علامة حب الله للعبد
وقيل: إن موسى عليه السلام، قال: يا رب، ما علامة من أحببت؟ قال: يا موسى، إذا أحببت عبداً من عبادي جعلت فيه علامتين، قال: يا رب وما هما؟ قال: ألهمته ذكري لكي أذكره في ملكوت السموات والارض، وأعصمه من محارمي وسخطي لئلا يحل عليه عذابي، وأحول بينه وبين نفسه لكيلا يقع في محارمي وسخطي فيحل عليه غضبي.
وقال بعض الصالحين: بينما أنا أطوف بالكعبة وإذا أنا بجارية وهي تقول: يا كريم، عهدك القديم، فإني على عهدك مقيمة، فقلت لها: يا جارية، وما العهد الذي بينك وبينه؟ قالت: يا أخي، أمر عجيب وذلك أنني كنت في البحر، فعصفت بنا ريح قد دمرت كل من في السفينة، وغرق كل من كان فيها ولم ينج منها أحد غيري وهذا الطفل، وبقيت على لوح ورجل أسود على لوح آخر، فلما أصبح الصبح دخل الأسود إلي وجعل يدافع الماء بذراعيه حتى وصل إلي واستوى معنا علا اللوح، وجعل يراودني عن نفسي، فقلت له: يا عبد الله، نحن في بلية لا نرجو السلامة منها بطاعة، فكيف بالمعصية؟ فقال: دعيني، فو الله لا بد من ذلك.
ومد يده وأخذ الطفل مني ورمى به في البحر، فرفعت طرفي إلى السماء، وقلت: يا من يحول بين المرء وقلبه، حل بيني وبين هذا الأسود بحولك وقوتك إنك على كل شيء قدير، وإذا بدابة من دواب البحر قد فتحت فاها و التقمت الأسود وغابت في البحر، فبقيت الأمواج ترميني يميناً وشمالاً حتى ألقتني إلى جزيرة من جزائر العرب، فقصصت لهم قصتي وما جرى لي فتعجبوا من ذلك، وأطرقوا رؤوسهم، وقالوا: لقد أخبرتينا بأمر عجيب، ونحن نخبرك بعجيبين: وذلك إننا كنا سائرين في البحر إذ اعترضتنا دابة ووقفت أمامنا، وإذا بطفل على ظهرها، ومناد ينادي: خذوا عني هذا الطفل من فوق ظهري وإلا أهلكتكم، فنزل منا واحد فمد يده على ظهرها وأخذه، وغاصت في البحر، وقد عاهدنا الله أن لا يرانا على معصية أبداً.          
وأعطوني الطفل، وهذا من بعض عجائب قدرة الله.
وقيل: إن عيسى عليه السلام إستسقى يوماً لقومه فأمر من كان من أهل المعاصي أن يعتزل، فاعتزل الناس إلا رجلا أصيب بعينه اليمنى، فقال له عيسى عليه السلام: مالك لا تعتزل؟ فقال: يا روح الله، ما عصيته طرفة عين، ولقد نظرت عيني اليمنى إلى قدم امرأة من غير قصد فقلعتها، ولو نظرت الأخرى لقلعتها.
فبكى عيسى عليه السلام، وقال له: إدع الله لنا، فأنت أحق بالدعاء مني، فرفع يده إلى السماء، وقال: اللهم إنك خلقتنا وتكلفت لنا بأرزاقنا فأرسل علينا مدراراً.          
فأنزل الله عليهم الغيث، تسقوا حتى رووا.