منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 المبحث الرابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

المبحث الرابع Empty
مُساهمةموضوع: المبحث الرابع   المبحث الرابع Emptyالثلاثاء 28 يونيو 2011, 7:06 pm

المبحث الرابع

القوقاز في القرن العشرين

أولاُ: القوقاز في القرن العشرين

1. الفترة الأولى (1899 ـ 1917)

عُرفت هذه الفترة بمرحلة ظهور الثوار؛ إذ اندلعت إبّانها عدة ثورات في روسيا القيصرية، مثل ثورة "زيلمخان" ، إلى أن اندلعت الثورة البلشفية عام 1917، التي قضت على حكم القياصرة الروس.

عانت حكومة القيصر نيقولا الثاني (1894 ـ 1917) أزمات شديدة، تمثلت في ثورات عديدة، اشترك فيها طلبة الجامعات الروسية؛ والطبقة الوسطى الحرة المذهب، التي تشبعت بالثقافة الغربية، والتي تطالب بتعديل الدستور؛ وطبقة الفلاحين، التي كانت تطالب بسن قوانين عادلة، تنظم إيجار الأرض؛ وعمال المصانع، الذين انتشرت بينهم المبادئ الماركسية. أضف إلى ذلك تذمر القوميات المهضومة الحقوق، الخاضعة لحكومة القيصر؛ فضلاً عمّا تعرضت له الحكومة من سخط كثير من المفكرين المنفيين إلى سيبيريا.

كل هذه الطوائف الحانقة على النظام القيصري، ألفت كتلة ضخمة من المقاومة، هددت النظام القائم أيما تهديد؛ إذ كثرت الإضرابات والتظاهر، وواجهتها الحكومة بالعنف والاضطهاد؛ كما حدث في يوم الأحد، 22 يناير سنة 1905، الذي سُمي بالأحد الدامي، لكثرة ما أهرق فيه من دماء، والذي أعقب ذهاب فريق من العمال المتظاهرين إلى قصر القيصر، لرفع التماسهم زيادة الأجور، وإنقاص ساعات العمل وإصدار الدستور، فقوبلوا بوابل من الرصاص، قتل منهم سبعين عاملاً، وجُرح مائتين؛ مما زاد سخط الشعب على الحكومة القيصرية.

في ذلك الوقت، أدرك لينين أن الوقت قد حان، لكي يضرب ضربته. فدعا اللجنة المركزية للحزب البلشفي، في أكتوبر 1917، إلى اجتماع سري، تقرر فيه اللجوء إلى ثورة مسلحة ضد الحكومة القائمة.

وأعد البلاشفة لكل شيء عدته، وأعلنوا، مساء 6 نوفمبر، أن أعداء الثورة بدأوا يرفعون رؤوسهم؛ وأن القادة القيصريين، يريدون القضاء على "المؤتمر العام للسوفيت والجمعية الدستورية".

وسرعان ما احتلت القوات البلشفية أبنية المرافق العامة، في بتروجراد، أثناء الليل، ليُعلن بلاغ بلشفي، في الصباح، سقوط الحكومة المؤقتة.

وقد أقر مؤتمر السوفيت العام ذلك الانقلاب، وكوَّن، في اليوم نفسه، حكومة جديدة مؤقتة، جديدة أطلق عليها اسم "المجلس السوفيتي لوكلاء الشعب". وانتُخب لينين رئيساً لهذا المجلس، وتروتسكي وزيراً للخارجية.

وبعد مضي أسبوعين على ثورة نوفمبر، أرسل تروتسكي مذكرة إلى الممثلين الدبلوماسيين في العاصمة الروسية، يقول فيها، إن في نية الحكومة السوفيتية "أن تقترح على جميع الشعوب وحكوماتهم عقد هدنة سريعة في الميادين، تمهيداً لعقد صلح ديموقراطي". وتجاهل الحلفاء مذكرة تروتسكي.

أمّا دول المحور، الطامعة في تحييد روسيا، فقد قابلت اقتراح السوفيت بسرور وترحيب.

وفُتح باب المفاوضات، في 3 ديسمبر، في مدينة برست ليتوفسك؛ ثم أُعلنت الهدنة بين روسيا ودول المحور (ألمانيا، والنمسا، وتركيا، وبلغاريا.

ووُقعت معاهدة برست ـ ليتوفسك في 3 مارس 1918.

وبمقتضاها، وافقت روسيا على التنازل عن بولندا ولتوانيا، اللتَين تُرك لشعبهما تقرير مصيرهما، الذي أيدته ألمانيا والنمسا.

كذلك، وافقت على الجلاء عن لتوانيا وأستونيا وفنلندا، وعن أوكرانيا والاعتراف بالمعاهدة، التي أبرمتها جمهورية الشعب الأوكراني ودول المحور؛ والتنازل لتركيا عن أردهان، وقارص، وباطوم؛ والامتناع عن نشر الدعاية البلشفية في الأراضي، التي تسيطر عليها دول المحور.

وهكذا، عقد البلاشفة صلحاً، سلبهم نحو خمسمائة ألف ميل مربع، يسكنها نحو 66 مليوناً من الأنفس؛ ذلك لأنهم كانوا راغبين في فترة سلام، تتيح لهم قلب نظام الحكم، وإقامة دكتاتورية الطبقة العاملة.

عمدت الثورة البلشفية (1917/1335)، إلى فضح الاتفاقات السرية، بين روسيا القيصرية والدول الاستعمارية الأخرى؛ فظن المسلمون، ولا سيما الواقعين منهم تحت الاحتلال الروسي، في آسيا الوسطى والقوقاز والقرم ـ أنهم وجدوا طوق النجاة، خاصة بعد إفصاح لينين وستالين عن الرغبة في تأييد الشعوب الإسلامية للثورة.

بعد نجاح الثورة الماركسية البلشفية، في روسيا، وقبل أن يستتب الأمر للشيوعيين، أرادوا استمالة المسلمين في البلاد، واستثارتهم على الحكم القيصري، الذي كان يضطهدهم ويعتدي على حرماتهم؛ ليكونوا قوة مساندة لهم على قوى المعارضة المسيحية، الموالية للحكم السابق.

فأصدر مجلس وكلاء الشعب البلشفي، عام 1917، نداءً موجهاً إلى المسلمين، جاء فيه: "إن إمبراطورية السلب والنهب والعنف الرأسمالية، توشك أن تنهار. والأرض التي تستند عليها أقدام اللصوص الاستعماريين، تشتعل ناراً.

وفي وجْه هذه الأحداث الجسام، نتجه بأنظارنا إليكم أنتم، يا مسلمي روسيا والشرق، أنتم يا من تشْقَون وتكدحون، وعلى الرغم من ذلك تُحرمون كل حق، أنتم له أهل.

أيها المسلمون، في روسيا،
أيها التتر، على شواطئ الفولجا، وفي القرم.
أيها القرغيز، والسارتيون، في سيبيريا والتركستان.
أيها التتر والأتراك، في القوقاز.
أيها الشيشانيون.
أيها الجبليون، في أنحاء القوقاز.

أنتم يا من انتُهكت حرمات مساجدكم وقبوركم، واعتُدي على عقائدكم وعاداتكم، وداس القياصرة والطغاة الروس مقدساتكم.

ستكون حرية عقائدكم وعاداتكم، وحرية نظُمكم القومية، ومنظماتكم الثقافية ـ مكفولة لكم، منذ اليوم؛ لا يطغى عليها طاغٍ، ولا يعتدي عليها معتدٍ.

هبّوا، إذاً، فابنوا حياتكم القومية كيف شئتم؛ فأنتم أحرار، لا يحُول بينكم وبين ما يستهويكم حائل؛ إن ذلك من حقكم؛ إن كنتم فاعلين. واعلموا أن حقوقكم، شأنها شأن حقوق سائر أفراد الشعب الروسي، تحميها الثورة، بكل ما أوتيت من عزم وقوة، وبكل ما يتأتى لها من وسائل: جند أشداء، ومجالس للعمال، ومندوبين عن الفلاحين.

فإذاً، فشدوا أزْر هذه الثورة، وخذوا بسواعد حكومتها الشرعية.

أيها المسلمون، في الشرق.

أيها الفرس، والأتراك، والعرب.

حذارِ أن تضيعوا وقتكم دون أن تلقوا عن كاهلكم نيران المستبدين والظالمين، الذين استبدوا بكم وبأوطانكم.

أيها المسلمون في روسيا. أيها المسلمون في الشرق. إننا، ونحن نسير في الطريق، الذي يؤدي بالعالم إلى بعث جديد، نتطلع إليكم، لنلتمس عندكم العطف والعون".

أسرع المسلمون، حين سمعوا هذا النداء، يجمعون قواهم. وبادرت شعوب إسلامية، كانت مُستعمرة مضطهدة، تحت الحكم الروسي القيصري، إلى إعلان استقلالها واستعادة سيادتها على أراضيها؛ فوُلدت جمهوريات إسلامية عديدة.

وما إن ثَبَّتَ الشيوعيون أقدامهم، وأنسوا إلى قوّتهم، وشعروا بأن الحكم استقر في أيديهم، حتى توجهوا بجيشهم، يحصدون الجمهوريات الإسلامية، المترامية من ساحل المحيط الهادي إلى جبال أورال. وأمكنهم الاستيلاء عليها، في غضون ثلاث سنوات، بعد معارك ضارية.

2. الفترة الثانية (1917 ـ 1922)

وفي هذه المرحلة، اتحدت الشعوب القوقازية، وأعلنت نشوء جمهورية شمالي القوقاز الفيدرالية، في 11 مايو 1917. وقد اعترف بها الروس الشيوعيون. واختير عبدالمجيد تشيرموف، الشيشاني الأصل، أول رئيس لها، في مؤتمر حضره 500 مندوب من مختلف قبائل المنطقة، وبحضور ممثلين من جورجيا وآذربيجان. واعترفت الدولة العثمانية بهذا الاستقلال؛ وكذلك دول أوروبا الوسطى.

وفي ربيع عام 1918، أصدر مؤتمر السوفيت دستوراً، أُسست، بمقتضاه، "جمهوريات السوفيت الاتحادية الاشتراكية الروسية". وتقرر أن تكون موسكو عاصمة قومية، بدلاً من ليننجراد (بتروجراد). وأصبحت روسيا دولة اتحادية، تستمد قوّتها من الطبقة العاملة.

وذاع بين الناس شعار لينين المأثور: "السلطة كلها للسوفيت"؛ وأن النظام الجديد يجب أن تستبعد منه الطبقة البورجوازية.

وفي عام 1922، اجتمع، في موسكو، وفود من مختلف الولايات البلشفية، وكانت، حينئذٍ، أربعاً، ووقعت معاهدة، على أن يبدأ العمل بها ابتداء من يوليه 1923.

3. الفترة الثالثة (1922 ـ 1990)

وفي 23 يوليه 1923، أُنشئ اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية (U.S.S.R)، من جمهورية روسيا السوفيتية الاتحادية الاشتراكية، وروسيا البيضاء، وأوكرانيا، واتحاد جمهوريات القوقاز.

ولم يشأ البلاشفة أن يحتفظوا بكلمة "الروسية"، كصفة لاتحاد الجمهوريات السوفيتية؛ وذلك لترك الباب مفتوحاً أمام الولايات، التي تسكنها أغلبية غير روسية، للانضمام إلى ذلك الاتحاد السوفيتي، وإغرائها بأن الانضمام إليه، هو على أساس العقيدة السوفيتية، لا على أساس سيادة العنصر الروسي.

وفي عام 1924، انضمت إلى الاتحاد جمهوريتان آسيويتان، هما: أوزبكستان وتركمنستان. ثم توالى انضمام ولايات أخرى إليه، حتى بلغت ست عشرة جمهورية، بعد الاتساع الروسي (1939 ـ1940).

وبعد تكوين "اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية"، اقترح الحزب الشيوعي، المسيطر على سياسة الاتحاد، تعديل الدستور الصادر عام 1918، ليتضمن طائفة من المبادئ تصبح أساساً للعلاقات التي تربط بين أجزاء الاتحاد السوفيتي الجديد، وتُرضي قوميات شعوبه؛ كضمان تساوي الجمهوريات المختلفة، في الحقوق والواجبات؛ واستقلال كلٍّ منها استقلالاً ذاتياً، يخولها السلطة على أراضيها، عدا الشؤون الخارجية العليا، التي تتولاها الهيئات العليا في الاتحاد السوفيتي ؛ وضمان حقها في استخدام لغتها الوطنية؛ وإنشاء مجلس "سوفيت القوميات"، الذي تتمثل فيه جمهوريات الاتحاد، على قدم المساواة.

وقد تعرض مسلمو القوقاز، في أذربيجان، وداغستان، والشيشان، وأوسيتا ودقير كاي، وبلقار قاراتشاي، وتركستان، من قِبَل الحكم الشيوعي في روسيا، لحرب ضارية، استهدفت معتقداتهم الدينية. ونهب الشيوعيون الروس ثروات البلاد، وخصصوا سُكنى المهاجرين الروس بأفضل مناطق القوقاز وأغناها.

كما نقضوا اعترافهم بجمهورية شمالي القوقاز، فاحتلوها، وأخضعوها لنفوذهم وسيطرتهم. ورافق ذلك عمليات بطش واضطهاد لشعوب المنطقة، ومصادرة للأراضي، وتعطيل للشعائر الدينية.

واستمرت حالة العنف هذه حتى عام 1937، دفع الشعب الشيشاني، خلالها، ثمناً غالياً من أبنائه، قُدر بنحو 35 ألف شيشاني من خيرة أبنائه ومثقفيه وعلمائه.

وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، بدأت روسيا في تهجير شعب شمالي القوقاز وتشتيته، بعد اتهامهم بالخيانة، فأصدر، في 23 فبراير 1944، قراراً رسمياً، يقضي بإبعاد قبائل "القاراجاي"، و"البلقار"، و"الشيشان"، و"الإنجوش"، وسواهم، إلى سيبيريا، وآسيا الوسطى. وقدِّر هؤلاء المنكوبون بنحو مليونَين ونصف المليون؛ وتعرض كثير منهم لعمليات الإبادة الجماعية. كما نفى ستالين 95% من الشعب الشيشاني إلى سيبيريا. وظل هؤلاء الشيشانيون في المنفى 13 عاماً، حتى جاء نيكيتا خروتشوف، وسمح لهم بالعودة إلى بلادهم، عام 1957(اُنظر خريطة الجمهوريات والمقاطعات)

وخلال هذه المرحلة، عمدت السلطات الروسية إلى طمس اسم الشيشان في الخرائط والموسوعات العلمية، واقتطاع مساحات شاسعة من أراضيها وضمها إلى الدول المجاورة: داغستان، وأوسيتيا الشمالية، وجورجيا.

