ثالثـًا: جانب الأساليب التربوية
القاعدة الثانيـة والعشرون: ربهِ بأسلوب اللعب الهادف:
إن منهج لعب الصغار مسألة أقرتها الشريعة، بل وحرصت على التربية من خلالها على بعض الأمور.

من مثل:
- ملاعبة النبي صلى الله عليه وسلم لصغير لعله فُـطم بقوله: يا أبا عمير ما فعل النُغير"، ليلهيه عن الحزن على طائرٍ له مات، متفق عليه.

- وملاعبته للحسين رضي الله عنه، فعن يعلى بن مرة رضي الله عنه أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة قال: فتقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام القوم وبسط يديه، فجعل الغلام يفر ها هنا، وها هنا، ويضاحكه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه، فقبَّلهُ، وقال: حُسينُ مِنِّي وأنا مِنْ حُسين، أحَبَّ اللهُ مَنْ أحَبَّ حُسينًا، حُسينُ سبط من الأسباط، رواه ابن ماجه بسند حسن.

- وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار مَنْ أصبح مُفطرًا فليُتم بقية يومه، ومَنْ أصبح صائمًا فليَصُم، قالت: فكنا نصومه بعد ونُصَوِّمُ صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار، متفق عليه، وفيه تربية الصبيان على الصوم وهم صغار وإشغالهم عن الطعام باللعب.

- وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: "ارموا بني إسماعيل! فإن أباكم كان راميًا، وأنا مع بني فلان" لأحد الفريقين، فأمسكوا بأيديهم، فقال: "ما لكم؟"، قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: "ارموا وأنا معكم كلكم"، رواه البخاري، وفيه التربية الجادة والتدرب على القتال.

- بل وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبَّت ريحٌ فكشفت ناحية السِّتر عن بنات لعائشة؛ لُعب، فقال: "ما هذا يا عائشة؟"، قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟"، - قالت: فرس، قال: "وما هذا الذي عليه؟"، قالت: جناحان، قال: "فرس له جناحان؟"، قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه، رواه أبو داود بسند صحيح، وهذه تربية مقصدها آخر.

- وقد قررت هذا رضي الله عنها كمنهج للصغار، قالت:
رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو، متفق عليه.

- ولَمَّا دخل عمر -رضي الله عنه- والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم (وفي رواية: فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها)، قال رسول -صلى الله عليه وسلم- الله: (دعهم يا عمر [فإنما هم بنو أرفدة])، الحديث من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه-، وقد أخرجه البخاري ومسلم.

قال الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب 2/508:
واللعب بالحراب ليس لعباً مُجَرَّدًا، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو، وقال المهلب: (المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه)، ثم قال رحمه الله: وهذا فيه تقييد اللعب الجائز في المسجد بما فيه مصلحة عامة، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى.

- وقد كان هذا من طريقة السلف رحمهم الله تطبيقًا لهذه النصوص، فعن إبراهيم ابن يزيد النخعي قال: "كان أصحابنا يرخصون لنا في اللِعب كلها، غير الكلاب"، قال أبو عبد الله: يعني للصبيان، رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح.

- وأما حديث: "رحم الله أخي يحيى حين دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صغير، فقال: أللعب خلقنا؟! فكيف بمن أدرك الحنث من مقاله"، فقد رواه ابن عساكر عن معاذ -رضي الله عنه-، وهو موضوع، راجع السلسلة الضعيفة 2413.

وليس المراد تفصيل المسألة، فاللعب المباح الهادف لا شك في جوازه خاصة للصغار، وأما ما كان لعبًا بمحرم أو أشـغل عن واجب، فهذا هو المحرم.

وقد ذكر علماء التربية أن من فائدة اللعب التربوية:
إزالة المخاوف عن الطفل، وتنمية مداركه العقلية ومهاراته الحركية، وإثارة تفاعله مع الآخرين، بالإضافة إلى كونه وسيلة تعليمية هادفة لو استغل بشكل جيد.

وعليه فاحرص أن يكون لعب أطفالك من اللعب المباح والمفيد في نفس الوقت: كألعاب الذكاء، وتقوية الانتباه، وتنشيط الذاكرة، وألعاب الفك والتركيب، وتلوين العبارات النافعة كالأذكار والأدعية، ونحو ذلك، وابحث عن مثل كتاب: لون وفكر والعب، ونحوه من الكتب النافعة.

