عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (29)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الوسيلة الرابعة والخمسون: صيام النوافل Ia_aya19
الوسيلة الرابعة والخمسون: صيام النوافل
أين مَن يَحرص على صيام النوافل من بعد رمضان؟! أين مَن يتَّبع هدْي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لَم يترك خيرًا إلاَّ دَلَّنا عليه، ولَم يترك شرًّا إلاَّ وحذَّرنا منه، ففي الصحيحين ومسند أحمد، وسُنن الترمذي قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن صام يومًا في سبيل الله، بعَّد الله وجْهه عن النار سبعين خريفًا))، فحافِظْ -أخي يا بن الإسلام- على صيام النوافل، وهي كثيرة.

ومن أهمها:
• صيام الاثنين والخميس؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه النسائي، وصحَّحه الألباني: ((تُعرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم)).

• ثلاثة الأيام البيض من كلِّ شهر مدرجة لخير الصيام؛ قال -صلى الله عليه وسلم- كما عند البخاري: ((صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر صومُ الدَّهر كله))، وقال لابن عمرو - كما في الصحيحين -: ((صُمْ من كلِّ شهر ثلاثة أيام؛ فإنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر)).

ويُسْتَحبُّ أن تكون أيام:
ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذَرٍّ: ((يا أبا ذَر، إذا صُمْتَ من الشهر ثلاثة أيام، فصمْ ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخَمس عشرة))، والحديث رواه الترمذي والنسائي، وصحَّحه الألباني، وقال -كما عند النسائي وأبي يَعْلى، وحسَّنه الألباني-: ((صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر صيام الدهر، وهي أيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة))، فاجتهدْ أن تصوم في بقيَّة عُمرك ولو ثلاثة أيام من كلِّ شهر؛ فإن لهم أجرًا عظيمًا عند الله -تعالى.

• يوم عرفة لغير الحاج؛ قال -صلى الله عليه وسلم- كما روى مسلم: ((صيام يوم عَرَفة يُكَفر السنة الماضية والباقية))، وعند الترمذي، وابن حِبَّان، وصحَّحه الألباني: ((صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله)).

• يوم عاشوراء ويوم قبله؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله))، وأمَّا عن اليوم الذي قبله، فدليله ما قاله ابن عباس حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء، وأمَر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تُعَظِّمه اليهود والنصارى، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صُمنا اليوم التاسع))، قال: فلمْ يأتِ العام المُقبل حتى توفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث في صحيح مسلم وسُنن أبي داود، وصحَّحه الألباني.

• ست من شوال؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: ((مَن صام رمضان، وأتْبَعه بستٍّ من شوال، كان كصوم الدهر))، وقال -صلى الله عليه وسلم- كما عند أحمد والنسائي، وصحَّحه الألباني: ((صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعده بشهرين، فذلك صيام السنة))، واعلم أنه يجوز صيام هذه الأيام السِّتة من شوال مُتتابعة أو متفرِّقة في أيِّ أيام الشهر، عدا اليوم الأوَّل وهو يوم عيد الفطر؛ فإنه يَحرُم صيامُه.

• صيام شعبان؛ ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمَل صيام شهر قطُّ، إلاَّ شهر رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان".

• صيام أكثر المحرَّم؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم وغيره: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرَّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)).

ولعلَّه يُشكل على ذلك أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر ما يصوم في شعبان، فلماذا لَم يَصُم في المحرَّم مثلما كان يصوم في شعبان؟!

أجاب العلماء عن ذلك بعدة أجوبة؛ منها:
ما قاله النووي: لعلَّه لَم يَعلم فضْل المحرَّم إلا في آخر الحياة، قبل التمكُّن من صومه، أو لعلَّه كان يَعرِض فيه أعذارٌ تَمنع من إكثار الصوم فيه، كسفرٍ أو مرض.

ومنها: ما ذهَب إليه ابن رجب من أن التطوُّعَ بالصوم نوعان:
الأول: التطوُّع المُطلق، فهذا أفضله المحرَّم، كما أنَّ أفضل التطوع المطلق في الصلاة قيام الليل، والثاني: ما كان صومه تَبَعًا لصيام رمضان قبله أو بعده، فهذا مُلتحق بصيام رمضان، وصيامه أفضل من التطوع مُطلقًا، كالسُّنن الرواتب، فهي أفضل من السُّنن المطلقة.

• صيام يوم وفطر يوم؛ ففي الصحيحين: ((أحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويُفطر يومًا)).

• عشر ذي الحِجة؛ فعند أبي داود والنسائي عن هُنَيْدة بن خالد عن امْرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحِجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كلِّ شهر، وأوَّل اثنين من الشهر والخميس"، والحديث صحَّحه الألباني.

وهنالك احْرص على السَّحُور متأخِّرًا وعجِّل الإفطار، واحْرِص على أن يصومَ معك أهل البيت، وشجِّعهم على ذلك، واجْتمِعوا على الإفطار والسحُور، واحْرِص كذلك على إفطار الصائم، ادْعُ غيرَك إلى الصيام، وفطِّر الصائمين.

تنبيه: فيما يتعلَّق بصوم رجب:
لَم يَثبت فضيلة الإفراد لصوم شهر رجب، ولا صيام أيَّام منه، بل صيامه كباقي الشهور؛ مَن كان له عادة بصيام، فهو على عادته، ومَن لَم يكن له عادة، فلا وجْه لتخصيص صومه، ولا صوم أوَّله، ولا ليلة السابع والعشرين منه بصومٍ، بل ثبَتَ عن عمر النهي عن ذلك؛ فعن خَرَشَة بن الحُرِّ، قال: "رأيتُ عمر يَضرِب أكفَّ الناس في رجب، حتى يضعوها في الجِفان، ويقول: كُلوا؛ فإنما هو شهر تعظِّمه الجاهليَّة"؛ رواه ابن أبي شَيبة، وصحَّحه الألباني، قال الألباني: "إن نَهْيَ عمر عن صوم رجب -المفهوم من ضرْبه للمترجِّبين- ليس نَهْيًا لذاته، بل لكيلا يلتزموا صيامه ويُتِمُّوه، كما يفعلون برمضان"، قال ابن قدامة: "ويُكْرَه إفرادُ رجب بالصوم".

وثَبَتت كَراهة صومه عن ابن عباس وأبي بَكْرة، وأنس وغيرهم، وأمَّا حديث: ((صُمْ من الحُرُم واترُك))، فهو حديث ضعيف؛ رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وضعَّفه الشيخ الألباني، فلا يصحُّ الاحتجاج به، وإن صحَّ، فليس فيه دليلٌ على تخصيص رجب بصوم، وعلى هذا فيجوز الصيام في رجب إذا وافَق له عادة بصيامٍ، وأمَّا إن خَصَّه أو اعتقَد أنَّ لصيامه فضيلةً خاصة، فهذا لا دليلَ عليه، والله أعلى وأعلم.
--------------------------------------------------------------