قال لي:
فلان سحرني بأخلاقه.. حتى تعلقت به نفسي.. قلت: لم؟! قال: دائماً بشوش.. وما رآني إلا تبسم!!

58.    ابتسم.. ثم ابتسم.. ثم ابتسـ.. ثم أبتـ..
أعرفه منذ سنين.. فهو أحد زملائي في عملي.. على كل حال..
لكن هل تصدق أنني إلى الآن لا أدري هل نبتت له أسنان أم لا!!
دائم التجهم.. والعبوس.. وكأنه إذا ابتسم نقص عمره.. أو قلَّ ماله!!
قال جرير بن عبد الله البجلي: ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسم في وجهي..
الابتسامة أنواع.. ومراتب..
فمنها البشاشة الدائمة.. أن يكون وجهك صبوحاً مبتهجاً دائماً..
فلو كنت مدرساً ودخلت الفصل على طلابك.. فالقهم بوجه بشوش..
ركبت طائرة.. ومشيت في الممر والناس ينظرون إليك.. كن بشوشاً..
دخلت بقالة.. أو محطة وقود.. مددت له الحساب.. ابتسم..
في المجلس.. ودخل شخص وسلم بصوت عال.. ومر بنظره على الجالسين.. ابتسم..
دخلت على مجموعة.. وصافحتهم.. ابتسم..
وعموماً: الابتسامة لها من التأثير الكبير في امتصاص الغضب والشك والتردد.. ما لا يشاركها غيرها..
البطل هو الذي يستطيع التغلب على عواطفه.. والتبسم..
كان أنس بن مالك ? يمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً.. والنبي -صلى الله عليه وسلم- عليه بُرد نجراني غليظ الحاشية..
فلحقهما أعرابي..
أقبل هذا الأعرابي يجري وراء النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يلحق به.. حتى إذا اقترب منه..
جبذه بردائه جبذة شديدة.. فتحرك الرداء بعنف على رقبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ..
قال أنس: حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. قد أثرت بها حاشية البُرد من شدة جبذته..
فماذا يريد هذا الرجل؟! لعل بيته يحترق وأقبل يريد معونة.. أو أحاطت بهم غارة من المشركين..
اسمع ماذا يريد.. قال: يا محمد.. (لاحظ لم يقل: يا رسول الله)..
قال: يا محمد.. مُر لي من مال الله الذي عندك.. فالتفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. ثم ضحك.. ثم أمر له بعطاء..
نعم.. كان -صلى الله عليه وسلم- بطلاً لا تستفزه مثل هذه التصرفات.. ولا يعاقب أو تثور أعصابه على التافهات..
كان واسع البطان.. قوياً يضبط أعصابه.. دائم الابتسامة حتى في أحلك الظروف.. يفكر في عواقب الأمور قبل أن يفعلها..
وماذا يفيد لو أنه صرخ بالرجل أو طرده!
هل سيشفى جرح عنقه! أو يصلح أدب الرجل! كلا..
إذن ليس مثل الصبر والتحمل..
نعم بعض الأمور نثور لها ونغضب.. وعلاجها شيء آخر تماماً..
وصدق -صلى الله عليه وسلم- لما قال: ليس الشديد بالصرعة.. إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب..
كان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-.. يجذب الناس بالتبسم والبشاشة..
خرجو إلى غزوة خيبر.. وفي أثناء القتال..
وقع من حصن اليهود جراب فيه شحم.. قربة كاملة مملوءة سمناً..
حمله عبد الله بن مغفل ? على عاتقه فرحاً ومضى به إلى رحله وأصحابه..
فلقيه الرجل المسئول عن جمع الغنائم وترتيبها.. فجذب الجراب إليه.. وقال:
هاتِ هذا نقسمه بين المسلمين..
فتعلق به عبد الله: لا والله.. لا أعطيكه.. أنا أصبته..
قال: بلى.. وجعلا يتجاذبا الجراب..
فمر بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فرآهما.. وهما يتجاذبان الجراب..
فتبسم -صلى الله عليه وسلم- ضاحكاً.. ثم قال لصاحب المغانم:
لا أبالك.. خل بينه وبينه..
فتركه.. فانطلق به عبد الله إلى رحله وأصحابه.. فأكلوه..
وأخيراً.. تبسمك في وجه أخيك صدقة..