- ومن ذلك أيضًا برامج الحاسوب للأطفال، ففيها خير بديل عن التلفاز، فهي تحفظ القرآن والأذكار، وتعلم التجويد، وتشرح أحكام بعض العبادات، وتشتمل على بعض القصص وشرح الغزوات إلى غير ذلك من النافع بأسلوب رائع.

= واجتنب من الألعاب ما فيه صور أو معازف، أو صلبان، أو صوت جرس، وغير ذلك مما نهينا عنه.

القاعدة الثالثة والعشرون: ربه بأسلوب القصة الهادفة:
أخبر تبارك وتعالى عن شأن كتابه، فقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ}، وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}؛ ولهذا فقد سلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن ذلك: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، وقصة الذي قتل مائة نفس، وقصة الأعمى والأبرص والأقرع، وقصة أصحاب الأخدود، وغيرها كثير.

إن استخدام أسلوب القصة له أثر سريع في التأثير على السامعين من الكبار فضلاً عن الصغار؛ لما للقصص من جميل الأثر وحسن الوقع التربوي، وإذا استغلت القصة بشكل جيد أتت ثمارًا عظيمة في باب التربية.

ومما ينبه عليه:
- تقريب القصة إلى أذهان الأولاد بالمعنى القريب من فهمهم، وتجنب ما يشكل عليهم فهمه.
- التـنبيه على هدف تربوي رئيس يُربى الولد من خلال القصة عليه دون تشتيته بكثرة الفـوائد.
- احرص على غرس هذا المعنى التربوي في نفوس أبنائك من خلال بعض التطبيقات والأسئلة المختلفة، والتي تثبت القصة وفائدتها التربوية بشكل جيد.
- وخير ما تبدأ به ما جاء في القرآن والسنة وأخبار سلف الأمة، ونحوها مما فيه العظة والعبرة.


القاعدة الرابعة والعشرون: استخدم أسلوب إيقاظ الحس:
اجعل كل ما حولك يتحدث عما تريد تربية ابنك عليه، وبهذا تمتلئ أحاسيسه وتزدحم أفكاره ورغباته فيما تريد.

مثلاً:
إذا استأذن أن يخرج للعب، فقل: تصلِ العصر ثم تخرج، وردد: فلان سيأتي بعد صلاة العشاء، سنأكل هذا بعد صلاة المغرب، كم بقي على الصلاة؟ هل أذن المؤذن؟ ونحو هذا من العبارات، ثم اجعل عقله الباطن يخزن الصور التي تحب أن يكون عليها: أنت سباق للمسجد، أنت الخاشع، أنت كبلال بن رباح تذكرنا بالصلاة، ثم تملأ بصره بمثل هذه المشاهد: فتجعل لك مكانًا خاصًا تصلي فيه في بيتك، وتجعل الأم ملابس للصلاة تصنعها لابنتها الصغيرة وتضعها مع ملابسها، وهكذا كل ما حوله يذكره بالصلاة، إذا أردت أن تعلمه الحساب مثلاً، فقل له: رجل صلى ركعتين، ثم صلى الظهر أربع ركعات، فكم ركعة صلاها؟... وهكذا.

 وإذا كان كبيراً، فمن الأمثلة:
رجل بين بيته والمسجد 500 متر وهو يقطع في الخطوة الواحدة 40 سنتيمتر، فكم خطوة يخطوها حتى يصل إلى المسجد في الذهاب والعودة؟ وإذا علمت أن الله تعالى يعطي عشر حسنات على كل خطوة، فكم حسنة يحصل عليها؟، وعلى هذا النحو قس.

- ومثل هذا أن تربيه باللقب الجمـيل:
كحمامة المسجد، حافظ القرآن، العالم، المجاهد...أو تنادي البنت: أم الأيتام، الصابرة، العفيفة، المباركة..

ولصحابة النبي صلى الله عليه وسلم كنى مشهورة وألقاب عظيمة، وكـان من ثنائه صلى الله عليه وسلم على المتفوقين إطلاق الألقاب عليهم، فأبو عبيدة "أمينُ الأمة"، وابن مسعود "غلامٌ معلَّمٌ، والزبير "حواريُّ الرسول".. وهذه الألقاب بمنـزلة "شهاداتٍ نبوية " مباركة، فرح أصحابها جداً بها!.

