المَبْحَث العاشر: الفَرْق بين القُرآن والحديث والحديث القُدسي
في نهاية هذا البحث أشير إلى الفُرُوق بين القرآن والحديث القدسي، والفَرْق بين الحديث القدسي والحديث النَّبَوي.
الفَرْق بين القُرآن والحديث القُدسيّ:
-    القُرآن: نَزَل به جبريل -عليه الصلاة والسلام- على نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، والوَحْي أنواع.
أما الحديث القدسي فلا يُشتَرط فيه أن يكون الواسِطة فيه جبريل، فقد يكون جبريل هو الواسطة فيه، أو يكون بالإلْهَام، أو يَكون بِغَير ذلك.
-    القُرآن: قطعيّ الثّبوت، فهو مُتَواتِر كُلّه.
أما الحديث القدسي فمِنه الصحيح والضعيف والموضوع.
-    القُرآن: مُتَعبّد بِتِلاوته، فمَن قَرأه فَلَه بِكُلّ حَرف حَسَنة، والحسنة بعشرة أمثالها.
وأمَّا الحديث القدسي: فَغير مُتعَبّد بتلاوته.
-    القُرآن: مُقَسّم إلى سُور وآيات وأحزاب وأجزاء.
وأمَّا الحديث القدسي: فلا يُقسّم هذا التقسيم.
-    القُرآن: مُعجِز بِلَفظه ومَعناه.
وأمَّا الحديث القدسي: فليس كذلك.
-    القُرآن: جاحِده يُكفُر، بل مَن يَجحَد حَرْفا واحدا منه يَكفُر.
وأمَّا الحديث القدسي: فإن مَن جَحَد حديثا أو استنكره نظراً لحال بعض رُواته، فلا يكفر.
-    القُرآن: لا تجوز رِوَايته أو تلاوته بالمعنى.
وأمَّا الحديث القدسي: فتجوز روايته بالمعنى.
-    القُرآن: كلام الله لفظًا ومعنى.
وأمَّا الحديث القدسي: فمَعناه من عند الله ولَفظه مِن عند النبي -صلى الله عليه وسلم-.
-    القُرآن: تَحدّى الله العَالَمِين أن يأتُوا بِمِثلِه لَفْظا ومَعنى.
وأمَّا الحديث القدسي: فليس مَحلّ تَحَدٍّ.
-    القُرآن: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمُر بِكِتابَتِه.
وأمَّا الحديث القدسي: فَلَم يَكُن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمُر بِكِتابَتِه.
والفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي:
الحديث القدسي: يَنْسبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رَبّه تبارك وتعالى.
وأمَّا الحديث النبوي: فلا يَنسبه إلى ربه سبحانه.
الأحاديث القدسية: أغلبها يتعلق بموضوعات الخوف والرجاء، وكلام الربّ جلّ وعلا مع مخلوقاته، وقليل منها يَتعرّض للأحكام التكليفية.
وأمَّا الأحاديث النبوية: فيتطرق إلى هذه الموضوعات بالإضافة إلى الأحكام.
الأحاديث القدسية: قليلة بالنسبة لمجموع الأحاديث.
وأمَّا الأحاديث النبوية: فهي كثيرة جدا.
وعموما:
الأحاديث القدسية: قَوْلِيّة.
والأحاديث النبوية: قَوْلِيّة وفِعْلِيّة وتَقْرِيريّة (317).
وأمَّا كيف يَعرِف الصحابة ويُميِّزون بين القرآن وغيره؟
فالجواب: مِن عِدّة أوجه:
الوَجْه الأول: أن القُــرآن يُعرَف بِما يُتلَى مِنه في الصلاة وما يَقرأه النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم.
الوَجْه الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمُر بِكِتابة القُرآن، ولا يأمُر بِكتابة ما عَداه إلاّ قليلا، كما أمَر بِكتابة خُطبَته لأبي شاهٍ (318).
الوَجْه الثالث: أن العَرب كانت تَعرِف الكلام وتُميِّز بين أنواعه، حتى مَن لم يُسلِم كان يُميِّز القرآن مِن غيره مِن الكَلام.
ولَمّا ذَكَر مُســيلِمة بعض ما ادَّعــاه مِن الوَحي، سأل عَمْرو بن العاص رضي الله عنه عن رأيه فيما قال، فقال عَمرو: فقلت: والله إنك لَتَعلم أنك مِن الكَاذِبين (319).
ولَمَّا أجَار ابْنُ الدَّغِنَة أبا بكر الصِّدّيق رضي الله عنه قالت قريش لابن الدَّغِنَة: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ وَلاَ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ (320) عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا (321).
الفراغ الذي بعده يزال.

والشاهِد مِن هذا:
أن الْمُشْرِكِين يَسْتَمِعون إلى القُرآن، فيَعرِفون القرآن مِن غيره، وهُم لم يُؤمِنوا به، فالذي آمَن بالقرآن أوْلَى أن يَعرِف القرآن مِن غيره مِن سائر الكلام، ولو تُلِي بِنفس طريقة تلاوة القرآن.
والله تعالى أعلم.

كان الفراغ منه في شهر جمادى الآخرة 1439هـ - الرياض.
وتَمّت مُراجَعته في شوال 1439هـ.
ثم المراجعة النهائية في محرّم 1441هـ.
وأسأل الله التوفيق والعَون والقَبول.
{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.