سورة التوبة
(725)
وَيُكْسَرُ لاَ أَيْمَانَ عِنْدَ ابْنِ عَامِرٍ وَوَحَّدَ (حَقٌّ) مَسْجِدَ اللهِ الاوَّلاَ
أراد (إنهم لا أيمان لهم)، الفتح جمع يمين والكسر بمعنى الإسلام أو بمعنى الأمان أي لا تؤمنهم من القتل وتقدير البيت ويكسر عند ابن عامر - لا إيمان - ولا ينبغي من جهة الأدب أن يقرأ إلا بفتح الهمزة وإن كان كسرها جائزا في التلاوة وذلك لقبح ما يوهمه تعلق - عند - بأيمان - وموضع لا أيمان - رفع أي يكسر همز هذا اللفظ فليته قال وهمزة لا أيمان كسر ابن عامر وقوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله)، وحده ابن كثير وأبو عمرو لأن المراد به المسجد الحرام وليدل على أنه إنما جمع ثانيا باعتبار أن كل مكان منه مسجدا وأريد به جميع المساجد والتوحيد يؤدي معناه كما تقدم في مواضع ومن جمع فلهذا المعنى ولموافقته الثاني - إنما يعمر مساجد الله - فجمعه متفق عليه
(726)
عَشِيرَاتُكُمْ بِالجمْعِ (صِـ)ـدْقٌ وَنَوِّنُوا عُزَيْرٌ (رِ)ضى (نَـ)ـصٍّ وَبِالْكَسْرِ وُكِّلاَ
جمع أبي بكر عشيراتكم كما جمع مكانات وعبر عن قراءته ثم بمد النون وهنا بالجمع لأنه لم يمكنه هنا أن يقول بمد الراء ولو قال بالمد لم يحصل الغرض لأن في عشيرتكم مدين الياء والألف فلو قال بالمد موضع بالجمع لظن أنه الياء فعدل إلى لفظ الجمع وكذا لو كان أطلق لفظ المد في مكانات لم يدر أي الألفين أراد فقيد بقوله مد النون وقد سبق معناه ومن نون عزير فهو عنده اسم عربي فهو منصرف وكسر التنوين لالتقاء الساكنين وهو مبتدأ وابن خبره ومن لم ينون فهو عنده أعجمي فلم يصرفه وهذا اختيار الزمخشري وقيل بل عربي وإنما ابن صفة فحذف التنوين لوقوع ابن بين علمين والخبر محذوف أي معبودنا أو نبينا أو يكون المحذوف هو المبتدأ أي المعبود أو النبي عزير وأنكر عبد القاهر الجرجاني في كتاب دلائل الإعجاز هذا التأويل وقرره أحسن تقرير، وحاصله أن الإنكار ينصرف إلى الخبر فيبقى الوصف كأنه مسلم كما تقول قال فلان زيد بن عمرو قادم وإنما يستعمل مثل هذا إذا لم يقدر خبر معين ويكون المعنى أنهم يلهجون بهذه العبارة كثيرا في محاوراتهم لا يذكرون عزيرا إلا بهذا الوصف وقيل حذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قرأ بعضهم، (أحد الله الصمد)، بحذف التنوين من أحد قال الفراء سمعت كثيرا من الفصحاء يقرءونها ذكر هذين الوجهين أبو علي وقال لأن عزيرا ونحوه ينصرف عجميا كان أو عربيا قال الزجاج ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود وقوله رضى نص أي مرضي نص بمعنى نصه مرضي وهو نعت مصدر محذوف أي نونوه تنوينا مرضيا النص عليه وبالكسر وكل ذلك التنوين أو يكون حالا من فاعل نونوا أي ذوي رضى نص أي راضين بالنص عليه والله أعلم.
(727)
يُضَاهُونَ ضَمَّ الْهَاءِ يَكْسِرُ عَاصِمٌ وَزِدْ هَمْزَةً مَضْمُومَةً عَنهُ وَاعْقِلاَ
أي زد همزة بعد الهاء المكسورة فيكون مضارع ضاهأ على وزن دارأ ومعناه شابه وقراءة الجماعة من دارا على وزن راما وهما لغتان مثل أرجيت وأرجأت، قال الزجاج والأكثر ترك الهمزة والألف في واعقل بدل من نون التأكيد الخفيفة والله أعلم.
