رسم المصحف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997م
المبادئ
القرآن والسُّنَّة
السُّؤال
نجد فى القرآن الكريم كلمات مكتوبة على خلاف الرسم الإملائى ويصعب علينا قراءتها بالرسم الحالى، فهل تجوز كتابته بالرسم الإملائى لتيسير قراءتها وفهمها؟ وهل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية؟
الجواب
عقد الإمام السيوطى فصلا فى الجزء الثانى "ص 166 " من كتابه "الإتقان " خاصاً برسم الخط وآداب كتابته، وذكر بعض مَنْ أفردوا ذلك بالتصنيف، منهم أبو عمرو الدانى وأبو عباس المراكشى واستطرد فذكر أول مَنْ وضع الكتاب العربى ثم قال: القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقف عليه.
وقد مَهَّدَ النُّحاة له أصولاً وقواعد، وخالفها فى بعض الحروف خط المصحف الإمام، وقال أشهب: سُئِلَ مالك: هل يُكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى، رواه الدانى فى المقنع، ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمَّة وقال أبو عمرو الدانى موضحاً ذلك: يعنى الواو والألف المزيدتين، فى الرسم المعدومتين فى اللفظ نحو أولوا.
وقال الإمام أحمد: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك، ورأى البيهقى فى " شعب الإيمان " هذا الرأى لأن الذين كتبوا المصحف كانوا أكثر علماً وأصدق قلباً ولساناً وأعظم أمانةً مِنَّا، فلا ينبغى أن نظن بأنفسنا استدراكاً عليهم.
ثم ذكر السيوطى أن أمر الرَّسم ينحصر فى ست قواعد: الحذف والزيادة والهمز والبدل والوصل والفصل وما فيه قراءات، ومثل لذلك باستفاضة، وذكر السر فى حذف الحرف الأخير من بعض الكلمات مثل "يوم يدع الداع" "سندع الزبانية" أن المراكشى قال: السر فى حذفها: التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة قبول المتأثر به فى الوجود.
وهكذا ذكر مبررات لكل قواعد الرسم وقد سُئِلَتْ لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1355هـ و (1936م) فأجابت بما مُلخصه: أن عثمان بن عفان رضى الله عنه أمر بأن تُنسخ عدة نُسخ من المصحف الذى كان موجوداً عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها.
وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله كان عند أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهما.
وكان المصحف مأخوذاً من القطع المُتعددة التى كان مكتوباً عليها قى زمن النبى -صلى الله عليه وسلم- ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة.
وكل مصحف من هذه المصاحف يُسَمَّى "المُصحف الإمام" وقد رُسِمَتْ بعض الكلمات فيها رسماً يُخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن.
وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع العثمانى.
ثم قالت اللجنة: إن الجمهور من العلماء على التزام الرسم العثمانى وحُرمة مخالفته واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصّفة التى كتب عليها عثمان ولم يرو عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة.
وذكرت اللجنة ما نقل عن مالك وأحمد والبيهقى مما سبق ذكره هنا نقلاً عن السيوطى فى "الإتقان".
ثم قالت اللجنة: إن بعض العلماء ذهبوا إلى جواز كتابته بأى رسم كان ولو خالف الرسم العثمانى، فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز، ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها، وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة، أمَّا رسمه على غير هذه الطريقة فلم تتعرَّض له الصحابة لا بحظر ولا بإباحة وذكرت ما قاله القاضى أبو بكر الباقلانى فى كتابه "الانتصار" موضحاً لهذا الرأى الذى لا يحتم التزام الرسم العثمانى.
ولكن اللجنة اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى الله عنه.
وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسر القراءة به، حيث توجد به أحرف لا تنطق، وتنقص منه حروف تنطق، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء.
ثم من قواعد الإملاء عرضة للتعديل، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية المعدلة أو القديمة؟ وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم، وهنا تكون البلبلة والتعرُّض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه.
ثم قالت اللجنة: إن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبداً من الرسم، بل من التلقى لأن هناك أحكاماً لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها، ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراء، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة، والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام، وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة، وأبا عبد الرحمن السلمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى. انتهى تلخيص الفتوى.
وعلى ضوء ما جاء عن السيوطى فى "الإتقان" وما اختارته لجنة الفتوى عملت بحوث ونشرت مقالات وصدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية سنة 1956م وقرر مجمع البحوث الإسلامية فى دور انعقاده الرابع 1968م الالتزام بالرسم العثمانى ومنها البحث الذى قدمه الدكتور محمد محمد أبو شهبة، مشيرا إلى بعض التآليف فى ذلك.
كالمقنع لأبى عمرو الدانى، عنوان الدليل فى مرسوم خط التنزيل لأبى العباس المراكشى المتوفى سنة 721هـ والمعروف بابن البناء والأرجوزة للشيخ محمد بن أحمد المتولى، وشرحها للشيخ محمد على خلف الحسينى شيخ المقارئ المصرية فى عهده، مع تذيل الشرح بكتاب سماه "مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه فى رسم القرآن " وإيقاظ الأعلام إلى اتباع رسم المصحف الإمام للشيخ محمد حبيب اللَّه بن عبد الله بن أحمد بن مايابى الجكنى الشنقيطى ومناهل العرفان للشيخ الزرقانى، المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبى شهبة، وهذا الحكم موجود فى كتب الأئمة وعلماء التفسير، وجاء فى الشفا للقاضى عياض: من غير حرفا بزيادة أو نقص أو بدَّله بحرف غيره فهو كافر، ووافقه على ذلك شارحه الخفاجى وشارحه ملاَّ على القارى. "منبر الإسلام - ذو الحجة 1402هـ".
2- وأما كتابة المصحف بغير الحروف العربية، فقد ذكر السيوطى فى "الإتقان "ج 2 ص 171 ما نصه: وهل تجوز كتابته بقلم غير العربى؟ قال الزركشى: لم لأجد فيه كلاما لأحد من العلماء.
قال: ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب، ولقولهم: القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلما غير العربى، وقد قال الله تعالى {بلسان عربى مبين} الشعراء: 195.
وقال الشيخ محمود أبو دقيقة من كبار علماء الأزهر: أجمع الأئمة الأربعة على أنه لا يجوز كتابة القرآن بغير اللغة العربية، لأن كتابته بغيرها تخرجه عن الرسم الوارد الذى قام الإجماع على أنه يجب التزامه، بل قد تؤدى كتابته بغير العربية إلى التغيير فى اللفظ لأن بعض الحروف العربية لا نظير له فى بعض اللغات الأخرى، والتغيير فى اللفظ يؤدى إلى التغيير فى المعنى، وحيث كانت الكتابة بغير العربية تؤدى إلى هذا فلا يجوز.
وقال بعض علماء الحنفية: إن مَنْ تعمَّد كتابة القرآن بغير العربية يكون مجنوناً أو زنديقاً، فالمجنون يُدَاوَى والزّنديق يُقتل "مجلة الأزهر - المجلد الثالث ص 31 -34".
_________________
المصدر:
فتاوى دار الإفتاء المصرية (7/476)