يقول الدكتور هشام الطالب: ((تذكّروا أيها الآباءُ أنّ الدمَ الصحيّ الذي يحتاج إليه أبناؤكم هو التقديرُ والتشجيع، لا تحرموهم منه فقد يصابون بفقر الدم))!..

= ومن الأخطاء عند بعض المربين:
مناداته لابنه يا كذاب، يا منافق، يا فوضوي، أنت ما فيك خير، أبدًا ما تفهم، أو استعمال ألقاب الكفار وألقاب الدلع، فيتربى الأبناء على أسوء المعاني بتكرار هذه العبارات على مسامعهم.

القاعدة الخامسة والعشرون: ربه بالفعل الصامت:
وهو ما يسمى التربية بالقـدوة، فالابن أكثر ما يحب أن يقلد أباه، وله وَلهَ كبير بمحاكاة الأب، ويفرح إذا قيل: أنت مثل أبيك، وهكذا البنت تحب أن تقلد أمها، قال الشاعر:
مشى الطاووس يوماً باعوجاج         فقلد شكل مشيته بنوه
فـقال: علام تختالون؟ قالوا:       بدأت به ونحن مقلدوه
فـقـوم مشيك الـمعوج إنا         إن عـدلت به معدلوه
 وينـشـأ  ناشئ  الفـتيان منا       على  ما كان عوده أبوه


- ومن تربية السلف رحمهم الله لأبنائهم ما حكته بطون كتب الأخبار من توجيه عمرو بن عتبة رحمه الله لمعلم ولده؛ إذ يقول له: ليكن أول صلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت.

فهذه حقيقة ظاهرة في الأثر البالغ للتربية بالقدوة، يقول بعض التربويين:
هناك جهازان شديدا الحساسية في نفس الابن هما جهاز الالتقاط وجهاز المحاكاة، وقد يتأخر الوعي قليلا أو كثيًرا، ولكن هذا لا يغير شيئا من الأمر، فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير وعي كامل، ثم يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه حوله أو يسمعه.

- ومثال يوضح هذا الأمر:
إذا مرض الولد فرآك قبل أو بعد جلب الدواء ترفع يديك وتدعو الله، عرف أن الشافي الذي يتوكل عليه هو الله تعالى.

= وفي المقابل السيئ:
الأب الذي يأمر ابنته بالعفاف، ثم يجلس مع ابنـته على المسلسلات لتنظر ابنته لافتخاره وشوقه عند تقليب عينه وهو يرى وجوه الممثلات ونحورهن، هو يعلمها نقيض ما يدعوها له.

- وهاك مثالاً أوضح:
الأب الذي يسمع رنين الهاتف ثم يقول لابنه: قل أبي غير موجود، ويتغيب ابنه عن حلقة التحفيظ بغير عذر؛ فيذهب به ويقول: كان مريضًا، ثم يمثل أنه يضرب الابن الكبير أمام الابن الصغير وهو في الحقيقة لا يضربه، ويُظهر لابنه أن الدواء حلو؛ فإذا ذاقه تبين له أنه مر شديد المرارة، ويشير لابنه الصغير بمفتاحٍ أو نـحوه ثـم يحتضنه ولا يعـطـيه، ماذا تتوقع أن يكون وقع هذه الأفعال على ابنه، إنه يؤصل فيه أن الكذب أسرع وسيلة للحصول على مآربه والتخلص من المآزق، لا تحتقر هذا، فهو مؤثر جدًا في عملية التربية، فعن عبد الله بن عامر-رضي الله عنه- قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله-صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ما أردت أن تعطيه؟"، قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله -رضي الله عنه-: "أما إنك لولم تعطه شيئًا كُتبت عليك كذبة"، رواه أبو داود والبيهقي، وحسنه الألباني.

= فلنحذر كل الحذر من التناقض في عملية التربية بين أقوالنا وأفعالنا!.

القاعدة السادسة والعشرون: استخدم أسلوب المسابقة في تشجيع أبناءك وأصحابهم على الخير
واجعل المكافأة جائزة هادفة أو زيارة نافعة لبعض الأخيار، وهذا من أجود ما يكون لتربيتهم على العمل والتفكير الجاد، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولا تحت ورقها"، فوقع في نفسي النخلة، فكرهت أن أتكلم وثمّ أبو بكر وعمر، فلما لم يتكلما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هي النخلة"، فلما خرجت مع أبي، قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة، قال: ما منعك أن تقولها، لو كنت قلتها كان أحب إلى من كذا وكذا.

والتشجيع جزء مهم من هذا الأسلوب لإثارة التنافس:
ففي أثناء رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من غزوة الغابة، أثنى على بطليْها قائلاً: "خيرُ فرساننا اليوم أبو قتادة، وخيرُ رجّالتنا سلمةُ بنُ الأكوع"، رواه مسـلم، كما ضـرب على صدر أبيّ بن كعب قائلاً: "لِيَهنِكَ العلمُ أبا المنذر"، رواه مسلم أيضًا.

- فشجع أبنائك على حفظ القرآن والسنة، وسرعة تعلم القراءة والكتابة والحساب، وتلخيص الكتيبات النافعة، وعمل الفهارس لمحتويات بعض المواد العلمية، وأحسن خطيب، وأجمل خط، وأجودهم تلاوة، وأفضلهم سمتًا، وغير ذلك عن طريق المسابقة وبث التنافس بين الأبناء.

وقد أورد الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث عن النضر بن الحارث قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بني اطلب الحديث فكلما سمعت حديثاً وحفظته فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا.

= وبمثل هذا الأسلوب نُعثر السيل الجرار على أبنائنا الذي يهدف لتحبيبهم في بعض التوافه من خلال عقد المسابقات المحلية والدولية عليها.

القاعدة السابعة والعشرون: ربه بأسلوب الحوار وإجابة الأسئلة.
وهذا من أنفع ما يكون لتربيتهم على المناقشة والحوار، وأدب الكلام، وإبداء الرأي، وطريقة مهمة جدًا لتصحيح الأفكار والمفاهيم المغلوطة خصوصًا عند المراهقين.

يقول د. عبد المعطي الدالاتي:
إنّ كلّ طفلٍ كُتب على جبينه هذه الكلمة: "افهموني"ـ ولكنْ ماذا نصنع وكثيرٌ من الآباء أُميّون في قراءةِ الأطفال؟!.

- ولنضرب لك أيها الأب الكريم مثالاً:
عوّد أفراد الأسرة جميعًا على حكاية ما شاهدوه في رحلة أو نزهة أو زيارة، أو ما قرأوه، أو ما مرّ بهم في حياتهم اليومية، وركز على هذا الأمر خصوصًا بالنسبة للأطفال.

- ومنه أيضًا:
المناقشة في بعض القضايا الهامة وأثرها في المجتمع، وهل هي نافعة أو ضارة، وحكمها في الشرع، وهذا يركز عليه في مرحلة المراهقة.

= فتنجو بهذا الأسلوب مما يسمى اليوم صراع الأجيال: وهي الهـوّة الكبيرة بين الجيل الجديد وخبرات ووصايا الجيل القـديم.

القاعدة الثامنة والعشرون: ربهِ بالعـادة:
حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين، الأول: الطبع والفطرة، والثاني: التعود والمجاهدة، ومصداق ذلك: ما رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «‏الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»‏.

وهذا مثال نبوي يوضح هذا الأسلوب:
قال: "علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر".

 فيبدأ تعليم الطفل للصلاة من خلال ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى ما قبل السبع سنوات، وفيها لا يتوجه الأمر للابن مباشرة ولكن نحببه في الصلاة بإيقاظ حسه لها ودعوته لمحاكاة أبيه وأمـه فـيـها، ثم مرحلة ما بعد السبع ودون العشر، وفيها يستخدم أسلوب التربية بالعادة، حيث يوجه الابن للصلاة بالأوامر الترغيبية ومحاولة الإقناع لمدة ثلاث سنوات متتابعة حتى يكتسب الطفل هذه العادة.

ولنحسب الآن كم أمر سيوجه للصبي لتحبيبه في الصلاة وحمله عليها:
تأمره لمدة ثلاث سنوات، في كل سنة 360 يومًا تقريبًا في 3 سنوات = 1080 يومًا في خمس أوامر؛ عند كل صلاة تقول له: صلِ = 1080 × 5 = 5400 أمر بالصلاة بدون ضرب أو نهر.

ولعلكم تنبهتم بارك الله فيكم، إلى أن عامل الوقت مهم جدًا في اكتساب السلوك، والبداية المبكرة مهمة جدًا لذلك، والمتابعة الجادة والتكرار يولدان عند الطفل حب الفعل، ومجرد التوجيه لا يكفي، بل متابعة تؤدي إلى تراكم القيم والمعاني في نفس المتربي، قال ابن خلدون رحمه الله: الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره.

فإن لم تفد هذه الأوامر المتكررة، جاءت بعدها المرحلة الثالثة ما بعد العاشرة بعقاب الصبي على تركه للصلاة، ولو وفقنا الله في مرحلة التعليم بالعادة لما احتجنا هذه المرحلة.

- ومن الجيد:
أن نحرص على التكرار مع التنويع في الأساليب، وكم كرر الله تعالى أوامره في كتابه الكريم بأكثر من خطاب، وكم تكررت القصص في القرآن بأكثر من عرض، وكم كرر النبي صلى الله عليه وسلم معالم مهمة في حياة الناس، قال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني).

= ولنحذر ها هنا من تكرار عرض مجرد ليس فيه أي طريقة محببة للإقناع، كذكر الدليل أو الفضل أو ضرب المثل، ونحو ذلك من وسائل الإقناع بحجة أنه صبي لا يفهم ولا يقتنع، فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه صدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ" ليطرحها، ثم قال: " أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟"، فمع صغر سن الطفل الذي يقال له: كخ كخ؛ فهو لا يعقل الكلام في الغالب، ومع هذا نهاه النبي-صلى الله عليه وسلم-وأقنعه بوجه النهي لما ذكر له علته وسببه.

القاعدة التاسعة والعشرون: علمّه النظـام:
وهناك عدة أفكار عملية لغرس هذه الصفة في الأبناء وتربيتهم عليها: كتنظيم الدفاتر والكتب مثلاً، أو تنظيم الملابس، وتنظيم الفراش، وتنظيم الغرفة، وتنظيم الألعاب بعد الانتهاء من اللعب، وتنظيم المكتبة، والمطبخ بالنسبة للإناث، وتنظيم الوقت؛ فوقت للدراسة، ووقت لحلقة التحفيظ، ووقت للعب، والصلاة لا بد أن تؤدى في وقتها، وهكذا..

والإنسان كما يذكر ابن القيم رحمه الله ابن وقته، ولكل وقت وظيفة، وعليه أن يؤديها دون أي خلل.

- وهذه التربية تعوّد الطفل على الانضباط من أول حياته، فمنذ الأشهر الأولى يتعوّد الطفل على أوقات محددة وثابتة للرضاعة، وكذلك لقضاء الحاجة في أوقات محددة وهو أمر ممكن مع المحاولة المتكررة، حيث إن الجسم يتعود على هذا وينضبط به.

= ومن هنا تنجو من فوضوية بعض الأبناء، وتبولهم اللاإرادي، وكسل بعضهم أو دلعه، كما تريحك من تكرار الأوامر كل وقت بشكل عشوائي.
 
القاعدة الثلاثون: دربه ذهـنيًا قبل حمله على ذلك عمليًا:
فالتربية العقلية تسبق التربية البدنية، والتعليم بالقول قبل التعليم بالفعل، فتبين له فضل طلب العلم أو قيام الليل أو الدعوة إلى الله، ثم أخبار النبي -رضي الله عنه- وصحابته والصالحين في ذلك، ثم الحكم العظيمة المترتبة على هذا الأمر، وسهولة هذا الأمر بالخطوات التالية، وتعدّها عليه.. وهكذا، حتى يقتنع ويشتاق لفعل ما تدعوه إليه.

تقول عائشة رضي الله عنها: إنما نزل القرآن أول ما نزل منه سورة من المفصل (المفصل من سورة ق إلى آخر القرآن الكريم على الصحيح)، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا تاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، لو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا، رواه البخاري في صحيحه.