الشيخ المقرئ محمود إدريس
لقاء مع علم من أعلام القراءة والتجويد: الشيخ المقرئ محمود إدريس
أجرى اللقاء: إبراهيم بن عبدالعزيز الجوريشي

حرصاً من مجلة الفرقان على تسليط الضوء على أهل القرآن، أهل الله وخاصته، كان لها هذا اللقاء مع علم من أعلام القرآن، وفارس من فرسان القراءة والإتقان، على يديه تخرج المئات من الحفظة المتقنين لكتاب الله تعالى.

ذلكم هو فضيلة الشيخ المقرئ المجوّد المتقن:
محمود إدريس حفظه الله تعالى ونفع به.

الفرقان: بداية - فضيلة الشيخ - نحب أن تقدموا أنفسكم لقراء مجلة الفرقان.
الشيخ محمود: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أنا أخوكم في الله محمود بن عبدالقادر بن إدريس بن ناصر عكاشة، وعرفت باسم " محمود إدريس "، من مواليد مدينة اللد بفلسطين -فكّ الله أسرها- في عام 1938م تقريباً.

متزوج منذ سنة 1954م ورزقت باثني عشر مولوداً والحمد لله.

الفرقان: هلاّ حدثتنا عن بداية رحلتك مع القرآن الكريم؟
الشيخ محمود: بدأت رحلتي مع القرآن الكريم في سنة 1959م وكنت حينها متزوجاً وعندي أولاد، حيث بدأت بالحفظ وكنت أتوق لفهم معاني الآيات القرآنية، فسألت بعضاً من المشايخ عن الكتب التي تعين على ذلك فأرشدوني إلى كتاب تفسير القرآن العظيم لابن كثير، فذهبت إلى السوق في مدينة الزرقاء وبحثت عنه فلم أجده، فذهبت بعد ذلك إلى إحدى المكتبات في عمان ووجدته وكانت المكتبات وقت ذاك قليلة شحيحة.

الفرقان: ذكرت -شيخنا الفاضل- أنك بدأت بحفظ القرآن الكريم، فما هي الطريقة التي اتبعتها في الحفظ؟
الشيخ محمود: بعد أن اقتنيت تفسير ابن كثير بدأت أقرأ فيه، وكان نهجي في الحفظ أن أحفظ عشر آيات، فأقرأ تفسيرها وأفهمها ثم أنتقل إلى غيرها وهكذا.

وبدأت أستمتع بالحفظ – وكان هذا بدافع مني وبهدى من الله تعالى لي، وكنت في هذه الطريقة أحاول أن أنتهج منهج الصحابة رضوان الله عليهم حيث كانوا يقرؤون عشر آيات فيعلمونها ويحفظونها ويعلمون بها.

ووجدت نفسي مستمتعاً بالحفظ فتركت قراءة التفسير وركزت على الحفظ، فلما منّ الله علي بحفظ سورة البقرة، صرت في جدّ في عين نفسي ولسان حالي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " كان أحدنا إذا حفظ سورة البقرة جدّ في أعيننا " أي كبر في أعيننا.

ثم بدأت بعدها في حفظ سورة آل عمران، والقرآن ميسر كما تعلمون " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ".

فهو ميسر حكماً وتعليماً وحفظاً وهكذا حتى أتممت الحفظ كاملاً في عام 1961م.

الفرقان: ما هي المرحلة التي تبعت حفظك للقرآن الكريم؟ والأعمال التي قمت بها؟
الشيخ محمود: في أيام حفظي للقرآن الكريم كنت أتردد على مسجد عمر بن الخطاب في الزرقاء، وفي تلك الأيام حضر للمسجد شيخ مصري اسمه محمد الأمجد -رحمه الله تعالى- وكنت أحضر عليه دروس التفسير والوعظ والخطابة، وكان الشيخ محمد الأمجد -رحمه الله- داعية ملهماً يذكر القصة في درسه لو أعادها مراراً لا تملّ سماعها لجمال أسلوبه وقوة بيانه.

ومن تعلقي وحبي للمسجد كنت أقوم مع بعض الإخوة بخدمة المسجد وتنظيفه، وكنت في حينها أملك محمصاً، وآثرت أن أعمل خادماً في المسجد، فأخذني الشيخ محمد الأمجد وسجلني خادماً في المسجد وكان عملي في مسجد عمر في سنة 1961م.

ثم عملت مؤذناً ثم مدرساً للقرآن في دار القرآن الكريم في نفس المسجد، ثم قيّماً للمكتبة الإسلامية في المسجد، ثم إماماً وخطيباً فيه خلفاً لشيخي سعيد سمّور -رحمه الله- وذلك من عام 1972م حتى عام 1994.

وقد عملت أيضاً في كلية الشريعة مدرساً لمادة التلاوة ودرّست أيضاً في جامعة آل البيت سنتين برفقة الدكتور محمد خالد منصور حفظه الله.

وتنقلت بين عدة مساجد، حيث عملت إماماً في مسجد قرطبة ثم مسجد أبي حويلة، وأخيراً استقر بي المقام إماماً متطوعاً في مسجد ابن ماجة، ومدرساً للقرآن الكريم في دار قرآنه لوجه الله تعالى.

وفي هذا العام أكرمني الله تعالى بأمور كثيرة أهمها: أنني أتممت حفظ القرآن الكريم، ووفقني الله لأداء فريضة الحج.

الفرقان: شيخنا الكريم حبذا لو أخبرتنا عن مشايخك الكرام.
الشيخ محمود: في عام 1961م حضر إلى مسجد عمر بن الخطاب شيخي وأستاذي المقرئ عبدالودود الزراري وكان رحمه الله وعاءً من العلم في اللغة العربية والقراءات والعلوم الشرعية حافظاً لمتونها عارفاً لفنونها ...

فبدأت بالقراءة عليه في عام 1962م رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية وأتممت الختمة في يوم السبت 27 رجب 1385هـ الموافق 20 تشرين الثاني 1965م و أجازني رحمه الله بسنده المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن شيخه العلامة المقرئ عامر بن السيد عثمان رحمه الله تعالى.

ولازمت الشيخ عبدالودود أكثر من ربع قرن حتى وفاته رحمه الله وأفدت منه كثيراً.

وأكرمني الله تعالى أيضاً بالقراءة على شيخي وأستاذي الشيخ سعيد بن حسن سمور رحمه الله رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية وأجازني بها بسنده من شيخه المقرئ عثمان سليمان مراد صاحب السلسبيل الشافي كما قد تلقيت عن الشيخ سعيد متن السلسبيل الشافي وشرحه وكانت الإجازة في يوم الأربعاء 1 محرم 1389هـ الموافق 19 آذار 1969م.

فالشيخ عبدالودود والشيخ سعيد سمور شيخيّ في القراءة النحوية.

أما عن مشايخي في غير هذه العلوم، فلقد درست الفقه على الشيخ الفاضل نوح القضاة والفرائض على الشيخ هود القضاة والتوحيد والحديث الشريف على الشيخ عبدالودود الزراري واللغة العربية من نحو وصرف على الأستاذ رجب القدسي والتفسير على الشيخ أكرم النواس... وانتفعت بهؤلاء الأعلام وغيرهم.

الفرقان: متى بدأت تدرس وتقرئ القرآن وتعلم التجويد؟
الشيخ محمود: بعدما أجازني شيخي عبدالودود جلست للإقراء والتدريس في جامع عمر بن الخطاب حيث أنشأت فيه داراً للقرآن الكريم ومكتبة إسلامية يعود فضل تأسيسهما لشيخي الكريم عبدالودود الزراري رحمه الله.

الفرقان: ذكرت أن الشيخ عبدالودود قد جمع القراءات العشر فهل أخذت عنه شيئاً منها؟
الشيخ محمود: بعد أن أتممت حفصاً عن عاصم من طريق الشاطبية شرعت بحفظ متن الشاطبية على الشيخ عبدالودود وحفظت الأصول وبعضاً من الفرش للحروف، وعندما أردت أن أجمع القراءات على الشيخ لم يتيسر لي لشدة انشغال الشيخ وسفره خارج البلاد.

الفرقان: ماذا عن منهجية الشيخ عبدالودود والشيخ سعيد سمور في التدريس؟
الشيخ محمود: بالنسبة للشيخ عبدالودود عندما قرأت عليه كان يقرئني في الحصة ربعاً واحداً حتى ختمت وكان يشترط الحفظ، وتلقيت عليه علم التجويد بدراسة نظم تحفة الأطفال والجزرية، أما عن الشيخ سعيد سمور فتلقيت عنه نظم السلسبيل الشافي وشرحه ونسخته عنه في 1968م وكتاب السلسبيل الشافي لمن فهمه، يغنيه عن كثير من الكتب والمتون فهو اسم على مسمى، فهو عبارة عن متن فيه متونة وشرح فيه ليونة. ب

عد ذلك قرأت عليه القرآن الكريم غيباً برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية .

الفرقان: كما نعلم شيخنا الكريم أن لكل شيخ تلاميذ، فماذا عن تلاميذكم ؟
الشيخ محمود: أما عن التلاميذ فلقد أكرمني الله تعالى أن يسر لي إقراء الكثير الكثير من خلقة حتى أنني لا أستطيع أن أحصيهم، وقد فاق عددهم المئتين، حيث كما ذكرت أنني بدأت بالتدريس والإقراء في دار القرآن الكريم منذ سنة 1965 إلى حد الآن والحمد لله، وقرأ عندي من الأردن وخارجها.

ومن أشهرهم: "الشيخ ضيف الله أبوصعيليك، والشيخ أحمد رائق، والشيخ الدكتور إبراهيم الجرمي، والشيخ زياد إدريس الذي جمع القراءات فيما بعد عند الشيخ سعيد العنبتاوي رحمه الله، والشيخ مشهور العودات أيضاً من الذين جمعوا القراءات عند الشيخ سعيد العنبتاوي، والشيخ أنور الشلتوني، والشيخ طارق عصفور.. وغيرهم كثير.."

الفرقان: شيخنا الكريم، هل هناك من تلاميذك من النساء؟
الشيخ محمود: نعم، لقد أقرأت مجموعة من النساء وأذكر منهن: كوثر بنت عاطف، وطالبة أيضاً ختمت عندي اسمها (زاهدة) لم أسمع بمثل إتقانها ودقة تجويدها -سبحان من علمها- وهي تدرس بالسعودية.

الفرقان: ما هي منهجيتكم في التدريس والإقراء والإجازة؟
الشيخ محمود: أقوم بالتدريس يوميّاً في المسجد بين المغرب والعشاء، وقد يكون هناك مواعيد مختلفة لطلاب متقدمين أو غير ذلك، أقرأ لكل طالب ربعاً من القرآن، والحافظ من حفظه يقرأ، وغير الحافظ يقرأ من المصحف الشريف، فإذا ما ختم أعطي الحافظ لكتاب الله إجازة وسنداً أما غير الحافظ فأعطيه إجازة فقط (شهادة) وإذا رأيت أن الطالب أصبح يتقن ويتميز فإنني أزيد من حصته في القراءة.

الفرقان: ما هي أهم أعمال الشيخ وإنجازاته من تآليف ومصنفات؟
الشيخ محمود: لا يوجد عندي مؤلف مكتوب أو كتاب منشور.

وكنت قد سجلت برنامجاً من ثلاثين حلقة يعلّم أحكام التلاوة والتجويد كان يذاع بالإذاعة الأردنية، وأنوي بعون الله وتوفيقه أن أعيد تسجيل هذه الأحكام من جديد بصورة أفضل، وهناك مشروع أيضاً هو تسجيل مصحف صوتي برواية حفص بصوتي إن شاء الله. نسأل الله أن يعيننا عليه.

الفرقان: كما تعلم شيخنا الكريم أنه في الزرقاء كان هناك الشيخ سعيد العنبتاوي رحمه الله، فهل كان لك علاقة أو اتصال معه؟
الشيخ محمود: الشيخ سعيد العنبتاوي -رحمه الله- كنت أتمنى أن آخذ عنه القراءات لكنه لم يتيسر لي ذلك لشدة انشغالي، وكان اجتماعي فيه بمديرية الأوقاف. والحمد لله فإن لي تلاميذ قد أخذوا القراءات عنه حيث كان الشيخ إذا سمع طلابي يعرف أنه من تلاميذ الشيخ محمود لإتقانهم وحسن أدائهم.

الفرقان: نحب أن نسأل عن قضية تجويدية وهي الإخفاء الشفوي والقلب، كيف تلقيتموه؟
الشيخ محمود: بالنسبة لهذه المسألة فقد تلقيت عن شيخيّ عبدالودود الزراري وسعيد سمور -رحمهما الله- الإخفاء الشفوي والقلب بإطباق الشفتين، وأذكر أنني اجتمعت معهما في هذه المسألة وذكروا لي أن المتقنين من القراء يقرؤون بالإطباق، وإذا تتبعت تلاوة الشيخ الحصري تجد الأمر واضحاً في تلاوته، والله أعلم.

الفرقان: ما رأي الشيخ محمود في المصاحف الصوتية المسجلة؟

الشيخ محمود: إن المآخذ على أكثر من سجلوا المصاحف بأصواتهم عدم مراعاة الوقف والابتداء في تلاوتهم، وكما نعلم أن هذا العلم مهم جداً لطالب علم التجويد والقراءة، وكنت قد قرأت أنه لا يجاز القارئ بالقراءة والإقراء حتى يكون عنده علم في الوقف والابتداء.

والحقيقة أن المصحف المسجل بصوت الشيخ الحصري -رحمه الله- برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية فيه مراعاة ودقة في الوقف والابتداء.

الفرقان: شيخنا الكريم هل من كلمة أو نصيحة توجهها لقراء مجلة الفرقان ولأهل القرآن عامة؟
الشيخ محمود: أوصيهم وأذكرهم بقوله تعالى: " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " وبقوله تعالى: " واتقوا الله ويعلمكم الله "، وكما نعلم أن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، فيجب على قارئ القرآن أن يتدبر ويتفكر ويفهم القرآن، وأن يراعي الوقف والابتداء، فإن ذلك مفتاح لفهم الآيات.

الفرقان: نشكر الشيخ محمود إدريس على هذه المقابلة الطيبة وعلى الفوائد التي أتحفنا بها، سائلين المولى عزوجل أن ينفع بكم ويجزيكم خير الجزاء.