وفي سياق التخفيف من اضطهاد الشعوب، أبيح، عام 1957، تشكيل جمهورية الشيشان ـ الأنجوش؛ وهي جمهورية ذات حكم ذاتي، داخل الاتحاد الروسي.

وطوال فترة السبعينيات والثمانينيات، تعاملت السلطات السوفيتية مع جروزني، عاصمة الشيشان، كمنطقة غير آمنة وغير مستقرة؛ مما أدّى إلى فرض حظر التجول الليلي عليها فرضاً تلقائياً.

وما إن اهتزت السلطة في يد آخر الرؤساء السوفيت، ميخائيل جورباتشوف، الذي بدأ تطبيق نظريته التي سماها "البروستريكا" أي إعادة البناء، حتى ظهرت المطالب، الانفصالية والاستقلالية، من جانب عديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، سواء الاتحادية منها وتلك التي تتمتع بالحكم الذاتي، في إطار الاتحاد الروسي. وقد انتعشت الاتجاهات الاستقلالية، في أعقاب فشل محاولة الانقلاب على جورباتشوف، التي لجأ إليها الجناح الشيوعي القومي، في أغسطس 1991؛ إذ اندفع بوريس يلتسين، في مناوأته الرئيس السوفيتي، إلى استخدام ورقة حق تقرير المصير، وحق الأمم والشعوب في الانفصال؛ وهو ما مهد لدول البلطيق الثلاث: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، الانفصال عن الاتحاد السوفيتي؛ وآذن بانهيار الاتحاد السوفيتي، كدولة فيدرالية، في ديسمبر 1991، وانبثاق 15 جمهورية مستقلة من أنقاضه.

وعلى الرغم من أن شعارات حق تقرير المصير والانفصال عن الاتحاد السوفيتي، كانت تهدف، من جانب من رفعوها، إلى التعجيل بسقوط الاتحاد السوفيتي؛ ودفع دول وسط آسيا الإسلامية، والقوقاز، التي تستوفي متطلبات البقاء ـ بعيداً عن الدول السلافية؛ إلا أنها تحولت، في مرحلة تالية، إلى سعي محموم، للبحث عن صيغة جديدة، تضمن لموسكو مواصلة نفوذها في المناطق، التي كان يتشكل منها الاتحاد السوفيتي. أما جمهوريات الاتحاد الروسي وأقاليمه، فلم يكن أي منها يفكر في الانفصال عنه؛ لأن ذلك سوف يفجر روسيا من الداخل، ويطرح احتمال تفككها إلى عشرات الدول والدويلات. واستطراداً كان الحفاظ على تماسك الأراضي الروسية ووحدتها، أمراً محسوماً، لدى القيادة وكافة القوى السياسية الروسية هناك؛ وكان مُسَلماً به لدى القوة الفاعلة على الصعيد الدولي، إضافة إلى الدول، التي كان يضمها الاتحاد السوفيتي.

4. الفترة الرابعة (1990 ـ 2000)

تحوّل المجتمع الشيشاني، خلال فترة مواجهة الأطماع الدولية، من مجتمع مدني، يعمل في الزراعة والتجارة، ويستكين لحياة عادية طبيعية، إلى مجتمع عسكري؛ ما أثّر تأثيراً كبيراً في بِنْيته، الديموغرافية والاقتصادية.

يمتاز الشعب الشيشاني باستعداده للتضحية، وحرصه على حريته واستقلاله. لذلك، ما إن أعلن الاتحاد السوفيتي حق الانفصال لأي جمهورية، ترغب في الاستقلال، والانفصال عنه ـ حتى سارع الشيشانيون إلى إعلان جمهوريتهم المستقلة. ففي نهاية عام 1990، اجتمع مندوبون، من الشيشان والسكان الآخرين في الجمهورية، ومن ضمنهم الروس القوازق، وقرروا، بالإجماع، إعلان استقلال جمهورية الشيشان.

اتجه الجنرال جوهر دوداييف (اُنظر ثبت الأعلام)، الذي أَسَّس، عام 1991، حركة قومية، باسم "مؤتمر عموم شعب الشيشان"، إلى التحرك صوب الانفصال؛ فكوَّن حرساً وطنياً، وأعلن التعبئة العامة بين الذكور، الذين تراوح بين 15 و50 عاماً؛ واستولى على المنشآت الحيوية، كالمطار والإذاعة والتليفزيون، وحاصر البرلمان، مطالباً بإدراج موضوع الانفصال عن روسيا الاتحادية، على جدول أعماله. وفي 27أكتوبر1991، دعا إلى انتخابات رئاسية، أسفرت عن فوزه بمنصب رئيس الجمهورية؛ وهي الانتخابات التي لم يعترف بها البرلمان الروسي. وأعلن جوهر دوداييف، في 2نوفمبر 1991، الاستقلال عن روسيا الاتحادية؛ فسارعت الإنجوش إلى إعلان انفصالها عن الجمهورية الاتحادية؛ احتجاجاً على قرار الشيشان الانفصال عن الاتحاد الروسي؛ ورفضاً لزعامة دوداييف.

لم يعلن استقلال الشيشان، إلاّ بعد موافقة برلمانها عليه، في مارس 1992. وانطلاقاً من ذلك، رفض القادة الشيشانيون إمضاء وثيقة الاتحاد الروسي، الذي ورث الاتحاد السوفيتي، والتي أمكن التوصل إليها في الشهر نفسه؛ فهم رفضوا، استطراداً، الانضمام إليه. ثم كان الاجتياح الروسي الأول لشمالي القوقاز، الذي بدأ في ديسمبر 1994، وانتهى في أغسطس 1996 إلى اتفاق، وقعه الطرفان.

وخلال الفترة، من نوفمبر 1991 وحتى نوفمبر 1994، اعتمدت موسكو على وسائل الضغط السياسي، والحصار الاقتصادي، لإسقاط جوهر دوداييف، وإنهاء حركته الانفصالية. وما إن أكدت موسكو قوة موقف دوداييف، والتأييد الشعبي الشيشاني له، وما أشاعته وسائل الإعلام، الروسية والغربية، في شأن علاقاته المشبوهة بمنظمات المافيا وشبكات تهريب المخدرات، والاتجار في السلاح ـ حتى اتخذت القضية أبعاداً أخرى؛ إذ اعتمدت موسكو الخيار العسكري، لإسقاط دوداييف وحركته الانفصالية.

5. الاجتياح الروسي الأول للشيشان

استهلت موسكو الخيار العسكري، لإسقاط دوداييف، بدعم ومساندة الجناح الشيشاني، الرافض لقيادة دوداييف، بزعامة عمر أتور خانوف. ودفعت، في نوفمبر 1994، بتعزيزات عسكرية، لمساندة قوات المعارضة، من أجل السيطرة على العاصمة، جروزني.

وحيال انتصار جوهر دوداييف على معارضيه، وأسره نحو 70 جندياً روسياً، وإعلانه أنه سيعاملهم كأسرى حرب، ما لم تعترف موسكو بأنهم من رعاياها؛ اضطرت موسكو إلى التدخل المباشر، فأصدر الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، في 9 ديسمبر 1994، قراراً، يقضي بـ"اتخاذ كافة التدابير اللازمة، لنزع سلاح جميع التشكيلات العسكرية، في جمهورية الشيشان الانفصالية".

