فلسفة السُّلوك الإنساني، وكيفية تحقيق منظومة السُّلوك السَّوي
فلسفة السُّلوك الإنساني، وكيفية تحقيق منظومة السُّلوك السَّوي Ocia_393
الخُلُقُ صِفَةٌ نفسية قلبية، والسُّلُوكُ صِفةٌ عملية تقوم بها الجوارح كلها من رأس، وأذن وعين، وأنف، ولسان، ويد، ورجل، وبطن، وفرج.
فالرأس مثلاً مناط كسب المعارف، ويعاونه الأذن، والعين، والأنف، واللسان، والرجل.
والبطن مناط كسب المطعم والمشرب، ويعينه: اليد، والرجل، والعين، والأذن، والفم.
والفرج مناط تصريف ما في البطن والرأس معاً.
ولأن الرأس يحوي المخ الذي به مادة العقل، كان زكاة الرأس بالعلم النافع لا بالعلم الضار، ولن يكتسب علماً نافعاً ما لم يروض أذنه على: أن تسمع الصالح من الكلام، والطيب من الأقوال، وعلى أن لا تسمع الخبيث من الكلام، ولا الفاسد من الأقوال، فينطبع على الطيب فيقبله، وعلى الخبيث فيرفضه ويهجره.
ولن يكتسب علماً نافعاً ما لم يروض عينه على: بصر الحلال من كون الله تعالى، ونظر تلك الآيات ابتغاء تدبرها، والتفكر فيها، وكيف يمكن تطويعها لزيادة الإيمان وترسيخه في النفوس، ثم القيام بلفت أنظار الآخرين إلى روعة وجمال تلك الآيات.
ثم يروض عينه على: أن تغض الطرف عن كل الحرام أو المشتبهات في كون الله الفسيح.
فيأتي من الحلال ما يزيده: طمأنينة، وسكينة، ووقاراً.
ويكسبه: اقتصاداً، وحلماً، وأناة.
ويهبه: مراقبة، ومحاسبة، ومجاهدة، وخوفاً، ورجاء.
ويمنحه: تفكراً، وتدبراً، ويقظة وبصيرة وفراسة.
ويمن عليه بالعزة، والهمة، والشجاعة، والمروءة، والعفة، والفتوة، والغيرة، والاستقامة.
ويصب عليه ورعاً، وزهداً، وقناعة، ورضا، وتوكلاً، وثقة، وتواضعاً، وسلاماً، وأماناً.
ويهديه، الصبر، والصدق، والعفاف، والتقوى، والغنى، والكرم، والكرامة، والرحمة، والرأفة.
ويلزمه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعاون على البر، والتقوى، والمواساة، والعفو، والرفق، والتوبة، والندم، والحياء، والبشاشة، والإنصاف، والعدل، والشكر، والوفاء، والجود، والسخاء، والأمانة، والتيسير، والالتزام بالكتاب والسنة.
ويترك الحرام والشبيه به مما يجنبه: الجهل، والضعف، والنزق، والحمق، والشطط، والسرف، والتسرع، والطيش، والسفه.
ويمنعه: الظلم، والغلظة، والجحود، والخيانة، والسرقة، والخداع، والعبوس، والأثرة، والبخل، والحرص، والحسد.
ويحول بينه وبين: الفخر، والخيلاء، والعجب، والكبر، والتيه، والمراء، والرياء، والنفاق، والشقاق، وسوء الأخلاق، والمعاندة، والمغالطة، والمكابرة، والغرور.
ويسد عليه طرق: الكذب، والمدح، والمجون، والمداهنة، والاحتيال، والمكر، والاحتكار، والغيبة، والنميمة، والسخرية، والهوى، والكيد، واللهو، واللعن، واللغو والغفلة، والجبن، والذلة، والديوثية، والتذبذب، والبجاحة، والأمل، والملل، والنسيب، والإمعان في الشبع، والإمعان في الجنس، وإدمان الخمر، والمخدرات، وحب الدنيا، وكراهية الموت، والتنطع، والابتداع.
ولن يكتسب الرأس علماً نافعاً ما لم يروض أنفه على: شم ما يجوز شرعاً، وما يحل ورعاً.
ويمنعه ما لا يجوز ولا يحل، فينعش بذلك قلبه، ويثير همته، ويستثير أحاسيسه الصادقة، وينفر عدوه، ويكبت قرينه، ويخسأ شيطانه.
ولن يكتسب الرأس علماً نافعاً ما لم يروض لسانه على: قول الحق وتحريه، ونطق الصدق وتوريه، ويحبسه عن: الكذب، والمراء، والجدال، والرفث، والفسوق، والزور، والبهتان، والإفك، والغيبة، والنميمة، والسب، واللعن، والقذف، والحلف، والنذر، والمدح، والمعاندة، واللجج في الخصومة، والسخرية، والازدراء، والتهكم، وقول ما لا يعنيه، والمن، والأذى.
ولن يكتسب الرأس علماً نافعاً ما لم يروض يده على: فعل الخير، وإتيان المعروف، والإحجام عن الشر، والمنكر.
فيروضها على البذل، والعطاء، والجود، السخاء، والكرم، والأمانة، والرحمة، والرأفة، والدعاء، والتعاون، والمواساة، والعفو، والرفق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعطف، والوفاء، والقصد، والاقتصاد.
ويمنعها من: الظلم، والخيانة، والسرقة، والبطش، والبخل، والحرص، والطمع، والسرف، والتقتير.
ولن يكتسب الرأس علماً نافعاً ما لم يروض رجله على: السعي إلى الخير، والمكرمات، وتحصيل النوافع الصالحات، واكتساب المحاسن والفضائل، واجتلاب المعالي الجلائل، وإحراز النفائس من صالح الخصائص، وتحقيق السيادة والريادة في الدين والدنيا معاً.
فليسع بهما مجاهداً في سبيل الله، أمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، وليخط بهما في سكينة ووقار إلى حيث الجماعة الأولى في المسجد.
وليمش بهما ثابت الجأش، ساكن الفؤاد، واثق الصلة بالله، متوكلاً على الله، راضياً بقضاء الله وقدره، في حلوه ومره، متواضعا لله، متواضعاً لعباد الله الصالحين، مسلماً عليهم، باذلاً الأمن والأمان لهم، شجاعاً في الدفاع عنهم، ذا مروءة في رد غيبتهم، عفيفاً عن طرق الحرام، يعف فرجه، ويكف لسانه، غيوراً على حرمات المسلمين، عزيزاً بالله، ذا همة وفتوة، ونجدة ونخوة، واستقامة.
ولا ينقل رجله إلا بنية صالحة، وقصد كريم، وعزم شريف، حتى يحقق بخطاه عددهن حسنات، ومثلهن في عددهن تمح بهن الخطايا، وتحط عنه الأوزار، فيستفيد ثواباً، ويدفع عن نفسه عقاباً.
ويروض رجله على عدم السعي إلى المنكرات، والخنا، ولا إلى اللهو والهوى، ولا إلى اللغو والبدعة، ولا إلى الذلة والديوثية، ليس بفخور ولا مختال، ولا مغرور ولا محتال، ولا يتيه كبراً، ولا معجباً بنفسه، ولا مكابر أو متكبراً، ولا جاهلًا متجبراً، ولا طاغياً ماكراً، ولا مخادعاً خائناً، عند ذلك يمكنه أن يكتسب برجله علماً نافعاً.
والله أعلم.
ولن يحفظ بطنه ما لم يحصن فرجه بالحلال، ويطيب مطعمه ومشربه، ورعاً، وزهداً، وقناعة، ورضاً، وبالصبر: يتحقق مراده، وبالصدق: يصل وداده، وبالاستقامة: يزين شبابه، وبالاقتصاد: يعظ أصحابه وبالسكينة والوقار: يُهاب جنابه، وبالخوف والرجاء: ييسر الله حسابه، وبالمراقبة واستمرائها، وبالمجاهدة واستعذابها، وبالمحاسبة واغتنامها: يسهل عليه قياد نفسه، واقتياد هواه، وقطع أسباب الأمل في دنياه، وبتفكره وتدبره في غده: يقطع عنه ملل يومه، وبيقظته وحذره من عدوه: يحجب عن نفسه الغضب وأوضاره، والجهل وأضراره، والطيش وأهواله، والسفة وإخلاله، وببصيرته: يجنب نفسه الظلم وعاقبته الوخيمة، والحمق ونهايته الأليمة، والسرف وخاتمته المليمة، والشطط ومآله إلى بوار، والتسرع ومصيره إلى دمار، وبفراسته: يطلق ديوثته، ويبين شهوته، ويجافي إدمان الذلة والعار، والجبن وشد الزنار، بل ينظر في دينه ما يصلح دنياه، ويأخذ من الدنيا ما يوصله إلى النجاة، ويدخله الفردوس الأعلى في أخراه، فيحفظ بطنه ويحصن فرجه بتقوى الله، ورضا مولاه.
وبكل ما سبق، أو بكل جملة على حدة، استبان لنا أن السلوك والأخلاق وجهان لعملة واحدة، لا انفكاك لأحدهما عن الآخر، ولا يعرف أحدهما إلا بالآخر.