منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي  Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي    الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي  Emptyالخميس 09 فبراير 2012, 3:57 am

الفصل الثاني

النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي

الملكية المطلقة : 

كان العصر الجاهلي مسرحاً للحكم الجائر المستبد ، فقد كانت السياسة في هذا العصر ملكية مطلقة ، قد تقوم على تقديس البيوتات الخاصة ، كما كان في فارس ، فقد كان آل ساسان يعتقدون أن حقهم في الملك مستمد من الله ، وقد عملوا كل ما في استطاعتهم للتأثير في رعاياهم حتى أذعنوا لهذا الحق الملكي المقدس وصارت لهم عقيدة يدينون بها، وقد تقوم على تقديس الملوك مطلقاً، فكان الصينيون يسمون ملكهم الإمبراطور ابن السماء، ويعتقدون أن السماء ذكر، والأرض أنثى، وقد ولد الكائنات، وكان الإمبراطور ختا الأول هو بكر هذين الزوجين (106) ، وكان الإمبراطور يعتبر كالأب الوحيد للأمة، له أن يفعل ما يشاء، وكانوا يقولون له: " أنت أبو الأمة وأمها " ولما مات الإمبراطور "لي يان" أو "تاي تسونغ" لبست الصين ثوب الحداد، وحزنت الأمة حزناً شديداً، فمنها من أثخن وجهه بالإبر ، ومن قطع شعره ، ومن ضرب أذنيه بجانب النعش.


وقد تقوم على تقديس بعض الشعوب والأوطان كما كان في المملكة الرومية، فكان المبدأ الأساسي هو تقديس الوطن الرومي، والشعب الرومي.


ولم تكن الأمم والبلاد إلا خادمة لمصلحتها وعروقاً يجري منها الدم إلى مركزها، فكانت الدولة تستهين في ذلك بكل حق ومبدأ، وتدوس كل شرف وكرامة، وتستحل كل ظلم وشنيعة، ولا يمنع بلاداً من هذا الحيف والظلم اشتراك في دين وعقيدة ولا إخلاص ووفاء للملكة، ولا يعترف لها في زمن من الأزمان بحق حكمها نفسها بنفسها والتمتع بحقوقها في أرضها إنما هي ناقة ركوب في بعض الأحيان، حلوب في بعضها، لا يقدم لها العلف إلا ما يقيم صلبها ويدر ضرعها.


يقول (Robert Briffault ) عن الدولة الرومية:

(( لم يكن سبب انقراض الدولة الرومية وسقوطها الأساسي الفساد الزائد (كالرشوة وغيرها) بل كان الفساد والشر وعدم المطابقة بالواقع مما صحب نشوء هذه الدولة من أول يومها وتغلغل في أحشائها .


إن كل مؤسسة بشرية تقوم على أساس زائف منها ولا تستطيع أن تنقذ نفسها بذكاء أو نشاط ، ولما كان الفساد مما قامت عليه هذه الدولة فكان لا بد أن تبيد يوماً وتنهار ، لقد رأينا أن الدولة الرومية إنما كانت وسيلة لرفاهية طبقة صغيرة على حساب الجماهير الذين كانت هذه الطبقة تستغلهم وتمتص دمائهم .


لقد كانت التجارة تسير في رومة بأمانة وعدل وقد كان ذلك مما طبعت عليه هذه الدولة ، وقد كانت فائقة في قوة الحكم والقضاء ، وفي الكفاءة ، ولكن هذه المحاسن كلها لم تكن لتحفظ الدولة من عواقب الزيف الأساسي والخطأ (107))) .


الحكم الروماني في مصر والشام : 

يقول الدكتور الفرد. ج. بتلر عن الحكم الروماني في مصر :

(( إن حكومة مصر (الرومية) لم يكن لها إلا غرض واحد ، وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين ، ولم يساورها أن تجعل قصد الحكم توفير الرفاهية للرعية أو ترقية حال الناس والعلو بهم في الحياة أو تهذيب نفوسهم أو إصلاح أمور أرزاقهم ، فكان الحكم على ذلك حكم الغرباء لا يعتمد إلا على القوة ولا يحس بشيء من العطف على الشعب المحكوم(108) )).