(728)
يُضَلُّ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعْ فَتْحِ ضَادِهِ (صِحَابٌ)وَلَمْ يَخْشَوْا هُنَاكَ مُضَلِّلاَ
أراد (يضل به الذين كفروا)، قرأه صحاب على إسناد الفعل للمفعول وأسنده الباقون إلى الفاعل وكلاهما ظاهر وتمم البيت بقوله ولم يخشوا إلى آخره أي لم يخافوا من عائب لقراءتهم
(729)
وَأَنْ تُقْبَلَ التَّذْكِيرُ (شَـ)ـاعَ وِصَالُهُ وَرَحْمَةٌ الْمَرْفُوعُ بِالْخَفْضِ (فَـ)ـاقْبَلاَ
يريد (أن تقبل منهم نفقاتهم)، والتذكير والتأنيث كما سبق في (ولا تقبل منها شفاعة)، وغيره وأما (ورحمة للذين آمنوا منكم)، بالرفع فمعطوف على - أذن خير - أي هو أذن خير وهو رحمة وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير والفاء في فاقبلا زائدة وأرادا قبله بالخفض والألف في آخره كالألف في آخر واعتلا
(730)
وَيَعْفُ بِنُونٍ دُونَ ضَمٍّ وَفَاؤُهُ يُضَمُّ تُعَذَّبْ تَاهُ بِالنُّونِ وُصِّلاَ
(731)
وَفِي ذَالِهِ كَسْرٌ وَطَائِفَةٌ بِنَصْبِ مَرْفُوعِهِ عَنْ عَاصِمٍ كُلُّهُ اعْتَلاَ
أراد إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة)، قرأ عاصم على بناء الفعلين وهما يعف ونعذب للفاعل المتكلم فلزم من ذلك النون في أولهما وفتحها في يعف مع ضم الفاء وكسر ذال نعذب ونصب طائفة بعدها وقراءة الجماعة على بناء الفعلين للمفعول الغائب فلزم من ذلك أن يكون أول يعف ياء مضمومة وفتح الفاء وأول نعذب تاء لأجل تأنيث طائفة فهي أولى من الياء لعدم الفعل ثم فتح الذال ورفع طائفة بعدها لأنها مفعول ما لم يسم فاعله وقوله تاه أي تاؤه فقصر الممدود
(732)
وَحَقٌّ بِضَمِّ السَّوْءِ مَعْ ثَانِ فَتْحِهَا وَتَحْرِيكُ وَرْشٍ قُرْبَةٌ ضَمُّهُ جَلاَ
أراد (عليهم دائرة السوء)، وثاني سورة الفتح وهو (وظننتم ظن السوء)، ولا خلاف في فتح الأول وهو (الظانين بالله ظن السوء) وكذا (ما كان أبوك امرأ سوء) - و - (أمطرت مطر السوء)، والسوء بالضم العذاب كما قيل له سييه والسوء بالفتح المصدر والهاء في فتحها للسور وحذف الياء من ثاني للضرورة وقوله تعالى (ألا إنها قربة لهم)، ضم الراء وإسكانها لغتان وقربة في النظم مفعول التحريك وإنما رفعه حكاية لفظ القرآن وضمه مفعول جلا وجلا خبر التحريك الذي هو المبتدأ
(733)
وَمِنْ تَحْتِهَا المَكِّي يَجُرُّ وَزَادَ مِنْ صَلاَتَكَ وَحِّدْ وَافْتَحِ التَّا (شَـ)ـذًّا (عَـ)ـلاَ
يعني (من تحتها الأنهار)، في الآية التي أولها (والسابقون الأولون)، ثبتت في مصاحف مكة دون غيرها فقرأها ابن كثير وجر تحتها بها وحذفها الباقون فانتصب تحتها على الظرفية فقوله وزاد من أي كلمة من ثم قال صلاتك وحد يعني (إن صلواتك سكن لهم)، التوحيد فيه والجمع سبق نظيرهما والصلاة هنا بمعنى الدعاء فهو مصدر يقع على القليل والكثير وإنما جمع لاختلاف أنواعه فمن وحد فتح التاء لأن الفتح علامة النصب في المفرد ومن جمع كسرها لأن الكسر علامة النصب في جمع المؤنث السالم وشذا حال أي ذا شذا علا
(734)
وَوَحِّدْ لَهُمْ في هُودَ تُرْجِىُّ هَمْزُهُ (صَـ)ـفَا (نَفَـ)ـرٍ مَعْ مُرْجَئُونَ وَقَدْ حَلاَ
يعني (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك)، أي عيادتك ولم يتعرض للتاء لأنها مضمومة في قراءتي الإفراد والجمع لأنها مبتدأ ثم ذكر الخلاف في (ترجي من تشاء منهن)، في سورة الأحزاب (وآخرون مرجون)، هنا بالهمز فيهما وبغير همز وهما لغتان قال صاحب المحكم والهمز أجود وأرى ترجي مخففا من ترجيء لمكان تؤوى أي طلب المشاكلة بينهما وقد تقدم في الخطبة أن ضد الهمز لا همز ثم ينظر في الكلمة المهموزة فإن كان الهمز لم يكتب له صورة نطقت بباقي حروف الكلمة على صورتها وهو كقوله - الصابئين - الهمز - والصابئون - خذ وإن كانت كتبت له صورة نطقت في موضع الهمز بالحرف الذي صورت به كقوله وبهمز - ضيزى - وفي هذا البيت المشروح الأمران يقرأ الباقون ترجي بالياء التي هي صورة الهمز ويقرءون - مرجون - بواو بعد الجيم إذ لا صورة للهمزة وقوله صفا نفر خفض نفر بإضافة صفا المقصور أو الممدود إليه أي الهمز قوى وصاف من الكدورة
(735)
وَ (عَمَّ) بِلاَ وَاوِ الَّذِينَ وَضُمَّ في مَنَ اسَّسَ مَعْ كَسْرٍ وَبُنْيَانُهُ وِلاَ
أي قرأ مدلول عم جميع المذكور في هذا البيت أراد (والذين اتخذوا مسجدا)، سقطت الواو في مصاحف المدينة والشام فقرأها نافع وابن عامر على الاستئناف وقرأ الباقون بالواو عطفا لجملة على جملة فتقدير البيت قرأ عم الذين بلا واو وحذف التنوين من واو لالتقاء الساكنين ولم يرو إضافة واو إلى الذين فإن الذين لا واو فيه ولو كان والذين لأمكن تقدير ذلك ثم قال وضم وهو فعل أمر أي ضمه لمدلول عم أيضا ويجوز وضم بفتح الضاد على أن يكون فعلا ماضيا أي قرأ عم الذين وضم في - أفمن أسس - ضم الهمزة وكسر السين جعله فعلا لم يسم فاعله فلزم من ذلك رفع بنيانه لأنه مفعوله وقرأ الباقون ببناء الفعل للفاعل وهو ضمير يرجع إلى من فتحوا الهمزة والسين ونصبوا بنيانه والخلف في الموضعين هنا ولم ينبه على ذلك فهو نظير ما ذكرناه في قوله في سورة النساء وندخله نون ولم يقل معا، فإن قلت يكون إطلاقه دليلا عل تعميم ما في السورة من ذلك وقوله معا قدر حرك زيادة بيان، قلت لا يستمر له هذا إذ يلزم أن يكون قوله وعم بلا واو الذين يشمل كل لفظ والذين من هذا الموضع إلى آخر السورة نحو (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا) - (الذين اتبعوه في ساعة العسرة)، وقول الناظم وبنيانه مفعول فعل مضمر أي وارفع بنيانه لمدلول عم أو ورفع عم بنيانه وإطلاقه له دليل على رفعه وولا بكسر الواو مفعول له أي متابعة للنقل
(736)
وَجُرْفٍ سكونُ الضَّمِّ (فِـ)ـي (صَـ)ـفْوٍ (كَـ)ـامِل تُقَطَّعَ فَتْحُ الضَّمِّ (فِـ)ـي (كَـ)ـامِل (عَـ)ـلاَ
الضم والإسكان في راء جرف لغتان وتقطع قلوبهم بضم التاء على بناء الفعل للمفعول وبفتحها على بنائه للفاعل وأصله تتقطع فحذفت التاء الثانية مثل (تنزل الملائكة)، وسبق له نظائر
(737)
يَزِيغُ (عَـ)ـلَى (فَـ)ـصْلٍ يَرَوْنَ مُخَاطَبٌ (فَـ)ـشًا وَمَعِي فِيهَا بِيَاءَيْنِ جُمِّلاَ
يعني (كاد يزيغ قلوب فريق منهم)، قرأ حفص وحمزة بالتذكير في يزيغ لأن تأنيث قلوب غير حقيقي والباقون بالتأنيث وإطلاقه دل على إرادته لتذكير ثم قال يرون مخاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه يعني (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة)، الخطاب للمؤمنين والغيبة للمنافقين وفي هذه السورة ياآن للإضافة كلاهما في لفظ معي أحدهما (معي أبدا)، فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وحفص والثانية (معي عدوا)، فتحها حفص وحده وليس فيها ولا في الأنفال ولا في يونس شيء من الزوائد والله أعلم.