منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 وقفة مع الجن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

وقفة مع الجن Empty
مُساهمةموضوع: وقفة مع الجن   وقفة مع الجن Emptyالخميس 13 ديسمبر 2012, 9:25 am

وقفة مع الجن Image010

وقفة مع الجن

لفضيلة الشيخ الدكتور:
محمد إسماعيل المقدم

إن موضوع مس الجان قد فشا وانتشر بين الناس، وغلا فيه البعض حتى تصدر لعلاج المرضى والمصروعين من ليس من أهل العلم والإيمان، فكان ضررهم أكثر من نفعهم، وأرادوا الخير فوقعوا في الشر، بل أصبح يدور بمخيلتهم أن كل مرض سببه المس.

وبالمقابل أنكر أقوامٌ الجن جملة وتفصيلاً، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، فالجن عالم له أثره الملموس، وقد يصيبون الإنسان بالمس لكن ليس بهذه الصورة التي يتخيلها كثير من الناس.


رسالة إلى المعالجين بالرقية

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


أما بعد:

فقد كثر الحديث منذ فترة ليست بالقصيرة عن قضية تسلط الجن وتلبسهم بالإنس، وكذا عن السحر والحسد وما إلى ذلك، وهي أمور واقعة لا شك فيها ولا سبيل لإنكارها، كما فعل ويفعل بعض المنسوبين إلى العلم ممن يدعون العقلانية في القديم والحديث، كما أنه قد كثر عدد المشتغلين والمهتمين بهذا الأمر ممن يسعون لعلاج الحالات الواقعة بالوسائل الشرعية المباحة، وهذا أمر حسن إذا تم الوفاء به، حتى لا يضطر الناس للذهاب إلى السحرة والدجالين والمشعوذين.

ولكن غير الحسن: أن تتسلط فكرة الجن على عقول وقلوب كثير من الناس، فإذا ما اشتكى إنسان أو أصيب بشيء من الأدواء صاح الناس على الفور: الجن!! العين!! السحر!!

وهذا بدوره قد أنشأ العديد من المشكلات غير اليسيرة، والتي يخشى منها، وقد يزداد الأمر سوءاً عندما يتدرج البعض في هذه الأحوال إلى أن يصبح الأمر بمثابة حرفة من الحرف، وشيئاً فشيئاً حتى يتدخل الشيطان -هذا إذا أحسنا الظن وقلنا: إنه لم يتدخل منذ البداية- فيعمل عمله في القلوب، وتتبدل النوايا، فكم من عورات كشفت، وأموال أخذت بالباطل، بل وأعراض هتكت أو كادت، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.

وهنا تظهر الآفات، والآفات تولّد آفات، والأمراض تنتج أمراضاً من المباهاة والسمعة، وإخلاف الوعد، والخداع، والجشع، والتحايل في كسب المال، ومهما خاب العلاج المزعوم ولم يأت بشيء، فالمخرج من الأمر سهل ميسور؛ فإن كان قد زعم من خلال ما يهذي به المريض أنه قد أخرج جنّياً أو أحرقه، فالمخرج موجود، هو وجوداً ثان وثالث ورابع ومائة...،

فإذا احترق الجني جاءت أمه ثم أبوه وأخوه، وهكذا الذي يخرج يأتي آخر بدلاً عنه، بل إن البعض قد يرغب في الاستكثار والتشبع بما لم يُعط، فيلجأ إلى بعض الكتب، ويتوسع في استخدام ما فيها من طرق للعلاج، وقد تكون من السحر الحرام!

وقد اعترف البعض بذلك، إذ يبدأ طريقة بالعلاج بالقرآن والأذكار، وبمرور الأيام -ومع قلة العلم الشرعي- يتوسع شيئاً فشيئاً في استخدام السحر والطلاسم؛ لأنه يرى أن هذه الأشياء من جنس النشرات والتعويذات التي قد تبدو مبهمة، وهي موجودة ومصرح بها في بعض كتب أهل العلم، فإلى الله المشتكى من هذا الصيد الخبيث باسم الدين، فالكل يصطاد ويتصيد، ولكن الشباك تختلف وتتنوع، إلا من رحم ربك!

توشك العين تغيظ والبحيرات تجف بعضها يصطاد بعضاً والشباك تختلف لا يجيء الباب رأساً لا يدور أو يلف والطبيب قد يعف والكبير لا يعف والإمام قد يسف والصغير لا يسف والثياب قد تصون والثياب قد تشف والبغي قد تداري سهمها وتلتحف والشتات لا يزال يأتلف ويختلف والخطيب لا يزال بالعقول يستخف والقلوب لا تزال للشمال تنحرف والصغير بات يدري كيف تؤكل الكتف لا تصانع يا صديقي بالحقيقة اعترف.

فإلى هؤلاء المعالجين نقول: يا قوم! اتقوا الله تعالى في أنفسكم، ولا تكونوا ذباب طمع، وفراش نار، اتقوا الله في أعراض الناس وأموالهم، اتقوا الله في دين الله المفترى عليه، واحذروا الحرام والبدع والشبهات، ولا تكونوا جُرآء على النار، ولا ينطبق عليكم قول الشاعر: طبيب يداوي الناس وهو سقيمُ!

وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281]، إن كنتم تريدون حقاً إخراج الشياطين، فتعاونوا جميعاً على إخراج شياطين الإنس من جسد هذه الأمة، أخرجوها بالعمل النافع، وبالعبادة الصالحة لله تبارك وتعالى، وبالدعوة الحكيمة، والعمل الدءوب إلى الله جل وعلا.

في عالم الأزياء موضات وصيحات وتقليعات، وكذلك في عالم الأفكار والدعوات تقليعات وصيحات وموضات! يفرضها علينا مرض الفراغ.


قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:

نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وهذه الظاهرة التي نريد أن نعرف إلى أين تمتد، ما كان لها أن تنتشر بهذه الصورة الوبائية لولا الفراغ والخواء الذي ملأ القلوب، فوجد الشيطان فيها أرضاً خصبة، فصال وجال، وبذر وزرع وحصد!

إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده وبعدما كان الجدل حول الجن والسحر والحسد من التخصصات الشائعة في جيل العجائز الأميّات والنساء الفارغات، بحيث كان من خصائص المجتمعات النسائية الجاهلة، وكان يستنكف الرجل من الخوض فيه ترفعاً عن خصائص النساء، تمكنت طائفة ممن يسمون بالمعالجين من تصديره إلى مجتمع الرجال، شباباً كانوا أو شيوخاً أو مراهقين، بل صِبية!

بل احتل أو بالأحرى اغتصب مساحة شاسعة من رقعة الدعوة إلى الله لتهدر طاقة بعض الدعاة -الذين هم صفوة الرجال- في هذا السعار المحموم، إما باقتحام هذا المجال كمعالجين، أو بالهجوم على المقتحمين، ولا أظن أنه أدل على هذه الحقيقة المؤلمة من تشوق الناس بكثرة للاطلاع حول هذا الموضوع.

إن موضوع السحر والمس وما يتعلق بالجن قد تسلط على العقول، واحتل القلوب بصورة مفزعة، فما أسرع ما تشير أصابع الاتهام إلى المس الجنّي بمجرد أن يعاني الإنسان من صداع أو ألم أو مشكلة نفسية عادية!

ولن يكون حديثنا حول القضايا المسلّم بها، كقضية إثبات وجود الجن مثلاً، أو إثبات الصرع والمس وحقيقة السحر والحسد، ولا حتى تلقين طائفة المعالجين مبادئ التعامل مع حالات الصرع والحسد والسحر، فلقد طُرقت هذه القضايا كثيراً، وأُشبعت بحثاً، وامتلأت رفوف المكتبات بالغث والسمين منها، ولكنها وقفة معالجة مع طائفة المعالجين الذين صار العلاج بفضل جهودهم مرضاً وبائياَ!

والذين تجاوزوا أحياناً حدود الله، وتلبسوا بحالات من الانحراف تحوجهم إلى من يأخذ بأيديهم أو يأخذ على أيديهم.ونُنبه إلى أننا لا نعمم الاتهام بهذه السلبيات التي نذكرها، فمن المعالجين قوم ذوو بصيرة وتقوى وعلم وورع، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، لكن كلامنا هنا موجه إلى فريق آخر خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فتورطوا في المخالفات، وسوف نتناول هذا انطلاقاً من منهج القرآن الكريم الذي فصل وفرق عند الكلام على اليهود: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ.. [آل عمران: 75] إلى آخر الآيات.

وكذلك كان الحال لما ذكر الله سبحانه وتعالى حال الأعراب فقد ميز بين الصادقين المخلصين وبين المنافقين الكاذبين، فنحن نقصد من المعالجين الفريق الذين تلبسوا بهذه الأدواء التي نذكرها لا غير.

بدايةً: نحن لا نختلف حول مبدأ التداوي، فقد جاء الإسلام بالعلاجات الشافية لكل الأمراض والأدواء، إما نصاً عليها وإما على سبيل الدلالة والإرشاد إليها، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما تداوى وأمر الناس بالتداوي، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل)، رواه مسلم.

وفي صحيح البخاري مرفوعاً: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)، وفي مسند الإمام أحمد وغيره من حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال: نعم عباد الله! تداووا؛ فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهَرَم)، يعني: الشيخوخة.

في هذا الواقع الذي نعيشه الآن، والذي أفرزه مرض الفراغ، احتار المريض بين طبيبه وشيخه، فالطبيب يجزم بكل ثقة أن هذه حالة نفسية علاجها الدواء، والشيخ المعالج يؤكد أن هذه حالة مس من الجن، وعلاجها الدعاء وطرد هذا الجان.

فالغرب وتلاميذه متمادون في علومهم المادية، ومنكرون لكل ما هو غيب، وأصبحوا يتحدثون في مراجعهم الطبية عن العين والسحر والحسد على أنها أوهام وأساطير قديمة قد ملأت رءوس العامة في المجتمعات البدائية، وقد تخطاها الإنسان المتطور، وأصبح الحديث عن هذه الأشياء يثير السخرية عندهم.

أما في بلاد الشرق فقد بالغ الناس في الحديث عن عالم الجن والسحر والحسد، حتى اختلطت الحقيقة بأضعافها من الخيالات والأوهام والحكايات، وعلق كل شيء في عقول العامة على الجن والسحر والحسد، حتى أن أحدهم إذا ذهب إلى الطبيب فإنه يذهب قبل ذلك وأثناء ذلك وبعد ذلك إلى معالج يخلصه من الجن أو السحر أو غيرهما، وأصبح هناك الكثيرون ممن يمارسون هذه الوظيفة إن صدق بعضهم كذب معظمهم؛ لذلك نحن بحاجة ماسة إلى إيضاح الصورة، وضبط الأمور، وتخليص الحقيقة من بين ركام الخيالات والأوهام بعون الله تبارك وتعالى وتوفيقه.


ما أنزل الله من داء إلا وله شفاء:

قال عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل).

فما من شيء من الأمراض إلا وقد خلق له الله سبحانه وتعالى ما يضاده، وبلا شك أن هذا المفهوم الذي يؤخذ من هذا الحديث يؤكد فكرة النوعية، وتخصيص العلاجات للأمراض المختلفة، أي: أن هناك أنواعاً من التخصصات في علاج الأمراض، فليست كل الأمراض تعالج بنفس الطريقة كما يفعل بعض المعالجين الشعبيين، حيث أنهم يعطون نفس المادة لعدة حالات مرضية، ويتبعون نفس الطريقة في علاج جميع الحالات، وهذا تعميم خاطئ دحضه الرسول صلى الله عليه وسلم بحديثه، حيث بين أن (لكل داء دواء)، يعني: مختص بدفعه.

وأيضاً: لما قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: (أرأيت رقىً نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال صلى الله عليه وسلم: هي من قدر الله)، فهذا يؤكد أن تقدير وقوع المرض والبلاء في نفس الإنسان أو جسمه ينبغي أن يواجه بأسباب هي أيضاً من قدر الله، فالمرض يقع بقضاء وقدر، وكذلك نحن نحارب القدر بالقدر، فندفع قضاء المرض بقضاء التداوي والعلاج المناسب المختص بهذا الدواء.

ولا نقاش أيضاً في لزوم الأخذ بالأسباب العادية المتاحة والأسباب الشرعية لمواجهة هذه الآفات، وهذا لا يقدح في التوكل، بل هو من التوكل، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعقلها وتوكل).

ولا شك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل داء دواء) فيه تقوية لنفس المريض قبل الطبيب، وفيه حث على الاجتهاد في محاولة اكتشاف أدواء الأمراض، فما من مرض إلا وله دواء إلا الشيخوخة والهرم كما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى الأمراض التي عجز الطب إلى الآن عن اكتشاف دواء حاسم لها كالسرطان والإيدز وغير ذلك، فنحن نوقن قطعاً أن لها دواء، ومن الخطأ أن نقول: ليس لها دواء؛ لأنه ما من داء إلا أنزل الله له دواء، لكننا لما نعلمه بعد، فمن اجتهد ويسر له الأمر فإنه يصل إلى علاج هذه الأمراض.

ولا شك أن المريض إذا تعلق بهذا الأمل الذي ورد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقوي نفسه، وكذلك الطبيب يجتهد في إصابة هذا الدواء والتفتيش عنه.


مسئولية الطبيب في المحافظة على النفس البشرية:

ابتداء: ننبه إلى أمر هام جداً وهو:

أن المحافظة على النفس من المقاصد العليا والأساسية للشريعة الإسلامية، فحفظ صحة الناس ونفوسهم ليس متروكاً للعبث، والشريعة لا يمكن أبداً أن تفتح الباب لكل من هب ودب أن يعبث بنفوس الناس وبجوارحهم وبأعضائهم بمثل هذه الصورة التي تحصل اليوم.

والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بتحري الحاذق من الأطباء، فقد ذكر مالك في موطئه عن زيد بن أسلم: (أن رجلاً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أصابه جرح، فاحتقن الجرح الدم، وإن الرجل دعا رجلين من بني أنمار فنظرا إليه، فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: أيكما أطب؟ -أي: أيكما أتقن للطب؟- فقال: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فقال: أنزل الدواء الذي أنزل الداء).

وروي عن عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مريض يعوده، فقال: أرسلوا إلى طبيب، فقال قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم، إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء).

فاطمئنوا ولا داعي لهذا الشعور الخفي الذي يجده كثير من الناس من التشكك في الطب، وفقد الثقة فيه، والنظر إليه نظرة احتقار وازدراء؛ فإن اللجوء إلى الطبيب في مجال تخصصه يعتبر من الأسباب العادية التي قد طولبنا بالأخذ بها إذا ألم بنا مرض أو داء.

ليس هذا فحسب! بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شدد في عقوبة من يتولى علاج الناس وليس له خبرة وعلم كافٍ، فلابد أن يأمن إيقاع الضرر بالآخرين نتيجة الأخطاء المهنية، بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم حمل هذا المتطبب دية الخطأ، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)، أي: فهو مسئول، ويعتبر جانياً إذا أتلف شيئاً من أعضاء المريض، ويؤاخذ به شرعاً.

إذا كنا نحن الآن وقبل الآن ننكر على الذين يعذبون الناس، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم أنهم يغدون في سخط الله ويروحون في غضب الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)، فإن كان هؤلاء من أهل النار، فما بالنا نتساهل مع أناس يمارسون أقبح أنواع الجنايات تحت اسم العلاج بالقرآن؟! وكأن كلمة (القرآن) ترس يتترسون خلفه، وحصن يتحصنون به ليستبيحوا إراقة دماء الناس وقتلهم جهلاً وظلماً وعدواناً.

إذا كنا ننكر على هؤلاء الذين يعذبون الناس فما بالنا نضفي الشرعية على هذه الأفعال؟! بل هذه الجرائم وهذه الجنايات التي ترتكب باسم العلاج بالقرآن؟!

وهل التستر وراء القرآن يشفع لهؤلاء الذين يرتكبون نفس الجريمة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن).


أهمية التثبت من المرض قبل العلاج:

يجب أن نبين أن الظهور العلمي، والاكتشافات المذهلة في مجال الطب والعلاج، والتقدم العجيب الذي حصل فعلاً في مجال الأمراض النفسية قد اغتر به كثير ممن تربوا على طب وثقافة الغرب، وانبهروا به انبهاراً كلياً، حتى إنهم اعتقدوا أن كل شيء في هذا الوجود قد أصبح لهم واضحاً، وأن ما كان يعتقده الأولون في الماضي من حالات تلبس الجن أصبحت الآن مفهومة من خلال عملية اللاشعور التي تقوم بوظيفة دفاعية من أجل مصلحة توازن المريض.

وأكثر الحالات إثارة للجدل هي حالات الهستيريا، وهي الحالات المسئولة عن هذا التشوش، فحالات الهستيريا هي نفس الحالات التي استغلها هؤلاء المعالجون الشعبيون لإثبات صحة عملهم وفاعليته، وهذه الحالات تصيب الشخصيات غير الناضجة انفعالياً، والقابلة للإيحاء في نفس الوقت، وعند عدم قدرة الطالب أو عدم رغبته مثلاً في إكمال دراسته، أو عدم تكيف زوجة في زواجها، أو نحو ذلك من الضغوط؛ فإنه يحدث نوع من الانشقاق في مستوى الوعي، فتحدث حالات الإغماء أو الصرع الهستيري.

أو يتصرف الشخص بالفعل كأنه شخص آخر، ليعبر عما لم يستطع التعبير عنه في حالاته العادية، وأحياناً يغير صوته، والأطباء يعرفون هذا جيداً، كأن يكون المريض مثقفاً، وكان قد قرأ، الذبحة الصدرية، أو يعرفها، فيستولي عليه الوهم حتى أنه ليأتي بكل أعراض الذبحة وما به من ذبحة، أو يأتي بأعراض الشلل وما به من شلل، كما حصل في أول حالة هستيريا عولجت، وقد حدثت هذه الحالة في زمان الإغريق، حيث شعر شاب بأنه مشلول، وأتي به إلى المعبد كي يتعالج من الشلل التام الذي ألم به، فقام أحد رهبانهم ومضلليهم واختطف حقيبة الشاب من يده بسرعة وولى هارباً، فما كان من هذا المريض الذي كان يدعي الشلل إلا أن لحق الراهب بسرعة وبدون شعور!

فأكثر حالات الهستيريا هي من حالات الالتباس التي أثرت على هؤلاء المعالجين، وسنوضح هذا الأمر إن شاء الله تعالى بالتفصيل.

والشخص المعالج قد يفعل أشياء تؤكد هذا الإيحاء الذاتي الموجود عند المريض بسلوكياته، ويكون هذا المريض قد امتلأ عقله وشحن بعشرات القصص عن موضوع الجن، وسمع عدة أشرطة، وقرأ عشرات الكتب، وسمع محاضرات وأحاديث أصدقائه، ومجالس الحوار وغير ذلك، هذا إن لم يكن قد حضر حالات الجن، فهو مهيأ أصلاً لإتقان الدور تماماً، ويحفظ السيناريو -كما يقولون- من الألف إلى الياء بمنتهى الإتقان.

فهؤلاء المعالجون الشعبيون يمارسون نوعاً من الإيحاءات للمريض، وقد يحدثون له نوعاً من الإيلام بالضرب إذا لزم الأمر، فيفيق من هذا الانشقاق الهروبي بسرعة، وينبهر بذلك العامة، وتزداد ثقتهم بهذا المعالج!

لكن نفس هذه الأعراض ما تلبث أن تعود من جديد عند أول ضغط نفسي أو اجتماعي؛ لأن المعالج لم يبحث عن السبب الحسي، وإنما عالج العرض الموجود فقط في جو من الغموض، بل ويحدث أن يتمادى المريض في أعراضه ويصورها بعد ما رأى وسمع من إيحاءات عن تلبس الجن، وتزداد الأمور تعقيداً، وهنا يعود أهل المريض إلى المعالج الذي يبتزهم تحت وهم تأثير الجن!

وقد أراد البعض منهم أن يوسع تأثيره على الناس، فسجل أشرطة تبين كيف يخرج الجن من المرضى، وانتشرت الأشرطة، وسببت فزعاً لكل من سمعها، وقد جاءوا زرافات ووحداناً! إلى هذا المعالج كي يعالجهم من تأثيرها، وكثير من الأخصائيين النفسانيين حينما سمعوا هذه الأشرطة -وهم من المسلمين المتقين الذين يؤمنون بلبس الجن- لم يشتبهوا لحظة في أن هذه حالات هستيريا، وليست في الحقيقة حالات مس شيطاني، وإنما تحدث هذه الهستيريا تحت إيحاءات هذا المعالج؛ لأن المعالج يرتكب أول خطأ عندما لا يتأكد ويتيقن من التشخيص، بل أول ما يبدأ بقراءة القرآن، ولذلك يحس هذا الشخص المريض بأنه مصروع، حتى ولو لم يكن كذلك.

فالخطأ من المعالج عندما يربط بين قراءة القرآن وبين اللبس مباشرة دون تأكد، فالمريض عندما يستشعر أن المعالج يقرأ عليه القرآن الكريم، حينئذٍ يترسخ عنده نفس هذا الوهم والإيحاء بأنه مصاب بالمس.


حقائق تتعلق بوجود الجن:

نظراً لكثير من هذه الممارسات المؤسفة في هذا المجال، فقد وجدنا انشقاقاً وحيرة عند هذا المريض بين الشيخ المعالج وبين الطبيب المعالج أيضاً، الأمر الذي أدى بمعظم الأطباء إلى أن يستنكروا ما يحدث، وامتد استنكارهم وبالغوا فيه حتى أنكروا حقائق ثابتة في القرآن والسنة لا يسوغ لمسلم أبداً أن ينكرها، وجاء هذا كرد فعل لهذا التخبط الذي حصل وعانى منه الناس، فهي حقائق في الأصل، لكنها أحيطت بأخطاء هؤلاء المشعوذين، وأحيطت بمبالغات العامة وأوهامهم.

الذي يجهله كثير من الناس، خاصة الذين أنفقوا عمرهم في التشبع من الثقافة الغربية المادية الملحدة: أن مس الجن أمر ثابت، وأن السحر والحسد حقيقة ثابتة، بغض النظر عن هذه المبالغات والمجازفات التي تصدر من جهلة الناس، والله تعالى يقول: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ [البقرة: 275].


قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:

أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حالة صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً.

وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: (لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ابن أبي العاص؟! قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما جاء بك؟ قلت: يا رسول الله! عرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي، قال: ذاك الشيطان، ادنه، فدنوت منه، فجلست على صدور قدميه، فضرب صدري بيده) يعني: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم صدر عثمان بيده، دون كسر عظم أو ضرب على الوجه، (وتفل في فمي، وقال: اخرج عدو الله، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: الحق بعملك)، رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.

وعند الشيخين من حديث صفية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، ولاشك أن الطب الغربي أو الطب المادي الملحد لا يعترف بحقيقة الشيطان، ولا بالروح، ولا بالله، ولا بالقرآن، بل يتعامل مع الأمور المحسوسة، فمِن ثَم خُدع من خدع من الأطباء بأن جارى المراجع الطبية في هذه المزلقة المهلكة والخطيرة.

وفي الجهة الأخرى بالغ مُدَّعو العلم بأسرار الجن في هذا الأمر، فادّعوا أن كل الأمراض هي مس من الجن أو هي تأثير سحر؛ ليستجدوا المرضى المساكين، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة الذين يلتمسون الشفاء في أي مكان، وبأية طريقة، وهكذا انتشرت من جديد على أيدي هؤلاء المعالجين العرافة والكهانة بصورة جديدة، ولكن في هذه المرة تختفي وراء لحية عمامة وقميص، ووراء ادعاء العلاج بالقرآن الكريم حتى يمارسوا هذا الدجل في حماية القرآن الكريم، وكي تزداد ثقة عند عامة الناس بهم.

إذاً: الصنف الأول بالغوا في استنكار ما يحدث، وفي إنكار تأثير الجن والسحر والحسد بالكلية، ولاذوا واعتصموا بمكتسبات الطب الهائلة التي هي بالفعل قد كشفت كثيراً من الغموض، واعتقد الكثيرون منهم أنهم عرفوا كل شيء حتى لم يغب شيء عن مجال البحث والتجربة الملموسة!

والواقع أن الأمر بخلاف ذلك، فما زالت أسباب كثير من الأمراض النفسية في مجال النظريات التي تتغير من وقت إلى آخر، وما زالت هناك أشياء في الطب شديدة الغموض، حيث تم وصف الكثير من مظاهر الأمراض، ولكن بقيت المسببات في حاجة إلى بحث طويل.

ونحن ندعو الفريقين سواء كان الأطباء المتأثرون بالمنهج الغربي، أو الغُلاة الذين غلوا في موضوع علاج الجن إلى أن يتخلى كل منهما عن موقفهما المتطرف؛ لتكون القضية واضحة وموضوعية، مع الاعتراف والالتزام والاعتقاد بما ورد من آيات وأحاديث صحيحة في هذا الشأن، دون تقليل أو تهويل.


عوامل رواج السحر والمس ومظاهرهما

توجد هناك الكثير من العوامل، نذكر منها:

فطرة حب الاستطلاع عند الإنسان:

توصل الباحثون في تاريخ البشر وفي نفس الإنسان إلى أن الإنسان عنده ولع شديد بمعرفة الغيب، يقول العلامة ابن خلدون رحمه الله: اعلم أن من خواص النفوس البشرية: التشوف إلى عواقب أمورهم، وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر، سيما الحوادث العامة، كمعرفة كم بقي من عمر الدنيا، ومعرفة مدد الدول أو تفاوتها، والتطلع إلى هذا الغيب طبيعة بشرية مركوزة في طبيعة الإنسان، مجبول عليها هؤلاء البشر، ولذلك يولعون بمعرفة ذلك عن أي طريقة، حتى عن طريق المنامات والرؤى، يريدون أن يعرفوا ويستكشفوا ما يأتي من هذا الغيب، أو ما يخفى عليهم من هذا الغيب.

وقد أتت الشرائع الإلهية متوافقة تماماً مع هذه الغريزة، وهي غريزة حب الاستطلاع، أو غريزة الفضول والتطلع إلى استكشاف الغيب المجهول، حيث جاءت الشرائع الإلهية متوافقة مع هذه الفطرة، فقامت بإشباع هذه الفطرة، فجاء في الوحي الإلهي وعلى ألسنة الرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام ما يشبع هذا النزعة في النفس البشرية، فحدثت الناس عن العوالم غير المنظورة التي سماها القرآن الكريم: عالم الغيب، حيث حدثهم ربهم سبحانه وتعالى عن نفسه، وعن أسمائه وصفاته وأفعاله، كما حدثهم عن عالم الملائكة، وحدثهم عن عالم الجن، وحدثهم طويلاً عن الموت، وعن سكرات الموت، وماذا يحدث بعد الموت، وماذا يحصل في القبر، وماذا يحصل في البعث والنشور، وكذا أحوال أهل الجنة وأهل النار، وأطلعهم على كثير من الحوادث التي ستقع على ظهر الأرض، وبالذات أشراط الساعة، كالمسيح الدجال، وغير ذلك من الأحداث التي تعلمون.


فهناك طاقتان فكريتان في كيان الإنسان:

الإيمان بما تدركه الحواس، والإيمان بما لا تدركه الحواس، فالإيمان بما تدركه الحواس اقتصرت عليه جاهلية العلم، ونعني بذلك: العلم الذي قال الله سبحانه وتعالى في أصحابه: لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم: 6-7]، فأبدل من العلم عدم العلم؛ ليدل على استوائهما؛ لأنه علم يقف عند الظواهر فقط دون أن ينفذ إلى ما وراءها من الحقائق.

أما العلم بالغيب الذي لا تدركه الحواس فقد أنكره العالم المادي، حيث أنكر الروح؛ لأنها لا تخضع لحاسة الذوق، ولا السمع، ولا الشم، ولا البصر، ولا اللمس، أما الإسلام فإنه يؤمن بالطاقات الإنسانية جميعاً، ويعطي كل طاقة ما يصلح لها من الغذاء، فالعالم المادي مبسوط أمام الإنسان يدركه بحواسه أو بواسطة الآلات، والمجال رحب ومفتوح للبحث والتنقيب واستكشاف ما يفيد هذا الإنسان.

أما عالم الغيب فقد أعطى الإسلام الإنسان غذاءً خصيباً في هذا المجال حينما أخبرنا عن الجن والشياطين، لكن قد اختلف حديث القرآن عن الجن عنه في حديثه عن الشياطين، فحينما حدثنا القرآن عن الشيطان فصل ووضح معالم الشيطان، ونفسيته، وأهدافه، ومراميه، وخطواته، ونوّع في الكلام تنويعاً كثيراً حتى نكاد نرى صورةً بارزة ومعالم واضحة مفصلة لهذا العدو المبين، بل كأننا نلمسه؛ لأن هذا -بلا شك- له دوره في حماية هذا الإنسان من كيد ذلك العدو المبين.

أما الجن فقد جاءت الإشارة إليهم مفصلة في سورة الجن، وجاءت مختصرة في مرور عابر في سورة الأحقاف، وفي قصة سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

وفي هذا فائدة، وهي: إشباع هذه الفطرة المغروزة فينا من حب استكشاف ما حولنا من العوالم الغيبية، وهذا مما يزيد مساحة العقيدة ويوسع رقعتها، ويلبي ميلاً فطرياً عند الإنسان إلى الإيمان بكائنات لا تدركها الحواس.

إن الحديث عن الجن في بدايته موضوع شيق وجذاب، له بريقه؛ لأنه يلمس هذا الوتر الحساس في نفس كل منا، فللموضوع لذة وجاذبية، ويحيطه الغموض الذي يغري باكتشافه، ويشكل عامل جذب نحوه، ويشبع غريزة حب الاستطلاع والتفتيش وراء المجهول، وقد شكل هذا الفضول سبباً رئيساً في انتشار ظاهرة العلاج الشعبي للمس الجني.

فهذا من أعظم الأسباب التي روجت لهذا الأمر، وجعلته على كل لسان؛ حيث أنه يشبع هذه الفطرة والغريزة المركوزة في كل واحد منا، وهي حب الفضول وتتبع مثل هذه الأخبار؛ ولأنها تشبع هذا الشعور الموجود في الإنسان، فكثير من الناس إزاء هذا الشعور وهذا الإشباع لا يسعهم إلا أن يغضوا الطرف عن التحري والتحقق والتثبت مما يسمعون؛ لأنه يوافق هذا الميل عندهم.


ترويج بعض الدعاة للموضوع من دون ضوابط:

هناك أناس مسئولون عن شيوع هذه الظاهرة، وفي مقدمتهم للأسف الشديد طائفة من الشيوخ والدعاة المشهورين، حيث رحبوا منذ البداية بهذا الموضوع، ونشروا قصصه بأنفسهم على المنابر، ونشروا تجاربهم الشخصية والقصص التي حكاها لهم الثقات على الملأ، دون أن يضعوا في اعتبارهم طبيعة هذه الجماهير التي يخاطبونها، وأن هذه الطبيعة قابلة للغلو في هذا الباب، فمن ثم فتحوا الباب دون أن يضعوا له ضوابط أو قيود، وهم إذ فتحوا هذا الباب، ولم يضعوا له ضوابط ولا قواعد، ولم يوجدوا في نفس الوقت نوعاً من الإشراف الجماعي أو الإشراف العلمي على هذا الأمر، فانتشرت التجارب وعمت الأخطاء الفردية.


اشتغال من قلت بضاعتهم من العلم والإيمان بالتأليف عن الجن:

من المسئولين عن شيوع هذه الظاهرة:

هؤلاء المعالجين الذين روجوا لهذا الأمر بصور شتى بين الشباب، فألفوا الكتب التي بلغب أكثر من (84) كتاباً -حسب إحصائية قام بها أحد الإخوة- وأنت حيثما حللت وأينما ذهبت في معارض الكتب فإنك تجد هناك قسم خاص بكتب الجن!

ولو حاولنا عمل إحصائية متكاملة فإننا سنذهل بالعدد الكبير من المؤلفات في هذا الباب، وهذا أحد العوامل التي أودت بنا إلى هذه الظاهرة الخطيرة، حيث تفصل هذه الكتب في دراسة أعراض هذا المس المزعوم وطرق علاجه؛ فتتكلم عن الجن، وأحواله، ونواميسه، وكيف تعتدي على البشر.


وكل مؤلف يقول لك:

هذه تجربتي الشخصية، والحالات التي تأتيني، وفعلت كذا، وعالجت كذا، ولله الحمد والمنة استطعنا إخراج الجن.

إلى غير ذلك مما نسمعه ونقرؤه.ليس هذا فحسب بل إن الشباب والأحداث والمراهقون خاضوا في هذا الأمر!

فتجد حديث المجالس عن الجن، ويقرءون الكتب التي تتحدث عن الجن، وأشرطة الكاست أغلبها عن الجن، وهناك حوار مع الجني المسلم كما يزعمون!

فالواحد منهم يظن أنه ما عليه إلا أنه يقرأ آيات من القرآن الكريم، فإذا ضحك المريض أو بكى أو اختنق أو تشنج؛ فإن هذا يعني أنه مصاب بالسحر أو بمس الجن، ويا حبذا لو تكلم فسرعان ما ينفعل المعالج مع هذا الجن، ويقوم بتسجيل المحاورة في أشرطة، ومن ثم يقوم بإذاعتها بين الناس.

وقد انتشرت الحكايات الكثيرة عما يحدث في جلسات العلاج، وهذا من أكبر أسباب انتشار هذا الأمر، ونحن نذكر هذه الأسباب؛ لأنها مهمة جداً في الوقاية من هذا الداء، ومحاربة هذه الظاهرة التي أصبح كل واحد منا مسئولاً عن مواجهتها وإخمادها والقضاء عليها؛ لما يترتب عليها من مخاطر جسيمة سنذكرها إن شاء الله تعالى حينما نتكلم في النهاية عن طرق الوقاية أو العلاج.


الصحف:

من المسئولين عن انتشار هذا الأمر وشيوعه:

بعض الصحف؛ لأن الصحف لا تعترف إلا بالتوزيع، حتى تمتلئ جيوب أصحاب الجرائد، ولا نستثني الصحف المسماة بالإسلامية، فإنها قد دخلت أيضاً في هذا الموضوع، ولعبت دوراً كبيراً في الترويج له، وفتحت الباب على مصراعيه لإشغال الرأي العام بهذا الموضوع، وفتحت الباب لاستغلال الدجالين والمدعين لهذا الأمر.

ويكفي لبيان المهزلة إعلان حزب من الأحزاب السياسية بخط عريض:

لعلاج فشل الخطوبة المتكرر، فهم يعزفون على الوتر الحساس عند الجهلة وقاصري العقول من الناس، ويغرون الناس بأن عندهم الحل لكل مشكلة.

إذاً: علينا أن نلقي هذا الطب -حسب اعتقادهم- في البحر؛ لأنهم يزعمون أن كل مرض سببه المس، بل إن هناك من يزعم بأن الجن يعمل عمليات جراحية! ويعالج العقم! ويعالج تكسير العظام! ويفعل كذا وكذا إلخ، وهناك أساطير وحكايات لا يعلم أين ستتوقف وكيف ستنتهي إلا الله سبحانه وتعالى.

فالحقيقة أن سلبيات هؤلاء المعالجين كانت سبباً رئيساً في تفاقم هذه الظاهرة، وفي كثرة هذه الحالات، وإلا فإن ظاهرة المس الجني موجودة في كل زمان، بل يوجد في كتب الطب النفسي بالذات صور لعملية الإحراق للمصروعين، حيث كانوا يعالجون حالات الصرع بالإحراق؛ حتى تخرج الأرواح الشريرة من المريض كما كانوا يقولون, وهذا يوجد منذ زمن بعيد جداً، حتى في كتب أهل الكتاب توجد حوادث تنسب إلى المسيح أنه عالج فيها المس الجني.


التهويل والإفراط:

ظاهرة المس الجني موجودة في كل زمان، لكنها كانت محصورة ومحدودة، وكذلك ظاهرة السحر والحسد، فإنه وقبل انتعاش الصحوة الإسلامية كان الناس يراعون أمور المروءة، وكان من أكبر العيب أن تسمع رجلاً يقول: عمل لي فلان عملاً؛ لأن هذه الكلمة لم تكن تصدر إلا من النساء الأميات القاصرات الجاهلات، وكان هذا يعتبر من خوارم المروءة، ولما كنت في الثانوية كان المدرس يقول لنا: ماذا تعمل في المسألة؟

نقول: نعمل عملاً، وكان الواحد منا يستحي من قول هذه الكلمة؛ لأنها لا تشيع إلا في حصص الرياضة، فنظراً لمشابهتها للألفاظ النسائية كان الإنسان يستحي من استعمال هذا التعبير، أما الآن فإن هذه الكلمة قد راجت حتى أنه لا يكاد يوجد حدود بين عقلية النساء التافهات القاصرات، وبين رجل ضخم البنية، كما قال تعالى: تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون: 4]، ثم تراه يقول: هذا عمل لي عملاً!


ويستعملون هذه الألفاظ التي ما شاعت إلا على ألسنة النساء، وليس كل النساء بل فقط الأميات الجاهلات.

بفضل هؤلاء المعالجين المزعومين انتقل موضوع الجن والسحر والحسد من الوسط النسائي إلى وسط الرجال، أو بتعبير أدق: إلى وسط الدعاة، ومن بعض الدعاة انتقل إلى الوسط الرجالي، واستوى الرجال مع النساء في الاستغراق والاندماج مع هذه الظاهرة الخطيرة.

فكل ما فعله هؤلاء المعالجون أنهم لم يعالجوا في الحقيقة، بل وسعوا رقعة هذا البلاء، ونشروا خبره، وسلطوا الأضواء عليه، ولفتوا أنظار الناس إليه، وفتحوا أبواب الشر على مصراعيها!

ولا زالت حالات المس والصرع الجني موجودة، لكنها في الحقيقة ليست بهذه الكثرة التي نراها اليوم، فكثير مما نرى أو نسمع عنه من الحالات -بل أغلبها في الحقيقة- ليست مساً جنياً، وليس لها علاقة بالصرع، وإن تكاثر المعالجون على الخطأ في تشخيصها، ومن ثم في علاجها.


وسوف أذكر دليلاً حياً عابراً على هذا الكلام:

أحد المشايخ المشهورين في السعودية وهو الشيخ: العمري كان له للأسف الشديد دور فعال في نشر الاهتمام بموضوع الجن، حتى أنه من شدة استغراقه في هذا المجال كان العلماء ينكرون عليه الإفراط في موضوع الجن، ثم دار الزمان دورته، وإذا به تُنشر له مقالة في إحدى الجرائد العالمية المشهورة بأنه ينكر تماماً الصرع الجني، ولا يعترف بشيء اسمه: صرعاً جنياً! وهذا بسبب غلوه وإفراطه في موضوع الجن، حيث جعله ينقلب إلى الجهة المقابلة، بعدما خاض فيما خاض، والآن بنفس اللسان ها هو يقول: إن هذا الصرع لا أصل له على الإطلاق! وينكر حقيقة الصرع الجني للإنس، مما اضطر العلماء هذه المرة أيضاً أن يردوا عليه ليردوه إلى الحال الوسط، وهو إثبات المس.


عدم التفريق بين المرض العضوي والنفسي وبين الصرع والمس:

بعض المرضى بمرض عضوي مزمن أو نفسي ييأسون من علاج حالاتهم، أو من قدرتهم على الخروج من المشكلات الاجتماعية، فإذا ما انتبه صاحب هذا الدافع إلى هذا الداء الجديد.. داء السحر واعتداء الجن؛ فسرعان ما يتعلق بالقشة، ويهديه تفكيره إلى أن سبب هذا المرض الذي يعاني منه هو من الجن أو السحر أو نحو ذلك، فيهرع إلى طلب العلاج.

هناك أمراض عضوية، وهناك أمراض نفسية، والمريض بالمرض النفسي قد يتأثر بما يقرأه ويسمعه حتى يقع فريسة الإيحاء الذاتي، فيقرأ عنه من باب الفضول وحب الاستطلاع خاصة النساء؛ لأن أصل كلمة هستيريا مأخوذة من كلمة (هسترا) يعني: الرحم، فكانوا فيما مضى يقصرون هذا المرض فقط على النساء، إلى أن اقتنعوا في العصر الحديث بأنه مرض يصيب الرجال والنساء، لكن نسبة النساء فيه أكثر.

الشاهد:

أن النساء لهن تأثر بهذا المجال أكثر من غيرهن، حيث يقرأن عن الجان، ونواميسه، وحركاته، وكيفية اعتدائه ومسه للإنسان، ويفصل مؤلف الكتاب، ويشرح أعراض المرض، وأسبابه، وطرق علاجه...


وأكبر خطأ يرتكبه المؤلفون:

أنهم يجعلون هذه المادة متوفرة ومتاحة لكل من شاء، ويسترسل المؤلف في ذكر أعراض قد تتشابه في كثير من الحالات مع أعراض الأمراض العضوية والنفسية؛ من صداع، وضيق الصدر، وارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه، أو مغص، أو غثيان، أو شبه غيبوبة، أو اضطراب عصبي، أو تشنجات إلى أو غير ذلك.

وهذه الأعراض قد تقابلنا في حياتنا اليومية نتيجة أسباب شتى ومشاكل اجتماعية يعانيها الإنسان، فإذا كانت المرأة أو الشخص الذي يقرأ هذا الكتاب يعاني من هذه المشكلات فسوف يقتنع في ضوء ما قرأه أن به مس من الجن، أو أن هذه المرأة وقعت في شرك السحر، في حين أن الحقيقة غير ذلك، خاصة وأن بعض المرضى النفسيين يكون عندهم ما يسمى بالميل للاضطهاد، وكثير من الشعب المصري عنده ميل إلى أن يبين أنه مظلوم، وأن بعض الناس يحسدوه، أو يتآمروا عليه، أو يعملون له سحراً، أو أن الجن يؤذونه... إلى غير ذلك من مظاهر الشكوى والتظلم؛ وإسقاط المشاكل على الآخرين.

فكثير من الحالات -التي هي في الأصل سالمة من الجن- عندها أعراض إما عضوية أو نفسية، وتجد أحدهم يتوغل في الوهم إلى أن يصبح الوهم في نظره حقيقة واقعة، وربما أدى به الأمر إلى أنه يتعرض لصرع الجن حقيقة؛ بسبب ذهابه إلى المعالجين، وهم الذين يجلبون له الجن، ويجنون عليه.


كثرة التخوف من الجن والمبالغة فيه:

من جراء انتشار هذا الكلام، والمبالغة في الحديث عنه من خلال الكتب والأشرطة والجرائد انتشرت الأوهام والوساوس، والخوف المرضي، والهلع، وتغلغل ذلك في قلوب كثير من الناس، حتى إنهم عظموا الجن، وخافوا ورهبوا منهم، وضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى، وتعلق الناس بالمخلوق الضعيف الذي يعتقدون أن عنده العلاج بدلاً من وثوقهم بالله سبحانه وتعالى، فصار فيهم شبه بمؤمني الجن الذين قالوا: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن: 6]، وهذا نفس ما حصل من هؤلاء المعالجين ومن هؤلاء المرضى، وقوله: (رهقاً) يعني: خطيئة وإثماً، قال القرطبي : المراد به ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، كان الرجل إذا نزل في وادي وأراد أن يبيت فيه يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه.

فيبيت في جواره حتى يصبح، أي: يتعوذ بملك الجن في هذه المنطقة من شر سفهاء قومه، فيبيت في جوار هذا السيد حتى يصبح.

قال مجاهد (( فَزَادُوهُمْ )) أي: أن الإنس زادوا الجن طغياناً بهذا التعوذ، والواو هنا -على هذا القول- تعود إلى الإنس، يعني: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ [الجن: 6]

أي: يتحصنون ويحتمون ويلتجئون، بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن: 6] يعني: فتسبب الإنس بفعلهم هذا في أن زادوا طغيان الجن، ونحن لا نعتب على الجن في هذه الحالة؛ لأنهم وجدوا أناساً عقولهم ضعيفة، فما بالهم لا يلعبون بهم وقد أتوا إليهم بأنفسهم، وأعطوهم من السلطان ما لم يكونوا يحلمون به؟!

ولماذا لا يصرعهم الجن في الحقيقة؟! حتى قالت الجن: سدنا الإنس والجن.وقال قتادة و أبو العالية و الربيع و ابن زيد : ازداد الإنس بهذا فرقاً وخوفاً من الجن، وقال سعيد بن جبير: فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن: 6] يعني: كفراً.

وقد فُتح باب من الشر والبلاء، وخُدش التوحيد، وانتشر السحر، والجدل، وإهمال الدعوة بسبب الانشغال بكل هذه الأشياء التي فتحت لنا أبواباً من الشر ما كنا نسمع عنها من قبل، ولولا أني لست من أنصار تفسير كل شيء بالتآمر العلماني واليهودي والصليبي والاستشراقي لقلت: لا يبعد أن يكون هذا من فعل أعداء الإسلام، فهم الذين شجعوا هذا الخط، لكن أنا لست من أنصار هذا المنهج، وقد حقق هؤلاء من حيث لا يدروا لأعداء دعوة التوحيد مكاسب عظيمة جداً، ولابد أن أعداء الإسلام سيشكرون لهم أن شغلوا الناس بهذه الأشياء، وصدوا الناس عن سبيل الله، وأوقعوهم في الشرك، وأحيوا كثيراً من الفتن التي نلمسها!!يقول الرازي في تفسير الآية: المعنى: أن رجال الإنس إنما استعاذوا بالجن خوفاً من أن يغشاهم الجن، ثم إنهم زادوا في ذلك الغشيان، فإنهم لما تعوذوا بهم ولم يتعوذوا بالله استذلوهم واجترءوا عليهم، فزادوهم ظلماً.

إذاً: الإنس هم الذين تسببوا في زيادة طغيان الجن، وكثير من هؤلاء الناس الذين يدّعون الصرع، ومن هؤلاء المسمين بالمعالجين، كان لهم دور كبير في إشاعة المس الوهمي والمس الحقيقي، (( فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ))، فاغتنم الشيطان حالة الرعب والفزع التي انتابت الناس بطريقة وبائية أكثر مما غنم من الطبع واللمس نفسه.

ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه فكان أن زادهم الشياطين رهقاً لما رأوهم قد ولعوا باللبس الجني، ونفخوا في الشيطان، حتى خافوه ونسوا قوله تبارك وتعالى: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء: 76].

بدلاً من الدعوة إلى التوحيد، وإلى تقوية الإيمان والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وأن يتلوا عليهم قوله تبارك وتعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 175]، وقوله تبارك وتعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء: 76].

بدل هذا كله؛ إذا بهم ينفخون ويعظمون الشيطان الذي أُمرنا بتحقيره وتصغيره، والصواب هو تحقيره وازدراؤه، كما روى الإمام أحمد: (إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر)، قوله: (ينضي) يعني: يأخذ بناصيته ويقهره ويذله، ألم يكن إبليس كما قال النبي عليه الصلاة السلام في حق ابن الخطاب: (ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غيره)؟!

بدل أن يوقدوا شعلة الإيمان واليقين في قلوب الناس، والتوكل على الله سبحانه وتعالى؛ حتى تحرق بنورها هؤلاء الشياطين، إذا بهم يجتهدون في إطفاء هذه الجذوة الإيمانية بتضخيم الشياطين، وأن الشياطين يفعلون ويفعلون! وهم بهذا الاعتقاد يضادون المنهج النبوي الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نحقر الشيطان، وكيف نتجنب الأشياء التي تنفخ هذا الشيطان وتعظمه، فعن رجل من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قال: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابتي، فقلت: تعس الشيطان، فقال: لا تقل: تعس الشيطان، ولكن قل: باسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب)، أي: لأنك إذا قلت: تعس الشيطان، كأنك تبين أن الشيطان قد بلغ منك مبلغاً حينما يكيدك وأنه يفعل بك ما يريد، وهذا مما ينافي سلوك أهل التوحيد.

فهؤلاء الذين يهزمهم الرعب والخوف هم مرضى من كثرة ما يسمعون، فهم يفزعون ويخافون، بل ويخيفون الأطفال، فإن الأطفال حينما يسمعون هذه الأشياء يخافون من النوم في الظلمة، ومن الجلوس في البيت بمفردهم، وهذا خوف مرضي، وهو خطر على نفسية الأطفال بلا شك.

فهؤلاء يهزمون أنفسهم بأنفسهم بسبب الرعب الذي يُدخلونه في قلوبهم من خوف الجان، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر: 50]، وينادي أولهم آخرهم: الجن.. الجن، السحر.. السحر، العين.. العين.


خطر انغماس بعض الدعاة في علاج المس:

إن ظاهرة انغماس المعالج في هذا الأمر ينتج عنها أشد الأضرار، وأول من يصطلي بنارها هو المعالج نفسه، فبمجرد أن يشاع أن فلاناً عالج حالة مرضية، إذا بالناس يتقاطرون على بيته ليل نهار، وإذا بطابور طويل من المرضى يتبعه من البيت إلى المسجد، ومن منزل إلى آخر، والنتيجة هي اضطراب شامل في نظام حياته، واستهلاك كامل لوقته، ولا أحد يعينه على الانتظام في عمله أو وظيفته أو دراسته، فيحدث عنده خلل على مستوى المسئوليات الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية أو الوظيفية أو الدعوية، فالذي كان داعية من قبل أصبح في وضع يقول له الناس: ألست أنت الذي كنت تنهانا عن الشعوذة ها أنت الآن تمارس ما كنت تسميه من قبل شعوذة؟!

وهو مستغرق تماماً في علاج هذه الحالات المزعومة، وبعد أن كان محتسباً إذا به يترقى درجة ليصبح محترفاً ومرتزقاً بهذا العمل، وقد يصل به الأمر إلى المغالاة في الأجور، والإلحاح في الطلب!

يتبع إن شاء الله...


وقفة مع الجن 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

وقفة مع الجن Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفة مع الجن   وقفة مع الجن Emptyالخميس 13 ديسمبر 2012, 9:37 am

أما المعالج نفسه فمن أخطر الآثار عليه:

أنه لو كانت الحالة ليست حالة مس، وإنما هي حالة وهم ومرض كاذب، فإنه قد يسلك مسالك تؤكد لهذا المريض الحالة التي عنده تماماً، ولا يبين له كما بين الطب الجسمي العضوي والطب النفسي، كأن تكون حالة أعصاب أو نوعاً من القلق أو الأرق، فقد يشتكي المريض من نفس الأعراض -وهو صادق في ذلك- لكن سببها هو سبب نفسي، وليس سبباً عضوياً، فهي حالة نفسية بطريقة معينه تؤثر وتوجد نفس الأعراض، وليس سببها هو الجن.

فهذا المعالج أحياناً يضرب هذا المريض، وقد يصل بالضرب إلى حد القتل! فيُصدم هو، وقد يصاب بالذهول، أو الجنون، وربما يؤثر على بيته؛ لأنه غالباً يهمل شئون أسرته فيتصدع بيته، وربما وصل الأمر مع زوجته إلى الطلاق، وإذا كان من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أو من طلبة العلم الشريف فلا شك أن هذه الوظائف الشريفة سوف تُطوى في عالم النسيان؛ لانغماسه في علاج هذه الحالات، وهو في الحقيقة ضرب من التخدير، وإلهاء الناس عن واقعهم وعن الطريقة الصحيحة للتعامل مع الشيطان، وهي: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر: 6].


فكم شغلت هذه الظاهرة دعاة عن الدعوة؟!

وكم حولت دعاة إلى مشعوذين وكهنة؟!


حتى أن بعض الناس يقول لأحد الإخوة: أنا بالأمس قابلت أخاً كاهناً! منذ متى أصبح الكاهن أخاً؟! ومنذ متى أُضيفت كلمة (أخ) إلى (كاهن) حتى يصبح أخاً وكاهناً؟! الله المستعان.


ومن الأمور الخطيرة جداً:

أن الشياطين أذكياء في إغواء الناس وإضلالهم، فالشيطان إذا رأى الناس قد التفوا حول شخص من هؤلاء المعالجين، فإن له طرقاً شتى يحاول أن يفتن بها هذا المعالج، كأن ينفخ فيه الغرور، حيث يكون هذا الشيطان متلبساً بشخص، فيقول له الناس: سوف نأتي لك بالشيخ فلان المعالج، فيقول: إلا فلان! لا تحضروا هذا الشيخ؛ فإنه سيحرقني، أنا سأهرب وأخرج من غير أن تأتوا به!!

والشيطان له هدف من وراء هذا الكلام، وهو نفخ المعالج، لكي يملأه بالغرور، حتى يتمادى في هذا الطريق المهلك؛ لأن الشيطان خبير في إغواء الناس وإضلالهم، فالشيطان يساعده في وظيفته دون أن يشعر هو، ويقع فريسة للشيطان دون أن يشعر، وكم سمعنا من هذه المواقف التي تماثل ما ذكرناه.

وقد انتشرت هذه الظاهرة المهلكة، ثم ينتج عن ذلك غلو في هذا المعالج، حتى ربما يعتقد الناس أن فيه سراً معيناً ليس موجوداً في غيره، فالناس يتزاحمون عليه ويشدون إليه الرحال من كل بلاد إليه ويضربون إليه أكباد السيارات حينما يسمعون ما ينشر عنه من حكايات غريبة، وكيف أن أكثر المصروعين تكلمت الشياطين على ألسنتهم أمام هذا القارئ، وأخذ العهد من الشيطان أنه لا يعود إلى ذلك المصروع، وهذا المعالج ينخدع بكلام هذا الجني الشيطان، وربما يكون المتكلم هو المريض نفسه حيث يتقمص شخصية الجني، ولكثرة ما سمع عن الجن فإنه يعيش نفس الدور بكل إتقان.

وهذا الكلام الذي يقوله الجن أو الشيطان إنما هو استدراج وفتنة له؛ كي يصرفه أكثر عن سبيل الله وعن الصراط المستقيم.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولما كانت الخوارق كثيراً ما تنقص بها درجة الرجل -أي: تنقص درجته في الولاية بسبب حصول الخوارق- كان كثير من الصالحين يتوبون من مثل ذلك ويستغفروا الله تعالى، كما يتوبوا من الذنوب كالسرقة وغيرها، وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها -يخشى من الكرامة؛ لأنها قد تنزل مرتبته- وكلهم يأمر المريد -أي: يأمر تلامذته- ألا يقف عند خوارق العادات، ولا يجعلها همه، ولا يتبجح بها، مع ظنهم أنها كانت كرامات، فكيف إذا كانت في الحقيقة من الشياطين؟!

فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر، ويقول: هنيئاً لك يا ولي الله، فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك -أي: أنه شيطان- وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير ونحوها، وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بذلك، فأنت تعرف أن هذا شيطان، وهو الذي يمدحك، فليس في الأمر أي اشتباه، وإذا كان أحد السلف يأتيه الرجل ويقول له: رأيتك في الجنة تطير! فيبكي ويقول: لعلها تكون من الشيطان يريد أن يغرني ويريد أن يذلني.


فلابد أن يكون الإنسان على حذر من الشيطان حتى اللحظة الأخيرة:

وقد روي في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه عند موته فوجئ ابنه بأنه يقول: لا بعد، لا بعد، فبعد ما أفاق قال له ابنه: يا أبت! قلت شيئاً غريباً! كنت تقول: لا بعد، لا بعد، قال: يا بني! هذا الشيطان عرض لي في ركن الحجرة، وهو يعض أنامله ويقول: فُتَّني يا أحمد -أي: سوف تموت وما استطعت أن أضلك- فكان يرد عليه الإمام أحمد: لا بعد، لا بعد، أي: ما دام فيَّ عرق ينبض فلا آمن الفتنة.

وهذا باب من أبواب الفتنة الخطيرة جداً، وأنت نفسك تعرف أن الشيطان هو الذي يقول: إلا المعالج فلان، انتبهوا! لا تأتوا لي بفلان، أنا سوف أخرج، لكن لا أريد أن يأتي ليحرقني... إلى آخر هذا الكلام الماكر، فهو شيطان، وأنت تعترف أنه شيطان، فكيف تقبل نصيحة شيطان رجيم؟! وكيف تغتر بكلامه وبمدحه إياك وهو يريد أن يغرك ويفتنك عن صراط الله المستقيم؟!

فهذا المعالج قد يتوهم أن الناس الذين ازدحموا على بابه من كل الآفاق إنما هو لقوة إيمانه، ويرى المرضى الكثيرون الذين يعافيهم الله سبحانه وتعالى على يده، وكيف أنه قهر الشياطين وقهر الجان، فأصبحت الشياطين تخاف منه وتخرج من المصروعين، فيتوهم أنه من الأولياء الأبرار، ويصيبه العجب الذي هو أخوف ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته.

وها هو عمر رضي الله تعالى عنه يخاف على أُبيّ رضي الله تعالى عنه من كثرة الأتباع والتلاميذ الذين يطئون عقبه، وهذا عمر رضي الله عنه يعزل خالد بن الوليد وهو في أوج انتصاراته وفتوحاته؛ خشية أن يفتن الناس بـخالد بن الوليد ويظنوا أن النصر يأتي من خالد بن الوليد، فإذا كان هذا في حق خير هذه الأمة التي أُخرجت للناس، فكيف في حق هؤلاء الضعفاء؟!

أما الأثر على المريض -ونعني به: المريض بغير الصرع، وعومل على أنه مصروع- من الضرب أو القتل الذي يحصل له إذا عولج بالقرآن الكريم وهو في الحقيقة ليس مصروعاً، فلا يحصل له شفاء في نظره، بل قد يحصل تشكيك لضعاف اليقين من هؤلاء المرضى في جدوى العلاج بالقرآن الكريم، وقد يصل أمر المريض إلى أن يفكر في الانتحار إذا أيس من العلاج.


تصحيح نظرة العوام للقرآن:

كثير من الناس يرى أن القرآن الكريم عبارة عن دواء يؤخذ للعلاج، هذا هو تصورهم للقرآن، وهذا هو المدخل الذي دخلوا منه للتعامل مع القرآن، فالقرآن في نظرهم ما هو إلا دواء، والمقصود منه أن يصل بالمريض إلى حالة الشفاء، وهذا اعتقاد غير صحيح، فينبغي التعامل مع القرآن على أنه كتاب الله سبحانه وتعالى، وأنه طريق السعادة في الدارين، ومنهج كامل للحياة، ولا يُنظر للقرآن على أنه فقط مجرد دواء لبعض الأمراض، بغض النظر عن أنه منهج شامل لحياته.

وينبغي ألا يكون التعامل مع القرآن الكريم من خلال التلاوة الذاتية التي يتعبد بها الإنسان بالتلاوة والصوت والحركات والحروف، أو من خلال تشغيل المسجل، وحتى الإخوة الملتزمون يكتفي بعضهم بسماع المسجل، ويقول أحدهم: أنا لا أقطع صلتي بالقرآن، بل أسمع إذاعة القرآن الكريم كثيراً.

صحيح أن هذا شيء طيب، لكن لا شك أن الأعظم والأجدى والأكثر ثواباً أن تقرأ وتتعبد الله بتلاوة القرآن، بحيث يخرج من قلبك ولسانك أنت، ومن الجفاء أن يغلب علينا الاهتمام بالقرآن عن طريق الأشرطة، أو الكمبيوتر.

ويحصل عند بعض المعالجين أن يصرف للمريض شريط تسجيل للقرآن الكريم فيه سورة البقرة وآيات محدودة معدودة، ويكون هذا كل ما يعالج به المريض من القرآن الكريم.وكثير من الناس إذا مرض لهم مريض -وقد لا يكون مصروعاً- يسارعون قائلين: ابحثوا عمن يرقيه! ابحثوا له عن معالج! هل من راق؟!

دون أن يكون هناك حافز على أن يرقي الإنسان نفسه، مع أن الأصل في العلاج أن كل إنسان يرقي نفسه، وإلا ما الذي وسع دائرة هذه الظاهرة؟! لماذا لا ترقي نفسك بالقرآن؟! هل من اللازم إيجاد وسائط؟! نحن لا نقول: إن الإنسان لا يجوز له أن يرقي غيره، لكن نقول: لماذا نحصرها في هذا الإطار الضيق؟!

لماذا لا يرقي الرجل زوجته بدل أن يحملها بنفسه إلى هؤلاء الناس؟! لماذا لا يرقي ولده؟ لم لابد من معالج اصطفيناه لهذه الوظيفة بالذات؟ لقد اصبح الجهد الوحيد والهدف الوحيد عند حصول حالة من هذه الحالات هو البحث عمن يقرأ عليه وكفى!

كأن الناس اعتقدوا أن هذا هو التصرف السليم، وتجاهلوا أن ربنا سبحانه وتعالى أقرب لأحدهم من حبل الوريد، فالقرآن موجود، والتحصينات القرآنية موجودة، والأدعية النبوية موجودة، فلماذا لا ترقي نفسك أنت؟ لم لابد من معالج كما يزعمون؟


بعض أخطاء المعالجين بالقرآن:

من أخطار المنهج الذي يتعامل به هؤلاء المعالجون مع هذه الحالات -وهذا يصدر عن حسن نية المعالج إن شاء الله- أنه يحاول أن يستثمر سلطة المرض في تحسين التزام هذا المريض بالإسلام، وهم يصيبون فعلاً حينما يقولون: هذا بسبب الذنوب والمعاصي، فيقول له مثلاً: الجني يأتي في البيت ويعاكسك بسبب وجود صور في البيت، أو فيه كلب، أو أنك تستمع الموسيقى، أو عندك تلفزيون أو فيديو...إلخ.

فعليك أن تتخلى عن هذه الأشياء؛ من أجل أن تحصن نفسك من الجن، ولكي تتحسن حالتك.

فكأن نظرته لطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ليست مبنية على أنه يجب عليه كمسلم أن يغير أسلوب حياته كله، وأن يلتزم بدين الله كله ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة: 208] بل كأن هذه حالة مؤقتة من الالتزام مرتبطة بالشفاء من المرض.

حكى لي أخ: أن رجلاً من هؤلاء الناس قالوا له: عندك صور في البيت؟ قال: نعم، قالوا: وموسيقى وتلفزيون؟ قال: نعم، قالوا: والنساء متبرجات؟ قال: نعم! فانتهى الأمر بالاتفاق معه على التخلص من هذه الأشياء لكي يُشفى هو أو زوجته من المرض، فتخلص منها، وطال عليه الأمر، ثم تحسنت الحالة، فإذا به يعود لهذه الأشياء مرة ثانية، فعادوا بالمريض للأخ المعالج، فقال له: أنت عدت إلى الصور وكذا وكذا؟ قال: نعم، فقال: لا يوجد علاج إلا أنك تترك هذه الأشياء.

وهذا المدخل جعل الالتزام بأنه علاج حالة، وهذا مدخل غير صحيح، وأما المدخل الصحيح فهو أن يكون الالتزام هو الأصل، وطاعة لله سبحانه وتعالى هي الأساس، وحتى لو قدر مرض فهو بلاء على المسلم، وينبغي أن يصبر عليه، وليس مجرد الالتزام عبارة عن آلة نستعملها مؤقتاً ثم نخلعها بعد ذلك إذا شُفيت الحالة!

وقد يكون المريض موهوماً، يتملكه التأكد من أنه مصروع وهو ليس كذلك، فما أن يُقرأ عليه القرآن إلا ويتأكد أنه فعلاً مصاب بالمس، وهو يحفظ الحوار؛ لأنه سمع الكثير من هذه الحوارات في الأشرطة وفي غير الأشرطة، فأول ما يقرأ عليه القارئ إلا وهو يتخيل السؤال: ما اسمك؟ فيجيب: أنا جرجر!

وهكذا يمثل الحوار، ويجيب على أسئلة المعالج، ويعيش الدور فعلاً بمنتهى الصدق، وبمنتهى الإتقان، مع أنه ليس فيه مس ولا شيء من هذا، وإنما لكثرة سماعه وتخيله، كما سندلل على ذلك إن شاء الله.


خطورة التعمق والاسترسال في علاج الصرع والمس:

لم أكن أود أن ننشغل بهذا الموضوع، لكن يبدو أننا محتاجون لوقت أكثر مع المعالجين وليس مع الجن! كثير من الناس يهابون التحدث في هذا الموضوع، وكثير من المعالجين يتحصنون وراء كلمة: (العلاج بالقرآن الكريم)، وإذا انتقدتهم قالوا: إذاً أنت تنكر أن القرآن شفاء!

وهذا نوع من الإرهاب والتخويف الذي يغطون به جرائمهم، ويقولون: أنت تنكر المس، وأهل السنة والجماعة يقرّون به، وتنكر السحر وهو مذكور في القرآن، وهذا كله مما يتحصنون وراءه لكي يستبيحوا ما يفعلونه من هذه المخالفات.

وإذا تجردنا من كثير من الضغوط التي تفرض علينا في هذه القضية، سنجد أن الجن عالم يكتنفه الغموض من كل جوانبه، ولا نستطيع أن نستوضح كل شيء إن نحن فتحنا هذا المجال؛ لأن الله سبحانه لم يخبرنا عن كل شيء في حياة الجن حتى نخرج من عالم الإنس إلى عالم الجن، وماذا يأكلون ويشربون ويلبسون!

فنحن بشر، وعلينا أن نتعامل كبشر، وأن نتفاعل مع الأحداث التي تمر بنا من مرض أو غيره حسب ما خوّلنا الله، ونتعامل مع المرض تعاملاً طبيعياً جداً، فالذي يمرض عليه أن يذهب للطبيب الأخصائي ويتعالج، وهو بذلك متوكل على الله سبحانه وتعالى، ويأخذ بالأسباب التي ندبنا إليها الشرع، أما أن نفتح باب الجن فهذه متاهات؛ لأن للجن عالم مجهول.. مجهول.. مجهول، وعالم غامض.. غامض.. غامض ليس له حدود، والإنسان إذا دخل فيه فإنه يضيع في متاهات ودروب ومسالك لا أول لها ولا آخر، بل عبارة عن حلقة مفرغة فقط.

حتى أن واحداً من أشهر معالجي الجن، وهو الشيخ العمري -سامحه الله- بعد ما دوّخ الدنيا كلها ونشر موضوع الجن وأشاعه وشجعه، وكان يحكي أشياء عن الجن، ومع ذلك ها هو الآن يأتي ويقول: كل هذا وهم ليس له حقيقة!

آلآن بعد ما أذاع وأشاع وروَّج هذا الضلال المبين يعالج بالضد من ذلك؟!

فهذا الموضوع كله مثل الدخان، كأنه حيرة وغموض وضباب وعدم وضوح، فهو فن لا تضبطه ضوابط نقلية محدودة وحازمة، والذين يكثرون الكلام في هذا المجال إنما يلتقطون أشياء من هنا وهناك، ويقولون: وجدنا كذا في الكتب والمراجع القديمة، وهي أشياء عجيبة غريبة، أو أشياء قالها علماء أفاضل، لكن كانت من باب الاجتهاد، ولا تقوم على دليل، فلماذا لا نرفضها؟! ولماذا ندس أنفسنا في كل هذه الأشياء وهي مما لم يقم عليه دليل بعد؟، ولاسيما السلفيين.

أين السلفية؟! أليست السلفية: اتباع كل شيء بالدليل؟! أليست السلفية تمحيص أقوال العلماء ورفض ما لم يقم عليه دليل؟! إذاً لماذا كثر هذا الأمر فينا ونحن كنا أولى الناس بالتنزه عن الغوص في هذا الوحل؟!

متاهات يهيم فيها الناس وراء من لا يعرفون من هم ولا كيف هم، أعراض غير محددة.. أعراض لمرض غير حاسمة.. أعراض تكتنفها الاحتمالات.. علاجات مخترعة بنفس الجو غير معروفة وغير محددة، وليس لها أول ولا آخر.


وأما من يضرب المصروع، نقول له:

من أين لك أنه صرعه جني؟ وما هو الدليل على أن هذا مصروع بالجن؟ وما هو الضمان قبل الشروع في الضرب أن هذا الضرب سوف يقع على الجني لا الإنسي؟ أين الضمان أنك لن تظلم هذا المريض المسكين؟!

وقد حصل في كثير من الحالات أن يخطئ هذا المعالج وينهال بضرب فظيع جداً على جسد المريض، وهو معتقد أنه يقع على الجني -كما قرأ في الكتب- ولا يقع على المريض، فيفاجأ بأن الجني غير موجود أو أنه قد هرب، ووقع الضرب على المريض، وأما كلام العلماء الذين قالوا هذا فكلامهم على العين والرأس، لكن أين الدليل عليه؟ وأين الضمان أنك حين تضرب هذا الشخص فإنك تضرب الجني الظالم ولا يقع الضرب على هذا الإنسان المظلوم؟!

هل تعذيب الناس والعدوان على أبدانهم بهذه الطريقة مباح لكل أحد؟! هل إزهاق أرواحهم كما يحصل كثيراَ أمر متروك هكذا؟! وهل يعفى عن المعالجين أن يفعلوا ما يشاءون؟! أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].

وهل تُرك الأمر سبهللاً دون ضوابط أو حدود؟ أين الضمان؟ نريد دليلاً يضمن لنا أن الضرب سيقع على الجني وليس على الإنسي؟

كثير من الحالات التي يزعم هؤلاء المتفوقون في علاج الجن أنهم يصيبون فيها إذا هم يخطئون فيها، وبالفعل يقع الضرب على الإنسي، ويصل أحياناً إلى إزهاق الروح بحسن نية هؤلاء القاصرين!

المصدر:
http://audio.islamweb.net

يتبع إن شاء الله...


وقفة مع الجن 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

وقفة مع الجن Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفة مع الجن   وقفة مع الجن Emptyالخميس 13 ديسمبر 2012, 9:49 am

وقفة مع الجن (2)

لفضيلة الشيخ الدكتور: محمد إسماعيل المقدم

عالم الجن من الغيب الذي يجب أن نؤمن به، ونؤمن أنه يمكن للجن أن تتلبس بالإنس، غير أنه يجب مراعاة أمور منها:

أنه ليس كل صرع هو مس، وأن المصاب بالمس يعالج نفسه أو يعالجه غيره دون غلو يفضي إلى التعلق بالقارئ دون المقروء، وعلى المعالج أن يتقي الله فلا يتخذ العلاج حرفة ومهنة، وأن يقف عند حدود الله تعالى وضوابطه الشرعية؛ حتى لا ينجر إلى هاوية المحرمات، ثم إلى البدع والشركيات.


مرض الصرع:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


أما بعد:


فالصرع قسمان
:

صرع عضوي، وله أسباب عضوية معروفة.


وصرع جني، أي: عن طريق الجن- وله أسباب معروفة أخرى، وقسم كبير جداً من الصرع يعبر عنه الأطباء بـ (الصرع المجهول السبب)، وهذا هو الذي يقع فيه المس الجني غالباً.


أما الصرع العضوي فقد عرفه الأطباء بأنه:

عبارة عن عاصفة كهربائية بسيطة أو قصيرة تحصل في الدائرة الكهربائية في الجهاز العصبي في جسم الإنسان.


فيقول الأطباء:

إن الصرع يشبه قفصاً كقفص العصافير، وفي داخله منبه مضبوط على ساعة معينة، وهذا القفص مقفل بالقفل، وليس مع أحد مفتاحه، فإذا حان الوقت المحدد يصدر صوت رنين الجرس، وليس هناك حل غير أنك تتركه حتى تنقضي هذه النوبة؛ لأن الصندوق عليه قفل، ولا تقدر أن تمد يدك لتسكت المنبه؛ فاستسلم للحالة تلك التي تأخذ دقيقتين أو ثلاث إلى أن تمرّ دون أن تتدخل أنت بأي شيء، فلا تتدخل في هذا المصروع كأن تضع شيئاً في فمه أو ما شابه من الأفعال لمحاولة إيقافه.

هذا هو المسلك الذي ينبغي أن نسلكه في حالة الصرع العضوي بناء على نصائح الأطباء، أما المسلك الذي يسلكه هؤلاء في الجهة الأخرى فهو: التدخل بالعلاج والرقية، فهذا طريق وله خطواته، وهذا طريق آخر وله خطواته.

وقد ذكر ابن القيم أن الصرع ينقسم إلى صرع عضوي أو صرع الأخلاط، وصرع الجن، ولم يحدد ابن القيم رحمه الله تعالى بشكل حاسم قواعد وضوابط تميز لنا كلاً من النوعين حتى نقطع ونجزم من أي نوع من النوعين هذا الصرع.

وإذا حصل تخبط في التشخيص فلا شك أنه سوف يحصل تخبط في العلاج، فلماذا لا نسلك الأسباب العادية في علاج حالة هذا المريض؟!


وبعض المعالجين يسأل:

هل تشنج المريض عندما ولد؟ هل تعرض لكذا وكذا؟ مع أن هذه حالات طبيعية، هل الطفل الرضيع إذا ارتفعت حرارته جداً وتشنج نقول: إن عليه جني، ثم نضربه لكي نخرج هذا الجني؟! من أين لهم هذا؟!

لماذا لا نقبل على الطب بثقة، ونعترف أنه علم مبني على قواعد وأصول وليس عبثاً، لماذا نتصرف في الجانب المقابل ونغوص في عالم كله غموض لا أول له ولا آخر، ولا قواعد تضبطه، ولا ملامح محدده تحكمه؟!

بل إن بعضهم إذا قرأ على المريض ولم يتكلم الجني على لسانه فإنه يقول: هذا فيه عين! هذا محسود! ونحو ذلك، وكأن بعض القراء المعالجين يشعرون في ذوات أنفسهم أنهم لا يقرءون على أي مصروع إلا ولا بد أن يرد عليهم الجني، أو يتكلم خوفاً منهم أو من القرآن الكريم، فما هو الدليل على لزوم هذه القاعدة التي يطبقونها في كل حالة؟

فالمصروع إذا قرئ عليه وخُوّف الجني الذي بداخله فقد يتكلم الجني ويخاف، وقد لا يتكلم ولا يخاف، فمن أين سنقطع بأنه ليس في المقروء عليه جني أو عين؟!

إن عالم الجن عالم غامض ليس له حدود، ولن نستطيع أن نقطع في مثل هذه الأشياء، ويجب أن نتذكر هذا الأمر أثناء هذه الدراسة, والأمثلة كلها تؤيد هذا المعنى، فالجن لهم عالمَ غامض جداً، كما قال تبارك وتعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27].


بدع وأخطاء المعالجين بالقرآن الكريم:

يجب أن نفرق بين العلاج بالرقى الشرعية المنضبطة، وبين السلوكيات المنحرفة لبعض المعالجين، ونكرر أيضاً لهؤلاء المعالجين: لا تستعملوا آيات الله سبحانه وتعالى درعاً وترساً تحتمون وراءه كي لا يعترض عليكم أحد فيما تفعلون من هذه المجازفات.


تنصيب المعالج نفسه للعلاج بالقرآن الكريم:


هذه ظاهرة جديدة وهي:

أن المعالج ينصب نفسه للمعالجة بالقرآن الكريم، كأن يفتح عيادة لاستقبال المرضى! مع أن السلف لم يعرفوا هذا، والحالات التي كانت تُعالج إنما تأتي اتفاقاً، مثل: أن يقابل المريض رجلاً من الصالحين فيدعو له أو يرقيه، وهذا لا بأس به، أما أن يفتتح مركزاً للعلاج بالقرآن، أو يعلن عن نفسه كمعالج بالقرآن، فهذا أول ما يؤخذ على المعالجين، حيث إنهم أحياناً يبادرون بأنفسهم بالتحري والتفتيش عن الحالات، فنقول للمعالج: من أين لك هذا؟ نريد دليلاً على هذه المسالك التي سلكتها؟!


الاستعانة بالجن وتصديقهم:

بعض المعالجين يبدأ بالطرق المشروعة عند العلاج بالقرآن أو بالرقى، وينتهي إلى طرق يُعلّمها إياه الجني!

في بداية الأمر كان موضوع الاستعانة بالجن غير وارد، وكانت هناك احتياطات؛ لأنهم لا زالوا متشبعين بمعاني دعوة التوحيد، وبالسلفية، فكان هناك حذر شديد، ولم يحدث أن أحداً طَرَق موضوع الاستعانة بالجن، لكن مع مرور الوقت أصبح شيئاً عادياً جداً، حتى أن بعض من تحصل بينه وبين آخر خصومة فإنه يقول له: سوف أؤذيك بالجن الذي معي!! ما هذا الهُراء؟! وما هذا البغي؟!

والجن يعلمونهم أشياء كثيرة جداً، ونريد أن نؤكد قاعدة مهمة جداً، وهي: كل معلومة تأتي عن طريق الجن لا يُوثق بها، والمصيبة التي استجلبت إلينا هذا البلاء هي تصديق كثير من المعالجين لكلام الجن، وقد كنا نعيب على الصوفية أشياء كثيرة، ونختلف معهم في مصادر التلقي، فمصادر التلقي عندهم هي الوجد والكشف والأذواق والمنامات وغير هذه الأشياء، ونحن الآن أصبح الكثير منا يشابه الصوفية، حيث أصبح الجن مصدراً لتلقي المعلومات، وأصبحت كثير من الأساليب التي يعالجون بها إنما مصدرها الجني الذي يستعين به المعالج على العلاج، فالجني هو الذي علمهم أن من أراد أن يكشف على المريض فإنه يمسك المصروع من رأسه -بجانب عينيه- بالسبابة والإبهام، فأول ما يمسكه فإنه يسقط على الأرض، ثم يبدأ بمخاطبة الجني إذا كان مصروعاً، فهذا الأسلوب مأخوذ من الجن.وأنا أتساءل: هل الجنّي يُقبل خبره يا سلفيون؟!

هل سمعتم واحداً من العلماء يأخذ حديثاً عن طريق الجن: حدثنا الجني فلان عن الجني فلان؟! وإذا كان هناك إنسيّاً تراه وتعرفه، لكنه ليس بضابط ولا عدل فهل تقبل خبره؟ فماذا عن الجني الذي لا تعرف من هو ولا كيف هو؟!

وإذا قال لك: أنا مسلم، فمن أين تثبت أنه مسلم؟ وكيف تصدقه؟ وما الدليل على صدقه في ذلك؟!

الجن يلعبون بنا، ويستخفون بعقولنا، ونحن الذين زدناهم رهقاً، وكما كنا ننتقد الصوفية من قبل، فالآن لهم أن ينتقدونا، حيث صار الجن عند بعضنا مصدراً من مصادر التلقي والتوجيه، ومع أنهم عالم غامض، وعالم غير مرئي، لكننا انشغلنا به واندمجنا معه، حتى وصل الحال إلى ما وصل إليه الآن.


استخدام الضرب المبرح:

استخدام البعض للضرب بالصورة التي تحصل يجعل الإنسان يتساءل: من أين لكم الضرب بهذه الطريقة؟ وما الدليل على مشروعية هذا الضرب المبرح الشنيع الذي تقومون به؟! لكنهم لم يجدوا سوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد عالج بالضرب.

نقول: شيخ الإسلام على الرأس والعين، وهو متربّع في القلب، لكن هل هذا دليل شرعي أيها السلفيون؟!

ثم إن شيخ الإسلام نسب إليه القول بفناء النار، فهل قال ذلك من كان قبله من السلفيين؟! هو إمام السلفيين في عصره ومن بعد عصره رحمه الله تعالى، لكن مع ذلك فقد مُحّص كلام شيخ الإسلام وحوكم في ضوء الأدلة من القرآن والسنة، فلربما كان وقوع هذا الضرب للجني لوجود البصيرة عند شيخ الإسلام ابن تيمية، فهل عندك بصيرة نافذة كبصيرة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؟!

وتمادى هؤلاء المعالجون -ومنهم جَهَلة قاصرون- فاعتبروا كل الأمراض من تلبس الجن، واعتبروا أنفع الوسائل هي الضرب المبرح أو الخنق أو الكي أو إيذاء المريض بحجة أنه يؤذي الجني المتلبس!

وقد حدثت مآسٍ كثيرة نسمع بها كل يوم، وقد حصلت بالفعل حالات قتل! نعم، ليس لها اسم سوى القتل، وسوى إزهاق النفس التي حرم الله سبحانه وتعالى بغير حق، فيا ويل هؤلاء القتلة من إثم هذا القتل وهذا الإجرام.

وقد أذيع في إذاعة الـ(BBC) أنه صدر حكم في محكمة بريطانية على رجل مسلم؛ لأنه قتل امرأة زعم أنه كان يريد أن يخرج منها الجن، وكم سمعنا عن امرأة ضربها هؤلاء المعالجون حتى ماتت، وشاب آخر مات تحت وطأة الضرب بحجة إخراج الجن!


والسؤال الهام الذي يفرض نفسه الآن:

من يستطيع أن يفرق بين الحالة التي يتلبس بها الجن، وبين الحالات المرضية الأخرى؟

وجواب هذا السؤال ليس بالأمر السهل، ولا بالأمر الهين.الدكتور محمد عبد الفتاح المهدي من الأطباء النفسيين الأفاضل، وهو رجل ملتزم بدينه، ويؤمن بالصرع، والمس الجني كله، لكنه رجل منضبط، يقول: ومن خلال عملي في مجال الطب النفسي رأيت مدعي إخراج الجن يعالجون حالات مرضية نفسية، وأحياناً عضوية معروفة أسبابها، ولها تسلسل منطقي صريح في حياة المريض، وليس فيها غموض من ناحية تلبس الجن -يعني: أن هناك أسباباً واضحة تدل على أنها أمراض عضوية أو نفسية- وهم مع ذلك يصرون على تلبسها بالجن، وهذه الحالات ساءت كثيراً بسبب ما بث في عقولها من خيالات، وصاروا يعانون، وأضيف لمرضهم أمراض نفسية شديدة؛ نظراً لخوفهم الشديد من هذه القوى الخفية التي تحاربهم، ونظراً للجو الأسطوري المخيف الذي يعيشونه عند هؤلاء المعالجين.


الوقوع في الشرك:

من سلبيات بعض هؤلاء المعالجين: أنه قد يعالج بكلمات محرمة، أو يقع في الشرك! فوا أسفاه على أمة التوحيد!!

ويا أسفا على من ينتسبون زوراً إلى السلفية وإلى الكتاب والسنة!!

أحد هؤلاء الغارقين في هذا الغلو وهذا الضلال وجدت ابنته في يوم من الأيام صليباً ذهبياً كان قد خبّأه في البيت!

والله أعلم ما سر وجود هذا الصليب في البيت، لكن هذا حدث، فالله أعلم ما وراء ذلك من لعب الجن وعبثهم بعقول الناس.


وهناك أمر مهم جداً:

وهو أن بعض المعالجين الحريصين على أن الحالة تشفى، كان يجرب كلام الجن الذي يقولوه له، ويأخذ أموراً من كتب الضلال والخزعبلات، ويمارس بعض الأشياء التي قد يكون فيها شرك، أو نوع من السحر، أو غير ذلك من الأشياء المحرمة قطعاً، ثم يجد أن هذا العلاج له أثر في علاج الحالة، فيزداد فتنة، ويظن أنه ما دام العلاج قد نفع فيجوز له أن يستخدمه!

نقول: هذا أمر محرم حتى لو انصرف الجني عن المصروع بهذا الكلام؛ لأن ما حرمه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام يكون الأصل تركه؛ إذ ضرره أكثر وأكبر من نفعه، فما دام أنه محرم فلا ينبغي أن يبحث عن علاج فيه، وحتى لو حصل الشفاء فلا يجوز تعاطي هذه الأشياء المحرمة، فالعبرة بالوسيلة وبالغاية، كالسارق الذي يريد أن يأكل، نعم حقق غرضه عن طريق السرقة، لكن هل معنى ذلك أن السرقة حلال له؟

الجواب: لا يحل له ذلك، كذلك الكذاب الذي يصل عن طريق الكذب إلى غرض يريد أن يحققه، فهل الكذب حلال له؟!

الجواب: لا يجوز له أن يكذب أصلاً، وكذلك الخائن، وهكذا.

فقد يتشبع المعالج بما لم يعط، فيفتش في بعض الكتب، ويتوسع في استخراج أنواع أخرى من الوصفات التي هي من جنس السحر الحرام، وقد ينخدع البعض ببعض هذه الكتب، وقد نسبت بعض الكتب إلى بعض العلماء ككتاب: الرحمة في الطب والحكمة، المنسوب زوراً إلى الإمام السيوطي، فإن بعض الناس نسبه إلى مهدي بن ابراهيم الطبيري ، وهو كتاب يحوي شركيات وضلالات وخزعبلات وطلاسم وجهالات، سماه بعض المشايخ: اللعنة في الطب والحكمة! نعم اللعنة وليس الرحمة، وسماه في موضع آخر: النقمة في الطب والحكمة!

ولا أريد أن أنقل هنا بعض النماذج من هذا الكلام البشع، والضلال المبين، والكفر الصراح البواح الذي في هذا الكتاب؛ فلا ينخدع أحد بوجود اسم عالم من العلماء زوراً على غلاف الكتاب، فيأتي ويأخذ منه بعض ما فيه، وقد اعترف بعض المعالجين أنه بالفعل استخدم ما في هذا الكتاب من وصفات منكرة.


استخدام أدوية وعقاقير طبية دون علم بالطب:

وهذا شيء مؤلم جداً: أن بعض المعالجين كان يلتقط المعلومات الطبية، ويختطف كتاباً طبياً من هنا، والمريض إذا أتى ومعه وصفات طبية أخذها ثم يحفظ أسماء الأدوية التي أعطاها الطبيب لذلك المريض، ويجمع الوصفات التي مع المرضى، ويحتفظ بقائمة من هذه الأدوية، وفيما بعد يريد أن يعالج وهو غير واثق بالذي يعمله، فماذا يفعل؟

يدس الدواء في الداء الذي يقرأ عليه، ويسقيه للمريض دون أن يعرف المريض، وهذا من أخطر العدوان؛ لأن هذه الأدوية في قمة الخطورة إذا استعملها أحد بغير وصف الطبيب المختص بالجرعة، حتى المريض نفسه مهما حصل عنده من تحولات صحية فلابد له في كل خطوة أن يرجع إلى الطبيب يسترشده في تعديل الجرعة؛ لما يترتب على ذلك من آثار خطيرة جداً إذا حصل خلل في هذا الموضوع بزيادة أو بنقص، فهذا المعالج بجهله يأخذ الدواء الذي التقطه من الورقة، ويذوبه من غير أن يشعر المريض، ويدسّه بطريقته الخاصة في مسحوق أو مشروب، ثم يعطيه للمريض.


استخدام بعض الحيل المحرمة:

لقد وصلت الخيانة ببعض هؤلاء -وأنا أقول: البعض وليس الكل- إلى أنه يأخذ المشروب أو الماء الذي يقرأ عليه القرآن بزعمه، ويضع فيه منوم ليعالج مريضه في خلوة!! فكان ما كان مما لست أذكره فَظُنْ شراً ولا تسأل عن الخبرِ ومهما خاب العلاج، ولم يستطع المريض أن يصل إلى الحل، فالمخرج والعذر للمعالج موجود وسهل وميسور، حيث يقول للمريض: الجني الذي كان عليك أنا قد أخرجته أو أحرقته، لكن هذا خرج وجاءت أمه، أو أخته، أو أخوه، أو أبوه! فكأن القبيلة كلها حضرت، وأصبحنا نسمع أن مريضاً عليه ألف عفريت أو مائة عفريت!! ما هذا الكلام؟!

ومن أقبح مسالك بعض هؤلاء المعالجين أيضاً: أنهم يذهبون إلى قصور الساسة والفنانين والممثلات أيضاً ليعالجوهم!!

وهذا مما نسمعه، وأظن أن هناك كتباً تكلمت عن هذا.ومن ضلالات بعضهم أنه لكي يروج ضلاله المبين يقول: أنا في اعتقادي أن نساء مصر كلهن ملبوسات! والله تعالى قال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36].

وهناك رجل يحمل نفس اسمي، وهو موجود في الزقازيق، وهذا الخبر عرفته أخيراً، واسترحت لأني عرفت سبب الإشاعات التي كانت تشاع عني، وهي: أن لي باعاً عظيماً جداً في موضوع علاج الجن، وهذا ليس بصحيح، فأنا في حياتي لم أتعامل مع حالة جن أبداً، لكن تشابهت الأسماء، فكان هذا هو السبب في إشاعة هذا الأمر عني، وقد ادعى هذا الشخص الذي يحمل نفس اسمي أن معه قرين الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا القرين يصحح له الأحاديث ويضعفها، وأنه يفعل ذلك، وهو يستفتيه ويدله على الفتاوى الصحيحة كي يقضي على الخلاف بين المسلمين، وأنه قال له: سل تُعطه! وما معنى قوله له: سل تُعطه؟!

إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (فلولا دعوة أخي سليمان لكان أطفال المدينة يلعبون به) يعني: الشيطان وذلك حينما أراد أن يقيده في السارية، فتذكر دعوة سليمان فأمسك عن هذا؛ لأن سليمان فقط هو الذي أُعطي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فهل أنت مثل سليمان حتى يأتيك هذا الشيطان ويقول لك: سل تُعطه؟!

بعض هؤلاء يزعم أنه يعالج بالقرآن الكريم، وهو لا يحسن قراءة القرآن الكريم، بل قيل لي: إن بعضهم لا يحسن قراءة الفاتحة، حتى أن أحد هؤلاء كان يريد أن يعالج حالة جن، فأخطأ عند قراءة القرآن؛ لأنه لا يعرف قراءة القرآن، فسخر منه الجني.


الاستجابة لطلبات الجن:

من المعالجين من يستجيب لطلبات الجن، كأن يقول له الجني: هات لي قماشاً لبنياً! أو طبقاً لبنياً! أو كوباً لبنياً!

وكل هذه التحكمات المعروفة من الجن إنما هي للتلاعب بالمعالجين عن طريق هذه الطلبات، وإذا استجاب المعالج لهذا فإنه يفتح باب شر وفساد عظيم.


التوسع في أساليب الرقى المحدثة:


من الأخطاء:


كتابة القرآن في الأواني؛ لكي يغسل المريض الإناء ويشرب الذي فيه، وهذه الأساليب محدثة، ولا ينبغي اللجوء إليها، بل الذي صح وثبت في القرآن والسنة: أن تأتي بالمريض وتقرأ عليه القرآن الكريم والرقى الشرعية، ثم تنفث عليه مباشرة، أما الأساليب التي أُحدثت فما سمعنا بهذا عن سلفنا الصالح، فما ينبغي تعميمها بهذه الطريقة كأنها دين يدان به، كأن يأتي بالماء ثم ينفث عليه، فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولم ينتشر إلا في العصور المتأخرة، فعن إبراهيم بن مهاجر: أن رجلاً كان يكتب القرآن فيسقيه، فقال: إني أرى أنه سيصيبه بلاء.

وعلى أي الأحوال: فإن المفروض على الإنسان أن يتجنب ما يخالف الكتاب والسنة، ولا يتعاطى إلا ما ثبتت مشروعيته.

وبعض المعالجين فتحوا أبواباً كثيرة في موضوع الرقى، حيث أدخل في الرقية ما ليس منها من البدع المحدثة والموروثات المخترعة التي لا أصل لها في كتاب ولا سنة، ولا هدي الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولكنها إلى الشعوذة ألصق وأقرب، حيث يجتمع الفئام من الناس في بعض المساجد، فيقرءون عليهم جميعاً قراءة واحدة؛ لأن الوقت لا يكفي بسبب كثرة الزبائن! فيجمعونهم في طابور طويل داخل المسجد، ثم يمسك بحبل أو ماسورة أو شيء من هذا، ثم يقرأ عليهم قراءة واحدة! والله المستعان.

وبعض الدجالين يتظاهرون بأنهم يعالجون بالقرآن، فيفتحون دكاكين لهذا الغرض ويخلطون الحق بالباطل، والدجال لا يكلفه الأمر إلا أنه يترك لحيته، ويضع شيئاً كالعمامة على رأسه، ويلبس القميص، ويكتب: معالج بالقرآن، ويوهم الناس أنه يعالج بالقرآن، ويستعمل الطلاسم أو السحر أو أي شيء من هذه الشرور، وما يدريك أن هذا الباب قد فُتح فعلاً للدجالين والمشعوذين لاختلاط أمرهم بالقراء!

ويحكي بعض الشيوخ أن أحد هؤلاء كان يأتي ببرميل مملوء بماء أو زيت ويقرأ عليه، ثم يقوم بتقليبه بعصا أو عرجون، ثم يوزع منه على هؤلاء المرضى!

شخص آخر يقوم بالقراءة على زجاجات الماء المعدنية وهي مغلقة من دون أن يفتحها؛ لعدم وجود وقت كافٍ للفتح!


وهذه الحيل كلها من التوسع الغريب الذي لا دليل عليه شرعاً.

ومن العجائب في هذا الأمر: أن أحد هؤلاء خاطب جنياً في إحدى حالات العلاج، فسأل الجني عن الأشياء التي يكرهها الجن، ونحن قررنا أن الجن ليسوا مصدراً صحيحاً لتلقي أي معلومات، فلا تأخذ من الجن أي معلومات؛ لأنك لا تعرف هل هو صادق أم كاذب، ولا تعرف من هو، ولا كيف هو، فخبره مشكوك فيه، فلما سأله ذكر له ما يعرف لدى العطارين بزبد البحر!

ولعل الجني كان يلعب به، وهل هناك شيء يسمى بهذا العطارين؟! فما كان من المعالج إلا أنه أحضر كمية من زبد البحر، وبدأ التجارة في زبد البحر! والمخبر بهذا من السعودية، وهو صاحب كتاب: النذير العريان، يقول: فكان يشتري الكيلو بأربعين ريالاً ليبيعه لمرضاه أو لضحاياه، الملعقة الواحدة بمائة ريال!!

ويزعم أن على المريض أن يمزج الزبد المذكور بالماء ثم يغتسل به، ويقول: حدثني أحد من حضر من المرضى أنه كان يقرأ عليهم جميعاً مرة واحدة بالميكرفون، ثم يمر عليهم واحداً واحداً ليتفل لكل واحد منهم في وعائه، ويستمر التفل لمدة ساعة تزيد أو تقل حسب العدد الموجود، وكل هذا بالقراءة الجماعية التي قرأها في الميكرفون!!


الخلاصة:

أن من أخطر مقاتل هذا الموضوع: أنه يفتح باب الشر على مصراعيه، ولجوا إليه ومارسوا الدجل والشعوذة والشرك تحت ستار: العلاج بالقرآن الكريم، فيكون هؤلاء المعالجون الملتزمون إلى حد ما بالعلاج الفعلي بالقرآن الكريم يساعدون أهل الباطل، كما قيل: كماسك الشاة من قرنيها لآخر كي يحلبها، حيث إنه يعطيه المبرر ويساعده كي يعيث في الأرض فساداً.


التوسع في طرق وأساليب غير شرعية للنشرة:

الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري أتى بكلمة أثناء بشرحه لبعض الأحاديث، فقال: وفيه مشروعية النشرة، وكثير من الناس يبدءون من حيث انتهى الشرع، فينظرون إلى الشرع أين انتهى، ومن ثم يأخذون الرخصة ثم ينطلقون منها إلى آفاق بعيدة، ويخرجون عن حدود الشرع، كما حصل التوسع في موضوع النشرة بحيث اتسع الخرق على الراقع، وتسربت البدع والخزعبلات إلى كتب أهل العلم تحت ستار النشرة المشروعة، وفتحت لنا أبواباً عجيبة من النشرة كما سنذكر في الأمثلة الآتية إن شاء الله تعالى.

والنشرة الثابتة في الشرع: هي اغتسال العائن لمن حسده بالتفصيل المعروف، أما أن يفتح باب النشرة لكل متردية ونطيحة وأكيلة السبع لتدخل وتمر تحت ستار مشروعية النشرة، فهذا تفريط خطير لا يمكن أن يُقبل بحال، حتى لو حكاه بعض أهل العلم؛ لأن أقوال العلماء صارت الآن -لاسيما في هذا الموضوع بالذات- قنطرة تعبر من عليها الخزعبلات بحجة النشرة الشرعية.


ومن ضمن هذه النشرات المبتدعة:

أن يطلب منك أن تأتي بحزمة من قضبان الحديد، وفأس ذي قطارين، ونار، وتضع الحزمة مع الفأس، ثم تسخنها، وتبول على النار.... ونحو هذا!!ما هذه النشرة؟! من أين لكم هذا؟ ولماذا حزمة القضبان بالذات؟! أما ينفع الزيت والقطران بدل القضبان؟!

وفي وسط ازدحام النشرات المزعومة تدخل نشرات تحمل جواز مرور عليه تأشيرة: مُجرَّب، أي: قد جُرّب فنفع! وهكذا تنبعث سُحب الدخان الأسود لتدخل علينا وصفة الذئب الأغبر، والديك الأبيض، والورد الأحمر!!

وما أروع كلمة قالها الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه إرشاد الفحول، وهي مهمة جداً، ولا بد من التنبه إليها، يقول رحمه الله: ويا لله العجب! من جري أقلام أهل العلم بمثل هذه الأقوال التي لا ترجع إلى عقل ولا نقل، ولا يوجد بينها وبين محل النزاع جامع، وإنما ذكرناها ليعتبر بها المعتبر، ويعلم أن القيل والقال قد يكون من أهل العلم في بعض الأحوال من جنس الهذيان، فيأخذ عند ذلك حذره من التقليد، ويبحث عن الأدلة التي هي شرع الله التي شرعها لعباده، فإنه لم يشرِّع لهم إلا ما في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

مع التحفظ من كلمة: الهذيان؛ لأنه لا ينبغي أن يقال هذا في حق العلماء حتى لو رفضنا كلامهم المخالف للأدلة.ومن هذه العلاجات ما يتم بقصيدة البردة للبوصيري ، فيتلونها كما يتلى القرآن! ويكتبونها في الآنية، ويشربون ماءها! وتنشر فيها القصص، فلان قرأها فخف مرضه... إلى آخر هذا الكلام الفارغ.

والباب مفتوح للأوراد المزعومة غير البردة من سيل الصوفية العرمرم، فمثلاً: يقول بعض المعالجين: بعد هذا الحزب يأتي حزب النصر للشاذلي ، وهو أيضاً على هامش الدلائل، وفيه هذه الصيغة: (حم) مكتوبة ثمان مرات، حم الأمر وجاء النصر، فعلينا لا ينصرون، (حم عسق حمايتنا مما نخاف)! وبعدها يأتي الحزب البحري: (يا ميسر كل عسير بحق أ ب ت ث هـ ل أ ي، انصرنا وسخّر لنا هذا البحر، وسخر لنا كل بحر، وبحر الدنيا وبحر الآخرة، كهيعص، كهيعص، حم عسق، انصرنا فإنك خير الناصرين، باسم الله بابنا، تبارك شيطاننا، ياسين سقفنا، كهيعص كفايتنا، حم عسق حمايتنا... ) إلى آخر هذه الأشياء المحرمة، وكل هذا دخل تحت قنطرة النشرة والرخص، وأقوال التقطوها لبعض العلماء فتوسعوا فيها، والمطية التي يركب عليها واحدة وهي: قد جرب ونفع!

ومن الملاحظ أن كل من فيه خير وعلم وورع فإنه لا يستمر في هذا الطريق، وهناك الكثير ممن أعرفهم بنفسي، غاصوا في هذا الأمر غوصاً عميقاً، وكانوا ممن يشار إليهم بالبنان، ولكن لأن فيهم خيراً انقطعوا وما استمروا، فأغلب من فيه خير وورع وعلم لا يستمر في هذا الطريق إذا ولجه، فقد تراجع الكثير من المعالجين في نهاية المطاف إلى العدل والوسطية، وانقطعوا تماماً عن الانخراط في سلك المعالجين؛ لما مسهم من لهيبه، ولفحهم من ناره، ومنهم الشيخ عبد الله بن مشرف العمري فقد تراجع وتاب، لكن للأسف أنه غلا ونفى الصرع الجني تماماً.


بناء العلاج على الوهم وغلبة الظن:

بعض الناس يحضر مجالس العلاج بالقرآن الكريم، ويرى حالات الصرع، ويسمع القصص المنتشرة عن أمراض المترددين أو المعالجين، فأصبح هذا الوهم يدب إلى نفوسهم وسط مشاكل الحياة الكثيرة، فبمجرد ما يصادف أحدهم في حياته مشكلة، سواء مشكلة زوجية، أو مشكلة اجتماعية، أو مشكلة في العمل، فسرعان ما يظن أن أحداً عمل له سحراً، أو أنه قد صرعه الجن!

وقد كنت قبل أيام عند أحدهم فسقطت المرآة وانكسرت، فقال لي: يوجد جني يعاكسني هنا في المحل! زعم هذا لأن المرآة وقعت وانكسرت، وهذا من الوهم المنتشر بين الناس، وكذلك بعض من تحصل مشكلة بينه وبين زوجته سرعان ما يجزم أن هناك من حسده بعينه، ومن سقط على الأرض وأصابه وجع، أو اشتكى من وجع في ظهره، أو حصل له نوع من الألم؛ سرعان ما ينسب هذا للجن، حتى أصبح كل شيء يُنسب إليهم.

لقد أصبح مرض الوهم يتسبب فهذا المرض -الذي هو مرض الوهم- هو الذي يتسبب في تصور الحالة حتى تصل إلى الإغماء والتشنجات التي يعبر عنها بالإيحاء الذاتي، أو تظهر نتيجة الخوف أعراض عضوية عادية جداً، لكن سببها هو الخوف أو القلق، وليس سببها الجن، وهكذا أكثر الحالات، وينبغي التنبه لهذا، فقد ترى المريض يتشنج ويصيبه الصرع، ويتكلم ويغير صوته، وهو الذي يدير المسرحية كلها في أغلب الحالات!

وهذه الحركات يصطنعها المريض بنفسه نتيجة لكثرة سماع هذه الأمور وتصورها، فأصبحت لديه خبرة وتمرس، وصار متقناً جداً لهذه التحولات، وقد يقول للمعالج: اعرض علي الإسلام، أنا أريد أن أعرف الإسلام، فيشرح له الإسلام، ثم يقول: أنا أسلمت، فيقول له المعالج: اخرج، فيقول: لا، أنا لا أقدر على فراقها، أنا أحبها ولا أريد أن أ خرج منها؛ لكي أحميها من الجن الآخرين!!

أوهام وقصص وسيناريو محفوظ، والمريض يسيطر عليه هذا الوهم، والمعالج نفسه يقوي هذا المسلك الهستيري، ويتصرف على أنها فعلاً حالة جن؛ لأنه طبعاً ليس عنده علم، فيظل يضرب ويقرأ بالساعات، وإذا عجز عن أن يخرج الجن كانت هذه إحدى حالات التحدي، والمريض نفسه يقول: لا أخرج!

فإذا عجز المعالج عن إخراجه فإنه يحضر شيخه وأستاذه وزملاءه، فيتوافدون عليه فوجاً بعد فوج، ويزداد اقتناع المريض أن حالته مس من الجن، ويزداد حماس المعالجين للقضاء على الأعراض التي تزيد يوماً بعد يوم، حتى يزعم البعض أنه قد ارتفع عدد الجان إلى ستمائة مارد، وكل مارد له قصة، فتزيد حيرة هذا المعالج، ويقول لك: أنا أحرقت الجن، ثم يقول المريض: أنا أصلاً من الجن المنظرين، ولو متُّ سوف أحيا مرة ثانية!

وآخر يُسلم ويطلب البقاء مع المرأة للدفاع عنها والتصدي لبقية أفراد الجن المشرك الذي يتوافدون عليها من كل حدب وصوب.


والعلاج الحقيقي هو إقناع هذا المريض بأنه أسير تفكيره، مثل دودة القز التي تنسج حول نفسها قبواً ضيقاً جداً، وتحصر نفسها فيه، والعالم كله في نظرها منحصر في هذا القبو الضيق!

كذلك هذا المريض هو الذي يحدث نفسه بهذا التفكير تماماً، وهو الذي صنع هذا الوهم وحاصر نفسه به، وقبر نفسه في ظلماته، ولا يرى العالم إلا في حدوده الضيقة، فينبغي أن يقنع المريض في هذه الحالة أنه أسير تفكيره، وأنه هو الذي دفع نفسه في هذا الوهم، ويُدعى ليحيا حياة طبيعية، ويؤكد له ذلك كما ذكرنا.

فالمريض يتخيل نفسه أنه ممسوس، ويتحدث بحديث الجان على لسانه، ويتمادى في الدور بناءً على المعلومات التي تشرّبها من مجالس الأصدقاء، وأشرطة التسجيل، وحكايات الناس، وقراءة الكتب والجرائد، ويحتاج الأمر إلى بعض التشنجات وحركات الجوارح التي يسببها اعتداء الجن في زعمه!

ويتأكد هذا الوهم بعد كل جلسة علاج؛ لأنه يزداد اقتناعاً بأنه ممسوس ومريض، ومع طول فترة العلاج يترسخ في مخيلته أن هذا الجان بالذات جان مارد خطير لا يقدر على إخراجه أحد، الأمر الذي يئول به إلى حالة من اليأس وفقدان الثقة، ويتمادى في صناعة الأفلام والتمثيليات!


ومما يزيد المسألة تعقيداً:

أن قراءة القرآن عليه وهو في هذه الحالة يظهر بسببها ما يعزز عنده هذا الوهم، ثم يقول في نفسه: لو أن الجني لم يكن موجوداً فلماذا قرأ الشيخ عليّ؟ لا بد أن يكون المس موجوداً فعلاً، فالشيخ عنده خبرة!

فهذه الحالة يجب أن يقنع صاحبها بالتخلي عن قناعته، مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في دفع هذا الوهم المسيطر، ولا يكون صاحبه معذوراً.

فمثلاً: لو أن رجلاً صار يسرق، ويباشر عملية السرقة وهو مصرّ بقلبه أنه ينفذ جريمة السرقة بتحريض مسيطر من الداخل، ولا يستطيع التخلي عن هذا التحريض!


فهل الحل أن نأتي بقارئ يقرأ عليه آية الكرسي حتى نمنعه من السرقة؟!

الجواب: لا، ليس هذا هو العلاج في هذه الحالة، بل لا بد من أن تقنعه بالعدول عن السرقة، فهو ليس مريضاً معذوراً، بل له إرادة، أو بتعبير أدق: هو مجرم أو سارق، فهل نعذره ونقول: هذا مسكين؟! أو هذا ضحية الجن؟

! وهل نقعد نرقيه أم نبين له أنه لابد أن يعدل عن السرقة، وأن السرقة حرام، ووزرها كذا، وعاقبتها كذا، ونرغبه في التوبة وفي ثوابها؟! فأنت تخاطب النفس اللوامة، والشيطان يخاطب النفس الأمارة بالسوء.


أمثلة لمرضى الوهم بالمس والسحر:


من الأمثلة التي يحكيها بعض هؤلاء المعالجين:

أن محامياً كانت له مشكلة مع زوجته تتعلق بالعلاقة الزوجية، فذهب إلى أحد الناس المشهورين ممن يدعي أنه من أولياء الله الصالحين والذين يعالجون وقد كشف عنه كما يزعمون، فقال له هذا الشخص: إنك ممسوس من أنثى من الجان، وإن الجنية تحبك وتعشقك، وأثناء ما كان الشيخ المعالج يحكي له هذا الكلام، ويقول له: إن الجنية هذه سوف تقوم بخنق زوجتك، في الحال بدأت علامات الاختناق تظهر على الزوجة، وكأنها ليست قادرة على التنفس، وتقول: هناك من يخنقني!!

ما معنى أنها ما اختنقت إلا لما سمعت هذا الكلام؟ لأن القناعة بدأت تتواجد نتيجة الخلفية القديمة عن الموضوع، ثم هي واثقة بالشيخ الذي يتكلم، فالشيخ يقول له: إن الجنية هي التي تكيدك، وهي التي تعمل على خنق زوجتك، وفوراً أحست الزوجة أن هناك شخصاً يخنقها.أيضاً يقول له: الجنية هذه تعمل لك كذا، والجنية تعمل لك التشنجات، ويبدأ الرجل يحس بالتشنجات، وأن هناك صوتاً يسمعه بأذنيه تهمس به الجنية العاشقة الولهانة.. إلى آخر هذه الأشياء.

إذاً: ما نشأ هذا إلا بعد ما سمع هذا الكلام، فهذا مما يعزز الوهم عند بعض المرضى.

ثم ذهب إلى طبيب نفسي، فبيّن له أن الموضوع ليس له أصل، وأن هذا الإيحاء من هذا الشيخ كذب، وسلك معه طريقة صحيحة وأقنعه فعلاً أن هذا الكلام لا أصل له، فزالت الحالة تماماً كأن لم يكن لها أثر.

يتبع إن شاء الله...


وقفة مع الجن 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

وقفة مع الجن Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفة مع الجن   وقفة مع الجن Emptyالخميس 13 ديسمبر 2012, 9:55 am

ومما يُحكى أيضاً وهو مثال قريب من سابقه:

أن زوجة شخص معالج مكثت وحدها في البيت، وبينما هي جالسة وحدها تفكر في هذا الموضوع الشيق العجيب في أحداثه، فتذكرت حالة من تلك الحالات، وهي أن جنياً عشق امرأة واعتدى عليها مرات، ومع قوة تخيلاتها توقعت أن هذا سيحصل معها، ثم قالت: ولم يحصل معي؟ فهي لوحدها، والجني يريد أن ينتقم من زوجها؛ لأن زوجها هو الذي يطرده من جسد المرضى، واسترسلت في هذا التفكير إلى أن اقتنعت أن فعلاً أنه حصل كذا وكذا وكذا، ودخلت هي وزوجها في قصة طويلة عريضة كلها مبنية على وهم وتخيل لا أصل له.

كما أن هناك مرضى يصدقون أنفسهم، وهم في ذلك ليسوا متعمدين للكذب، وهو أيضاً صادق لأن هذا يحدث عن طريق الوهم والإيحاء الذاتي والملابسات التي حوله، والخلفية الفكرية سابقاً، فيتهيأ له ما يجعله يعيش الدور، ويغير صوته ويتكلم، وهناك أناس لديهم مهارة في تقليد أصوات المطربين والفنانين، فما هي المشكلة؟! الرجل ممكن أن يأتي بصوت الطفل، أو عجوز... إلخ.

هذه ممكن أن تقع، ويمكن أن يكون هناك مس جني حقيقي، وأنا لا أنكر هذا لكن هذا وارد، فلو قلت له: غيّر صوتك كان هذا شيئاً مممكناً، وهو يعيش الدور تماماً، فيمكنه أن يغير صوته إلى صوت امرأة أو طفل أو غير ذلك، وهناك فرق بين الجني الحقيقي وبين هذا الذي يغير صوته.ويدور في فلك هؤلاء الموهمين أناس أصحاب حالات أخرى يتعمدون الكذب ويدعون المس والتلبس للخروج من مأزق معين.

مثلاً: جاءت امرأة لبعض المعالجين تدعي المس، هذه المرأة تهجر فراش زوجها، وتنشز عليه، وتنغص عليه حياته، وتقول: إن جنياً لبسها، وأنه يقول لها: لو استجبت لزوجك أفعل بك كذا، وأنه ليس هناك حل غير الطلاق، ولابد أن تطلقي منه... إلخ.

فبعد فترة من العلاج الذي لم يجد نفعاً ولم يأت بأية نتيجة اعترفت للمعالج بالحقيقة وأنه ليس فيها مس، وأنها لجأت إلى هذه الدعوى للتخلص من زوجها كي تجبره على طلاقها؛ لأن زوجها شحيح بخيل، وكان مما قالت: تحولت حياتنا بسبب الشح إلى جحيم، هل رأيت رجلاً يراقب مقدار الجبن في الثلاجة؟! ويقيس زجاجة الزيت بالمسطرة ليعرف كم من الزيت استعملت؟! وهذا الوضع لا يُصبر عليه.

تقول هذه المرأة: لست مجنونة ولا مسحورة ولا ممسوسة، لقد أقدمت على ذلك لأتخلص من هذا الجحيم، ولييئس من حالي فيطلقني.

وكان المعالج في البداية تعامل معها ولم يقدر أن يميز حالتها، معنى هذا أنه حتى الذي عنده خبرة تلتبس عليه الأمور، حتى إنه ليضرب، وبعد فترات طويلة يجد أنه ليس هناك نتيجة، ما معنى هذا الكلام؟! وكلكم يقول: لدينا خبرة، وتؤلفون الكتب، وتردون على بعض، وتشتمون المشعوذين، حتى أنتم يخفى عليكم هذه الأشياء!

إذاً: نعود إلى مكمن الغموض وهو أنه لا توجد علامات محددة ولا حدود واضحة يقف عندها كل طرف.


ومن المشاهدات في المجتمع قضايا عدة، مثلاً:-

فتاة مثلاً تُكرَه على الزواج من شخص تكرهه، ولا تستطيع أن تصارح أهلها بأنها لا تريد الزواج منه، فينصحها نساء ماكرات بادعاء كونها ممسوسة، وأن الجني يطالبها بالطلاق وإلا فإنه سوف يقتلها.

امرأة متزوجة تتفق مع عشيقها على أن تدعي المس، وأن الجني يطالبها بالطلاق، وإذا مسها زوجها فسوف يحصل كذا وكذا.

شاب يؤتى به ليُعالج من مس الجن، فيقرأ عليه فيظهر الجني قائلاً: أنا سلمان بن أبي سليمان، وفجأة ظهر جني آخر، فسأله: ما اسمك؟ فأجاب: أنا جرجر، قال له: أنت نصراني أم يهودي؟ فأجاب الجني: أنه نصراني، قيل له: هل تسلم؟ ويبدأ الحوار: ما هو الإسلام؟ والمعالج يتفنن في أن يعرض عليه الإسلام، وكيف يدخل في الإسلام، ثم يقول: اخرج، وإلا سوف أحرقك بالقرآن، وهذه هي الاسطوانة نفسها المكررة مع كل حالة.

يقول أحد الإخوة الحاضرين وقد حدثني عن هذا بنفسه، قال: شكّيت بسلمان بن أبي سليمان هذا، فقلت له بعد أن انتهى: أنت كذاب، أنت لست ممسوساً، فقال لي: نعم، أنا لست ممسوساً، ولكن هناك مشاكل بيني وبين أبي، وأنا أريد أن أقنعه أني ممسوس حتى يخفف عني الوطأة والضغط.

شاب يتورط في معاكسة الفتيات في الشوارع، ويفعل أشياء غير لائقة، فعندما يعاتب على ذلك يقول: الجني هو الذي يؤزني أزاً على هذا، والجني هو الذي يجعلني أتعرض لمثل هذا! وهذا أخطر ما في الموضوع، فهو يفتح باب الفساد على مصراعيه.


امرأة ترتكب الفاحشة وتقول: الجن هم الذين فعلوا بها كذا وكذا.

يسرق شخص ثم يقول: الجني هو الذي سرق! ولو كان هذا عذراً فذلك يعني أن الحدود في الدولة الإسلامية لا تقام، فأية امرأة تفعل الفاحشة تدعي أن الجني هو الفاعل، فندخل في جو من الغموض والضباب والدخان والوهم الذي لا حدود له، وكأننا لسنا من الإنس، ونتعامل بقوانين وسنن ونواميس أخرى، فالشريعة تهدر هذه الاعتبارات، فأي شخص يثبت في حقه بالبينة الشرعية أنه فعل فعلاً يؤاخذ بجريرته، وإذا سرق سوف تقطع يده، والشرع لن يلتفت أبداً لمثل تلك الأعذار؛ لأن المسألة ليست لعباً ولا عبثاً بأموال الناس وأعراضهم ودمائهم، إن الشرع يهدر تماماً هذا الإدعاء، ولا يصح أبداً أن أي أحد يعمل جريمة ثم يقول: الجني هو الذي يؤزني على فعل هذه الجرائم.


احتراف العلاج بالقرآن:

نتعرض بشيء من الاختصار لقضية اتخاذ العلاج كمهنة وحرفة، ومزالق الجهلة؛ لأن بعض الناس قد توسعوا فيه، وانتهزوا الفرصة لجلب الأموال من طريق احتراف علاج الجن، وتحول الأمر من كونه أمر يسد به الحاجة إلى مصدر مفتوح للترف والجشع والابتزاز، وقد يفرض بعضهم أتوات باهظة على الناس بجانب التجارة بجوالين وقناني المياه التي يقرءون فيها القرآن، وتجد أمام المساجد قناني مكتوب عليها: (هذا الماء مقروء عليه قرآن) وتباع بحجة أن الشيخ قرأ عليها قرآناً، وكذلك تجارة في العسل وزيت الزيتون على أساس أنه مقروء عليه ويتخذ دهاناً يدهن به الجسد... إلى آخر ذلك.

حتى إنني حُدّثت عن شخص طبع لنفسه كرتاً فيه الاسم والوظيفة: معالج بالقرآن، الكشف: عشرة جنيه.. الحجز: مقدماً.. العنوان: مسجد كذا، أصبح الموضوع شيئاً مؤلماً جداً في الحقيقة.

أيضاً ليس من هدي السلف أبداً، وما كان على عهدهم أناس متفرغون وأصحاب مراكز وعيادات لعلاج مرضى الجن، مع أن المرض موجود في كل زمان، وكان المصاب إذا قابل شيخاً أو عالماً في الطريق فإنه يقرأ عليه دون تكلف، أو يدعو له أو يرقيه، لكن أن ترصد لذلك مجالس ومراكز وعيادات، وبهذه الطريقة لابد أن يقف هذا الأمر عند حده، إن التمادي فيه تمادٍ في تغييب الوعي، والعيش في عالم من الضباب والغمام والغموض لا نهاية له، هذه مسئولية كل واحد منا، العلاج هو إهمال هذا الموضوع تماماً.

وكنت أرى أن من إهماله ألا أتكلم، وهذا هو السبب أني حتى الآن ما تكلمت، وهذه أول مرة أتكلم في هذا الموضوع بالتفصيل، فعلاجه إذن أن نهمل تماماً هذا الموضوع، فلا أحد يحكي لأحد، أو يروج الأشرطة، ولا يسمعها، ولا يقرأ هذه الكتب، ولا يذهب لهؤلاء الناس، ومن أصيب بشيء يعالج نفسه بالقرآن الكريم، حتى لو كان مساً جنياً فهو الذي يعالج نفسه، المرأة يرقيها زوجها، والبنت يرقيها أبوها، وهكذا.

فالصحابة رضي الله تعالى عنهم كان فيهم أناس اشتهروا بإجابة الدعاء، كـسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، ومن الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم باستجابة دعوته، كذلك أويس القرني أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مجاب الدعوة، ومع ذلك ما فتحوا مركزاً لعلاج الناس، أو كان الناس يأتون إليهم ليدعوا لهم، ما حصل هذا، وما انصب الناس إليهم من كل حدب وصوب كي يطلبوا منهم الدعاء.

إذاً: هذا خلاف هدي السلف الصالح رحمهم الله تعالى أجمعين، ثم إن الأمر يتطور فيحصل تركيز على القارئ لا على المقروء، تركيز العوام أن البركة كلها في القارئ نفسه، مع غض النظر عن أهمية المقروء الذي هو القرآن الكريم.

وأنا لا أعترض على الجعل أو الأجر على الرقية، لأنه جائز، لكننا أصبحنا نبدأ من حيث انتهى الشرع، ونغالي في هذه الأمور حتى تصل إلى حالات مرضية.


احتراف القراءة على المرضى سبب من أسباب التعرض لفتنة النساء:

ثالثة الأثافي، ومصيبة المصائب، وفتنة الفتن: فتنة النساء قال الله تبارك وتعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ... [آل عمران:14] الآية، فالفتنة تجر إلى غيرها من الفتن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء).

ولقد ترخص بعض هؤلاء المعالجين وتساهل وتعدى حدود الشرع بالخلوة، أو باللمس، أو بالنظر، واستدرجهم الشيطان إلى استباحة الخلوة، ثم الكشف عما يحرم كشفه، ثم المس بزعم الرقية، والدهان بالزيت المقروء عليه، وربما بغير حائل، ولا شك أن هذه قرة عين للشيطان، وشيء يدخل على إبليس أعظم السرور، وأنا لا أريد أن أستفيض في مثل هذا، والحقيقة أنه لا ينبغي لي وأنا في مثل هذا المكان أن ألقي على أسماعكم أشياء لا يليق بنا جميعاً أن نحكيها، وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم:42].

فهذه أحد المضار والحصاد الذي يحصده المريض وغيره من هذه الفتنة التي يجب إطفاؤها والقضاء عليها، كما يقول الشاعر: كان ما كان مما لست أذكره فظن شراً ولا تسأل عن الخبر أحدهم يشيد بنفسه، إذ إنه في كل يوم يكتشف طريقة جديدة، ولا يقتصر فقط على ما يلتقطه من الماضين، بل صار بعضهم يخترع ويجدد في هذا الفن.

فهذا أحدهم يقول: اكتشفت طريقة جديدة للكشف عن المرضى، وسماها: طريقة الكشف بالنظر، وهي ليست طريقة جديدة، بل هي مفتاح شر وسنة سيئة، وهذه الطريقة هي: أن المعالج ينظر في عيني المريض أو المريضة، ويقترب منه مثل طبيب الرمد عندما يكشف على غطاء العين، فيجلس أمام المريض أو المريضة وينظر إلى عينيه، ويأمر المريض أو المريضة أيضاً أن ينظر في عينيه وهو يقرأ القرآن كي يطرد الشيطان.


يقول هذا الشخص صاحب هذا الاكتشاف الخطير:

ثم أمرت المريضة أن تنظر إلى عيناي ففعلت، فظهر الجني، فأخذت أقرأ عليه وهو يصرخ، وأخذت أنظر في عينيها وأنا أقرأ وأعظه، ثم احترق الجني، وحينما سأله الإخوة الذين قرءوا كثيراً على هذا الجني، قالوا: نحن قرأنا عليه كثيراً ولم ينفع!! قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!

يطلق البصر إلى ما حرم الله ويسميه: (فضل الله يؤتيه من يشاء) الله المستعان! ولما سئل عن مشروعية هذا الذي يفعله من إطلاق البصر بهذه الطريقة، قال: إن الشيخ عبد الخالق العطار -سامحه الله فقد كان صاحب دور خطير في تأسيس هذه الظاهرة- لما سئل قال له: إن هذا الذي ذكرته حق، وله دليل في القرآن الكريم، ألا وهو قوله تعالى: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمْ الْمَفْتُونُ [القلم:6]، فيستدل بهذه الآية على مشروعية هذا العبث الذي يفعله، وأنه ينظر إلى عين المريضة ويقترب منها بهذه الطريقة.

فإذا نظرنا وقرأنا القرآن نعرف أيهم المفتون؟! لا، وإنما إذا قرأنا قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] عرفنا من المفتون، وإذا تذكرنا حديث النبي عليه السلام حينما أنكر على الفضل بن عباس عندما نظر إلى المرأة الخثعمية، فلوى المصطفى صلى الله عليه وسلم عنق الفضل إلى الجانب الآخر، ولما سئل عن ذلك قال: (رأيت شاباً وشابة، فخشيت عليهما الشيطان).

والعجب كل العجب من رجل يحمل امرأته أو ابنته أو زوجته بنفسه ويقف ينتظر دوره في الزحام كي يعالج زوجته أمثال هؤلاء الناس! هذا من المصائب التي حصلت في موضوع علاج النساء، وأعتقد أن هذا كافٍ لتحريك من لا يتحرك، ومن خمد أو برد دمه حتى لا يبالي بمثل هذه الأشياء، فالموضوع هذا خط فاصل لا يحق ولا يجوز فيه علاج رجل لامرأة، وبأي حال يجب حسمه، وهذا العبث وهذه الفوضى الأخلاقية يجب أن يحسم الأمر فيها، ولا يقبل فيه الخلاف بإطلاق.

ومن قبيح صنيع بعضهم أنه قد يطلب من المرأة أن تفتح عينيها للنظر ليحملق فيهما، وبعضهم يطلب أن تفتح فمها ليحملق فيه بحثاً عن الجني الذي قد يكون مختبئاً هنا أو هناك.

فنقول لهؤلاء: أين الغيرة على العرض؟ وأين الخوف من يوم العرض؟ فيصدق أن يقال: (معالجها حراميها)، كما يقول الشاعر:وراع الشاة يحمي الذئب عنهافكيف إذا الرعاة لها الذئاب.


قتل النفس المحرمة جهلاً وعدواناً:

وهذه من الجنايات والمظالم التي ترتكب في هذه القضية، فما أكثر ما نزجر ونستنكر ونشجب هؤلاء الجلادين الذين يعذبون الناس في الدنيا، ونخوفهم بمثل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم:( يكون في آخر الزمان رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه) وقوله: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس) هؤلاء نحملق فيهم وننكر عليهم، ثم نحن فيما بيننا نتغاضى عن هؤلاء المعالجين الذين يمارسون أبشع صور التعذيب البدني والنفسي بحجة إخراج الجن، ويتفنون في إيقاع العذاب الذي قد يصل إلى القتل، ومن الجهل ما قتل.

يحكي بعض المعالجين قصة أرويها لكم بحروفها، وهي قصة مريضة تدعى وهيبة، يقول: وهيبة مريضة نفسياً طال مرضها، فذهب بها أهلها إلى مجموعة من الشباب المسموع عنهم علاج مثل هذه الحالات، وعجز هؤلاء الشباب عن أن يفرقوا بين المرض النفساني والمس الشيطاني، وحضرت وهيبة بين أيديهم يقرءون عليها، فلم ينطق الجني، فما كان منهم إلا أن قالوا: إنه شيطان ماكر يرفض أن ينطق، وانهالوا عليها ضرباً على فترات، وهمدت الجثة، وقال الأدعياء: لقد خرج لعنة الله عليه، ولم يكتشفوا بسبب جهلهم أن الذي خرج من وهيبة ليس الجني، وإنما خرجت روحها، اكتشفوا ذلك بعد أن تركوها فترة لتستريح، ثم طلبوا منها القيام، فقالوا: قومي يا وهيبة! فإذا بها قد توفيت، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


حرمة الاستعانة بالجن:

من المهم التنبيه على موضوع الاستعانة بالجن، وهذا باب من أبواب الفتن، وقد فتحوه بعد أن كانوا في البداية لا يتجرءون على هذا الوضع، وما كان يقدر أحد أن يفتح أبداً موضوع الاستعانة بالجن إلا وينُظر إليه باشمئزاز، يقول القائل: كيف تستعين بالجن؟ هذا شرك، وهذا كذا وهذا كذا.

ثم التقطوا عبارة لشيخ الإسلام ابن تيمية فهموها على غير وجهها، وبدءوا من حيث انتهى شيخ الإسلام ، وانطلقوا إلى أبعد الآفاق في موضوع الاستعانة بالجن.


الأمر الذي يجب أن نوضحه في نهاية هذا الحديث:

أن خبر الجني لا يقبل، فكل شيء جاء عن طريق الجن يشطب عليه، وكأننا ما سمعنا شيئاً، فلو ادعى الجني بأنه يحب كذا، أو يكره كذا، أو دلنا على كذا، أو هذا الجني صالح، أو يساعدني، أو أستعين به، أو يعمل عمليات جراحية، أو يعالج العقم؛ كل هذا يشطب عليه، وكأن شيئاً لم يكن هذا هو المخرج من هذا الوضع.

أين العدالة والضبط في خبر الجني؟ من هو هذا الجني؟ هل هو صادق أم كاذب؟ مسلم أم كافر؟ ولو قال بأنه أسلم، فما أدراك أنه صادق؟ وكيف تحققت أنه صادق في هذا؟ هل الإسلام كلمة مجردة تقال هكذا؟

ثم أيضاً يعد هذا فتح باب خطير جداً، أعني: محاولة التعرف على الغيب عن طريق الجني.. بدأ بعضهم يعمل أشياء فظيعة جداً مثل المندل، ولو سرق شيء قالوا: تعال هات لنا الجن الذين معك، قل لنا: من الذي سرقها، وأشياء أخرى كثيرة فتحت علينا أبواباً من الشرور كنا في عافية منها، ووصل الأمر إلى أن بعضهم يهدد غيره، ويقول بتبجح: أنا معي جني، وسوف أسلطه عليك ليؤذيك، فتحصل خصومة، وهذه أمور في غاية الخطورة.


نصيحة للمعالجين بالقرآن من المس:

أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت، وأن الحل الحقيقي -بجانب الالتزام بالشرع في هذه الأشياء كلها- لهذه الظاهرة أن تنكمش، وأن تعود إلى الحجم الذي كانت عليه، وعلينا أن نعلم أن هناك مساً جنياً، لكن ليس كل الحالات تعتبر مساً، فقد تكون ناتجة عن وهم، أو حالات هستيريا، أو خيال يسيطر على الإنسان، أو نتيجة عن حفظ الأدوار وإتقان تمثيلها احتيالاً؛ فينبغي دلالة هؤلاء الناس على الطريق الصحيح.


ونختم الكلام بهذه الموعظة لبعض الشعراء نهديها إلى هذه الفئة من المعالجين الذين تعدوا وتخطوا حدود الله سبحانه وتعالى وشوهوا وجه الحق:

القلب ينشط للقبيح وكم ينام عن الحسن يا نفس ويحك ما الذي يرضيك في دنيا العفن أولى بنا سفح الدموع وأن يجلب بنا الحزن أولى بنا أن نرعوي أولى بنا لبس الكفن أولى بنا قتل الهوى فالصدر أصبح كالوهن فأمامنا سفر بعيد بعده يأتي السكن إما إلى نار الجحيم أو الجنان جنان عدن أقسمت ما هذه الحياة بها المقام أو الوطن فلم التلون والخداع؟! لم الدخول على الفتن يكفي مصانعة الرعاع مع التقلب في المحن تباً لهم من معشر ألفوا معاقرة الفتن تباً لهم فعلاجهم قد لطخ الوجه الحسن تباً لمن باع الجنان لأجل خضراء الدمن أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة لمحاضرة وقفة مع الجن [2] للشيخ (محمد إسماعيل المقدم)

المصدر:
http://audio.islamweb.net

يتبع إن شاء الله...



وقفة مع الجن 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

وقفة مع الجن Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفة مع الجن   وقفة مع الجن Emptyالخميس 13 ديسمبر 2012, 10:01 am

وقفة مع الجن (3)

لقضيلة الشيخ الدكتور: محمد إسماعيل المقدم

عالم الجان عالم يكتنفه الغموض من كل جوانبه، وقد ساهم اهتمام الدعاة بقضايا الجن في توسيع إطار الظاهرة المرضية التي نتجت عن الغلو من قبل عامة الناس في هذه القضايا، وكان للمعالجين أيضاً الحظ الأوفر في تفشي الأوهام، وتضخم مسائل الجان، حتى أصيب البعض بأوهام مرضية لا أساس لها، كما أنها كانت سبباً في إعراض الناس عن التداوي بالطب الحسي، ومن ثَم كونت هذه الظاهرة بيئة خصبة لانتشار الخرافات والمخالفات الشرعية.


عالم الجن بين الإفراط والتفريط:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.


أما بعد:


فقد شرعنا في بحث ظاهرة التمادي في علاج الجن، ويمكن أن يتلخص حديثنا في النقاط الآتية:-


- أن الاشتغال بموضوع الجن ومعالجة الجن هو مرض من أمراض الفراغ التي صادفت خواء عند بعض الشباب، فخاضوا فيه بهذه الصورة الملحوظة.

- أن هذا المرض انتقل من الأوساط النسائية الفارغة التي كانت تحتكر التخصص في الكلام في هذا الأمر إلى مجتمعات الرجال، بل إلى مجتمعات الدعاة والمشتغلين بالدعوة، ونحن لا نعمم هذه السلبيات، والمقصود هو ذم من يتلبس بشيء من هذه المسالك.

- لا خلاف في مشروعية التداوي بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل داء دواء) وما فيه من العموم.

- حيرة المريض بين جفاء طبيبه وغلو شيخه، فالطبيب الذي يتأثر بالمناهج الغربية المادية في التعامل مع هذه القضايا ينكر أموراً هي من صلب الدين ومن صلب العقيدة، كالإيمان بوجود الجن، وغير ذلك من السحر أو الحسد التي ثبتت حقيقتها بأدلة قطعية في القرآن والسنة، فما بين جفاء الطبيب، وغلو الشيخ أو المعالج يحتار المريض بين الفريقين.

- من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا حفظ النفس وصيانتها، والشرع المطهر لم يدع صحة وعافية وجوارح الناس عبثاً بأيدي العابثين، فهم يخوضون بهم في بحار من الأوهام والغموض والمجهول الذي لا يمسك بزمام ولا بخطام، وإنما هو غموض في غموض في غموض، فلا نملك أدلة قطعية على التشخيص بأنها حالة مس جني، ولا نملك أدلة تثبت هذه المسالك التي أدخلت على أساليب العلاج الذي يذهبون إليه، ثم نرى -مع كل هذا الغموض وكل هذا المجهول- من يتجاسر على أن ينتهك حرمات الله سبحانه وتعالى ويعتدى على الأنفس بالتعذيب، والإنهاك، التعذيب البدني بالضرب وبالصعق بالكهرباء أحياناً، وبغير ذلك من هذه الأشياء الوحشية التي فيها مصادمة لحرمة الإنسان المسلم عند الله سبحانه وتعالى وفي شريعته.

أخيراً: نحن ننكر على الذين يعذبون الناس في السجون والمعتقلات، ونتلو عليهم الآيات والأحاديث التي ترهب من هذا الفعل، وتنذر بشؤم العاقبة، لكننا نغض الطرف إذا سمعنا أن أخاً من هؤلاء المعالجين قد أنهك رجلاً أو امرأة أو صبياً بالضرب وقد يصل الأمر إلى إزهاق روحه؛ بحجة العلاج، فأي علاج هذا؟ ما الذي أدراك أنه جني؟

لابد من ضبط هذا الأمر بضوابط واضحة وقاطعة، قبل أن تستحل العدوان على الناس بالضرب، وإلا كنت واقعاً تحت طائلة التعزير الشرعي، أو الحد إذا جنيت جناية تستوجب الحد، فالأمر ليس فوضى، والعدوان على أرواح الناس وصحة الناس وأبدانهم لا يجوز، والذي وصل في بعض الحالات إلى القتل، فهذا إجرام وانحراف وعدوان على حرمات المسلمين، وليس علاجاً.


إفراط المعالجين في استخدام الوهم:

سمعت من سائق يعيش في الساحل الشمالي أن امرأته اشتكت من مرض ما بعدما تزوجا بشهر تقريباً، فذهب بها إلى الطبيبة، فصرفت لها دواءً، وقبل أن تستكمل العلاج الذي وصفته لها الطبيبة إذا بشخص يتطوع ويقول: دعك من الطب، فهناك إخوة معالجون يعالجونها فلعل بها مساً من الجن، هكذا بمنتهى البساطة مع أنه مرض عضوي عادي جداً، فاذهب إلى الجماعة المعالجين للجن، فذهب إلى أحدهم وقرأ عليها ولم ينطق على لسانها جني، فقال: يظهر أن الجني أخرس، أو لعل الجني موجود، لكنه يتعمد ألا ينطق تماماً كما فعل آخرون في جريمة قتل مماثلة، أو لعله لا يوجد جني أصلاً ما دام أن المسألة مبنية على (لعل، وعسى) ولا نملك دليلاً نجزم به فما هو المسوغ للتمادي في الظنون..

نرجع إلى ما فعله هذا المعالج، ويكرره غيره من المعالجين الذين يزعمون أنهم تخصصوا وتفوقوا وتدربوا وتمرسوا في هذا المجال، ومع ذلك فهم يرتكبون مثل هذه الأخطاء التي ينبني عليها الإقدام بجهل على انتهاك حرمات الناس.

فقال له: أحضر لي عوداً متيناً كي أضرب هذا الجني الأخرس الذي يرفض أن يتكلم، فيقول: فذهبت إلى شجرة الزيتون -ويبدو أن الذين يعيشون في الصحراء، يعلمون أن عود شجرة الزيتون عود قوي ومؤلم- وانتقيت عوداً طويلاً يلسع لسعاً مريراً، فأخذ يضرب المرأة على ظهرها ضرباً مبرحاً دون جدوى، ولم ينطق الجني الأخرس.

المهم أنه حينما عاد إلى البيت وجد ظهر المرأة أخضر تماماً من كثرة الضرب، فقال لها: هذا يدل على أن الضرب وقع عليك أنت لا على الجني؟ قالت: نعم، قال: ما منعك من أن تتكلمي؟ قالت: أنا كنت منتظرة أن الجني يتكلم، أوهموها أن فيها جنياً، وسيطر عليهم هذا الوهم وكأن الوهم صار حقيقة لا تقبل الجدال، حتى إنه يستحل الضرب وهذا العدوان.

وهذه الحالة ينبغي أن يقتص فيها من أمثال هؤلاء ويضرب بجهله وعدوانه، وإلا صار الأمر فوضى بهذه الطريقة.

كما نجد آخرين متخصصين في كسر الإصبع الكبير، عالم من الجهل والجهلة، ومن المعتدين على حرمات المسلمين بهذه البدعة التي ابتدعوها، حتى أن المرأة اقتنعت أن فيها جنياً، فهي تعي وتتحمل الضرب ولا تريد أن تتكلم منتظرةً أن ينطق الجني الذي يلبسها.

أنا أعتقد أنني لو فتحت حواراً مفتوحاً وكل واحد يحكي ما لديه من القصص، بل من المآسي؛ أظن أن عندكم رصيداً كبيراً من هذه المآسي، لكننا نكتفي فقط بضرب الأمثلة التي تغنينا عن التفاصيل.


خطر الانجرار وراء غيبيات عالم الجن:

عالم الجن له حقيقة، ونحن لا ننكر مس الجني، وهي حقيقة شوهتها هذه الشعوذة، وهذا الدجل، وهذا الانحراف، والحالات التي فيها مس جني حقيقي هي حالات قليلة جداً جداً بالنسبة لما يحكى من الحالات الوهمية، ومن أسباب شيوع هذا الوهم فيما مضى.

ولما الإنسان لديه ولع به كان ذلك من أسباب انتشار هذه الظاهرة، فحينما يسمع بهذا الموضوع شخص يراه موضوعاً شيقاً، وجذاباً ومغرياً، فتدفعه الغريزة والفطرة وحب الاستطلاع والفضول والولع إلى استكشاف ما غيب عنه؛ لأن الإنسان عنده تعطش دائماً لأن يعلم شيئاً عن العوالم الغيبية وعما يحدث في المستقبل، وعما غاب من المخلوقات أو حقائق هذا الوجود، فالإسلام أشبع هذه الفطرة بأن وسع رقعة العقيدة، ومد مساحتها بإخبارنا عن كثير من الأمور الغيبية؛ لتشبع هذا الميل في الإنسان.

وقد يكون هذا السبب -وهو حب الاستطلاع والفضول- دافعاً لاستطلاع هذا العالم الغامض بالنسبة إلينا مما قد يؤدي إلى شيوع هذه الظاهرة المرضية التي بصددها.

وعلاجاً لهذه الظاهرة لا بد من كبح جماح هذا التطلع، وأن يحد بحدود الشرع، فأنت إذا أردت أن تشبع هذا الفضول والاستطلاع إلى هذه العوالم الغيبية فلا توجد نافذة يمكن أن نطلع من خلالها على الغيوب إلا نافذة الوحي فقط، ولا يمكن أبداً أن نطلع على الغيوب، ونقطع بصدق هذه المعلومات إلا من خلال نافذة الوحي المعصوم، أما ما عدا ذلك فلا أمل قطعاً في التطلع إلى الأخبار الغيبية إلا عن طريق الوحي الشريف.


عالم الجن والشياطين في القرآن الكري:

تعرض القرآن الكريم لموضوع الجن ممثلاً بالشيطان بصفة أساسية، وفي كيد بني آدم، وفي شياطين الإنس والجن، وفصل تفصيلاً مهماً جداً، هذا هو الذي ينبغي أن ننشغل به: عداوة الشيطان لبني آدم، وأن الشيطان يقف وراء كل شرك ومعصية، وأن جنوده يجتهدون في إضلال الناس وإفساد ما بينهم، فنحن مطالبون بمحاربة كيد الشيطان بالاستقامة على طاعة الله: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ [الأعراف:27].


هذا موضوع أساسي، لكنه ليس موضوعنا الآن:

عداوة الشيطان، وكيف نواجه هذا العدو؟ وكيف نكون منه على حذر؟ وكيف لا نقع في المعاصي؟ هكذا فصل القرآن وحذر من تلبيس الشيطان، وإضلاله إيانا سواء في العقيدة أو العبادات أو الأخلاق، أو غير ذلك من المسالك، هذا هو الموضوع الذي فصل القرآن فيه تفصيلاً عجيباً جداً، وكذلك السنة.

أما حقائق عالم الجن، فقد عرض القرآن لها بالتفصيل في سورة الجن، ثم في سورة الأحقاف بصورة عابرة، وما عهدنا أبداً لا من الصحابة ولا من السلف الانغماس في موضوع الجن بهذه الطريقة المرضية الوبائية التي انتشرت وصرفت الناس عن الواقع الذي يعيشونه باعتبارهم من بني آدم إلى واقع من الخيال، وشيء غائب عنا، وأغلب المعلومات التي نتداولها ليست من مصدر الوحي ولكنها أخبار الجن، أو السحرة، أو ممن يزعمون أنهم قد تمرسوا وتدربوا في هذا المجال، لكن أين الخبر المعصوم الذي يجب ألا نتعداه؟ وتساهلنا كثيراً في أن نشرب كماً هائلاً من المعلومات دون أن نتمحص ونتحرى المنهج السلفي الذين نزعم أننا ننتمي إليه.


فمثلاً: إذا قلنا لأخ:

نريد دليلاً معصوماً على أن الجني يحرق بالقرآن؟ قد يدهش لأن الخبر حقيقة مسلمة، لكن من أين لك هذا؟ من أين أتيتم أن القرآن الكريم يحرق الجن؟

لن يجدوا دليلاً، إنما يتمسكون بعمومات من القرآن الكريم بعيدة تماماً عن تأييد ما ذهبوا إليه، نحن نريد احترام المنهج العلمي في مثل هذه القضية، أين الدليل على هذه الأشياء؟ أين الدليل على هذا الضرب المبرح بهذه الطريقة؟

هل الشريعة التي حرمت العدوان الصول على بدن وروح المؤمن تبيح في نفس الوقت هذا العبث وهذا الانتهاك لحرمات المسلمين بالصورة التي نراها والتي قد تصل إلى القتل في كثير من الحالات؟ أين العقول؟ أين منهج السلف الذي نزعم أننا ننتسب إليه؟

إذاً: ولع الإنسان بمعرفة الغيوب كان المدخل الذي من خلاله راج هذا الموضوع؛ لأننا نسينا أننا لا نتلقى الأخبار إلا من الوحي المعصوم، وفتحنا نافذة جديدة غير نافذة الوحي..

أخبار تأتينا عن عالم المجهول، وهذا إن كان جنياً بالفعل فإننا لا نعرف من هو، ولا كيف هو، ونعيش في عالم من الوهم، ونصدق هذه الأشياء، وأن الجني يسلم، ثم بعد ذلك يُعرض عليه الإسلام، ويقال له: ما اسمك؟ يجيب بأن اسمه جرجر، ثم يُسأل: من الذي بعثك؟ فيجيب شنودة ...إلخ، ونفتح أبواب خيال في خيال.


شناعة ادعاء تأييد قرين النبي صلى الله عليه وسلم:

هناك شخص يدعى محمد إسماعيل من الزقازيق، يدعي أن معه قرين النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يصحح له الأحاديث ويضعفها، وأنه يعطيه الفتاوى من أجل توحيد الصف المسلم وتوحيد المسلمين.

وهذا غريب وعجيب، هل نشطب على كل جهود المحدثين الذين بذلوا الأرواح والأنفس والأموال، وسهر الليالي والرحلة في طلب العلم؟!

كل هذا يلغى لأن قرين الرسول عليه الصلاة والسلام المزعوم يخبرنا مباشرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، إذاً: ما كان أسهل الأمر، لماذا أتعب المحدثون أنفسهم بالجرح والتعديل والضوابط والاصطلاح والرحلة والسهر؟

لقد كان من السهولة بمكان أن نستقي من هذا المعين الحي المباشر بواسطة أعلى إسناد في العالم، فهو واحد فقط يتلقى من النبي عليه الصلاة والسلام!

هذا عبث، هل رأينا أحداً من علماء المسلمين فعل هذا أو قال بهذا، أو اعتبر هذا مصدراً من مصادر العلم؟ إذا كان من يعرف بالغفلة، وعدم التركيز في مجالس التحديث لا يؤخذ خبره، ويقدح في ضبطه، فكيف نتلقى من كائن مجهول؟!

نحن لسنا متأكدين أنه جني أصلاً، وربما كان هو نفس الشخص الذي يتكلم، وإذا كان جنياً من أين لنا أنه مسلم، أثبت أنه مسلم؟ أين الشهود؟

أين الذين عاشروه كي يضبطوا لنا إن كان مسلماً، ثم حتى لو كان مسلماً كيف هو؟ كيف عدالته؟ كيف ضبطه؟ كيف حفظه؟ كيف.. كيف.. كيف... إلخ؟ فكيف نستطيع أن نتخلى عن هذا المنهج العريق الأصيل الذي تحسد عليه أمة المسلمين كما قال اليهودي مارجليوث: (ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم، علم لم تعرف الدنيا له نظيراً) ثم نأتي بهذه الخزعبلات ونقول: إن معنا قرين الرسول عليه الصلاة والسلام، الحقيقة أن هذا تنازل وانحطاط عن المنهج السلفي بطريقة ما، من كان يتصور أننا نصل إلى هذا المستوى؟

ما الفرق بيننا وبين الصوفية؟ نحن نقارن بين المنهج السلفي والمنهج الصوفي في مناهج التلقي، ونقول: نحن السلفيون منهجنا القرآن والسنة وفق فهم السلف الصالح، ثم نقول: ننتقد الصوفية لما عندهم من مصادر أخرى، كالكشف والإلهام والذوق والوجد والمنامات، ونقول: نحن نختلف معهم اختلافاً أساسياً في مصدر التلقي، أليس هذا انحرافاً في مصدر التلقي حينما نزعم أننا نتلقى من العالم الجني الغيبي من خلال نافذة غير نافذة الوحي المعصوم؟.


دور الدعاة والمعالجين بالقرآن في نشر الظاهرة المرضية:

ثمة عوامل أخرى مسئولة عن إشاعة هذه الظاهرة، في مقدمتها أولئك الطائفة من الدعاة الذين نشروا هذه الظاهرة في بداية الأمر، وسجلوا فيها الأشرطة، وخطب الجمعة، دون اعتبار وحذر من طبيعة الجماهير القابلة للغلو في هذا الجانب، بالذات جماهير العوام، وللأسف أيضاً أن نقول: طلبة العلم المزعومين الذين خاضوا في هذا الأمر ليل نهار، وصار شغلهم الشاغل، وانصرفوا حتى عن واجبات الدعوة والتعلم إلى موضوع الجن فكان ينبغي على هؤلاء الدعاة أن يراعوا طبيعة العوام -وطلبة العلم الذين هم في الحقيقة عوام وليسوا طلبة علم- أن عندهم قابلية للغلو في هذا الأمر، فإما أن توضع ضوابط لهذا الأمر، أو لا يطرق أصلاً، وكان ينبغي أن يحصل إشراف جماعي من العلماء على هذه الأشياء.

كما أن المعالجين أنفسهم كانوا عاملاً أساسياً في نشر هذه الظاهرة، وكذلك المؤلفون الذين ألفوا عشرات الكتب، بل لو أحصاها أحد لسوف تزيد عن المائة كلها تتحدث عن الجن، سوق رائجة لكل من هب ودب ليكتب عن الجن: مغامراته مع الجن، حوار مع الجني المسلم ... إلخ، نظرت في بطاقته الشخصية فوجدت أن اسمه كبجور، عرفت من أين أن اسمه: كبجور، على أي أساس صدقت؟ هنالك كتاب كامل على هذا الحوار، ما الدليل على صدقه؟

الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (صدقك وهو كذوب) كان يعني ما يقول، فهو الرسول عليه الصلاة والسلام مؤيد بالوحي، وقد حكم لنا أنه صدق في هذا، لكن قال: (وهو كذوب) إشارة إلى أن الجني الشيطاني طبيعته الكذب، وذكرها بصيغة المبالغة، فما بالنا نأخذ بكلمة صدقك ونغفل الطبيعة الأصلية، مع أن الصدق بالنسبة إليه استثناء، أما الأصل الذي ينبغي أن نحسبه في كل ما يأتينا به من أخبار فهو: أنه كذوب.

إن أشرطة الكاست لجلسات هؤلاء المعالجين ساهمت بدور كبير في إشغال الرأي العام بهذه القضية، بجانب جلسات الشباب فيما بينهم، جلسات السمر والحكايات والمغامرات للجن، ثم أيضاً حضور جلسات العلاج بدافع الفضول، ثم دخلت في هذه الأزقة بعض الصحف الحزبية التي تريد أن تروج ركودها، وتعالج هذا الركود بأن تلفت أنظار الناس بأي شيء، وتطور الأمر حتى صار حزب الأحرار يعلق إعلانات في كل مكان بطريقة عجيبة جداً، ويتسترون وراء القرآن، ويستغلون القرآن مصدة ومجنة لإرهاب الناس، وإياك أن تتكلم؛ لأنك إذا انتقدت المبالغة في هذا فمعنى ذلك أنك تقول: إن القرآن ليس بشفاء، لا، بل القرآن أعظم شفاء لجميع الأدواء بدنية وروحية ونفسية وكل شيء، لكن ليس بهذه الطريقة التي يمارسونها ويفعلونها، ويتسترون وراء كلمة القرآن الكريم ليستروا ويخفوا عدوانهم، وانتهاك حرمات الناس، ويعزفون على الأوتار الحساسة عند الناس.


حقيقة المس:

المس حقيقة لا ننكره قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ [البقرة: 275]، أما الطب الغربي فهو طب إلحادي من ناحية الإيمان، ولا يؤمن بالله، ولا بالقرآن، ولا يعترف بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فنحن لا نستغرب إذا أنكر هذا، مع أن الطب الغربي في الحقيقة لو احترم الحقيقة العلمية لحكم على نفسه كما يسمي في الاصطلاح الطبي: (إديوفاتك) يعني: غير معلومة السبب، أغلب حالات الجن غير معلومة السبب، فيقفوا عند حدهم، ويعترفوا قائلين: هذا شيء نجهله، فالجان هنا حالة نسبية، لكن ليس من حقه أن ينكر، هذا هو المنهج العلمي، فهذا ليس مجاله، إنما مجاله هو التعامل التجريبي مع الحالات المباشرة، أما أن يغتر الإنسان بما وصل إليه من العلم حتى يصل إلى حد التمادي وينكر حقائق غيبية، فهذا ليس مجاله، وليس تخصصه.


التوهم من طرق الإصابة بالمس:

أكثر المرضى يقعون فريسة الإيحاء الذاتي، وهي حالة مثل حالة الهستيريا تماماً، يسيطر فيها على المريض ويوهمه بأن عنده مثلاً الذبحة الصدرية، أو شلل، وهو في الحقيقة ليس مشلولاً، والبعض من كثرة ما سمع الأشرطة، والمحاضرات، وحفظ الحوار والسيناريو بكل دقة، فمجرد ما يقرأ القرآن ينفعل بنفس الكلام الذي سيطر عليه تماماً.

وأقوى دليل على ما نقوله من أن أغلب الحالات حالات وهمية: أنك لو سلكت معه وسيلة الإيحاء والتأكيد بثقة أن هذا مجرد وهم تجد نتيجة إيجابية في كثير جداً من الحالات..

إذا سلكت هذا العلاج الطبيعي، واستخدمت الأسباب العادية في صرفه عن هذا الوهم، وإقناعه بأن الموضوع لا يعدو أن يكون وهماً سيطر عليه ليس أكثر، وأنه سليم تماماً ومعافى، وأن عنده أعراض واقعية، ونحن لا نقول: إنه يكذب، فقد يحس بخفقان في القلب أو عرق أو اضطراب أو غير ذلك من أعراض القلق المعروفة، لكن هذا له تفسير آخر معقول جداً، فالأعراض موجودة، لكن سببها ليس الجن، أو مرضاً عضوياً، سببها هو مرض نفسي؛ لأن مركز الخوف في المخ بجوار المركز العصبي الذاتي، فإذا اشتعل هذا أثر على الجهاز العصبي الذاتي الذي بجواره، فتحدث هذه الأعراض؛ لأن المركزين متقاربان، لكن هذه الأعراض سببها الشخص نفسه، وليست سبباً عضوياً، وهذه الأشياء معروفة؛ فإتقان التشخيص ينعكس على العلاج الصحيح؛ لأن أغلب الناس إذا دخلوا في هذا الخط يدخلون معافين من الجن، وإذا بهم في النهاية يخرجون وقد لبسهم مائة جني بسبب المعالجين وجهلهم وانحرافهم في التشخيص، كما قال الله: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن: 6]، فيتمادى الجن، وبالفعل يتسلطون عليهم.


عودة الأفاضل إلى الطريق المستقيم:


هذه ظاهرة تستحق التسجيل، ولها دلالتها، وهي:

أن أغلب من فيهم الخير لا يستمرون في هذا الخط، فبعد وقت معين يبدءون في التراجع؛ لأن فيهم خيراً، وهناك أشخاص كان يشار إليهم بالبنان في علاج هذه الحالات، ثم إذا بالواحد يندم على ما فعل وعلى خوضه في هذا المجال، ويقطع صلته به تماماً، ويشتكي من العناء الشديد، وهناك آثار لهذه الظاهرة على المعالج نفسه، وهي أن الجن يضحكون على بعض الشباب، فقد كان أحدهم يعالج حالة من الحالات يقول له: سوف يحضر فلان يقرأ عليك، فيصرخ الجني قائلاً: لا.. لا.. إلا فلان أنا لا أقدر عليه، سوف يحرقني بالقرآن.

يريد الجني أن يفتنه، ويزيد انشغاله بهذه القضية، ويتوهم في نفسه أنه قاهر الجان.. ولا حل ولا قوة إلا بالله.


بُعد السلف عن الاحتراف بالقرآن:

لما كان هذا المجال غامضاً فإن السلف ما اشتغلوا به بهذه الطريقة، وما فتحوا العيادات التخصصية لعلاج الجن، ولا مراكز علاج بالقرآن، ولا جلس أحدهم في مكان ما ينتظر الناس يتقاطرون ببابه، ويكتب أحدهم إعلانات وكروتاً تعجب من بياناتها.. الوظيفة: معالج بالقرآن الكريم، والكشف: عشرة جنية ويدفع مقدماً، والحجز مقدماً، وكأنها عيادات، من فعل هذا من السلف يا من تنتسبون إلى السلف؟!

كان سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه مجاب الدعوة، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا له أن يستجيب الله دعوته، وكذلك أويس القرني وما فتح أحد منهم مركزاً لعلاج الناس، ولا تفكر محتجاً بقوله: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل).

صحيح أن الرقية مشروعة، لكن هذا الغلو هو الذي يجب أن يوقف عند حده؛ لأننا كثيراً ما نبدأ من حيث انتهى الشرع، ونتمادى في الإفراط أو في التفريط، فالسلف كان فيهم من هو مجاب الدعوة، لكن ما فتح أحدهم مركزاً للعلاج، ولا قال: تعالوا إليّ، وأنا أدعو لكم، وأفعل بكم كذا وكذا.

إن هذا الموضوع يكتنفه الغموض والضباب، وعدم وضوح الرؤية من بدايته إلى نهايته، الواضح فقط هو ما تقيد بالقرآن والسنة من الرقية الشرعية المنضبطة والملتزمة بضوابط الشرع، كإنسان قابل رجلاً صالحاً فلا بأس أن يطلب منه أن يرقيه، هذه الأشياء هي التي قام عليها الدليل، أما كل ما عدا هذه الأشياء التي يخوضون فيها فلا يسندها دليل، وقد لا نجد دليلاً قاطعاً نستطيع أن نجزم به أن هذه حالة مس جني. نعم.

هناك حالات قليلة فعلاً يتضح فيها بجلاء أنه مس، مثلاً: شخص أمي لا يقرأ ولا يكتب، وهذا معروف عنه تماماً، ثم إذا به يتكلم لغة إنجليزية في غاية القوة بصوت رجل أو امرأة أو غير ذلك مما يخالف جنسه، فهذه أدلة واضحة حسية نسمعها في الأذن، وكلام حسي يدل على أن هناك جناً بالفعل.

لكن هذه حالات قليلة، أما إذا كان الواحد يتكلم بصوت طفلة أو امرأة، فلربما أن المريض نفسه يقلد هذه الأصوات، فقد سمع أخباراً طويلة عن هذا، وحافظ كل الكلام.. اسمك ماذا؟ اسمي كذا، تسلم أم لا؟ تخرج أم لا؟ أنا أحبها ولا أريد أن أفارقها.. وتنتهي الحالة في الآخر إلى ما يشبه الأوهام فقط، وهذه الأشياء تعرفونها.

ذكرنا أيضاً بدع المعالجين وأحوالهم، وكيف أنهم توسعوا في موضوع الرقى والنشرة حتى دخلوا منطقة السحر المحرمة، والأخذ بأساليب السحرة كما سنفصل إن شاء الله.


اتخاذ العلاج بالقرآن حرفة ومهنة خلاف هدي السلف:

ظاهرة احتراف العلاج بالقرآن الكريم ظاهرة جديدة، وانتشرت بطريقة ليست من سلوك السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في شيء، وقد فتح هؤلاء باباً عظيماً جداً من أبواب الفتنة، وهو فتنة النساء، وكيف أن الشيطان يستجلب بعض هؤلاء الناس؛ ولأن العوام جهلة، ممكن لامرأة أن تأتي بمفردها، ثم يخلو بها، وبحجة العلاج يرتكب معها جرائم توجب الحد، وكبائر الذنوب بحجة العلاج بالقرآن الكريم، حتى يصل الحال ببعضهم أن يدهن الجسد بدون حائل عن طريق هذا الزيت الذي قرأ عليه، فهل يطمع الشيطان في أكثر من هذا اللعب بعقول الناس، وتوريطهم في أكبر هذه الكبائر؟!

ذكرنا أن بعض المرضى مصاب حقيقة بالمس، وهذه نادرة وقليلة جداً بالنسبة للكم الهائل الذي نراه ونسمع عنه، وبعضهم يكون مرضه نتيجة الوهم الهستيري المسيطر عليه، فيتقن تمثيل الدور الذي قرأ فيه كثيراً، وسمع فيه أشرطة، وتكلم فيه كثيراً، وبعضهم يكذب متعمداً الكذب لمصلحة شخصية، كما في قصة الشاب الذي شك أحد الحضور في أنه متلبس بالجن، وكله نفس الكلام، أنت من؟ أنا سلمان بن أبي سليمان، أأنت نصراني؟ هل تخرج وتسلم؟ سوف أسلم وأشهد الشهادتين، ثم بعد تلك القصة الطويلة العريضة، قال أحد الحضور أنت كذاب، قال: نعم، الحقيقة ليس بي مس جن، مع أن الكذب راج على الذي يعالجه، وراج على الحضور جميعاً، لكن هذا الأخ كان عنده بصيرة، فقال له: فعلاً أنا أمثل؛ لأن بيني وبين أبي بعض المشاكل، فأريد منه أن يخفف عني الوطأة قليلاً، فادعيت أنني ملبوس.

كذلك قصة تلك التي كانت تشتكي من زوجها البخيل، قعد أحد المعالجين يعالجها بنفس المراحل، وفي النهاية بعدما لم ير أي تحسن في الحالة، قال لها: ما الأمر؟ لأنه لا يرى أي استجابة للعلاج، فقالت: أنا في الحقيقة أفعل هذا وأمثل أنني ملبوسة نتيجة أن زوجي رجل شديد البخل حتى أنه يقيس الزيت بالمسطرة.


الطريقة المثلى للتعامل مع غيبيات عالم الجن:

علاقة أهل الإيمان بالشياطين علاقة القهر والإذلال كما روي في الحديث -وإن كان فيه ضعف- عند الإمام أحمد في مسنده: (إن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر)، يعني: كما تأخذ بناصية البعير وتقهره وتذله، فكذلك المؤمن يفعل بشيطانه يقهره ويذله، لا أن يخاف منه، وبعضهم قال: ينضي: يجعله هزيلاً.

المؤمن كثير الذكر لله مما يجعل الشيطان هزيلاً ضعيفاً لا يجد فرصة لأن يتغذى ويسمن.

أليس إبليس -الشيطان الأحقر- هو الذي فر يوم بدر صارخاً فقال: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [الأنفال: 48]، ساعة الجد يخذلهم، فما بالك بجنوده، هم أضعف وأذل وأحقر، فالمخرج والبديل هو أن نحقق قوله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: 6] فنقول للناس: اتخذوه عدواً، إذ لا تصلح معه هدنة، ولا الإحسان إليه، ولا المصانعة ولا المداراة، لا يصلح مع إبليس إلا طريق واحد فقط هو: اتخاذه عدواً، ومعنى اتخاذه عدواً: ألا نطيعه في معصية الله سبحانه وتعالى.

يتبع إن شاء الله...


وقفة مع الجن 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

وقفة مع الجن Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفة مع الجن   وقفة مع الجن Emptyالخميس 13 ديسمبر 2012, 10:08 am

فمن هذا المدخل نقول للناس:

التلفاز كله فساد، وإذا أردت أن تطيع الله ينبغي أن تحمي نفسك من فساده، تضييع الصلاة كفر ونفاق وكذا وكذا، لماذا نحن نربط التزامه بالعلاج؟

بمعنى: أن بعض الناس إذا لم يلق فائدة ربما رجع إلى التلفاز، فنحن لا نطيع الله سبحانه وتعالى ونلتزم بالدين إلا على أساس العلاج، فإذا قضيت الحاجة تركنا ذلك لا، المفروض أن تكون دعوة الداعية والمعالج إلى العبودية لله سبحانه وتعالى، وليس إلى تحصيل هذه المصلحة، فنتذكر قوله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر: 42]، وقوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 17] الكل يبحث على السحرة للعلاج من مس الجن، والفرج لا يأتي إلا من الله سبحانه وتعالى، أين: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] وأين قوله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ [الأنعام: 17].

استعن بالله سبحانه وتعالى بالدعاء وبالذكر وبالاجتهاد في الطاعة يكشف ما بك من شر، وقال تعالى حاكياً عن حبيب النجار: إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ [يس: 23]، وقوله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة: 51]، وقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30] وغير ذلك من النصوص.


أيضاً من التنبيهات المهمة:

أنه ينبغي أن نتعامل مع هذه الحالات بصفتنا بشراً، ونتعامل مع الواقع الذي نحن فيه، فإذا أصبت بمرض فاذهب إلى الطبيب المختص، فبسبب تدهور فكرك تسلط عليك الجن، ولهذا كثيراً ما يهرع الناس ابتداء إلى المعنيين بعلاج المس دون أدنى تمييز أو تفرقة بين الساحر والمشعوذ، وبين من يعالجون بالقرآن الكريم، وترك الأسباب المعتادة مثل: الذهاب إلى الأطباء المتخصصين في الأمراض العضوية والنفسية.

كذلك نجد انعكاسات سيئة لهذه الظاهرة وردود أفعال مشينة بصورة غير عادية كالإعلان الذي ينشره أصحاب حزب الأحرار عن علاج فشل الخطبة المتكرر، فلو أن واحدة خطبت وفشلت الخطبة، أول شيء تهرع إليه هو التفكير في سحر ما تقليداً للنساء، وهذا كله من أساليب العجائز من النساء الجاهلات، ثم صارت هذه الأساليب معترفاً بها حتى بين الرجال، وصار من المألوف أن المرأة إذا خطبت أكثر من مرة ولم توفق أن يعتقد أن فيها سحراً، وأن خطيبها الأول هو الفاعل، وكلام كثير بهذه الصورة المعروفة.

بينما نحن نتعامل مع الواقع ومع الحقيقة ونبحث عن الأسباب، ولعل هذا الخاطب من النوع المتلاعب وغير الجاد، وربما الزواج لم يتم لأنه عاجز عن تقديم مستلزماته، أو أن الفتاة نفسها لا ترغب في الزواج، فالأولى أن يبحث عن السبب الحقيقي الذي أدى إلى ذلك نتجنبه، أما أن ندخل في مجال غامض ومبهم ولا حدود له ونقول: سحر أو ليس بسحر، ونفتح باب شر نحن في غنى عنه؟ لا.

ومن باب ما نظن أنه مصلحة نقع في الشرك عن طريق الذهاب للسحرة والمشعوذين، فينبغي على الإنسان أن يتعامل مع الأسباب المعتادة؛ فإن اعتراك مرض تذهب إلى الطبيب.

وأصبح من المعتاد جداً أن يسمع الواحد منا جنايات بمبررات غير سائغة، وأذكر أن أحد الإخوة سألني مرة فقال لي: الأخت كانت نفسيتها تعبانة قليلاً، فضربتها على رجلها ليخرج الجني، وكسرت لها أصبعها، ويتكلم وكأنه شيء معتاد، وكأنه لم يعمل جريمة، ويحكي ويسترسل في الحديث كأن الأمر ضيافة لها وكرامة.

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)، أنت مسئول عن هذه الجناية، ولولا غياب الشريعة الإسلامية، والتغاضي عن مثل هذه الأخطاء لعوقب هؤلاء العابثين بصحة الناس وبجوارحهم عقوبة شديدة، ولا شك أن الإسلام بريء من كل هذه الفوضى.


بين الطب والعلاج بالقرآن:


خلاصة الكلام يذكره أحد الأخصائيين النفسيين من ذوي الاستقامة، يقول:

إن حالات تلبس الجن ثابتة في الكتاب والسنة، ولكنها ليست بهذه الكثرة، والممارس لمهنة الطب النفسي يلاحظ أن معظم الحالات التي تتردد للعلاج لها مسار مرضي محدد، وتسلسل منطقي واضح، واستجابة معقولة للأدوية المتاحة رغم حصولها، فقط يكتفي بالعلاج إذ إن العلامات واضحة كلها تماماً وتبين ما إذا كانت أعراض مرض نفسي أو مرض عضوي، والطب النفسي الآن ليس كما كان من قبل، الطب النفسي الآن عبارة عن (1 + 1 =2)، فيوجد وضوح كامل في قواعد التشخيص وعلاماته بعد التقدم الهائل في هذا المجال، فلا يصح أن نسيء الظن في هذا المجال الذي عظمه الشرع، وحثنا على السعي إلى أهل الخبرة والثقة من الأطباء.


ثم يقول:

وإذا كانت هناك نسبة من الأمراض النفسية ما زالت أسبابها الحقيقية غامضة، فهذا يدعونا إلى البحث والدراسة والوصول إلى أسبابها، وليس أضر علينا من تفسير كل الأمراض على تلبس الجن أو السحر أو الحسد؛ لأن ذلك يوقف حركة الاجتهاد والبحث البشري، ولو كان الحال هكذا لما اكتشف علاج مرض واحد.


ويقول أيضاً:

من الصعوبة على أي شخص أن يجزم بأن حالة معينة هي من تلبس الجن، ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه عالج كل الحالات على أنها تلبس جن أو سحر أو حسد، ولكنه عالج بكل الوسائل: عالج بعض الحالات بالعسل، وعالج بالكي، وعالج بالحمية، وعالج بالحناء، وعالج بالعصابة للرأس.. إلخ، وأمر صحابته بالذهاب إلى الطبيب مع أن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب، ولكنه يعلمنا الأخذ بالأسباب.


إذاً: التعميم والتعتيم الذي يمارسه بعض المعالجين الآن ما هو إلا جهل بالدين أو بالطب أو كلاهما معاً.

ثالثاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)، وما يفعله الكثيرون من المعالجين البدائيين اليوم لا يخرج عن كونه عرافة أو كهانة؛ لأنهم يجزمون بتلبس الجن، والجن غيب عنا، والجزم بالغيب عرافة، وإذا كان بعضهم على علم فالغالبية على درجة شديدة من الجهل، وإذا كان بعضهم تقياً فالغالبية على غير الجادة، وليس هناك رقابة على ممارساتهم لذلك، فالمريض المسكين حين يذهب إلى أحدهم فهو يرمي نفسه في المجهول.

رابعاً: أن الاستعاذة من الجن ومن السحر ومن الحسد أمر يسير علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة المعوذتين، وآية الكرسي، وباقي الآيات في الصباح والمساء، وبتقوية العلاقة بين الإنسان وربه دون الحاجة إلى وسيط، وهذه الأدعية يقرؤها الشخص المريض على نفسه أياً كان نوع مرضه، أو يقرؤها عليه أحد أقاربه أو أصدقائه، ولا يكون هناك شخص بذاته يتولى هذه المهمة ويتخذها وظيفة وإلا أصبحت كهانة صريحة.

خامساً: ليس هناك ما يمنع من الجمع، بل إنه من الضروري الجمع بين أخذ الدواء الذي يفرضه الطبيب المتخصص، وبين الدعاء وقراءة القرآن والرقية الشرعية، لا مانع على الإطلاق بجانب الأسباب العادية أن تتعاطى العلاج بالقرآن الكريم وبذكر الله سبحانه وتعالى، وبالرقية الشرعية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل هذا من أمر الله وقدره وعلينا أن نحارب القدر بالقدر، سواء قدر التداوي بالأدوية، أو التداوي بالقرآن الكريم الذي قال تعالى فيه: وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82].

أما الأخذ بشيء مع إهمال باقي الأشياء فهو من قبيل النقص، فالإنسان جسد ونفس، ولا يمكن الفصل بينهما، وللجسد ما يفيده وللنفس ما يلائمها.


يقول أيضاً الدكتور عبد الستار أبو غدة في بحث له قيم جداً حول هذا الموضوع، نلتقط منه بعض العبارات بسرعة، يقول:

الأصل في المرض -أي: مرض كان- أن يبحث عن دوائه في الأسباب الكونية الظاهرة المقدور على فهمها وتفسيرها، ولذا لا يصار للبحث عن علاج آخر إلا عند العين، وسنرى أن الحالات المنقولة في السنة كلها فيها الإشارة إلى أن ما بهؤلاء المرضى قد أعيا الأطباء علاجهم، على أنه لا ينافي هذا أن يحصل الاقتران بين العلاج المادي والروحي الذي لا يتنافى اجتماعه مع الأخذ بالأسباب الظاهرة، ذلك أن الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى وسؤاله شفاء مريض مصاب بمرض غير معروف، والرقية له لا يقتصر على حالة العجز عن تحقيق الشفاء.

وهذا الفصل أيضاً غير مرغوب في الإسلام، أما أن نعتمد فقط على الأدوية، ونهمل جانب الرقية والعلاج بالدعاء وبالذكر، واضح أن الإنسان بدن ونفس وروح، البدن يعالجه الطب، والروح يعالجها القرآن، وليس فيه داعي أبداً للفصل بين هذين الركنين، فالالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، وسؤاله شفاء مريض مصاب بمرض غير معروف لا يقتصر على حالة العجز عن تحقيق شفائه، بل إن ذلك الالتجاء يرافق عملية العلاج للمرض، سواء حصل الأمل بشفائه أو العجز عنه، إنما لا يسوغ الاقتصار على العلاج الروحي ويترك الأخذ بالأسباب الأخرى التي وضعها الله سبحانه وتعالى في صورة قوانين طبيعية، وجاءت الشريعة بالتأكيد على أن الأخذ بها لا ينافي التوكل على الله، بل إن عدم الأخذ بها عجز وتواكل منهي عنهما شرعاً، ومستنكران عقلاً وطبعاً.


يقول أيضاً:

إن الإقدام على وسائل العلاج الروحي الزائدة على الدعاء والتعوذ والرقية من غلظة وشدة وانتهار وتهديد من المعالج موجهة في الظاهر للمريض يحل ذلك لا يحل إلا بعد أن يثبت أنه لا علاج له في الطب، أي: حتى يستيقن أن سبب هذا المرض غير عضوي، وأن يكون المعالج موقناً أيضاً بسلامة تصرفه، وأن تكون عاقبة ذلك مصادقة لما رآه، وإلا لم يكن بمنجاة من القصاص والتعزير، ثم ذكر أموراً من المعوذات المعروفة، والاستعاذة من نزغات الشياطين، وقراءة المعوذتين، وقراءة آية الكرسي، وسورة البقرة، والآيتين من سورة البقرة.. إلى غير ذلك من الأذكار المعروفة في هذا المجال.


ثم وجهت إلى الدكتور: عبد الستار أبو غدة في نهاية هذا البحث بعض الأسئلة -لأنه كان يحاضر بعض الأطباء- فسئل من أحدهم: نحن نعتقد بالجن باعتبارنا مسلمين -والتعبير هذا أدق فقول: (باعتبارنا أو بصفتنا) أولى، ولا داعي إلى كلمة (كمسلمين) التي تقتضي التشبيه- إلا أنه ما الدليل المستخرج من الشريعة على أن الجن قد يسببون الأمراض، وخاصة الأمراض العقلية النفسية؟ وما هو الدليل على أن الشفاء يتم باستخراج أو طرد الجن؟

الجواب: وردت بعض الأحاديث الصحيحة التي تدل على أن الجن قد يتسلطون على ضعاف الناس، ويسببون لهم أحوالاً مرضية لا يجدي فيها العلاج الطبي، وورد أن بعض هذه الحالات عولجت بتقوية نفس المصاب، وذلك بالتعوذ بالأدعية، وزجر الجني المتسلط عليه، ولا يقوى على ذلك إلا من كان قوي الإيمان والعزيمة، حتى يكون سلطانه على الأنفس الشريرة أقوى من سلطانها، فإذا تخلص المصاب مما كان يعانيه، دل ذلك على جدوى العلاج، هذا وإن درجة هذه الأحاديث تصلح للأخذ بها عملاً، ولم تصل إلى درجة أن يبنى عليها اعتقاد، يبدو أنه يقصد عدم التواتر وهذه قضية أخرى.


السؤال: كيف نتعرف على أن الجني مسيطر على شخص ما؟

الجواب: إذا أصيب الإنسان بمرض، أو خلل في جسمه أو عقله، فإن السبيل الذي دعت إليه الشريعة هو الرجوع إلى المختصين من الأطباء، فإذا لم يُجدِ العلاج الطبي فإن من المحتمل أن يكون سبب الإصابة أو المرض غير عضوي، فيضم إليه العلاج الروحي مثل: الأدعية والأذكار وتقوية نفس المصاب، والتغلب على تسلط النفس الشريرة المؤثرة عليه


. السؤال: ما حكم تعلم كيفية التخلص من الجن؟

الجواب: ليس هناك أمور خاصة تحتاج إلى تعلم أو تعليم، بل كل ما يحتاج إليه العلاج هو الدعاء بالأدعية المأثورة، وترداد الأذكار الواردة، مضافاً إلى ذلك صلاح المعالج وتقواه وقوة نفسه.


يقول أيضاً:

إن الجوانب الروحية والدينية في علاج الأمراض عامة والنفسية منها بخاصة هي العنصر الدائم في العلاج مهما تبدلت الوسائل الأخرى الخاضعة لمعطيات التجارب والكشوف.


أيضاً في كلامه عن العلاجات الروحية الغيبية يقول:

ومن الواضح أن العمل بالشيء أو تركه للآخر غير التصديق والجحود.


ويقول:

حين نقرر العلاج الروحي وتوقع بعض الصور الغيبية لا نلتزم ولا نقبل من صوره إلا ما ثبتت شرعيته بالنصوص الصحيحة، بعيداً عن الخرافات والأوهام، وذلك منهج واضح؛ لأن الإسلام قد وضع الأسس الكفيلة لإبعاد صور الدجل والاستغلال التي يخترعها كثيرون ممن يستغلون حال ضعف المريض واستسلامه لكل من يلوح له بالعلاج، وإن تسليط الأضواء على المنهج الصحيح كفيل بإزهاق الباطل حتى يذهب الزبد جفاء، وبإحقاق الحق حتى يبقى، وهو ما كان قائماً على أدعية وتعويذات مشروعة وهادفة، ولابد أن يؤدي إلى تراكم الشوائب التي علقت بهذا العلاج بسبب الغموض الذي يستغله بعض المشعوذين.

إن ما جاء في الطب النبوي من علاجات روحية في المرض والوجع واللدغة والإصابة بالعين مما صح في الأحاديث كله قائم على دعاء الله مباشرة دون وسيط، بأن يلزم الإنسان سواء السبيل للوصول إلى العلاج الناجح، (فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله سبحانه وتعالى)، وهذا الدعاء يصدر من المريض أو ممن يتوسم فيه استجابة دعائه بعيداً عن حمل التمائم والحجب.ثم يقول أيضاً: وهناك شعار يمكن رفعه في الدعوة إلى رحابة الصدر بهذا العلاج، وهو مستمد من قول النبي صلى الله عليه وسلم تعقيباً على استعراضه بعض الرقى المتداولة، وإقرار ما كان منها خالياً من الشوائب المخلة بالعقيدة أو السلوك الإسلامي، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)، وإن تسليط الأضواء على هذا النوع من العلاج إباحة للنفع، كما أن من ينكر عن جهل مضمونه ومستنداته يوصد باباً للنفع، ويصد عن سبيله.

وهنا يرد على الأطباء الذين ينكرون العلاج بالقرآن والذكر وبالعلاج الروحي، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)، ما دام فيه انضباط بالضوابط الشرعية المعروفة، وسد هذا الباب وإغلاقه على الناس يعدم.

المصدر:

http://audio.islamweb.net

تم بحمد الله...


وقفة مع الجن 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
وقفة مع الجن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الجن
» سورة الجن
» تفسير سورة الجن (72)
» علاقة الجن بالإنسان - هل لهم تأثير عليهم؟
» الباب العشرون: في تأويل رؤيا الجن والشياطين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: العـقـيـــــــــــدة الإســـــــلامـيـــــــــــــة :: كتابات في العقيدة-
انتقل الى: