فضل شهر الله المُحَرَّم ويوم عاشوراء
فضل شهر الله المُحَرَّم ويوم عاشوراء Ocia_807
أولاً: فضل الإكثار من صيام التطوع في شهر المُحَرَّم:
(1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللَّهِ المُحَرَّم. وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ. (صحيح مسلم، 1163(202)).

فمما يُسن صيامه شهر المُحَرَّم، وهو الذي يلي شهر ذي الحجة، وهو الذي جعله الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول شهور السنة، وصومه أفضل الصيام بعد رمضان. (الشرح الممتع على زاد المستقنع: (6/468-469)).

والظاهر أن المُراد جميع شهر المُحَرَّم. (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (4/467)).

ولكن حيث ورد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصم شهراً كاملاً إلا رمضان، للحديث التالي:
(2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالَتْ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلا رَمَضَانَ، وَلا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ صلى الله عليه وسلم. (صحيح مسلم، 1156(173)).

فيُحمل الحديث (1) على الترغيب في الإكثار من الصيام في شهر المُحَرَّم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المُحَرَّم) تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم. وأضاف الشهر إلى الله تعظيماً. (تحفة الأحوذي: (3/164)).

فإن قلت:
قد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان, وهذا الحديث يدل على أن أفضل الصيام بعد صيام رمضان هو صيام المُحَرَّم. فكيف أكثر النبي صلى الله عليه وسلم منه في شعبان دون المُحَرَّم؟

ففيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته.
والثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار, من سفر أو مرض أو غيرهما. (شرح صحيح مسلم: (4/312)).

وقد ورد في الحض على صيام التطوع مطلقاً:
(3) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا بَاعَدَ اللَّهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. (صحيح مسلم، 1153(167)).

(4) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا، كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَاْلأرْضِ. (صحيح / صحيح سنن الترمذي للألباني، 1624).

(5) وعَنْه رضي الله عنه أيضاً، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مُرْنِي بِعَمَلٍ.
قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ َلا عَدْلَ لَهُ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مُرْنِي بِعَمَلٍ.
قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ َلا عِدْلَ لَهُ.
(صحيح / صحيح سنن النسائي للألباني، 2222).

ثانياً: فضل صيام يوم عاشوراء:
(6) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ. (صحيح البخاري، 2006).

ومعنى "يتحرَّى" أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه. (فتح الباري: (4/292)).

(7) وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. (صحيح مسلم، 1162(196)).

(8) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ: يَوْمُ الْعَاشِرِ. (صحيح / صحيح سنن الترمذي للألباني، 755).

(9) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (صحيح البخاري، 2004).

وقد أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس زيادة في سبب صيام اليهود له، وحاصلها أن السفينة استوت على الجودي فيه، فصامه نوح وموسى شكرا. (فتح الباري: (4/291)).

وفي هذا الحديث دليل على أن التوقيت كان في الأمم السابقة بالأهلة، وليس بالشهور الإفرنجية. (الشرح الممتع: (6/471)).

وهذا الحديث أفاد تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء، وقد كان أول قدومه المدينة.

ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية. (نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان: (1/499)).

(10) وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَصُومُوهُ أَنْتُمْ. (صحيح البخاري، 2005).

وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه، لأن يوم العيد لا يُصام. (فتح الباري: (4/292)).

وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيداً. (لطائف المعارف: (124)).

ثالثاً: صفة صيام النبي صلى الله عليه وسلم لعاشوراء:
كان للنبي صلى الله عليه وسلم في صيامه لعاشوراء أربع حالات:
الحالة الأولى:
أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم.

الحالة الثانية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ المدينة، ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له، وكان يُحِبُّ موافقتهم فيما لم يُؤمر به، صامه وأمر الناس بصيامه.

وأكَّد الأمر بصيامه والحَثَّ عليه، حتى كانوا يُصَّومُونَهُ أطفالهم.

والرأي الرَّاجح أنه كان فرضاً وواجباً في هذه الحالة.

الحالة الثالثة:
لَمَّا فُرض صيام شهر رمضان، ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه.

الحالة الرابعة:
عزم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره على أن لا يصومه مُفرداً، بل يَضُمُّ إليه يوماً آخر مُخالفَةً لأهل الكتاب في صيامه.

قال ابن حجر:
فلمَّا فُتِحَتْ مكة واشتهر أمر الإسلام، أحَبَّ مُخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك، فوافقهم أولاً، وقال: نحن أحق بموسى منكم، ثم أحَبَّ مُخالفتهم، فأمر بأن يُضاف إليه يومٌ قبله... خلافاً لهم. (فتح الباري: (4/288)). (انتهى ملخصاً من لطائف المعارف (113-120)؛ ونداء الريان: (1/498-500). ومَنْ شاء الوقوف على أدلة كل حالة فليرجع إليهما).

رابعاً: استحباب صيام اليوم التاسع مع عاشوراء:
(11) عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ. قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (صحيح مسلم، 1134(133)).

قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون:
يُستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر, ونوى صيام التاسع... قال بعض العلماء: ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر ألا يتشبَّه باليهود في إفراد العاشر. وفي الحديث إشارة إلى هذا. (شرح صحيح مسلم: (4/267-268)).

وآكد صيام شهر المُحَرَّم، اليوم العاشر منه يليه التاسع...

فإن قال قائل:
ما السبب في كون يوم العاشر آكد أيام شهر المُحَرَّم؟

أُجيب:
إن السبب في ذلك أنه اليوم الذي نَجَّى اللهُ فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه... وقال بعض العلماء: إنه لا يُكره إفراد اليوم العاشر بالصيام، ولكنه لا يحصل على الأجر التام إذا أفرده. (الشرح الممتع: (6/469 - 471)).
 
وقال بعض أهل العلم:
قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم "لئن عشتُ إلى قابل لأصُومَنَّ التاسع" يحتمل أمرين، أحدهما: أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع، والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم، فلمَّا توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين. (فتح الباري: (4/289)).

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المخالفة تقع بصيام يوم قبله ويوم بعده، واستدلوا بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً، وبعده يوماً". وهذا الحديث ضعّفه الألباني) ضعيف الجامع الصغير وزيادته، 3506 (والله تعالى أعلى وأعلم.

خامساً: بدع عاشوراء:
كان مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في يوم عاشوراء من شهر المُحَرَّم على المشهور. (البداية والنهاية: (8/137)).

فانقسم الناس إلى طائفتين:
* طائفة تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحُزن ونياحة، وتُظْهِرُ فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية... وإنشاد قصائد للحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين... وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام. (مجموع الفتاوى لابن تيمية: (125 /165 - 166)).

* وطائفة أخرى من الجُهَّال تمذهبت بمذهب أهل السُّنَّة، قصدوا غيظ الطائفة الأولى، وقابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الأحاديث في فضائل عاشوراء، والأحاديث في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء. (الموضوعات من الأحاديث المرفوعات: (2/567)؛ مجموع الفتاوى: (25/166)).

والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة.

ونحن براء من الفريقين.

فأهل السُّنَّة يفعلون في هذا اليوم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع. (الموضوعات: (2/567)؛ المنار المنيف في الصحيح والضعيف: (89)).

o لم يرد فيما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكُحل، والاغتسال، والحنّاء، والمُصافحة، وطبخ الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك - لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحَدٌ من أئمَّة المسلمين، ولا الأئمَّة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، لا في كتب الصحيح ولا في السُّنَن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. (مجموع الفتاوى: (25/ 160-161)).

o وحديث التوسعة على الأهل: "من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء، أوسع الله عليه سائر سنته"، قال فيه الألباني: طرقه كلها واهية، وبعضها أشد ضعفاً من بعض. (ضعيف الترغيب والترهيب: (1/313)).

o وأمَّا ما يفعلونه اليوم من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيرها، ومَنْ لم يفعل ذلك عندهم فكأنه ما قام بحق ذلك اليوم، وكذلك طبخهم فيه الحبوب، وغير ذلك، ولم يكن السلف رضوان الله عليهم يتعرضون في هذه المواسم ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة والخير واغتنام فضيلتها، لا بالمأكول، بل كانوا يبادرون إلى زيادة الصدقة وفعل المعروف. (المدخل: (1/280)).