منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الأول أصول الإيمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 7:36 pm

•   الباب الأول أصول الإيمان
  الأصل الأول قاعدة الاعتقاد الذي هو أصل الإيمان
اعلم أيها السلطان أنك مخلوق ولك خالق وهو خالق العالم وجميع ما في العالم وأنه لا شريك له فرد لا مثل له كان في الأزل وليس لكونه زوال ويكون مع الأبد وليس لبقائه فناء وجوده في الأبد والأزل وما للعدم إليه سبيل وهو موجود بذاته وكل أحد محتاج إليه وليس له إلى أحد احتياج وجوده به ووجود كل شيء به‏.‏

  الأصل الثاني في تنزيه الخالق تعالى
اعلم أن البارئ تعالى ذكره ليس له صورة ولا مثل وأنه لا ينزل ولا يحل في قالب وأنه تعالى منزّه عن الكيف والكم وعن لماذا وكم وأنه لا يشبه شيئاً ولا يشبه شيء وكلما يخطر في الوهم والخيال والفكر من التخيل والتمثيل والتكيف فانه منزّه عن ذلك لأن ذلك من صفات المخلوقين وهو خالقها فلا يوصف بها وأنه تعالى جدّه ليس في مكان ولا على مكان فإن المكان لا يحصره وكل ما في العالم فإنه تحت عرشه وعرشه تحت قدرته وتسخيره وأنه قبل العرش كان فترها عن المكان وليس العرش بحامل له بل العرش وحملته يحملهم لطفه وقدرته‏.‏

  الأصل الرابع في العلم
وأنه تعالى عالم بكل معلوم وعلمه محيط بكل شيء فليس شيء في العلا إلى الثرى إلا قد أحاط به علمه لأن الأشياء جميعها بعلمه ظهرت وبإرادته خلقها وبقدرته كونها وأنه تعالى يعلم عدة رمال القفار وقطرات الأمطار وورق الأشجار وغوامض الأفكار وما دارت عليه الرياح والهواء في علمه ظاهر مثل عدد نجوم السماء‏.‏

وأن جميع ما في العالم بإرادته ومشيئته وليس شيء من قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر نفع أو ضر زيادة أو نقصان راحة أو تعب صحة أو صب إلا بحكمه وتدبيره ومشيئته وتقديره‏.‏

لو اجتمع الأنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحرَكوا في العالم ذرة أو يسكنوها أو ينقصوا منها أو يزيدوا فيها بغير إرادته وحوله وقوته لعجزوا عن ذلك ولم يقدروا وما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون ولا ترد مشيئته ومهما كان ويكون أو هو كائن فإنه بتدبيره وأمره وتسخيره‏.‏

  الأصل الخامس والسادس في أنه سميع بصير
وكما أنه عالم بجميع المعلومات فإنه سميع لكل مسموع بصير لكل مبصر وأنه بسمع واحد وبصر واحد يرى دبيب النملة في الليلة المظلمة ولا يخفى عن سمعه صوت الدود تحت أطباق الأرض وأن سمعه ليس بأذن وبصره ليس بعين‏.‏

وكما أن علمه لا يصدر عن فكرة ففعله بغير آلة وعدة يقول للشيء كن فيكون‏.‏

  الأصل السابع في الكلام
وأن أمره تعالى على جميع الخلق نافذ واجب مهما أخبره من وعد ووعيد فإنه حق وأمره كلامه‏.‏

وكما أنه عالم مريد قدير سميع بصير فهو متكلم وكلامه بغير حلق ولا لسان ولا فم ولا أسنان والقرآن والتوراة والإنجيل والزبور والكتب المنزَلة على الأنبياء عليهم السلام جميعها كلامه‏.‏

وكلامه صفته وكل صفاته قديمة وكما أن الكلام عند الآدمي حرف وصوت فكلام الله منزَه عن الأصوات والحروف‏.‏

  الأصل الثامن في أفعاله تعالى
وأن جميع ما في العالم مخلوق له تعالى وليس معه شريك ولا خالق بل هو الخالق الواحد ومهما خلقه من تعب ومرض وفقر وعجز وجهل فعدل منه ولا يمكن الظلم في أفعاله لأن الظالم هو الذي يتصرف في ملك غيره والخالق تعالى لا يتصرف إلا في ملكه وليس معه مالك سواء وكل ما يكون وهو كائن فهو ملك له وهو المالك بلا شبيه ولا شريك وليس لأحد عليه اعتراض بلم وكيف ولكن له الحكم والأمر في كل أفعاله وما لأحد غير التسليم والنظر إلى صنعه والرضا بقضائه‏.‏

  الأصل التاسع في ذكر الآخرة
وأنه تعالى خلق العالم من نوعين جسد وروح وجعل الجسد منزلاً للروح لتأخذ زاداً لآخرتها من هذا العالم وجعل لكل روح مدة مقدّرة تكون في الجسد فآخر تلك المدة هو أجل تلك الروح من غير زيادة ولا نقصان فإذا جاء الأجل فرّق بين الروح والجسد وإذا وضع الميت في قبره أعيدت روحه إلى جسده ليجيب سؤال منكر ونكير وهما شخصان هائلان عظيمان فيسألانه من ربك ومن نبيك فإن استعجم ولم يجب عذّباه وملآ قبره حيات وعقارب‏.‏

ويوم القيامة يوم الحساب والمكافأة والمناقشة والمجازاة تردّ الروح إلى الجسد وتنشر الصحف وتعرض الأعمال على الخلائق فينظر كل إنسان في كتابه فيرى أعماله ويشاهد أفعاله ويعلم مقدار طاعته ومعصيته وتوزن أعماله في ميزان الأعمال ثم يؤمر بالجواز على الصراط‏.‏

والصراط أدق من الشعرة وأحدّ من الشفرة فكل من كان في هذا العالم على الطريقة المستقيمة الصالحة وسلوك المحجة الواضحة عبر على الصراط وجازه في راحة واستراحة وإن لم يكن على السيرة المحمودة والأعمال الصالحة الرشيدة وعصي مولاه واتَبع هواه فأنه لا يجد الطريق على الصراط ولا يهتدي إلى الجواز ويقع في جهنم‏.‏

والكل يوقفون على الصراط ويُسألون عن أفعالهم فيُسأل الصادقون عن صدقهم ويمتحن المراؤون والمنافقون ويفضحون فمن الناس قوم يدخلون الجنة بغير حساب وجماعة يحاسبون بالرفق والمسامحة وجماعة يحاسبون بالصعوبة والمناقشة والمحاققة ثم يسحب الكفار إلى نار جهنم بحيث لا يجدون خلاصاً ويدخل أهل الجنة ويؤمر بالعصاة إلى النار وكل من نالته شفاعة الأنبياء والعلماء والأكابر عُفي عنه وكل من ليس له شفيع عوقب بمقدار إثمه وعُذب بقدر جرمه ثم يدخل الجنة إن كان قد سلم معه أيمانه‏.‏

  الأصل العاشر في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولمَّا قدّر الله تعالى هذا التقدير وجعل الإنسان وأحواله واكتسابه وأعماله منها ما هو سبب لسعادته ومنها ما هو سبب لشقاوته والإنسان لا يقدر أن يعرف ذلك من تلقاء نفسه خلق الله تعالى بحكم فضله ورحمته وطوله ومنته ملائكة وبعثهم إلى أشخاص قد حكم لهم بالسعادة في الأزل وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فأرسلهم إلى الخلق ليوضحوا لهم طرق السعادة والشقاوة لئلا يكون للناس على الله حجة وأرسل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم آخراً وجعله بشيراً ونذيراً فأوصل نبوّته إلى درجة الكمال فلم يبقَ للزيادة فيه مجال ولهذا جعله خاتم الأنبياء فلا نبي بعده وأمر الخلائق من الأنس والجن بطاعته واتباعه وجعله سيد الأولين والآخرين وجعل أصحابه خير أصحاب الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين‏.‏

ذكر فروع شجرة الإيمان إعلم أيها السلطان أن كل ما كان في قلب الإنسان من معرفة واعتقاد فذلك أصل الإيمان وما كان جارياً على أعضائه السبعة من الطاعة والعدل فذلك فرع الإيمان‏.‏

فإذا كان الفرع ذاوياً دلّ على ضعف الأصل فإنه لا يثبت عند الموت وعمل البدن عنوان إيمان القلب‏.‏

والأعمال التي هي فروع الإيمان هي تجنب المحارم وأداء الفرائض وهما قسمان‏:‏ أحدهما بينك وبين الله تعالى مثل الصوم والصلاة والحج والزكاة واجتناب شرب الشراب والعفة عن الحرام‏.‏

والأخرى بينك وبين الخلق وهي العدل في الرعية والكف عن الظلم‏.‏

والأصل في ذلك أن تعمل فيما بينك وبين الخالق تعالى من طاعة أمره والازدجار بزجره وما تختار أن تعتمده عبيدك في حقك وأن تعمل فيما بينك وبين الناس ما تؤثر أن يعمل معك من واعلم أنّ ما كان بينك وبين الخالق سبحانه فإن عفوه قريب وأما ما يتعلق بمظالم الناس فإنه لا يتجاوز به عنك على كل حال يوم القيامة وخطره عظيم ولا يسلم من هذا الخطر أحد من الملوك إلا ملك عمل بالعدل والإنصاف ليعلم كيف يطلب العدل والإنصاف يوم القيامة‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:22 pm

أصول العدل والإنصاف عشرة
الأصل الأول
من ذلك هو أن تعرف أولاً قدر الولاية وتعلم خطرها فإن الولاية نعمة من نعم الله عز وجل من قام بحقّها نال من السعادة ما لا نهاية له ولا سعادة بعده ومن قصّر عن النهوض بحقها حصل في شقاوة لا شقاوة بعدها إلا الكفر بالله تعالى‏.‏

والدليل على عظم قدرها وجلالة خطرها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏عدل السلطان يوماً واحداً أحَبُّ إلى الله من عبادة سبعين سنة‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة لا يبقى ظل ولا ملجأ إلا ظل الله ولا يستظل بظله ألا سبعة أناس‏:‏ سلطان عادل ي رعيته وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل يكون في السوق وقلبه في المسجد ورجلان تحابا في الله ورجل ذكر الله في خلوته فأذرى دمعه من مقلته ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال ومال إلى نفسها فقال إني أخاف الله وجل يتصدق سراً بيمينه ولم تشعر بها شماله‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏أحب الناس إلى الله تعالى وأقربهم إليه السلطان العادل وأبغضهم إليه وأبعدهم منه السلطان الجائر‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏والذي نفس محمد بيده إنه ليرفع للسلطان العادل إلى السماء من العمل مثل عمل جملة الرعية وكل صلاة يصلّيها تعدل سبعين ألف صلاة‏)‏‏.‏

فإذا كان كذلك فلا نعمة أجلّ من أن يعطى العبد درجة السلطنة ويجعل ساعة من عمره بجميع عمر غيره ومن لم يعرف قدر هذه النعمة واشتغل بظلمه وهواه يُخاف عليه أن يجعله الله من جملة أعدائه‏.‏

ومما يدلّ على خطر الولاية ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعض الأيام فلزم حقه باب الكعبة وكان في البيت نفر من قريش فقال‏:‏ ‏(‏يا سادات قريش عاملوا رعاياكم وأتباعكم بثلاثة أشياء‏:‏ إذا سألوكم الرحمة فارحموهم وإذا حكموكم فاعدلوا فيهم واعملوا بما تقولون فمن لم يعمل بهذا فعليه لعنة الله وملائكته لا يقبل الله منه فرضاً ولا نفلاً‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من حكم بين إثنين بظلم فلعنة الله على الظالمين‏)‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا ينظر الله إليهم‏:‏ سلطان كجائز كاذب وشيخ زانٍ وفقير متكبر يعني أنه متكبر للطمع‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام يوماً للصحابة‏:‏ ‏(‏سيأتي عليكم يوم تفتحون فيه جانبي الشرق والغرب ويصير في أيديكم وكل عمال تلك الأماكن في النار إلا من اتقى الله وسلك سبيل التقوى وأدّى الأمانة‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏ما من عبد ولاّه الله أمر رعية فغشهم ولم ينصح لهم ولم يشفق عليهم الا حرَم الله عليه الجنة‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من ولَي أمور المسلمين ولم يحفظهم كحفظة أهل بيته فقد تبوأ مقعده من النار‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏رجلان من أمتي يحرمان شفاعتي‏:‏ ملك ظالم ومبتدع غال في الدين يتعدى الحدود‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة السلطان الظالم‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏خمسة قد غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه ومقرهم النار‏:‏ أمير قوم يطيعونه يأخذ حقه منهم ولا ينصفهم من نفسه ولا يرفع الظلم عنهم ورئيس قوم يطيعونه ولا يساوي بين القوي والضعيف ويحكم بالميل والمحاباة ورجل لا يأمر أهله وأولاده بطاعة الله ولا يعلمهم أمور الدين ولا يبالي من أين أطعمهم ورجل استأجر أجيراً فتمم عمله ومنعه أجرته ورجل ظلم زوجته في صداقها‏)‏‏.‏

ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تبع يوماً جنازة فتقدَّم رجل فصلّى على الجنازة فلمَّا دفن الميت وضع ذلك الرجل يده على القبر وقال‏:‏ اللهم إن عذبته فبحقك لأنه عصاك وأن رحمته فإنه فقير إلى رحمتك وطوبي لك أيها الميت إن لم تكن أميراً أو عريفاً أو كاتباً أوعوانياً أو جابياً‏.‏

فلمَّا تكلم بهذه الكلمات غاب شخصه عن عيون الناس فأمر عمر بطلبه فلم يوجد فقال عمر‏:‏ هذا الخضر عليه السلام‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ويل للأمراء وويل للعرفاء وويل للعوانية فإنهم أقوام يُعلّقون من السماء بذوائبهم في القيامة ويُسحبون على وجوههم إلى النار يَوَدُّونَ لو لم يعملوا عملاً قط‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏ما من رجل ولي أمر عشرة من الناس إلا وجيء به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه فإن كان عمله صالحاً فكّ الغل عنه وإن كان عمله سيئاً زيد عليه غل آخره‏)‏‏.‏

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء حين يلقاه إلا من عدل وقضى بالحق ولم يحكم بالهوى ولم يمل مع أقاربه ولم يبدل حكماً لخوف أو طمع لكن يجعل كتاب الله مرآته ونصب عينيه ويحكم بما فيه‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يؤتى بالولاة يوم القيامة فيقول الله جلّ وعلا‏:‏ ‏(‏أنتم كنتم رعاة خليقتي وخزنة ملكي في أرضي‏)‏‏، ثم يقول لأحدهم‏:‏ ‏(‏لم ضربت عبادي فوق الحد الذي أمرت به‏)‏‏، فيقول‏:‏ يا رب لأنهم عصوك وخالفوك‏، فيقول جلّ جلاله‏:‏ ‏(‏لا ينبغي أن يسبق غضبك غضبي‏)‏‏، ثم يقول للآخر‏:‏ ‏(‏لم ضربت عبادي أقل من الحد الذي أمرت به‏)‏ فيقول‏:‏ يا رب رحمتهم‏، فيقول تعالى‏:‏ قال حذيفة بن اليمان‏:‏ أنا لا أثني على أحد من الولاة سواء كان صالحاً أو غير صالح لأني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏يؤتي بالولاة العادلين والظالمين يوم القيامة فيوقفون على الصراط فيوحي الله إلى الصراط أن ينفضهم إلى النار مثل من جار في الحكم أو أخذ رشوة على القضاء أو أعار سمعه لأحد الخصمين دون الآخر فيسقطون من الصراط فيهوون سبعين سنة في النار حتى يصلوا إلى قرارها‏)‏‏.‏

وقد جاء في الخبر أن داود عليه السلام كان يخرج ليلاً متنكراً بحيث لا يعرفه أحد وكان يسأل كل من يلقاه عن حال داود سراً فجاءه جبريل في صورة رجل فقال له داود‏:‏ ما تقول في داود فقال‏:‏ نِعْمَ العبد إلا أنه يأكل من بيت المال ولا يأكل من كدّه وتعب يديه‏، فعاد داود إلى محرابه باكياً حزيناً وقال‏:‏ إلهي علّمني صنعة آكل بها من كدي وتعب يدي‏، فعلّمه الله تعالى صنعة الزرد‏.‏

وكان عمر بن الخطاب يخرج كل ليلة يطوف مع العسس حتى يرى خللاً يتداركه وكان يقول‏:‏ لو تركت عنزاً جرباء على جانب ساقية لم تدهن لخشيت أن أسئل عنها في القيامة‏.‏

فانظر أيها السلطان إلى عمر مع احتياطه وعدله وما وصل أحد إلى تقواه وصلاته كيف يتفكر ويتخوف من أهوال يوم القيامة وأنت قد جلست لاهياً عن أحوال رعيتك غافلاً عم أهل ولايتك‏.‏

قال عبد الله بن عمر وجماعة من أهل بيته‏:‏
كنا ندعو الله أن يُرينا عمر في المنام فرأيته بعد أثني عشر كأنه قد اغتسل وهو متلفع فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين كيف وجدت ربك وبأي حسناتك جازاك فقال‏:‏ يا عبد الله كم لي منذ فارقتك فقلت‏:‏ إثنتا عشرة سنة‏، فقال‏:‏ منذ فارقتكم في الحساب وخفت أن أهلك إلا أن الله غفور رحيم جواد كريم‏، فهذا حال عمر ولم يكن له من دنياه شيء من أسباب الولاية سوى درة‏.‏

حكاية‏:‏
أرسل قيصر ملك الروم رسولاً إلى عمر بن الخطاب لينظر أحواله ويشاهد فعاله فلمَّا دخل المدينة سأل أهلها وقال‏:‏ أين ملككم قالوا‏:‏ ليس لنا ملك بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة‏، فخرج الرسول في طلبه فوجده نائماً في الشمس على الأرض فوق الرمل الحار وقد وضع درته كالوسادة تحت رأسه والعرق يسقط منه إلى أن بل الأرض فلمَّا رآه على هذه الحالة وقع الخشوع في قلبه وقال‏:‏ رجل تكون جميع ملوك الأرض لا يقر لهم قرار من هيبته وتكون هذه حاله ولكنك يا عمر عدلت فأمنت فنمت وملكنا يجور لا جرم أنه لا يزال ساهراً خائفاً‏، أشهد أن دينكم لدين الحق ولولا أني أتيت رسولاً لأسلمت ولكن سأعود بعد هذا وأسلم‏.‏

أيها السلطان خطر الولاية عظيم وخطبها جسيم والشرح في ذلك طويل ولا يسلم الوالي الا بمقارنة عملاء الدين ليعلموه طرق العدل ويسهلوا عليه خطر هذا الأمر‏.‏

أن يشتاق أبداً إلى رؤية العلماء ويحرص على استماع نصحهم وأن يحذر من علماء السوء الذين يحرصون على الدنيا فإنهم يثنون عليك ويغرونك ويطلبون رضاك طمعاً فيما في يديك من خبث الحطام ووبيل الحرام ليحصلوا منه شيئاً بالمكر والحيل‏.‏

والعالم هو الذي لا يطمع فيما عندك من المال ومنصفك في الوعظ والمقال‏.‏

كما يقال أن شقيقاً البلخي دخل على هارون الرشيد فقال له‏:‏ أنت شقيق الزاهد فقال‏:‏ أنا شقيق ولست بزاهد‏.‏
فقال له‏:‏ أوصني‏.‏
فقال‏:‏ إن الله تعالى قد أجلسك مكان الصديق وأنه يطلب منك مثل صدقة وأنه أعطاك موضع عمر بن الخطاب الفاروق وأنه يطلب منك الفرق بين الحق والباطل مثله وأنه أقعدك موضع عثمان بن عفان ذي النورين وهو يطلب منك مثل حيائه وكرمه وأعطاك موضع علي بن أبي طالب وهو يطلب منك مثل العلم والعدل كما يطلب منه‏.‏
فقال له‏:‏ زدني من وصيتك‏.‏
فقال‏:‏ نعم‏.‏
اعلم أنا لله تعالى داراً تُعرف بجهنم وأنه قد جعلك بواب تلك الدار وأعطاك ثلاثة أشياء بيت المال والسوط والسيف وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة فمن جاء محتاجاً فلا تمنعه من بيت المال ومن خالف أخر ربه فأدبه بالسوط ومن قتل نفساً بغير حق فاقتله بالسيف بإذن ولي المقتول فإن لم تفعل ما أمرك فأنت الزعيم لأهل النار والمتقدم إلى البوار‏.‏
فقال له‏:‏ زدني‏.‏
فقال‏:‏ إنما مثلك كمثل معين الماء وسائر العلماء في العالم كمثل السواقي فإذا كان المعين صافياً لا يضر كدر السواقي وإذا كان المعين كدراً لا ينفع صفاء السواقي‏.‏

حكاية
خرج هارون الرشيد والعباس ليلاً زيارة الفضيل بن عياض فلما وصلا إلى بابه وجداه يتلو هذه الآية‏:‏ ‏(‏أم حَسِبَ الذين إجتَرحوُا السيئَات أن نجَعلُهُم كالذِينَ آمنَوُا وعَمِلوُا الصَالِحاتِ‏)‏ ومعناها‏:‏ أيظن الذين اكتسبوا الخطايا ويعملون الأعمال المذمومة أن نسوي بينهم في الآخرة وبين الذين يعملون الخيرات وهم مؤمنون‏.‏
كلا ساء ما يحكمون‏.‏
فقال هارون‏:‏ إن كنا جئنا للموعظة فكفى بهذه موعظة‏.‏
ثم أمر العباس أن يطرق عليه الباب فطرق بابه فقال‏:‏ افتح الباب لأمير المؤمنين‏.‏
فقال الفضيل‏:‏ ما يصنع عندي أمير المؤمنين فقال‏:‏ أطِع أمير المؤمنين وافتح الباب‏.‏
وكان ليلاً والمصباح يتقد فأطفأه وفتح الباب فدخل الرشيد وجعل يَطوف بيده ليصافح بها الفضيل فلما وقعت يده عليه قال‏:‏ الويل لهذه اليد الناعمة إن لم تنج من العذاب في القيامة‏.‏
ثم قال له‏:‏ يا أمير المؤمنين استعد لجواب الله تعالى فانه يوقفك مع كل واحد مسلم على حدة يطلب منك إنصافك إياه‏.‏
فبكى هارون الرشيد بكاء شديداً وضمه إلى صدره‏.‏
فقال له العباس‏:‏ مهلاً فقد قتلته‏.‏
فقال الرشيد للعباس‏:‏ ما جعلك هامان إلا وجعلني فرعون‏.‏
ثم وضع الرشيد بين يديه ألف دينار وقال له‏:‏ هذه من وجه حلال من صداق أمي وميراثها‏.‏
فقال له الفضيل‏:‏ أنا آمرك أن ترفع يديك عما فيها وتعود إلى خالقك وأنت تلقيه إليّ‏.‏
فلم يقبلها وخرج من عنده‏.‏

نكتة
سأل عمر بن عبد العزيز محمد بن كعب القرظي فقال‏:‏ صف لي العدل‏.‏
فقال‏:‏ كل مسلم أكبر منك سناً فكن له ولداً ومن كان أصغر منك فكن له أباً ومن كان مثلك فكن له أخاً وعاقب كل مجرم على قدر جرمه وإياك أن تضرب مسلماً سوطاً واحداً على حقد منك فإن ذلك يصيرك إلى النار‏.‏

نكتة
حضر بعض الزهاد بين يدي خليفة فقال له‏:‏ عظني فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني سافرت الصين وكان ملك الصين قد أصابه الصمم وذهب سمعه فسمعته يقول يوماً وهو يبكي‏:‏ والله ما أبكي لزوال سمعي وإنما أبكي لمظلوم يقف ببابي يستغيث فلا أسمع استغاثته ولكن الشكر لله إذ بصري سالم‏.‏
وأمر منادياً ينادي ألا كل من كانت له ظلامة فليلبس ثوباً أحمر‏.‏
فكان يركب الفيل فكل من رأى عليه ثوباً أحمر دعاه واستمع شكواه وأنصفه من خصمائه‏.‏

فانظر يا أمير المؤمنين إلى شفقة ذلك الكافر على عباد الله وأنت مؤمن من أهل بيت النبوة فأنظر كيف تريد أن تكون شفقتك على رعيتك‏.‏

نكتة أخرى
حضر أبو قلابة مجلس عمر بن عبد العزيز فقال له‏:‏ عظني.
قال‏:‏ من عهد آدم إلى وقتنا هذا لم يبق خليفة سواك‏.‏
فقال‏:‏ زدني‏.‏
فقال‏:‏ أنت أول خليفة يموت‏.‏
فقال‏:‏ زدني‏.‏
فقال‏:‏ إن كان الله معك فممن تخاف وإن لم يكن معك فإلى من تلتجىء‏.‏
قال‏:‏ حسبي ما قلت‏.‏

حكمة‏:‏
كان سليمان بن عبد الملك خليفة فتفكّر يوماً وقال‏:‏ قد تنعمت في الدنيا طويلاً فكيف حالي في الآخرة وأتى إلى أبي حازم وكان عالم أهل زمانه وزاهد أوانه وقال‏:‏ أنفذ لي شيئاً من قوتك الذي تفطر عليه‏.‏
فأنفذ له قليلاً من نخالة وقد شواها فقال‏:‏ هذا فطوري‏.‏
فلما رأي سليمان ذلك أفطر الليلة الثالثة على تلك النخالة المشوية فيُقال إنه في تلك الليلة تغشّى أهله فكان منها عبد العزيز وجاء منه عمر بن عبد العزيز‏.‏
وكان واحد زمانه في عدله وإنصافه وزهده وإحسانه وكان على طريقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل أن ذلك ببركة نيته وصيامه وأكله من ذلك الطعام‏.‏

نكتة
سُئِلَ عمر بن عبد العزيز‏:‏ ما كان سبب توبتك؟ قال‏:‏ كنت أضرب يوماً غلاماً فقال لي‏:‏ اذكر الليلة التي تكون صبيحتها القيامة فعمل ذلك الكلام في قلبي‏.‏

نكتة أخرى
رأى بعض الأكابر هارون الرشيد في عرفات وهو حافٍ حاسر قائم على الرمضاء الحارة وقد رفع يديه وهو يقول‏:‏ إلهي أنت أنت وأنا أنا الذي دأبي كل يوم أعود إلى عصيانك ودأبك أن تعود إليّ برحمتك‏.‏
فقال بعض الكبراء‏:‏ انظروا إلى تضرع جبار الأرض بين يديّ جبار السماء‏.‏

نكتة أخرى
سأل عمر بن عبد العزيز يوماً أبو حازم الموعظة فقال له أبو حازم‏:‏ إذا نمت فضع الموت تحت رأسك وكل ما أحببت أن يأتيك الموت وأنت عليه مُصِرٌّ فالزمه وكل ما لا تريد أن يأتيك الموت وأنت عليه فاجتنبه فربما كان الموت منك قريباً‏.‏

فينبغي لصاحب الولاية أن يجعل هذه الحكاية نصب عينيه وأن يقبل المواعظ التي وعظ بها غيره فكلما رأى علماً سأله أن يعظه وينبغي للعلماء أن يعظوا الملوك بمثل هذه المواعظ ولا يغرّوهم ولا يدّخروا عنهم كلمة الحق وكل من غرّهم فهو مشارك لهم والله سبحانه وتعالى أعلم.



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:22 pm

الأصل الثالث
من ذلك ينبغي أن لا تقنع برفع يدك عن الظلم لكن تهذّب غلمانك وأصحابك وعمالك ونوابك فلا ترضى لهم بالظلم فإنك تُسأل عن ظلمهم كما تُسأل عن ظلم نفسك‏.‏

نكتة
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري‏:‏ ‏(‏أما فإن أسعد الولاة من سعدت به رعيته وإن أشقى الولاة من شقيت به رعيته فإياك والتبسّط فإن عمالك يقتدون بك وإنما مثلك كمثل دابة رأت مرعى مخضراً فأكلت كثيراً حتى سمنت فكان سمنها سبب هلاكها لأنها بذلك السمن تذبح وتؤكل‏)‏‏.‏

وفي التوراة كل ظلم علمه السلطان من عماله فسكت عنه كان ذلك الظلم منسوباً إليه وأخذ به وعوقب عليه‏.‏

وينبغي للوالي أن يعلم أنه ليس أحدُ أشد غبناً ممن باع دينه وآخرته بدنيا غيره وأكثر الناس في خدمة شهواتهم فانهم يستنبطون الحيل ليصلوا إلى مرادهم من الشهوات‏.‏

وكذلك العمال لأجل نصيبهم من الدنيا يغرون الوالي ويحسنون الظلم عنده فيلقونه في النار ليصلوا إلى أعراضهم وأي عدو أشد عداوة ممن يسعى في هلاكك وهلاك نفسه لأجل درهم يكتسبه ويحصله‏.‏

وفي الجملة ينبغي لمن أراد حفظ العدل على الرعية أن يرتّب غلمانه وعماله للعدل ويحفظ أحوال العمار وينظر فيها كما ينظر في أحوال أهله وأولاده ومنزله ولا يتم له ذلك إلا بحفظ العدل أولاً من باطنه وذلك أن لا يسلّط شهوته وغضبه على عقله ودينه ولا يجعل عقله ودينه أسرى شهوته وغضبه بل يجعل شهوته وغضبه أسرى عقله ودينه‏.‏

ويجب أن يعلم أن العقل من جوهر الملائكة ومن جند البارئ جلّت قدرته وأن الشهوة والغضب من جند الشيطان‏.‏

فمن يجعل جند الله وملائكته أسرى جند الشيطان كيف يعدل في غيرهم وأول ما تظهر شمس العدل في الصدر ثم ينشر نورها في أهل البيت وخواص الملك فيصل شعاعها إلى الرعية ومن طلب الشعاع في غير الشمس فقد طلب المحال وطمع فيما لا ينال‏.‏

واعلم أيها السلطان وتبيّن أن ظهور العدل من كمال العقل وكمال العقل أن ترى الأشياء على ما هي وتدرك حقائق باطنها ولا تغتر بظاهرها‏.‏

مثلاً إذا كنت تجور على الناس لأجل الدنيا فينبغي أن تنظر أي شيء مقصودك من الدنيا فإن كان مقصودك من الدنيا أكل الطعام الطيب فيجب أن تعلم أن هذه شهوة بهيمة في صورة آدمي لأن الشهوة إلى الأكل من طباع البهائم وإن كان مقصودك لبس التاج فإنك امرأة في صورة رجل لأن التزين والرعونة من أعمال النساء وإن كان مقصودك أن تمضي غضبك على أعدائك فأنت أسد أو سبع في صورة آدمي لأن إحضار الغضب للقلب من طباع السباع وإن كان مقصودك أن تخدمك الناس فأنت جاهل في صورة عاقل فإنك لو كنت عاقلاً لعلمت أن الذين يخدمونك إنما هم خدم وغلمان لبطونهم وفروجهم وشهواتهم وإن خدمتهم وسجودهم لأنفسهم لا لك وعلامة ذلك أنهم لو سمعوا إرجافاً بأن الولاية تؤخذ منك وتعطى لسواك أعرضوا بأجمعهم عنك وفي أي موضع علموا الدرهم خدموا وسجدوا لذلك الموضع فعلى الحقيقة ليست هذه خدمة وإنما هي ضحكة‏.‏

والعاقل من نظر أرواح الأشياء وحقائقها ولا يغتر بصورها وحقيقة هذه الأعمال ما ذكره وأوضحناه فكل من لم يتيقن ذلك فليس بعاقل ومن لم يكن عاقلاً لم يكن عادلاً ومن لم يكن عادلاً مأواه جهنم فلهذا السبب كان رأس مال السعادات كلها العقل‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:23 pm

الأصل الرابع
إن الوالي في الأغلب يكون متكبراً ومن التكبر يحدث عليه السخط الداعية إلى الانتقام والغضب غول العقل وعدوه وآفته وقد ذكرنا ذلك في كتاب الغضب في ربع المهلكات‏.‏

وإذا كان الغضب غالباً فينبغي أن يميل في الأمور إلى جانب العفو ويتعود الكرم والتجاوز فإذا صار ذلك عادة لك ماثلت الأنبياء والأولياء ومتى جعلت إمضاء الغضب عادة ماثلت السباع والدواب‏.‏

حكاية
يُقال أن أبا جعفر المنصور أمر بقتل رجل والمبارك بن الفضل حاضر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أسمع خبراً قبل أن تقتله‏:‏ روى الحسن البصري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة وجمع الخلائق في صعيد واحد نادي منادٍ مَنْ كان له عند الله يد فليقم فلا يقوم إلا مَنْ عفا عن الناس فقال أطلقوه فأني قد عفوت عنه‏)‏‏.‏

وأكثر ما يكون قال عيسى عليه السلام ليحيى بن زكريا عليهما السلام‏:‏ إذا ذكرك أحد بشيء وقال فيك صحيحاً فاشكر الله وإن قال فيك كذباً فازدد من ذكر الشكر فإنه يزيد في ديوان أعمالك وأنت مستريح يعني أن حسناته تكتب لك في ديوانك‏.‏

وذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقيل إن فلاناً رجل قوي شجاع فقال‏:‏ كيف ذاك فقالوا‏:‏ يقوى بكل أحد وما صارع أحداً إلا صرعه فقال عليه الصلاة السلام‏:‏ ‏(‏القوي الشجاع من قهر نفسه لا من صرع غيره‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏ثلاثٌ مَنْ كانت فيه فقد كَمُلَ إيمانه: مَنْ كظم غيظه وأنصف في حال رضاه وغضبه وعفا عند المقدرة‏)‏‏.‏

وقال عمر ابن الخطاب‏:‏ لا تعتمد على خُلُق رجل حتى تجربه عند الغضب‏.‏

حكاية
قيل عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه بلغه عن رجل كلام يكرهه فأخذ طبقاً مملوأً من التمر الجني وحمله بنفسه إلى دار ذلك الرجل فطرق الباب فقام الرجل وفتح الباب فنظر إلى الحسين ومعه الطبق فقال‏:‏ وما هذا يا ابن بنت رسول الله قال‏:‏ خذه فأنه بلغني عنك إنك أهديت إليّ حسناتك فقابلت بهذا‏.‏

حكاية أخرى
خرج زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه إلى المسجد فسبّه رجل فقصده غلمانه ليضربوه ويؤذونه فنهاهم زين العابدين وقال‏:‏ كفوا أيديكم عنه ثم التفت إلى ذلك الرجل وقال‏:‏ يا هذا أنا أكثر مما تقول وما لا تعرفه مني أكثر مما قد عرفته فإن كان لك حاجة في ذكره ذكرته لك فخجل واستحيا فخلع عليه زين العابدين قميصه وأمر له بألف درهم فمضي الرجل وهو يقول‏:‏ أشهد أن هذا الشاب ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويروى أن زين العابدين استدعى غلاماً له وناداه مرتين فلم يجبه فقال له زين العابدين‏:‏ أما سمعت ندائي فقال‏:‏ بلى قد سمعت قال‏:‏ فما حملك على تركك إجابتي عليّ قال‏:‏ أمنت وعرفت طهارة أخلاقك فتكاسلت فقال‏:‏ الحمد لله الذي أمن مني عبدي‏.‏

ويروى عنه أنه كان له غلام فعمد إلى شاة فكسر رجلها فقال له‏:‏ لِمَ فعلت هذا قال‏:‏ فعلته عمداً لأغيظك قال‏:‏ ما أنا أغيظ من الذي علمك وهو إبليس أذهب فأنت حُرٌ لوجه الله تعالى‏.

ويروى أن رجلاً سَبَّهُ فقال له زين العابدين‏:‏ يا هذا بيني وبين جهنم عقبة إن أنا أجزتها فما أبالي وإن أنا لم أجزها فأنا أكثر مما تقول‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قد يبلغ الرجل بحلمه وعفوه درجة الصائم القائم ويكون رجل يكتب في جريدة الجائرين ولا ولاية له ولا حكم إلا على أهل منزله‏)‏‏.‏

ويروى أن إبليس رأى موسى عليه السلام فقال‏:‏ يا موسى أعلمك ثلاثة أشياء وتطلب لي من الله حاجة واحدة فقال‏:‏ وما الثلاثة أشياء فقال يا موسى أحذر من الغضب والحرد فإن الحَردان يكون خفيف الرأس وأنا ألعب به كما يلعب الصبيان بالكرة وأحذر من البخل فإني أفسد على البخيل دنياه ودينه وأحذر من النساء فإني ما نصبت للخلق شركاً اعتمد عليه مثل النساء‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏مَنْ كظم غيظه وهو قادر على أن لا يكظمه ملأ الله قلبه بالإيمان ومَنْ لم يلبس ثوباً طويلاً خوفاً من التكبر والخيلاء ألبسه الله تعالى حُلل الكرامة‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏ويل لمن يغضب وينسى غضب الله‏)‏‏.‏

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ علمني عملاً ادخل به الجنة فقال‏:‏ لا تغضب‏، قال‏:‏ ثم ماذا قال‏:‏ استغفر الله قبل صلاة العصر سبعين مرة لتكفر عنك ذنوب سبعين سنة فقال‏:‏ ما لي ذنوب سبعين سنة فقال‏:‏ لأمك قال‏:‏ وما لأمي ذنوب سبعين سنة قال‏:‏ لأبيك قال‏:‏ وما لأبي ذنوب سبعين سنة قال‏:‏ لأخوتك قال‏:‏ نعم‏.‏

وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقَسِّمُ يوماً مالاً فقال له رجل‏:‏ ما هذه القسمة يعني أنها ليست بإنصاف فحكيت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب واحمرّ وجهه ولم يقل شيئاً سوى أن قال‏:‏ رحم الله أخي موسى فإنه أوذي فصبر على الأذى‏.‏

فهذه الجملة من الحكايات والأخبار تقنع في نصيحة الولاة إذا كان أصل إيمانهم ثابتاً اثر فيه هذا القدر فإن لم يؤثر ما ذكرناه فيهم فقد أخلوا قلوبهم من الإيمان وإنه ما بقي من إيمانهم إلا الحديث باللسان‏.‏

عامل يتناول من أموال المسلمين في كل سنة كذا وكذا ألف درهم ويبقى في ذمته ويطالب بها في القيامة ويحصل بمنفوعها ويبؤ بالعقوبة والعذاب يوم المرجع والمآب كيف تؤثر عنده هذه الأسباب وهذا نهاية الغفلة وقلة الدين وضعف النحلة‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:24 pm

الأصل الخامس
إنك في كل واقعة تصل إليك وتعرض عليك تقدر إنك واحد من جملة الرعية وإن الوالي سواك فكل ما لا ترضاه لنفسك لا ترضى به لأحد من المسلمين وإن رضيت لهم بما لا ترضاه لنفسك فقد خنت رعيتك وغششت أهل ولايتك‏.‏

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعداً يوم بدر في ظل فهبط الأمين جبريل عليه السلام فقال‏:‏ يا محمد أتقعد في الظل وأصحابك في الشمس‏، فعوتب بهذا القدر‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏مَنْ أحَبَّ النجاة من النار والدخول إلى الجنة فينبغي أن يكون بحيث إذا جاءه الموت وجد كلمة الشهادة بلسانه وكل ما لا يرضى به لنفسه لا يرضى به لأحد من المسلمين‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏مَنْ أصبح في قلبه هَمُّهُ سوى الله فليس من الله في شيء ومَنْ لم يشفق على المسلمين فليس منهم‏)‏‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:25 pm

الأصل السادس
أن لا تحتقر انتظار أرباب الحوائج ووقوفهم ببابك وأحذر من هذا الخطر ومتى كان لأحد من المسلمين إليك حاجة فلا تشتغل عن قضائها بنوافل العبادات فإن قضاء حوائج المسلمين أفضل من نوافل العبادات‏.‏

نكتة
كان يوماً عمر بن عبد العزيز يقضي حوائج الناس فجلس إلى الظهر وتعب فدخل بيته ليستريح من تعبه فقال له ولده‏:‏ وما الذي يؤمنك أن يأتيك الموت في هذه الساعة وعلى بابك‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:26 pm

الأصل السابع
أن لا تُعَوّدْ نفسك الاشتغال بالشهوات من لبس الثياب الفاخرة وأكل الأطعمة الطيبة لكن تستعمل القناعة في جميع الأشياء فلا عدل بلا قناعة‏.‏

نكتة
سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض الصالحين فقال‏:‏ هل رأيت من حلاي شيئاً تكرهه قال‏:‏ سمعت أنك وضعت على مائدتك رغيفين وأن لك قميصين أحدهما لليل والآخر للنهار فقال‏:‏ غير هذين شيء فقال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ والله إن هذين لا يكونان أبداً‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:26 pm

الأصل الثامن
إنك متى أمكنك أن تعمل الأمور بالرفق واللطف فلا تعملها بالشدة والعنف‏.‏

قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كل والٍ لا يرفق برعيته لا يرفق الله به يوم القيامة‏)‏‏.‏

ودعا عليه الصلاة والسلام يوماً‏:‏ ‏(‏اللهم الطف بكل والٍ يلطف برعيته واعنف على كل والٍ يعنف على رعيته‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏الولاية والإمرة حسنتان لِمَنْ قام

نكتة‏:‏
كان هشام بن عبد الملك من خلفاء بني أمية فسأل يوماً أبا حازم وكان من العلماء‏:‏ ما التدبير في النجاة من أمور الخلافة قال‏:‏ أن تأخذ الدرهم الذي تأخذه من وجه حلال وان تضعه في موضع حق‏.‏
قال‏:‏ مَنْ يقدر على هذا قال‏:‏ مَنْ يرغب في نعيم الجنان ويرهب من عذاب النيران‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:27 pm

الأصل التاسع
أن تجتهد أن ترضى عنك رعيتك بموافقة الشرع قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏(‏خير أمتي الذين يحبونكم وتحبونهم وشر أمتي الذين يبغضونكم وتبغضونهم ويلعنونكم وتلعنونهم وينبغي للوالي أن لا يغتر بكل من وصل إليه وأثنى عليه وأن لا يعتقد أن الرعية مثله راضون عنه وأن الذي يثني عليه إنما يفعل ذلك من خوفه منه بل ينبغي ترتيب معتمدين يسألون عن حاله من الرعية ليعلم عيبه من ألسنة الناس‏)‏‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالإثنين 02 يناير 2023, 8:27 pm

الأصل العاشر
إن لا يطلب رضا أحد من الناس بمخالفة الشرع فإن من سخط بخلاف الشرع لا يضر سخطه‏.‏

كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول‏:‏ إني لأصبح ونصف الخلق علي ساخط ولابد لكل من يؤخذ منه الحق أن يسخط ولا يمكن أن يرضى الخصمين وأكثر الناس جهلاً من ترك الحق لأجل رضا الخلق‏.‏

كتب معاوية إلى عائشة رضي الله عنهما أن عظيني عظة مختصرة فكتبت إليه تقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏مَنْ طلب رضا الله تعالى في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومَنْ طلب رضا الناس بسخط الله تعالى سخط الله عليه وأسخط الخلق عليه مثل أن لا يأمرهم بالطاعة ولا يعلمهم أمور الدين ويطعمهم الحرام ويمنع الأجير أجرته والمرأة مهرها سخط الله عليه وأسخط عليه الناس‏).‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالثلاثاء 03 يناير 2023, 7:32 am

بيان العينين اللتين هما مشرب شجرة الإيمان

وإذ قد عرفت أصول شجرة الإيمان وعرفت فروعها فاعلم أن هناك عينين للعلم تستمد الشجرة منهما الماء‏.‏


العين الأولى في معرفة الدنيا ولِمَ أوجد فيها الإنسان:

اعلم يا سلطان العالم أن الدنيا منزلة وليست بدار قرار والإنسان مسافر فأول منازله بطن أمه وآخر منازله لحد قبره وإنما وطنه وقراره ومكثه واستقراره بعدها‏.‏


فكل سنة تنقضي من الإنسان فكالمرحلة وكل شهر ينقضي منه فكاستراحة المسافر في طريقه وكل أسبوع فكقرية تلقاه وكل يوم فكفر سوف يقطعه وكل نفس كخطوة يخطوها وبقدر كل نفس يتنفسه يقرب من الآخرة‏.‏


وهذه الدنيا قنطرة فمَنْ عبر القنطرة واستعجل بعمارتها فني فيها زمانه ونسى المنزلة التي هي مصيره ومكانه وكان جاهلاً غير عاقل وإنما العاقل الذي لا يشتغل في دنياه إلا لاستعداده لمعاده ويكتفي منها بقدر الحاجة ومهما جمعه فوق كفايته كان سماً ناقعاً ويتمنى أن تكون جميع خزائنه وسائر ذخائره رماداً وتراباً لا فضة ولا ذهباً ولو جمع مهما جمع فإن نصيبه ما يأكله ويلبسه لا سواه وجميع ما يخلفه يكون عليه حسرة وندامة ويصعب عليه نزعه عند موته فحلالها حساب وحرامها عذاب أن كان قد جمع المال من حلال طلب منه الحساب وإن كان قد جمع من حرام وجب عليه العذاب وكان إيمانه صحيحاً سالماً لحضرة الديان فلا وجه ليأسه من الرحمة والرضوان فإن الله جواد كريم غفور رحيم‏.‏


واعلم أيها السلطان أن راحة الدنيا أيام قلائل وأكثرها منغص بالتعب مشوب بالنصب وبسببها تفوت راحة الآخرة التي هي الدائمة الباقية والملك الذي لا نهاية له ولا فناء فيسهل على العاقل أن يصبر في هذه الأيام القلائل لينال راحة دائمة بلا انقضاء‏.‏


نكتة:

لو كان للإنسان معشوقة وقيل له إن صبرت عنها هذه الليلة سلمت إليك ألف ليلة بلا تعب ولا نصب وإن كنت تزورها فإنك لا تراها أبداً فإنه كان عشقه لها عظيماً وصبره عنها أليماً لكن يهون عليه صبره على البعد عنها ليلة واحدة لينال الآخرة بل الدنيا ليست بشيء في جنب الآخرة ولا شبه بينهما لأن الآخرة لا نهاية لها ولا يُدرك بالوهم طولها‏.‏


وقد أفردنا في صفة الدنيا كتاباً لكنا نقتنع الآن بما نورده من حال الدنيا وقد أوضحنا حالها على عشرة أمثلة‏.‏


المثال الأول في بيان سحر الدنيا

قد قال صلى الله عليه وسلم: ‏(‏أحذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت وأول سحرها أنها تريك أنها ساكنة عندك مستقرة معك وإذا تأملتها خلتها وهي هاربة منك نافرة عنك على الدوام وإنما تتسلسل عل التدريج ذرة ذرة ونفساً نفساً‏)‏‏.‏


ومثل الدنيا مثل الظل إذا رأيته حسبته ساكناً وهو يمر دائماً وكذلك عمر الإنسان يمر بالتدريج عل الدوام وينقص كل لحظة وكذلك الدنيا تودعك وتهرب عنك وأنت غافل لا تخبر وذاهل لا تشعر.


ولذلك قال بعض الشعراء في المعني‏:‏

وما الدُنيَا وإن كثُرت وطابَت ** بهــا اللـذاتُ إلا كالسَرابِ

يمُرُ نعيمُهـــا بعــــدُ اِلتـــذاذِ ** ويمضِي ذاهباً مرّ السحابِ


المثال الثاني من ذلك

ومن سحرها أنها تظهر لك محبة لتعشقها وتريك أنها لك مساعدة وأنها لا تنتقل عنك إلى غيرك ثم تعود عدوة لك على غفلة‏.‏


ومثلها مثل امرأة فاجرة خداعة للرجال حتى إذا رأوها عشقوها ودعتهم إلى بيتها فاغتالتهم وأهلكتهم‏.‏


نكتة

رأى عيسى عليه السلام الدنيا في بعض مكاشفاته وهي على صورة عجوز هرمة فقال لها‏:‏ كم كان لك من زوج فقالت‏:‏ لا يحصون كثرة فقال عيسى‏:‏ ماتوا أم طلقوك فقالت‏:‏ بل أنا قتلتهم وأفنيتهم فقال‏:‏ يا عجباً ومن دواهيك هذا صنعك بأهلك وهم فيك راغبون وعليك يقتتلون وبمن مضى لا يعتبرون‏.‏


المثال الثالث من ذلك:

ومن سحرها أنها تزين ظاهرها بمحاسنه وتخفي محنتها وقواتلها في باطنها لتغر الجاهل بما يرى من ظاهرها ومثلها كمثل عجوز قبيحة المنظر تخفي وجهها وتلبس حسن الثياب وتتزين وتتجمل لتفتن الخلق من بعد فإذا كشفوا عنها غطاءها وخمارها والقوا عنها إزارها ندموا على محبتها لما شاهدوه من فضائح وعاينوه من قبائحها‏.‏


وقد جاء في الخبر أن الدنيا يؤتى بها يوم القيامة في صورة عجوز قبيحة مشوهة زرقاء العين وحشة الوجه قد كشّرت عن أنيابها فإذا رآها الخلائق قالوا نعوذ بالله من هذه القبيحة المشوهة فيقال لهم هذه الدنيا التي كنتم عليها تتحاسدون ولأجلها كنتم تتحاقدون وتسفكون الدماء بغير حق وتقطعون أرحامكم وتغترون زخرفها ثم يؤمر بها إلى النار فتقول‏:‏ إلهي أين أحبابي فيؤمر بهم فيلقون في نار جهنم‏.‏


المثال الرابع من ذلك:

إن الإنسان يحسب كم كان في الأزل قبل أن يوجد في الدنيا وكم يكون مدة عدمه بالموت وكم قدر هذه المدة التي بين الأبد والأزل وهي مدة حياته في الدنيا فيعلم أن مثال الدنيا كطريق المسافر أوله المهد وآخره اللحد وفيما بينهما منازل معدودة وأن كل سنة كمنزل وكل شهر لفرسخ وكل يوم كميل وكل نفس كخطوة وهو يسير دائماً فيبقى لواحد من طريقه فرسخ ولآخر أكثر وهو قاعد ذاهل وساكن غافل كأنه مقيم لا يبرح وقد اشتغل بتدبير أعمال لا يحتاج إليها بعد عشر سنين وربما يحصل بعد عشرة أيام تحت التراب‏.‏


المثال الخامس من ذلك:

اعلم أن مثل الدنيا تتحف أهلها فيها بشهواتهم ولذاتهم من الأمور الفضائح التي يشاهدونها في الآخرة كمثل إنسان أكل فوق حاجته من طعام حلو سمين إلى أن هاض هاضت معدته فرأى فضيحته من هلاك معدته ونتونة نفسه وكره برازه وحاجته فندم بعد ذهاب لذته وبقاء فضيحته من هلاك معدته‏.‏


وكذلك كلّما ألف الإنسان لذات الدنيا وتبين له ذلك كانت عاقبته أصعب ويبتلي بمثل ذلك عند نزعه خروج روحه كمن كان له نعم كثيرة وذهب وفضة وجوار وغلمان وكروم وبساتين وفارقه كان ألم فراق روحه عليه أصعب ممن ليس له إلا القليل فإن ذلك الألم والعذاب لا يزول بالموت بل يزيد لأن تلك المحبة صفة القلب والقلب بحاله لا يموت‏.‏


المثال السادس من ذلك:

اعلم أيها السلطان أن أمور الدنيا أول ما تبدو يظنها الإنسان قريبة مختصرة وأن شغلها لا يدوم وربما كان من بعض أشغالها وأحوالها أمر يتسلسل منه أمر وينفق فيه بضاعة العمر فإن عيسى عليه السلام قال‏:‏ طالب الدنيا كشارب ماء البحر كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً ولهباً فلا يزال يشرب حتى يهلك ولا يروى‏.‏


قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كما لا يمكن من خاض البحر أن لا يناله البلل كذلك لا يمكن من دخل في أمور الدنيا أن لا يتدنس‏)‏‏.‏


المثال السابع من ذلك:

مثل من حصل في الدنيا كمثل ضيف دُعي إلى مائدة ومن عادة المضيف أن يزين داره للأضياف ويدعو إليها قوماً بعد قوم وفوجاً بعد فوج ويضع بين يدي أضيافه طبقاً من ذهب مملوءاً بالجوهر ومجمرة من فضة من عود وبخور ليتطيبوا ويتبخروا وينالهم طيب رائحتها ثم يعاودون الطبق والمجمرة بحالهما لمالكهما ليدعو غيرهم كما دعاهم‏.‏


فمن كان عاقلاً عارفاً برسم الدعوات وضع من ذلك البخور على النار وتطيب وانصرف ولم يطمع أن يتناول الطبق والمجمرة وتركهما بطيبة من قلبه وشكر لصاحب البيت وربه‏.‏


ومن كان أبله أحمق توهم أن ذلك الطبق والمجمرة قد أعدا له وهم يريدون أن يهبوهما له فلما همّ بالخروج أخذ الطبق والمجمرة فلم يمكن من الخروج بهما واستعادوهما منه فضاق صدره وتعب قلبه وطلب الأقالة إذ ظهر ذنبه فالدنيا كمثل طريق المسافر ودار الضيافة ليتزودوا منها لطريقهم ولا يطمعوا في الدار‏.‏


المثال الثامن

مثل أهل الدنيا واشتغالهم بأشغالهم واهتمامهم بأحوالها ونسيان الآخرة وإهمالها كمثل قوم ركبوا مركباً في البحر فعدلوا إلى جزيرة لأجل الطهارة وقضاء الحاجة فنزلوا إلى الجزيرة والملاّح يناديهم لا تطيلوا المكث لئلا يفوت الوقت ولا تشتغلوا بغير الوضوء والصلاة فإن المركب سائر فمضوا وتفرّقوا في الجزيرة وانتشروا في نواحيها فالعقلاء منهم لم يمكثوا وشرعوا في الطهارة وعادوا إلى المركب فأصابوا الأماكن خالية فجلسوا في أطهر الأماكن وأوفقها وأرفعها‏.‏


ومنهم قوم نظروا إلى عجائب تلك الجزيرة ووقفوا يتنزهون في زهرتها وثمارها وروضاتها وأشجارها ويسمعون طيب ترنّم أطيارها ويتعجبون من حصبائها الملونة وأحجارها فلما عادوا إلى المركب لم يجدوا موضعاً ولا رأوا متسعاً فقعدوا في أضيق مواضعه وأظلمها‏.‏


ومنهم قوم لم يقنعوا بالنزهة ولم يقتصروا على الفرجة لكنهم جمعوا من تلك الحصباء الملونة ثم حملوها معهم إلى المركب فلم يجدوا مكاناً ولا فرجة فقعدوا في أضيق المواضع وحملوا ما استصحبوا من تلك الأحجار على أعناقهم فلم يمض إلا يوم أو يومان حتي تغيرت ألوان تلك الأحجار واسودت وفاح منها أكره رائحة ولم يجدوا مخلصاً من الزحام ليلقوا ثقلها عن أعناقهم فندموا على ما فعلوا وحصلوا بثقل الأحجار على أعناقهم إذ كانوا بتحصيلها اشتغلوا‏.‏


ومنهم قوم وقفوا مع عجائب تلك الجزيرة وتنزهوا وفي الرجوع لم يتفكروا حتى سار المركب فبعدوا عنه وانقطعوا في أماكنهم وتخلفوا إذ لم يصيحوا إلى المنادي ولم يسمعوا فمنهم من أكلته السباع وتهشه الضباع‏.‏


فالقوم المتقدمون هم القوم المؤمنون المتقون والقوم المتخلفون الهالكون هم الكفار المشركون الذين نسوا الله ونسوا الآخرة سلموا كليتهم إلى الدنيا وركنوا إليها كما قال عز من قائل‏:‏ ‏{‏ذلك بِأنهم اِستحَبُوا الحَياة الدُنيا على الآخرةِ‏}‏ أي ركنوا إليها‏.‏


وأما الجماعة المتوسطون فهم العصاة الذين حفظوا أصل الإيمان لكنهم لم يكفوا أيديهم عن الدنيا فمنهم من تمتع بغناه ونعمته ومنهم من تمتع مع فقره وحاجته إلى أن غلبت أوزارهم وكثرت أوساخهم وأوضارهم‏.‏


المثال التاسع‏:‏

روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يا أبا هريرة أتريد أن أريك الدنيا‏)‏ قلت‏:‏ نعم يا رسول الله‏.‏

فأخذ بيدي وانطلق حتى وقف بي على مزبلة فيها رؤوس الآدميين وبقايا عظام نخرة وخرق قد تمزقت وتلوثت بنجاسات الآدميين فقال‏:‏ ‏(‏يا أبا هريرة هذه الرؤوس التي تراها كانت مثل رؤوسكم مملوءة من الحرص والاجتهاد على جمع الدنيا‏.‏


كانوا يرجون من طول الأعمار ما ترجون وكانوا يجدون في جمع المال وعمارة الدنيا كما تجدون فاليوم قد تغيرت عظامهم وتلاشت أجسامهم كما ترى وهذه الخرق كانت أثوابهم التي كانوا يتزينون بها وقت الرعونة والتجمل والتزين قد ألقتها الريح في النجاسات وهذه النجاسات كانت أطعمتهم اللذيذة التي كانوا يحتالون في تحصيلها وينهبها بعضهم من بعض قد القوها عنهم بهذه الفضيحة التي لا يقربها أحد من نتنها فهذه جملة أحوال الدنيا كما تشاهد وترى فمن أراد أن يبكي علي الدنيا فليبكِ فإنها موضع البكاء‏)‏‏، قال أبو هريرة‏:‏ فبكى جملة الحاضرين‏.‏


المثال العاشر:

كان في زمن عيسى عليه السلام ثلاثة سائرين في طريق فوجدوا كنزاً فقالوا‏:‏ قد جعنا فليمضِ واحد منا ويبتاع لنا طعاماً‏.‏


فمضى أحدهم ليأتيهم بطعام فقال‏:‏ الصواب أن أجعل لهما سماً قاتلاً في الطعام ليأكلا منه فيموتا وانفرد بالكنز دونهما ففعل ذلك وسم الطعام‏.‏


واتفق الرجلان الآخران أنه إذا وصل إليهما قتلاه وانفردا بالكنز دونه‏.‏


فلما وصل ومعه الطعام المسموم قتلاه وأكلا من الطعام فماتا‏.‏


فاجتاز عيسى عليه السلام بذلك الموضع فقال للحواريين‏:‏ هذه الدنيا كيف قتلت هؤلاء الثلاثة وبقيت من بعدهم ويل لطلاب الدنيا.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالثلاثاء 03 يناير 2023, 7:34 am

العين الثانية معرفة النفس الأخير

اعلم يا سلطان العالم أن بني آدم طائفتان‏:‏ طائفة نظروا إلى شاهد حال الدنيا وتمسكوا بتأميل العمر الطويل‏.‏
وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخير نصب أعينهم لينظروا إلى ماذا يكون مصيرهم وكيف يخرجون من الدنيا ويفارقونها وإيمانهم سالم وما الذي ينزل معهم من الدنيا في قبورهم وما الذي يتركونه لأعدائهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله، وهذه الفكرة واجبة على الخلق وهي على الملوك وأهل الدنيا أوجب لأنهم كثيراً أزعجوا قلوب الخلائق وأنفذوا إلى الناس الغلمان بالسيئات وأفزعوا الخليقة وأدخلوا في قلوبهم الرعب فإن بحضرة الحق تعالى غلاماً اسمه عزرائيل لا مهرب لأحد من مطالبته وتشتيته وكل موكلي الملوك يأخذون جعلهم ذهباً وفضة وطعاماً وصاحب هذا التوكيل لا يأخذ سوى الروح جعلاً وسائر موكلي السلاطين تنفع عندهم الشفاعة وهذا الموكل لا تنفع عنده شفاعة شافع وجميع الموكلين يمهلون من يوكلون إليه اليوم والليلة والساعة وهذا الموكل لا يمهل نفساً واحداً وعجائب أحواله كثيرة إلا أنّا نذكر من أحواله خمس حكايات‏.‏


الحكاية الأولى:

وهو ما رواه وهب بن منبه وكان من علماء اليهود وأسلم روى أنه كان ملك عظيم أراد أن يركب يوماً في جملة أهل مملكته ويري الخلق عجائبه وزينته فأمر أمراءه وحجابه وكبراء دولته رتبة بالركوب ليظهر للناس سلطنته فأمر بإحضار فاخر الثياب وأمر بعرض خيوله المعروفة وعتاقه الموصوفة فاختار من جملتها جواداً يعرف السبق فركبه بالمركب والطوق المرصع بالجوهر وجعل يركض الحصان في عسكره ويفتخر بتيهه وتجبره فجاء إبليس فوضع فمه في منخره ونفخ هواء الكبر في أنف أنفته فقال في نفسه من في العالم مثلي وجعل يركض بالكبرياء ويزهو بالخيلاء ولا ينظر إلى أحد من تيهه وكبره وعجبه وفخره فوقف بين يديه رجل عليه ثياب رثة فسلم عليه فلم يرد عليه سلامه‏، فقبض على عنان فرسه فقال له الملك‏:‏ إرفع يدك فإنك لا تدري بعنان من قد أمسكت‏.‏ فقال‏:‏ لي إليك حاجة‏.‏ فقال‏:‏ اذكر حاجتك‏.‏ فقال‏:‏ إنها سرُ ولا أقولها إلا في أذنك فأصغى إليه بسمعه‏.‏ فقال‏:‏ أنا ملك الموت أريد أن أقبض روحك فقال‏:‏ أمهلني بقدر ما أعود إلى بيتي وأودّع أولادي وزوجتي‏.‏ فقال‏:‏ كلا لا تعود تراهم أبداً فإنك قد فنيت مدة عمرك وأخذ روحه وهو على ظهر الفرس فخر ميتاً‏.‏


وعاد ملك الموت من هناك فأتى رجلاً صالحاً قد رضي ربه عليه فسلم عليه فرد عليه السلام فقال‏:‏ لي إليك حاجة وهي سر فقال الصالح‏:‏ قل حاجتك في أذني فقال‏:‏ أنا ملك الموت فقال‏:‏ مرحباً بك الحمد لله على مجيئك فإني كنت كثير الترقّب لوصولك ولقد طالت علي غيبتك وكنت مشتاقاً إلى قدومك فقال له ملك الموت‏:‏ إن كان لك شغل فاقضِه فقال‏:‏ ليس لي شغل أهم عندي من لقاء ربي عز وجل فقال‏:‏ كيف تحب أن أقبض روحك فإني أمرت أنا سجدت فخذ روحي وأنا ساجد ففعل ملك الموت ما أمره به ونقله الى رحمة ربه جل وعلا‏.‏


الحكاية الثانية:

روي أنه كان ملك كثير المال قد جمع مالاً عظيماً من كل نوع خلقه الله تعالى من متاع الدنيا ليرفّه نفسه ويتفرغ لأكل ما جمعه فجمع نعماً طائلة وبني قصراً عالياً مرتفعاً سامياً يصلح للملوك والأمراء والأكابر والعظماء وركّب عليه بابين محكمين وأقام عليه الغلمان الأجلاد والحرسة والأجناد والبوابين كما أراد‏.‏


وأمر ببعض الأيام أن يصطنع له من أطيب الطعام وجمع أهل مملكته وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده وينالوا رفده وجلس على سرير مملكته واتكأ عل وسادته وقال‏:‏ يا نفس قد جمعت نعم الدنيا بأسرها فالآن أفرغي بالك وكلي هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل والحظ الجزيل‏.‏


فلم يفرغ مما حدث به نفسه حتى أتى رجل من ظاهر القصر عليه ثياب رثة خلقة ومخلاته في عنقه معلقة على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق الباب طرقة عظيمة هائلة بحيث تزعزع القصر وتزلزل وخاف الغلمان ووثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا‏:‏ يا ضعيف ما هذا الحرص وسوء الأدب اصبر حتى نأكل ونطعمك مما يفضل فقال لهم‏:‏ قولوا لصاحبكم ليخرج إلي فلي إليه شغل مهم وأمر ملم‏.‏


فقالوا تنح أيها الضعيف من أنت حتى تأمر صاحبنا بالخروج إليك فقال‏:‏ أنتم عرّفوه ما ذكرت فلما عرّفوه من الطرقة الأولى فنهضوا من أماكنهم بالعصي والسلاح وقصدوه ليحاربوا فصاح بهم صيحة وقال‏:‏ إلزموا أماكنكم فأنا ملك الموت فارتعدت فرائضهم وبطلت عن الحركة جوارحهم ورعبت قلوبهم وطاشت عقولهم فقال الملك‏:‏ قولوا له ليأخذ بدلاً مني وعوضاً عني‏.‏


فقال‏:‏ ما آخذ إلا أنت ولا أتيت إلا لأجلك لأفرق بينك وبين هذه النعم التي خولتها‏.‏


فقال‏:‏ لعن الله هذا المال الذي غرني وأضرني ومنعني عن عبادة ربي وكنت أظن أنه ينفعني فاليوم صار حسرتي وبلائي وخرجت صفر اليدين منه وبقي لأعدائي‏.‏

فأنطق الله المال حتى قال‏:‏ لأي شيء تلعنني إلعن نفسك فإن الله تعالى خلقني وإياك من تراب وجعلني في يدك لتتزود بي إلى آخرتك وتتصدّق بي على الفقراء وتتزكي بي على الضعفاء ولتعمر بي الربط والمساجد والجسور والقناطر لأكون لك عوناً فى اليوم الآخر وأنت جمعتني وخزنتني وفي هواك أنفقتني ولم تشكر حقي بل كفرتني فالآن تركتني لاعدائك وأنت بحسرتك وضرائك‏.‏


الحكاية الثالثة

قال يزيد الرقاشي‏:‏ كان في زمن بني إسرائيل جبار من الجبارة وكان في بعض الأيام جالساً على سرير ملكه فرأى رجلاً قد دخل من باب الدار ذا صورة منكرة وهيئة هائلة فلشدة خوفه من هجومه وهيبة قدومه وثب في وجهه وقال‏:‏ من أنت أيها الرجل ومن أمرك بالدخول إلى داري فقال‏:‏ صاحب الدار وأنا الذي لا يحجبني حاجب ولا أحتاج في دخولي على ملك إلى إذن ولا أرهب من سياسة سلطان ولا يفزعني جبار ولا لأحد من قبضتي فرار‏.‏

فلما سمع هذا الكلام خر على وجهه ووقعت الرعدة في جسده فقال له‏:‏ أنت ملك الموت قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أقسم بالله عليك ألا ما أمهلتني يوماً واحداً لأتوب من ذنبي وأطلب العذر من ربي وأرد الأموال التي أودعتها خزانتي فلا أتحمل مشقة عذابها في الآخرة‏.‏

فقال‏:‏ كيف أمهلك وأيام عمرك محسوبة وأوقاته مثبوتة مكتوبة فقال‏:‏ أمهلني ساعة‏.‏

فقال‏:‏ إن الساعات في الحساب وقد عبرت وأنت غافل وقد استوفيت أنفاسك ولم يبق لك نفس واحد‏.‏

فقال‏:‏ من يكون عندي إذا نقلتني إلى لحدي قال‏:‏ لا يكون عندك سوى عملك‏.‏

فقال‏:‏ مالي عمل‏.‏

قال‏:‏ ثم قبض روحه فخر من سريره ووقه وعلا الضجيج من أخل مملكته وارتفع ولو علموا ما يصير إليه من سخط ربه لكان بكاؤهم اكثر وعويلهم أوفر‏.‏


الحكاية الرابعة:

يقال أن ملك الموت دخل على سليمان بن داود عليهما السلام فجعل يحد نظره ويطيل بصره إلى رجل من ندمائه فلما خرج قال ذلك الرجل‏:‏ يا بني الله من كان ذلك الرجل الذي دخل فقال‏:‏ ملك الموت‏.‏

فقال‏:‏ أخاف أن يريد قبض روحي فخلصني من يده‏.‏

فقال‏:‏ كيف أخلصك فقال‏:‏ تأمر الريح أن تحملني في هذه الساعة إلى بلاد الهند لعله يضل عني ولا يجدني‏.‏

فأمر سليمان الريح فحملته في الوقت والحال فعاد ملك الموت ودخل على سليمان بن داود عليهما السلام فلما دخل عليه قال له‏:‏ لأي سبب كنت تطيل النظر إلى ذلك الرجل قال‏:‏ كنت أتعجب منه لأني أُمرت أن أقبض روحه في أرض الهند وكان بعيداً عنها إلى أن اتفق بحمل الريح له إلى هناك فكان ما قدره الله تعالى‏.‏


الحكاية الخامسة:

يروى أن ذا القرنين مر بقوم لا يملكون شيئاً من أسباب الدنيا وقد حفروا قبور موتاهم على أبواب دورهم وهم كل يوم يتعمّدون تلك القبور يكنّسونها وينظّفونها وينخرونها ويزورونها ويعبدون الله فيها وما لهم طعام إلا الحشيش ونبات الأرض‏.‏

فبعث إليهم ذو القرنين رجلاً فدعا ملكهم فلم يجبه وقال‏:‏ ما لي وله‏.‏

فجاء ذو القرنين وقال‏:‏ كيف حالكم فإني لا أرى لكم شيئاً من ذهب ولا فضة ولا أرى عندكم شيئاً من نعم الدنيا قال‏:‏ لأن نعم الدنيا لا يشبع منها أحد قط‏.‏

وقال‏:‏ لم حفرتم القبور على أبوابكم فقال‏:‏ لتكون نصب أعيننا فننظر إليها ويتجدد لنا ذكر الموت ويبرد حب الدنيا في قلوبنا فلا نشتغل بها عن عبادة ربنا فقال‏:‏ ولم تأكلون الحشيش فقال‏:‏ لأنا كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً للحيوانات ولأن لذة الطعام لا تتجاوز الحلق‏.‏

ثم مد يده إلى طاقة فاخرج منها قحف رأس آدمي فوضعه بين يديه وقال‏:‏ يا ذا القرنين أتعرف من كان صاحب هذا قال‏:‏ كان صاحب هذا القحف ملكا من ملوك الدنيا وكان يظلم رعيته ويجور عليهم وعلى الضعفاء ويستفرغ زمانه في جمع حطام الدنيا فقبض الله روحه وجعل النار مقره وهذا رأسه ثم مد يده إلى الطاقة وأخرج قحفاً آخر فوضعه بين يديه وقال له‏:‏ أتعرف من كان صاحب هذا قال‏:‏ كان هذا ملكاً عادلاً مشفقاً على رعيته محباُ لأهل مملكته فقبض الله روحه وأسكنه جنته ورفع درجته ثم انه وضع يده على رأس ذي القرنين وقال‏:‏ ترى أىّ هذين الرأسين يكون هذا الرأس فبكى ذو القرنين بكاء شديداً وضمه إلى صدره فقال‏:‏ هيهات ما لي رغبة في ذلك‏.‏

قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأن الناس جميعاً أعداؤك بسبب المال والمملكة وكلهم أصدقائي بسبب القناعة والصعلكة فالله تعالى معك‏.‏

فالآن يجب أن تعرف حكايات النفس الأخير وتتيقن معرفتها‏.‏

واعلم أن أهل الغفلة المغتربين لا يحبون استماع حديث الموت لئلا يبرد حب الدنيا في قلوبهم وتتنغص عليهم لذة مأكولهم ومشروبهم‏.‏

وقد جاء في الخبر أن من أكثر ذكر الموت وظلمة اللحد كان قبره روضة من رياض الجنة ومن نسي الموت وغفل عن ذكره كان قبره حفرة من النار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يصف أجر الشهداء وثواب السعداء الذين قتلوا في معركة حرب الكفار فقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ يا رسول الله هل ينال ثواب الشهداء من لم يمت شهيداً فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من ذكر الموت في كل يوم عشرين مرة كان له مثل أجر الشهداء ودرجتهم‏)‏‏.‏


وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏أكثر من ذكر الموت فإنه يمحو الذنوب ويبرد الدنيا في القلوب‏)‏‏.‏


سئل عليه الصلاة والسلام‏:‏ من أعقل الناس وأحزمهم فقال‏:‏ أعقل الناس أكثرهم للموت ذكراً وأحزمهم أحسنهم له استعداداً‏.‏


له شرف الدنيا وكرامة الآخرة فمن عرف الدنيا كما ذكره وكرر في قلبه ذكر النفس الأخير سهلت عليه أمور دنياه وقوي أصل شجرة الإيمان في قلبه وأخذ في النمو والزيادة ونمت فروع شجرة الإيمان عنده ولقي الله وإيمانه سالم‏.‏


والله جلت قدرته وعلت كلمته ينّور بصيرة سلطان العالم ليرى الأشياء على ما هي عليه ويجتهد في آخرته ويحسن إلى عباد الله وبريته فإن في رعيته ألف ألف من الخلائق إذا عدل فيهم كان الكُل شفعاءه ومن شفع فيه من هؤلاء الخلائق من المؤمنين كان آمناً يوم القيامة من العذاب وإن ظلمهم كان الكل خصماءه وعاد أمره عظيم الخطر شديد الغرر وإذا صار الشفيع خصماً أشكل الأمر‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالثلاثاء 03 يناير 2023, 7:47 am

في ذكر العدل والسياسة وذكر الملوك وسيرهم:

اعلم وتيقّن أن الله سبحانه وتعالى اختار من بني آدم طائفتين وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليبينوا للعباد على عبادته الدليل ويوضحوا لهم إلى معرفته السبيل واختار الملوك لفظ العباد من اعتداء بعضهم على بعض وملكهم أزمة الإبرام والنقض فربط بهم مصالح خلقه في معايشهم بحكمته وأحَلّهم أشرف محل بقدرته كما يسمع في الأخبار السلطان ظل الله في أرضه‏.‏


فينبغي أن يُعلم أن من أعطاه الله درجة الملوك وجعله ظله في الأرض فإنه يجب على الخلق محبته ويلزمهم متابعته وطاعته ولا يجوز لهم معصيته ومنازعته‏.‏


قال الله تعالى‏:‏ ‏{يا أيُها الذين آمنُوا أطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرسُول وأوُلي الأمرَ مِنكُم‏}‏ فينبغي لكل من آتاه الله الدين أن يحب الملوك والسلاطين وأن يعطيهم فيما يأمرون ويعلم أن الله تعالى يعطي السلطنة والمملكة وأنه يؤتي ملكه من يشاء كما قال في محكم تنزليه‏:‏ ‏{تُؤتِي المُلك مَن تشَاء وتنزَع المُلك مِمن تشَاء وتُعِزُ مَن تشَاء وتُذِلُ مَن تشَاء بيدِك الخير إنِك على كُل شيء قَدير‏}‏‏.‏


والسلطان العادل من عدل بين العباد وحذر من الجور والفساد والسلطان الظالم شؤم لا يبقى ملكه ولا يدوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم‏)‏‏.‏


وفي التواريخ أن المجوس ملكوا العالم أربعة آلاف سنة وكانت المملكة فيهم وإنما دامت المملكة بعدلهم في الرعية وحفظهم بالسوية وإنهم ما كانوا يرون الظلم والجور في دينهم وملتهم جائز وعمروا بعدلهم البلاد وأنصفوا العباد‏.‏


وقد جاء في الخبر أن الله جلّ ذكره أوحى إلى داود عليه السلام أن أنْهِ قومك عن سب ملوك العجم فإنهم عمروا الدنيا وأوطنوها عبادي‏.‏


فينبغي أن تعلم أن عمارة الدنيا وخرابها من الملوك فإذا كان السلطان عادلاً عمرت الدنيا وأمنت الرعايا كما كانت عليه في عهد أزدشير وأفريدون وبهرام كور وكسرى أنو شروان‏.‏


وإذا كان السلطان جائراً خربت الدنيا كما كانت في عهد الضحاك وافراسيان وبرزدكنها الخاطىء وأمثال هؤلاء وهكذا إلى أن استولى أهل الإسلام وغلبوا العجم وأزاحوهم عن بلادهم وعن الملك وقويت دولة دين الإسلام ببركة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وذلك في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏


فاعلم وتيقَن أن هؤلاء الملوك الذين ذكرناهم كانوا أصحاب الدنيا وملوك الأرض وأنهم بلغوا من الدنيا مُرادهم وصرفوا باللذات أوقاتهم ومضوا وبقيت أسماؤهم وسماتهم كما عددناه من أفعالهم وأوردناه من خصالهم لتعلم أن الناس إنما هم الحديث الذي يبقي بعدهم فكل إنسان يذُكر بالذي كان يفعله وينسب إليه ما كان يعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر‏.‏


فيجب على الإنسان أن يزرع بذر الإحسان وأن يبعد عن نفسه العيوب الفاحشات والخطايا الموبقات لا سيما الملوك ليبقى بعدهم حسن الإِسم وصالح الرسم لئلا يذكر بالقبيح وقد حل بالضريح.


قال الشاعر‏:‏

اهرُب مِن الذَنبِ وتُب يا فَتَى ** وإن بَدا مِنك فعُد واندم

وانفِ عن نفسِك ما شَانَها ** ومن مساوُي الدهرُ خِف تسَلم

وبُعدُك يُبقِى الذِكرَ لا غَيره ** فكُن حَديثاً حسناً تغنمُ


يُقال أن ذكر الرجال بعدهم حياتهم الثانية في الدنيا فواجب على العقلاء قراءة أخبار الملوك والنظر في أحوال هذه الدنيا القليل وفاؤها والكثير بلاؤها وأن لا يعقلوا قلوبهم بأمانيها فإنها لا يبقى عليها صالح ولا يسلم فيها طالح‏.‏


وليجتهد العاقل أن لا يكثر خصومه فإن أمر الخصوم صعب هائل والباري تعالى حاكم عادل لا بد أن ينصف يوم القيامة بين الخصوم ويأخذ من الظالم للمظلوم فلا تساوي الدنيا بأسرها أن تجعل الناس خصوماً لأجلها كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية

كان أبو علي بن إلياس إسفهسلار نيسابور فحضر يوماً عند الشيخ أبي علي الدقاق رحمه الله وكان زاهد زمانه وعالم أوانه‏.‏

فقعد على ركبتيه بين يديه وقال له‏:‏ عظني‏.‏

فقال له أبو علي‏:‏ أيها الأمير أسألك مسألة وأريد الجواب عنها بغير نفاق‏.‏

فقال‏:‏ أجل أجيبك‏.‏

فقال‏:‏ أيها الأمير أيُّمَا أحَبُّ إليك المال أو العدو فقال‏:‏ المال أحَبُّ إليّ من العدو‏.‏

فقال‏:‏ كيف تترك ما تحبه بعدك وتصطحب العدو الذي لا تحبه معك فبكى الأمير ودمعت عيناه وقال‏:‏ نعم الموعظة هذه‏.‏

وجميع الوصايا والحكم تحت هذا الكلام‏.‏


والخالق سبحانه وتعالى أرسل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أخيراً حتى عادت ببركته دار الكفر دار الإيمان وأظهره في أسعد وقت وأوان وعمر الدنيا بشريعته وختم الأنبياء بنبوّته‏.‏


وكان الملك في ذلك الزمان كسرى أنو شروان وهو الذي فاق ملوك إيران بعدله ونصفته وتدبيره وسياسته وذلك جميعه ببركات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه ولد في زمانه ووجد في أوانه‏.‏


وعاش أنو شروان بعد مولده صلى الله عليه وسلم سنتين والنبي صلى الله عليه وسلم افتخر بأيامه فقال‏:‏ ولدت في زمن الملك العادل كسرى والإسم الجيد خير الأشياء‏.‏


والملوك الذين كانوا قبله كانت همتهم في عمارة الدنيا والعدل بين الرعية وحفظ الجسم بالسياسة وحسن الإنالة وآثار عمارتهم التي أثروها إلى اليوم ظاهرة في العالم وكل بلد يعرف بإسم ملكه لأنهم عمروا المواضع وبنوا الضياع والمزارع واستخرجوا القنوات والمصانع واظهروا ما كان خافياً من مياه العيون وجميع ما ذكرناه كان أنو شروان يعمره بعدله وإنصافه مع تجنبه الإسراف في عفافه‏.‏


حكاية:

يُقال أن أنو شروان العادل أظهر يوماً من أيام ملكه انه مريض وأنفذ ثقافته وأمناءه أن يطوفوا أقطار مملكته وأكناف ولايته وأن يتطلبوا له لبنة عتيقة من قرية خربة ليتداوى بها‏.‏

وذكر لأصحابه أن الأطباء وصفوا له ذلك فمضوا وطافوا جميع ولايته وعادوا فقالوا‏:‏ ما وجدنا مكاناً خراباً ولا لبنة عتيقة‏.‏

ففرح أنو شروان وشكر إلَهه وقال‏:‏ إنما أردت هذا لأجرب ولايتي وأختبر مملكتي ولأعلم هل بقي في الولاية موضع خراب لأعمِّره فالآن لم يبق مكان إلا هو عامر فقد تمَّت أمور المملكة وانتظمت الأحوال ووصلت العمارة إلى درجة الكمال‏.‏


واعلم‏:‏

أن أولئك الملوك القدماء همتهم واجتهادهم في عمارة ولاياتهم بعدهم‏.‏


روي أنه كلما كانت الولاية أعمر كانت الرعية أوفى وأشكر‏.‏


وكانوا يعلمون أن الذي قالته العلماء ونطقت به الحكماء صحيح لا ريب فيه وهو قولهم‏:‏ إن الدين بالملك والملك بالجند والجند بالمال والمال بعمارة البلاد وعمارة البلاد بالعدل في العباد‏.‏


فما كانوا يوافقون أحداً على الجور والظلم ولا يرضون لحشمهم بالخرق والغشم علماً منهم أن الرعية لا تثبت على الجور وأن الأماكن تخرب إذا استولى عليها الظالمون ويتفرق أهل الولايات ويهربون في ولايات غيرها ويقع النقص في الملك ويقل في البلاد الدخل وتخلو الخزائن من الأموال ويتكدر عيش الرعايا لأنهم لا يحبون جائراً ولا يزال دعاؤهم عليه متواتراً فلا يتمتع بمملكته وتسرع إليه دواعي هلكته‏.‏


قال مؤلف الكتاب‏:‏ الظلم نوعان

أحدهما‏:‏ ظلم السلطان لرعيته وجور القوي على الضعيف والعني على الفقير‏.‏


والثاني‏:‏ ظلمك لنفسك وذلك من شؤم معصيتك فلا تظلم ليُرفع عنك الظلم كما جاء في الخير‏.‏


حكاية:

يُقال أنه كان في بني إسرائيل رجلٌ يصيد السمك ويقوت من صيده أطفاله وزوجته فكان في بعض الأيام يتصيَّد فوقعت في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها وقال‏:‏ أمضي بهذه السمكة وأبيعها وأخرج ثمنها في نفقة العائلة فلقيه بعض العوانية في طريقه وقال له‏:‏ أتبيع هذه السمكة فقال في نفسه‏:‏ إن قلت له نعم أخذها بنصف ثمنها فقال له‏:‏ ما أبيعها‏.‏

فضربه العواني بخشبة كانت معه على صلبه ضربة موجعة وأخذ السمكة منه غصباً فدعا الصياد عليه وقال‏:‏ إلَهي خلقتني مسكيناً ضعيفاً وخلقته قوياً عنيفاً‏.‏

اللهم فخذ بحقي منه في الدنيا فإني لا أصبر إلى الآخرة‏.‏

ثم إن الغاصب انطلق بالسمكة إلى منزله وسلّمها إلى زوجته وأمرها أن تشويها فلمَّا شوتها وضعتها بين يديه على المائدة فمد يده ليأكل منها ففتحت السمكة فاها ونكزت أصبعه نكزة سلبت قراره وأزالت لشدة نكزتها اصطباره.‏

فشكا حاله إلى الطبيب وذكر ما ناله فقال له الطبيب‏:‏ ينبغي أن تقطع هذه الأصبع لئلا يسري الألم إلى جميع الكف‏.‏

فقطع أصبعه فانتقل الألم إلى الكف وازداد تألمه وارتعدت من خوفه فرائضه فقال له الطبيب‏:‏ ينبغي أن تقطع اليد من المعصم لئلا يسري الألم إلى الساعد فقطع يده من المعصم فانتقل الألم إلى ساعده فقال له الطبيب‏:‏ ينبغي أن تقطع الساعد لئلا يسرى الألم إلى الكتف‏.‏

فقطع الساعد فانتقل الألم إلى الكتف وتوجَّع فخرج هائماً على وجهه داعياً إلى ربه ليكشف ما نزل به فرأى شجرة فانكفأ إليها فأخذه النوم‏.‏

فرأى في منامه كأن قائلاً يقول له‏:‏ يا مسكين إلى كم تقطع يدك امضِ إلى خصمك وأرضه‏.‏

فانتبه وتفكَّر وتذكَّر وقال‏:‏ إنني أخذت السمكة غصباً وأوجعت الصياد ضرباً وهي التي نكزتني‏.‏

فنهض وقصد المدينة وطلب الصياد فوجده فوقع بين يديه والتمس الإقالة وأعطاه شيئاً من ماله وتاب من فعله فرضي عنه خصمه ففي الحال سكن ألمه وبات تلك الليلة على فراشه وتاب واقلع عمَّا كان يصنع ونام على توبة خالصة ففي اليوم الثاني تداركته رحمة ربه ورد يده كما كانت بقدرته فنزل الوحي على موسى عليه السلام‏:‏ أن يا موسى وعزتي وجلالي وقدرتي لولا أن الرجل أرضى خصمه لعذبته مهما امتدت به حياته‏.‏


حكاية:

كان موسى عليه السلام يناجي ربه عز وجل على الطور فقال في مناجاته‏:‏ إلَهي أرني عدلك وإنصافك‏.‏

فقال له‏:‏ أنت رجل عجول حاد جريء لا تقدر أن تصبر‏.‏

فقال‏:‏ أقدر على الصبر بتوفيقك‏.‏

فقال‏:‏ اقصد العين الفلانية واختف بإزائها وانظر إلى قدرتي وعلمي بالغيوب‏.‏

فمضى موسى وصعد إلى تل بأزاء تلك العين وقعد مختفياً فوصل إلى العين فارس فنزل عن فرسه وتوضأ من العين وشرب من مائها وحَلَّ من وسطه همياناً فيه ألف دينار فوضعه إلى جانبه وصلّى ثم ركب ونسى الهميان في موضعه وسار فجاء صبيٌ صغير فشرب من العين وأخذ الهميان فجاء بعد الصبي شيخ أعمى فشرب من الماء وتوضأ ووقف في الصلاة فذكر الفارس الهميان فعاد من طريقه إلى العين فوجد الشيخ فلزمه وقال‏:‏ إني نسيت همياناً فيه ألف دينار في هذا الموضع هذه الساعة وما جاء إلى هذا المكان سواك‏.‏

فقال الأعمى‏:‏ تعلم أني رجل أعمى فكيف أبصرت هميانك فغضب الفارس من كلامه وجذب السيف فضرب الأعمى فقتله وفتَّشه عن الهميان فلم يجده فمضى وتركه فعند ذلك قال موسى‏:‏ إلَهي وسيدي قد نفد صبري وأنت عَادِلٌ فعرّفني كيف هذه الأحوال فهبط جبريل عليه السلام وقال‏:‏ يا موسى الباري تعالى يقول‏:‏ أنا عالم الأسرار أعلم ما لا تعلم‏.‏

أمَّا الصبي الصغير الذي أخذ الهميان فأخذ حقه وملكه وذلك أن أبا الصبي كان أجيراً لذلك الفارس فاجتمع عليه بقدر ما في الهميان فالذي أخذه الصبي حقه‏.‏

وأمَّا ذلك الأعمى فإنه قبل أن يعمى قتل أبا ذلك الفارس فقد اقتصَّ منه ووصل كل ذي حق إلى حقه وعدلنا وإنصافنا دقيق‏.‏

فلما علم موسى ذلك تحيَّر واستغفر‏.‏


وهذه الحكاية أوردناها ليعلم العقلاء ويتصور الألّباء أن الله جلّ ذكره لا يخفي عليه شيء وأنه يتصف من الظالم في الدنيا ولكن نحن غافلون عما جاءنا لا ندري من أين أتانا‏.‏


سُئِلَ ذو القرنين فقيل له‏:‏

أي شيء أنت به أكثر سروراً فقال‏:‏ شيئان أحدهما العدل والإنصاف‏،‏

والثاني أن أكافىء مَنْ أحسن إليَّ بأكثر من إحسانه‏.‏


وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى يحب الإحسان في كل شيء حتى إنه يحب إنساناً إذا ذبح شاة أن يمهي لها المدية ليعجل خلاصها من ألم الذبح‏)‏‏.‏


وقال موسى عليه السلام‏:‏ إن الله تعالى لم يخلق شيئاً في الأرض أفضل من العدل والعدل ميزان الله في أرضه من تعلق به أوصله الجنة‏.‏


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن للمحسنين في الجنة منازل حتى المحسن إلى أهله وأتباعه‏)‏‏.‏


وقال قتادة في تفسير هذه الآية: ‏{‏ألا تطَغوُا فِي المِيزَانِ‏}‏ قال‏:‏ أراد به العدل‏:‏ فقال يا ابن آدم أعدل كما وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى لما أهبط آدم إلى الأرض أوحى إليه أربع كلمات وقال‏:‏ يا آدم علمك وعلم جميع ذريتك على هذه الكلمات الأربع وهي كلمة لي وكلمة لك وكلمة بيني وبينك وبين الناس‏.‏


أمَّا الكلمة التي لي فهي أن تعبدني لا تشرك بي شيئاً‏.‏


وأمَّا التي هي لك فأنا أجازيك بعملك‏.‏


وأمَّا الكلمة التي هي بيني وبينك فمنك الدعاء ومني الإجابة‏.‏


وأمَّا الكلمة التي بينك وبين الناس فهي أن تعدل فيهم وتنصف بينهم‏)‏‏.‏


وقال قتادة‏:‏ الظلم ثلاثة أضرب‏:‏ ظلم لا يُغفر لصاحبه وظلم لا يدوم وظلم يُغفر لصاحبه‏.‏

فأمَّا الذي لا يُغفر لصاحبه فهو الشّركُ بالله تعالى قال الله تعالى‏:‏ ‏{إن الشِركَ لظُلمٍ عَظيم‏}‏‏.‏

وأمَّا الظلم الذي لا يدوم فهو ظلم العباد بعضهم لبعض‏.‏

وأمَّا الظلم الذي يُغفر لصاحبه فهو ظلم العبد نفسه بارتكاب الذنوب ثم يرجع إلى ربه فإن الله يغفر له برحمته ويُدخله الجنة بفضله‏.‏


نكتة:

الدين والملك توأمان مثل أخوين ولدا من بطن واحد فيجب أن يهتم ويجتنب الهوى والبدعة والمنكر والشبهة وكل ما يرجع بنقصان الشرع وإن علم أن في ولايته مَنْ يتهم بدينه ومذهبه أمر بإحضاره وتهديده وزجره ووعيده فإن تاب وإلا أوقع عليه العقاب ونفاه عن ولايته ليطهر الولاية من إغوائه وبدعته وتخلو من أهل الأهواء ويعز الإسلام ويستديم عمارة الثغور بإنفاذ العساكر والحماة إليها ويجتهد في إعزاز الحق وإعادة رونق السنة النبوية والسيرة المرضية لتحمد عند الله طريقته وتعظم في الخلق هيبته وتخاف سطوته أعداوه ويعلو قدره وبهاؤه ومنزلته ويكبر في عين أضداده ويعظم عند أنداده‏.‏


ويجب أن يعلم أن صلاح الناس في حسن سيرة الملك فينبغي للملك أن ينظر في أمور الرعية ويقف على قليلها وكثيرها وعظيمها وحقيرها ولا يشارك رعيته في الأشياء المذمومة والأفعال المشؤومة‏.‏


ويجب عليه احترام الصالحين وأن يثيب على الفعل الجميل ويمنع من الفعل الرديء الوبيل ويعاقب على ارتكاب القبيح ولا يحابي من أصر على المعصية ليرغب الناس في الخيرات ويحذروا من السيئات‏.‏


ومتى كان السلطان بلا سياسة وكان لا ينهي المفسد عن فساده ويتركه على مراده أفسد في سائر بلاده‏.‏


وقالت الحكماء أن طباع الرعية نتيجة طباع الملوك لأن العامة إنما ينتحلون ويركبون الفساد وتضيق أعينهم اقتداء بالكبراء فإنهم يتعلمون منهم ويلزمون طباعهم‏.‏


ألا ترى أنه قد ذكر في التواريخ أن الوليد بن عبد الملك من بني أمية كان مصروف الهمة إلى العمارة وإلى الزراعة‏.‏


وكان سليمان بن عبد الملك همته في كثرة الأكل وطيب المطعم وقضاء الأوطار والمهمات وبلوغ الشهوات وكانت همة عمر بن عبد العزيز في العبادة والزهادة‏.‏


قال محمد بن علي بن الفضل‏:‏

ما كنت اعلم أن طباع الرعية تجري على عادة ملوكها حتى رأيت الناس في أيام الوليد قد اشتغلوا بعمارة الكروم والبساتين واهتموا ببناء الدور‏، وعمارة القصور ورأيتهم في زمن سليمان ابن عبد الملك قد اهتموا بكثرة الأكل وطيب المطعم حتى كان الرجل يسأل صاحبه أي لون اصطنعت وما الذي أكلت ورأيتهم في أيام عمر بن عبد العزيز قد اشتغلوا بالعبادة وتفرغوا لتلاوة القرآن وأعمال الخيرات وإعطاء الصدقات ليعلم أن في كل زمن يقتدون بأفعاله من القبيح والجميل وإتباع الشهوات وإدراك الإرادات‏.‏


حكاية‏:‏

ذكروا أن في زمن الملك العادل كسرى انو شروان ابتاع رجل من رجل أرضاً فوجد فيها كنزاً فمضى سريعاً إلى البائع وأخبره بذلك فقال‏:‏ إنما بعتك ولم أعلم ما فيها والكنز الذي وجدته فهو لك ومبارك عليك فقال‏:‏ لا أريده ولا أطمع في أموال الناس فترافعا بهذه الدعوى إلى الملك العادل انو شروان ففرح انو شروان بذلك وقال هل لكما أولاد فقال أحدهما لي ابن وقال الآخر لي بنت فقال انو شروان أحب أن يكون بينكما قرابة ووصلة وإن تزوجا الولد بالبنت وتنفقا هذا الكنز في جهازهما ليكون لكما ولولديكما ففعلا ما أمر به وتراضيا ما رسم لهما ولو أن الرجلين كانا في زمن سلطان جائر لقال كل واحد منهما الكنز لي ولكنهما لَمَّا عَلِمَا أن ملكهما عادل طلبا الحق وآثرا الصدق‏.‏


وقالت الحكماء الملك كالسوق فكل أحد يحمل إلى السوق ما يعلم أنه فيه نافق وما يعلم أنه كاسد لا يحمله إلى ذلك السوق‏.‏


والرجلان اللذان وجدا الكنز وترافعا إلى السلطان علما إن الزهد والعدل والصدق يعز عند الملك وأن الحق عنده نفاق فلذلك حملاه إليه وعرضاه عليه‏.‏


وأمَّا الآن في هذا الزمان فكلما يجري على يد أمرائنا وألسنة ولاتنا فهو جزاؤنا واستحقاقنا كما إننا رديئو الأعمال قبيحو الأفعال ذوو خيانة وقلة أمانة‏، فأمراؤنا ظلمة جائرون وغشمة معتدون‏.


(‏كما تكونوا يول عليكم‏)‏ فقد صح بهذا الحديث أن أفعال الخلق عائدة إلى أفعال الملك أما ترى أنه إذا وصف بعض البلاد بالعمارة وأن أهله في أمان وراحة ودعة وغبطة فإن ذلك دليل على عدل الملك وعقله وسداده وحسن نيته في رعيته ومع أهل ولايته وأن ليس ذلك من الرعية فقد صح ما قالته الحكماء ‏(‏الناس بملوكهم أشبه منهم بزمانهم‏)‏‏.‏


وقد جاء في الخبر أيضاً: ‏(‏الناس على دين ملوكهم‏)‏‏.‏


وكان من سياسة انو شروان أن بحيث لو أن رجلاً ألقى في مكان حملاً من ذهب وبقي مهما بقي في موضعه لم يقدر أحد على إزالته من مكانه إلا صاحبه وكان يونان وزير انو شروان متقدماً عنده فقال له يوماً‏:‏ أيها الملك لا تركن للأشرار فتخرب ولايتك وتفقر رعيتك فيصير حينئذ مُلكُك إلى الخراب وسلطانك إلى الفقر ويقبح إسمك في الدنيا فكتب انو شروان إلى عماله‏:‏ إن أخبرت أنه قد بقى في جميع مملكتي أرض خراب سوى أرض سبخة لا تقبل الزرع صلبت عامل تلك الأرض‏.‏


وخراب الأرض من شيئين‏:‏ أحدهما عجز الملك‏، والثاني جوره‏.‏


وكان الملوك في ذلك الزمان يتفاخرون بالعمارة ويتحاسدون على إجتماع المملكة‏.‏


حكاية:

أرسل ملك هندوستان رسولاً إلى الملك العادل كسرى انو شروان فقال أنا أولى بالمُلك منك فأنفذ لي خراج ولايتك فأمر أنو شروان بإنزال الرسول ثم جمع في اليوم الثاني أرباب دولته وأعيان مملكته وأذن للرسول في الدخول إليه فلمَّا مَثُلَ بين يديه قال له أسمع جواب رسالتك ثم أمر أنو شروان بإحضار صندوق ففتحه وأخرج منه صندوقاً صغيراً وأخرج منه قبضة من كبر وسلّمهُ إلى الرسول وقال هل في بلادكم من هذا قال نعم من هذا عندنا كثير فقال أنو شروان‏:‏ أرجع وقل لملك الهند يجب عليك أن تعمر ولايتك فإنها خراب ثم تطمع بعد ذلك في ولاية عامرة فإنك لو طفت جميع ولايتي وطلبت أصلاً واحداً من كبر لم تجده ولو سمعت أن في موضع من ولايتي أصلاً واحداً من كبر لصلبت تلك الولاية على الملك أن سيلك طريق الملوك الذين تقدموه ويعمل على سننهم ويقرأ كتب مواعظهم وقضاياهم فإنهم كانوا أطول أعماراً وأكثر تجارب وإعتباراً وإنهم فرقوا بين الجيد والرديء وعرفوا الجلّي من الخفي‏.‏


وكان أنو شروان مع حسن سيرته يقرأ كتب مواعظهم ويطلب إستماع حكايتهم ويمضي على مناهجهم وسننهم وملوك هذا الزمان أجدر أن يفعلوا ذلك‏.‏


حكاية:

سأل أنو شروان العادل يوماً وزيره يونان وقال أريد أن تخبرني بسيرة الملوك المتقدمين فقال له يونان تريد أن أمدحهم بثلاثة أشياء أم بشيئين أم بشيء واحد؟ فقال أنو شروان أمدحهم بالثلاثة.

فقال يونان:

ما وجدت لهم في شغل من الأشغال ولا عمل من الأعمال قط كذباً‏.‏

ولا رأيت لهم بشيء جهلاً‏.‏

ولا رأيت لهم في حال من الأحوال غضباً‏.‏
فقال أنوشروان أمدحهم بالشيئين فقال يونان كانوا دائماً يسارعون إلى الخير وعمله‏.‏

وكانوا دائماً يحذرون من أعمال الشر‏.‏

فقال أمدحهم بشيء واحد فقال كانت سلطنتهم وجرأتهم على أنفسهم أكثر مما كانت على غيرهم فطلب أنو شروان الكأس وقال ولهذا سرور بالكرام الذين يأتون بعدنا ويملكون تاجنا وتختنا ويذكروننا كما نذكر نحن مَنْ تقدَّمنا‏.‏


وأشقى الناس مَنْ اغْتَرَّ بمُلكه وعَمَّرَ الدنيا وهو لا يدري كيف ينبغي أن يعيش فيها فيعبر دنياه بالتعب ويحصل في آخراه بالندم السرمد والعذاب المؤبد‏.‏


وإنما كان قصد أولئك الملوك وإجتهادهم في عمارة الدنيا ليبقى فيها بعدهم طيب الذكر مدى الأيام والدهر‏، كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية:

كان لأنو شروان كرم يعرف بهزاركام فاجتمع يوماً فيه قيصر ملك الروم ويعفورجين ملك هندوستان في ضيافة أنو شروان فتكلّم كل واحد منهم بكلمة حكمة‏.‏


فقال قيصر الروم ليس شيء في هذه الدنيا أجود من فعل الخير والاسم الصالح والذكر الطيب فإنه يذكر به صاحبه دائماً فيُقال بعده لم لا نكون نحن مثله‏.‏


فقال أنو شروان تعالوا حتى نفعل الخير ونتفكّر في الخير فقال قيصر إذا تفكّرت في الخير عملت الخير وإذا عملت الخير نلت المُراد فقال يعفورجين أعاذنا الله من فكرة إن نحن أظهرناها استحييناها وإن ذكرناها خجلنا وأن أخفيناها ندمنا فقال قيصر لأنو شروان أي شيء أحب إليك قال أحب الأشياء إلى أن أقضي حاجة مَنْ رآني أهلاً لقضاء حاجته فقال قيصر بل أنا أحب أن لا أذنب حتى لا أخاف ملوكاً كان هذا كلامهم‏.‏


أنظر كيف كانت سيرتهم مع رعيتهم يا سلطان الإسلام فيجب أن تسمع أقوال هؤلاء وتنظر أعمالهم وتقرأ حكاياتهم من الكتب وما ينظر فيها من نعت عدلهم وإنصافهم وحسن سيرتهم وطيب خبرهم وذكرهم الجاري على ألسنة الخلق إلى يوم القيامة‏.‏


كان لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من العدل والسياسة إلى حد أقام فيه الحد والعقاب على ولده حتى مات‏.‏


وكان إذا أنفذ عمالاً إلى أعمال قال لهم إشتروا دوابكم وأسلحتكم من أرزاقكم ولا تمدوا أيديكم إلى بيت مال المسلمين ولا تغلقوا أبوابكم دون أرباب الحوائج‏.‏


قال عبد الرحمن ابن عوف دعاني عمر بن الخطاب ذات ليلة وقال قد نزل بباب المدينة قافلة وأخاف عليهم إذا ناموا أن يسرق شيء من متاعهم فمضيت معه فلمَّا وصلنا قال لي نم أنت ثم جعل يحرس القافلة طول ليلته‏.‏


وقال عمر رضي الله عنه يجب علي أن أسافر لأقضي حوائج الناس في أقطار الأرض لأن بها ضعفاء لا يقدرن على قصدي في حوائجهم لبُعد المكان فينبغي أن أطوف البلاد لأشاهد أحوال العمال وأسير سيرتهم وأقضي حوائج المسلمين فلا يكون في سنيّ عمر أبرك من هذه السنة‏.‏


حكاية:

قال زيد بن أسلم رأيت ليلة عمر بن الخطاب يطوف مع العسس فتبعته وقلت أتأذن لي أن أصاحبك قال نعم فلمَّا خرجنا من المدينة رأينا ناراً من بُعد فقلنا ربما يكون قد نزل هناك مسافر فقصدنا النار فرأينا امرأة أرملة ومعها ثلاثة أطفال وهم يبكون وقد وضعت لهم قِدْراُ على النار وهي تقول الَهي أنصفني من عمر وخذ لي منه بالحق فإنه شبعان ونحن جياع فلمَّا سمع عمر بن الخطاب ذلك تقدَّم وسلَّم عليها وقال أتأذنين أن أدنو إليكِ؟ فقالت أن دنوت بخير فبسم الله فتقدَّم وسألها عن حالها وحال الجياع وقد بلغ مني ومنهم الجهد والجوع وقد منعهم عن الهجوع فقال عمر وأي شيء في هذه القِدْر؟ فقالت تركت فيها ماءً لأشاغلهم به ليظنوا أنه طعام فيصبروا‏.‏

قال زياد فعاد أمير المؤمنين وقصد دكان الدسم فابتاع منه دسماً ومضى إلى دكان الدقيق فابتاع منه ملء جراب ثم وضع الجميع على كاهله ومضى به يطلب المرأة والأطفال‏.‏


فقلت يا أمير المؤمنين ناولنيه لأحمله عنك فقال إن حملته عني فمَنْ يحمل عني ذنوبي ومَنْ يحول بيني وبين دعاء تلك المرأة والأطفال عليّ وجعل يسعى وهو يبكي إلى أن وصلنا إلى المرأة فقالت المرأة جزاك اللهُ عنا خير الجزاء فأخذ عمر جزءاً من الدقيق وشيئاً من الدَّسم فوضعهما في القِدْر وجعل يوقد النار وكلما أرادت أن تخمد نفخها والرماد يسقط على وجهه ومحاسنه إلى أن انطبخت القِدْر فوضع الطبيخ في القصعة وقال للمرأة كُلِي فأكلت المرأة والأطفال فقال عمر أيتها المرأة لا تدعين على عمر فإنه لم يكن عنده منك ولا من أطفالك خبر‏.‏


وأول من دُعي بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب فإن أبا بكر رضي الله عنه دعوه بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا وصل الأمر إلى عمر كانوا يقولون يا خليفة خليفة رسول الله فكان يطول ذلك فقال يا أيها المؤمنون سمُّوني أميراً فإني أميركم وإن دعوتموني أمير المؤمنين فأنا ذلك عمر بن الخطاب‏.‏


حكاية:

سُئِلَ خازن بيت المال هل انبسط عُمَرُ في بيت المال فقال كان في أول الأمر إذا لم يكن له شيءٌ يتقوَّتُ به أخذ قليلاً برسم القوت فإذا حصل عنده شيء أعاده إلى بيت المال‏.‏


