(183) سُنَّة طرد الجوع عن المسلمين


مِن أكبر الفتن التي يمكن أن يمرّ بها الإنسان فتنة الجوع الشديد الذي لا يجد ما يدفعه به! لهذا كان الرسول يستعيذ منه؛ فكيف نطبق هذه السُّنَّة؟

مِنْ أكبر الفتن التي يمكن أن يمرَّ بها الإنسان فتنة الجوع، وليس المقصود هنا الجوع الذي يسبق وجبة الطعام؛ إنما المقصود هو الجوع الشديد الذي لا يجد فيه بعض الناس من الطعام ما يدفعونه به! فإذا وصل الناس إلى هذه الحالة صار وقوعهم في أي فتنة قد تطرد عنهم هذا الجوع أمرًا قريبًا جدًّا؛ لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من هذه الفتنة الكبيرة؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ».

وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّة جميلة عظيمة وهي سُنَّة طرد الجوع عن المسلمين؛ واعتبر ذلك عملاً من أكثر الأعمال التي يُحِبُّها الله عز وجل؛ فقد روى الطبراني -وقال الألباني: حسن- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلاً سألَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فكان ممَّا قاله رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «.أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ -أي عن المسلم- جُوعًا.»"، وروى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ».

وطَبَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السُّنَّة العظيمة في حياته كثيرًا، ولم يكن بالضرورة يطرد الجوع عن المسلمين بطعام كثير؛ بل كان يطرده أحيانًا بكوب من اللبن، كما في الموقف الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، ووصف فيه جوعًا شديدًا أصابه، ثم قال: "فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ». فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. «فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَقَامَنِي وَعَرَفَ الَّذِي بِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْلِهِ، فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ -فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ-: عُدْ يَا أَبَا هِرٍّ». فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ: «عُدْ». فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالقِدْحِ".

وروى البخاري ومسلم عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ مَرَّةً: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَلاَثَةٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، بِسَادِسٍ». أَوْ كَمَا قَالَ: وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ، وَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلاَثَةٍ.

فلْنبحث عن الجوعى الذين لا يجدون ما يُسَكِّن آلام جوعهم، ولْيكن لنا نصيب في طرد الجوع عنهم.

ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].