لا تقربوا - [01] سوء الخلق
لا تقربوا - [01] سوء الخلق Ocia_o14
أربع أركان لسوء الخلق، وسبع أسباب قد تجعلك سيء الخلق بعد حسن خلق..

فلنحذرهم.

ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا إلا دَلَّ أمَّتَهُ عليه، ولا علم شرًا إلا حذَّر أمَّتَهُ منه، ومن جملة الشر الذي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه: سوء الخلق.

فالخلق السيئ:
خلق فاسد متصف بالشر، لا يتفق مع الواجبات الشرعية والخلقية، وهو فعل منكر وسلوك غير صالح ينتج عن مرض القلب في الغالب.

أركان سوء الخلق:
قال ابن القيم رحمه الله:
ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان:
الجهل، والظلم، والشهوة، والغضب.

فالجهل:
يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، والكمال نقصاً والنقص كمالاً.

والظلم:
يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرّضى، ويرضى في موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل ويبذل في موضع البُخل، ويُحجم في موضع الإقدام ويُقدم في موضع الإحجام، ويلين في موضع الشدَّة ويشتد في موضع اللين، ويتواضع في موضع العزَّة ويتكبَّر في موضع التواضع.

والشهوة:
تحمله على الحرص والشُّح والبُخل وعدم العّفة والنّهمة والجشع والذُّل والدَّناءَات كلها.

والغضب:
يحمله على الكبر والحقد والحسد والعدوان والسفه.

ويتركَّب من بين كل خُلقين من هذه الأخلاق: أخلاق مذمومة.

وملاك هذه الأربعة أصلان:
إفراط النفس في الضعف، وإفراطها في القوة.

فيتولّد من إفراطها في الضعف:
المهانة والبخل والخسة واللؤم والذل والحرص والشح وسفساف الأمور والأخلاق.

ويتولد من إفراطها في القوة:
الظلم والغضب والحدة والفحش والطيش.

ويتولد من تزوج أحد الخلقين بالآخر:
أولاد غية كثيرون (أي أخلاق سيئة كثيرة).

فإن النفس قد تجمع قوة وضعفًا.

فيكون صاحبها أجبر الناس إذا قدر، وأذلهم إذا قُهر، ظالم عنوف جبار، فإذا قهر صار أضعف من امرأة.

جباناً عن القوي، جريئا على الضعيف.

فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضا، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضًا.

هل يتغير حُسْنُ الخُلُق إلى خُلُقٍ سيِّئ؟
إذا كان الخلق السيئ قد يتحول إلى خلق حسنٍ باتباع الشرع والتدرب على الأخلاق الحميدة والمثابرة عليها فهل يتغير الخُلُق الحسن إلى سيئ؟

على هذا السؤال أجاب الماوردي فقال ما ملخصه:
ربما تغيّر حُسْنُ الخلق والوطاء (اللين) إلى الشراسة والبذاء لأسباب عارضة وأمور طارئة تجعل اللين خُشُونة والوطاء غلظة والطلاقة عُبُوسًا.

فمن أسباب ذلك:
(1) الولاية كـ(رياسة أو إدارة) التي قد تُحدث في الأخلاق تغيرًا، وتجعله ينفر من أصدقائه القدامى وذلك يرجع إلى  لُؤم طبع في الغالب.

(2) ومنها العزل فقد يسوء منه الخلق، ويضيق به الصدر، إمَّا لشدة أسفٍ أو لقلة صبر.

(3) ومنها الغنى، فقد تتغير به أخلاق اللئيم بطرًا، ويطغى لمجرد شعوره بالغنى، وقد قيل: من نال استطال.

(4) ومنها الفقر فقد يتغير به الخلق، إما هربًا من أن يوصف بالمسكنة أو أسفًا على ما فات من الغنى.

(5) ومنها الهموم التي تُذهلُ اللُّب، وتشغل القلب، فلا تقوى على صبر، وقد قيل: الهم كالسم.

وقال بعض الأدباء:
الحزنُ كالداء المخزون في فؤاد المحزون.

(6) ومنها الأمراض التي يتغير بها الطبع، كما يتغير بها الجسم، فلا تبقي الأخلاق على اعتدال، ولا يقدر معها على احتمال.

(7) ومنها علو السن، وحدوث الهَرم لتأثيره في آلة الجسد، كذلك يكون تأثيره في أخلاق النفس، فكما يضعف الجسد على احتمال ما كان يُطيقه من أثقالٍ كذلك تعجز النفس عن احتمال ما كانت تصبر عليه من مخالفة الوفاق، وضيق الشقاق، وكذلك ما ضاهاه.

فهذه سبعة أسباب، إذا أحدثت سوء خلق كان عامًّا.

وهاهنا سببٌ خاصٌّ يُحدث سوء خلق خاصٍّ، وهو البغض الذي تنفر منه النفس، فينفر الإنسان ممن يبغضه، فيتعامل معه دون غيره بسوء خلق، فإذا كان سُوء الخلق حادثًا بسببٍ، كان زواله مقرونًا بزوال ذلك السبب.

تحذير السلف والعلماء من مصاحبة سيء الخلق:
قال الفضيل بن عياض:
"
لا تخالط سيئ الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر".

وقال أيضًا:
"
لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابدٌ سيئ الخلق".

وقال الحسن:
"
من ساء خلقه عذب نفسه".

وقال يحيى بن معاذ:
"
سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنةٌ لا تضر معها كثرة السيئات".

قال الإمام الغزالي رحمه الله:
"الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة التي تطلع على الأفئدة".

وقال أيضًا:
"الأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس، إنها أمراض تفوت على صاحبها حياة الأبد".

وقال رحمه الله:
"على المسلم أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذمومًا بين الخلق من خُلُق فليحذِّر نفسه منه ويُبعدها عنه، فإن المؤمن مرآة المؤمن، فيرى من عيوب غيره عُيوب نفسه، ويعلم أن الطِّباع متقاربةٌ في اتباع الهوى.

فما يتصفُ به واحدٌ من الأقران لا ينفكُّ القرنُ الآخر عن أصله أو أعظم منه أو عن شيء منه، فليتفقَّد نفسه ويُطهِّرها من كل ما يذُمُّهُ من غيره وناهيك بهذا تأديبًا".

وقال أيضًا:
"إن حسن الخلق هو الإيمانُ، وسوء الخلق هو النفاق".

من مضار سوء الخلق:
•    سيئ الخلق مذكورٌ بالذكر القبيح، يمقته الله عز وجل، ويُبغضه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُبغضه الناس على اختلاف مشاربهم.

* عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني في الآخرة أسْوَؤُكم أخلاقًا» (رواه أحمد وحسنه الألباني).

•     وسيئ الخلق هو مَنْ ملأ اللهُ أُذُنَيْهِ من ثناء الناس شرًّا وهو يسمعهُ.

* عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة مَنْ ملأ اللهُ أُذنيه من ثناء الناس خيرًا، وهو يسمعُ، وأهل النار مَنْ ملأ أُذنيه من ثناء الناس شرًّا وهو يسمع» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

•    بل إن سيئ الخُلق يجلب لنفسه الهم والغم والكدر، وضيق العيش، ويجلب لغيره الشقاء.

قال أبو حازم سلمة بن دينار رحمه الله:
"السيئُ الخلق أشقى الناس به نفسُهُ التي بين جنبيه، هي مِنه في بلاء، ثم زوجتُهُ، ثم ولدُهُ، حتى أنه ليدخل بيته، وإنهم لفي سرور، فيسمعون صوته، فينفرون منه فرَقًا منه، وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى إن قِطَّهُ ليفرُّ منه".

قال الشاعر:
إذا لم تتســع أخــلاق قـوم *** تضيق بهم فسيحاتُ البـــلاد

فراقب نفسك أيها الحبيب:
واحذر تسلل الأخلاق السيئة إليها وعالجها منذ البداية يسهل الأمر عليك، وإلا فإن الدَّاء إذا تمكَّن ربما أهلك صاحبه، نسأل الله لنا ولكم العافية، والحمد لله رب العالمين.

•    المصدر:
موقع موسوعة الكلم الطيب