الاستشراق.. ذاتية سافرة.. ونهج متحيز
نايف عبوش

الأصل في البحث العلمي أن يكون محايدًا وموضوعيًّا عندما يتناول أي ظاهرة بالنقد والتحليل؛ حتى يتمكَّن الباحث من الوصول إلى الحقيقة العلمية قيد البحث بتجرُّد تام، بعيدًا عن الغرض والهوى الشخصي، لكننا نجد أغلب المُستشرقين - للأسف الشديد - مُنحازين في بحوثهم، وبعيدِين عن الموضوعية، ويتخفَّون وراء دراساتهم بالأغراض التي يسعَون لتحقيقها بدوافع شخصية، أو بإيحاء من أطراف أخرى مُغرِضة، في محاولة خبيثة للطعن في الإسلام، والمسِّ بالتراث العربي والإسلامي، وذلك بهدف زعزعة ثقة العرب والمسلمين بموروثهم الديني والحضاري، والتشكيك في ثوابتهم العقدية، وفي المقدِّمة منها الطعن بالقرآن الكريم، بقصد الوصول بالمسلمين إلى مرحلة المسخ والتسخيف، ومن ثَمَّ كنْس الهوية، بغية إلقاء المسلم في متاهات الضياع والتخبُّط والاستلاب.
 
فعلى سبيل المثال يذكر عبدالرحمن أبو المجد في مقاله: "القرآن الكريم.. ومعرفة وليام فيدرز" أن (فيدرز تكلم عن القرآن في كتابه (ص: 21 - 32) بإيجاز وتركيز، ووضَع مادة مركزة جدًّا غير موضوعية، لو وضعت مادتها في موسوعة لسمَّمتها؛ إذ قال: "إن المسلمين يعبدون الحجر الموجود في الكعبة، يقصد الحجر الأسود"، ومعروف أنه صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبَّل الحجر الأسود، وبكى طويلاً، ورآه عمر، فبكى لما بكى، وقال: ((يا عُمر هنا تُسكَب العبرات))، وثبَت أن عمر - رضي الله عنه - قال وهو يقبِّله: ((والله، إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّلك ما قبلتُك))؛ رواه البخاري ومسلم[1].
 
وهذا دليل كافٍ يَنسِف كل المزاعم التي تحاول النَّيل من العقيدة الإسلامية، لذلك فإن المطلوب من المهتمين بالثقافة العربية الإسلامية، إعطاء اهتمام أكبر للبحث في دراسات المُستشرِقين، والتركيز على الاهتمام بتدريس الثقافة العربية الإسلامية، وتاريخ العلوم عند العرب في الجامعات، وفي كل الفروع العلمية والإنسانية، وتشجيع الطلاب والدارسين لولوج هذا المعترك المهمِّ بعزيمة جادَّة، لترسيخ خصوصية الشخصية الثقافية الإسلامية، ورفع كفاءة الردِّ المسلم على الافتراءات التي تنال من الإسلام، أو عندما يتطلب الحوار الحضاري ذلك، والسعي الحثيث للتأصيل لحقيقة أن الثقافة العربية الإسلامية هي الأم والمنبَع للعلوم المعاصرة، يوم كان العالم الإسلامي هو مصدر الإشعاع والإبداع؛ حيث انتقلت المصطلحات العلمية العربية عبر مدارس الأندلس، إلى العلوم الأوربية بألفاظها العربية الصرفة، ولا تزال تنطق بها حتى اليوم، مثل مصطلح (الجبر) و(الكيمياء) و(الشراب) و(الإكسير) و(الرزق) الذي يعرف اليوم في الاقتصاد بالمخاطرة Risk)).. إلخ، وذلك لتفويت الفرصة على هذا النهج الاستشراقي المشبوه.
 
ويتطلب الأمر في ضوء الغزو الفكري المعاصر الانتباه إلى خطورة هذا التحدي، والتركيز على مبدأ تحصين الثقافة العربية الإسلامية من مخاطر هذا الغزو المُعَولم، الذي يعتبر الاستشراق أحد واجهته العلمية الزائفة، والعمل على الحد من تداعيات الاختراق الثقافي لفضاء موروثنا الديني والحضاري، والذي أدى إلى إشاعة نظرة الانبهار بثقافة الغرب في أوساط النخَب العربية والإسلامية، وأشاع ظاهرة الاستنكاف والنظرة الدونية إلى الثقافة الأم، لدى الكثير من المثقفين العرب والمسلمين.
 
ويبقى القرآن الكريم رغم كل الافتراءات السابقة واللاحقة، مصانًا من أي محاولة بائسة للطَّعن أو المس، ومحفوظًا برعاية الله، بموجب القانون الإلهي المركزيِّ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ويَبقى حال المفترين على القرآن مرتدًّا إلى نحورهم أبدًا.

كنـتاطِــحٍ صـخرةً يومًا ليُوهنها  
فلم يُضِرْها وأوهى قرنَه الوعلُ  

__________________________________
______
[1] للتفاصيل راجع رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/Culture/0/43317/