لا تقربوا - [16] شهادة الزور
لا تقربوا - [16] شهادة الزور Ocia1268
شهادة الزور سبب لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، لأن فيها ضياع حقوق الناس وظلمهم وطمس معالم العدل والإنصاف، ومن شأنها أن تعين الظالم على ظلمه وتعطي الحق لغير مستحقه، وتقوض أركان الأمن، وتعصف بالمجتمع وتدمره.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمَّا بعد:
فشهادة الزور سبب لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، لأن فيها ضياع حقوق الناس وظلمهم وطمس معالم العدل والإنصاف، ومن شأنها أن تعين الظالم على ظلمه وتعطي الحق لغير مستحقه، وتقوض أركان الأمن، وتعصف بالمجتمع وتدمره.

النهي عن شهادة الزور في الكتاب والسنة:
نظرًا لما لشهادة الزور من أضرار ومخاطر على الأفراد والمجتمعات فقد ورد ذمها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72].

ويقول: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: من الآية30].

ويقول: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: من الآية2].

وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثاً )؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين و جلس وكان مُتكئاً فقال: ألا و قول الزور" قال: فما زال يُكررها حتى قلنا: ليته سكت» [صحيح البخاري: 6273]، قال ابن حجر في قوله: "وجلس وكان مُتكئاً" يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان مُتكئًا، ويُفيد ذلك تأكيد تحريم الزور وعِظَمِ قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعًا على الناس، والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع، وأمَّا الزور فالحوامل عليه كثيرة، كالعداوة والحسد وغيرها، فاحتيج للاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعًا، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبًا.

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَذَّرَ من الزور وقوله والعمل به حتى قال: «مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [صحيح البخاري: 1903].

على أبواب المحاكم:
لقد بلغت الاستهانة وقلة التقوى بالبعض أنه كان يقف بأبواب المحاكم مستعدًا لشهادة الزور رجاء قروش معدودة بحيث تحولت الشهادة عن وظيفتها فأصبحت سندًا للباطل ومضللة للقضاء، ويُستعان بها على الإثم والبغي والعدوان، وفي الحديث: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [صحيح البخاري: 1903].

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: تعدل شهادة الزور بالشرك وقرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِوَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30].

وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: قدم رجل من العراق على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب (ذيل) فقال عمر: وما ذاك؟ قال: شهادة الزور ظهرت بأرضنا، قال: وقد كان ذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطاب: والله لا يؤسر (لا يحبس) رجل في الإسلام بغير العدول.

فشهادة الزور نوع خطير من الكذب، شديد القبح سيئ الأثر، يتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال، وقد حكى البعض الإجماع على أن شهادة الزور كبيرة من الكبائر.

ولا فرق بين أن يكون المشهود به قليلًا أو كثيرًا فضلًا عن هذه المفسدة القبيحة الشنيعة جدًا، ولا يحل قبولها وبناء الأحكام عليها ولذلك قالوا: فتوى المُفتي وحُكم الحاكم وقضاء القاضي لا تجعل الحرام حلالًا ولا الحلال حرامًا، والقاضي إنما يحكم على نحو ما يسمع، فمن قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، إنما قضي له بقطعة من النار يترتب عليها سخط الجبار، والأمور كلها على ما عند الله، وعند الله يجتمع الخصوم: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الانبياء: 47].

من معاني الزور:

على الرغم من خطورة اقتطاع حقوق الناس بشهادة الزور إلا أن لها معاني أخر لا تقل في خطورتها، فالزور هو الشرك على قول الضحاك وابن زيد، وقال مجاهد هو الغناء، وقال ابن جريج: هو الكذب، أو هو أعياد المشركين، وقال قتادة: هو مجالس الباطل، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} يعني: الافتراء على الله والتكذيب.

وقال الطبري:
واتقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [الزمر: 3]، وقولكم للملائكة هي بنات الله ونحو ذلك من القول فإن ذلك كذب وزور وشرك.

وقال ابن كثير:
أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، وقرن الشرك بالله بقول الزور كقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]، ومنه شهادة الزور.

وعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله أقول: إن زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» [صحيح مسلم: 2130].

وهكذا فالزور عبارة عن وصف الشئ على خلاف ما هو عليه فعلاً، وهو من جملة الكذب الذي قد سوي وحسن في الظاهر ليحسب أنه صدق.

مَنْ ضَيَّعَ أوامر الله فليس عَدْلاً:
لقد رَدَّ الشرع المطهر شهادة الفاسق وشهادة الخائن والخائنة والزاني والزانية ومن على شاكلتهم؛ لأن مَنْ  عُرِفَ بتضييع أوامر الله أو رُكُوب ما نهى اللهُ عنه فلا يكون عَدْلاً.

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َرَّد شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، ورَدَّ شهادة القانع (السَّائل المُستطعم أو الخادم) لأهل البيت، وأجازها لغيرهم» [صحيح أبي داود: 3600].

فمن خان في الدين والمال والأمانات لا يصح قبول شهادته، وفي الحديث: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» [صحيح مسلم: 2533].

قال إبراهيم:
"وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد".

وإذا كانت الشهادة بالزور مذمومة ينأى عنها كل مَنْ كان له قَلْبٌ أو ألقى السَّمعَ وهو شَهِيدٌ فشهادة الحق محمودة  ولذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء: 135].

وقال عز من قائل: {إلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: من الآية86].

فنسأله سبحانه أن يجعلنا من الشهداء بالحق القائمين بالقسط إنه سبحانه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
خالد أبو شادي
طبيبٌ صيدليّ، وصاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ.
وهو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

•    المصدر:
موقع موسوعة الكلم الطيب