الخنساء أم الشهداء 1816
الخنساء
أم الشهداء

هي: تماضر بنت عمرو، بن الحارث، بن الشريد، بن ثعلبة بن عصية بن خفاف بن امرئ آلاف بن بهثة بن سليم السلمية.

قال ابن حجر:
الشاعرة المشهورة عدا تماضر بمثناة فوقانية أوله وضاد معجمة، وفي ذلك يقول دريد بن الصمة حين رآها تهنأ إبلا لها ثم تجردت واغتسلت فأعجبته، فخطبها فأبت.

فقال فيها:
حيوا تماضر واربعوا صحبي
وقفوا فإن وقوفكم حسبي
ما إن رأيت ولا سمعت به
كاليوم طالي أينق جرب
متبذلا تبدو محاسنه
يضع الهناء مواضع النقب
أخناس قد هام الفؤاد بكم
واعتاده داء من الحب

فبلغتها خطبته، فقالت: لا أدع بني عمي الطوال مثل عوالي الرماح وأتَزَوَّجُ شيخاً.

فلَمَّا بلغه ذلك قال من أبيات:
وقاك الله يا ابنة آل عمرو
من الفتيان أمثالي ونفسي
وقالت إنه شيخ كبير
وهل خبرتها أني بن أمس
وقد علم المراضع في جمادي
إذا استعجلن عن حز بنهس

إلى أن قال:
وأني لا أبيت بغير نحر
وأبدأ بالأرامل حين أمسي
وأني لا يهر الكلب ضيفي
ولا جاري يبيت خبيث نفس

فأجابته بأبيات.
قال أبو عمر: قَدِمَتْ على النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- مع قومها من بني سليم، فأسلمت معهم، فذكروا أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- كان يستنشدها ويُعْجِبُهُ شِعْرُهَا، وكانت تنشده وهو يقول: "هيه يا خناس ويومىء بيده".

قالوا: وكانت الخنساء تقول في أول أمرها البيتين أو الثلاثة، حتى قتل أخوها شقيقها معاوية بن عمرو، وقتل أخوها لأبيها صخر، وكان أحبهما إليها لأنه كان حليماً جواداً محبوباً في العشيرة كان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي طعنة مرض منها حولاً، ثم مات فلَمَّا قُتِلَ أخَوَاهَا أكثرت من الشِعْرِ.

فمن قولها في صخر:
أعيني جوادا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل
ألا تبكيان الفتى السيدا
النجاد عظيم الرماد
ساد عشيرته أمردا

قال وأجمع أهل العلم بالشعر أن لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها.

وفي معركة القادسية كانت الخنساء بنت عمرو السلمية ومعها بنوها أربعة رجال، فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار، وفيها: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين وإنكم لبنوا أب واحد وأم واحدة ما هجنت آباءكم ولا فضحت أخوالكم، فلَمَّا أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحدٍ حتى قُتِلُوا، وكان كل منهم قد أنشد قبل أن يستشهد رجزاً.

فأنشد الأول:
يا إخوتي إن العجوز الناصحه
قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه
بمقالة ذات بيان واضحه     
وإنما تلقون ثم الصائحه
من آل ساسان كلابا نابحه.

وأنشد الثاني:
إن العجوز ذات حزم وجلد
قد أمرتنا بالسداد والرشد
نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب حماة في العدد

وأنشد الثالث:
والله لا نعصي العجوز حرفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا
فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفا

وأنشد الرابع:
لست لخنساء ولا للأخرم
ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم
ماض على الهول خضم حضرمي

ثم تقدَّم فقاتل حتى قُتِلَ:
قال: فبلغها الخبر، فقالت الحمد لله الذي شَرَّفَنِي بقتلهم، وأرجو من رَبِّي أن يجمعني بهم في مُستقر رحمته.

وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتا درهم، حتى قُبِضَ.

وتوفيت الخنساء بالبادية في أول خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- سنة 24هـ.