وفي 11 من الشهر نفسه، تقدمت القوات الروسية صوب العاصمة الشيشانية، التي سقطت في أيديها، في 31 ديسمبر 1994، بعد معارك طاحنة، وخسائر هائلة في الجانبَين.

ولم يؤد دخول العاصمة جروزني، وفرار مقاتلي الشيشان إلى الوديان والمناطق الجبلية، إلى عودة الهدوء؛ بل تواصلت أعمال القتال، إذ عمد المقاتلون الشيشانيون إلى شن الغارات الخاطفة، وبادروا إلى العمليات الانتحارية، وخطف الرهائن داخل الأراضي الشيشانية وخارجها.

وبدا واضحاً، خلال مرحلة المواجهة المسلحة، صعوبة التوصل إلى حل وسط، يرضي طرفَي الصراع. فالرئيس الشيشاني يصمّم على الانفصال، ويتمسك بالدولة المستقلة، ويرفض أي أفكار، تمثّل حلاً وسطاً، ما دامت لا تحقق الاستقلال. في المقابل، كانت موسكو مستعدة للموافقة على أي صيغة جديدة للعلاقة بجروزني، عدا الانفصال. وإذا كان الرئيس الشيشاني يخاطب عاطفة شعبه ويستثيرها بإنشاء الدولة المستقلة؛ فإن العوامل الحاكمة للموقف الروسي ما كان لها أن تقبل مثل هذه الخطوة، لسببَين رئيسين:

أولهما، الحفاظ على وحدة الأراضي الروسية؛ إذ تنظر موسكو إلى انفصال الشيشان، على أنه يمثل تهديداً خطيراً لوحدة أراضي الدولة الروسية وتماسكها، وهي التي تضم سبع عشرة جمهورية ذات حكم ذاتي، سبق بعضها الشيشان إلى المطالبة بالانفصال، مثل تتراستان في حوض نهر الفولجا، وبشكيريا في منطقة نهر الأورال؛ إضافة إلى عشرات الأقاليم والمقاطعات المتمتعة بالحكم الذاتي، وجميعها تقطن فيها أغلبية من قوميات صغيرة. واستطراداً، فإن أي تهاون في التعامل مع مطلب الشيشان الانفصالي، سوف يؤدي إلى انهيار الاتحاد الروسي.

ثانيهما، الأهمية الإستراتيجية للشيشان، في إطار الأمن والمصالح القومية الروسيَّين؛ فعلى الرغم من أن مبدأ الانفصال مرفوض رفضاً تاماً، فإن الوضع، بالنسبة إلى الشيشان، يتسم بخصوصات إضافية، تتمثل في موقعها في قلب إقليم شمالي القوقاز، الذي يُعَدّ معبراً لروسيا إلى آسيا؛ إضافة إلى كونها مركزاً لشبكة النقل والمواصلات، التي تربط روسيا بذلك الإقليم.

6. أهداف روسيا من غزوها جمهورية الشيشان

منذ الإعلان الرسمي باستقلال جمهورية الشيشان، اتخذت المواجهة الروسية ـ الشيشانية طابعاً خطيراً، يرجح رغبة روسيا المعلنة في القضاء على استقلال الشيشان؛ حتى لو استدعى الأمر استخدام كل الأساليب القسرية الممكنة، بما فيها القوة العسكرية؛ وفي ذلك، لم يختلف أسلوب الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، عن الحكام الروس السابقين، سواء في العهد القيصري، أو العهد الشيوعي.

ويمكن حصر الأهداف الروسية من غزو الشيشان بما يلي:

أ. السيطرة على الثروات الطبيعية الإستراتيجية في الشيشان، وأهمها إنتاج النفط وتكريره، والذي قدِّر ريعه، في السنوات الأخيرة، بنحو 9 مليارات دولار.

كما تُعَدّ الشيشان ممراً مهماً لأنابيب النفط في كل المنطقة؛ فمن جروزني، العاصمة، تمر الأنابيب الآتية من "باكو"، على بحر قزوين، إلى "نورورسيك"، على البحر الأسود.

ب. التحكم في خطوط المواصلات والترانزيت، والخشية من أن تؤدي سيطرة الشيشان على هذه الممرات والطرق الحيوية، إلى التضييق على روسيا وخنقها.

ج. توجيه رسالة قوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، أن روسيا لا تزال قوة عظمى.

د. إرهاب دول أوروبا، الشرقية والوسطى، ومنعها من الانضمام إلى حلف الأطلسي.

هـ. إخضاع الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، عسكرياً واقتصادياً، لسيطرة موسكو؛ وهو ما ظهر خلال التفاوض، بين الروس والمقاتلين الشيشانيين.

و. توجيه ضربة وقائية إلى القوميات الروسية المتطرفة، التي يتزعمها جيونيوفسكي، والتي استفادت من عدم حسم يلتسين موضوع الشيشان.

ز. توجيه ضربة وقائية إلى فكرة الانفصال، التي قد تراود قوميات أخرى.

7. محاولة التسوية

منذ سقوط العاصمة الشيشانية، جروزني، في أيدي القوات الروسية، في 31 ديسمبر 1994، والقتال لم يتوقف في الشيشان؛ إذ تواصلت عمليات القصف وشن الغارات، إضافة إلى عمليات احتجاز الرهائن، وغيرها من الأساليب، التي لجأ إليها المقاتلون الشيشانيون.

وبدا واضحاً، منذ البداية، أن موسكو تسعى إلى القضاء على رموز المقاومة، والتمهيد لصياغة أُسُس جديدة للعلاقات بالشيشان، على نحو يبقي هذه الجمهورية داخل إطار الاتحاد الروسي، ويقضي على مطلب الانفصال. ولذلك، أعلنت موسكو، عقب قرار وقف إطلاق النار، في يناير 1995، قراراً صادراً عن المدعي العام الروسي، يقضي بالقبض على جوهر دوداييف بعد توجيه تهمة "الخيانة" إليه.

وعلى الرغم من محاولات دوداييف المتواصلة، لإقناع موسكو بالتفاوض معه مباشرة، إلا أنها واصلت رفضها، وعمدت إلى تشكيل حكومة موالية لها، في جروزني، مؤكدة أن هذه الحكومة مؤقتة؛ إلى أن تُجرى انتخابات حرة في الشيشان. وعلى الرغم من توقيع العديد من اتفاقات وقف إطلاق النار، وعدم استخدام المدفعية الثقيلة في القصف المتبادل، إلا أنها سرعان ما كانت تنهار، بعد الاتهامات المتبادلة بخرقها، من دون أن تكون هناك أطراف محايدة، تتولى الإشراف على تنفيذ الاتفاقات أو مراقبة تنفيذها؛ وذلك بعد أن ترسخ التفاهم، على الصعيدَين، الإقليمي والدولي، على أن ما يجري في الشيشان شأن روسي داخلي.

وبمرور الوقت، تأكدت صعوبة، إن لم يكن استحالة، حسم الأمر عسكرياً؛ فقررت موسكو مفاوضة دوداييف، وأصدر رئيس الوزراء الروسي، فيكتور تشيرنوميردين، في 26 أبريل 1995، قراراً، يقضي بوقف العمليات العسكرية، بدءاً من الأول من مايو 1995.