ويقول مؤرخ عربي شامي عن الحكم الروماني في الشام :

(( كانت معاملة الروماني للشاميين بادئ ذي بدء عادلة حسنة مع ما كانت عليه مملكتهم في داخليتها من المشاغب والمتاعب. ولما شاخت دولتهم انقلبت إلى أتعس ما كانت عليه من الرق والعبودية، ولم تضف رُومية بلاد الشام مباشرة ولم يصبح سكانها وطنيين رومانيين، ولا أرضهم أرضاً رومانية، بل ظلوا غرباء ورعايا، وكثيراً ما كانوا يبيعون أبنائهم ليوفوا ما عليهم من الأموال، وقد كثرت المظالم والسخرات والرقيق، وبهذه الأيدي عمر الرومان ما عمروا من المعاهد والمصانع في الشام (109))).


(( حكم الرومان الشام سبعمائة سنة بدأ معهم في البلاد النزاع والشقاق والاستبداد والأنانية وقتل الأنفس ، وحكم اليونان الشام 369 سنة سادت في عهدهم الحروب الطاحنة والمظالم وظهرت المطامع اليونانية بأعظم مظاهرها وكان حكمهم من أشد الويلات وأشأم النكبات على الأمة الشامية (110) )) .


وبالاختصار كانت الولايات الرومية والفارسية غير مرتاحة في حكم الأجانب ، وكانت الأحوال السياسية والاقتصادية مضطربة حتى في مراكز الدولة وعواصمها .


نظام الجباية والخراج في إيران :     

ولم يكن النظام المالي والسياسة المالية في إيران عادلة مستقرة بل كانت جائرة مضطربة في كثير من الأحوال ، تابعة لأخلاق الجباة العاملين وأهوائهم والأحوال السياسية والحربية .


يقول مؤلف (( إيران في عهد الساسانيين )): (( كان الجباة لا يتحرزون من الخيانة واغتصاب الأموال في تقدير الضرائب وجباية الأموال ، ولما كانت الضرائب تختلف كل سنة وتزيد وتنقص لم يكن دخل الدولة وخرجها مقدرين مضبوطين ، وقد كانت الحرب تنشب في بعض الأحيان وليست عند الدولة أموال تنفقها على الحرب ، فكان يلجئها ذلك إلى ضرائب جديدة ، وكانت المقاطعات الغربية الغنية- وخاصة بابل- هدف هذه الضرائب دائماً (111))) .


كنوز الملوك ومدخراتهم : 

ولم يكن ما ينفق على أهل البلاد في إيران من مالية الدولة شيئاً كثيراً . وقد اعتاد ملوك إيران من القديم أن يكتنزوا النقود ويدخروا الطرف والأشياء الغالية (112) ، ولما نقل خسرو الثاني في المدائن أمواله إلى بناية أحدثها سنة 607- 608م وكان ما نقله 460 مليون وثمانية ملايين مثقال ذهب وذلك ما يساوي 370 مليون وخمسة ملايين فرنك ذهبي ، وفي العام الثالث عشر من جلوسه على العرش كان في خزانته 800 مليون مثقال ذهب (113) .


الفصل الشاسع بين طبقات المجتمع :

كان الغنى لأفراد معدودين والفقر لمعظم الأهلين ، يقول مؤلف " إيران في عهد الساسانيين " عن أخصب عهد من عهود إيران وعن أعدل ملك من ملوكها وهو كسرى أنوشروان: (( إن ما قام به كسرى من إصلاح النظام المالي كان في مصلحة مالية المملكة أكبر منه في مصلحة الرعية ، فلم تزل العامة يعيشون في الجهل والضنك كما كانوا في السابق وما شاهد الفلاسفة البيزنطيون من فوارق نسبية بين طبقات المجتمع والفصل الشاسع بينها والبؤس الذي كان يعش فيه رجال الطبقات المنحطة أقلق خاطرهم وانتقدوا المجتمع الفارسي بقولهم : إن الأقوياء فيه يقهرون الضعفاء ويعاملونهم بظلم وبقسوة شديدة (114) )).


وكانت المناصب وقفاً على بعض البيوتات والسلائل ذات الثروة والجاه والنفوذ عند الحكام.


ويقول (Robert Briffault) عن النظام الطبقي في الدولة الرومية:

(( مما جرت العادة أنه إذا أصيبت مؤسسة اجتماعية بالزوال والانحطاط لا يرى القائمون عليها حيلة إلا أن يمنعوها من الحركة والتطور ، لذلك كان المجتمع الرومي (في عهد الانحطاط) خاضعاً لنظام طبقي جائر يرزح تحته ، وما كان لأحد في هذا المجتمع أن يغير حرفته ، وكان لا بد للابن أن يتخذ حرفة أبيه (115) )).


الفلاحون في إيران:

أثقلت الضرائب المتنوعة المتجددة كاهل الجمهور حتى ترك كثير من المزارعين أعمالهم أو دخلوا الأديرة فراراً من الضرائب والخدمة العسكرية لأمة لا يحبونها أو لغرض لا يتحمسون له وفشت في الناس البطالة والجنايات وطرق غير شرعية للكسب .


يصر قول مؤلف " إيران في عهد الساسانيين ": ((كان الفلاحون في شقاء وبؤس عظيم وكانوا مرتبطين بأراضيهم ، وكانوا يُستخدمون مجاناً ويكلفون كل عمل ، يقول المؤرخ "اميان مارسيلينوس" إن هؤلاء الفلاحين البؤساء كانوا يسيرون خلف الجيوش مشاة كأنه قد كتب عليهم الرق الدائم ، ولم يكونوا ينالون إعانة أو تشجيعاً من راتب أو أجرة (116) وكانت علاقة الفلاحين بالملاك أصحاب الأراضي كعلاقة العبيد بالسادة (117))).


الاضطهاد والاستبداد :

واضطهد اليوم في الشام والعراق واليعقوبيون في مصر اضطهاداً كبيراً واستبد الحكام استبداداً شديداً وعاثوا في البلاد والدماء والأموال والأعراض . وتصامَّ أهل الحل والعقد عن شكواهم حتى صار الناس يعدون هذه الأوضاع الفاسدة ضربة لازب وقضاء محتوماً ، وصاروا في بعض الأيام يفضلون الموت على الحياة .


المدنية المصطنعة والحياة المترفة:

استحوذت على الناس في الدولتين- الفارسية والرومية- حياة الترف والبذخ وطغى عليهم بحر المدينة المصطنعة والحياة المزورة وغرقوا فيه إلى أذقانهم . فكان ملوك فارس والروم وأمراء الدولتين سادرين في غفلتهم لا هم لهم إلا اللذة والتهام الحياة ، وبذخوا بذخاً عظيماً تخطى القياس، ودققوا في مرافق المعيشة وفضول المدنية وحواشي الحياة تدقيقاً عظيماً جداً ، فكان لكسرى أبرويز 12 ألف امرأة وخمسون ألف جواد وشيء لا يحصى من أدوات الترف والقصور الباذخة ومظاهر الثروة والنعمة ، وقصره مثال في الأبهة والغنى (118).


يقول مكاريوس: (( لم يرو في التاريخ أن مليكاً بذخ وتنعم مثل الأكاسرة الذين كانت تأتيهم الهدايا والجرايات من كل البلدان الواقعة ما بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى (119) ولما خرجوا من العراق في الفتح الإسلامي تركوا في الخزائن من الثياب والمتاع والآنية والفضول والألطاف والأدهان ما لا يدرى ما قيمته )).


وقد وجد العرب قبابا تركية مملوءة سلالاً مختمة بالرصاص، قال العرب: فما حسبناها إلا طعاماً فإذا هي آنية الذهب والفضة (120) )).


ووصف المؤرخون العرب بهار كسرى الذي أصابه المسلمون يوم المدائن فقالوا:
(( هو ستون ذراعاً في ستين ذراعاً ، بساط واحد مقدار جريب ، أرضه بذهب ووشيه بفصوص وثمره بجوهر وورقه بحرير وماء الذهب فيه طرق كالصور وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدير، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرض المبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قضبان الذهب، ونواره بالذهب والفضة وأشباه ذلك، وكانوا يعدونه للشتاء، إذا ذهبت الرياحين، فكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه فكأنهم في رياض (121) ))، وهذا يدل على ما وصل إليه البذخ والترفه في المدنية الفارسية.


كذلك كان الشام في الدولة الرومية وحواضرها، وكانت الدولتان والمدنيتان – الفارسية والرومية.. كفرسي رهان في البذخ والترفه في دقائق المدنية، وقد بذخ الأباطرة ونوابهم وأمراؤهم في الشام بذخاً عظيماً وحوى بلاطهم وقصورهم ومجالس شربهم ولهوهم من آلات الترف وأسباب الرفاهية شيئاً كثيراً، وبلغت من الترف والأناقة شأوا بعيداً ، وقد وصف حسان بن ثابت الشاعر المخضرم مجلس جبلة بن الأيهم الغساني فقال: لقد رأيت عشر قيان خمس روميات يغنين بالرومية بالبرابط وخمس يغنين غناء أهل الحيرة أهداهن إليه إياس بن قبيصة وكان يفد إليه من يغنيه من العرب من مكة وغيرها، وكان إذا جلس للشراب فرش تحته الآس والياسمين وأصناف الرياحين وضرب له العنبر والمسك في صحاف الفضة والذهب وأتى بالمسك الصحيح في صحاف الفضة وأوقد له العود المندَّي إن كان شاتياً ، وإن صائفاً بطن بالثلج وأتي هو وأصحابه بكسى صيفية يتفضل هو وأصحابه بها في الصيف، وفي الشتاء الفراء الفنك وما أشبهه (122).


وكان الأمراء والأقيال والأغنياء ورجال البيوتات الشريفة وأفراد الطبقة الوسطى على آثار الملوك يحاولون أن يقلدوهم في لباسهم وطعامهم ومجالسهم وترفهم وكانوا يأخذون أنفسهم بعاداتهم ومناهج حياتهم ، وارتفع مستوى الحياة ارتفاعاً عظيماً وتعقدت المدنية تعقداً عظيماً ، وصار الواحد ينفق على نفسه وعلى جزء من لباسه ما يشبع قرية أو يكسو قبيلة ، وكان لابد منه لكل شريف أو وجيه ، حتى إذا أخل به وأغفله أشير إليه بالبنان وتفادته العيون ، حتى صار ذلك واجباً من وجبات الحياة وشريعة من شرائع المجتمع التي لا يحل العدول عنها .


عن الشعبي قال : كان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم في عشائرهم، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف، وكان هرمز ممن تم شرفه فكانت قيمتها مائة ألف وكانت مفصصة بالجوهر (123)، وتمام شرف أحدهم أن يكون من بيوتات السبعة ومن الأزادية كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى، وكان قد بلغ نصف الشرف، وكانت قيمة قلنسوته خمسين ألفاً (124) وبيع ما على رستم بسبعين ألفاً وكانت قيمة قلنسوته مائة ألف (125).


درج الناس على هذه المدنية المترفة وعاداتها الفاسدة ورضعوا بلبانها ونشأوا عليها حتى أصبحت لهم الطبيعة الثانية، وعز عليهم الفصال وشق عليهم أن يتنازلوا إلى الحياة الطبعية البسيطة حتى في ساعة عصيبة وفي فاقة واضطرار، ذكروا أن يزدجرد آخر ملوك فارس لما فر من المدائن أخذ معه ألف طاه وألف مغن وألف قيم للنمور وألف قيم للبزاة وآخرين وكان يستقل هذا العدد (126)، واستسقى الهرمزان ملك الأهواز أمام عمر فأتى به في قدح غليظ، فقال: لو مت عطشاً لم أستطع أن أشرب في مثل هذا. فأتي به في إناء يرضاه (127).


الزيادة الباهظة في الضرائب:
كانت نتيجة هذا البذخ والترف الطبيعية الزيادة الباهظة في الضرائب وسن القوانين الجديدة لابتزاز الأموال من طبقات الفلاحين والصناع والتجار وأهل الحرف حتى وصلت إلى حد الإرهاق وأثقلت كاهل الأهلين وانقضت ظهرهم.


يقول مؤلف "إيران في عهد الساسانيين": وقد جرت عادة ملوك إيران بقبول الهدايا والتقديمات من الرعية وكانوا يسمون ذلك " آيين" وكان ذلك علاوة على الضرائب الرسمية ، وكانوا يأخذون من الناس الهدايا جبراً يوم نوروز والمهرجان وكانت مناجم الذهب في أرمينيا ملكاً للملك ولنفقاته الخاصة (128) )).


ويقول المؤرخ العربي الشامي: (( كان يقضي على الشعب الشامي أن يؤدي الجزية وعشر غلاته وأتاوة من المال ورسماً على كل رأس ، وللشعب الروماني موارد مهمة من الجمارك والمناجم والضرائب والحقول الصالحة لزرع الحنطة والمراعي يؤجرونها من شركات المتعهدين يسمونهم العشارين ، يبتاعون من الحكومة حق جباية الخراج ، وفي كل ولاية عدة شركات من العشارين ، ولكل شركة مستخدمون من الكتاب والجباة يظهرون في مظهر السادة ، ويتناولون أكثر مما يجب لهم أخذه ، ويسلبون نعمة الأهلين ، وكثيراً ما يبيعونهم كما يباع الرقيق (129) )).


(( أوجز أحدهم السياسة الإمبراطورية في الرومان بقوله : (( الراعي الصالح يجز صوف غنمه ولا ينتفه )) فمضى القرنان وأباطرة الرومان يكتفون بجز سكان مملكتهم يسلبون منهم كثيراً من الأموال ولكنهم يحمونهم من العدو الخارجي(130) )) .


شقاء الجمهور :  

وهكذا أصبح أهل البلاد في كلتا المملكتين طبقتين متميزتين تمام التمييز : طبقة الملوك والأمراء ورجال البلاط الملكي وأسرهم وعشائرهم والمتصلون بهم والأغنياء ، فكانوا يعيشون بين الأزهار والرياحين ويتقلبون في أعطاف النعيم ، وينعلون أفراسهم عسجداً ، ويكسون بيوتهم حريراً وسندساً .


وطبقة الفلاحين والصناع والتجار الصغار وأهل الحرف والأشغال ، كانوا في جهد من العيش يرزخون تحت أثقال الحياة والضرائب والإتاوات ويرسفون في القيود والأغلال ويعيشون عيش البهائم، لا حظ لهم في الحياة إلا العمل لغيرهم والشقاء لنعيمهم ولا همَّ لهم إلا الأكل والعلف، فإذا سئموا هذا العيش المر تعللوا بالمسكرات والملهيات، وإذا تنفسوا من هذا العناء رتعوا في المحرمات، ورغم هذا الجهد في لمعيشة يجهدون أنفسهم في تقليد رجال الطبقة العليا في كثير من أساليب حياتهم ، فكان ذلك أشد من الجهد في سبيل الكفاف من الرزق والبلغة من العيش ، فتنغص حياتهم ، ويتكدر صفوهم ويشتغل بالهم .


بين غنى مطغ وفقر منس :  

وهكذا ضاعت رسالة الأنبياء ، والأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية في العالم المتمدن المعمور بين غنى مطغ وفقر منس ، وأصبح لغني في شغل عن الدين والاهتمام بالآخرة والتفكير في الموت وما بعده بنعيمه وترفه ، وأصبح الفلاح أو العامل في شغل عن الدين كذلك لهمومه وأحزانه وتكاليف حياته ، وأصبحت الحياة ومطالبها همَّ الغني والفقير وشغلهما الشاغل ، وكانت رحى الحياة تدور حول الناس في قوة لا يرفعون فيها إلى الدين والآخرة رأساً ، ولا يتفرغون لما يتصل بالروح والقلب والمعاني السامية ساعة .


تصوير الجاهلية :  

وقد صور أحد كبار علماء الإسلام (131) هذه الحال فأجاد التصوير، قال: (( اعلم أن العجم والروم لما توارثوا الخلافة قروناً كثيرة وخاضوا في لذة الدنيا ونسوا الدار الآخرة واستحوذ عليهم الشيطان، وتعمقوا في مرافق المعيشة وتباهوا بها، وورد عليهم حكماء الآفاق يستنبطون لهم دقائق المعيشة ومرافقها، فما زالوا يعملون بها ويزيد بعضهم على بعض ويتباهون بها حتى قيل إنهم كانوا يعيرون من كان يلبس من صناديدهم منطقة أو تاجاً قيمتها دون مائة ألف درهم أو لا يكون له قصر شامخ وآبزن (132) وحمام وبساتين، ولا يكون له دواب فارهة وغلمان حسان، ولا يكون له توسع في المطاعم وتجمل في الملابس وذكر ذلك يطول، وما تراه من ملوك بلادك يغنيك عن حكاياتهم ، فدخل كل ذلك في أصول معاشهم، وصار لا يخرج من قلوبهم إلا أن تمزع، وتولد من ذلك داء عضال دخل في جميع أعضاء المدينة وآفة عظيمة، ولم يبق منهم أحد من أسواقهم ورستاقهم وغنيهم وفقيرهم، إلا قد استولت عليه وأخذت بتلابيبه، وأعجزته في نفسه وأهاجت عليه غموماً وهموماً لا أرحاء لها ، وذلك أن تلك الأشياء لم تكن لتحصل إلا ببذل أموال خطيرة ، ولا تحصل تلك الأموال إلا بتضعيف الضرائب على الفلاحين والتجار وأشباههم والتضييق عليهم، فإن امتنعوا قاتلوهم وعذبوهم، وإن أطاعوا جعلوهم بمنزلة الحمير والبقر تستعمل في النضح والدياس والحصاد ، ولا تقتنى إلا ليستعان بها في الحاجات، ثم لا تترك ساعة من الغناء، حتى صاروا لا يرفعون رؤوسهم إلى السعادة الأخروية أصلاً ولا يستطيعون ذلك، وربما كان إقليم واسع ليس فيه أحد يهمه دينه (133) )).



الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الأول: العصر الجاهلي.. الفصل الأول: الإنسانية في الاحتضار
» مقدمة في فقه النظام السياسي الإسلامي
» من قواعد النظام السياسي في الإِسلام
» الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي
» المبحث الثاني: الإعداد السياسي للحرب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: كتاب ماذا خســر العالم-
انتقل الى: