عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (26)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الوسيلة السابعة عشرة: الشَّفَقة على البنات والضُّعفاء والمساكين، وإيثارهم على النَّفْس 3_ia_a12
الوسيلة السابعة عشرة: الشَّفَقة على البنات والضُّعفاء والمساكين، وإيثارهم على النَّفْس
فقد روَى مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءتْني مسكينة تحمِل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاثَ تمرات، فأعطتْ كلَّ واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتْها ابنتاها، فشقَّتِ التمرة التي كانت تُريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: ((إنَّ الله قد أوْجَب لها بها الجَنَّة، أو أعتَقَها بها مِن النار)).

وقد ترْجَم له الإمام النووي في الرِّياض تحت عنوان: "باب: ملاطفة اليتيم والبنات وسائرِ الضَّعَفَة والمساكين والمنكسرين، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضُع معهم وخفْض الجَناح لهم".

ويدخُل في ذلك أيضًا كفالة اليتيم ورِعايته والقيام بشؤونه؛ قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في الصحيحين: ((أنا وكافِلُ اليتيم في الجنة هكذا - وأشارَ بإصبعيه السبابة والوُسْطى، وفرَّج بينهما)).

اليتيم هو الصغير الفاقِد الأب؛ لأنَّ الأب هو الذي يعول الصغير، ويرْعَى شؤونه، ويقوم بتعليمه وتأديبه، وتعاليم الإسلام تحثُّ على معاملة اليتيم معاملةً حسنة؛ وذلك مراعاةً لنفسيته؛ لأنَّه لَمَّا فقَدَ أباه شعر بالحاجة الشديدة إلى مَن يقوم بحمايته، ويقوِّي عزيمته، ويشدُّ أزره، لَمَّا فقد أباه شعر بالوحشة والذلَّة والانكسار، فكان لا بدَّ من تعويضه؛ لئلاَّ ينحرف، فجاء الإسلام ليعالج هذا كله.

أخي -يا بن الإسلام-:
إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الجنة، فأحسِن معاملةَ اليتيم، إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع سيِّد الأولين والآخرين، فأدْخِل السرور على قلْب يتيم، جفِّف دمعَه، امسحْ رأسه، اكْسُ بدنه، أضحِك من اليتامَى وُجوهًا، شق الحزن في خدودها أخاديد؛ ففي الحديث الصحيح في المسند أنَّ رجلاً شكَا إلى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قسوةَ قلْبِه، فقال له: ((إنْ أردت تليينَ قلْبك، فأطعِم المسكين، وامسَحْ رأس اليتيم)).

ومِن الأدَب مع الأيتام:
1 - كفالة اليتيم بأن يُعطَى ما يَكفيه لحياته ومؤنته، وقد سبَق حديث ((أنا وكافِل اليتيم...)).

2 - الإحسان إليه دائمًا، وتطييب خاطِره، وعدم إيذائِه.

3 - المسْح على رأسه، والاحتِفاء به، والدُّعاء له.

4 - إدْخال السُّرور على قلْبه بالهدايا، والثناء عليه، وغيرها.

5 - حِفظ مال اليتيم؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10].

6 - عدم التفاخُر بالأنساب خاصَّة في وجودِ وحضور اليتامَى؛ فالتفاخر بالأنساب إنَّما هو عادةٌ جاهليَّة، أبطلها الإسلام الحَنيف، وحرَّمها تحريمًا قاطعًا، فليس الفضلُ بالنَّسَب؛ وإنما الفضْل بالتقوى والصَّلاح، واليتيم حين يُفْتَخَرُ أمامَه بالأنساب يجِد في نفْسه ويحزن، لكنَّه لو علم أنَّ الإسلام هو أعظمُ نسَب لما حزن، فليس يتيمًا مَن استظلَّ بظلِّ الإسلام، ولجأ إلى توجيهاته فصارَ ابنَ الإسلام.
--------------------------------------------------