تفريعات الغرب
ومن معرفة الغرب تفصيلًا تمهيدًا لفهم أعمق: تقسيمه -كما يشير الدكتور باسم خفاجي (1962م) مدير المركز العربي للدراسات الإنسانية- إلى ثلاثة مغارب على النحو الآتي:
1 - الغرب الأدنى، وهو المتعارف عليه لدى الغرب بالشرق الأدنى، وهذا الغرب الأدنى خليط بين المسلمين والنصارى الأرثوذوكس وبعض اليهود، والتعايش بين أهله أقرب إلى القبول، رغم ما حدث من تطهير عرقي من النصارى تجاه المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا.

فليست الأمور على الوئام المنتظر نظريًّا ومثاليًّا، مما يعد وصمة عار في جبين حضارة اليوم، والحضارة الغربية على وجه الخصوص، ليس على المستوى الاجتماعي، كما هي النبرة السائدة بين منتقدي الغرب عمومًا، وليست من قبيل الاستثناء، كما يدعي بعض المنبهرين بالغرب المنافحين عنه، فجرائم البوسة من قبل النصارى الأرثوذوكس الصرب تجاه المسلمين مثلًا تشيب لها الولدان، والإحصائيات تترى، وتتحدث عنها الصحف الغربية المرموقة، مثل صحيفة دير شبيغل الألمانية، وتشهد لها ميادين البوسنة والهرسك ومدنها، مثل بيهاتش وسربرنيتشا، وقادها زعماء الصرب من أمثال سلوبودان ميلوسوفيتش ورادوفان كراجديتش وغيرهما، وراح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين المسلمين زادوا عن 300.000 ضحية، أغلبهم من النساء والأطفال، واغتصاب 700.000 طفلة وسيدة على يد 75.000 جندي وضابط صربي، وغالبها على مرأى من أفراد الأسرة من الأزواج والأولاد والوالدين، وهدم 800 مسجد؛ لتطهير أوروبا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، كما هي مقولة ميلوسوفيتش.

وقد وقفت على مدينة من مدن كوسوفا شهدت إعدام الصرب لأسرة مسلمة مكونة من ثلاثين شخصًا بين أولاد وأحفاد وذكور وإناث، على مسمع ومرأى من جدهم الطاعن في السن، وفي اللحظة، تمامًا كما هي الحال اليوم في استمرار احتلال اليهود لفلسطين والتطهير العرقي للمسلمين والعرب في فلسطين المحتلة وغير المحتلة.

والأرثوذوكس هم الغالبية العظمى بين نصارى العرب، وهذه الفئة من النصارى على اختلاف معتقداتهم حول طبيعة المسيح عيسى ابن مريم -عليهما السلام- بين الناسوتية واللاهوتية قد عاشوا بين المسلمين وتمثلوا الثقافة الإسلامية، لا اعتقادًا، ولكن تعايشًا مع المسلمين في مناسباتهم الدينية؛ كصيام شهر رمضان والاحتفال بعيد الأضحى اجتماعيًّا، وغيرها مثل اللباس والعادات المحمودة بين المسلمين؛ كإكرام الضيف، والنخوة العربية ونحوها مما اصطبغت به المنطقة العربية، بغض النظر عن المعتقد؛ ولذلك فإنهم يختلفون عن نصارى الغرب الأدنى، وإن كانوا جميعًا يعودون إلى الأرثوذوكسية.

2 - والغرب الأوسط ويشمل أوروبا الغربية، وتغلب عليه النصرانية الكاثوليكية والبروتستانتية، وما يزال يخيم على شعوبه هاجس الحروب الصليبية، والرغبة في الاستمرار في السعي إلى الوصول إلى أرض السمن والعسل، كما يقرر المستشرق الفرنسي جاك بيرك (1910 - 1995م) بأننا لا نزال نعيش حربًا صليبية، أما حكومات الغرب الأوسط فتدرك المصالح والجوار مع البلاد الإسلامية ووجود الجالية الإسلامية في جميع أقطار الغرب الأوسط، فلا تظهر هذا الهاجس من العداء، هذا مع وجود قوى -داخل هذا المجتمع المشحون بعقدة الانتقام- تحاول تهدئة الأمور والنظر إلى مكتسبات العصر في تعميق مفهوم الحوار الثقافي الفاعل، لا الحوار الاقتصادي القائم على المصالح غير المشتركة.

3 - والغرب الأقصى ويشمل الأمريكيات الثلاث؛ الشمالية والوسطى والجنوبية، وهذا الغرب الأقصى لا تكاد شعوبه تظهر ما تظهره شعوب الغرب الأوسط؛ لأنها شعوب خليط في ثقافاتها، بما فيها الثقافة الإسلامية المتنامية، إلا أن بعض حكوماته المتعاقبة، لا سيما منها اليمينية المتطرفة، لا تخفي هذا الهاجس، بل ربما صرحت به.

وربما نظر إلى أمريكا اللاتينية والوسطى على أنها خارج حدود هذا التصنيف، وإن غلبت عليها الكاثوليكية، فلا يصدق عليها كونها من الغرب الأقصى بالتصنيف الفكري، إلا أنها من منظور تنموي ربما تعد من دول الشرق الأقصى لا الغرب الأقصى؛ أي إنها من الدول النامية، أو من دول الجنوب.