سورة الرحمن -عز وجل-
(1052)
وَوَالْحَبُّ ذُو الرَّيْحاَنِ رَفْعُ ثَلاَثِهاَ بِنَصْبٍ (كَـ)ـفَى وَالنُّونُ بِالْخَفْضِ (شُـ)ـكِّلاَ
ثلاثها بمنزلة كلها في صحة الإضافة وأنث العدد قصدا إلى الكلمات وأطلق الرفع والنصب في الثلاث على حسب ما يليق بكل منها فرفع الحب والريحان بالضمة فيهما ونصبهما بالفتحة فيهما ورفع ذو بالواو ونصبها بالألف، وفي قوله في البقرة ناصبا كلماته بكسر لم يجتز بلفظ النصب حتى يبين أنه بالكسر لتيسر ذلك عليه ثم وتعسره هنا وإلا فالمعهود في عبارته بالنصب إنما هو الفتحة ورفع الثلاثة بالعطف على فاكهة أي فيها فاكهة والحب والريحان وذو صفة للحب ونصبها بفعل مضمر أي وخلق الحب ذا العصف والريحان ورسمت ذا بالألف في المصحف الشامي وخفض حمزة والكسائي النون من الريحان على تقديمه ذو العصف وذو الريحان والريحان الورق الذي يشم والعصف ورق الزرع ولا خلاف في جره لأنه مضاف إليه صريحا وقوله شكل من شكلت الكتاب إذا قيدته بالضبط بما يدل على الحركات مأخوذ من شكال الدابة لأن اللفظ قبل شكله متردد من جهات يتعين بالشكل بعضها
(1053)
وَيَخْرُجُ فَاضْمُمْ وَافْتَحِ الضَّمَّ (إِ)ذْ حَمَى وَفِى الْمُنْشَآتُ الشِّينُ بِالْكَسْرِ (فَـ)ـاحْمِلاَ
يريد - منهما اللؤلؤ - قرأه الجماعة على إسناد الفعل إلى الفاعل وقرأه نافع وأبو عمرو على أنه فعل ما لم يسم فاعله فضما الياء وفتحا الراء - المنشآت - بكسر الشين وفتحها نعت للجوار وهي السفن فقراءة الفتح ظاهرة لأنها أنشئت وأجريت وقيل المرفوعات الشرع وقيل في معنى الكسر إنها تنشيء الموج بجريها أو ترفع الشرع أو تنشيء السير على طريق المجاز نحو مات زيد ومرض فمات يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه وهو في الحقيقة لغيره والفاء في فاحملا زائدة وهي رمز والشين مفعول به أي احمل الشين بالكسر أي انقلها كذلك وأراد احملن بنون التأكيد فأبدلها ألفا كما سبق في نظائر له ثم تمم الرمز فقال
(1054)
(صَـ)ـحِيحاً بِخُلْفٍ نَفْرُغُ الْياءَ (شَـ)ـائِعٌ شُوَاظٌ بِكَسْرِ الضَّمِّ مَكِّيُّهُمْ جَلاَ
أي كسر الشين حمزة وأبو بكر بخلاف عنه وأما - سنفرغ لكم أيها الثقلان - فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر قال أبو علي وليس الفراغ هنا فراغا من شغل ولكن تأويله القصد كما قال جرير، (الآن قد فرغت إلى تميم)، وقال الزمخشري المراد التوفر على النكاية أي لا يكون له شغل سواه ستنقضي شؤن الدنيا فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم والشواظ بكسر الشين وضمها لغتان وهو اللهب وقوله جلا ليس برمز لأنه قد صرح بالقاريء وهو مكيهم فلا رمز معه والله أعلم.
(1055)
وَرَفْعَ نُحَاسٌ جَرَّ (حَقٌّ) وَكَسْرَ مِيمِ يَطْمِثْ فِي الأُولَى ضُمَّ (تُـ)ـهْدى وَتُقْبَلاَ
رفع مفعول جر وحق فاعله ورأيت في بعض النسخ رفع بالضم على الابتداء وجر بالرفع خبره وحق مجرور بالإضافة كلا اللفظين صواب ووجهه ظاهر ووجه رفع نحاس العطف على شواظ وجره عطف على نار أي الشواظ من نار ونحاس وفي النحاس قولان أحدهما أنه الدخان والثاني أنه الصفر المذاب وفي الشواظ أيضا قولان لأهل اللغة قال أبو عبيد هو اللهب لا دخان فيه وقال بعضهم لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا فإن قلنا النحاس بمعنى الدخان والشواظ ما لا دخان فيه ظهرت قراءة الرفع وعلى القول الآخر تظهر قراءة الجر وإن قلنا النحاس هو الصفر المذاب ظهرت أيضا قراءة الرفع واستخرج أبو علي وجها لقراءة الجر على قولنا الشواظ ما لا دخان فيه وهو أن التقدير وشيء من نحاس فيحذف الموصوف وتقام الصفة مقامه ثم حذفت من من قوله ومن نحاس لأن ذكره قد سبق في من نار ويقال طمث البكر يطمثها ويطمثها بفتح الميم في الماضي وبكسرها وبضمها في المضارع إذا دماها بالجماع وعني بالأولى التي بعدها - كأنهن الياقوت - ضم الميم الدوري عن الكسائي وإعراب قوله نهدي وتقبلا سبق في شرح قوله في باب الإمالة أمل تدعي حميدا وتقبلا
(1056)
وَقَالَ بِهِ اللَّيْثِ فِي الثَّانِ وَحْدَهُ شُيُوخٌ وَنَصُّ اللَّيْثِ بِالضَّمِّ الاوَّلاَ
به أي بالضم والثاني هو الذي قبله - حور مقصورات - وإلا ولا نصب بالضم كقوله عن الضرب مسمعا، قال صاحب التيسير أبو عمر عن الكسائي - لم يطمثهن - في الأول بضم الميم وأبو الحارث عنه في الثاني كذلك هذه قراءتي والذي نص عليه أبو الحارث كرواية الدوري وقال في غيره قرأت على فارس ابن أحمد في رواية أبي الحارث كرواية الدوري وقال طاهر بن غلبون إن الضم في الأول للدوري وعكس ذلك لأبي الحارث اختيار من أهل الأداء
(1057)
وَقَوْلُ الْكِسَائِي ضُمَّ أَيُّهُمَا تَشَا وَجِيهٌ وَبَعْضُ الْمُقْرِئِينَ بِهِ تَلا
قال الداني في غير التيسير على أن الكسائي خير فيهما فقال ما أبالي أيهما قرأت بالضم أو الكسر بعد أن لا أجمع بينهما قال أبو عبيد كان الكسائي يروي فيهما الضم والكسر وربما كسر إحداهما وضم الأخرى فقول الكسائي هذا وجيه أي له وجاهة لأن فيه الجمع بين اللغتين وبعض المقرئين به تلا يعني بهذا التخيير كابن أشتة وغيره ممن لم يذكر غير التخيير
(1058)
وَآخِرُهَا يَاذِي الْجَلاَلِ ابْنُ عَامِرٍ بِوَاو وَرَسْمُ الشَّامِ فِيهِ تَمَثَّلاَ
أي يا ذو الجلال آخر السورة قرأها ابن عامر بواو أي جعل مكانها واوا ولزم من ذلك ضم الذال قبلها فلهذا لم ينبه عليه وقصر لفظ يا ضرورة يعني قوله سبحانه - تبارك اسم ربك ذي الجلال - فهو بالياء نعت للرب وبالواو نعت للاسم لأن المراد بالاسم هنا لمسمى لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية وهي المراد تسبيحها وتنزيهها والثناء عليها بقوله - سبح اسم ربك الأعلى - وقد استقصينا بيان ذلك وتحقيقه في آخر كتاب البسملة الأكبر وقوله تمثل أي تشخص الواو في رسم المصحف الشامي وقد أجمعوا على الأول أنه بالواو وهو - ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام -