مخالب الاستشراق في العالم الإسلامي
الحسن كمال
مخالب الاستشراق في العالم الإسلامي Ocia1355
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي بيَّن للناس طريقَ الحق ليسلكوه، وطريقَ الباطل ليتَّقوه.

أيها الأحبةُ الكرام، تستمرُّ الطعناتُ من الأعداء على القرآن والسُّنة والمسلمين؛ بل وتستمر الهجمات الشرسة على ثوابتِ القرآن والسنة؛ لتمزيقها، أو لإفنائها إن استطاعوا، ومِن هذه الهجماتِ ذات المخالب المؤثِّرة، والتي توغَّلتْ فكريًّا وأدبيًّا وأخلاقيًّا بين أبناء الأمة الإسلامية، ما يسمَّى بالاستشراق، فهلمُّوا لنُلقِ الضوءَ عليه بإيجاز.

ما الاستشراق؟
الاستشراق هو: الاشتغالُ بدراسة الشرق من أقصاه إلى أدناه، في كلِّ ما يتعلَّقُ به من عقائدَ ومعتقداتٍ، وآدابٍ وفنون، وعاداتٍ وتقاليدَ، وتاريخٍ وجغرافيا.

أهداف الاستشراق:
1- التشكيكُ في دستور الإسلامِ الخالد، والمعجزة الباقية (القرآن الكريم).

2- التشكيك في رسالة النبي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم.

3- التشكيك في الدِّين الإسلامي نفسِه، وأنه ليس دينًا مُنزلاً من عند الله.

4- التشكيك في صحَّة السُّنة النبوية.

5- التشكيك في معظم جوانب التراث الإسلاميِّ العلمي والحضاري.

مراحل الاستشراق:
1- مرحلة التكوين:
وهي مرحلةُ الانبهار بالحضارة العربيَّة والإسلامية، وذلك منذ بداية الفتح الإسلامي في أوروبا، فأنشؤوا مكتبَ المترجمين سنة 1130م، وترجموا أمهاتِ الكتب العربية إلى اللاتينية، وقام الراهبُ الإنجليزي (هرمان) بترجمة القرآن الكريم لأول مرة سنة 1143م، ولخوف الكنيسة من تأثُّرِ أتباعها بتعاليم القرآن؛ أخفتْ هذه الترجمةَ، فلم تظهر إلا في عام 1534م.

2- مرحلة التقدُّم:
وذلك بعد الحروب الصليبية، حيثُ لم تؤتِ ثمارَها الاستعمارية المرجوَّة منها؛ فبدؤوا يفكرون في غزو المسلمين فكريًّا؛ لزحزحتهم عن عقيدتِهم الراسخة، والتي كانت السببَ الرئيس في تصدِّيهم للصليبيِّين، فقضى مجمع فيينا سنة 1311م بتأسيس دروس للغة العربية في عواصم أوروبا، وتبع ذلك دور الأديرة في دراسة المؤلفات العربية المترجَمة في ذلك الوقت.

3- مرحلة الانطلاق:
شهد القرنُ السادسَ عشرَ والسابعَ عشرَ الميلاديان ازدهارًا كبيرًا للاستشراق في النواحي العلمية والدراسية المتخصصة، وبمطلع القرنِ الثامنَ عشرَ ثبَّتَ الاستشراقُ أقدامَه، ووطَّدَ مراكزَه، وأقبل طلابُ أوروبا عليه، وخُتِمَ ذلك القرنُ بحملة نابليون على مصرَ وبصحبته كثيرٌ من العلماء المستشرقين، وعُقِدَ أول مؤتمر للمستشرقين في باريس سنة 1873م، ثم توالتِ المؤتمراتُ الخبيثة للاستشراق بعد ذلك.

ومع بداية القرن العشرين، حيث بدأ العالمُ العربي في الاستقلال، بدأتْ حركةُ الاستشراق تغوص في أعماق الفكر والأدب الإسلامي، وانتقل المستشرقون من الهجوم المباشر على الإسلام، إلى الهجوم المستتر الخفيِّ.

دوافع الاستشراق:
1- الدافع الديني:
وهو أقوى الدوافع؛ بل مِن أجْله نشأ الاستشراقُ وظهر على يد الرهبان في العصور الوسطى، واعتبروه الوسيلةَ البديلة للاستعمار، وأنشأتِ الكنيسةُ أولَ مركز لدراسة تاريخ الإسلام في طليطلة بالأندلس سنة 1350م.

2- الدافع الاستعماري:
بعد فشلهم في حربهم الصليبية، أخذوا يتحينون الفرصةَ لاستعمار المسلمين فكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وحاولوا من خلال حركة الاستشراقِ القضاءَ على اللغة العربية باعتبارها لغةَ القرآن، تحت مسمَّى (الترابط الثقافي)؛ بل هو في الحقيقة غزوٌ ثقافي.

3- الدافع العلمي: وهم بالنسبة لهذا الدافعِ فئتان:
أ- درسُوا العلومَ العربية والإسلامية بدافع علمي محض؛ بغيةَ الاستفادةِ من تراثِ وحضارة هذه الأمَّة.

ب- على العكس من الفرقة الأولى، درسوا العلوم العربية والإسلامية بطريقة خبيثة؛ لمحاولة إثبات أن الدين الإسلامي كذب، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خداع كذاب.

تصنيف المستشرقين بالنسبة لمواقفهم من الإسلام:
1- فئة المنصفين:
أ- المنصفون ممن اعتنقوا الإسلامَ، وألَّفوا كتبًا في الدفاع عنه، مثل (إسحاق دينييه).

ب- المنصفون ممن لم يعتنقوا الإسلام، وهم قليل، مثل (سير توماس أرنولد).

2- فئة المجحفين:
أ- المجحفون بكلِّ صراحة ووقاحة، وهؤلاء يهاجمون الإسلامَ هجومًا واضحًا دون حياءٍ أو خجل؛ بل وخصَّص هؤلاء مجموعةً كبيرة من المثقَّفين، الذين لا همَّ لهم إلا أن يقوموا بدراسة القرآن والسُّنة، والبحثِ عن الأمور التي يمكن أن يثيروا حولها الشبهاتِ، ويقدِّموها للعالم الإسلامي على الفور بمختلف وسائل الإعلام، التي يتحكَّمون في جزء كبير منها، ولا سيما ما يبثُّونه عبْرَ دائرة المعارف الإسلامية، التي توغَّلَ المستشرقون فيها بشكل ملحوظ.

ب- المجحفون من وراء ستارٍ، وهؤلاء أخطر الأنواع؛ لامتيازهم بسَعَةِ الاطِّلاع، ويهاجمون الإسلام مِن طرف خفي، وكثيرًا ما ينطلي هذا الخداعُ على الآخرين، من أمثال (سير هاملتون جيب)، وتلميذه الذي تأثَّرَ به كثيرًا (طه حسين).

فهيَّا أمةَ القرآن ويا أحباب رسول الله، لِنتحرَّكْ لدِينِنا الحقِّ، كما يتحركُ الأعداءُ لمعتقداتهم الباطلة، ولْنقدِّمْ للعالم أجمع صورةَ المسلم الذي يُطبِّقُ القرآن والسنة بأفعاله قبل أقواله، ولْيتحرَّكِ المتخصصون من أهل العلم للدفاع عن الإسلام ضد هذه الطعناتِ التي لن تتوقفَ أبدًا إلى قيام الساعة، ولنعمل كلنا بقدر استطاعتنا، ولنعلم جميعًا أن الإسلام لا ينتظرُنا للدفاع عنه، ولكن نحن نُشرِّف أنفسَنا بالكلام عنه، ولنحاول أن نثبِّتَ قلوبًا قد تزلَّ مع هذه الهجمات الضارية، والتي مهما بلغتْ، لن تؤذي الإسلام؛ فهو منهج الله الذي حفظه الله؛ قال - تعالى -: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8، 9].