وبعد مفاوضات مكثفة، توصل المتفاوضون، في 22 يونيه 1995، إلى اتفاق مبدئي، يُنزع، بمقتضاه، سلاح فصائل المقاومة الشيشانية، بالتدريج؛ مقابل انسحاب القوات الروسية من الشيشان، على مراحل، وتمركز ستة آلاف جندي حول العاصمة، جروزني، ومدن أخرى.

كما دان رئيس الوفد الشيشاني، عثمان إيماييف، الإرهاب، بشتى صوره، وتعهد بالتعاون مع موسكو على القبض على شامل باسييف ورفاقه، الذين احتجزوا الرهائن، في بودنيوفيسك، في يونيه 1995.

وفي 30 يوليه، وقِّع الاتفاق العسكري، الذي نص على:

أ. الوقف الفوري لجميع الأنشطة العسكرية.
ب. نزع الأسلحة، وانسحاب القوات الروسية من الشيشان، بالتدريج.
ج. تبادل الأشخاص المحتجزين.

وعلى الرغم من موافقة دوداييف، ومصادقة لجنة الدفاع الشيشانية، برئاسته، على الاتفاق، إلا أنه أقال رئيس الوفد الشيشاني المفاوض، عثمان إيماييف، وعيّن بدلاً منه أحمد ياريخانوف.

ولم تنعم الشيشان بالهدوء، الذي كان متوقعاً بعد الاتفاق العسكري؛ إذ لم تتوقف الاشتباكات وأعمال الهجوم والهجوم المضاد؛ ما دفع الشيشانيين إلى تعليق مشاركتهم في مفاوضات التسوية السياسية، ووقف تنفيذ الاتفاق العسكري، احتجاجاً على استمرار الغارات الجوية، والقصف المكثف للعاصمة والمدن الشيشانية الأخرى.

أما موسكو، فأكدت أن القصف هو رد على عدم الالتزام بوقف الأنشطة العسكرية؛ إضافة إلى عدم تسليم المقاتلين الشيشانيين أسلحتهم، بحسب الاتفاق؛ إذ لم يسلموا سوى 3% فقط من 60 ألف قطعة سلاح لديهم؛ وهو ما عزاه المفاوضون الشيشانيون إلى عدم تنفيذ موسكو سحب القوات من الشيشان.

8. مشكلة الشيشان وتأثيرها في الوضع الداخلي الروسي

على الرغم من أن جميع القوى السياسية، في روسيا الاتحادية، هي مع بقاء الشيشان ضمن الاتحاد الروسي، إلا أنها وجهت، جميعاً، انتقادات حادة للعمليات العسكرية فيها؛ سواء بسبب رفضها مبدأ استخدام القوة في تسوية خلاف سياسي (كالقوى الليبرالية)، أو للقصور العسكري وعدم الحسم السريع، الأمر الذي أسفر عن خسائر ضخمة، في الأرواح والمعدات، لا توافق الفوارق الهائلة في القوة، بين موسكو وجروزني.

وانبرى كل طرف يستغل الفشل في حسم الصراع في الشيشان، في مصلحته، سياسياً. فدعت الكتل الليبرالية الروسية إلى إقالة وزير الدفاع، ووقف القتال، من الفور.

أمّا الكتل، القومية والشيوعية، فقد طالبت بإقالة الرئيس الروسي.

كما استغلت الأحزاب الروسية القضية، في المعركة الانتخابية، التي جرت في 17 ديسمبر 1995. وكشفت الحرب في الشيشان، عن حالة من السخط داخل الجيش الروسي، أسفرت عن إعلان الرئيس الروسي، في 11 يناير 1995، توليه مسؤولية قيادة القوات الروسية في الشيشان، بدلاً من وزير الدفاع؛ وأقال، بعد ذلك، الجنرال إدوارد تورويوف، لرفضه قيادة القوات الروسية في الشيشان، بسبب سوء الإعداد للعملية، وعدم التخطيط الجيد لها.

كما نقل الرئيس، في 13 فبراير 1995، نائب وزير الدفاع، الجنرال بوريس جروموف، الذي انتقد الحرب في الشيشان؛ إلى منصب إداري في وزارة الخارجية. وفي 29 يونيه 1995، أقال الرئيس يلتسين وزراء: الداخلية، فيكتور إيرين، والاستخبارات، سيرجي سيتباشين، والشؤون العرقية، نيكولاي إيجوروف؛ لفشلهم في إدارة أزمة الرهائن، الذين اختطفهم مقاتلون شيشانيون، في بودونيو فنسيك.

9. الانتخابات في الشيشان

وفي 17 نوفمبر 1995، أقر البرلمان الشيشاني قانوناً، يستحدث منصب رئيس الجمهورية، وبدء الإعداد لإجراء انتخابات حرة. إلا أن الحكومة الموالية لموسكو، بزعامة دوكو زافجاييف، رفضت فكرة ترشيح دوداييف لنفسه في انتخابات الرئاسة.

وأعلن المقاتلون الشيشانيون رفضهم إجراء الانتخابات، في ظل وجود القوات الروسية. وطرح رئيس الوفد الشيشاني، أحمد ياريخانوف، خيارَين:

الأول: انسحاب القوات الروسية، من دون شروط، من الشيشان، والبدء بمفاوضات في طبيعة العلاقة، بين جروزني وموسكو.

والثاني: إرسال قوات سلام دولية، بتفويض من الأمم المتحدة.

وهو أمر رفضته موسكو، ورأت فيه تصميماً على الانفصال، وممارسة بعض مظاهر السيادة. واكتفى الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، بمنح الشيشان "وضعاً خاصاً"، في إطار الاتحاد الروسي. وجاء ذلك في اتفاق، وقعه رئيس الوزراء الروسي، فيكتور تشيرنوميردين؛ ورئيس الحكومة الشيشانية المؤقتة، دوكو زافجاييف؛ ومستشار الرئيس الروسي، أولج لوبوف؛ ونص على:

أ. منح جمهورية الشيشان وضعاً خاصاً، داخل الاتحاد الروسي.
ب. اعتماد جمهورية الشيشان الدستور والتشريع الروسيَّين.
ج. حق الشعوب في تقرير مصيرها المعترف به دولياً. وتأكيد وحدة روسيا وسلامة أراضيها ومجالها الاقتصادي.
د. حق الشيشان في المشاركة في القرارات، في مجال العلاقات، الدولية والاقتصادية، بالعالم الخارجي، وحقها في فتح بعثات دبلوماسية لدى الدول الأجنبية.

وبعد توقيع الاتفاق، في 8 ديسمبر 1995، أعلن رئيس البرلمان السوفيتي السابق، روسلان حسبولاتوف، الشيشاني الأصل، انسحابه من معركة الرئاسة، التي جرت في 15 ديسمبر 1995 لاختيار أعضاء البرلمان الروسي عن الشيشان، واختيار رئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من دعوات المقاتلين الشيشانيين إلى مقاطعة الانتخابات، وتهديد كل من يشارك فيها، فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 48%، وأسفرت عن فوز دوكو زافجاييف بمنصب الرئيس، بنحو 85% من أصوات المشاركين.

وبعد ذلك، جاءت الانتخابات التشريعية الروسية، في 17 ديسمبر 1995، لتسفر عن فوز القوى الشيوعية والقومية، بعدد كبير من المقاعد، محتلة المركزَين، الأول والثاني. وكان ذلك يعني فوز التيارَين المؤيدَين الاستخدام المكثف للقوة المسلحة، حفاظاً على وحدة الأراضي الروسية؛ الأمر الذي قيد حرية الرئيس يلتسين في التحرك نحو حلول وسط للصراع في الشيشان، على الأقل حتى منتصف 1996، الذي حددت فيه الانتخابات الرئاسية.

10. اتفاق أغسطس 1996

.أسفرت حرب الشيشان الأولى (1994 ـ 1996)، عن قتل كثير من المدنيين، راوح عددهم بين 50 و80 ألفاً. وانتهت إلى اتفاق، وُقِّع في أغسطس 1996، يحدد نهاية عام 2001 موعداً لتقرير العلاقة المستقبلية، بين روسيا والشيشان.

ولكنه أثار إشكالية، حكمت تصورات الطرفَين وتصرفاتهما، منذ أغسطس 1996، حتى تفجُّر الصراع، مرة ثانية، في 14 أغسطس 1999، وتمثلت في تفسير كلٍّ منهما للاتفاق، بأنه يعني نصراً له. فالشيشانيون رأوه تكريساً لاستقلالهم، الذي أعلنه رئيسهم السابق، دوداييف، في أكتوبر 1991، وأضفى عليه الشرعية القرار الصادر عن البرلمان الشيشاني، في مارس 1992. أمّا الروس، فقد رأوه تكريساً لشرعية سيطرتهم على المنطقة الجنوبية من الاتحاد السوفيتي.

11. الاجتياح الروسي الثاني للشيشان

سبق الاجتياح الروسي الثاني للشيشان، في 14 أغسطس 1999، توترات حدودية، بين داغستان وروسيا والشيشان، تلتها محاولات شيشانية للسيطرة على المناطق والقرى الداغستانية، الواقعة قرب الشريط الحدودي بين البلدين. ثم جاء الرد الروسي، لدرء الخطر عن داغستان، على أثر تفجيرات عديدة، شهدتها موسكو وداغستان؛ وهي التفجيرات التي حملت روسيا الشيشان مسؤوليتها، واتخذتها ذريعة منطقية لبدء اجتياحها الثاني.

وكان لكلٍّ من طرفَي الصراع، دوافعه ومبرراته.

أ. دوافع الشيشان ومبرراتها

يُعَدّ الشيشانيون أكثر الأعراق السكانية، في منطقة شمالي القوقاز، وأشدها كفاحاً، على مر التاريخ، من أجل بسط سيادته على ذلك الإقليم. وبعد توقيع اتفاق عام 1996، حسب الشيشانيون أن كيانهم المستقل قد تحقق على أرض الواقع، وأن ما سيحدث عام 2001، هو اعتراف رسمي روسي بالشيشان، كدولة لها أرض، وحدود، وشعب، وحكومة ذات سيادة؛ فدبأوا يحلمون بإمبراطورية شمالي القوقاز الإسلامية، التي لن تتأتّى إلا بالمسارعة إلى: ضم داغستان، وإنجوشيا، وبقية الجمهوريات الإسلامية الصغيرة، المنضوية تحت الاتحاد الروسي؛ لإدراج ذلك في المفاوضات، التي ستنعقد عام 2001.

انطلاقاً من ذلك، استغل قادة الشيشان الاضطرابات، التي وقعت بين حكومة داغستان وقطاع عريض من شعبها ذي الأغلبية الإسلامية، كشعب الشيشان؛ فأرسلوا قواتهم إليها، لتحرير الشعب الداغستاني من السيطرة الروسية، ظاهراً؛ وتحقيق الحلم الشيشاني، باطناً. واختطوا، لبلوغ مقصدهم، إستراتيجية ثلاثية المراحل:

(1) التوعية: قوامها دعوة الناس للعودة إلى الأصول الإسلامية؛ ورفض الوجود الروسي في داغستان، وحتمية مقاومته. واعتمدت هذه المرحلة على أشرطة التسجيل، والإذاعة الموجهة، وبعض الطلبة أتباع الشيشان.

(2) التدريب: عماده نقل مستجيبي الدعوة، من الشباب الداغستاني، إلى معسكرات خاصة، يشرف عليها المقاتل العربي، ابن الخطاب، لتدريبهم على جهاد كل ما هو غير إسلامي.

(3) الجهاد: هو تنفيذ ما جرى التدريب عليه، من رصد مناطق الوجود الروسي في داغستان؛ إلى تأمين طرق الوصول إليها؛ إلى التنسيق مع ولاة تلك المناطق وحكامها، من أجل تخزين السلاح فيها، ووجود المجاهدين داخلها؛ وصولاً إلى تنفيذ هجمات مؤثرة في القوات الروسية.

غير أن أول عملية، كان مخططاً تنفيذها في قرية كومادا، خلال أغسطس 1999، اكتُشفت، فبادرت القوات الروسية إلى مهاجمة المجاهدين، داخل القرية، الذين استنجدوا بالشيشان. وكان مقدم الشيشانيين لمساعدة أصدقائهم، بداية لتفجر الصراع؛ إذ تدفقت القوات الروسية المدججة في السلاح والطائرات الحديثة، لتنطلق شرارة الصراع الروسي ـ الشيشاني. ولكن، هذه المرة، داخل الأراضي الداغستانية، في القرى القريبة من الشريط الحدودي، بين الشيشان وداغستان. واستمر الصراع، طوال الفترة من 14 أغسطس 1999 إلى 22 سبتمبر 1999، محصوراً داخل الأراضي الداغستانية؛ غير أن القيادة الروسية، قررت، في 23 سبتمبر 1999، اجتياح جمهورية الشيشان نفسها.

ب. دوافع روسيا ومبرراتها

(1) مسؤولية الشيشان عن التفجيرات، التي وقعت في موسكو وداغستان، اللتَين شهدتا ستة تفجيرات، أودت بحياة ما يقرب من 300 مواطن، ثلاثة منها في موسكو، في 31 أغسطس و9 و13 سبتمبر؛ والأخرى في جمهورية داغستان، في مدن بويناكسك، وسان بطرسبرج، وفولجودونسك؛ وقد اتهمت روسيا الشيشان اتهاماً صريحاً بالمسؤولية عن تلك التفجيرات.

(2) استباق موعد الانتخابات، التي تُعَدّ أحد العوامل المهمة، التي دفعت القيادة إلى اتخاذ قرار اجتياح الشيشان؛ سعياً من قادة الكرملين إلى تبديد اتهامهم بالفساد واستغلال المناصب والانقسامات؛ عبْر انتخابات مجلس الدوما (البرلمان)، التي جرت في 19 ديسمبر 1999، والتي سبقتها اتهامات عديدة من جانب المعارضة، والخارجين من النخبة السلطوية، باحتمالات التزوير وعدم النزاهة والعدالة في الدعاية؛ وذلك لمصلحة كتلة "الوحدة"، التي تُعَدّ ممثلة للكرملين، والتي شكَّلها، منذ شهرَين، سيرجي تشويجو، وزير الطوارئ الشاب في حكومة بوتين. فضلاً عن انتخابات الرئاسة، المزمع إجراؤها خلال مايو 2000، والتي زكىّ فيها يلتسين رئيس وزرائه، فلاديمير بوتين.

(3) اقتراب عام 2001، وضرورة القضاء على متمردي الجنوب، بدلاً من مفاوضة وضع الشيشان المستقبلي. فقد آثرت روسيا، بعد النهج الشيشاني في داغستان؛ وقدرتها على إلصاق تهمة التفجيرات بالمقاتلين الشيشانيين ـ حسم الأمور في مصلحتها، قبل حلول عام 2001، والتغاضي عن اتفاق عام 1996.

وهو ما تضمنه تصريح وزير الداخلية الروسي، فلاديمير روشيلو، الذي قال فيه: "إنه للمرة الأولى في تاريخ روسيا، تتمكن مجموعة من المجرمين، من بسط سيطرتها على واحدة من الجمهوريات الفيدرالية.

وتتمكن، بمساعدة قوى خارجية، من ممارسة أنشطة تخريبية، داخل العاصمة موسكو .. إن هدفهم السيطرة على أهم إقليم جغرافي إستراتيجي في البلاد، بغية إنشاء معسكرات لاحتواء الإرهابيين الدوليين، وممارسة تدريباتهم. وفي النهاية، سيؤدي ذلك إلى نشر عملياتهم الإرهابية في العالم كله".

(4) رغبة القيادة العسكرية الروسية في الانتقام من المقاتلين الشيشانيين، الذين كانوا قد وجهوا إليها ضربات موجعة، في الاجتياح الأول، مما أجبرها على وقف القتال، وإعلان الاتفاق معهم.

12. العمليات العسكرية الروسية

مهدت القيادة السياسية ـ العسكرية الروسية لعملياتها، بإعداد معنوي للجنود الروس. كما أعدت الرأي العام الروسي إعداداً صحيحاً، لتقبّل الاجتياح الروسي للشيشان، وذلك من خلال استخدام الآلة الدعائية الروسية، الرسمية والخاصة، في تحميل الشيشان مسؤولية التفجيرات، التي أودت بحياة ما لا يقلّ عن 300 مواطن روسي.

وحرصت القوات الروسية على قطع خطوط الاتصالات الشيشانية، السلكية واللاسلكية، وتلك المحمولة، التي كان لها دور كبير في تفعيل المقاومة الشيشانية، إبّان الاجتياح الأول؛ من طريق ضرب محطات الإرسال والتقوية والمقسمات (السنترالات).

كما عززت روسيا قواتها في الشيشان، بطائرات عمودية، من نوع "القرش الأسود"؛ وهي طائرات متطورة، قادرة على تعقب المقاتلين الشيشانيين، في السهول والجبال وأماكن اختبائهم، بما فيها الكهوف الجبلية؛ وذلك تفادياً لمواجهتهم مواجهة مباشرة، كانت قد أسفرت، إبّان الاجتياح الأول، عن خسائر كبيرة في القوات الروسية، البرية والآلية.

تولى قيادة العمليات العسكرية الروسية، خلال الاجتياح الثاني، وزير الدفاع، المرشال سرجيف، الذي أشرف عليها، وكان المسؤول الأول عنها. أمّا القيادة الميدانية، فقد تولاها رئيس الأركان، الجنرال أناتولي كفشانين، يعاونه ثلاثة ضباط، كانوا تولوا إمرة مجموعات القتال في الجبهات الرئيسية في الشيشان، وهم: الجنرال فيكتور كازانتسيف، قائد القوات المركزية لمنطقة القوقاز الشمالية، الذي أرغم القوات الشيشانية على الانسحاب من داغستان، عند بدء الصراع؛ والجنرال جينادي تروشيف، قائد المجموعة العسكرية الروسية، الزاحفة نحو جروزني من داغستان، في الشرق؛ والجنرال فلاديمير شامونوف، قائد المجموعة العسكرية الروسية، الزاحفة نحو جروزني من إنجوشيا، في الغرب، والتي واجهت أصعب الطرق إلى العاصمة الشيشانية، نظراً إلى الطبيعة الجبلية للمنطقة؛ وعلى الرغم من ذلك، فقد نفذت مهامها بنجاح، وأسهمت بدور كبير في إسقاط العديد من المدن الإستراتيجية الشيشانية، وغيرها في داغستان وإنجوشيا. وكان هدف القيادة الروسية، السياسية والعسكرية، من هذا الاجتياح، القضاء على المقاتلين الشيشانيين، واحتلال العاصمة، جروزني. وكانت القيادة العسكرية تتوقع ألا تدوم العمليات أكثر من أسابيع معدودة، وأعلنت القيادة الروسية أنها ستنتهي في فبراير 2000.

وبدأت العمليات العسكرية، في 23 سبتمبر 1999، باجتياح الشيشان؛ ومرت بثلاث مراحل، هي:

أ. المرحلة الأولى: السيطرة على المدن والقرى الشيشانية، الواقعة على الحدود مع روسيا وإنجوشيا وداغستان.

ب. المرحلة الثانية: تطويق العاصمة، جروزني؛ والزحف في ما يشبه الهلال، لإحكام التطويق والسيطرة على كل المدن والجسور الإستراتيجية. وفي هذه المرحلة، سقطت المدن الإستراتيجية الرئيسية، مثل: جوديرميس، وشالي، ومنطقة أوروس مارتان. واستكملت القوات الروسية حصار جروزني.

ج. المرحلة الثالثة: اقتحام العاصمة الشيشانية، خلال فبراير 2000، وتدميرها تدميراً تاماً، وقتل وإصابة عدد كبير من المقاتلين الشيشانيين، وهذا ما أجبر قيادتهم، وعدداً كبيراً منهم، على الانسحاب إلى منطقة الجبال والممرات الحاكمة. ولم تقتحم القوات الروسية جروزني، إلا بعد غارات جوية مكثفة.

وتكبدت القوات الروسية خسائر فادحة، خلال اقتحامها العاصمة الشيشانية، إذ دارت معارك من شارع إلى شارع.

13. الموقف الدولي

اختلف الموقف الدولي، خلال الاجتياح الروسي الثاني للشيشان، عنه في الاجتياح الأول:

أ. الموقف الدولي، خلال الاجتياح الأول

منذ اللحظة الأولى لتفجر العمليات العسكرية، لم تظهر معارضة دولية للتدخل العسكري الروسي في الشيشان؛ إذ عُدَّ شأناً روسياً داخلياً.

واقتصر رد الفعل الدولي، في البداية، على الجوانب الأخلاقية، الكامنة وراء غزو الشيشان، في إطار ما ذُكر عن تزايد نفوذ "المافيا" فيها، وتورط نظام جوهر دوداييف في عمليات، لتهريب المخدرات، والاتجار في السلاح.

وبعد سقوط جروزني، ومواصلة القوات الروسية الاستخدام المكثف للسلاح، ظهر بعض الانتقادات الغربية لعمليات انتهاك حقوق الإنسان، وتزايد أعداد الضحايا المدنيين.

وفي هذا الإطار، لوح الاتحاد الأوروبي بالضغط على موسكو، اقتصادياً، بتأجيل توقيع اتفاق اقتصادي معها. كما صعَّدت ألمانيا من اتهاماتها بانتهاك حقوق الإنسان.

وعندما لوحت الولايات المتحدة الأمريكية، بوقف المساعدات الاقتصادية لموسكو، احتجاجاً على انتهاك حقوق الإنسان، أعلن وزير الدفاع الروسي، بافيل جراتشيف، نية بلاده في عدم الالتزام بنصوص معاهدة خفض الأسلحة التقليدية والقوات البرية في أوروبا، الموقعة عام 1990؛ وطالب بمراجعة المعاهدة، حتى تتمكن موسكو من نشر أكبر عدد من قواتها، في منطقة جنوبي القوقاز. وأكد الفكرة نفسها القائد الأعلى للقوات البرية الروسية، الذي أعلن أن "تشكيل جيش في القوقاز، ينافي معاهدة خفض الأسلحة التقليدية؛ ولكن ضرورات أمن الأراضي الروسية وسلامتها، لها الأولوية على مواد هذه المعاهدة".

وفيما يتعلق بدول الجوار الإسلامية، فقد أكدت إيران، أن النزاع في الشيشان أمر روسي داخلي؛ وأنها تؤيد وحدة الأراضي الروسية.

أمّا تركيا، العدو التقليدي لروسيا في المنطقة، فقد حاولت تبني موقف، ضد الغزو الروسي للشيشان، فدانته رئيسة الوزراء التركية، تانسو تشيلر، في 11 يناير 1995.

غير أنها اضطرت إلى التراجع، بعد أن استدعت الخارجية الروسية، السفير التركي لدى موسكو، وقدمت إليه احتجاجاً رسمياً على تدخّل الاستخبارات التركية في الشؤون الداخلية الروسية، على أثر القبض على أحد عملاء جهاز الاستخبارات التركية في الشيشان.

وانتهي الأمر بإقرار الحكومة التركية بالأمر الواقع، الذي أيدته المواقف الدولية المختلفة؛ وجاءت مساعداتها الإنسانية لشعب الشيشان، عبر التنسيق مع السلطات الروسية، على الحدود بين الشيشان وإنجوشيا.

أمّا دول وسط آسيا الإسلامية، فهي، وإن كانت مؤيدة، بصفة عامة، لوحدة الأراضي الروسية، لم تكن تنظر بارتياح إلى الاستخدام المكثف للقوة المسلحة، ضد شعب الشيشان؛ ولم يصدر عنها ما يُفهم منه معارضة الغزو المسلح، ولا تأييد الحركة الانفصالية للشيشانيين.

وبنَت الدول الكبرى، ولا سيما الغربية، مواقفها، على أساس أن غزو الشيشان، هو شأن روسي داخلي؛ انطلاقاً من إدراكها للعواقب، التي يمكن أن تترتب على تفكك روسيا الاتحادية، وعلى عمليات التحول إلى دولة ليبرالية على الطراز الغربي؛ أو العواقب، التي يخلفها هذا التفكك على الأمن الأوروبي، واحتمالات وقوع عشرات الحروب، الأهلية والعِرقية، في القوقاز، وباقي أنحاء روسيا الاتحادية؛ إضافة إلى عدم وجود مصالح حيوية، تبرر إثارة روسيا واستفزازها، من جراء معارضة غزو الشيشان.

وكذلك الخوف من أن تؤدي معارضة هذا الغزو، إلى بروز القوى القومية المتطرفة في روسيا، والمناوئة للغرب، على نحو يمثل تهديداً رئيسياً للأجواء، التي سادت بعد انتهاء الحرب الباردة.

لذلك، اقتصر رد الفعل الدولي على الدعوة إلى مراعاة حقوق الإنسان، والبحث عن تسوية سياسية للصراع، تبقي الشيشان جزءاً من الاتحاد الروسي، وعدم الاعتماد على الخيار العسكري.

ب. الموقف الدولي خلال الاجتياح الثاني

لم يُتَّخَذ أي موقف دولي من الاجتياح الروسي الثاني للشيشان، إلا بعد شهرَين، تقريباً، من اندلاعه؛ وتحديداً في 19 نوفمبر 1999، مع اختتام قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبيَّين؛ إذ وقَّع زعماء 54 دولة، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ميثاقاً للأمن الأوروبي، يرسي مبدأً مهماً؛ يَعُدّ الصراعات داخل حدود الدولة الواحدة، شأناً يهُم جميع الدول الأخرى. وفي هذا الإطار، اتفق زعماء المنظمة على أن التوصل إلى حل سياسي في الشيشان، أمر ضروري؛ وعلى أهمية أن تسمح موسكو لوفد دولي، بزيارة منطقة الصراع.
غير أن روسيا، رفضت، بعد ذلك بأيام، طلب كندا ومجموعة من الدول الأخرى، مناقشة الصراع في شمالي القوقاز، داخل مجلس الأمن؛ إذ أكد مندوبها إلى الأمم المتحدة، سيرجي لافاروف، أن هذا الموضوع لا علاقة له بمجلس الأمن، الذي يجب أن يناقش المسائل، التي تهدد السلام والأمن الدوليًّين فقط.

إزاء ذلك، دان الموقف الدولي ممارسات القوات الروسية في الشيشان، والقصف العشوائي، الذي تمارسه مقاتلاتها، والذي أنزل خسائر جسيمة بالمدنيين، خاصة بعد إنذار إخلاء جروزني، قبل مساء السبت 11 ديسمبر 1999. غير أن كل الإدانات الدولية، ذيلت بياناتها بضرورة البحث عن حل سياسي للصراع في شمالي القوقاز، بما يضمن سلامة الأراضي الروسية ووحدتها، إلى جانب ضمان حقوق المواطنين الشيشانيين، وعودة اللاجئين منهم إلى ديارهم.

14. المشكلة الشيشانية، في إطار القانون الدولي

هناك اتجاهان لتفسير العلاقة بين الشيشانيين والروس:

أ. الاتجاه الأول: يقول بأن الشيشان جزء لا يتجزأ من الاتحاد الروسي؛ ورسخ ذلك بقاؤها لفترة طويلة، خاضعة لسيطرة القياصرة والشيوعيين. ومن حق السلطة المركزية في موسكو، المحافظة على وحدة روسيا الاتحادية، التي ورثت الاتحاد السوفيتي السابق وراثة كاملة؛ والشيشان من ضمن هذه التركة.

ب. الاتجاه الثاني: يقول بحق تقرير المصير لشعب الشيشان؛ ويرى أنهم يختلفون عن بقية شعوب الاتحاد الروسي، اختلافاً كلياً، في الدين، والعِرق، واللغة، والثقافة، والتاريخ، والمزاج.

وهم لم يكونوا راضين عن وجودهم ضمن الاتحاد الروسي، في العهدَين، القيصري والشيوعي؛ بدليل ثوراتهم العديدة ضد روسيا.

هكذا، يتلوّن القانون الدولي، ويكيل بمكيالَين. فيجعل قضية جمهوريات البلطيق الثلاثة: أستونيا ولاتفيا وليتوانيا، قضية دولية، ويطالب بحق تقرير المصير لشعوبها، وتُمارس الضغوط على روسيا لتسحب البقية الباقية من قواتها في تلك الجمهويات. بينما يجعل قضية الشيشان مشكلة روسية داخلية، وينكر عليها حقه


المبحث الرابع 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المبحث الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المبحث الخامس
» المبحث الرابع
» المبحث الرابع
» المبحث الرابع
» المبحث الرابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحـداث الفارقــة في حيــاة الدول :: المشكلة الشيشانية-
انتقل الى: