في ظلال رمضان..
(11) (التوبة تمنع الذنوب من تحوير الفطرة وطمس نورها) Ocia1620
(11) (التوبة تمنع الذنوب من تحوير الفطرة وطمس نورها)

إن نكتة التوبة هي أنها تمنع التبديل والتغيير والتحوير، وذلك أن الله تعالى فطر عباده على الحنيفية (إني خلقت عبادي كلهم حنفاء)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومعنى الحنيفية هي (معرفة الله تعالى ومحبته وتوحيده)، فهذا موجود في كل فطرة.

وأما التغيير والتبديل والتحوير فجاء من الشياطين (فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم)، والنفس تقبل هذا من الشياطين وهذا خطؤها وضعفها ونقصها النابع من ظلم النفوس وجهلها.

والحنيفية تشمل جانبين:
الأول: المعرفة والتصديق بالله تعالى والإقرار به.
الثاني: وتشمل إرادة الله تعالى وقصده ومحبته وتوحيده.

والذنوب والانحرافات البشرية هي التي تطمس نور الفطرة ومعرفتها، كما تنحرف بإرادتها لتريد غير الله تعالى وتسعى الى سواه.

ولو تتابع هذا فقد يضعف التصديق أو تضعف الإرادة والمحبة، ولو تتابع أكثر لوصل إلى الشك والتكذيب والجحود، أو وصل إلى التعلق بغير الله تعالى محبة وإرادة.

أول الخطر هو الذنب وتتابعه إذا لم يعد منه صاحبه سريعا.

أمَّا التوبة فتزيل عوائق وغواشي الذنوب عن القلب، فتعمل الفطرة عملها وتصح، ويجد العبد في نفسه وفطرته من المعرفة ومن إرادة الله تعالى ما كان غافلا عنه، ووجدها تعرف الله وتطلبه في يسر ودون كلفة، وما كان يظنه من العمل الصالح على غير هواه، إذا به يجده مشتهى قلبه ونعيم روحه، وبه تقر عينه، واليه ترتاح نفسه.

فإذا أخرجت الفطرة معرفتها وطلبها لله تعالى، وعملت بانطلاق بعد حجب الذنوب وإزالة عوائقها، ثم وجدت نور الوحي المبارك، صدّقته، لأنها تجد في نفسها تصديقه مجملاً، وتجد الوحي جاء بما تصدق به وتعرفه، لكن جاء على وجه مفصّل، فيأتي نور الوحي على نور الفطرة، ولهذا قال تعالى: (نور على نور).

يقول ابن كثير: (مثل نور المؤمن الذي في قلبه، كمشكاة، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى، وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}، فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل، الذي لا كدر فيه ولا انحراف).

وعندما تعمل الفطرة، تجد الوحي مصدقاً ودافعاً وهادياً، وبهذا يتم هداها، فالرسل جاءت لتكميل الفطرة وتقريرها.

فإذا وجدت في نفسك ضعفا في تصديق أو خللا في إرادة فامنع تلك القاذورات والنجاسات من الذنوب فقد أمرضتها، فإذا رفعت عنها العلل والأمراض انطلقت الى ربها تعالى لا تشبع من كلامه، فإذا سمعَت كلامه عرفته وتلقته، قال عثمان (لو صفت قلوبنا ما شبعت من كلام الله).

وإذا صحّت فلن ترضى بغير الله تعالى مرادا لِذاته، ولن تعطي محبتها لسواه، ولن تقر عينها الا به، ولن تسعى الا اليه ولن ترتاح الا بالوصول اليه..

لماذا نستحمق فنضع غواشي ونجاسات الذنوب وقاذورات المعاصي على محل معرفة الله وإرادته، وهو محل نظر الرب تعالى، وهو القلب، لماذا نغشي غواشي على فطرتنا فتنسى ما فيها من المعرفة ونضعف أو نفسد ما فيها من الإرادة..

أرأيت؟
أنت أحوج الى التوبة من الطعام والشراب، فبالطعام والشراب يصح جسدك، وبالتوبة يصح قلبك وتستقيم فطرتك وتعمل أجهزتك المعطلة فتنطلق الى الله..

لمزيد بيان، يتبع غدا إن شاء الله تعالى..