترتب عليه مخالفة شرع الله تعالى.

وما كثرة الأمراض الجنسية من الزهري والسيلان والإيدز والأمراض النفسية والشذوذ وغيرها من الأمراض التي نراها ونسمع عنها إلا بسبب التشريعات القاصرة التي تزين الاختلاط وتأمر بالتبرج وتحث على الرذيلة وتهيئ اقتراف الفاحشة .

لذلك نجد الحق  وهو أعلم بما يصلح لعباده قد وضع فيما أنزله على رسوله  من الحلول السليمة في كل هذه القضايا من تنظيم العبادات ، وجعلها توقيفية لا تؤخذ إلا عن رسول الله فليس يحق لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله على لسان رسوله رسوله صلى الله عليه وسلم .

ووضع التنظيمات في العلاقات الأسرية والزوجية والاجتماعية والأخلاقية والسلوكية والاقتصادية والعلاقات الدولية وغيرها فحدها بحدود لا يجوز تجاوزها ، أو الإخلال بها لأنه  هو خالق النفس ، ويعلم ما يصلح لها ، وما لا يصلح . 

فحري بمن يفكر في مثل هذه القضايا أن يتقي الله ويكف عقله الكليل عن تناول هذه القضايا بشيء من التشريع ، وأن يأخذها كما أنزلها العليم الحكيم .

ومما يدخل أيضاً تحت التفكر المنهي عنه تلك الأفكار الرديئة التي تجول في القلب مما يكون لها أسوأ الأثر على نفسية الإنسان ، وعلى عقله وسلوكه ، وعلى جسمه ولا تعود عليه بفائدة هي تلك الأفكار والخواطر التي تجول في عقول الشباب حول القضايا الجنسية والتي منشؤها النظر إلى النساء والمردان وقراءة القصص الغرامية والمجلات ، ومشاهدة الأفلام التي تكون فيها مناظر مهيجة لقضية الشهوة لأن النظر في مثل هذه المناظر تطبع في النفس والفكر صوراً لها فيتخيلها الشاب فتحدث له تحركاً نحو قضاء الشهوة مما يوقعه في الحرام . 

فعلى الشباب أن يبتعدوا عن مثل هذه المناظر حتى لا تتولد لديهم مثل هذه الأفكار .

وأيضاً ( ... الفكر في الشطرنج والموسيقى وأنواع الأشكال والتصاوير ؛ ومنها الفكر في العلوم التي لو كانت صحيحة لم يعط التفكر فيها النفس كمالاً ولا شرفاً كالفكر في دقائق المنطق والعلم الرياضي والطبيعي وأكثر علوم الفلاسفة التي لو بلغ الإنسان غايتها لم يكمل بذلك ولم يزك نفسه ومنها الفكر في الشهوات واللذات وطرق تحصيلها وهذا وإن كان للنفس فيه لذة لكن لا عاقبة له ومضرته في عاقبة الدنيا قبل الآخرة أضعاف مسرته : 

ومنها الفكر فيما لم يكن لو كان كيف كان يكون كالفكر فيما إذا صار ملكاً ، أو وجد كنزاً ، أو ملك ضيعة ماذا يصنع وكيف يتصرف ويأخذ ويعطي وينتقم ونحو ذلك من أفكار السفل ومنها الفكر في جزيئات أحوال الناس ومجرياتهم ومداخلهم ومخارجهم وتوابع ذلك من فكر النفوس المبطلة الفارغة من الله ورسوله والدار الآخرة ومنها الفكر في دقائق الحيل والمكر التي يتوصل بها إلى أغراضه وهواه مباحة كانت أو محرمة ، ومنها الفكر في أنواع الشعر وصروفه وأفانينه في المدح والهجاء والغزل والمرائي ونحوها .

فإنه يشغل الإنسان عن الفكر فيما فيه سعادته وحياته الدائمة ، ومنها الفكر في المقدرات الذهنية التي لا وجود لها في الخارج ولا بالناس حاجة إليها البتة ، وذلك موجود في كل علم حتى في الفقه والأصول والطب فكل هذه الأفكار مضرتها أرجح من منفعتها ، ويكفي في مضرتها شغلها عن الفكر فيما هو أولى به وأعود عليه بالنفع عاجلاً وآجلاً ).

في مقابل هذا المنع والنهي للعقل من التدخل فيما ليس من اختصاصه نجد أن الله يفتح له باباً آخر يكون فيه خلاصه , وهذا ما ستعرفه في القسم الثاني الجائز من أنواع التفكر إن شاء الله تعالى .

القسم الثاني الجائز : 

وهو المأمور به في كثير من آيات القرآن الكريم ، وهو التفكر في مخلوقات الله تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار  لآيات لأولي الألباب ) .

وقوله تعالى : ( وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين أثنين يغثي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) . وقوله : ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ). وقوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ).

إلى غير ذلك من الآيات الحاثة على التفكر في عظيم صنع الله تعالى ، وبالجملة فالآيات في كتاب الله تعالى الحاثة على التفكر كثيرة جداً ( ولكنها بصيغة النظر ولفظه على سبيل التقريب خمسون آية وبصيغة التفكر ولفظه سبع عشرة آية ).

وسيأتي معنا الإشارة إلى أن أكثر القرآن بيان لأدلة التوحيد وبراهينه وهي مجال كبير للتفكر كخلق السماوات والأرض وما فيها وما من سورة إلا وفيها تذكر وحث على التفكر في هذه المخلوقات .

( وهذا كثير في القرآن ؛ يأمر ويمدح التفكر والتدبر ، والتذكر والنظر والاعتبار والفقه ، والعلم والعقل ، والسمع والبصر والنطق ، ونحو ذلك من أنواع العلم . وأسبابه وكماله ، ويذم أضداد ذلك ) .

لذلك ذكر الإمام ابن القيم أن ( الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين أحدهما : النظر في مفعولاته والثاني : التفكر في آياته وتدبرها ، فتلك آياته المشهودة ، وهذه آياته المسموعة المعقولة ) .

فالنوع الأول كقوله تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) إلى آخرها ، وقوله : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) وهو كثير في القرآن ، والثاني كقوله : أفلا يتدبرون القرآن  ، وقوله  أفلم يدبروا القول  ، وقوله : "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته" وهو كثير أيضاً ) .

ومن هنا نجد آيات كثيرة في كتاب الله تلفت المخاطب إلى التفكر في صنع الله في الكون لتثبت بذلك عقيدة التوحيد في نفس المخاطب التي ينبثق منها التقوى والخشية والخوف والرجاء والإخبات لله والالتزام بشريعته وهذا ثمرة التفكر حيث توصلك إلى أن تعتقد أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه لا إله إلا هو وأنه الإله الحق الذي يجب أن يعبد ، ولا يشرك به شيء ، وأن يطاع فلا يعصى فتكون حياتك وفق أمره ونهيه .

فانظر أخي المسلم إلى ماذا أوصلك التفكر في صنع الله تعالى ؟ وهل حقق هذه الغاية ؟ 

أما التفكر في آيات الله المسموعة فإنه يجب عليك تدبرها بفكر ثاقب وقلب واع متيقظ فإنها توصلك إلى الحكمة الموجودة فيها ، والأسرار الإلهية المودعة فيها مما يظهر لك جلياً عظمة التشريع الموجود فيها ، وأن هذا لا يستطيع أن يصل إليه عقل بشر مهما وصل في قمته من التفكير والنضج عند ذلك نجده يسلم أن هذا لا يقدر عليه إلا الله الإله الحق سبحانه.

 فإنك لو نظرت في الحكم التشريعية من الحلال والحرام لتجلى لك ذلك واضحاً فخذ على سبيل المثال : 

الخمر والحكمة من تحريمها ، وأنها تسبب أمراضاً فتاكة جسمية وعقلية ، وتعرض المرء المتعاطي لها إلى أزمات مالية ، واجتماعية فيحدث في حياته اضطراب عظيم .

والزنا والحكمة من تحريمه حيث فيه ضياع الأنساب ، وظهور الأمراض ، وانتهاك للشرف والمروءة وقد اكتشف في هذا العصر أمراض كثيرة خطيرة مثل الإيدز والسيلان والزهري وغيرها من الأمراض .

والحكمة من تشريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما فيه من حفظ البنية الاجتماعية من الوقوع في الفساد واقتراف المنكرات إلى غير ذلك من الحكم الواضحة من التشريعات الإلهية التي لا يمكن للإنسان أن يصل إليها وذلك لسعة علم الله  بما يصلح لخلقه  ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير  فبهذا التفكر والنظر في الآيات المسموعة تصل إلى الحقيقة المرجوة من التفكر فيها وهي إدراك عظمة الخالق  ، وأنه الإله المستحق للعبادة دون سواه .

وبالجملة فالتفكر في آيات الله المشاهدة ، أو التفكر في آياته المسموعة تصل إلى الحقيقة المرجوة من التفكر فيها وهي إدراك عظمة الخالق  ، وأنه الإله المستحق للعبادة دون سواه .

وبالجملة فالتفكر في آيات الله المشاهدة ، أو التفكر في آياته المسموعة يوصلك إلى الحقيقة المستفادة من التفكر فيها وهي إدراك عظمة الخالق ، وأنه هو المستحق وحده للعبادة دون سواه فاحرس أخي المسلم على ذلك واتخذ لنفسك طريق النجاة .

ومما يدخل في التفكر المأمور به : 

1- تدبر آيات الله في الكون للتعرف على قدرة الله المعجزة ، وتفرده بالخلق من التدبير والهيمنة والسلطان ، بما يؤدي إلى إخلاص العبادة له وحده سبحانه ، وطاعته فيما أمر به وما نهى عنه .

2- تدبر آيات الله في الكون للتعرف على السنن الكونية التي يجري بها قدر الله في الكون ، لتحقيق التسخير الرباني لما في السماوات وما في الأرض للإنسان من أجل تعمير الأرض ، والقيام بالخلافة بها .

3- تدبر حكمة التشريع الرباني لإحسان تطبيقه على الوجه الأكمل ، والاجتهاد فيما أذن الله فيه بالاجتهاد .

4- تدبر السنن الربانية التي تجري الأمور بمقتضاها في حياة البشر ، لإقامة المجتمع الإيماني الراشد الذي يريده الله .

5- تدبر التاريخ.

يتضح مما سبق اهتمام الإسلام بقضية الطاقة الفكرية بتسخيرها فيما يعود على الإنسان بالخير في الدنيا والآخرة من تحديد المسار الذي يسير عليه ، وفق تعاليمه فهو بهذا الفعل يرقى بالفكر إلى القمة من الوصول إلى توحيد الله ، وعبادته بلا شريك ، ويرقى بالتقدم الحضاري في تعمير الأرض وفق منهج الله .

ومن فوائد تدبر العقل للحكمة التشريعية : الوصول إلى تطبيق الشريعة على منهج الله تعالى حتى يكون مجتمعاً نظيفاً راقياً يعلوه التوحيد وتدعمه الطاعة لله ولرسوله ويحرسه الله بالتأييد والنصر ، ومن فوائد التدبر أيضاً التعرف على السنن الربانية لإقامة مجتمع إيماني يرتكز على قواعد مستمدة من دين الله ، والتعرف على مصير الأمم السابقة لإدراك عوامل الفناء والصلاح لتلك المجتمعات ، وذلك لتجنب العوامل التي كانت سبباً في هلاكهم مما يضمن للمجتمع أن يسير في أمن ، وطمأنينة في ظل منهج الله  .

فما أروع منهج الله ! وما أحكمه ! فلنأخذ أنفسنا إليه ونعمل به تقرباً إلى الله ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ).


التفكر طريق الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

التفكر طريق الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفكر طريق الإيمان   التفكر طريق الإيمان Emptyالجمعة 15 نوفمبر - 17:48

التفكر فائدته وثمرته 
التفكر طريق الإيمان 55191_large
للتفكر فوائد وثمرات لمن تفكر فمن هذه الفوائد والثمار العلم والعمل .

العلم الدال على وحدانية الله  ، وكمال صفاته ، وعظيم سلطانه ، والإيماه به وبوجوده ، ومعرفة لطفه وإحسانه ، وإدراك استحقاقه للعبادة دون سواه فنحن ( إذا شاهدنا آثار الحقائق وفكرت فيها عقولنا تمكنا من معرفة الحقائق معرفة علمية صحيحة ، وبهذا الطريق نفسه نعرف الحق سبحانه فإذا شاهدنا آثاره في كل أرجاء الكون ، وتفكرنا فيها عندئذ سنعرف الحق سبحانه وتطمئن إلى تلك المعرفة قلوبنا .. ).

إذاً من خلال التفكر في عظيم صنع الله يصل المتفكر إلى العلم بأن الله هو الإله الحق فتزداد صلته بالله خالقه فيشهد أنه لا إله إلا الله ، وحينئذ تجد النفس الإقبال على الله بالتقرب إليه بالعلم والعبادة بما شرعه على لسان رسوله يقول الإمام ابن القيم الجوزية معدداً فوائد التفكر وأنه مؤداه العلم والعمل: ( والتفكر يفيد تكثير العلم، واستجلاب ما ليس حاصلاً عند القلب فالتفكير يحصله والتذكر يحفظه ولهذا قال الحسن : ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة " فالتفكر والتذكر بذار العلم وسقيه مطارحته ومذاكرته تلقيحه كما قال بعض السلف : ( ملاقاة الرجال تلقيح لألبابها ) فالمذاكرة بها لقاح العقل ، فالخير والسعادة في خزانة مفتاحها التفكر ، فإنه لا بد من تفكر وعلم يكون نتيجة الفكر وحال يحدث للقلب من ذلك العلم فإن كل من علم شيئاً من المحبوب أو المكروه لابد أن يبقى لقلبه حالة وينصبغ بصبغة من علمه ، وتلك الحال توجب له إرادة ، وتلك الإرادة توجب وقوع العمل.

فهنا خمسة أمور : 

الفكر وثمرته العلم ، وثمرتها الحالة التي تحدث للقلب، وثمرة ذلك الإرادة، وثمرتها العلم، فالفكر إذاً هو المبدأ والمفتاح للخيرات كلها ، وهذا يكشف لك عن فضل التفكر ، وشرفه ، وأنه من أفضل أعمال القلب وأنفعها له حتى قيل : ( تفكر ساعة خير من عبادة سنة ) فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى إحياء اليقظة ، ومن المكاره إلى المحاب ، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة ، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة ، ومن ضيق الجهل إلى سعة العلم ورحبه ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الإنابة إلى الله والتجافي عن دار الغرور ومن مصيبة العمى والصم والبكم إلى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله والعقل عنه ، ومن أمراض الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدور .

( وبالجملة فأصل كل طاعة إنما هو الفكر ، وكذلك أصل كل معصية إنما يحدث من جانب الفكرة ).

نعم أصل كل طاعة من الفكر وأصل كل معصية من الفكر ، بيان ذلك ما يحدثه التفكر للقلب من العلم المنبثق عنه إرادة . 

هذه الإرادة يحصل بها وقوع العمل .

فمن فكر في الخير حصل بتفكيره علم في القلب ، وإرادة خيرة منبثقة من تلك الفكرة الخيرة فيقع العمل الخير وهو الطاعة ، والمعصية أيضاً تحدث من جانب الفكرة .

فمن فكر في المعصية يحصل له بتفكره فيها علم في القلب وإرادة تكون منبثقة من تلك الفكرة الشريرة فيقع العمل الشرير وهو المعصية .

وإليك مثالاً يفيد أن التفكر يوصل إلى العلم والعمل قال تعالى :  إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار  .

فإن من نتيجة التفكر العلم بالله ثم الذكر فلما تفكروا علموا ولما علموا عملوا فالذكر قياماً وقعوداً وعلى الجنب عمل نتج عن التفكر .

قال ابن عباس : ( التفكر في الخير يدعو إلى العمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه ).

( فتأملهم في خلق السماوات والأرض وما اشتملت عليه من آيات كونية دالة على قدرة خالقها أدى ثمرته كما بينته الآية الكريمة إذ رتبت النتائج على مقدمات التفكر دون فاصل بينهما فتفكرهم دعاهم إلى ذكره تعالى في كل حالة من حالتهم قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ، ثم علموا أن هذه المخلوقات لا يمكن أو توجد عبثاً  ربنا ما خلقت هذا باطلاً  فنقلهم ذلك التفكر الواعي في هذا الكون الفسيح وفي بديع صنعه إلى الإيمان بالله وحده خالق هذا الكون وما وراء هذا العالم المشاهد ، وهذه الحياة الحاضرة ، ولذلك طلبوا من ربهم وخالقهم ، وقايتهم من عذاب النار  سبحانك فقنا عذاب النار  .

إذاً فائدة التفكر الواعي في خلق الله  ثمرته الوصول إلى الحقيقة المستفادة من التفكر وهي توحيد الله، ومن ثم العمل على ما يرضي الله تعالى وهذا مطلب شرعي أصيل في الشريعة الإسلامية؛ فاعمل أخي المسلم على تحقيقه.
التفكر طريق الإيمان Attachment
قال ابن القيم : ( فإن العمل الصالح هو ثمرة العلم النافع الذي هو ثمرة التفكر ).

وقد ذكر الأطباء أن للتفكر والتأمل قيمة صحية وجسمية ونفسية على الشخص ، وقد عالج الأطباء النفسيون بالتفكر الذي يسمونه ( التأمل الارتقائي ) كثيراً من الأمراض مثل التوتر العصبي والقلق وضغط الدم والصداع النصفي والأرق وتخفيض نسبة الكولسترول في الدم ، وغيرها من الأمراض وذلك بتغيير التفكير والمعرفة التي تسببت في المرض والاضطراب مما ساعد على الشفاء وتحسين حالة المريض ... ) .

وقد ذكر ابن القيم الجوزية في كتابه القيم مفتاح دار السعادة جملة فوائد للتفكر حيث يكشف لك عن الحقائق ويميزها ويعرفك بأسبابها وما يقاومها ويوضح لك خيرها من شرها ، ويبين لك الفرق بين الوهم والخيال ، وأن التفكر في عواقب الأمور تريك حقائقها .. 

وأن التفكر في صفات المعبود توجب لك التمييز بين الإيمان والكفر والتوحيد والشرك ، ويوضح لك أن التفكر بالتدبر في آيات القرآن أنفع شيء للقلب لأنه جامع لجميع منازل السائرين فقال – رحمه الله تعالى – : ( فالتفكر يوقع على صاحبه من الإيمان مالا يوقعه عليه العمل المجرد ، فإن التفكر يوجب له من انكشاف حقائق الأمور وظهورها له وتمييز مراتبها في الخير والشر ، ومعرفة مفضولها من فاضلها ، وأقبحها من قبيحها ، ومعرفة أسبابها الموصلة إليها ، وما يقاوم تلك الأسباب ويدفع موجبها والتمييز بين السعي في تحصيله وبين ما ينبغي السعي في دفع أسبابه والفرق والوهم والخيال المانع لا كثرة النفوس من انتهاز الفرص بعد إمكانها وبين السبب المانع حقيقة فيشتغل به دون الأول . 

فما قطع العبد عن كماله وفلاحه وسعادته العاجلة والآجلة قاطع أعظم من الوهم الغالب على النفس ، والخيال الذي هو مركبها بل بحرها الذي لا تنفك سابحة فيه ، وإنما يقطع هذا العارض بفكرة صحيحة وعزم صادق يميز بين الوهم والحقيقة ، وكذلك إذا فكر في عواقب الأمور وتجاوز فكرة مباديها ، وضعها مواضعها وعلم مراتبها ، فإذا ورد عليه وارد الذنب والشهوة فتجاوز فكرة لذته وفرح النفس به إلى سوء عاقبته ، وما يترتب عليه من الألم والحزن الذي لا يقاوم تلك اللذة والفرحة ، ومن فكر في ذلك فإنه لا يكاد يقدم عليه ، وكذلك إذا ورد على قلبه وارد الراحة والدعة والكسل والتقاعد عن مشقة الطاعات وتعبها حتى عبر بفكرة إلى ما يترتب عليها من اللذات والخيرات والأفراح التي تغمر تلك الآلام التي في مباديها بالنسبة إلى كمال عواقبها ، وكلما غاص فكره في ذلك اشتد طلبه لها ، وسهل عليه معاناتها ، واستقبلها بنشاط وقوة وعزيمة ، وكذلك إذا فكر في منتهى ما يستعبده من المال والجاه والصور ونظر إلى غاية ذلك بعين فكره استحى من عقله ونفسه أن يكون عبداً لذلك كما قيل : 

لــو فكــر العـاشــق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه

وكذلك إذا فكر في آخر الأطعمة المفتخرة التي تفانت عليها النفوس أشباه الأنعام وما يصير أمرها إليه عند خروجها ، ارتفعت همته عن صرفها إلى الاعتناء بها وجعلها معبود قلبه الذي إليه يتوجه وله يرضى ويغضب ويسعى ويكدح ويوالي ويعادي ، كما جاء في المسند عن النبي  أنه قال : " إن الله جعل طعام ابن آدم مثل الدنيا ، وإن قزحه وملحمة فإنه يعلم إلى ما يصير أو كما قال  . 
التفكر طريق الإيمان IMG-20130119-WA0029
فإذا وقع فكره على عاقبة ذلك وآخر أمره وكانت نفسه حرة أبيه ربأ بها أن يجعلها عبداً لما آخره أنتن شيء وأخبثه وأفحشه ".

وقال أيضاً : ( وأما الفكرة في صفات المعبود وأفعاله وأحكامه فتوجب له التمييز بين الإيمان والكفر والتوحيد والشرك ، والإقرار والتعطيل ، وتنزيه الرب عما لا يليق به ، ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام ، ( ومجاري هذه الفكرة ) تدبر كلامه وما تعرف به سبحانه إلى عبادة على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله ، وما نزه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه وتدبر أيامه وأفعاله في أوليائه وأعدائه التي قصها على عباده وأشهدهم إياها ليستدلوا بها على أنه إلههم الحق المبين الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ويستدلوا بها على أنه على كل شيء قدير وأنه بكل شيء عليم، وأنه شديد العقاب، وأنه غفور رحيم، وأنه العزيز الحكيم، وأنه الفعال لما يريد، وأنه الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً وأن أفعاله كلها دائرة بين الحكمة والرحمة والعدل والمصلحة لا يخرج شيء منها عن ذلك، وهذه الثمرة لا سبيل إلى تحصيلها إلا بتدبر كلامه والنظر في آثار أفعاله ( وإلى هذين الأصلين ) ندب عباده في القرآن فقال في الأصل الأول:  أفلا يتدبرون القرآن  ،  أفلم يدبروا القول  ،  كتاب أنزلنه إليك مبارك ليدبروا آياته ، إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون  ،  كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون . 

وقال في الأصل الثاني :  قل انظروا ماذا في السماوات والأرض  ... إلى قوله رحمه الله : وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر ، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين ، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل الرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله ، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه ، فلو علم الناس ما في القرآن بالتدبر ، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ، فإذا قرآه بتفكر حتى مر بآياته وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة ، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم ، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن ، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح ، وقد ثبت عن النبي  أنه قام بآية يرددها حتى الصباح وهو قوله – تعالى – :  إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ؛ فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب ).
التفكر طريق الإيمان Images?q=tbn:ANd9GcTltL1ytreRvPtEpGSY24mLf_jnOZLhmnyP5OsMPBh3KsGUjeRDFvpNsQ
مجالات التفكر في القرآن الكريم:

يتضح من خلال الآيات التي تحث على التفكر في القرآن الكريم أنها متنوعة وترجع في مجموعها إلى قضية واحدة هي التفكر المثمر والموصل إلى معرفة الله وتعظيمه وعبادته وحده بلا شريك واتباع رسله عليهم السلام .

ومن مجالات الدعوة إلى التفكر في القرآن الكريم : 

أولاً : التفكر في الآيات الدالة على صدق الرسول  فإنه بالتفكر في الحق الذي جاء به من عند الله وبالتفكر في حاله عليه الصلاة والسلام يظهر لك أمره .. ذلك أن الناظر بعقل متفكر في  سيرته  قبل مبعثه يجده قد جمع صفات الحسن كلها، مما لا يدع لأحد شكاً في أن الله أرسله فإن من يتحلى  بهذه الصفات لا يكون إلا رجلاً قد هُيِّئ للنبوة والرسالة .

فقد كان ( عليه السلام يمتاز في قومه بخلال عذبة وأخلاق فاضلة وشمائل كريمة فكان أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقاً ، وأعزهم جواراً ، وأعظمهم حلماً ، وأصدقهم حديثاً ، وألينهم عريكة ، وأعفهم نفساً ، وأكرمهم خيراً ، وأبرهم عملاً ، وأوفاهم  عهداً ، وآمنهم أمانة ، حتى سماه قومه (الأمين )؛ لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية ، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – : ( يحمل الكل ويكسب  المعدوم  ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ).

هذه أخلاقه وصفاته وأفعاله عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه فتعال ننظر فيما جاء به بعد مبعثه فإنه بالنظر فيما هو عليه في حياته قبل البعثة وبعد البعثة يتضح لك أنه عليه الصلاة والسلام كان في كل حياته محط  أنظار المعجبين ونبراساً للسالكين مما يدل أنه رسول من رب العالمين .

فقد بعث بالأمر بعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام والأشجار  والأصنام  والأحجار ، وبيان أن كل ما في الدنيا خاضع لله مؤتمر بأمره ليس له شريك ولا ند ولا صاحبة فالكل عباده ، وبعث يحثهم على الأمانة والصدق والعفاف والترفع عن المحقرات وأمرهم بصلة الأرحام وترك الخمر والربا والزنا والقتل والسلب والنهب وأخذ أموال الناس بالباطل ، ونهاهم عن وأد البنات ، وبين لهم أنه لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى ، ووضح لهم الحلال وبين لهم الحرام وقال لهم إن من عمل صالحاً وهو مؤمن دخل الجنة ومن كذب بما أرسلت به دخل النار وأخبارهم بأخبار  من سبقهم من الأمم وما حصل لهم من عذاب جزاء تكذبهم بالرسل إلى غير ذلك مما دعاهم إليه عليه الصلاة والسلام من الفضائل القيمة التي ما كانت لتأتي من رجل عاش أربعين سنة أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يتكلم بشيء من ذلك ، مما يكون مدعاة لهم على تصديقه ، ولو نظر الكفار في حاله بتفكر متجرد من الهوى والعصبية لتبين لهم حاله وأمره وأنه رسول من رب العالمين . 

صادق أمين فيما يقول . 
التفكر طريق الإيمان 04
ولكن قابلوا هذا الخير بالشر والهدى بالرد والتكذيب والاستهزاء .

لذلك لم يستطيعوا أن يطعنوا فيه عليه الصلاة والسلام لما عرفوا من حاله عليه الصلاة والسلام في حياته كلها ولكن القوم أرادوا رد الحق وعدم قبوله لشهوة في نفوسهم، ولما يحطم من باطلهم، ولما يخالف من مناهجهم لذلك قال تعالى :  فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون  . لأنهم يعرفونه جيداً في مراحل حياته كلها قبل البعثة وبعدها كما سبق آنفاً .

لذلك لما أرادوا أن يقولوا قولتهم فيه في موسم الحج ليحذروا الناس منه ، تشاوروا في أمره واحتاروا في ذلك لعدم وجود ما يعيبونه عليه – حتى وصلوا في مشورتهم الباطلة بقيادة الوليد بن المغيرة أن يقولوا : إنه ساحر ( ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم فأجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا يختلف فيكذب بعضهم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً ، قالوا فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأياً نقول به ، قال : بل أنتم فقولوا أسمع ؛ فقالوا : نقول كاهن ؛ قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة كاهن ولا سجعه ، قالوا : نقول : مجنون ، قال : ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ؟ ولا وسوسته . قالوا : فنقول : شاعر . قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر ، قالوا : فنقول ساحر ، قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم ، قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله إن قوله لحلاوة ، إن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عنه بذلك ) . 

وقد وصفوه عليه الصلاة والسلام بالجنون  وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون.

وبالسحر والكذب  وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب  .

لذلك نجد أن الله  ، يدعوهم أن يتفكروا في حاله عليه الصلاة والسلام بالتجرد من العصبية والهوى لا كتفكر الوليد  إنه فكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، ثم قتل كيف قدر ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر ، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ، إن هذا إلا قول البشر .

فقد كان تفكره يمازجه الهوى والعصبية والاعتزاز بما عنده من المال والشرف لذلك كان كلامه هذا لما عاب عليه قومه من دخوله على أبي بكر بعد استماعه القرآن من الرسول ومدحه للقرآن بأنه ليس بشعر ولا بسحر ولا يهذي من الجنون لكن لما ذهب إليه أبو جهل بن هشام ، وقال له إن الناس يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه .

فقال الوليد : أقد تحدث به عشيرتي فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ولا عمر ولا ابن أبي كبشة وما قوله إلا سحر يؤثر ... ). 

فإنه بالنظر في مقالته الأولى لأبي بكر من الاعتراف بالحق ومدح القرآن والمقالة الثانية لأبي جهل من الطعن في القرآن يتضح أن التفكر الممزوج بالهوى والعصبية قد أنقطه بالباطل واتهام الرسول بالسحر .

لذلك قال تعالى :  قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو نذير لكم بين يدي عذاب شديد  .

قال ابن كثير  إنما أعظكم بواحدة  أي إنما آمركم بواحدة وهي أن تقوموا لله ... ) الآية أي تقوموا قياماً خالصاً لله  من غير هوى ولا عصبية فيسأل بعضكم بعضاً هل بمحمد من جنون فينصح بعضكم بعضاً  ثم تتفكروا  أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد  ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ويتفكر في ذلك ) .

ويقول سيد قطب عند قوله تعالى  ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة  فما عرفتم عنه إلا العقل والتدبر والرزانة وما يقول شيئاً يدعو إلى التظنن بعقله ورشده إن هو إلا القول المحكم القوي المبين ) .
التفكر طريق الإيمان Images?q=tbn:ANd9GcQ-B45jCGn7n-xoj5xl6QQ0gJpu9aT4bLrpQfYWGZWw3Yx4brB-
لذلك نجد أن التفكر الخالص البعيد عن المؤثرات الجانبية يوصل إلى الحق بإذن الله تعالى .

وأيضاً الآية الأخرى التي وردت في سورة الأعراف تنكر على الكفار عدم تفكرهم في أمر محمد  وما جاء به من الحق حيث أنهم أصدروا طعنهم في الرسول دون نظر وروية قال تعالى :  أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين  وذلك لو أنهم تفكروا في صاحبهم أي جنون حصل له ؟! ولكنهم لم يتفكروا ( فإنهم لو تفكروا لوجدوا زعمهم باطلاً وقولهم زوراً وبهتاناً ) فهذا يدلك على مكانة وأهمية التفكر حيث أنه يوصلك إلى إدراك الحقيقة عند التفكر فيها بغير هوى ولا عصبية .

وأيضاً الآية التي في سورة الأنعام التي تحث على التفكر في الحق ، وأنه من عند الله ، وأن الرسول  لا يملك خزائن الله فيأتيكم بشيء منها إنما هو من عند الله وذلك بالمقارنة بين الأعمى والبصير ليظهر التميز بينهما , فإن الحق ليس مساوياً للباطل أبداً .

قال تعالى :  قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إليه قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون  .

يقول محمد رشيد رضا عند تفسيره لقوله تعالى من هذه الآية  هل يستوي الأعمى والبصير  الاستفهام إنكاري أي لا يستويان ، كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان ، بل الفرق بين الأولين أقوى وأظهر ، فكأين من أعمى العينين بصير القلب كان من أعلم العلماء وأهدى الفضلاء ، وكأين من بصير العينين أعمى القلب هو أضل من الأنعام ، ولذلك قال مقرعاً لهم:  أفلا تتفكرون  أي : في ذلك فتميزون بين ضلالة الشرك وهداية الإسلام ، وتفرقون بين صفات الرب الإله وصفات الإنسان ، وتعقلون حجة الرسالة مما في هذا القرآن ، من أنواع الهداية والعرفان ، وأخبار الغيب لم يؤتها إنس ولا جان ) .

ثانيا : التفكر في القرآن العظيم وذلك بتدبره ، وأنه كلام الله ، وأنه منزل من الله فيه الأحكام المصلحة لحياة الناس ، وفيه البينات المحركة للقلوب الواعية المتقبلة للحق المتفكرة فيه ، وأن من شدة عظم هذا القرآن لو أنزل على جبل لتصدع وخشع من شدة ما فيه من الحق والهدى فكيف بالقلوب الضعيفة لا تخشع ولا تلين ولا تخاف ولا تتفكر؟، قال تعالى:  لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون  .

وقوله تعالى :  وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون .

قال الشوكاني : ( أي القرآن ) ثم بين الغاية المطلوبة من الإنزال فقال  لتبين للناس  جميعاً  ما نزل إليهم  في هذا الذكر من الأحكام الشرعية والوعد والوعيد  ولعلهم يتفكرون  أي إرادة أن يتأملوا ويعملوا أفكارهم فيتعظوا .

إذاً غاية التفكر الوصول إلى الحقيقة ، وهي الاتعاظ ومن ثم العمل بما حصل من الاتعاظ فالمتدبر للقرآن بإمعان الفكر فيه لا شك أنه يحصل له فائدة من ذلك التدبر يكون له أثر على نفسه وعقله وسلوكه .

قال تعالى مقرعاً للذين يكذبون بالقرآن ولا يتدبرونه :  أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً  .

ثالثاً : التفكر في حال من جاءته آيات الله تحمل في طياتها الهدى والنور ولكنه انسلخ منها وأخلد إلى الأرض فأتبعه الشيطان ، ووسوس له وأبعده عن طريق الله سبحانه وتعالى واتبع هواه فكان عاقبته أن جعله الله من الغاوين وشبهه بالكلب الذي يلهث في كل حال وما ذلك إلا بانسلاخه من آيات الله والإعراض عنها وترك تدبرها فجعله الله سبحانه وتعالى مثلاً للتفكر في حاله وما آل إليه أمره ، وذلك لأخذ العبرة من حاله والبعد عن فعاله  واتل عليهم نبأ الذين آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون .

( أي فاقصص أيها الرسول قصص ذلك الرجل المشابهة حاله هؤلاء المكذبين بما جئت به من الآيات البينات في مبدأ أمره وغايته ، ومعناه وصورته ، رجاء أن يتفكروا فيه فيحملهم سوء حاله وقبح مثلهم ، على التفكر والتأمل ، فإذا هم تفكروا في المخرج منه ، ونظروا في الآيات ، وما فيها من البينات ، بعين العقل والبصيرة لا بعين الهوى والعداوة ، ولا طريق لهدايتهم غير هذه ).

رابعاً : التفكر في الدنيا والآخرة وأنها دار الفناء ، وأن الآخرة دار القرار والبقاء فيقارن بينهما ليتضح له الفرق فإن ذلك مدعاة له أن يستعمل هذه الدنيا فيما يرضي ربه سبحانه وتعالى , قال تعالى :  يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ، في الدنيا والآخرة  .

يقول الإمام ابن كثير ( أي كما فصل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها كذلك يبين لكم سائر الآيات في أحكامه ووعده ووعيده لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ، قال علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس يعني زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها .

وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن أبي محمد الطنافسي ، حدثنا أبو أسامة عن الصعق التميمي قال : شهدت الحسن وقرأ هذه الآية من سورة البقرة  لعلكم تتفكرون ، في الدنيا والآخرة  قال : ( هي والله لمن تفكر فيها ليعلم أن الدنيا دار بلاء ثم فناء وليعلم أن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء ).

وقوله تعالى في تمثيل حال الدنيا :  إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات  لقوم يتفكرون .

( أي كهذا المثل في جلائه وتمثيله لحقيقة حال الحياة الدنيا وغرور الناس فيها وسرعة زوالها عند تعلق الآمال بنوالها ، نفصل الآيات في حقائق التوحيد وأصول التشريع وأمثال الوعظ والتهذيب وكل ما فيه صلاح الناس في عقائدهم وأنفسهم وأخلاقهم ومعاشهم ، واستعدادهم لمعادهم ، لقوم يستعملون عقولهم وأفكارهم فيها ، ويزنون أعمالهم بموازينها ، فيتبينون ربحها وخسرانها ) .

هذه الدنيا لمن نظر فيها وجدها إما زمان قد مضى أو زمان لم يأت بعد فإنك واجد نفسك بين هذين الزمانين ، فهل لعاقل أن يعقل ؟ وهل لصاحب قلب أن يعي ؟ وهل لمتفكر في حالها أن يدرك أنها لا تصلح إلا أن تكون قنطرة يعبر من خلالها الإنسان إلى رضوان الله بفعل أمره والبعد عن 
نهيه ؟ .
التفكر طريق الإيمان Images?q=tbn:ANd9GcTOeqlnGB-qNNDIjEemTtSVxWjYOGblHUU_uS5o6Hu6vsivYjXZ
خامساً : التفكر في خلق النفس الإنسانية ليحصل بهذا التفكر معرفة خالقها ومحييها ومميتها .

قال تعالى :  وفي أنفسكم أفلا تبصرون .

وقوله تعالى :  يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .

وقوله تعالى :  فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب  .

يوجه الله في هذه الآيات الإنسان لتدبر أصل خلقه من تلك النطفة الحقيرة لأن في تدبرها دلالة على قدرة الله .

وقوله تعالى :  أيحسب الإنسان أن يترك سدى(36) ألم يكن نطفة من مني يمني (37)  ثم كان علقة فخلق فسوى (38) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى (39) أليس ذلك بقادر على أن  يحي الموتى  .

وقوله تعالى :  أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ...... مبين  .

وقوله تعالى :  ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه ...... فتبارك الله أحسن الخالقين  .

وقوله تعالى :  يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، الذين خلقك فسواك فعدلك .

وقوله تعالى :  أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض ....... بلقاء ربهم لكافرون  .

( تنبيهاً على أنهم لو تدبروا أنفسهم وعرفوها عرفوا بمعرفتها حقائق الموجودات فانيها وباقيها ، وعرفوا بها حقيقة السماوات والأرضين ، ولما أنكروا البعث الذي هو لقاء ربهم ).

قال قتادة : ( من تفكر في نفسه عرف إنما لينت مفاصله للعبادة ) .

وقال الشيخ السعدي : ( وكذلك في نفس العبد من العبر والحكمة والرحمة ما يدل على أن الله واحد صمد لم يخلق الخلق سدى ).

يتبع إن شاء الله...


التفكر طريق الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

التفكر طريق الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفكر طريق الإيمان   التفكر طريق الإيمان Emptyالجمعة 15 نوفمبر - 23:47

فحينما يتأمل الإنسان نفسه التي هي أقرب شيء إليه ، ويتفكر ما أودع الله فيها من الأسرار والعجائب فإن ذلك سوف يوصله إلى معرفة أن الله الإله الحق ، وأنه خالقه وأنه قادر وأنه محي وأنه مميت فإذا عرف ذلك الإنسان عبد ربه ، وتوجه إلى خالقه يستلهم منه الهدى والتوفيق .

ويتفكر في النفس ، وأنه خلق زوجها منها ليسكن إليها ، وجعل بينهم مودة ورحمة ليحصل بهما الوئام السكني إذ لو كان من غير جنسها لحصل التنافر ، فسبحان الله العظيم ، قال تعالى :  ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنفي ذلك لآيات لقوم يتفكرون .

( والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر ، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين ، وتدفع خطاهم ، وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلطة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجاً ، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر ، وجعلت تلك الصلة سكناً للنفس والعصب ، وراحة للجسم والقلب ، واستقراراً للحياة والمعاش ، وأنساً للأرواح والضمائر ، واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء .

 إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون  فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ملبياً لحاجته الفطرية نفسية وعقلية وجسدية ، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ، ويجد أن في اجتماعها السكن والاكتفاء ، والمودة والرحمة ، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منها في الآخر ، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد ) .

ويتفكر في ظاهرة النوم واليقظة التي تعتري النفس الإنسانية، وأنها تشبه حال الموت الحقيقي، وهذا مدعاة للتفكر فيه، وأمر يحتاج إلى وقفة تأملية لتذكر ت الموت حتى يحصل في النفس المتفكرة أخذ العبرة والعظة من ذلك .

قال تعالى :  الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويمسك الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون  .

يقول الإمام الشوكاني عند قوله تعالى من هذه الآية  إن في ذلك لآيات  أي لآيات عجيبة بديعة دالة على القدرة الباهرة ، ولكن ليس كونه ذلك آيات يفهمها كل أحد بل  لقوم يتفكرون  في ذلك ويتدبرونه ويستدلون به على توحيد الله وكمال قدرته ، فإنه هذا التوفي والإمساك والإرسال موعظة للمتعظين وتذكرة للمتذكرين ).

ولا ريب أن التفكر سبيل لرفع الغفلة عن النفس وطريق من طرق الاستبصار لأهل التقوى قال تعالى :  إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون  ذلك أن التذكر ( ... هو ضد النسيان وهو حضوره صورة المذكور العلمية في القلب ). 

فقوله تذكروا ورد فيها ثلاثة أقوال : 

أحدها : تذكروا الله إذا هموا بالمعاصي فتركوها – قال مجاهد .

الثاني : تفكروا فيما أوضح الله لهم من الحجة – قاله الزجاج .

الثالث : تذكروا غضب الله فأمسكوا فإذا هم مبصرون لمواقع الخطأ بالتفكر.

إذاً التفكر يعود بالمرء إلى المسار الصحيح من التوبة والرجوع إلى الله وترك المعصية والاستقامة على أمره فتفكر أخي المسلم ولا تكن من الغافلين .
قال سفيان بن عيينه : ( التفكر مفتاح الرحمة ألا ترى أنه يتفكر فيتوب ).

سادساً : التفكر في النحلة تلك الحشرة العجيبة الصغيرة كيف علمها وألهمها ربها أن تأكل من كل الثمرات لتجمع رحيقاً يخرج من بطنها شراباً مختلفاً ألوانه يكون شفاء للناس.

ما أعظم خلق الله وما أعجبه ! فتعال معي نتأمله :

قال تعالى :  وأحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (68) ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذلل يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( ) . في صنع الله  ، فيستدلون على ألوهيته وتوحيده بهذا التفكر في عجائب صنعه ( فنبه على أن الإنسان حقه أن يقتدى بالنحل في مراعاته لوحي الله  فكما أنها لا تتخطى وحي الله في تحري المصالح طبعاً لذلك يجب على الإنسان أن لا يتخطى وهي الله اختياراً ) .

ويقول الشيخ السعدي : 

( في خلق هذه النحلة الصغيرة ، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة ، ويسر لها المراعي ، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان ، بحسب اختلاف أرضها ومراعيها ، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى ، وتمام لفظه بعباده ، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه ).

وقد ذكر الإمام ابن القيم الجوزية من عجيب صنع هذه النحلة فقال : ( ومن عجيب شأنها أن لها أميراً يسمى اليعسوب لا يتم لها رواح ولا إياب ولا عمل ولا مرعى إلا به ، فهي مؤتمرة لأمره سامعة له مطيعة وله عليها تكليف وأمر ونهي ، وهي رعية له منقادة لأمره متبعة لرأيه يدبرها كما يدبر الملك أمر رعيته حتى إنها إذا أوت إلى بيوتها وقف على باب البيت فلا يدع واحدة تزاحم الأخرى ولا يتقدم عليها في العبور ، بل تعبر بيوتها واحدة بعد واحدة بغير تزاحم ولا تصادم ولا تراكم كما يفعل الأمير إذا انتهى بعسكره إلى معبر ضيق ولا يجوزه إلا واحد واحد .

ومن عجيب أمرها أن فيها أميرين لا يجتمعان في بيت واحد ولا يتأمران على جمع واحد بل إذا اجتمع منها جندان وأميران قتلوا أحد الأميرين وقطعوه على الأمير الواحد ، من غيره معاداة بينهم ولا أذى من بعضهم لبعض بل يصيرون يداً واحدة وجنداً واحداً ).

ويواصل ابن قيم الجوزية معدداً عجائب النحل فيكشف لنا عن طريقة التوالد عند النحل فيقول ( وإنما نتاجها بأمر من أعجب العجيب فإنها إذا ذهبت إلى المرعى أخذت تلك الأجزاء الصافية التي على الورق من الورد والزهر والحشيش وغيره ، وهي الطل فتمصها وذلك مادة العسل ، ثم إنها تكبس الأجزاء المنعقدة على وجه الورقة وتعقدها على رجلها كالعدسة فتملأ بها المسدسات الفارغة من العسل ، ثم يقوم يعسوبها على بيته مبتدئاً منه فينفخ فيه ، ثم يطوف على تلك البيوت بيتاً بيتاً وينفخ فيها كلها فتدب فيها الحياة بإذن الله  فتتحرك وتخرج طيوراً بإذن الله ، وتلك إحدى الآيات والعجائب التي قل من يتفطن لها ، وهذا كله من ثمرة ذلك الوحي الإلهي أفادها وأكسبها هذا التدبير والسفر والمعاش والبناء والنتاج ) .

سابعاً : التفكر في الآيات الحاثة على السير والنظر في عواقب الأمم ، وما حصل لهم من جراء مخالفة أمر الله  وأن هذا السير ورد في أحد معانيه أنه ( إجالة الفكر ومراعاة أحواله كما روي في الخبر أنه قيل في وصف الأولياء : أبدانهم في الأرض سائرة وقلوبهم في الملكوت جائلة ).

ويكون السير في الأرض أيضاً بالبدن والقلب وسؤال العالمين .

قال تعالى :  أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغني عنهم ما كانوا يكسبون  .

( يحث تعالى المكذبين لرسولهم على السير في الأرض بأبدانهم وقلوبهم وسؤال العالمين  فينظروا  نظر فكر واستدلال ، لا نظر غفلة وإهمال .

 كيف كان عاقبة الذين من قبلهم  من الأمم السالفة ، كعاد وثمود وغيرهم ، ممن  كانوا منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض  من الأبنية الحصينة ، والفرش الأنيقة ، والزروع الكثيرة  فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون  حين جاءهم أمر الله فلم تغن عنهم قوتهم ، ولا افتدوا بأموالهم ولا تحصنوا بحصونهم ).

وكقوله تعالى :  قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين .

وكقوله تعالى :  قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين  .

فما دام أن السير في الآيات التي نحن بصددها تدل على أنواع من السير بالبدن فإن الإنسان إذا مر على ديار المعذبين كقوم صالح ولوط وغيرهم من المغضوب عليهم ، فإنه سوف ينظر إليها فيأخذ بنظرة تذكر حالهم في المعصية التي كانت سبباً في عذابهم من التكذيب للرسل والشك فيهم ومخالفة أمر الله  والكفر والإشراك به ، وكذلك يحصل تذكر حالهم بالتفكر بقلب واع غير غافل في حالهم ، وتحصل هذه الفائدة بدراسة التاريخ وأخذ العبرة منه ، فإن هذا سوف يثير في نفسه وعقله إدراك العوامل التي أدت إلى هلاكهم إدراكاً مبصراً يؤدي إلى ترك أفعالهم وبغضها والتحذير منها فبهذا يكون قد أخذ العبرة من السير في الأرض وهذه أهم قضية يريدها الله  من إيراد هذه الآيات ليحصل بذلك تقواه وطاعته سبحانه ، وتوحيده ومجانبة أفعال أولئك القوم .

وكذلك نجد في كتاب الله  آيات تحث على أخذ العبرة مما حصل لمن كان قبلنا أو ما يحصل لحاضرنا ، فقد ورد الاعتبار بمعنى ( النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها ) .

ففي سورة الحشر لما أجلى الله بني النظير من ديارهم عندما غدروا بالرسول  بعد معاهدته فحاصرهم الرسول  حتى أجلاهم من المدينة ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ففي تأمل حالهم عبرة لمن أراد أن يعتبر .

قال تعالى :  هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا  يا أولى الأبصار .

( أي البصائر النافذة والعقول الكاملة فإن في هذا معتبراً ، يعرف به صنع الله في المعاندين للحق ، المتبعين لأهوائهم ، الذين لم تنفعهم عزتهم ، ولا منعتهم قوتهم ، ولا حصنتهم حصونهم ، حين جاءهم أمر الله ، فوصل إليهم النكال بذنوبهم والعبرة بعموم المعنى ، لا بخصوص السبب فإن هذه الآية ، تدل على الأمر بالاعتبار وهو اعتبار النظير بنظيره وقياس الشيء على ما يشابهه والتفكر فيما تضمنته الأحكام ، من المعاني والحكم ، التي هي محل العقل والفكرة , وبذلك يكمل العقل ، وتتنور البصيرة ، ويزداد الإيمان ، ويحصل الفهم الحقيقي ).

وأيضاً ما حصل لفرعون الطاغية الذي كذب رسول الله موسى عليه السلام ، وما حصل منه من ادعاء الألوهية حيث أخذه الله فأغرقه ، وجعله عبرة لمن بعده يحصل له به العبرة مما يجعله يجانب فعله .  هل أتاك حديث موسى ، إذا ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ، اذهب إلى فرعون إنه طغى , فقل هل لك إلى أن تزكى , وأهديك إلى ربك فتخشى , فأراه الآية الكبرى , فكذب وعصى , ثم أدبر يسعى , فحشر فنادى , فقال أنا ربكم الأعلى , فأخذه الله نكال الآخرة والأولى, إن في ذلك لعبرة لمن يخشى .

ثامناً : التفكر في آيات الله الكونية الكثيرة التي هي الآيات العظيمة في كتاب الله التي تجول بالفكر في صنع الله تعالى من سماء عالية وحكمة في صنعها بغير عمد ترونها وأودع فيها الكواكب المنيرة ، وجعل فيها الشمس والقمر اللذين بهما قوام هذه الحياة .

والأرض العظيمة وما أودع فيها من الخيرات والجبال والأشجار والإنس والجن وأنواع المأكولات ، وجلها مخزن الماء وسهلها لمنافع الناس إلى غير ذلك من الحكم الإلهية العظيمة التي تلفت المخاطب إلى أن يفكر فيها ، ويتأملها ليدرك عظمة الله في تسخيرها للإنسان قال تعالى :  وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .

وقال تعالى موجهاً أنظار المخاطبين ، ومستحثاً لهم على تأمل عظيم صنعه في السماء والأرض ليستدلوا بها على ألوهيته واستحقاقه للعبادة دون سواه وذلك بالنظر إليها وتأملها  أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض  .

وقوله تعالى :  إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .

وأيضاً قوله تعالى موجهاً الأنظار إلى ما أودع في الأرض من الجبال الرواسي التي بها حفظ توازن الأرض :  أن تميد بكم  وما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والمذاق ، وأنها مخلوقة من زوجين . وإغشاء الليل النهار .. ففي هذا من قدرة صنع الله ما يحرك العقول للتفكر والقلوب للتدبر أن الله لم يخلق هذا باطلاً ، إنما هو بالحق فهو الحق الذي يعبد وحده دون سواه .

قال تعالى مخاطباً ذوي البصائر النيرة للتفكر في إنزال المطر ، وما يحصل بعد إنزاله من إخراج أنواع النباتات التي يتغذى عليها الإنسان وكيف جعلها متنوعة وهي تسقى بماء واحد فإن في ذلك من الآيات ما يثير التفكر فيها ليستدل بها على توحيده سبحانه .

قال تعالى :  هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون , ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية  لقوم يتفكرون  .

وقوله تعالى حيث يستحث الإنسان على أن يستعمل فكره في العقل ليستفيد بهذا التعقل وذلك حتى لا يكون مثل البهائم التي لا تمييز لها ولا عقل تدرك به الأشياء :  وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآية لقوم يعقلون .

فقوله  يعقلون  أي لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر فيما هي مهيأة ، له مستعدة ، تعقل ما تراه ، وتسمعه لا كنظر الغافلين الذي حظهم من النظرة حظ البهائم التي لا عقل لها ) .

وإننا نجد أن الله تعالى كرر في آيات من سور النحل الحث على التفكر في خلق السماوات والأرض والإنسان وأنواع الأنعام ، وأنه سخرها للإنسان ليقضي منها حاجته ، وإنزال المطر ، وما يحصل منه من إنبات أنواع الزروع رزقاً للعباد ليكون لهم متاعاً في حياتهم ليشكروا الله عليه .

وتسخير الليل والنهار يتعاقبان والشمس والقمر والنجوم كلها مسخرات بأمر الله لمصالح العباد ، وأنه ذرأ في الأرض من كل الألوان ، وأنه سخر البحر ليأكل منه الإنسان لحماً طرياً وحلية يلبسها . فكل ذلك من آيات دالة على القدرة الإلهية  فهل من مدكر  ؟ وكذلك التفكر في قدرة الله على تسخير البحر لتجري السفن على ظهره تنقل عليها أنواع البضائع ففي ذلك آية لمن أراد أن يشكر الله عليها .

وأيضاً التفكر في جعل الأرض مبسوطة عليها الجبال تثبتها .  أن تميد بكم  والتفكر في الأنهار ، وكيف أجراها الحي القيوم ، وما جعل الله في الأرض من السبل ليتحرك الإنسان على الأرض بسهولة وبدون مشقة ، ففي ذلك آية ، والتفكر في النجوم التي وضعت لمصالح العباد من الاهتداء بها ، وما فيها من الزينة ، كل ذلك من تسخير الله للعباد ليشكروا الله على هذا ويتفكروا فيها بقلوب واعية مبصرة ليدركوا عظمة الإله الحق سبحانه ، ويشهدوا أنه الخالق دون سواه وأن غيره من الخلق مفتقر إليه عبد خاضع له لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكيف يعبد غير الله ؟ فبذلك يحصل التوحيد لله  ، عند ذلك يحقق الإنسان لنفسه العبودية التي من أجلها خلق .

قال تعالى :  خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون ، خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين , والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون , ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون , وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم , والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين , هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منة شراب ومنه شجر فيه تسيمون , ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات أن في ذلك لآية لقوم يتفكرون , وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون , وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون , وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منة حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون , وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون , وعلامات وبالنجم هم يهتدون , أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ,  وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم .

إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على التفكر فبا لجملة فأن كل الآيات التي تحث على التفكر  والاعتبار والاستبصار والنظر والسير والتذكر والتعقل الغرض منها ربط القلب البشري بالله  ليحصل بهذا استشعار عظمة الله الحق وقدرته ، وجبروته ، وهيمنته على أرجاء هذا الكون الفسيح ، وأن كل شيء في هذا الكون على اتساعه تحت تصرفه وحده بلا شريك ، فيحصل بذلك للمتفكر الخوف والخشية والافتقار إلى الله فلا يرجو غيره ولا يعبد غيره ، ولا يستعين بغيره ، ولا يستغيث بغيره ، ولا يطلب من غيره ولا يذل رقبته لغيره فيسهل على المتفكر طاعته وامتثال أمره في كل ما يأمره به ربه ورسول ربه ، فيحصل بذلك سعادة الدنيا ونعيم الآخرة .
وقفات للتفكر :

إن مما ينبغي أن يفكر فيه المسلم مستفيدا في كل لحظات حياته هو ما يعود به عليه التفكر من العظة والعبرة والعمل والحركة والتوجه الصحيح المؤدي إلى الفوز في الآخرة برضوان الله تعالى، 

ومن الأمثلة على ذلك : 

1-يفكر في قوة الحق وشرفه ،وما ينبغي تجاهه من اعتقاده ،والتزامه وذلك بالتفكر في (آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما والا هما وهذا الفكر يثمر لصاحبه المعرفة والمحبة فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر ذلك له الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا،وكل ما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجهد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت ،وهذه الأفكار تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد.

2-يفكر في ضعه الباطل وأهله وخستهم ،وما ينبغي تجاههم من بغضه ، وبغض أهله ، ومقاطعتهم والحذر منهم  .

3-يفكر في الطاعة ،وما يحصل لأهلها من الطمأنينة والسعة والتقوى والسعادة في الدنيا، وما أورثته هذه الطاعة من خشية الله،والخضوع له ،والذل له سبحانه وتعالى وما يحصل لهم بعد موتهم بإذن ربهم من دخول الجنة وحلول رضوان الله عليهم .

4-يفكر في المعصية ،وما يحصل لأهلها في الدنيا من عدم الطمأنينة وعدم الاستقرار وصفاء الفكر ،  وضيق النفس والحزن والكآبة ومما يحدو ببعضهم إلى الانتحار مع ما يترتب إلى ذلك من الخزي في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة .

5-يفكر في أسباب ضعف المسلمين اليوم حتى يكون حافزا له على الاهتمام بقضاياهم والعمل  على تغير واقعهم المرير بالسبل المشروعة من تقوية هذا الضعف بالدعوة إلى الله ،وذلك بتفكير جاد في العوامل التي تنهض بالأمة وتعيدها إلى ما كانت عليه  من عزة وقوة والله المستعان .

6-يفكر فيما يناسق إليه هواه هل يكون انسياقه مع الشهوات ونيل الملذات ورد الحق لأنه يخالف ما يهواه ؟ أم يكون هواه منساقا مع قوله عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ). 

7-يفكر فيما يعرض عليه فإن كان حقا بادر إليه واعتقده ،وإن كان باطلا رده فيحصل بهذا التفكر البعد عن الباطل والقرب من الحق .

8- يفكر في الدنيا والآخرة ويقارن بين هذا التفكير فيفكر في حقارة الدنيا وأنها لا تستحق الاحتفاء بها إلا بقدر ما يطيع الإنسان بها ربه وأن يجعلها قنطره يصل من خلالها إلى رضوان الله تعالى ويفكر في الآخرة وما فيها لمن أطاع الله حتى يتحرك لفعل الخيرات وترك المعاصي (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ).

9-يفكر في الأحداث فيما حوله من وقوع المصائب ومسبباتها،وحصول النعم ومسبباتها مما يحرك القلب إلى سلوك طريق حصول النعم ، وترك الطرق الموصلة للمصائب فيحصل النفع بإذن الله للنفس .

10- ومما ينبغي أن يقف عنده المسلم ويفكر فيه (الفكر في مصالح المعاد وفي طريق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها فهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار ويليها أربعة . فكر في مصالح الدنيا وطرق تحصيلها ، وفكر في مفاسد الدنيا وطرق الاحتراس منها، فعلى هذه الأقسام الثمانية دارت أفكار العقلاء ..) .

فبالجملة ينبغي أن يوجه المسلم طاقته الفكرية فيما يصلح دنياه وآخرته وأن يوجهها الوجه الصحيحة، وذلك أن القلب لا يخلو من الفكر فأصلح شيء أن يشغل فكره فيما يعود عليه بالنفع وأن لا يستجيب للشيطان في وساوسه وأفكاره ، فيحصل له الفساد بذلك . 

هذه المجالات التي إذا فكر فيها المسلم فإنها بإذن الله تعالى تجعله يعود إلى المسار الصحيح الذي  ينبغي أن يسلكه ليكون في حياته على استقامة ،وعلى وعي وبصيرة لما يصلح له ومالا يصلح له ، فيكون وهو في هذه الأرض قلبه وشعوره  وإحساسه  وخلجاته الداخلية تراقب الله سبحانه وتعالى في كل لحظة من لحظات حياته ،وتصبح أفكاره وخواطره كلها تراقب الله فبذلك يكون المسلم الفاعل الذي قد حرك فكره وقلبه فيما ينفعه فيخرج عن أهل الغفلة ممن عطل عقله عن التفكر وقلبه عن التبصر وسمعه عن السمع . 

قال تعالى ذاما لهؤلاء الذين عطلوا هذه الحواس عن تدبر هذه الآيات : ((و كأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون )).

قال تعالى ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل )  .

ولا تكن أيضا ممن عرض نفسه يوم القيامة للندم والحسرة :

(وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير (10)فاعترفوا بذنوبهم فسحقا لأصحاب السعير )  .

قال ابن عون (الفكرة تذهب الغفلة , وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النماء وما جليت القلوب بمثل الأحزان ، ولا استنارت بمثل الفكرة ).

وقال الحسن عن عامر بن عبد قيس قال : ( سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون إن ضياء الإيمان ونور الإيمان التفكر ) .

فيكفيك أخي المسلم أن يكون التفكر ضياء المسلم ونور له ،وذلك لأهمية القلب لأن في صلاحه صلاح الجسد كله كما أخبر بذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بقوله : (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ). 

على هذا يتضح مما سبق أن التفكر من العلوم التي ينبغي أن يعنى بها ، وأن توجه الوجهة الصحيحة المثمرة لسعادة العبد في الدنيا والآخرة ،وما ذلك إلا لشرفها لأن التفكر يوصلك إلى الحقيقة الإيمانية في الله سبحانه وتعالى عن طريق إمعان الفكر في آثار أفعاله من المخلوقات ، ليدرك المتفكر بذلك قدرة الله فيبعده ويوحده، إذا فعلى ذلك يجب إحياء هذه العبادة التي نسيها المسلم اليوم ،وانشغلوا بما هم فيه من ملاذ الدنيا والسعي وراء التحصيل الدنيوي الرخيص .

( فأنفع الدواء تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون مالا يعنيك ، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن انفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي تبتعد بها  ، أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك ، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك ، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك ، وإياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه ،ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك ...).

وقفات وتوجيهات في دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام في الحث على التفكر

من المعلوم أن رسل الله مأمورون من قبل الله بتبليغ ما أرسلوا به إلى خلقه من الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده بل شريك ، لذلك سلكوا مسلك عظيما ، وأسلوبا قويما في تقرير التوحيد لله الحق ،وذلك بربط المدعوين إلى التوحيد بالأدلة التفصيلية الحاثة على التفكر في صنع الله في هذا الوجود الكبير ليدركوا بهذا التفكر عظمة الخالق سبحانه لهذا الكون المستحق للعبادة وحده بلا شريك فبالنظر إلى دعوات الرسل وتوجيهاتهم لمن يدعونهم نجد هذا الأسلوب يتجلى واضحا .

فهذا نوح عليه الصلاة السلام سلك في دعوته لقومه طرقا عديدة محاولا أن يفتح بها قلوب و عقول قومه المغلقة على عبادة الأصنام فنجده يلفت نضر قومه المعاندين المستكبرين إلى قدرته سبحانه وتعالى في الخلق فهو يستحثهم على التفكير في خلق أنفسهم من تلك النطفة الحقيرة (مالكم لا ترجون لله وقارا (13 ) وقد خلقكم أطوارا) وإلى عظم خلق السموات .وما فيها من قمر وشمس تضيء لكم لمنافعكم ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا(15) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا) وذكرهم بخلق آدم عليه السلام ، وأنهم سوف يعودون بعد موتهم إلى التراب الذي خلقوا منه (والله أنبتكم من الأرض نباتا (17)ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) ثم لفت أنظارهم إلى الأرض التي يعيشون عليها ويستعملون ما فيه من الخيرات إن الله جعلها لكم مبسوطة ليسهل الاستفادة منها في معاشكم ( والله جعل لكم الأرض بساطا (19 ) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ) هذا الأسلوب من نوح عليه السلام نجده ينبه بتحريك عقول قومه للتفكر والتأمل والتدبر لهذه المخلوقات العظيمة لكي يدركوا بتفكرهم فيها عظمة الخالق العظيم لها حتى إذا ما أدركوا هذه العظمة وانكشف لهم سر القدرة الإلهية فيها تحول ذلك في قلوبهم إلى هيبة  وخشية وخوف فحصل بذلك توقيره وتوحيده وعبادته دون شريك كل ذلك بشرط أن يكو ن التفكر بعقل واع مجرد من الهوى والعصبية والاستكبار قال ابن كثير: ( وكل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السموات والأرض ونعمه عليهم مما جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية فهو الخالق الرازق جعل السماء بناء والأرض مهادا وأوسع على خلقه من رزقه ،فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد ولا يشرك به أحد لأنه لا نظير له ولا عديل له ولا ند له ولا كفؤا له ولا صاحبة له ولا ولد ولا وزير ولا مشير بل هو العلي الكبير ).

لكن بعد هذه الدعوة المشتملة على الأساليب المقنعة التي هي حجج واضحات على المعاندين لم يؤمنوا بهذا الرسول العظيم الكبير إلا نفر قليل،بعد ذلك طلب نوح من ربه أن يهلك قومه جزاء كفرهم وتكذيبهم.
قال تعالى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) وقال تعالى قال رب إن قومي كذبون (17) فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني من معي من المؤمنين ) فاستجاب الله لرسوله الكريم فأغرق قومه ، ونجاه هو ومن آمن معه .
قال تعالى مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) .

هكذا أغرقهم الله بذنوبهم وأهلكهم جزاء أفعالهم فإنهم لما تركوا تدبر دعوته عليه السلام وأقفلوا عقولهم عن التفكير فيها ولم يستدلوا بآياته على وحدانيته حصل لهم الكفر به سبحانه فكان الهلاك لهم فهو مصير الظالمين المكذبين بالمرسلين ، ونصر الله المؤمنين الذين استعملوا عقولهم وتفكروا في ما جاء به رسول ربهم فهداهم تفكرهم بإذن ربهم إلى أن الله هو المستحق للعبادة وأن ما جاء به الرسول حق وصدق وعدل ونور وهدى فكان إيمانهم بالله فحصل بذلك نجاتهم برحمة الله (وكان حقا علينا نصر المؤمنين ).

دعوة موسى عليه الصلاة السلام

يرسل الله موسى عليه السلام إلى طاغية متكبر جبار فيأمره أن يدعوه إلى التوحيد وعبادة الله بلا شريك .

قال تعالى وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عََلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل .

قابل فرعون هذه الدعوة بالتكذيب والرد والجحود والتشكيك  قال فمن ربكما ياموسى  

(أي الذي بعثك وأرسلك من هو فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري ). 

هنا نجد موسى عليه السلام يرد عليه بلفت نظره وفكره إلى أن ربه هو الذي خلق كل شيء فهو مليكه والمتصرف فيه ، وأنه هو الذي هدى كل مخلوق إلى ما خلق له قال تعالى  قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى  ( ). فأن هذا الطاغية كان يكفيه استشعار هذه الحقيقة العظيمة و الآية الواضحة البينة في إعطاء الله الخلائق كل ما تحتاجه ، وهدايتهم إلى الانتفاع كلاً على ما خلقه الله له فإن ذلك سوف يحدث في قلبه الخشية لله لأن هذه الحقيقة في إهداء كل شيء لما خلق له برهان ساطع ودليل قاطع على توحيد الله سبحانه وتعالى وقدرته على كل شيء ، وأنه المستحق للعبادة  وحده بلا شريك لكن لما لم ينتفع بهذا الدليل الواضح  قال فما بال القرون الأولى ؟ . 

[قد سبقونا إلى الإنكار والكفر والظلم والعناد ولنا فيهم أسوة فقال موسى عليه السلام  علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى  أي قد أحصى أعمالهم من خير وشر وكتبه في كتابه وهو اللوح المحفوظ ، وأحاط به  علماً وخيراً فلا يضل عن شيء منها ولا ينسى ما علمه منها]  لكن نجد هذا الاعتراض من فرعون لا يثني من عزيمة موسى عليه الصلاة السلام في إقامة الأدلة والبراهين التوحيدية على استحقاق الله للعبادة وحده لا شريك له ، وذلك بلفت انتباه فرعون إلى صنع الله في الوجود العظيم [فيعرض على آثار تدبير الله في الكون وآلائه على بني الإنسان فيختار بعض هذه الآثار المحيطة بفرعون ،المشهودة له في مصر ذات التربة الرخيصة والماء الموفور والزروع والأنعام ].

قال الله تعالى :  الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نباتا شتى (53)كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لأيات لأولي النهى .

فموسى عليه الصلاة والسلام يلفت نظره وعقله ليتدبر ويتفكر ويتأمل صنع الله في تمهيد الأرض ، وجعلها قرار ليحصل النفع بها وبما شق فيها من السبل لكي يستطيع الإنسان التحرك على وجهها لقضاء مصالحه .

كما لفت نظره إلى إنزال المطر من السماء ، وكيف إذا اختلط بالأرض يخرج به نباتات من أنواع مختلفة منها يأكله الإنسان وبعضه الأخر ترعاه الأنعام وكيف أخرج وكون سبحانه من ذلك المطر تلك الأنهار التي تشق الأرض تعبرها تسخيراً منه تعالى لعباده ليشكروه على نعمه ولكي يتفكروا في هذا الصنع البديع الذي لا يقدر عليه أحد حتى فرعون المدعي للربوبية إن في ذلك لأية لأصحاب العقول المتفكرة في هذا الصنع التي تستدل به على قدرة الإله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

ويواصل موسى عليه السلام دعوته لفرعون موجها عقله إلى أن الله هو خالق السموات والأرض والمشرق والمغرب وما بينهما ، كي يتواصل بهذا التعقل إلى التفكر في عظمة الخالق ومن  ثم يستدل على الحي الذي لا يموت .
((قال فرعون وما رب العالمين (23) قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين (24) قال لمن حواه ألا تستمعون (25) قال ربكم ورب آبائكم الأولين (26) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (27) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ))   .

فمع هذه البراهين الساطعة والأدلة القاطعة لذوي العقول المتفكرة الواعية والقلوب المتفتحة نجد فرعون الطاغية لا يؤمن ولا يلين قلبه ولا يخشع ، فعاقبه الله وقومه ممن اتبعه بالهلاك في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلو آل فرعون أشد العذاب).

هكذا مصير الطغاة المعطلين عقولهم عن التفكر والتأمل في ما جاء به رسولهم من البينات ،

والحجج الواضحات الدالة على وحدانية الله واستحقاقه للعبادة دون سواه وفي المقابل نرى حصول النجاة لمن تعقل وتفكر في أمر الرسول واستفاد من تفكره واستدل به على صدقه ومن ثم دله ذلك على استحقاق الله للعبادة وحده دون شريك .
يتبع إن شاء الله...


التفكر طريق الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

التفكر طريق الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفكر طريق الإيمان   التفكر طريق الإيمان Emptyالجمعة 15 نوفمبر - 23:55

 دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه 

لقد أرسل الله رسوله إبراهيم عليه السلام إلى قوم يعبدون الأصنام ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده بلا شريك وأمرهم بترك عبادة الأصنام ، وحذرهم بالتكذيب بما جاء به، قال تعالى وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (16) إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون ) .

نجد من خلال الآيات قيام إبراهيم  عليه السلام بدعوة قومه إلى عبادة الله ، وترك الشرك والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، وبين لهم أن المالك والرازق هو الله فهو الذي يستحق أن يعبد وحده ويطلب وحده ويشكر وحده ويسجد له وحده وأن المنقلب في الآخرة إليه وحده ، ولكن ما كان من إبراهيم عليه السلام ليترك دعوته هكذا بدون إقامة الدليل المقنع على صحتها كيف لا وقد أعطاه الله الحجة على قومه ،لذلك سلك عليه السلام في إقامة تلك الحجة على صحة ما جاء به مسلكا عظيما ومنهاجا قويما في إقناع قومه وذلك بحثهم على التفكر في عظيم صنع الله في الخلق كيف بدأ وفي الإعادة كيف تكون .( أولم يروا كيف يبدأ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ).

هذا التفكر في أصل النشأة حري لمن تدبره أن يعرف عجزه ، ويدرك قدرة الخالق على الإعادة هذا الإدراك هو طريق الهداية إلى استحقاق الله للعبادة و الخضوع والخشوع والتذلل والاستكانة له بلا شريك والاعتراف له سبحانه بالقدرة على بعث الخلائق  يوم القيامة ، إذ الإعادة كالبدء سواء بسواء .،لكن نجد أناسا قد أقفلوا عقولهم ، وأصموا قلوبهم عن تدبر آيات الله المثبوتة فلوا فتحوها لأبصروا كيف يبدئ الخلق .

(يرونه في النبتة النامية ، وفي البيضة والجنين . وفي كل ما لم يكن ثم يكون ، مما لا تملك قدرة البشر مجتمعين ومنفردين أن يخلقوه ، ويدعوا أنهو خالقوه ، وإن سر الحياة وحده لمعجز كان وما يزال معجز في معرفة منشئه وكيف جاء ودع عنك أن يجادله أحد أو يدعيه ولا تفسر له إلا أنه من صنع الله أن يبدئ الخلق في كل لحظة تحت أعين الناس وإدراكهم ، وهم يرون ولا يملكون الإنكار فإذا كانوا يرون إنشاء الخلق بأعينهم ، فالذي أنشأه يعيده (إن ذلك على الله يسير ).

وليس في خلق الله شيء عسير عليه تعالى ، ولكنه يقيس للبشر بمقاييسهم  فالإعادة أيسر من البدء في تقديرهم وإلا فالبدء كالإعادة والإعادة كالبدء بالمقياس إلى قدرة الله سبحانه وإنما توجه الإرادة وكلمة كن فيكون )، ثم يدعوهم عليه السلام أن يسيروا في الأرض سير متتبع صنع الله متدبر متفكر في عظيم ذلك الصنع ، وذلك الإنشاء العظيم ليدركوا قدرة الله على البدء والإعادة ليحصل لهم الإيمان قال تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف يبدأ الخلق  ثم اله ينشئ النشأة الأخرى إن الله على كل شيء قدير ) ولكن ما كان لقومه أن يستبصروا بدعوته وقوة بيانه ووضوح أسلوبه ، فكأن القوم ألغوا عقولهم لما عجزت عن استيعاب دعوته فلجئوا إلى القوة وما كانت قوتهم لتقف أم ام قوة الله سبحانه وتعالى ، فقال اقتلوه أو حرقوه ، ولكن الله نجاهم من نارهم فهو وحده ناصر الموحدين ومعين أصحاب الدعوات في العالمين .

وفي آية أخرى يبين إبراهيم عليه السلام فساد ما عليه قومه من عبادة الأصنام حيث سلك بهم مسلك الإقناع محاولا تحريك عقولهم الجامدة المتحجرة أن ما هم عليه هو عين الباطل فهو يسألهم ما هذه الأصنام التي أنتم عليها عاكفون تعبدونه من دون الله ، فهو عليه السلام لم يقل لهم أنه باطله ابتداء بل سلك مسلك سلك فيه عقوله ، كي يتفكروا في ما هم عليه هل هو حق أم باطل .

فقال لهم هذه الأصنام التي تعكفون على عبادتها هل تسمع حين تدونها أو تنفع أو تضر ، نجد هنا قد ألجمهم الحجة وبين لهم المحجة وأخرس ألسنتهم عن الجواب أن يقولوا أنها تسمع أن أنها تسمع أو أنها تنفع أو تضر فدل ذلك على بطلان عبادتها، ولكن القوم لأصنامهم محبون ولباطلهم مريدون فحادوا عن الجواب وتمسكوا بما كان عليه الآباء ولأجداد من الأفعال ، وهذا يوضح قمة تعطيل العقل عن التفكر والتدبر والتأمل في دعوته عليه السلام . عند ذلك تبرأ منهم عليه السلام, وأظهر عداوتهم ، وبين ولائه لله  تعالى ، قال تعالى موضحا ذلك : ( واتلوا عليهم نبأ إبراهيم (69) إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون (70) قالوا نعبد أصناما فنضل لها عاكفين (71) قال هل يسمعونكم إذ تدعون (72) أو ينفعونكم أو يضرون (73) قالوا بل وجدنا آبائنا كذالك يفعلون (74) قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون (75) أنتم وآبائكم الأقدمون (76) فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ).

بعد ذلك نجده عليه السلام ( أراد أن يضع أيديهم على الحقيقة الكبرى , فتدرج بهم في مسالك الحجة وسائل الإقناع واتخذ من المنطق السليم والحكمة معوانا له لبلوغ غايته المرجوة ولكن هيهات هيهات أن يصل المنطق السليم إلى قلوب صماء عمياء لا تسمع للحق صوتا ولا ترى للحق سبيلا ).

قال تعالى: ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آله إني آراك وقومك في ضلال مبين (74) وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين (75) فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل فال لا أحب الآفلين (76) فلما رأى القمر بآزغا قال هذا ربي فلما أفل قال لأن يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (77) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلة قال يقوم إني بريء مما تشركون (78) إني وجهة وهي للذي فطر السوات والأرض حنيفا وما أن من المشركين (79) وحاجه قومه قال أتحاجون في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كمل شيء علما أفلا تتذكرون (80) وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعقلون (81) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (82) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ) .

يتضح من خلال الآيات السابقة قيام إبراهيم عليه السلام بإقناع قومه بفساد عبادة لأصنام والكواكب والنجوم , حيث ناظرهم وأقام عليهم الحجة وبين لهم أن هذه الكواكب ليس لها من صفات الألوهية أدنى شيء فهي لا تستحق أن تعبد فهي مخلوقه مسخرة بأمر الله فهي تجري وفق ما سن لها خالقها ذلك فهي تغيب , والإله لا يصلح أن يغيب , فهو عليه السلام فعل ذلك ليقنعهم بالدليل العقلي أن هذه الأجرام العلوية ليس لها من صفات الألوهية ولا الربوبية شيء , ولكن قومه على عادتهم في التمادي في الباطل لم يحركوا العقول بالتفكر والتدبر والتأمل لكلامه ,بل على العكس أخذوا يحاجونه فرد عليهم (أتحاجوني في الله وقد هداني ) أي تجادلوننني في أمر الله وأنه لا إله إلا هو وقد بصرني وهداني إلى الحق وأنا على بينة منه فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة ) .

هكذا حاج إبراهيم قومه بحجة أبطلت الباطل ، وكشفت عواره وحق الحق ، ويواصل عليه السلام جاهدا في إقناع قومه محاولا إقامة الحجة عليهم بشتى الوسائل والأساليب فنجده يقوم بكسر أصنامهم وترك أكبرهم وما حصل بعد ذلك من حضور الناس لمشاهدة الانتقام منه عليه السلام وما دار من حوار بينه وبين قومه ، وكيف أراد الله أن يفضحهم ويقيم الحجة عليهم في صدق دعوة نبيه حينما سألوه من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال كبيرهم واسألوهم فلعلكم تجدون عنده الجواب فهو بهذا الفعل أقام عليهم الحجة ، إذ هم يعملون أن هذه الأصنام لا تتكلم ولا تسمع ولا تجيب أن سئلت فما دام هذا حالها ألا يستقيم في عقولكم ويستقر في قلوبكم أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا التقديس ، فهلا رجعتم عن عبادتها إلى عبادة خالقها .

هكذا أقام عليه السلام الحجة عليهم حيث استغل هذا الحضور من الناس ليعلن وبقوة فساد وبطلان الآلهة المزعومة . ولكن هل رأيت القوم لم ينتفعوا بذلك ، فكيف ينتفع بالموعظة والبيان والحجة من عطل عقله عن التفكر والتدبر والتأمل . يا لهم من قوم تعساء . يقول تعالى موضحاً ما حصل بين إبراهيم وقومه أحسن بيان . قال تعالى :  وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون , ولقد آتينا إبراهيم رشدة من قبل وكنا به عالمين , إذ قال لأبية وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون , قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين , قال لقد كنتم أنتم وآبائكم في ضلال مبين ,قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من الاعبين , قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين , وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين , فجعلنهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون , قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الضالمين , قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم , قالوا فاتوا على أعين الناس لعلهم يشهدون , قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم , قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون , فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون , ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون , قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعهم شيئا ولا يضركم , أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون  .
دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه 

قال تعالى : واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً ، إذا قال لأبيه لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا , يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا , يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمان عصيا ,يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا , قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً  .

في الآيات السابقة بيان لدعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه مستهلاً بيانه بأسلوب لطيف رقيق ، يا أبت يخاطب فيه معنى الأبوة عساه أن يترك عبادة الأصنام .  يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً  ، يبين له كيف تعبد يا أبت صنم لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ولا يستطيع أن يرد عنك أي شيء مما يحصل لك . فهو عليه السلام بهذا البيان يريد أن يصل بأبيه إلى قناعة عقلية فكرية تدعوه إلى ترك عبادة الأصنام إذ لو فكر أبوه بعقل واع وفكر مستبصر وتدبر وتأمل في كلام ولده النبي لأيقن أنه لا يصلح أن يعبد الإنسان وهو العاقل المبصر المتحرك من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني ولا يضر , إذاً يترجح في العقل المتجرد من الهوى والتقليد أن الإله لا يكون إلا قادراً مبصراً يسمع ضار نافع هذا الذي يستحق العبادة بلا شريك ، لكن أبوه قابل هذه الدعوة المقنعة بالإنكار لإرضاء هواه وحب أصنامه مهدداً النبي الكريم ابنه أن لم يكف عن هذا ليرجمنه .

هكذا عطل عقله عن التفكر والتدبر والتأمل ، فكان عاقبة ذلك ثبوته على الباطل ورجوعه عن الحق فيا تعاسة الغافلين يوم يلقون الله رب العالمين وهم يحملون الشرك في ألوهية أحكم الحاكمين .
 
إبراهيم عليه السلام يقيم الحجة على نمرود الطاغية 

قال تعالى :  ألم ترك إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين .

في الآيات بيان لما حصل بين خليل الرحمن ونمرود الطاغية من المحاجة إذ حاج الطاغية إبراهيم عليه السلام في وجود الله مكابرة وعناداً ، ولكن إبراهيم الذي أعطى الحجة نجدة يوجه هذا الطاغية إلى أن الله هو الذي يحيي ويميت ، وذلك بلفت عقله لكي يتفكر به وتدبر في قضية وظاهرة بينه يشاهدها في واقع حياته اليومية هي قضية الإحياء والإماتة , فكم من مولود يولد ، وكم من ميت يموت فيحمل ويدفن ، ظاهرة لو تأملها بعقل متفكر دلته على قدرة الله وعظمته ، ومن ثم جرته إلى توحيده وعبادته . ولكن الملك أعماه عن هذه الأدلة .

يقول ابن كثير – رحمه الله – تعالى عند قوله تعالى :  ربي الذي يحيي ويميت  أي إنما الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها وعدمها بعد وجودها وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها ، وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده بلا شريك له فعند ذلك قال المحاج وهو النمرود  أنا أحيي وأمين  قال قتاده ومحمد بن إسحاق والسدي وغير واحد ، وذلك أن أوتي بالرجلين قد استحقا القتل فأمر بقتل أحدهما فيقتل وأمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل فذلك معنى الإحياء والإماتة ، والظاهر والله أعلم أنه ما أرد هذا لأنه ليس جواباً لما قام إبراهيم ولا في معناه لأنه مانع لوجود الصانع ، وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عناداً ومكابرة ، ويوهم أنه فاعل لذلك ، وأنه هو الذي يحي ويميت كما اقتدى به فرعون في قوله :  ما علمت لكم من إله غيري  ولهذا قال له إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة :  فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب  ، أي إذا كنت كما تدعي من أنك تحي وتميت فالذي يحي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذراته وتسخير كواكبه وحركاته فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق فإن كنت إلهاً كما تدعي تحيي وتميت فأتب ها من المغرب فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام ، بهت أي أخرس فلا يتكلم ، وقامت عليه الحجة قال الله تعالى :  والله لا يهدي القوم الظالمين  . أي لا يلهمهم حجة ولا برهاناً ، بل حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب شديد ... ).

هكذا نجد وفي مجريات دعوة الخليل عليه السلام الأسلوب المقنع والحجة الدامغة الواضحة في تقرير التوحيد لرب العالمين في الآيات المشاهدة وفي الآفاق والأنفس .

هذه وقفات وتوجيهات مع بعض دعوات الرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام تبين لنا طريقتهم في تقرير عقيدة التوحيد وتربية أتباعهم عليها وتثبيتها في نفوسهم حتى يقيموا عليهم الحجة لكي يسلكوا المحجة فيكونوا من المفلحين الذين استنارت عقولهم بالحق فصلحت أفكارهم بوحي رب العالمين .

هكذا نجد أن دعوة كل رسول وعلى امتداد تاريخها الطويل تكون أول ما تكون دعوة إلى التوحيد والأمر بعبادة الله [ وحده لا شريك له ]، قال تعالى :  ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت  فبعد أن يقرروا التوحيد لله نجدهم يدعمونه بالأدلة والبراهين التي تثبته في قلوب المدعوين ، وذلك بدعوة قلوب وعقول المدعوين إلى التأمل والتفكر في هذا الكون المترامي الأطراف من سماء عالية وأرض منبسطة ونجوم تتلألأ وأشجار تثمر وشمس تشرق وقمر يضيء وجبال شاهقة بألوانها المختلفة وأنهار تجري إلى غير ذلك مما في هذا الكون العظيم الذي يدل على أن مدبراً يدبره ، وهذا المدبر هو الذي يستحق العبادة وحده لأن هذا الأسلوب في لفت أنظار وعقول المدعوين إلى تأمل هذا الكون ، وتقصي الحكمة في تصميمه يورث في قلب المتأمل والمتفكر بعقل واع هزة قلبية متأثرة بإدراك هذه العظمة في المخلوق فتنقله إلى تعظيم خالق هذا الوجود ، عندها نجد القلب يخشع ويخاف ويذل ويخبت ويتسلم إلى خالق هذا الكون فيحصل التوحيد له والعبادة له بإتباع الرسول  .

وهذا هو المطلوب من كل من تأمل مخلوقات الله وأمعن الفكر فيها لذلك نجد القرآن العظيم يتجلى فيه هذا الأسلوب العظيم فهو لا يتحدث عن حقيقة الألوهية مجردة بل نجده يربطها بالتدبر والتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى ( والمنهج القرآني يتجلى هذه الحقيقة بآثارها الفاعلة في هذا الوجود في الخلق والتدبير في تصريف هذا الكون وما فيه ومن فيه في تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم في إيلاج الليل في النهار وإيلاح النهار في الليل في إرسال الرياح لواقح ، وإنزال الماء من السماء في انبثاق الحياة من الموات ، وانبثاق الصبح من الظلام في إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي في بدء الخلق وإعادته في القبض والبسط في البعث والنشور في النعمة والنقمة في الجزاء والحساب في النعيم والثواب في كل حركة وفي كل انبثاقة وكل تغير وكل تحور في عالم الغيب أو في عالم الشهادة في هذا الوجود الكبير ونادراً ما يتحدث المنهج القرآني عن الذات الإلهية والصفات في الصورة التجريدية التي تتحدث بها الفلسفة واللاهوت وعلم الكلام ) .

هذا هو منهج القرآن وأسلوبه في تثبيت العقيدة في الله التي يقوم عليها أمر الدين كله فما أحسن منهج الله وما أحكمه وما أروعه ! حيث يصل بالقلب إلى عبوديته بلا شريك .

قال تعالى :  وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، إن في خلق السماوات واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون  .

ففي الآية الكريمة دعوة إلى اعتقاد أن الله هو الإله المتفرد بلا شريك ، وأنه إله العالمين المستحق للعبادة وحده .

ونجد أن في الآية التي تليها أدلة تفصيلية على هذا التوحيد ، فخلق السماء على اتساعها وما أودع فيها من نجوم وأفلاك وخلق الأرض وما أودع فيها من خيرات وما تقلب الليل والنهار والسفن التي تجري على ظهر البحر وما يحمل عليها من أنواع الخيرات تجوب البحار حاملة البضائع لمنافع العباد إلا دليل على عظمة الخالق ، وما إنزال المطر من السماء بتلك الطريقة العجيبة وما يكون بعد إنزاله من إنبات النباتات المختلفة والثمار المتنوعة إلا برهان ساطع على قدرة الله ، وما بث من أنواع الدواب الكثيرة المتنوعة على الأرض إلا دليل واضح على عظمة الخالق ، وما تصريف الرياح والسحاب الذي نراه بين السماء والأرض إلا آيات ، وأدلة وبراهين ساطعة وواضحة على خالقها وموجدها ومسخرها ومدبرها , آيات لمن تفكر فيها بعقل واع متأمل متجرد من الهوى يستدل ذلك المتفكر المتأمل على أن خالق ذلك هو الإله المستحق للعبادة دون شريك .

وكقوله تعالى :  يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقهم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ، الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون  .

ففي الآية دعوة الناس إلى عبادة إله واحد ، وأنه الرب المستحق للعبادة دون شريك بعدها توجههم إلى التدبر والتفكر في مخلوقات الله ، فهي توجههم إلى تدبر الإنسان وخلقته وكيف صورها وجعلها سميعة بصيرة متحركة مدركة .

ثم يوجه النظر للتفكر في كيفية جعل الأرض مفروشة مبسوطة لمنافع العباد وفي بناء السماء وفي إنزال المطر والتأمل في كيفية إخراج الزرع وأنواع الأشجار والثمار .

هذه أدلة ساطعة واضحة على التوحيد ، فالذي خلق هذه المخلوقات وسخرها كما يريد هو المستحق للعبادة دون شريك فكيف يجعل العبد المخلوق الضعيف مع الله أنداداً يعبدهم .؟ فإنه بهذه الفعلة يعبد من هو مخلوق ويترك عبادة خالق المخلوق .

هكذا نجد في القرآن بياناً لعقيدة التوحيد الصافية وتثبيتها بهذه الطريقة العظيمة في نفوس المدعوين .

فعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا هذا المسلك الحسن في الدعوة إلى الله ، وذلك بربط قلوب المدعوين بالله بتوجيه أنظارهم وأفكارهم إلى إبداع هذا الكون ، وما أودع الله فيه من أنواع المخلوقات العظيمة التي لا يحصيها إلا الله فهم بهذ المسلك وهذا المنهج يتبعون أمر الله ، ويقتدون برسل الله ، وهذا لا يعني الاقتصار على هذا المنهج بل لا بد من استخدام طرق الدعوة الأخرى من الحكمة والموعظة الحسنة ... ولكن الاهتمام بهذا الأسلوب والعناية به يكون أكثر لأن تحقيق الثمرة من الدعوة هو أن يستقر في قلب المدعو التوحيد بأدلته ، فبذلك يصل الداعية إلى تحقيق قناعة فكرية لدى المدعو لأنه حينما يوجه نظره إلى مخلوقات الله فإنه سوف يتأمل ويتفكر ويتدبر هذه المخلوقات فيصل من خلال تأمله إلى معرفة القدرة الإلهية ، فتنصب هذه المعرفة في القلب فتحدث له هزة تحركه ، ومن ثم تتوزع هذه الهزة على الجوارح فتحدث للمتفكر الخوف والخشية والإنابة والرجاء من العلي القدير وبذلك يضمن الداعية ثبات المدعو بإذن الله تعالى على التوحيد .

والله المستعان 
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،، 


التفكر طريق الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
التفكر طريق الإيمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدرس التاسع التفكر
» باب التفكر في عظيم مخلوقات اللَّه
» الأقصى طريق المسرى
» غبر قدميك طريق الدعوة شاق
» عوائق في طريق العبودية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: العـقـيـــــــــــدة الإســـــــلامـيـــــــــــــة :: كتابات في العقيدة-
انتقل الى: