إجازة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد لبن بقراءة الإمام عاصم

شيخ النقاد الرياضيين
الأستاذ محمد نجيب المستكاوي
المقدمة
النقد الرياضي أصبح في الفترة الأخيرة علم يدرس وله مدارسه الخاصة بفنونه ومعطياته..
ونقد المباريات الرياضية أمرٌ ضروري..
فهو الذي يفند للقارئ كل ما دار في الملعب من أحداث ويأخذ به ليعيش كلاهما بجو المباراة من جميع جوانبها ويكون وكأنه داخل نطاق المباراة ويشعر كل المتتبعين لهذا النقد وكأنهم داخل الملعب..!!
ووجود الناقد الرياضي في الصحف والمجلات لم يعد عنصراً مهماً فقط بل أصبح عنصراً أساسياً كبقية عناصر المباراة مثل الملعب واللاعب والحكم.. فلا يمكن أن تكتمل منظومة الإعلام الرياضي إذا غاب أحد هذه العناصر ..!!
وبهذه العناصر كلها تكتمل كل عوامل نجاح نقد المباراة..!!
وقد اعتادت جماهيرنا الرياضية من متتبعي الصحافة الرياضية سواء كان في البطولات المحلية أو الدورات الدولية على متابعة عدد من المعلقين والنقاد الذين يعطون القارئ راحة تامة في وصف المباراة ونقدها دون افتعال أو مبالغة أو تهويل أو إزعاج للقارئ كما يحلو مع الأسف لبعض المعلقين والنقاد الذين يستهويهم هذا النهج المزعج الذي يجعل القارئ وكأنه في ساحة حرب أو معركة ضارية!!

وتبعد بالقارئ بعيدا عن جو المباراة كحدث رياضي!! فبعض النقاد على الأحداث الرياضية ومن خلال وطنية زائدة ربما أسهموا في إشاعة ثقافة التعصب، ولعل مباراة مصر والجزائر الأخيرة مثالاً صارخاً على ما نقول.
فالناقد الرياضي عند الفوز يتحدث عن الانتصار بأنه يمثل وفاءاً للأجداد وعودة للإرث الحضاري وكأننا كسبنا الحرب العالمية الثالثة، بينما الحقيقة أن كرة القدم فن رفيع يسعى لتهذيب الغرائز البدائية ويعمق الروح الرياضية وتقبل النصر والهزيمة. إن هذا النوع من التعليق والنقد الرياضي يسهم في إشاعة التعصب ويبعدنا عن فلسفة التنافس .

أما النقد الرياضي المعافى فإنه يسهم في إنتاج جمهور رياضي واعٍ ومتحضر..
والنقد الرياضي كما قالوا قديماً بأنه:
فن وذوق رفيع المستوى قبل أن يكون علماً وخبرةً ودراسةً.
من هنا أجدني أعود بالذاكرة إلى الوراء لأستعيد قمة عالية من قمم النقد الرياضي والذي أدي عمله بصدق وإخلاص وإتقان وإحساس فامتد ذكره وأثره بين الناس.

ولا تزال كلماته ومسمياته ومصطلحاته جارية في الصحافة الرياضية علي امتداد الساحة المصرية والعربية على السواء.
وفي أبريل الماضي مر واحداً وتسعون عاماً علي مولده.
إنه شيخ النقاد الذي عشق الرياضة وخلده التاريخ.
إنه: محمد نجيب المستكاوي
والحقيقة التي لا مراء فيها أن هذا الرجل يستحق منا كل تقدير واحترام لأن هذا الرجل بكلمته الشريفة جعل النقد الرياضي أدباً وعلماً على مستوى الوطن العربي كله لما كان لقلمه من احترام ومصداقية مما جعل القراء يثقون في كلمته والحق يقال أنه في خلال مشواره الطويل لم ينطق بغير الحق في كل ما كتب بعيداً عن أي تعصب أو تحيز.

المولد والنشأة
ولد محمد نجيب المستكاوي في يوم الثامن من شهر أبريل العام 1918م بقرية الشين من أعمال مديرية الغربية آنذاك وتلقى تعليمه الابتدائي بها.
ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة طنطا ليتلقى تعليمه الثانوي في مدرسة طنطا الثانوية وكان من المتفوقين طوال دراسته بها ثم التحق بناءاً عن رغبته بكلية الحقوق بجامعة القاهرة وتخرج منها العام 1939م.

وبدأ محمد نجيب المستكاوي حياته لاعباً لكرة قدم في مدرسة طنطا الثانوية والغريب أنه بجوار كرة القدم كان يمارس ألعاب القوى والمصارعة والرجبي وحصل وهو لاعب على بطولة مصر في الجري السريع ثم انضم إلى فريق نادي الترسانة العام 1935م.. وظل لاعباً بالفريق الأول لنادي الترسانة في الفترة من العام 1935م وحتى العام 1939م.. ولكن كرة القدم في نادي الترسانة لم تحقق له ما يتمناه فاهتم بألعاب أخرى كثيرة كما ذكرنا وجاء على لسانه:
"أنه لو انضم لنادي الإسماعيلي كان من الأكيد أن يهتم بكرة القدم أكثر من ذلك وانتظم فيها لفترة أكبر من الوقت" كما جاء على لسانه رحمه الله لمجلة الصقر الرياضية.

وبدأ تاريخه مع الكلمة النزيهة والشريفة رئيساً لتحرير مجلة اللجنة الأوليمبية العام 1958م ثم عمل بعد ذلك بالقسم الرياضي بالأهرام منذ العام 1953م وتولى رئاسة القسم الرياضي بالأهرام العام 1959م. وله عدة كتب قام بتأليفها منها: الناس والكورة وكتاب: مواقف ومباريات لا أنساها وبلغت عدد الكتب التي قام بتأليفها ثلاثة عشر كتاباً.. هذا غير أنه شارك في عضوية اللجنة الأوليمبية المصرية خمس مرات كما تولى أمين صندوق اتحاد ألعاب القوى في مصر..

وعقب اتحاد مصر مع سوريا تولى منصب الأمين العام للجنة الأوليمبية العربية الأولى العام 1959م.. ثم تولى رئاسة اتحاد المصارعة المصري دورتين من العام 1975م واستمر بها حتى العام 1983م.. كما تولى رحمه الله رئاسة اتحاد المعوقين في الفترة من العام 1983م
وحتى العام 1990م.

وهكذا إذا أرادت الدولة أن تنهض باتحاد لعبة معينة فكان يتم إسناد رئاسة اتحاد اللعبة إلى الرجل الذي مارس كما قلنا العديد من الرياضات وكان عاشقاً للنادي الإسماعيلي وصاحب لقب الدراويش والهكسوس والتتار وصاحب لقب فرقة رضا للفنون الكروية ثم لقب فنانين إفريقيا توفى بعد أن ترك ذكرى عطرة بكلمة حقٍ فلم يكن ينحاز إلا للحق وتوفى وترك الشرف والنزاهة تبكي من بعده في مجال النقد الرياضي لكرة القدم في اليم الثالث عشر من شهر يوليو العام 1993م..

ورحل شيخ النقاد الرياضيين المصريين صاحب ألقاب الشواكيش للترسانة والعتاولة للزمالك والعناتيل للأهلي. والحق يقال أن جماهير الكرة العربية بصفه عامة وجماهير الكرة المصرية بصفه خاصة تنظر إلى جريدة الأهرام نظرة مختلفة للغاية عن باقي الجرائد سواءً القومية أو المستقلة.. فقد استطاع نجيب المستكاوي أن يجعل الصفحة الرياضية في جريدة الأهرام أفضل وأنظف الصفحات الرياضية التي تتمتع بمصداقية كبيره بين جماهير الكرة المصرية.

فما تقوله الأهرام دائماً هو الأصدق.. وما تكتبه الصفحة الرياضية في الأهرام دائماً له مطلق المصداقية لدى الجماهير كافة.
أعماله خلال مشوار حياته
رحل الفيلسوف الذي "أدب" الرياضة، والناقد الذي ريض الأدب!
لقد كان المستكاوي علامة فارقة في تاريخ النقد الرياضي، بحيث يمكن التأريخ للصحافة الرياضية بما قبل نجيب المستكاوي وما بعده!
فهو الذي أقام مدرسة أدبية للنقد الرياضي، توازي مدرسة النقد الأدبي، وهو الذي قام بتوعية القراء، وتبسيط الرياضة، ومصطلحاتها الجامدة، وجعلها شيئاً جميلاً ومقروءاً، وكانت من قبل شيئاً جامداً وكئيباً. وهو الذي جعل النقد الرياضي أدباً، وجعل الأدب نقداً رياضياً، وهو الذي أقام جسراً بين الرياضة المحلية والعالمية.

والمستكاوي هو الذي اخترع المفردات الشقية والعبارات العبقرية، والألقاب الذكية التي أطلقها علي الأندية واللاعبين، وما زالت تستخدم ويعاد تدويرها حتى الآن! فهو صاحب مصطلحات الدراويش والشواكيش والعتاولة والعناتيل وهو الذي أطلق الثعلب علي: حمادة
إمام والخطير علي: الخطيب، وأوناسيس علي: فاروق جعفر وبولاريس علي: عبده نصحي، والمهندس علي: رفعت الفناجيلي، ووزير الدفاع على: "حسن حمدي" والشيخ على:
"طه إسماعيل"! ونجيب المستكاوي كان بطلا لألعاب القوي، وتخرج في كلية الحقوق أوائل الأربعينيات، وترجم واحداً من أهم الكتب التي ظهرت في الأربعينيات وهو كتاب: أزمة
الضمير الأوروبي لـ"بول هازار" وقبل أن يعمل نجيب المستكاوي بالنقد الرياضي، قرأ الفلسفة الإغريقية لـ"ديورانت"، وكان مولعاً بالأدب اليوناني، وقرأ إسخيلوس أبو المسرح القديم وسونوكليس "والإلياذة والأوديسة"..

كما نهل من الثقافة الفرنسية، ووقع أسيراً لكتابات فلاسفة ومفكري الثورة الفرنسية، فولتير، ومونتسيكيو، وجان جاك روسو، وغيرهم!
إن نجيب المستكاوي هو أول من قدم للغة العربية جان جاك روسو، فترجم له قصة "اميل"، كما ترجم أعظم كتبه وهو: "العقد الاجتماعي"
وفي هذا الكتاب يقول روسو:
إن الإنسان لا يكون إنساناً إلا إذا كان حراً،
فإذا ما انتزعت حريته، سقطت مسئوليته عن أفعاله! وروسو كما يقول المستكاوي هو أعظم من كتب، وأروع من أحب!

شيخ النقاد الرياضيين محمد نجيب المستكاوي.. 2013_110

[center][color=green][size=24]
شيخ النقاد الرياضيين محمد نجيب المستكاوي.. 13410

[/b]
ترجم المستكاوي أهم كتب "مونتسيكيو"
"روح القوانين"، فقد كان من أنصار الحرية والديمقراطية البرلمانية والدستورية!
وقرأ المستكاوي أعمال "فولتير" وتوقف عند كتاب فلسفة التاريخ!
وفولتير هو فيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة، وهو صاحب العبارة الشهيرة:
"أخالفك الرأي لدرجة أني علي استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا لكي تقول رأيك!".
وحين سافر المستكاوي في بعثة رياضية إلي فرنسا لأول مرة، ذهب إلي متحف اللوفر يطالع أعمال رودان، ورينوار وغيرهما من كبار الفنانين!

ثم اتجه يتفقد البيوت التي عاش بها جان جاك روسو وفولتير، ومونتسيكيو وموليير وبلزاك، وذهب لكنيسة نوتردام يتفقد المكان الذي استوحي منه فيكتور هوجو روايته الشهيرة:
"أحدب نوتردام" ولا يعرف كثيرون أن المستكاوي الذي كتب عن الدروايش والعتاولة، وأشبعنا ضحكا علي الشغبي والليوي.
وعماشة وحمكشة أنه كان المستكاوي عضوا مستديما في ندوة الأحد بمنزل الدكتور طه حسين! وكثيرا ما أثار قضايا فلسفية وأدبية وتناول الشخصيات الأسطورية في الأدب اليوناني، أجاممنون وأخيل وسيزيف وغيرهم! ونجيب المستكاوي، في النقد الرياضي، هو المرادف والمعادل الموضوعي للدكتور محمد مندور في النقد الأدبي!
وليس غريبا أن كليهما قد تلقي ثقافته من منبع أساسي وهي الثقافة الفرنسية!

وقد تخرج كلاهما في كلية الحقوق، وفي حين ذهب مندور إلي فرنسا لنيل الدكتوراه في الآداب بترشيح من طه حسين، ذهب المستكاوي إلي كلية طه حسين شخصياً في ندوة الأحد، جنباً إلي جنبٍ مع عبد الرحمن شكري وعبد الرحمن بدوي وشوقي ضيف وغيرهم من عمالقة ذلك الزمان!
ونجيب المستكاوي له كتاب ظريف في أدب الرحلات "ابن بطوطة الرياضي"
يروي فيه مشاهدات وطرائف في بلدان العالم الكثيرة التي زارها!
ولو أن نجيب المستكاوي قد اشتغل بالأدب لربما بلغ مكانة توفيق الحكيم، ولو اختار النقد الأدبي لبلغ مكانة محمد مندور، أو لويس عوض.
وهذا من حسن حظ الرياضة، وسوء حظ الأدب!
ولعل ما دفع المستكاوي لاعتلاء عرش النقد الرياضي، هو التكوين الثقافي، فقد كان مولعاً بالقراءة، أكثر من ولعه بالكتابة!
كان من قبيلة الصحفيين الذين يقرءون أكثر مما يكتبون.. وليس من النقاد الذين يكتبون أكثر مما يقرءون!

تراثه الأدبي والفكري
للمستكاوي عدد كبير من المؤلفات والكتب المترجمة في الأدب والفكر والرياضة.
بقلم أحمد لبن
هذا البحث فاز بالمركز الأول في مسابقة رواد الإعلام
بكلية الإعلام / جامعة القاهرة 2010م

» جمال عبد الناصر يُحَجِّم دور محمد نجيب
» رواية خالد محيي الدين عن عودة محمد نجيب
» الفصل الثامن: بعد الانقلاب وقبل تشكيل وزارة محمد نجيب
» من هو نجيب ساويرس؟
» زكي نجيب محمود يناقش افكار غارودي