عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (3)
الشيــخ: الشيــخ: مـحــمـود الـعــــــشري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
القاعدة الثانية: معرفة فضل المواسم، ومِنَّة الله فيها، وفرصة العبد فيها Ia_aya14
القاعدة الثانية: معرفة فضل المواسم، ومِنَّة الله فيها، وفرصة العبد فيها:
قال ابن رجب -رحمه الله-: وجعَل الله -سبحانه وتعالى- لبعض الشُّهور فضلاً على بعض، كما قال -تعالى: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، وقال -تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، وقال -تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185].

كما جعل بعض الأيَّام والليالي أفضلَ مِن بعض، وجعل ليلة القَدْر خيرًا من ألفِ شهر، وأقسم بالعشر، وهي عَشْر ذي الحجة على الصَّحيح، وما في هذه المواسم الفاضلة موسمٌ إلاَّ ولله -تعالى- فيه وظيفةٌ من وظائف طاعتِه، يُتقرَّب بِها إليه، ولله فيه لطيفةٌ من لطائف نفحاته، يُصيب بها مَن يعود بفضله ورحمته عليه؛ فالسَّعيد مَن اغتنم مواسم الشُّهور والأيام والساعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطَّاعات؛ فعسى أن تصيبه نفحةٌ من تلك النفحات، فيَسْعدَ بها سعادةً يأمن بعدها من النار وما فيها من اللَّفحات.

وقد خرَّج ابنُ أبي الدُّنيا والطبرانيُّ وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((اطْلُبوا الخير دهْرَكم كلَّه، وتعرَّضوا لنفحات ربِّكم؛ فإنَّ لله نفحاتٍ من رحمته يُصيب بها مَن يشاء من عباده، وسَلُوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم))؛ وهو في "ضعيف الجامع".

وفي "الطَّبراني" من حديث محمد بن مَسْلَمة مرفوعًا: ((إنَّ لله في أيام الدهر نفحاتٍ فتعرَّضوا لها؛ فلعلَّ أحدَكم أن تُصِيبه نفحةٌ فلا يشقى بعدها أبدًا))؛ والحديث في "صحيح الجامع".

وفي "مسند الإمام أحمد" عن عقبة بن عامر عن النبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس مِن عملِ يومٍ إلاَّ يُختم عليه))؛ والحديث في "صحيح الجامع".

روى ابن أبي الدُّنيا بإسناده عن مُجاهد، قال: "ما من يومٍ إلاَّ يقول: ابْنَ آدم، قد دخلْتُ عليك اليوم، ولن أرجع إليك بعد اليوم، فانظر ماذا تعمل فِيَّ، فإذا انقضى طواه، ثم يختم عليه، فلا يفكّ حتى يكون الله هو الذي يَفُضُّ ذلك الخاتم يوم القيامة، ويقول اليوم حين ينقضي: الحمد لله الذي أراحني من الدُّنيا وأهلها! ولا ليلة تدخل على الناس إلاَّ قالت كذلك"، وبإسناده - أي: ابن أبي الدُّنيا - عن مالك بن دينار.

وعن الحسن قال: "ليس يومٌ يأتي من أيام الدُّنيا إلا يتكلَّم، يقول: يا أيُّها الناس، إنِّي يوم جديد، وإنِّي على ما يُعمل فيَّ شهيد، وإنِّي لو قد غربَت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة"، وعنه أنه كان يقول: "يا بْنَ آدم، اليوم ضيفك، والضيف مرتَحِل، يَحْمدك أو يذمُّك، وكذلك ليلتك"، وبإسناده عن بكرٍ المُزني أنه قال: "ما من يومٍ أخرجه الله إلى أهل الدُّنيا إلا ينادي: ابن آدم، اغتنِمني؛ لعلَّه لا يومَ لك بعدي، ولا ليلةٍ إلاَّ تنادي: ابن آدم، اغتنمني، لعلَّه لا ليلة لك بعدي"، وعن عمر بن ذرٍّ أنه كان يقول: "اعمَلوا لأنفسكم -رَحِمكم الله- في هذا اللَّيل وسوادِه؛ فإنَّ المغبون من غُبِن خير الليل والنَّهار، والمَحْروم من حُرِم خيرهما، وإنما جُعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربِّهم، ووبالاً على الآخَرين للغفلة عن أنفسهم، فأحْيُوا لله أنفُسَكم بذِكْره؛ فإنَّما تَحيا القلوب بذِكْر الله".

واعلم يا بن الإسلام -رحِمَني الله وإيَّاك- أنَّ معرفة فضل المواسم يكون بِمُطالعة ما ورد فيها من فضلٍ، وبما يحصل للعبد من الجزاء إذا اجتهد، ويمكنك مطالعةُ هذه النُّصوص والآثار في الكتب المَعنيَّة بالفضائل؛ كـ"رياض الصالحين" للنووي، و"الترغيب والترهيب" للمنذري، و"لطائف المعارف" لابن رجب.
--------------------------------------------------------