عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (28)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الوسيلة التاسعة والعشرون: إطعام الطعام Ia_aya44
الوسيلة التاسعة والعشرون: إطعام الطعام
قال -تعالى-: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورً﴾ [الإنسان: 8 - 11]، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي بسند حسن: ((أيما مؤمن أطعمَ مؤمنًا على جوعٍ، أطعمَهُ الله من ثمارِ الجنة، ومن سقى مؤمنًا على ظمأ، سقاه الله من الرَّحيقِ المختوم)).

وكان كثيرٌ من السَّلفِ يحرصون على إطعامِ الطعام، ويقدمونه على كثيرٍ من العبادات؛ يسوقهم إلى ذلك خوف أنْ تصيبَهم دعوةُ نبيِّهم التي صححها الألباني في "صحيح الجامع": ((لا خير في مَن لا يضيف))، وكان كثير من السَّلفِ يؤثِرُ بفطورِه وهو صائم، منهم: عبدالله بن عُمر، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل.

وكان من السَّلفِ مَن يطعم إخوانَه وهو صائم، ويَجلس يخدمُهم ويروحهم؛ منهم: الحسن، وابن المبارك، فإذا أعجبَتْك وجبةُ طعام اليوم فقدِّمْها للفقير، فإن لم تفعل فقدِّم منها للفقير، وستجد طعمَها في الجنة، لكنَّه أشهى! أمَّا ما بخلتَ به وأكلت، فمَآلُه بيت الخلاء بعد ساعة.

وعبادةُ إطعامِ الطعام تنشأ عنها عباداتٌ كثيرة؛ منها التودَّدُ والتحبُّب إلى إخوانِك الذين أطعمتَهم، فيكون ذلك سببًا في دخولِ الجنة؛ ففي صحيح مسلم قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لن تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السَّلامَ بينكم)).

كما ينشأ عن عبادةِ إطعام الطَّعامِ مجالسةُ الصَّالحين، وتوثيقُ التعارف، ورفعُ الكُلفةِ عن الإخوان، واحتسابُ الأجرِ في معونتهم على الطَّاعاتِ التي تقوَّوا عليها بطعامِك.

ولا تخش -أخي يا بن الإسلام- ألاَّ يكفيك الطَّعامُ لو أطعمتَ معك غيرَك من طعامِك؛ فلقد جاء عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في "الصحيحين": ((طعامُ الاثنين كافي الثلاثة، وطعامُ الثلاثة كافي الأربعة))، وفي "صحيح الجامع": ((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعامُ الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية))؛ قال ابنُ الأثير: "يعني شِبَعُ الواحدِ قوتُ الاثنين، وشبع الاثنين قوت الأربعة، وشبع الأربعة قوت الثمانية".

وهذه البركةُ في الطَّعامِ مصدرها قوة إيمانٍ بموعود الله، دفعت صاحبَها إلى الإيثارِ وبذل الطَّعامِ على حبِّه، والرضا بنصفِ بطنٍ في سبيلِ الغير، فيكافئ اللهُ صاحبَها بقوةِ دينٍ وحسنِ خلق؛ قال عبدُالواحد بن زيد: "مَن قَوِيَ على بطنِه قوي على دينِه، ومن قوي على بطنِه قدر على الأخلاقِ الصَّالحة، ومن لم يعرف مضرتَه من قِبَل بطنِه، فذاك رجلٌ في العابدين أعمى".