لا تقربوا - [22] المن
لا تقربوا - [22] المن Ocia1274
إن المن يستجلب غضب الله سبحانه ويستحق المانّ الطرد من رحمته جل وعلا، وهو يوغر الصدور ويحبط الأعمال وينقص الأجر وقد يذهب به بالكلية ويحرم صاحب هذه الآفة من نعمة نظر الله وكلامه معه يوم القيامة. فإياك إياك أن تكون منانا فإن المن صفة البخلاء.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله واصحابة ومن والاه.

أمَّا بعد:
معنى المن:
المن يطلق على القطع والانقطاع ومنه قوله تعالى:{فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين :6] أي غير مقطوع، ويطلق أيضًا على اصطناع خير، والمنة هى النعمة الثقيلة، ومن ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران 164] وقد تكون المَّنة بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة.

بعض الآيات الواردة فى المن:
من صور المن التي وردت بذمها الآيات، ما جاء فى قوله تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] وقوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ} [الشعراء: 22]، وقوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، وقوله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: من الآية264].

وقال القرطبي رحمه الله:
"المنُّ غالبًا يقع من البخيل والمُعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه مُنعم بماله على المُعطَى، وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كله الجهل، ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه، ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد".

والمنَّ عمومًا يحتمل تفسيرين:
أحدهما:
إحسان المُحسن غيرَ معتَدّ بالإحسان، يُقال: لحقت فلانًا من فلان منّةٌ، إذا لحقته نعمةٌ باستنقاذٍ من قتل أو ما أشبهه.

الثاني:
منَّ فلانٌ إذا عظَّم الإحسانَ وفخر به وأبدأ فيه وأعاد حتى يفسِده ويُبغّضه، فالأول حسن (ويدخل فيه كل صور المن من الله تعالى)، والثاني قبيح وهو الذي يأتي على معنى التقرير للنعمة والتصريح بها أو أن يتحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المُعطي فيؤذيه، والمن حينئذ من الكبائر.

بعض الأحاديث الواردة في ذم المنّ:
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره» [صحيح مسلم: 106].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله -عز وجل- إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن على الخمر والمنان بما أعطى» [صحيح النسائي: 2561].

وعن عبد الله بن أبي أوفي إن أناسًا من العرب قالوا: يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأنزل الله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17] أخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مرذويه بسند حسن.

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة، خِبٌّ (الخادع الغاش)، ولا منان، ولا بخيل» [مسند أحمد: 1/37].

معنى لا يدخل الجنة مَنَّان:
وردت أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة من جهة النقل، وجهل معناها فرقتان: فرقة المعتزلة والخوارج احتجوا بها وادَّعوا أن مُرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها مُخلّدٌ في النار مُحَرَّمٌ عليه الجنة، والفرقة الأخرى المُرجئة كَفَرَت بهذه الأخبار وأنكرتها ودفعتها جهلًا بمعانيها، كما أوضح ابن خزيمة وذكر أن معني هذه الأخبار إنما هو على أحد معنيين، أحدهما: لا يدخل الجنة أي بعض الجنان، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أنها جنان من الجنة واسم الجنة واقع على كل جنة منها، والمعنى الثاني إن كل وعيد في الكتاب والسنة لأهل التوحيد فإنما هو على شريطة: إلا أن يشاء الله تعالى أن يغفر ويصفح ويتكرَّم ويتفضَّل فلا يعذب على ارتكاب تلك الخطيئة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 11].
 
كما قالت طائفة من العلماء إن مثل هذا الوعيد في حق الموحدين ربما قصد به أن أهله لن يدخلوا الجنة مع أول مَنْ يدخلها بل يتأخرون وقد يُعذّبون في النار لكن مصيرهم في النهاية إلى الجنة لتوحيدهم.

بعض الآثار وأقوال العلماء في ذم المن:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يدخل الجنة منان، فشق ذلك عليّ حتى وجدت في كتاب الله في المنان: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ} [البقرة: 264] وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].

قال أبو مُليكة الزماري:
المنان والمختال الذي يقطع بيمينه أموال الناس.

وعن الضحاك:
في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ} [البقرة :264]، قال: من أنفق نفقة ثم منّ بها أو آذى الذي أعطاه النفقة حبط عليه أجره فضرب الله مثله صفوان عليه تراب فأصابه وابل فلم يدع من التراب شيئا فكذلك يمحق الله أجر الذي يعطي صدقة ثم يمن بها كما يمحق المطر ذلك التراب.

أخي الحبيب:
إن المن يستجلب غضب الله سبحانه ويستحق المانّ الطرد من رحمته جل وعلا، وهو يوغر الصدور ويحبط الأعمال وينقص الأجر وقد يذهب به بالكلية ويحرم صاحب هذه الآفة من نعمة نظر الله وكلامه معه يوم القيامة.

فإيَّاك إيَّاك أن تكون مَنَّانًا فإن المَنَّ صفة البُخلاء.
 
خالد أبو شادي
طبيبٌ صيدليّ، وصاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ.
وهو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

•    المصدر:
موقع موسوعة الكلم الطيب