وخطب يوماً فقال أيها الناس قد كان الوحي ينزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نعرف به ظاهر الناس وباطنهم وجيدهم ورديئهم والآن قد إنقطع الوحي عنا فنحن ننظر من كل أحد إلى علانيته والله أعلم بسريرته وأنا على الجهد وعمالي أن لا نأخذ شيئاً بغير حق ولا تعطي شيئاً بغير حق‏.‏


فإن شئت أن تعلم أن عدل السلطان وتقيته سبب لجميل ذكره ونيل فخره فإنظر في أخبار عمر بن عبد العزيز فإنه لم يكن لأحد من بني أمية وبني مروان مثل مدحه ومحمدته ولا يدعي إلا له ولا يثني إلا عليه لأنه كان عادلاً تقياً كريماً حسن السيرة تقي السريرة‏.‏


حكاية:

كان في زمن عمر بن عبد العزيز قحط عظيم فوفد عليه قوم من العرب فاختاروا منهم رجلاً لخطابه فقال ذلك الرجل يا أمير المؤمنين إنا أتيناك من ضرورة عظيمة وقد يبست جلودنا على أجسادنا لفقد الطعام وراحتنا في بيت المال وهذا المال لا يخلو من ثلاثة أقسام‏:‏ أما أن يكون لله أو لعباد الله أو لك‏.‏


فإن كان لله فالله غني عنه وإن كان لعباد الله فآتهم إيَّاه وأن كان لك فتصدَّق به علينا إن الله يجزي المتصدقين‏.‏


فتغرغرت عينا عمر ابن عبد العزيز بالدموع وقال هو كما ذكرت وأمر بحوائجهم فَقُضِيَتْ من بيت المال فَهَمَّ الأعرابي بالخروج فقال له عمر أيها الإنسان الحر كما أوصلت إلي حوائج عباد الله وأسمعتني كلامهم فأوصل كلامي وارفع حاجتي إلى الله تعالى فحول الأعرابي وجهه قِبَلِ السماء وقال إلَهي اصنع مع عمر ابن عبد العزيز كصنيعه في عبادك فما استتم الأعرابي كلامه حتى ارتفع غيم فأمطر مطراً غزيراً وجاء في المطر بردة كبيرة فوقعت على آجرة فانكسرت فخرج منها كاغد عليه مكتوب هذه براءة من الله العزيز لعمر ابن عبد العزيز من النار‏.‏


حكاية:

يُقال أن عمر بن عبد العزيز كان ينظر ليلاً في قصص الرعية وروزناتهم في ضوء السراج فجاء غلام له فحدَّثه في سبب كان يتعلّق ببيته فقال له عمر أطفيء السراج وحدثني فإن هذا الدهن من بيت مال المسلمين فلا يجوز إستعماله إلا في أشغال المسلمين‏.‏


كذا يكون حذر السلطان وتوقيه إذا كان عادلاً كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية:

كان لعمر بن عبد العزيز غلام وكان خازناً لبيت المال وكان لعمر بنات جئنه يوم عرفة وقلن له غداً العيد ونساء الرعية وبناتهم يلمننا وقلن أنتن بنات أمير المؤمنين ونراكن عريانات لا أقل من ثياب بيضاء تلبسنها وبكين عنده فضاق صدر عمر فدعا غلامه الخازن وقال له أعطني مشاهرتي لشهر واحد فقال الخازن يا أمير المؤمنين تأخذ المشاهرة من بيت المال سلفاً أتظن أن لك عمر شهر فتأخذ مشاهرة شهر فتحيَّر عمر وقال نعم ما قلت أيها الغلام بارك الله فيك ثم التفت إلى بناته وقال اكظمن شهواتكن فإن الجنة لا يدخلها أحد إلا بمشقة‏.‏


حكمة:

لَمَّا كان الأمراء كذلك كان حواشيهم وخدعهم على قاعدتهم والعدل التام هو أن تساوي بين المجهول الذي لا يعرف وبين المحتشم صاحب الجاه المعروف في مقام واحد في الدعاوي وتنظر أيضاً بعين واحدة ولا تفضل أحدهما على الآخر لأجل أن أحدهما فقير والآخر غني فإن الجوهر والخزف في الآخرة بسعر واحد ولا يحرق عاقل نفسه بالنار لحشمة الأغيار‏.‏


وإذا كان لرجل ضعيف على سلطان من السلاطين دعوى فينبغي أن يقوم من صدر مملكته ويعمل بحكم الله تعالى وينصف ذلك العبد الضعيف ويرضيه ولا يحيف عليه ولا يسحي من الحق ويعمل بقول الله: ‏{‏إن الله يأمُر بِالعَدَلِ والإحسَان‏}،‏ وحقيقة ذلك إن كان للملك على آخر حق أن يسامحه ويمن به عليه ويأمر عماله الثقات أن يقتدوا بمثاله ويعملوا بسيرته لئلا يسئل عنه يوم القيامة‏.‏


فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل راع يُسئل عن غنمه وكل إنسان يُسئل عن رعيته والحال على هذه الصفة والمآل‏.‏


حكاية:

يُقالُ أن إسماعيل بن أحمد أمير خراسان نزل بمرو وكان رسمه في كل موضع ينزله أن يامر المنادي أن ينادي في العسكر إن الجند ما لهم في الرعية شغل فمضى رجل من الخرنبدية ودخل مبطخة قوم فتناول من البطيخ قدراً يسيراً فجاءوا إلى باب الملك واستغاثوا فأمر بإحضاره فأحضر بين يديه فقال له ما حملك على أن آذيت رعيتي قال أخطأت قال لا أقدر لأجل خطئك على دخول النار ثم أمر به فقطعت يده‏.‏


حكاية:

يُحكى عن إسماعيل الساماني في كتاب سير الملوك أنه كان ينزل بحذاء موليان وكان يصل كل وقت إلى مدينة كغد ويأمر المنادي أن ينادي في الناس وكان يرفع الحجاب ويزيح البواب ليجيء كل مَنْ له ظلامة ويقف على جانب البساط ويخاطبه ويعود مقضي الحاجة‏.‏


وكان يقضي بين الخصوم مثل الحكام إلى أن تفي الدعاوي ثم يقوم من موضعه ويقبض على محاسنه ويوجه وجهه نحو السماء ويقول‏:‏ إلَهي هذا جهدي وطاقتي قد بذلتهما وأنت عالم الأسرار تعلم نيتي ولا أعلم على أي عبد من عبادك حفت ولا لأيهم ظلمت‏.‏


وما أنصفت أنا واحداً من أصحابي فأغفر لي يا إلهي من ذلك ما لا أعلم‏.‏


فلمَّا كان نقي النية جميل الطوية لا جرم علا أمره وارتفع قدره وكان عسكره ألف فارس معتدين بالسلاح مقنعين بالحديد وببركة ذلك العدل والإنصاف ظفَّرهُ اللهُ تعالى بعمرو بن ليث حتى قبض عليه وفتح خراسان‏.‏


ثم أن عمرو ابن ليث أنفذ إليه من السجن فقال‏:‏ لي بخراسان أموال كثيرة وكنوز موفورة‏.‏


وأنا أسلم الجميع إليك وأطلقني من السجن فلمَّا سمع إسماعيل ذلك ضحك وقال إلى الآن لم يستقم معي عمرو ابن ليث يريد أن يجعل المظالم التي احتقبها‏، والمآثم التي ارتكبها في عنقي ويتخلص من ثقل أوزارها في القيامة قولوا له مالي في مالك حاجة‏.‏


ثم أنه أخرجه من السجن وأنفذه رسولاً إلى بغداد فنال من أمير المؤمنين الخلع والتشريف.‏


وجلس إسماعيل في مملكته بخراسان آمناً فارغ البال حسن الحال‏.‏


وبقيت المملكة في عنصر السامانية مائة وثلاثين سنة فلمَّا إنتقل الأمر إلى أصاغرهم وصبيانهم ظلموا الخلق وتعدوا الحق فزال مُلكُهم‏.‏


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏(‏عدل السلطان يوماً واحداً خير من عبادة سبعين سنة‏)‏‏.‏


وقال عليه الصلاة والسلام: ‏(‏مَنْ سَلَّ سيف الجور سَلَّ عليه سيف الغلبة ولازمه الغم‏)‏، كما قال الشاعر‏:‏

فَقُل لِلنَاسِ ما تهوَى إستماَعاَ ولا تقتل أن اختَرتُ البقاءِ


جاء في الخبر أن داود عليه السلام كان ينظر يوماً فرأى شيئاً ينزل من السماء مثل النخالة فقال‏:‏ إلَهي ما هذا قال هذه لعنتي أنزلها على بيوت الجائرين‏.‏


حكاية:

لمَّا قعد انو شروان في المملكة كتب إليه يونان الوزير فقال إعلم أيها السطان أن أمور المُلك على ثلاثة أشياء‏:‏ إمَّا أن ينصف رعيته ولا ينتصف منهم وذلك هو الدرجة العليا‏.‏

أو ينتصف وينصف أيها الملك إلى هذه الثلاثة وأختر أيها أردت وأنا أعلم أن مولانا يختار الأولى كما قال الشاعر‏:‏

مَنْ أنصفَ الناسَ ولم ينتَصِف بفضلهِ منهُم فذاك الأمير

ومن يرِد إنصَافِهم مِثلمَا أنصفَ أضحَى مالهُ مــن نظيرِ

ومن يُرِد إنصَافه وهو لا ينصَفهُم فـهـو الدنيُء الحـقـيرُ‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالثلاثاء 03 يناير 2023, 7:48 am

[‏نصيحة وموعظة‏]‏

دخل شبيب بن شيبة يوماً على المهدى فقال يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك الدنيا فأعط رعيتك قسطاً من طيب عيشك فقال المهدي وما الذي ينبغي أن تعطي الرعية فقال العدل فإنه إذا نامت الرعية في أمن منك نمت آمناً في قبرك‏.‏


وقال أحذر يا أمير المؤمنين من يوم لا ليلة بعده ومن ليلة لا يوم بعدها واعدل ما استطعت فإنك تُجازي بالعدل فحلِ نفَسك بِالتقَوى وزينَها فلن يُعارَ تقيُ في النَاسِ من رجلِ وليس تُبلى يدُ المعروفِ فاحظ بها تربح كثيراً ورأسُ المالِ لم يزَل‏.‏


حكاية:

وصل كتاب من قيصر ملك الروم إلى الملك العادل أنوشروان يقول بماذا يكون دوام المُلك فكتب إليه في الجواب: جواب ذلك أني لا أعمل شيئاً بجهالة وإذا أمرت بأمر تمَّمته ولا أتركه لخوف ولا لرجاء يريد أنني إذا أمرت بشيء لا أبطله لأجل من يرجوني أو يخافني وأن لا أغير شيئاً أمرت به‏.‏


حكمة:

سُئِلَ ارسطاطاليس هل يجوز أن يدعي أحد ملكاً غير الله تعالى فقال من وجدت فيه هذه الخصال وإن كانت عارية‏:‏ العلم والعدل والسخاء والحلم والرقة وما ناسبها لأن الملوك إنما كانوا ملوكاً بالظل الإلَهي وضياء الحس وطهارة النفس وتزايد العقل والعلم وقدم الدولة وشرف الأصل والدولة التي كانت في محتدهم وأصولهم فبذلك كانوا ملوكاً وسلاطين.
ومعنى قولهم ‏[‏فرابرذي‏]‏

وهو الظل الإلَهي يظهر في ستة عشر شيئاً:

العقل والعلم وحدة الذكاء وتدارك الأشياء والصور التامة والألمعية والفروسية والشجاعة والإقدام والتأني وحسن الخلق وإنصاف الضعيف ومحبة الرعية وإظهار الزعامة والإحتمال والمدارة في مكانها والرأى والتدبير في الأمور والإكثار من قراءة الأخبار وحفظ سير الملوك والفحص عن الأحوال والأعمال التي اعتمدوها الملوك وعملوا بها لأن هذه الدنيا بقية دول المتقدمين الذين تملكوها ثم مضوا وانقضوا وصاروا تذكاراً للناس يذكر كل إنسان بفعله‏.‏


وللآخرة كنز وللدنيا كنز هذه الدنيا حسن الثناء وطيب الذكر وكنزالآخرة العمل الصالح واكتساب الأجر‏.‏


حكمة:

كان الإسكندر في بعض الأيام قد ركب في مركب مملكته فقال رجل من مقدمي عسكره إن الله تعالى أعطاك مُلكاً عظيماً فاستكثر من النساء لتكثر أولادك فتُذكر بهم بعدك فقال ليس ذكر الرجال بعدهم بكثرة الأولاد لكن بحُسن السيرة وعدل النيَّة ورجلٌ غلب رجال الدنيا لا يجوز أن تغلبه النساء‏.‏


حكمة:

سأل الإسكندر ارسطاطاليس أيُّمَا أفضل للمُلوك الشجاعة أم العدل فقال ارسطاطاليس إذا عدل السلطان لم يحتج إلى شجاعة‏.‏


حكاية:

عزل الإسكندر عاملاً من عُمَّالِهِ من عمل كثير خطير وولَّاه أمر عمل خفيف حقير فجاء في بعض الأيام ذلك الرجل إلى الدركاه فقال له الإسكندر كيف تجد عملك؟ فقال أطال الله بقاء الملك الرجال لا تشرف بالأعمال بل الأعمال تشرف بالرجال وذلك بحُسن السيرة والإنصاف والعدل وتجنُّب الإسراف‏.‏


فأحسن الأسكندر مقاله وأعاد إليه أعماله‏.‏


حكمة:

قال سقراط: العالم مركب من العدل فإذا جاء الجور لا يثبت ولا يستقر‏.‏


حكمة أخرى:

سُئِلَ بزرجمهر فقيل بأي شيء يظهر عز المُلك فقال بثلاثة أشياء‏:‏ حفظ الأطراف مع دفع العدو عن الحوزة وإكرام العلماء وإعزازهم وحب أهل الفضل لأنه كلما جار السلطان خاف أهل الأطراف وإن كانت نعمهم كثيرة فإنها مع الخوف لا تنساغ وإن كانت النعم قليلة إنساغت مع الأمن كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية:

يُقال أنه إنقطع رجل من قافلة الحج وضل الطريق ووقع في الوحل فجعل يسير إلى أن وصل إلى خيمة فرأى إمراة عجوزاً ورأى على باب الخيمة كلباً نائماً فسلّم الحاج على العجوز وطلب منها طعاماً فقالت العجوز امض إلى ذلك الوادى واصطد من الحيَّات بقدر كفايتك لأشوي لك منها واطعمك فقال الرجل أنا لا أجسر أن أصطاد الحيَّات فقالت العجوز أنا أتصيَّد معك فلمَّا مضت وإيَّاه وتبعهما الكلب فأخذا من الحيَّات بقدر كفايتهما فأتت العجوز وجعلت تشوي له الحيَّات فلم ير الحاج من الأكل بُدّاً وخاف أن يهلك من الجوع والهزال فأكل ثم أنه عطش وطلب منها الماء ليشرب فقالت له دونك والعين فاشرب فمضى إلى العين فوجد ماءً مالحاً مُرّاً ولم يجد من شُربه بُدّاً فشرب وعاد إلى العجوز وقال أعجب منك أيتها العجوز ومن مقامك في هذا الموضع فقالت كيف تكون بلادكم فقال يكون في بلادنا الدور الرحيبة الواسعة والفواكه اللذيذة اليانعة والمياه العذبة والأطعمة الطيبة واللحوم السمينة والغنم الكثيرة والعيون الغزيرة‏.‏


فقالت العجوز قد سمعت هذا كله فقل لي هل تكونون تحت يد سلطان يجور عليكم وإذا كان لكم ذنب أخذ أموالكم واستأصل أحوالكم وأخرجكم عن مسرتكم فقال قد يكون ذلك فقالت إذاً يعود ذلك الطعام اللطيف والعيش الظريف والنعم اللذيذة مع الجور والظلم سُمّاً ناقعاً وتعود أطعمتنا مع الأمن ترياقاً نافعاً أوَمَا سمعت أن أجل النعم بعد نعمة الإسلام الصحة والأمن‏.‏


والأمن إنما يكون مع سياسة السلطان فيجب على السلطان أن يعمل بالسياسة وأن يكون مع السياسة عادلاً لأن السلطان خليفة الله ويجب أن تكون هيبته بحيث إذا رأته الرعية خافوا ولو كانوا بعيداً وسلطان هذا الزمان ينبغي أن يكون له أوى سياسة وأتم هيبة أن أناس هذا الزمان ليسوا كالمتقدمين فإن زماننا هذا زمان ذوي الوقاحة والسفهاء وأهل القسوة والشحناء‏.‏


وإذا كان السلطان منهم ضعيفاً أو كان غير ذي سياسة وهيبة فلا شك أن ذلك يكون سبب خراب البلاد وأن الخلل يعود إلى الدين والدنيا وفي الأمثال جور السلطان مائة عام ولا جور الرعية بعضهم على بعض سنة واحدة وإذا جارت الرعية سلط الله عليها سلطاناً جائراً وملكاً قاهراً كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية

أُعطي الحجاج بن يوسف الثقفي في بعض الأيام قصة مكتوب فيها اتق الله ولا تجر على عباد الله كل هذا الجور، فرقى الحجاج المنبر وكان فصيحاً، فقال أيها الناس إن الله سلطني عليكم بأعمالكم فإن أنا مت فلا تخلصون من الجور مع هذه الأعمال السيئة فإن الله تعالى خلق أمثالي كثيراً وإذا لم أكن أنا كان مَنْ هو أكثر مني‏.‏


قال الشاعر‏:‏

وما مِن يدٍ إلا يدُ اللهِ فوقَها ** ولا ظالمُ إلا سيُبلى بأظلمِ


حكمة:

سُئِلَ بزرجمهر أي الملوك أطهر فقال من أمنه الطاهرون وخاف منه الخطاؤؤن‏.‏


وأمَّا السلطان الذي لا سياسة له فليس له في أعين الناس خطر ولا محل بل يكون الخلق عليه ساخطين ثم يذكرونه كل وقت بالقبيح ألا ترى أن الإنسان إذا كان من عوام الولاية وتولى عليها وأراد أن يطلب الحساب من الرعية أول ما يكلمهم بالهيبة ويظهر جاهه بالسياسة لعلمه أن الرعية إنما ينظرونه بالعين الأولى‏.‏


وفي هذا الباب حكاية عجيبة:

كان لأبي سفيان بن الحارث ولد وكان يدع زياد بن أبيه وكان قد ولد في أيام الجاهلية ونفاه وتبرَّأ منه وقال ما هو لي بولد فلمَّا وصل الأمر إلى معاوية قرَّبه وأدناه وولّاه ولاية العراق فلمَّا وصل إلى العراق وجد أهل العراق قوماً عابثين يُفسدون ويسرقون فقصد زيارة المسجد الجامع ورقى المنبر وخطب خطبة ثم قال بعد خطبته والله لئن خرج أحد بعد العشاء الآخرة لآخذن رأسه عن جسده فليُعْلِم الشاهد الغائب‏.


ثم أمَرَ مُنادياً بذلك ثلاثة أيام فلمَّا كان في الليلة الرابعة خرج زياد وقد مضى من الليل ثُلثه فركب وجعل يطوف محال البلد فرأى أعرابياً ومعه غنم له وهو قائم فسأله زياد ما تصنع هاهنا؟ فقال أتيت مساءً ولم أجد موضعاً أستقر فيه فنزلت مكاني إلى أن أصبح وأبيع غنمي فقال له زياد أنا أعلم إنك صادق وإن أطلقتك خفت أن يذيع الخبر عني أن زياداً يقول ما لا يفعل فتفسد سياستي وتنكسر هيبتي والجنة خير لك مما هنا ثم ضرب عنقه وجعل يسير فكل مَنْ رآه ضرب عنقه وحَزَّ رأسه فلمَّا أصبح من الغد كان قد أخذ رؤوس ألف وخمسمائة رجل ثم جعلها على باب داره مثل البيدر فتهوَّلهُ الناس وجزعوا لِمَا رأوا من فعله كان الليل خرج وطاف فلقي ثلاثمائة رجل فأخذ رؤوسهم فلم يقدر أحَدٌ بعد ذلك أن يخرج من منزله بعد العشاء الآخرة‏.‏


فلمَّا كان يوم الجمعة رقى المنبر وقال أيها الناس لا يغلق أحَدٌ منكم دكانه بالليل ومهما سرق منكم كان غرامته عليَّ فلم يجسر أحَدٌ منهم أن يغلق دكانه تلك الليلة فلمَّا كان من الغد أتاه رجلٌ صيرفي وقال قد سُرِقَ مني البارحة أربعمائة دينار فقال له زياد تقدر أن تحلف على صحة قولك فقال نعم فحلّفه وغرم له أربعمائة دينار وقال له اكتم هذا الأمر ولا تُشعر به أحداً فلمَّا كان في الجمعة الثانية اجتمع الناس لصلاة الجمعة وصعد زياد المنبر وقال اعلموا أنه قد سُرِقَ من دكان الصيرفي أربعمائة ديناراً وأنتم كلكم حاضرون فإن رددتم ذلك فقد عاد إلى الرجل ماله وإن لم تردوا ذلك فقد أمَرْتُ أن لا يُمَكَّنُ أحَدٌ منكم أن يخرج من الجامع وأمَرْتُ بقتلكم في هذه الساعة ففي الحال لوموا من كان يتهمونه بالسرقه وقدموه بين يديه فرد الذهب الذي كان سرقه فأمر بصلبه في الحال‏.‏


ثم أنه سأل بعد ذلك أي محلة في البصرة ليس فيها أمن فقيل محلة بني الأزد فأمر أن يترك فيها ثوب ديباح له قيمة ثقيلة ليلاً بحيث لا يراه أحد فبقي أياماً مُلقىً بحاله ولم يكن لأحد جسارة أن يقربه ولا يرفعه من مكانه فقال له أقاربه بعد ذلك أن السياسة خير الأشياء إلا أنك لم ترحم المسلمين أولاً أهلكت خلقاً كثيراً فقال قد أخذت عليهم الحُجَّة قبل ذلك بثلاثة أيام ومِنْ شؤم مخالفتهم لم ينتهوا والذي أصابهم كان من شؤم أعمالهم‏.‏


فصل:

ولا ينبغي للسلطان أن يشتغل دائماً بلعب الشطرنج والنرد وشرب الخمر وضرب الكرة والصولجان والصيد لأن ذلك يمنعه ويشغله عن أمور الرعية فإن لكل عمل وقتاً فإذا فات الوقت عاد الربح خسراناً فإن الملوك القدماء قسموا النهار أربعة أقسام‏.‏


قِسْمٌ منها لطاعة الله وعبادته وقِسْمٌ للنظر في الرعية وإنصاف المظلومين والجلوس بين العلماء والعقلاء ولتدبير الأمور وسياسة الجمهور وتنفيذ المراسم والأوامر وكتابة الكتب وإرسال الرسل وقِسْمٌ للأكل والشرب والتزود من الدنيا وأخذ الحظوظ من الفرح والسرور وقِسْمٌ للصيد ولعب الشطرنج والكُرة وما حكمه‏.‏


يُقالُ أن بهرام كور قسَّم نهاره قسمين وجعله شطرين‏.‏


ففي النصف الأول كان يقضي حوائج الناس وفي النصف الثاني كان يطلب الراحة ويُقالُ أنه في جميع عمره ما أشتغل يوماً تاماً بعمل واحد‏.‏


وكان أنو شروان العادل يامر أصحابه الثقات أن يصعدوا إلى أعلى مكان في البلد فينظروا إلى بيوت الناس فكل بيت لا يخرج منه دخان نزلوا وسألوا عن حال أولئك القوم وما خطبهم فإن كانوا في غم أعلموا الملك فكان يحمل ويزيل هموهم‏.‏


ويجب على السلطان أن لا يرضى لغلمانه أن يتناولوا شيئاً من الرعية بغير حق كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية:

يُقالُ أنه كان قد ولى أنو شروان عاملاً فأنفذ العامل إليه زيادة في الخراج ثلاثة آلاف درهم فأمر شروان بإعادة الزيادة إلى أصحابها وأمر بصلب العامل‏.‏


وكل سلطان أخذ من الرعية شيئاً بالجور والغصب وخزنه في خزائنه كان مثله رجل عمل أساس حائط ولم يصبر حتى يجف ثم وضع البنيان عليه فلم يبق الأساس ولا الحائط‏.‏


ينبغي للسلطان أن يأخذ ما يأخذه من الرعية وأن يهب ما يهبه بقدره لأن لكل واحد من هذين حداً محدوداً كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية:

يقال أن المأمون ولى يوماً أربعة نفر ولايات فأعطى لواحد منهم منشور خراسان خلع عليه ثلاثة آلاف دينار وولى الآخر ولاية مصر وخلع عليه خلعة مثلها وولى الآخر ولاية ارمينية وأعطاه خلعة مثلها ثم استدعى يومئذ موبذان وقال يا دهقان هل كان لملوك العجم مثل هذه الخلع فإنه بلغني أن خلعهم ما كانت تبلغ أكثر من أربعة آلاف درهم فقال الموبذان أطال الله بقاء أمير المؤمنين كان لملوك العجم ثلاثة ليست لكم ‏(‏أحدها‏)‏ أنهم كانوا يأخذون ما يأخذونه من الرعية بقدر ويعطونه بقدر ‏(‏والثاني‏)‏ أنهم كانوا يأخذون من موضع يجوز الأخذ منه ويعطون لمن ينبغي أن يعطى ‏(‏والثالث‏)‏ أنهم ما كان يخافهم إلا أهل الريب فقال المأمون صدقت ولم يعد عليه جواباً‏.‏


ولأجل هذا لَمَّا كشف المأمون تربة كسرى أنو شروان وفتح تابوته وفتَّشه وجد صورته وهي بمائها ما بليت والثياب بجدَّتها ما تغيَّرت ولا خلقت والخاتم في يده ياقوت أحمر كثير الثمن ما رأى المأمون قبله فصّاً مثله وكان على فصِّهِ مكتوب به مه نه مه به‏.‏


ومعنى ذلك الأجود أكبر وليس الأجود أكبر فأمر أن يُغطّى بثوب نسج من الذهب وكان مع المأمون خادم فأخذ الخاتم من أصبع كسرى ولم يشعر المأمون فلمَّا علم به أعاده وأمر بإهلاك الخادم وقال كاد يفضحني بحيث يُقال عني إلى يوم القيامة إن المأمون كان نبَّاشاً وأنه فتح تُربة كسرى وأخذ خاتمه من أصبعه‏.‏


حكاية:

سأل الإسكندر يوماً حليماً من حكمائه وكان قد عزم على سفر فقال أوضحوا لي من الحكمة سبيلاً أحكم فيه أشغالى وأتقن فيه أعمالي‏.‏


فقال كبير الحكماء أيها الملك لا تدخل قلبك حب شيء ولا بغضه لأن القلب خاصته كاسمه وإنما سُميَ قلباً لتقلبه وأعمل الفكر واتخذه وزيراً واجعل العقل صاحباً ومشيراً واجهد أن تكون متيقظاً ولا تشرع في عمل أمر بغير مشورة وتجنَّب الميل والمحاباة في وقت العدل والإنصاف فإذا فعلت ذلك جرت الأشياء على آثارك وتصرفت فيها باختيارك وينبغي أن يكون الملك وقوراً حليماً وإن لا يكون طائشاً عجولاً‏.‏


قالت الحكماء ثلاثة أشياء قبيحة وهي في ثلاثة أقبح‏:‏ الحدة في الملوك والحرص في العلماء والبُخل في الأغنياء‏.‏


حكاية:

كتب الوزير يونان إلى الملك العادل أنو شروان وصايا ومواعظ فقال ينبغي يا ملك العالم أن يكون معك أربعة أشياء دائمة‏:‏ العقل والعدل والصبر والحياء وينبغي يا ملك الزمان أن تنفي عنك الحسد والكبر وضيق الصدر ويريد به البخل والعداوة واعلم يا ملك الزمان أن الذين كانوا قبلك من الملوك مضوا والذين يأتون من بعدك لم يصلوا فاجتهد أن يكون جميع ملوك الزمان محييك ومشتاقيك‏.‏


حكاية:

يُقال أن أنو شروان ركب يوماً من أيام الربيع على سبيل الفُرجة فجعل يسير في الرياض المخضرة ويشاهد الأشجار المثمرة وينظر إلى الكروم العامرة فنزل عن فرسه وسجد شكراً لربه وخر ساجداً ووضع خده على التراب زماناً طويلاً فلمَّا رفع رأسه قال لأصحابه إن خصب السنين من عدل السلاطين وحُسن نيتهم إلى رعيتهم‏.‏


فالمنة لله تعالى الذي أظهر حسن نيتنا في سائر الأشياء وإنما قال ذلك لأنه جربه في الأوقات‏.‏


حكاية:

يُقال أن أنو شروان الملك العادل خرج يوماً إلى الصيد فانفرد من عسكره خلف الصيد فرأى ضيعة بالقرب منه وكان قد عطش فقصد الضيعة وأتى باب دار قوم وطلب ماء ليشرب فخرجت صبية فأبصرته ثم عادت إلى البيت فدقّت قصبة واحدة من قصب السكر ومزجت ما عصرته منها بالماء ووضعته في القدح فرأى فيه تراباً وقذىً فشرب منه قليلاً قليلاً حتى انتهى لآخره وقال للصبية: ‏(‏سادناس‏)‏ أي نِعْمَ الماء لولا قذىً كَدَّرَهُ فقالت ‏(‏يا شرهيك‏)‏ أنا عمداً ألقيت فيه القذى فقال ولِمَ فعلتِ ذاك فقالت رأيتك شديد العطش ولو لم يكن فيه القذى لشربته نوبة واحدة وقد يضرك شُربه فتعجَّب أنو شروان من كلامها وعلم أنها قالته عن ذكاء وفطنة‏.‏


ثم قال لها من كم عصرت ذلك الماء فقالت من قصبة واحدة فتعجَّب أنو شروان وأضمر في نفسه أنه إذا عاد يأمر بزيادة الخراج على تلك الناحية‏.‏


ثم عاد إلى تلك الناحية بعد وقت آخر واجتاز على ذلك الباب منفرداً وطلب ماء فخرجت إليه تلك الصبية بعينها فعرفته ثم عادت لتخرج الماء فأبطأت عليه فاستعجلها أنو شروان وقال لأي شيء أبطأت قالت لأنه لم يخرج من قصبة واحدة قدر حاجتك وقد دققتُ ثلاث قصبات ولم يخرج منها قدر ما كان يخرج من قصبة واحدة فقال أنو شروان وما سبب ذلك العجز فقالت سببه تغيُّر نِيَّةُ السلطان فقد قيل أنه إذا تغيَّرت نِيَّة السلطان على قوم طارت بركتهم وقلّت خيراتهم فضحك أنو شروان وعجب من قول الصبية وأزال من نفسه ما كان أضمره لهم وتزوج الصبية لحسن ذكائها وفصاحة كلامها‏.‏


حكمة:

يُقال أن الصادقين من الناس ثلاثة الأنبياء والملوك والمجانين وقيل السكر جنون وإن المجنون يخاف من السكران لأن المجنون سكره باطن والسكران جنونه ظاهر والويل لمن يبقى في سكر الغفلة دائماً كما قال الشاعر‏:‏

مَنْ أسكرَتُه الخمرُ في عقلِه ليس عليهِ إن صحاَ من خجلِ

ومَنْ يكُن بالمُلكِ ذا سكرة يصح إذا ما الملكُ عنه انتقلَ


والقليل جداً من كان من سكر سلطنته صاحياً وكان المقدم على أعماله ثقة نصوحاً معيناً‏.‏


وعلامة سكر السلطان أن يسلم وزارته إلى محتاج ومعوز ثم يستديمه ويتمسك به إلى أن تزول حاجته وتنقضي فاقته ثم يعزله وينصب غيره فيكون مثله مثل مَنْ يُرَبِّي طفلاً صغيراً إلى أن قيل أربعة أشياء على الملوك من جملة الفرائض وهي إبعاد الأدنياء عن مملكتهم وعمارة المملكة بتقريب العقلاء وحفظ المشايخ وأُولى الحكمة والتجربة والزيادة في أمر الملك بالإقلال من الأعمال المذمومة‏.‏


إشارة لطيفة:

لَمَّا تولى الأمر عمر بن عبد العزيز كتب إلى الحسن البصري أن أعني بأصحابك فكتب إليه الحسن البصري أمَّا طالب الدنيا فلا ينصح لك وأمَّا طالب الآخرة فلا يرغب فيك ولا يجوز للسلطان أن يسلم وزارته ولا عملاً من أعماله إلى من ليس بأهل فإن سلم الأعمال إلى ذلك الرجل فقد أفسد ملكه وظهر له الخلل الوافر من كل وجه ومن كل جانب كما قال الشاعر‏:‏

البيتُ إذا ما حانَ خَرَابه ظهَر التخلخُلُ مِن أساسِ الحائطِ

وإذا تولىَ المُلكُ غير رِجالهُ ولُوا الأمورَ لكُلِ فدم ساقطِ



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الأول أصول الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أصول الإيمان   الباب الأول أصول الإيمان Emptyالثلاثاء 03 يناير 2023, 7:48 am


وينبغي لمن خدم الملوك أن يكون كما قال الشاعر‏:‏

إذا خدمَت الملوكَ فالبس مِن التوقِي اعزَ ملبس

وأدخُل إذا ما دخلَت أعمى واخرُج إذا ما خرجَت أخرسَ


وأمَّا مَنْ تبسَّط مع السلطان فقد ظلم نفسه ولو كان ولد السلطان فليس للانبساط معهم في خدمتهم وجه كقول الشاعر‏:‏

ومثل مَنْ تبسَّط مع السلطان كمثل الحواء الذي يكون دهره مع الحيات يأكل معها وينام معها أو كرجل في البحر بين التماسيح التي تبلع الناس فلا يزال مخاطراً‏.‏


حكمة:

قيل ويل لمن ابتلى بصحبة السلاطين فإنهم ليس لهم صديق ولا قرابة ولا خادم ولا ولد ولا احترام إلا مَنْ كانوا محتاجين إليه لعلمه أو لشجاعته فإذا أخذوا حاجتهم منه لم يبق لهم عنده مودة ولم يبق له عندهم وفاء ولا حياء وأكثر أشغالهم رياء يستصغرون كبار ذنوبهم وسيتعظمون صغار ذنوب غيرهم‏.‏


قال سفيان لا تصحب السلطان وإيَّاك وخدمته لأنك إن كنت له مطيعاً أتعبك وإن خالفته قتلك وأعطيك‏.‏


حكاية:

يُقال أن يزدجر بن شهريار دخل على والده في وقت لم يكن لأحد إذن في الدخول فقال شهريار لبهرام امض واضرب الحاجب الفلاني ثلاثين خشبة واطرده عن الدركاه وأقم عوضه فلانا الحر‏.‏


وكان عمر يزدجرد يومئذ ثلاث عشرة سنة فعزل ذلك الحاجب الأول عن الباب فعاد يزدجرد في بعض الأيام وأراد أن يدخل على والده شهريار فجعل الحاجب يده في صدره ورده على عقبه وقال إن عدت ورأيتك هاهنا ضربتك ستين خشبة ثلاثين لأجل الحاجب المعزول وثلاثين لئلا تعود تدخل على الملك في غير وقت الإذن وإن كنت ولده لئلا تجلب إليَّ الضرب والهوان والطرد‏.‏


وأصلح الأشياء للملك أن لا يباشر الأسباب بنفسه ويحفظ ناموسه لأن كثيراً من الأرواح يتعلق بروحه وصلاح الرعية في حياته‏.‏


وكذا ينبغي أن لا يجور على نفسه ولا يجور على الناس‏.‏


ولا ينبغي للملك أن يجازف في الأشغال ولا يتساهل فيها‏.‏


ويجب عليه أن يُنِيمَ على فراشه كل ليلة غيره ويتحول بنفسه عن ذلك الموضع حتى إذا قصده عدو لإتلاف نفسه وجد في مكانه غيره فلا تصل يد عدوه إليه كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية:

يُقال أنه انهزم خسرو بن ابرويز من بهرام جور وقال هربت وإن كان هربي عيباً لأخلص بهربي أرواح جماعة من أصحابي لأني إن هلكت بسببي ألوف من الخلائق‏.‏


والمقصود من المقال أن زماننا هذا غير موافق والناس فيه بين قبيح الفعل وعاقل الملوك مشغولون بالدنيا وحب المال ولا يجوز الإهمال والتغافل بين أناس السوء‏.‏


في أمثال العرب: ‏(‏العبد يُقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة‏)‏، وهذا المثل يُضرب في مَنْ له أصل ومَنْ لا أصل له وقد كان للناس وقت وزمان يؤمن فيه رجل واحد جميع أهل الدنيا ويسخرهم بدرة كان يحملها على عاتقه وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه والفضل في ذلك الزمان للوقت والرعية مشغولون ولو عوملوا بتلك المعاملة لم يحتملوا ولبدا فيها الفساد‏.‏


لكن ينبغي للسلطان في هذا الوقت أن يكون له أتم سياسة وهيبة ليشتغل كل إنسان بشغله ويأمن الناس بعضهم من بعض‏.‏


ونحن الآن نورد خبراً يستفيد به القارىء والسامع‏:‏ سئل أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه لأي شيء لا تنفع الموعظة هؤلاء الخلق فقال الخبر المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوصى عند وفاته أشار بأصابعه الثلاث وقال لا تسألوني عن حال أولئك فقال قوم من الصحابة أشار إلى ثلاثة أشهر وقال قوم إلى ثلاث سنين وقال قوم إلى ثلاثين سنة وقال قوم ثلاثمائة سنة يعني إذا مضت ثلاثمائة سنة فلا تسألوني عن حال أولئك الرجال فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوني عن حال أولئك فكيف ينفع الوعظ فيهم‏.‏


وسُئِلَ عن هذا السؤال فقال كان الناس في ذلك الوقت نياماً وكان العلماء أيقاظاً واليوم العلماء نيام والخلق موتى فأي نفع لكلام النائم مع الميت‏.‏


أمَّا زماننا هذا فهو الزمان الذي هلك فيه الخلائق جميعهم وقد خبثت أعمال الناس ونيَّاتهم وإذا لم يكن فيه للسلطان سياسة على الخلائق لا هيبة لم يثبتوا على الطاعة والصلاح‏.‏


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم العدل من الدين وفيه صلاح السلطان وقوة الخاص والعام وفيه يكون خير الرعية وأمنهم وعافيتهم وكل الأعمال توزن بميزان العدل‏.‏


وقال عز وجل في موضع آخر‏:‏ ‏{‏الذي أنزلَ الكِتَابَ بِالحقِ والمِيزانِ}‏ وأحق الناس بالجاه والمملكة من كان في قلبه مكان للعدل وبيته مقر ذوي الدين والفضل ورأيه من أرباب الدين والعقل وصحبته مع العقلاء ومشورته يدُه خِزَانة جُودِه والقلبُ خازنُ قصدهِ قد رتبًت أبوابهَ أبداً لطلبِ عدلهِ.


قال الحسن البصرى كل ملك عَظَّمَ أمر الدِّين كان عند رعيته مهيباً عظيم القدر والأمر ومَنْ عَرَفَ الله تعالى تعرَّف الخلق به واختاروا أن يكونوا معارفه كما قال الشاعر‏:‏

من عرفَ اللَهُ تعالىَ اسمه ** آثرَ كُلُ الخلق عرفاتَه

طُوبي لمن أول ما حازهُ ** معرفة الخالق سُبحانه


قال بزر جمهر ينبغي للملك أن لا يكون في مملكته أقل من البستاني في حفظ بستانه إذا زرع الريحان ونبت بينه الحشيش إستعجل في قلع الحشيش كيلاً يضبط أماكن الريحان‏.‏


قال أفلاطون علامة السلطان المظفر على العدو أن يكون قوياً في نفسه لازماً لصمته مفكراً في رأيه وتدبيره بقلبه وان يكون عاقلاً في ملكه شريفاً في نفسه حلواً في قلوب الرعية رفيقاً في سائر أعماله مجرباً لعهد من تقدمه خبيراً بأعمال من هو أقدم منه صلباً في دينه وعزمه‏.‏


وكل ملك تجمَّعت فيه هذه الخلال وحصلت له هذه الخصال كان في عين عدوه مهيباً ولا يجد العائب له معيباً إذا كان الملك يرى أن حوله وقوته بالله جلت قدرته وإن كان عدوه قوياً فإنه يظفر به وينتصر عليه مثاله قول الله عز وجل ‏{‏كم مِن فئةٍ قليلةِ غلبًت فئةً كثيرة بإذنِ اللهِ} والُله مع نكتة‏:‏ قال سقراط الحكيم علامة السلطان الذي يدوم ملكه أن يكون الدين والعقل منه حيين في قلبه ليكون في قلوب الرعية محبوباً وأن يكون العقل قريباً وأن يكون طالباً للعلم ليعلم من العلماء وأن يكون فضله غزيراً وبيته كبيراً ليعظم عند الفضلاء ويربي الأدباء ليتفرع عنه الأدباء وأن يبعد عن مملكته متطلبي العيوب لتبعد عنه العيوب‏.‏


وكل ملك لم يكن له مثل هذه الخصال لا يفرح بمملكته وتسرع إليه دواعي هلكته ويتلف أقرباؤه على يده وجلساؤه لأن القيل يظهر من عدم العقل كما قال الشاعر‏:‏

يقولُ الحكيمُ المقالَ الأسدَ دع المُزح إذ لستُ فيهِ أسدِ

تحفظُ بنفسِك مع مُفلتِيك فعينك للملكِ تجني الحردِ

وخف أن تنازعَه مُلكهُ وفي حالةِ السخطِ عنه ابتعدِ

سمِعًتُ عن الخمرِ أن المليكَ يسكرُ مِنها قُبيل الأمدِ


إشارة وحكمة:

سأل معاوية الأحنف بن قيس فقال يا أبا يحيى كيف الزمان؟ فقال الزمان أنت إن صلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان‏.‏


وقال الأحنف بن قيس أن الدنيا عمرت بالعدل فكذلك تخرب بالجور لأن العدل يصفو نوره وتلوح تباشيره من مسيرة ألف فرسخ والجور يتراكم ظلامه ويسود قتامه من مسيرة ألف فرسخ‏.‏


وقال الفضيل بن عياض لو كان دعائي مستجاباً لم أدع به لغير السلطان العادل لأن السلطان العادل صلاح العباد وزينة البلاد وقد جاء في الخبر عن سيد البشر صلوات الله وسلامه ‏‏عليه: (المقسطون على منابر اللؤلؤ يوم القيامة‏)‏‏.‏


حكاية:

كان الإسكندر يوماً على تخت مملكته وقد وقع الحجاب فقدم بين يديه لص فأمر فقال أيها الملك سرقت ولم يكن لي شهوة السرقة ولم يطلبها قلبي فقال له الإسكندر لا جرم تصلب ولا يطلب قلبك الصلب ولا يريده فواجب على السلطان أن يعدل وينظر غاية النظر فيما يأمر به من السياسة لينفذ ذلك في أصحابه مثل وزيره وحاجبه ونائبه وعامله لأن كثيراً من سياسة السلطان وعدله ونظره وحسن تأمله يغطي عليه بالبراطيل ويغرب وقته وذلك من تغافل الملك وتهاونه فينبغي أن يجتهد غاية الاجتهاد في تدارك ذلك كما جاء في الحاية‏.‏


حكاية:

كان للملك كستاشب وزير اسمه راشت روش وبهذا الاسم كان يظن كستاشب أنه تقي صالح وما كان يسمع فيه كلام أحد يقدح فيه ولم يكن يخبر حاله فقال راشت روش لخليفة الملك أن الرعية قد بطرت الآن من كثرة عدلنا فيهم وقلة تأديبنا لهم وقد قيل إذا عدل السلطان جارت الرعية والآن قد قامت منهم رائحة الفساد ويجب علينا أن نؤدبهم ونزجرهم ونبعد المعتدين ونقرب الصالحين ثم إنه كان كل من ألزمه الخليفة أن يؤدبه ارتشى منه راشت روش وأطلقه إلى أن ضعفت الرعية وضاقت بها الأحوال وخلت الخزائن من الأموال فظهر لكستاشب عدو فاعتبر خزائنه فلم يجد فيها شيئاً يصلح به أمور عسكره فركب يوماً في شغل عليه وسار في البرية فرأى من بعد قطيع غنم فقصده فرأى خيمة مضروبة والأغنام نيام ورأى كلباً مصلوباً فلمَّا قرب من الخيمة خرج إليه شاب فسلّم عليه وسأله النزول فأكرمه وقدَّم بين يديه ما حضر كما وجب فقال كستاشب اخبرنا عن حال هذا الكلب وصلبه قال يا مولانا كان هذا الكلب أميناً لي على أغنامي فصادف ذئبة فكان ينام معها ويقوم معها والذئبة كل يوم تأتي من الغنم رأساً بعد رأس فجاء في بعض الأيام صاحب الموضع وطلب مني حق المرعى فقعدتُ اتفكّر واحسب حساب الغنم وهي تنقص في الحساب ورأيت ذئباً أخذ شاة والكلب ساكت مكانه فعلمتُ أنه كان سبب تلف الغنم وانه كان يخون أمانته فلزمته وصلبته فاعتبر كستاشب جعل يتفكّر في نفسه وقال رعيتنا أغنامنا فيجب أن نسأل نحن أيضاً عنها لنصل إلى حقيقة أمرها فرجع إلى دراه فجعل ينظر في الوزمجات فإذا جميعها شفاعات راشت روش فضرب مثلاً وقال من اغتر بالاسم من ذوي الفساد بقي بغير زاد ومن خان في الزاد بقي بلا روح ثم أمر بصلب الوزير وهذه الحكاية مكتوبة في كتاب بادركارنامه وفيها يقول الشاعر‏:‏

وما أنا بالمُغترِ باسمكِ إنما تسمّيتُ كي تحَتال في طلبِ الرزقِ


حكاية‏:‏

يُقال أنه كان لعمرو بن ليث نسيب يُعرف بأبي جعفر بن زيدويه وكان عمرو به حفياً ومن جملة محبته له أنه كان يصله من هراة في كل سنة مائة جمل حمر الوبر على كل جمل حمل من الحوائج فأنفذ عمرو من كل حاجة حملاً إلى دار أبي جعفر بن زيدويه وقال ليوسع عليه في مطبخه فقيل لعمرو بن ليث أن أبا جعفر قد بطح غلاماً له وقد ضربه عشرين خشبة فأمر أن يحضر ثم أمر بكل سيف في خزائنه فقال يا أبا جعفر اختر من هذه السيوف أجودها واعزله ناحية فجعل أبو جعفر يتخيَّر وينتقي إلى أن أفرد منها مائة سيف فقال اختر الآن منها سيفين فاختار أبوجعفر منها سيفين أجودها فقال عمرو ارسم الآن أن يجعلا في قراب واحد فقال أبو جعفر أيها الأمير كيف يمكن أن يكون سيفان في قراب واحد فقال عمرو بن ليث فكيف يمكن أن يكون أميران في بلد واحد فعلم أبو جعفر أنه أخطأ فقبَّل الأرض والتمس العفو والإقالة فقال عمرو بن ليث لولا حق القرابة ما جئت بيتك فخل عن هذا الأمر لنا فقد عفونا هذه النوبة عنك‏.‏


حكمة:

قال ازدشير إذا كان الملك عاجزاً عن اصلاح خواصه ومنعهم عن الظلم فكيف يقدر على رد العوام الى الصلاح قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}،‏ فالعرب تقول أنه ليس شيء أضيع للمُلك وأفسد للرعية من تعذر الإذن في الدخول وتكاثر الحجاب وصعوبة الحجاب‏.‏


وإذا كان الملك سهل الحجاب لم يكن للعمال أن يجوروا على الرعايا وخافت الرعية من جور بعضهم على بعض ومن سهولة الحجاب يكون للملك على الرعية من جور بعضهم على بعض ومن سهولة الحجاب يكون للملك على سائر العمال اطلاع‏.‏


لا يجوز للسلطان أن يكون غافلاً لتكون الهيبة من ناموس المملكة باقية ويستريح من الهموم الحادثة عن الغفلة‏.‏


حكاية:

يُقال أن ازدشير كان متيقظاً ذا فطنة بالأمور بحيث إذا جاءه ندماؤه من الغد حدث كل واحد منهم بما صنعه وكان يقول لأحدهم انك البارحة فعلت الشيء الفلاني ونمت مع زوجتك ومع جاريتك الفلانية ويظنون أن ملكاً من السماء يأتي ويعرفه بأفعالهم وكذلك كان السلطان محمود بن سبكتكين رحمه الله‏.‏


حكمة:

قال أرسطاطاليس خير الملوك من كان في حدة نظره على مثال العقاب وكان الذين حوله كعقبان لا كالجيف يعني إذا كان السلطان جيد النظر ذا يقظة بالأمور ذا فكرة في العاقبة وكان المقربون منه وخواص دولته بهذه الصفة انتظمت أحوال مملكته واستقامت أمور أهل ولايته‏.‏


حكمة:

قال الإسكندر خير المُلوك مَنْ بَدَّلَ السنة السيئة بالسنة الحسنة وشر المُلوك من بَدَّلَ السنة الحسنة بالسنة السيئة‏.‏


حكمة:

قال أبرويز ثلاثة لا يجوز للملك التجاوز عنهم ولا يصفح عن ذنوبهم‏:‏ مَنْ قدح في مُلكه أو أفسد حرمه أو أفشى سره‏.‏


قال سفيان الثوري خير المُلوك من جالس أهل العلم ويُقال أن جميع الأشياء تتجمَّل بالناس يتجملون بالعلم وتعلو أقدراهم بالعقل وليس شيء خيراً من العقل والعلم فإن العلم بقاء العز ودوامه والعقل بقاء السرور ونظامه‏.‏


ومن اجتمع العلم والعقل فيه فقد اجتمعت فيه اثنتا عشرة خصلة‏:‏ العفة والأدب والتقى والأمانة والصحة والحياء والرحمة وحسن الخلق والوفاء والصبر والحلم والمدارة في مكانها وهذه من خواص آداب الملك‏.‏


وينبغي أن يكون مع العقل العلم كما أن مع النعمة الشكر ومع الصباحة الحلاوة ومع الاجتهاد الدولة فإذا جاءت الدولة حصل المراد جميعه‏.‏


حكاية:

قال عبد الله بن ظاهر أن يعقوب بن ليث علا أمره وارتفع قدره وظهر اسمه وذكره وملك كرمان وفارس وخورستان وقصر الواق وكان الخليفة في ذلك الزمان المعتمد فكتب إليه المعتمد انك كنت رجلاً صفاراً فمن أين تعلمت تدبير المُلك فكتب إليه يعقوب جواباً وقال إن المولى الذي آتاني الدولة آتاني التدبير‏.‏


وفي عهد ازدشير مكتوب: كل عزيز لا يضع قدمه على بساط العلم كانت عاقبته ذلاً.


حكمة‏:‏

قال عبد الله بن طاهر يوماً لأبيه كم تبقى هذه الدولة فينا وتبقى في بيتنا قال مادام بساط العدل والإنصاف مبسوطاً في هذه الإيوان‏.‏


حكمة:

كان المأمون قد جلس في بعض الأيام لفصل الدعاوى والأحكام فرُفعت إليه فسلّم القصة إلى وزيره الفضل بن سهل وقال اقض قصته ارفع هذه القصة في هذه الساعة فإن الفلك في سرعة دروانه قل أن يثبت على حاله‏.‏


قال مؤلف الكتاب يجب على الملوك العقلاء والافاضل الألباء أن ينظروا في هذه الأخبار ليأخذوا نصيباً من أيام دولتهم وينصفوا المظلومين ويقضوا حوائج السائلين ويتيقنوا أن هذا الفلك لا يثبت على دور واحد لأنه لا اعتماد على الدولة وإن القضاء سماوي لا يرد بالعساكر وكثرة الأموال والذخائر وإذا انحلت الدولة وتلاشت الأموال وتفانت الرجال فلا ينفع الندم إذا زلت القدم كما جاء في الحكاية‏.‏


حكاية:

أن مروان آخر خلفاء بني أمية عرض العسكر فكان ثلاثمائة ألف رجل بالعدد الكاملة فقال وزيره إن هذا لمن أعظم الجيوش فقال له مروان اسكت فإنه إذا انقضت المدة لم تنفع العدة وإذا نزل القضاء السماوي وإن كان العسكر عظيماً كثيراً بان قليلاً حقيراً ولو ملكنا الدنيا بأسرها فلا بد أن تنزع منا ولمن وفت الدنيا حتى تفي لنا‏.‏


حكمة:

قال أبو الحسن الاهوازي في كتاب الفرائد والقلائد: الدنيا لا تصفو لشارب ولا تبقى لصاحب فخذ زاداً من يومك لغدك فلا يبقى يوم عليك ولا غد‏.‏


ويُقال أنه كان على قبر يعقوب بن ليث مكتوباً هذه الأبيات عملها قبل موته وأمر أن تُكتب على قبره وهي هذه‏:‏

سَلامُ عَلىَ أهلِ القُبُورِ الدوارِس كأنُهم لم يجلِسُوا فِي المجَالِسِ

ولم يشَربُوا مِن بارِدِ الماءِ شربة ولم يأكلُوا ما بين رطبٍ ويابِسِ

فقد جاءنِي الموتُ المهولُ بِسكرةٍ فلم تَغن عنِي ألف آلافِ فارِسِ

فياَ زائرُ القبرِ اتعظ واعتبر بِنا ولا تك فِي الدُنيا هُدِيتَ بآنسِ

خُرَاسان نحويها وأطرافُ فارسِ وما كُنتَ عن مُلكِ العِراقِ بآيسِ

سَلامُ علىَ الدُنيا وطِيبِ نعِيمٍها كأن لم يكُن يعقُوبُ فِيها بِجالسِ


سؤال وجواب‏:‏

سُئِلَ مَلِكٌ كان قد زال عنه المُلكُ فقيل لأي سبب انتقلت الدولة عنك وسُلّمَتْ إلى غيرك وسُلِبَتْ منك فقال لاغتراري بالدولة والقوة ورضاي برأيي وعلمي وغفلتي عن المشورة وتوليتي لأصاغر العمال على أكابر الأعمال وتضييعي الحيلة في وقتها وقلة تفكري في الحيلة وإعمالها وقت الحاجة إليها والتباطؤ والوقفة في مكان العجلة والفرصة والاشتغال عن قضاء الحوائج‏.‏


وقيل أي الاشرار أكثر شراً فقال الرسل الخونة الذين يخونون في الرسالة لاجل اطماعهم فكل خراب المملكة منهم كما قال ازدشير في حقهم كم سفكوا من الدماء وكم هزموا من الجيوش وكم هتكوا من أستار ذوي الحُرُمَات الأحرار وكم من يمين كذبوها بخيانتهم وكم من عهود نقضوها بقلة أمانتهم وكم اجتاحوا من الأموال وكان ملوك العجم يتحرزون وما كانوا ينفذون رسولاً إلا بعد أن يجربوه ويمتحنوه‏.‏


حكمة‏:‏

يُقال أن ملوك العجم كانوا إذا أرسلوا رسولاً إلى الملوك أرسلوا معه جاسوساً ليكتب ما قال وما سمعه فإذا عاد الرسول قابلوا كلامه بالنسخة التي كتبها الجاسوس فإن صح مقاله علموا أنه صادق فكانوا يرسلونه بعد ذلك إلى الأعداء‏.‏


حكاية:

أرسل الإسكندر رسولاً إلى الملك دارا فلمَّا عاد الرسول وأعاد الجواب شَكَّ الإسكندر في كلمة من كلامه فلزمها عليه فقال الرسول يا مولاي أنا سمعت هذه الكلمة منه بأذني هاتين فأمر الإسكندر أن يكتب ذلك اللفظ بعينه وأنفذه على يد رسول آخر إلى دارا بن دارا فلمَّا وصل وعرض المكتوب عليه قرأه وطلب سكيناً وقطع تلك الكلمة من الكتاب وأعاده إلى الاسكندر وكتب إليه أن أسّ المُلك على حسن نِيَّة المَلك وصحة طبعه وأساس صحة السلطان على صحة لفظ السفراء وصدق مقالة الرسل الأمناء لأن الرسول يقول ما قاله عن لسان الملك ويسمع ما يسمعه من الجواب بسمع الملك والآن فقد قلعت تلك الكلمة من الكتاب لأنها لم تكن من كلامي ولم أجد سبيلاً إلى قطع لسان رسولك فلمَّا عاد الرسول وأعاد الجواب إلى الإسكندر استدعى الرسول وصاح عليه وقال له ويلك من وضعك وقال إنه قصَّر في حقي وأسخطني فقال الإسكندر سبحان الله ظننت أنَّا أرسلناك لتصلح أمورك أو تسعى في حقوق الناس إلينا ثم أمر به فسل لسانه من قفاه‏.‏


فصل:

يجب على السلطان أنه متى وقعت رعيته في ضائقة أو حصلوا في شدة وفاقة أن يُعينهم لا سيما في أوقات القحط وغلاء الأسعار حيث يحجزون عن التعيُّش ولا يقدرون على الاكتساب فينبغي حينئذ للسلطان أن يُعينهم بالطعام ويساعدهم من خزائنه بالمال ولا يمكن أحداً من حشمه وخدعه وأتباعه أن يجور على رعيته لئلا يضعف الناس وينتقلوا إلى غير ولايته ويتحولوا إلى سوى مملكته فينكسر إرتفاع السلطان ويقل حاصل اليوان وتعود المنفعة على ذوي الاحتكار الذين يسرون بغلاء الأسعار ويقبح ذكر الملك ويدعى عليه ولاجل هذا كان الملوك المتقدون يحذرون من هذا غاية الحذر ويراعون الرعايا من خزائنهم ويساعدونهم من ذخائرهم ودفائنهم‏.‏


حكاية:

يُقال أنه كان رسم ملوك العجم أن يأذنوا لرعاياهم في الدخول إليهم في أيام النوروز والمهرجان وكان المنادي ينادي قبل ذلك بثلاثة أيام أن استعدوا لليوم الفلاني ليأخذ كل من الناس أهبته ويُصلح أمره ويكشف قصته ويتيقن حُجَّتَهُ ومَنْ كان له خصم يعلم أنه يتألم منه عند الملك طلب رضاه فإذا كان ذلك اليوم وقف المنادي على باب الملك ونادى أن منه إنسان إنساناً من الدخول على الملك كان الملك بريئاً من دمه ثم كانت تؤخذ القصص من الناس وتوضع بين يدي الملك وكان ينظر في كل واحدة منها على الانفراد وموبذان قاعد عن يمينه وموبذان بلسانهم قاضي القضاة وإن كان في القصص قصة يتألم فيها من الملك قام الملك من مقامه وبرك بين يدي موبذان مقابل خصمه وقال أنصف أولاً هذا الرجل مني ولا تخلد إلى الميل والمحاباة ولا تخترني عن نفسك لأن الله إذا أهدى الحظوظ إلى عباده اختار لهم وولى عليهم خير خلقه وإذا أراد أن يرى عباده أي قدر لذلك الخليفة عنده اطلق على لسانه ما لم يطلق على لسانك ثم كان ينظر الموبذان فإن كان بين الملك وخصمه دعوى صحيحة وقامت البينة على الملك أخذ الحق منه بتمامه وكماله وإن لم يكن بين الملك وخصمه دعوى صحيحة وكانت دعواه باطلة لا يثبت على صحتها حجة أمر بعقوبة ونادى عليه هذا جزاء من يريد عيب الملك والمملكة وكان الملك إذا فرغ من الدعاوي واستوى على سرير مُلكه وضع التاج على مفرقه وأقبل على جماعته وخاصته وقال إنما انصفت من نفسي لئلا يطمع أحد منكم في الظلم والجور على أحَدٍ فلك من كان له منكم خصم فليرضه وكان يبعد في ذلك اليوم كل من كان قريباً منه ومن كان قوياً ضعف عنده وكانت الملوك على هذا السبيل وعلى هذا المذهب إلى أيام يزدجرد الأثيم فإنه غيَّر قواعد بني ساسان وظلم الخلق وافسد حتى جاء في بعض الأيام فرسه في غاية الجودة والكمال بحيث أنه لم ير أحد في ذلك الزمان مثله في حُسن خلقته وجمال هيئته فدخل من باب الدار واجتهد جميع مَنْ في عسكره أن يلزموه فامتنع منهم ولم يقدروا على إمساكه حتى وصل قريباً من يزدجرد فوقف إلى جانب الإيوان ساكناً فقال يزدجرد تنحوا عن هذا الفرس فلا يقربه أحَدٌ منكم فإنه هدية من الله تعالى خاصة لي فنهض من مكانه وجعل يمسح وجهه قليلاً ثم أمر يده على ظهر الفرس والفرس ساكن لا يتحرك فاستدعى يزدجرد السرج فأسرجه بيده وجذب حزامه وأوثقه وانحرف نحو كفله ليضع التفر فيه فرفسه الفرس على فؤاده رفسة مُحكمة فخر ميتاً في الحال وخرج الفرس ولم يعلم أحد من أين جاء ولا إلى أين ذهب فقال الناس كان هذا الفرس ملكاً أرسله الله تعالى ليُهلكه ويُخلصُنا من جوره وظلمه‏.‏


حكاية:

قال القاضي أبو يوسف حضر عندي في مجلس حُكمي يحي ابن خالد البرمكي مع خصم له مجوسي فادَّعي المجوسي عليه فطلب منه الشاهد فقال مالي شاهد فحلّفه فحلف يحي بن خالد وأرضيت خصمه بأحلافه وساويت في الحكم بين يحيى وبين المجوسي لعزة الإسلام وما ملت قط مع أحَدٍ ولا حابيت أحداً خوفاً أن يسألني الله تعالى عن ذلك بل يجب أن يعرفوا قدر الزعماء والأكابر وينبغي أن لا يظلموا أصاغرهم وإن يعظموا أمر الحق ويطيعوا أمر السلطان ولا يعصوه في حال ليكونوا قد عملوا بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أطيِعُوُا الَلهَ وأطيعُوُا الرَسولَ وأولِي الأمرِ مِنكُم‏}‏ ومن يجعل الله له هذه المرتبة الشريفة والدرجة المنيفة ويقرن طاعته بطاعته جل اسمه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب على الخلق أن يطيعوه ويخافوه ويجب على السلطان شكر هذه النعمة والطاعة لربه تعالى وامتثال ما أمره به من العدل والإحسان والرأفة بالمظلومين‏.‏


فقد قيل احذروا من دعاء المظلومين وخافوا من ظلم من لا ينتصر من ظلمه إلا بدمع عينيه فما دون دعاء المظلوم حجاب ودعاؤه مستجاب لا سيما الدعاء في الأسحار والتضرع في هدوء الليالي إلى الجبار كما قال الشاعر‏:‏

فلا تعجلن بالجُورِ ما دُمتَ قادراً فآخره إثمُ وخوفُ عذابِ

تنــامُ ومــا المظلــومُ عنـك بنائمِ ودعوته لا تنثني بحجابِ


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏(‏تأسَّفتُ على موت أربعة من الكفار على أنوشروان لعدله وحاتم الطائي لسخائه وأمرىء القيس لشعره وأبي طالب لبره‏)‏‏.‏



الباب الأول أصول الإيمان 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الأول أصول الإيمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: اســتراحــــة الـمنتـــدى الأدبيــــة :: التبر المسبوك في نصيحة الملوك-
انتقل الى: