منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Empty
مُساهمةموضوع: قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير    قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Emptyالثلاثاء 26 أبريل 2022, 7:02 am

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير (3/3)
منطلقات ابن تيمية في بحث المسألة؛ عرض وتحليل
الدكتور: خليل محمود اليماني
مدرس مساعد بجامعة الأزهر
(3/1)
قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Untit744
يُعد ابن تيمية من أبرز من اعتنى بالتقعيد والتأصيل لتوظيف الإسرائيليات في التفسير، وهذه السلسلة تستعرض هذا التقعيد تحليلًا ونقدًا، مستفتحةً بهذه المقالة التي تعرض منطلقات ابن تيمية في بحث المسألة وتسعى في تحليلها.

تمهيد:
يُعَدّ حضور المرويّات الإسرائيلية وتوظيفها في تفسير السلف أحد أبرز أبواب الدَّرْس التفسيري التي أثارت نقاشًا وجدلًا واسعًا حولها، فهي من أكثر مياسم الجدل وأنساق الإشكال في باب التفسير التي تناوبَتْ عليها الأقلامُ وقاربَتْها العديدُ من الكتابات والدراسات القديمة والمعاصرة.

والناظر في هذه المسألة لا يفتأ يلاحظ الفجوة الهائلة بين الواقع التنظيري والواقع التطبيقي لهذه المرويات في تفسير السّلف وكتب التفسير التي اعتنت بإيراد مقولاتهم من أمثال الطبري وغيره، ففي الواقع التطبيقي نلحظ أنّ هذه المرويات مثَّلَت حضورًا طاغيًا في تفسير السلف؛ حيث تتابعوا على توظيفها في التفسير بصورة ظاهرة، وكذلك بعض أئمة التفسير المبرّزين من أمثال الطبري وابن عطية وغيرهم، وفي الواقع النظري هناك نقد ظاهر لدى العديد من الدارسين قديمًا وحديثًا لتوظيف هذه المرويات في التفسير، وأنها بلا جدوى ولا أهمية ويمكن الاستغناء عنها.

كما أن هذا النقد يغلب عليه الإجمال في التناول ومهاجمة إيراد الروايات الإسرائيلية وتوظيفها، دون بيان لأُطُر التوظيف لهذه المرويات والمنهج الذي حَكَم مَن قاموا بتوظيفها، وكيفيات ذلك ومسالكه عندهم؛ ومن هنا يمكننا أن نقرِّر ما ذكرَتْه مقدمةُ كتاب (مراجعات في الإسرائيليات) من أنَّ «جُلّ مَن ناقش المفسِّرين في الإسرائيليات من المعاصرين قرَّر النتيجة وأصدر الحُكم بخطَئِهم قبل تبيُّن مراداتهم وفَهْم أغراضهم...، وشاهِدُ ذلك أنك لو سألْتَ أحدَ المنتقِدين عن عِلَّة إيراد المفسِّر لتلك الأخبار، أو كيفية إيراد المفسِّر لها...، ما وجدْتَ جوابًا يشفي الغليل» [1].

ولهذا كان من المهمِّ النظر في هذا التأصيل النظري لهذه المرويات، وتأمُّل كيفيات مقاربته للمسألة، وطرائق معالجته وتناوله لها، لا سيما وأن الساحة تخلو من أي مقاربات تقويمية لهذا التأصيل تبحث منطلقاته وتحلّل الأُسس المنهجية التي قام عليها صرح مقولاته.           

ومِن أبرز مَن اعتَنى بالتقعيد والتأصيل للمرويات الإسرائيلية في التفسير لدى السلف من القُدَامَى على نحو متوسِّع هو ابن تيمية -رحمه الله-، حيث انبرى للكتابة عنها وتحرير القول فيها، لا سيما في مقدمته الشهيرة بــ«مقدمة في أصول التفسير» [2].

وسبب كتابة ابن تيمية لهذه المقدمة -كما يقول في بدايتها- هو طلب البعض منه أن يكتب لهم «مقدمة تتضمّن قواعد كلية، تُعِين على فَهْم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه، والتمييز في منقول ذلك ومعقوله بين الحقّ وأنواع الأباطيل، والتنبيه على الدّليل الفاصل بين الأقاويل؛ فإنّ الكتب المصنَّفة في التفسير مشحونة بالغَثِّ والسمين، والباطل الواضح والحقّ المبين» [3].

ومن بين القضايا التي تعرَّض لها ابن تيمية في مقدمته مسألة المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف، حيث اعتَنى بالكلام عليها والتأصيل لها اعتناءً ظاهرًا، فقام بتقسيم المرويات وبيان درجة الاحتجاج بها، ومسالك روايتها في تفسير السلف، وطرَح بشأنها بعض المقررات النظرية؛ كبيان أنها تُذْكَر للاستشهاد لا الاعتقاد، وأنها كانت في جوانب غير مؤثِّرة ليس من ورائها كبير فائدة، وغير ذلك مما أَوْرَد مما سيأتي تفصيله.

وقد حظِي التأصيل التّيْمي بحضور ظاهر لدى مَن قارب المسألة بَعده؛ فغالب بَحَثَةِ المسألة ممَّن جاؤوا بعده -بِغَضّ النظر عن مواقفهم من هذه المرويات الإسرائيلية نقدًا أو دفاعًا عن مُورِدِيها- يلتزمون تقسيمَه الثلاثي للمرويات الإسرائيلية، ويتَّكِئُون على تأصيله من أنَّ حضور هذه المرويات في التفسير كان للاستشهاد، وأنه كان في جوانب غير مؤثِّرة في الدّين، وغير ذلك مما أَورَدَه في مقدمته[4]؛ ولذا فإنّ دراسة التأصيل التّيْمي هي على الحقيقة دراسة لجُلِّ التأصيل النظري حول المسألة.

وسوف نسعى في مقالاتنا هذه لدرس البحث والتناول التَّيْمي لتوظيف المرويّات الإسرائيلية في تفسير السلف وتقويمه؛ لنتبيَّن الموقف من هذا البحث وما له وما عليه.

وفي هذه المقالة الأولى سنقوم بتحرير المنطلق العامّ للمعالجة التيميّة لهذه المسألة..

 وبيان ذلك على النحو التالي:
المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف ومنطلق النّظر لها عند ابن تيمية [5]:
إنّ المتأمِّل لكلام ابن تيمية حول مسألة الإسرائيليات في تفسير السلف يجد أنه يَنْصَبُّ على التعاطي مع المرويات باعتبارها مجالًا لنقل المضامين والمعلومات بصورة نقليّة بحتة، لا استدلاليّة تقوم على توظيف المرويّة ومعلوماتها في بيان المعنى تبعًا لقرائن ومسوِّغات تكون لدى المفسِّر، وسوف ننقل نصّ كلامه بِطُولِهِ من مقدمته في التفسير التي أصَّل فيها للموضوع، ونعلِّق عليه بما يُبرِز طريقته التي ذكَرْنا في النظر للمرويات الإسرائيلية في التفسير، ثم نتبعه بعد ذلك بتحليل بعض مقولاته الأخرى وتأصيلاته المؤكِّدة لذلك، وبيان ذلك على النحو التالي:
يقول ابن تيمية -رحمه الله-:
«الاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يُعلَم بغير ذلك؛ إِذ العلم إمّا نقل مصدَّق وإمّا استدلال محقَّق، والمنقول إما عن المعصوم وإما عن غير المعصوم، والمقصود بأنَّ جنس المنقول سواء كان عن المعصوم أو غير المعصوم، وهذا هو النوع الأول، منه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف، ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه، وهذا القسم الثاني من المنقول، وهو ما لا طريق لنا إلى الجزم بالصِّدق منه، عامَّتُه مما لا فائدة فيه، فالكلام فيه من فضول الكلام.

وأمَّا ما يحتاج المسلمون إلى معرفته، فإنّ اللهَ نَصَبَ على الحقّ فيه دليلًا، فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضَرَب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتَله الخضر، ونحو ذلك.          

فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان من هذا منقولًا نقلًا صحيحًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك بل كان مما يُؤخَذ عن أهل الكتاب؛ كالمنقول عن كعب ووَهْب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يَأخُذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلَّا بحُجّة، كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا حدَّثكم أهلُ الكتاب فلا تُصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم، فإمّا أن يحدِّثوكم بحقٍّ فتُكذِّبوه، وإمَّا أن يحدِّثوكم بباطل فتُصدِّقوه)... والمقصود أنَّ مثل هذا الاختلاف الذي لا يُعلَم صحيحُه ولا تُفيد حكاية الأقوال فيه، هو كالمعرفة لِمَا يُرْوَى من الحديث الذي لا دليل على صحّته، وأمثال ذلك.

وأمَّا القسم الأول الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود فيما يُحتاج إليه ولله الحمد، فكثيرًا ما يوجد في التفسير والحديث والمغازي أمورٌ منقولة عن نبينا -صلّى الله عليه وسلّم...» [6].

ومن خلال النصّ السابق لابن تيمية نلاحظ ما يلي: أولًا:
يجعل ابنُ تيمية مرجع الاختلاف في التفسير على نوعين: النقل، والاستدلال؛ إذ العلم -كما ذَكَر- إما نقل مصدَّق وإما استدلال محقَّق، وقد انصبَّ كلامُه فيما أَورَدْنا في النوع الأول، إلا أنه بعد ذلك أفاض في الكلام على النوع الثاني؛ حيث قال: «وأمّا النوع الثاني من مستندَي الاختلاف، وهو ما يُعلم بالاستدلال لا بالنقل، فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين...» [7].

ثانيًا:
قَسَم ابن تيمية الاختلاف الراجع إلى النقل -من حيث القدرة على التحقُّق من صحته وضعفه سواء كان واردًا عن المعصوم أو غيره- إلى قِسمَين: الأول: ما يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه، الثاني: ما لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه.          

ثم بيَّن بعض الأمور التي تتعلق بالقِسم الثاني؛ أبرزها:
الأول: أنَّه لا طريق للبَتِّ في أمر صحته.
الثاني: لا فائدة منه والكلام فيه فضول.
الثالث: أنه لا تقوم الديانة به.


وظاهر جدًّا مما سبق أنَّ منطلَق نَظَر ابن تيمية للمرويات الإسرائيلية في التفسير قائم على أنها تمثِّل مادة معلوماتية ينقلها المفسّر ضمن التفسير..

وشاهِدُ ذلك ما يلي: أولًا:
مقابلته في الخلاف في التفسير بين النقل والاستدلال، وجَعْله الوارد عن المرويّات -كالاختلاف الحاصل في التفسير في لون كلبِ أصحاب الكهف وغيره- ضِمْنَ الأول، وهذه المقابلة مشكلة في التفسير ولا واقع لها كما سنبيِّن لاحقًا؛ إذ الاختلاف في التفسير مرجعه استدلالي بالأساس؛ لأننا متى جاوَزْنا النقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التفسير -وهو قليل جدًّا- فإن سائر ما عدا ذلك من مقولات تفسيرية يُنْتِجها المفسّرون هي اجتهاد منهم لا أكثر تبعًا لقرائن واستدلالات تتعلق بهم.          

إن هذه المقابلة التي ذكرها ابن تيمية وجَعْله المرويات الإسرائيليات ضمن الأول تعني بوضوح:
- أنَّ المفسرين من السّلف قاموا بنقل مضامين المرويات الإسرائيلية ومعلوماتها في التفسير.
- صار لدينا -تبعًا لنقلهم- تفسير نقليّ مستقِلّ بذاته ومُستمَد من المرويات الإسرائيلية يقابل مقولاتهم التفسيرية الاستدلالية.


وهذا ظاهر جدًّا في أنَّ مبنى النظر عنده للمرويات الإسرائيلية أنها تحمل مضمونًا يقوم المفسرُ بنقله وإيراده في التفسير.

ثانيًا:
قَسَم ابن تيمية الخلاف الراجع للنقل إلى ما يُعرف صحيحه من ضعيفه لوروده في الأحاديث النبوية كاسم صاحب موسى وأنه الخضر، وما لا يعرف فيه ذلك لوروده عن المرويات الإسرائيلية.          

وجَعْلُه معيار معرفة الصحة والضعف أساسًا لتقسيم ذلكم الخلاف -دالٌّ على نظرته النقلية عن المرويات؛ ذلك أنه أضحى لديه تفسيرًا منقولًا نقلًا محضًا عنها، وحيث إنه يريد بيان الموقف من هذا الخلاف والتعامل معه، فمن الطبيعي أن يرجع المعيار في التقسيم للقدرة إلى معرفة الصحة والضعف في المرويات المنقول عنها، وإلَّا فالمقولات التفسيرية والمعاني المُنتَجة اجتهادًا لا يكون معيار قسمتها من زاوية ضبط التعامل معها من الأدوات التي وُظِّفَت في إنتاجها، وإنما من خلال قرائن الاستدلال ذاتها.

ثالثًا:
كلامُهُ عن القسم الثاني من الخلاف الراجع للنقل والذي تقع فيه المرويّات الإسرائيلية، وأنه لا سبيل للبَتِّ في صحته، وأنه لا فائدة فيه ولا تقوم به الديانة -دالٌّ كذلك على نظرته النقلية عن المرويات؛ للآتي:
- المعاني التفسيرية الاجتهادية يكون الموقف منها إمّا القبول لها أو الردّ أو التوقُّف في شأنها بحسب الدلائل التي بين أيدينا، ولا يكون الموقف منحصرًا في التوقّف وعدم القدرة على البتِّ في شأن صحتها، اللهم إلا لو كانت منقولةً نقلًا محضًا عن مصدر لا يمكننا معرفة صدق مضمونه من عدمه، وبالتالي تأخذ حكمه.

- لا مدخل لتقييم المرويات الإسرائيلية والولوج لمضامينها وبيان أنَّ استيعابها فضول، أو مقابلتها بالمنقولات الشرعية وبيان أنها دونها وأنها بلا فائدة في الدِّين إلا إذا كانت تمثِّل حضورًا في التفسير، وجرى النقل المباشر عنها.

ومن هاهنا فإنَّ كلامَ ابن تيمية عن القسم الثاني وجَعْله لا طريق للبتِّ في صحته كالمرويات الإسرائيلية ذاتها ومقابلته بالمنقول الشرعي وبيان أنه دونه وأن الكلام فيه فضول وأنه بلا فائدة في الدِّين -دالٌّ بوضوح على تبَنِّيه النظرة النقلية عن المرويات الإسرائيلية، وأن صنيع المفسرين كان قائمًا على الاستمداد المحض من مادة المرويات والنقل عنها.

ومِمَّا يدلّ كذلك على أن منطلَق نَظَرِ ابن تيمية للمرويّات الإسرائيلية في التفسير قائم على أنها تحمل مضمونًا ينقله المفسِّر في التفسير، ما يلي:
الأول: تأصيلاته ومقرّراته النظرية حول المرويّات الإسرائيلية في تفسير السلف:
فقد نظّر ابن تيمية للمرويات الإسرائيلية في تفسير السلف في مقدمته وقرّر بشأنها بعض التأصيل النظري، والذي يدلّ عند تأمُّله على ما قرَّرناه مِن منطلَقه.

وذلك على النحو التالي:
أولًا: قوله بأنّ الإسرائيليات تُرْوَى للاستشهاد لا للاعتماد والاعتقاد:
فهذه المقولة قد قرَّرها ابن تيمية بوضوح، حيث قال: «غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السُّدِّي الكبير في تفسيره عن هذَين الرَّجُلَين: ابن مسعود وابن عباس، ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-... ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زامِلتَيْن من كتب أهل الكتاب، فكان يحدِّث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإِذْن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذْكَر للاستشهاد لا للاعتقاد...» [8].

والمُتأمِّل لهذه المقولة يجدها تأتي متّسقة تمامًا مع النظر التيمي السابق للمرويات؛ فالمرويات لـمَّا كان مناط النظرِ محكومًا بأنها تمثّل موردًا ينهل منه المفسِّر المعلومات وينقلها في التفسير فلا بد أن تكون مادةً استشهادية فقط ولا يعتقد مضمونها، فهذه المرويات مما لا يُعلم صِدْقُه مِن كَذِبِه؛ وبالتالي فغاية المفسِّر أن يَسْتَشْهِدَ بها على أمرٍ مقرَّرٍ عندنا لا يَسْتَدِلَّ بها؛ لأنها مادة يتعذَّر إمكان التأسيس تبعًا لها، وكذلك لا يعتقد بصحة مضامينها.

ثانيًا: تقسيمه للمرويات الإسرائيلية باعتبار مضمونها:
يقسم ابن تيمية المرويات الإسرائيلية في التفسير بشكلٍ ثلاثي؛ وأنَّ منها ما عَلِمْنَا صحتَه مما بأيدينا مما يشهَد له بالصدق فذاك الصحيح، وأنَّ منها ما علمْنَا كذبه بما عندنا مما يخالفه وأنه المرفوض الذي لا يجوز قَبُوله ولا روايته، وأن منها ما هو مسكوت عنه لا من هذا القَبِيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نُكَذِّبه وتجوز حكايته.

يقول ابن تيمية:
«هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذْكَر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما عَلِمْنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كَذِبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القَبِيل ولا من هذا القَبِيل، فلا نؤمن به ولا نكذِّبه وتجوز حكايته؛ لما تقدم.          

وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمرٍ ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسِّرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعِدَّتهم، وعصا موسى من أيّ الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها اللهُ لإبراهيم، وتَعْيِين البعض الذي ضُرِب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلَّم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه اللهُ في القرآن، مما لا فائدة في تَعيِينه تعود على المكلَّفِين في دنياهم ولا دينهم، ولكنَّ نَقْل الخلاف عنهم في ذلك جائز» [9].

وهذا التقسيم قائم بوضوح على النظر للمرويات باعتبارها مجالًا لاستمداد المعلومات؛ إذ مبناه على النَّظَر لمضامين المرويات ذاتها، والحُكم على كلّ مضمون والواجب إزاءه في كلّ قسم؛ ولهذا جرى تقسيمها ثلاثيًّا بحسب ذلك؛ فما وافق منها شَرْعَنا قَبِلْناه وجوَّزْنا روايته، وما خالفه ردَدْناه ومنَعْنا حكايته، وما لم نجد في موافقته أو مخالفته دليلًا قاطعًا توقَّفْنا فيه وجوَّزْنا روايته.

إنه تقسيم يستحضر المضامين ويؤسّس المعيار اللازم إزاء الحكم على الخبر الإسرائيلي ذاته ومضمونه وما يحمله من معلومات؛ ولهذا تجد ما يقاربه لدى بعض العلماء قَبْل ابن تيمية ممن اعتنوا بتأطير الإفادة والنقل لبعض المعلومات عن هذه المرويات بصورة عامّة، ومن ذلك قول ابن حزم -رحمه الله- وهو بصدد بيان موقفه من المعلومات والمضامين الواردة في هذه المرويات: «ما نزل القرآن والسُّنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بتصديقه صدَّقْنا به، وما نزل النصّ بتَكْذِيبه أو ظهر كذِبُه كذَّبْنا به، وما لم ينزل نصّ بتصديقه أو تكذيبه وأمكن أن يكون حقًّا أو كذبًا لم نصدِّقهم ولم نكذِّبهم وقلنا ما أمَرَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نقوله» [10].

ومن هاهنا، فإنّ هذا التقسيم المضموني للإسرائيليات ذاتها واستحضاره في التفسير دالٌّ على انطلاقة ابن تيمية النقلية عنها في التفسير، وإلَّا فإنّ تقسيمها باعتبارها أداة موظَّفة في بيان المعنى يكون ليس باعتبار مضمونها في ذاتها، وإنما علَاقتها بالبيان ذاته، وارتباطها بمساحات مخصوصة منه مثلًا أو بنوع معيَّن من الآيات أو غير ذلك من الاعتبارات التي تدور في فلَك البيان ودورها فيه، فالمفسِّر المستدِلّ والموظِّف لبعض الأدوات في التبيين كالأشعار الجاهلية أو غيرها، لا صلة له أصلًا بمضامين هذه الأدوات التي يُبيِّن من خلالها ويَستدِلُّ بها ومقدار موافقتها أو مخالفتها للشرع، ولا تُناقَش المسألة معه من هذه الزاوية أبدًا، إلَّا لو تصورناه ناقلًا نقلًا مباشرًا لمضامين المرويات.

ثالثًا: قوله إنّ غالب رواية الإسرائيليات مما لا فائدة له في الدّين:
يقول ابن تيمية -كما مرّ معنا في تقسيمه السابق للمرويات الإسرائيلية-: «...والثالث: ما هو مسكوت عنه لا مِن هذا القَبِيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذِّبه وتجوز حكايته؛ لما تقدّم.          

وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمرٍ ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسّرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف...، إلى غير ذلك مما أبهمه اللهُ في القرآن، مما لا فائدة في تَعيِينه تعود على المكلَّفِين في دنياهم ولا دينهم، ولكنَّ نَقْل الخلاف عنهم في ذلك جائز».

إنَّ حديثَ ابن تيمية عن قيمة المرويات الإسرائيلية التي يجوز روايتها وأنَّ مضامينها بلا فائدة وأنَّ الدِّين غنيّ عنها ولا يحتاجها -ظاهرٌ جدًّا في حضور منطلَق النقل عن المرويات في التفسير عنده، وإلَّا فأدوات المفسّر في البيان من شعر جاهلي وغيره لا تعقد مقارنة بين مضامينها والمضامين الشرعية؛ لأنه مستدِلٌّ بها وموظِّفٌ لها لا ناقلٌ عنها.          

إنّ نزوع ابن تيمية لبيان قيمة المرويات التي يجوز روايتها، وأنّ يقرر بشأنها مثل هذا التقرير وأنها لا تحمل فائدة في الدِّين، سببه نظرته النقلية عنها في التفسير لدى السلف، وبالتالي تصدَّى لبيان درجة هذا النقل وأنه بلا كبيرِ جدوى ولا يسدُّ حاجةً في الشريعة، وأنه تعلّق ببيان مبهَمات لا يعود على المكلَّفِين فائدة دينية أو دنيوية من وراء تَعيِينها، حتى لا يفتح بابًا للظنّ بنقص الدين وحاجته لمكمّلات، لا سيما وأنّ الأمر متعلِّق بالسلف.

ثانيًا: تأصيله لمسألة عصمة الأنبياء من الذنوب:
تتابَع السلفُ في تفاسيرهم للمَواطن التي تتعلق بالأنبياء وما تعرَّضوا له من فِتن على التصريح بهذه الفتن وذِكْرها وبيانها، وهم في ذِكر مقولاتهم يستحضرون المرويات الإسرائيلية، ومن ذلك كلامهم على فتنة داوود وأنها كانت في المرأة، وتفسيرهم لهَمِّ يوسف وأنه كان في حَلِّه لسراويله وإقدامه على مواقعة امرأة العزيز، وغير ذلك مما هو معلوم.          

وقد كانت تفسيرات السلف لجُلِّ هذه المواطن بمثابة إجماعات تفسيرية ظاهرة؛ حيث أطبقوا -بمختلف طبقاتهم- على ذِكر ذلك، ولم يَرِد عنهم قول غيره في التفسير [11].

وقد كانت هذه المَواطن من أكثر المواطن التي استشكلها نَقَدَة المرويّات الإسرائيلية في التفسير من أمثال الرازي وغيره، حيث تتعارض مع رؤيتهم لعصمة الأنبياء وعدم جواز وقوع مثل هذه الذنوب منهم، وبالتالي يقطعون برفض المرويّات وتوجيه سهام النقد لمن أوردها بصورة بالغة الشدّة، بدعوى أنها تحمل مضمونًا خادشًا لمقام النبوة والواجب إزاء عصمتهم، ويرُدُّون مقالة السلف باعتبارها مما أخذوه ونقلوه عن مرويات بني إسرائيل المعارِضة لديننا.

ومسألة عصمة الأنبياء من الذّنوب كانت إحدى المسائل العَقدية التي اعتَنى ابن تيمية بطرقها في كتاباته وتوسّع في الكلام والتدليل عليها، لا سيما وأنه اتّجه فيها لقولٍ مخالفٍ للعديدِ ممن سبقه من العلماء كما هو معلوم؛ حيث نحا إلى القول بأن عصمة الأنبياء تكون في عدم الإقرار على الذنوب مطلقًا لا في عدم فعلها منهم، ومن ذلك قوله: «والقول الذي عليه جمهور الناس وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقًا» [12].

وقد توسّع ابن تيمية في بيان هذا الرأي وشرح دلائله، وقد اعتمد في إثباته إجمالًا على استقراء النصوص الشرعية، حيث بيَّن أنّ القرآن الكريم يصرِّح بذِكْر ذنوب للأنبياء، وعلى استغفارهم وقبول توبتهم منها[13]، وأن الأحاديث والآثار تؤكِّد أنّ التوبة النصوح ترفع العبد لأعظم مما كان عليه، وبالتالي فإن ارتكاب الذنب ليس قادحًا في عصمة النبي أبدًا طالما أنه تاب منه وقُبِلت توبته.

يقول ابن تيمية:
«...وكذلك ما احتجُّوا به من أنّ الذنوب تنافي الكمال، أو أنها ممَّن عَظُمَت عليه النعمة أقبحُ، أو أنها تُوجِب التنفير أو نحو ذلك من الحجج العقلية، فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك وعدم الرجوع، وإلَّا فالتوبة النصوح التي يَقبلها اللهُ يرفعُ بها صاحبَها إلى أعظم مما كان عليه، كما قال بعض السلف: كان داوود -عليه السلام- بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة.          

وقال آخر: لو لم تكن التوبة أحبّ الأشياء إليه لَمَا ابتلَى بالذنب أكرم الخَلق عليه.          

وقد ثبت في الصحاح حديث التوبة:
«لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده من رجلٍ نزَل منزِلًا...»، وقال طائفة من السلف منهم سعيد بن جبير: إنّ العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، وإنّ العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة؛ يعمل الحسنة فيُعجَب بها ويفتخر بها حتى تُدخِله النار، ويعمل السيئة فلا يزال خوفُه منها وتوبته منها حتى تُدخِله الجنة... وفي الكتاب والسُّنة الصحيحة والكتب التي أُنزلت قبل القرآن مما يوافق هذا القول ما يتعذّر إحصاؤه» [14].

والمتأمِّل في معمار التأصيل التيمي للمسألة يجده خاليًا تمامًا من الاحتجاج بإجماع السلف في التفسير على التصريح بنسبة الذنب للأنبياء وتواترهم على ذلك، كما في تفسيرهم لفتنة داوود وهَمِّ يوسف مثلًا، واكتفاءه بالإشارة للآثار النظرية عنهم والمؤكِّدة لأفضلية حال العبد بعد التوبة النصوح لا غير.          

فعلى الرغم من لجوء ابن تيمية للاحتجاج بمقولات السلف التفسيرية واهتمامه بالاعتماد عليها في نقاشاته العقدية بصورة رئيسة، وكذلك قوة الاحتجاج بها في مسألة عصمة الأنبياء من الذنوب على نحو خاصّ وظهوره، إلا أنه عزف عن الاستناد لذلك وتقرير المسألة من خلاله.

وعزوف ابن تيمية عن اللجوء لأحد أبرز مستنداته في التأصيل لعصمة الأنبياء من الذنوب وأمضاها -ربما- في بيان خطأ الرأي المقابل له، وأنه مخالف لإجماع السلف، واعتماده على مطلق تحليل النصوص والآثار النظرية للسلف لا التفسيرية= هو منطلقه في النظر للمرويات الإسرائيلية في التفسير؛ فابن تيمية يراهم نَقَلَة في التفسير عن المرويات، لا أنَّ ما ذَكروه هو خلاصة رأيهم التفسيري للآية والمعبِّر عن موقفهم منها.

ولهذا فإنّ ما نقلوه:
- لا يؤسّس نظرًا شرعيًّا بذاته يُستنَد في الاحتجاج به في التقرير والتأسيس للمسألة، وإنما غايته التعضيد والتأنيس لما هو مقرّر في ديننا بإزائها لا أكثر؛ فالإسرائيليات ليست من الأدلة الشرعية، وغايتها كما يقول ابن تيمية أنها: «يُعتضَد بها ولا يُعتمَد عليها» [15]، و«تُذكَر على وجه المتابعة لا على وجه الاعتماد عليها وحدها» [16].

- يجب محاكمته للنصوص الشرعية فمتى وافقها قُبِل ومتى خالفها رُدّ؛ وفي ضوء هذا يُفهَم عدم استشكال ابن تيمية لما نقَله السّلف في بعض المواطن المتعلقة ببعض الأنبياء -مما فيه إثبات ذنبٍ لهم- كما في حال داوود وسليمان -عليهما السلام- وغيرهما؛ كونه نقلًا دائرًا في فلَك الشرع وما تدلّ عليه النصوص؛ إذ نسبة الذّنب لهم صرَّح بها القرآن، وكذلك استشكاله وحُكمه بالردِّ على بعض ما نقلوه في شأن بعض الأنبياء كيوسف -عليه السلام-[17]؛ إذ لم يَرَ نسبة الذنب له صريحة في القرآن، وهو ما سنفصل فيه القول في مقالتنا التالية.

والغرَض أنَّ عزوفَ ابن تيمية عن الاستناد إلى حُجية إجماع السلف في التفسير على نسبة الذنب للأنبياء وردَّه لبعض الوارد عنهم -مُظْهِرٌ على نحو جليٍّ منطلَقَه النقليّ عن المرويات الإسرائيلية في التفسير [18]، وهو الموقف الذي يتبنَّاه إزاء المرويات الإسرائيلية بصورة عامّة لا في ميدان التفسير فحسب، فابن تيمية دَأب على ترديد ذلك، وأن هذه المرويات مثَّلَت مجالًا للنقل المحض في غير ما موضع من كتبه ونقاشاته المتعددة لبعض المسائل مما يتعالق مع المرويات الإسرائيلية.

ومن ذلك:
- يقول ابن تيمية: «الإسرائيليات يُعتضَد بها ولا يُعتمَد عليها» [19]، «الإسرائيليات إنما تُذكَر على وجه المتابعة لا على وجه الاعتماد عليها وحدها» [20]، وكذلك أورد ابن تيمية خبرًا إسرائيليًّا وهو بصدد مناقشته لمسألة التوسُّل، فقال: «ورُوِي في كتاب الحلية لأبي نُعَيم أن داوود قال: بحقّ آبائي عليك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فأوحى الله -تعالى- إليه: يا داوود، وأيّ حقّ لآبائك عليّ؟»، ثم علَّق عليه بقوله: «وهذا وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فالإسرائيليات يُعتضد بها ولا يُعتمد عليها» [21].

- وأيضًا قوله في ردِّه على البكري:
منكِرًا عليه استدلاله بالحديث الذي يرويه، عن استشفاع آدم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-: «هذا الحديث وأمثاله لا يُحتَجُّ به في إثبات حكم شرعي، لم يسبقه أحد من الأئمة إليه... فإنّ هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بإسناد حسن، ولا صحيح، بل ولا ضعيف يُستأنس به، ويُعتضَد به، وإنما نَقَلَ هذا وأمثالَه -كما تُنقَل الإسرائيليات التي كانت في أهل الكتاب وتُنقَل عن مثل كعب، ووَهْب، وابن إسحاق، ونحوهم- مَنْ أخَذ ذلك عن مُسْلِمَة أهل الكتاب أو غير مُسْلِمَتِهم كما رُوي: أن عبد الله بن عمرو وقعت له صحف يوم اليرموك من الإسرائيليات، وكان يحدِّث منها بأشياء» [22].

- كذلك قوله:
«والمقصود هنا أنّ ما دخل في هؤلاء [يعني الفلاسفة القدامى] من دين الحنفاء الذي بَعث اللهُ به رسله فهو أقلّ مما دخل في الإسلام من دين اليهود والنصارى؛ ولهذا لم يكن على عهد الصحابة والتابعين مَنْ أدخلَ شيئًا من دين هؤلاء، بل كان يوجد مَن ينقل عن أهل الكتاب وعلمائهم مثل كعب ووَهْب ومالك بن دينار ومحمد بن إسحاق، ومثل ما ينقله عبد الله بن عمرو عن الكتب التي أصابها يوم اليرموك، وإنما استجاز لهذا لِمَا رواه البخاري في الصحيح عنه أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: بلغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج...» [23].

خاتمة:
ظهر لنا من خلال ما سبق أن منطلَق النظر عند ابن تيمية للمرويات الإسرائيلية في التفسير كان قائمًا على أنها تمثِّل مجالًا للنقل وأخْذِ المعلومات، وأنّ المفسرين من السلف كانوا مجرد نَقَلَة عن هذه المرويات لا موظِّفين لها في بيان المعنى.

ولا شك أنّ التصور بأن المفسِّرين كانوا نَقَلَة يبدو غريبًا جدًّا في ضوء تصوّرنا للعمل التفسيري، والذي يقوم على الاستدلال رأسًا لا النقل؛ إذ المفسِّر ليس إخباريًّا ينقل ويروي، وإنما هو يسعى لتبيين نَصٍّ له دلالات لفظيّة محدَّدة وقرائن سياقيّة وغير ذلك، وما يستحضره من مرويات وأشعار وغيرها هي أدوات يوظِّفها في التبيين لا ينقل عنها، وما يُورِدُه من مقولات هي مقولات تفسيرية تمثِّل ثمرة رأيه واجتهاده في التبيين، لا أنها مجرد نقول تُحَاكَم تبعًا للمصادر التي استُلَّتْ منها قَبُولًا أو ردًّا أو توقُّفًا، وإلَّا فإننا تبعًا لهذا النظر النقلي عن المرويات سنندفع لمحاكمة مقالة السّلف في التفسير باعتبارها أضحت منقولًا من مصدر أجنبيّ تُحَاكَم تبعًا لشَرْعِنا قَبُولًا أو ردًّا أو توقُّفًا، وأن نستدلّ لها لا بها، وأننا كذلك سنكون ملزَمِين بِرَدِّ بعض ما ذكروه حال حكمنا بالرفض على المصدر وأنه مما لا تَحِلُّ روايته، وهو ما سيضعُنا في إشكال آخر إزاء كيفية تتابع السَّلَف على نقل ورواية ما لا تَحِلّ روايته وما يخالِف الشرعَ، والمفترَض أنهُم أعلمُ الناس بالشّرع والدّين وبهم يُحْتَجُّ في تقريره.

إنّ هذه الإشكالات تثير تساؤلًا حول هذا المنطلق الذي تبنَّاه ابن تيمية في مقاربته للمرويات الإسرائيلية في التفسير ومدى صحته في بحث المسألة من خلاله، وهو ما سيكون محلًّا لنقاشنا في المقالة التالية.

الهوامش:
[1] مراجعات في الإسرائيليات، من إصدارات مركز تفسير، ص(10).
[2] هذه التسمية ليست من وضع ابن تيمية، وإنما هي مِن وَضْع جميل الشطِّي -مفتي الحنابلة-، وقد لاقَت هذه المقدمة شهرةً كبيرةً جدًّا، حيث عقد حولها عدد من الأعمال العلمية، وتوارد على التعليق عليها عددٌ كبيرٌ من الشُّرّاح.
[3] مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية، دار مكتبة الحياة، بيروت- لبنان، ط: 1400هـ- 1980م، ص(7).
[4] يراجع حضور التأصيل التيمي عند محمد حسين الذهبي، ورمزي نعناعة، ومحمد أبو شهبة، وكذلك في بحوث ومؤلَّفات الدكتور مساعد الطيار، والدكتور نايف الزهراني، وغيرهم ممن تكلموا في المسألة أو تعاملوا معها.
[5] سوف يلاحظ القارئ تطويلًا منّا في تحرير ذلكم المنطلَق وبيانه عند ابن تيمية من أكثر من طريق؛ كونه أساسًا لما يأتي بعده من مناقشة في بقيّة المقالات.
[6] المقدمة، ص(20-26)، بتصرف يسير.
[7] مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص(31).
[8] المقدمة، ص(42).
[9] مجموع الفتاوى، (364/13- 366).
[10] الفصل في الملل والأهواء والنحل، (160/1).
[11] يراجع تفسيرهم مثلًا لفتنة داوود وسليمان وهَمّ يوسف في تفسير الطبري، وسيأتي معَنا تفصيل لذلك في المقالة التالية.
[12] مجموع الفتاوى (10/ 293).
[13] يقول ابن تيمية مثلًا وهو بصدد مناقشة عصمة الأنبياء من الذنوب: «والله -تعالى- لم يذكر في القرآن شيئًا من ذلك عن نبيّ من الأنبياء إلَّا مقرونًا بالتوبة والاستغفار، كقول آدم وزوجته: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، وقول نوح: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47]، وقول الخليل -عليه السلام-: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]، وقوله: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء: 82]، وقول موسى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 155، 156]، وقوله: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16]، وقوله: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143]، وقوله -تعالى- عن داوود: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 24، 25]، وقوله -تعالى- عن سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]» مجموع الفتاوى (10/ 296).
[14] مجموع الفتاوى (10/ 295).
[15] مجموع الفتاوى (1/ 343).
[16] مجموع الفتاوى (5/ 464).
[17] يقول ابن تيمية: «وأما ما يُنقَل من أنه حَلَّ سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة، وأنه رأى صورة يعقوب عاضًّا على يده وأمثال ذلك؛ فكلُّه مما لم يُخبِر اللهُ به ولا رسولُه، وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبًا على الأنبياء وقدحًا فيهم، وكلّ مَن نقَلَهُ من المسلمين فعنهم نقَلهُ، لم ينقل من ذلك أحدٌ عن نبيِّنا حرفًا واحدًا».          مجموع الفتاوى، (297/10).
[18] قد يُقال إن ابن تيمية كان يسعه -جريًا على منطلقه- الاستناد حتى لمجرّد نَقْل السلف ذاته، وأنه مظهر لموقفهم من المسألة في العديد من المواضع، إلا أنه ابتعد عن ذلك -فيما يبدو- لحُكمه على وقوع بعض النقل الخاطئ عنهم في بعض المواضع وردّه لإجماعهم فيه، وهو ما يجعل موقف السلف النقلي بذلك لا يخلو من تعارض بَيِّنٍ، ولا يتركب منه اتساقٌ منهجيّ يمكن التأسيس عليه في المسألة، وهو ما قد يعكس عليه الحجة بتمامها بكلّ يُسْرٍ حالَ استنَد إليها؛ ولهذا انصرف عن الاحتجاج به.
[19] مجموع الفتاوى (1/ 343).
[20] مجموع الفتاوى (5/ 464).
[21] مجموع الفتاوى (1/ 343)
[22] الرد على البكري (2/ 581).
[23] الرد على البكري (2/ 582، 583).



قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 26 أبريل 2022, 9:39 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير    قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Emptyالثلاثاء 26 أبريل 2022, 9:36 pm

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Untit744

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير (3-3)
منطلق ابن تيمية في بحث المسألة؛ مناقشة وتقويم
الكاتب: خليل محمود اليماني
(3/2)
يُعد ابن تيمية من أبرز مَنْ اعتنى بالتقعيد والتأصيل لتوظيف الإسرائيليات في التفسير، وهذه السلسلة تستعرض هذا التقعيد تحليلًا ونقدًا، وبعد أن استعرضَت المقالة الأولى منها منطلقهُ في التقعيد للمسألة؛ تأتي هذه الحلقة الثانية لمناقشة هذا المنطلق وتقويمه.

سبق معنا في المقالة السابقة [1] أن منطلق طَرْح ابن تيمية لمسألة توظيف واستحضار المرويات الإسرائيلية هو أنها كانت مجالًا ينقل منه المُفسِّر، وفي هذه المقالة سنحاول تقييم هذا المنطلق التيمي، وبيان مقدار وجاهة اعتماده كأصلٍ ضابطٍ للنظر لدى بحث المسألة ومناقشتها.

وبيان ذلك على النحو التالي:
إنّ المتأمل في هذا المنطلق التيمي في النظر للمرويات الإسرائيلية في تفسير السلف وأنها كانت مجالًا للنقل، يجده منطلقًا مشكلًا جدًّا، ويتجلَّى غلطه من جوانب عديدة؛ أبرزها ما يلي:
أولًا: معارضته لحيثيّة التفسير:
لكي نفهم أحد المسائل والقضايا المبثوثة في رَحِمِ أحدِ الفنون والخروج بمقررات علميّة إزاءها، فإنّ علينا أن ننظر إليها من خلال حيثيّة الفنّ ذاته؛ وذلك لما لهذه الحيثيّة من أثر عظيم في طريقة النظر للمسألة وفهمها على الوجه الصحيح واللائق بها في الفنّ؛ لأننا متى أغفلنا ذلك اضطرب النظر واستغلق فهم وجه المراد من المسألة في الفنّ.

ولا شك أننا حال أردنا نظر مسألة المرويات الإسرائيلية في التفسير وَتَبَيّن طبيعة أغراض مُورِديها ومسالك توظيفهم لها، فإنّ علينا أن ننظر أولًا في حيثية التفسير وطبيعة غرضه.

حيثيّة التفسير وتحديدها:
إنّ التفسير -كما هو معلوم- يعاني مفهومه من تفاوت دلالي واسع، يمتدّ من بيان المعنى إلى استخراج الأحكام وسرد اللطائف والهدايات والمقاصد وغيرها، كما هو معلوم وظاهر من تفاوت تعريفاته ومادة التفسير في مصنفاته، إلا أننا رغم تفاوت دلالاته وتشعّبها يمكننا أن نميّز دوائرها بصورة عامّة إلى دائرتين رئيستين:
الأولى: دائرة بيان المعنى [2].
الثانية: دائرة ما فوق المعنى من استخراج الأحكام والهدايات... إلخ [3].

إننا متى نظرنا للتفسير من خلال هاتين الدائرتين فيمكننا أن نلحظ بوضوح أنّ التفسير تبعًا للدائرة الأولى ستكون حيثيته المميزة له هي بيان المعنى وتحصيله، وهي حيثيّة مفارقة لبقيّة الفنون التي تُعْنَى بالنظر للقرآن الكريم وتعمل من خلاله، وأما في الدائرة الثانية فمن الصعب الوقوف له على حيثية خاصّة؛ إذ يبدو واقعه متداخلًا بصورة بيِّنة مع حيثيات العديد من الفنون الأخرى كالفقه والأصول وغيرها [4].

يقول الكافيجي:
«لكلّ علم من العلوم المخصوصة كالفقه والأصول والنحو والصّرف إلى غير ذلك موضوع يبحث فيه عن أحواله، فيكون لعلم التفسير موضوع يبحث فيه عن أحواله، فموضوعه كلام الله العزيز، من حيث إنه يدلّ على المراد؛ وإنما قُيِّد بهذه الحيثية ليكون ممتازًا عن موضوع العلم الآخر؛ فإنّ الكتاب داخل -إن لم يقيَّد بها- تحت موضوع علم الأصول، من حيث إنه يستفاد منه الأحكام إجمالًا، ويندرج أيضًا -إن لم يتقيَّد بها- تحت موضوعات علوم أُخَر، بحسب اعتبار حيثيّات أُخَر» [5].

يقول عبد القادر الحسين: «علم أصول الفقه جاء لبيان كيفية التعامل مع النصوص وكيفية تفسيرها سواء أكانت قرآنية أو غيرها... إلَّا أنَّ علمَ أصول الفقه ألصقُ بالأحكام وأفعال المكلَّفِين؛ فهو يدرس الحاكم الذي هو الله، والحُكم الذي هو خطابه، والمحكوم الذي هو المكلَّف... فهو أخصّ من قواعد التفسير من هذه الجهة، فالتفسير شامل للقرآن الكريم بما فيه من عقائد أو أحكام أو أخبار وقصص.

كما أنه من جهة أخرى أعمّ من قواعد التفسير؛ إذ يدرس قضايا الرواية وأخبار الآحاد وقضايا التكليف والافتراضات العقلية كمسائل التكليف بما لا يطاق ونحوها... وقواعد التفسير أعمّ من أصول الفقه؛ إِذْ لا تختص بالأحكام وأفعال المكلَّفِين، ومن ناحية أخرى هي أخصّ؛ هي منصبَّة على النصّ القرآني بشكلٍ خاصّ فلا تدرس القياس ولا الاستحسان... وإنْ تعرضَتْ لشيء من ذلك فليس لذاته إنما يكون مساعدًا لتفسير النصّ القرآني» [6].

إننا عند محاولة استكشاف التوظيف الواقع من قِبل مَن أورد المرويات الإسرائيلية في التفسير فلا بد من النظر في مفهوم التفسير عنده وفي أيّ الدائرتين وقع؛ لأننا تبعًا للدائرة الأولى سيكون متمايزًا لدينا موضوع بيان المعنى (كشف مدلولات الألفاظ والدلالة على المراد من التراكيب)، والذي يمثّل حيثية مؤثِّرة في بحث المسألة تستأهل النظر الخاصّ، وإلا فبحثها تبعًا للدائرة الثانية التي يوجد فيها استخراج الأحكام، فإنه سيتقاطع حتمًا مع بعض الفنون الأخرى لا سيما الأصول؛ لاعتنائها بهذه المساحة، وبالتالي استحضار مقرّراتها غالبًا عند النظر بصورة أو بأخرى في النظر؛ لعدم ظهور تمايز التفسير بحيثيّة خاصّة عنهما غالبًا.

واقع حضور المرويات الإسرائيلية في دوائر التفسير:
إنّ الناظر للتفسير الذي مثَّلَت المرويات الإسرائيلية حضورًا فيه سيجد أنه يقع بصورة رئيسة في مرويات السلف في التفسير، وبطبيعة الحال التفاسير التي اعتنَتْ بإيراد هذه المرويات وعملَتْ من خلالها؛ كتفسير الطبري وغيره من الكتب الناقلة للوارد عنهم كما هو معلوم.

والناظر في مفهوم التفسير في تفسير السلف يجد أنّ جُلّه ينحو لبيان المعنى وما يرتبط به من امتدادات، لا التوسّع فيما وراء ذلك من استخراج الأحكام والحِكَم.

وهو أمرٌ له شواهد عديدة؛ أبرزها: أولًا:

مطالعة مروياتهم في التفسير: فالناظر في مقولاتهم التفسيرية يجد أن جلَّها ينحو لبيان المعنى وفكِّ دلالاته وتأكيده ودَعْمه، لا التوسّع في سرد الأحكام والنّكات واللطائف...إلخ، مما تجد له حضورًا في التفاسير الموسِّعة للمفهوم.

ثانيًا:
اشتغال الطبري بمقولاتهم في التفسير: إنّ تفسير الطبري يعدُّ على طوله أبرز التفاسير التي اعتنت بتحرير المعاني وعدم الاستطراد فيما وراءها مما تجده في كثير من التفاسير الموسِّعة للمفهوم، فالطبري صرَّح في مقدمته بجلاء برغبته في استيعاب الكلام على المعاني، حيث قال: «ونحن -في شرح تأويله، وبيان ما فيه من معانيه- مُنشِئُون -إن شاء الله ذلك- كتابًا مستوعِبًا لكلّ ما بالناس إليه الحاجة من علمه جامعًا... ومخبرون في كلّ ذلك بما انتهى إلينا من اتفاق الحُجّة فيما اتفقَتْ عليه منهُ، واختلافها فيما اختلفَتْ فيه منهُ، ومُبيِّنو عِلَلَ كلّ مذهب من مذاهبهم، ومُوَضِّحو الصحيح لدينا من ذلك، بأوجز ما أمكن من الإيجاز في ذلك» [7].

فالطبري رغب أن يكون جامعًا للمعاني التفسيرية ومحررًا لصحيحها من ضعيفها، وهو ما أعطاه مركزيّة في التفسير بتمامه كون تبيين المعنى هو صلب التفسير، وهو ما قررناه على نحوٍ خاصّ في مقالتنا: «تفسير الطبري؛ قراءة في أسباب مركزيته في التفسير» [8].

والمتأمّل في مادة كتاب الطبري يجد أنّ قوامها هو مرويات السلف التفسيرية لا غير، وهو الأمر الذي يبرز بجلاء وضوحَ عملية التبيين للمعنى في مروياتهم ودوران مقولاتهم عليها رأسًا؛ ولهذا لمّا رغب الطبري في عَقْد كتاب لاستيعاب المعاني والكلام عليها وتحرير القول فيها كما ذَكر في مقدمته، قام بجمع مرويّات السلف في التفسير ووازن بينها.

وإذا كان مفهوم التفسير لدى المفسِّرين من السلف مرتكزًا على تبيين المعاني وكشف مدلولات الألفاظ وما يتعلق بذلك بصورة رئيسة، فلا شك أننا صِرنا إزاء الحيثيّة المميّزة للتفسير، والتي سيكون من المهمّ استحضارها عند النظر لمسألة المرويات الإسرائيلية؛ لِمَا لها من أثرٍ فارق في فهم طبيعة الإفادة منها واستحضارها وكيفيات توظيفها.

النظر للمرويّات الإسرائيلية في تفسير السلف وفقًا لحيثيّة التفسير:
إنّ المفسِّر المشتغل بتبيين المعنى يكون النظر معقودًا لسائر المادة التي يستحضرها إبّان تبيينه للمعاني على أنها أدوات لتحصيل المعنى والوصول إليه، وبالتالي فإنّ منطلق النظر للمرويات الإسرائيلية في تفسير السلف سيكون منبنيًا على هذا الاعتبار لا غير؛ فَبِغَضّ النظر عن تقييمنا لجدوَى التبيين الذي ترتّب على حضورها في التفسير، وهل كان مفيدًا أم لا؟

إلا أنّ منطلق النظر الحاكم لها في التفسير لدى الدرس يجب أن يكون مقيدًا باعتبارها أداةَ تبيين لا مصدرًا للنقل كما هو الحال مع الأشعار الجاهلية وغيرها مما يورده المفسّر ليستدلّ به على معاني الآيات لا لينقله منها، وهو الأمر الذي انتبه له شاكر وحرَّره بجلاء، حيث قال في أحد حواشيه النفيسة على تفسير الطبري: «تبيَّنَ لي مما راجعته من كلام الطبري، أن استدلال الطبري بهذه الآثار التي يرويها بأسانيدها، لا يراد به إلا تحقيق معنى لفظ، أو بيان سياق عبارة... وهذا مذهب لا بأس به في الاستدلال، ومثله أيضًا ما يسوقه من الأخبار والآثار التي لا يشكُّ في ضعفها، أو في كونها من الإسرائيليات، فهو لم يسُقْها لتكون مهيمنة على تفسير آي التنزيل الكريم، بل يسوق الطويل الطويل، لبيان معنى لفظ، أو سياق حادثة، وإن كان الأثر نفسه مما لا تقوم به الحجة في الدّين، ولا في التفسير التامِّ لآي كتاب الله.

فاستدلال الطبري بما ينكره المنكِرون، لم يكن إلا استظهارًا للمعاني التي تدلّ عليها ألفاظ هذا الكتاب الكريم، كما يستظهر بالشّعر على معانيها، فهو إذن استدلال يكاد يكون لغويًّا؛ ولما لم يكن مستنكَرًا أن يُستدلّ بالشعر الذي كذب قائله ما صحَّت لغته؛ فليس بمستنكَر أن تُساق الآثار التي لا يرتضيها أهل الحديث، والتي لا تقوم بها الحُجّة في الدين؛ للدلالة على المعنى المفهوم من صريح لفظ القرآن، وكيف فهمه الأوائل، سواء كانوا من الصحابة أو مَن دونهم» [9].

وكلامه بيِّن في كون منطلق النظر عنده للمرويات الإسرائيلية من خلال تتبُّعه لحضورها في تفسير الطبري أنها أداة من الأدوات الموظَّفة في تبيين المعنى كما الأشعار الجاهلية، وأنها تُفهم في هذا الإطار.

إننا في ضوء ما مرّ معنا يمكننا القول بوضوح أنّ منطلق النظر النقلي للمرويات في التفسير يتعارض جذريًّا مع حيثية التفسير ومهمّة المفسِّر المشتغل بالتبيين؛ إذ يجعل ميدان التفسير قريبًا من ميدان التاريخ، حيث تسرد فيه منقولات وروايات لذات الرواية، والمفسِّر أقرب لإخباري منه لمفسِّر حيث ينقل معلومات ومضامين ويسردها لمجرد النقل والرواية لا أنه يبيّن نصًّا قرآنيًّا لألفاظه دلالات لغوية وسياقات لا يمكنه الانفلات منها، وكذلك له جملة مقاصد وأنساق لا يسعه معارضتها، وغير ذلك من القرائن التي تحكم العمل التفسيري؛ ومن ثَمّ فإنّ ما يرجع إليه المفسِّر من أدوات إبّان التفسير فإنه رجوع توظيفي واستدلالي في ضوء القرائن اللغوية والسياقية الحاكمة للتفسير ومعطياتها، وإن مقولته حتى لو كانت في ظاهرها مستمدّة من هذه الأدوات فإنّ هذا لا يخرجها ألبتة عن كونها مقولة تفسيرية أنتجها تبعًا لقرائن استدلالية معيَّنة ترتبط بالنصّ المفسَّر وليست نقلًا، وبالتالي يُبحث معه في وجاهة قوله من عدمه في قرائن التبيين عنده لا الأدوات التي ساقها، وإلَّا فإنّ النظر النقلي يجعلنا لا نعتبر قوله تفسيرًا واجتهادًا وإنما هو نَقْل، ونحاكم قوله لا تبعًا لقرائن التبيين؛ وإنما بالنظر في مضمون المرويات ذاتها ومدى موافقتها للشرع من عدمه، ونؤصِّل للمسألة عنده لا بناءً على قرائن التوظيف ومستنداته وعِلَله؛ وإنما لمضامين المرويات ودرجات الاحتجاج بها في الدِّين كما سيأتي، وهو أمر يخرج بنا تمامًا عن سياق التفسير وعمل المفسِّر.

ثانيًا: خطورة لوازمه وعدم إمكان القول بها:
إنّ النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف يثير عددًا من اللوازم الخطيرة التي لا يمكن القول بها.

أهمها ما يلي:
أولًا: عودُه على حُجِّيّة السّلَف بالإبطال:
إنّ المرويات الإسرائيلية ليست من جنس الأدلة الشرعية التي يُستعان بها في تقرير أمور داخل الشريعة والدِّين وبها العديد والعديد مما يخالف الشرع، فإذا تصوّرنا مع ذلك أنَّ مَن لجأ إليها وتتابع على إيرادها هم طبقة السلف -رضوان الله عليهم-، وأنَّ لجوءهم كان نقليًّا عن هذه المرويات في التفسير لا توظيفيًّا لها في سياق التبيين فإنّ ذلك سيُفضي بنا حتمًا إلى اعتبار السلف قد استمدوا ونقلوا أمورًا مشكلة ومعارضة لصحيح الدِّين من مصدر أجنبي مشكلٍ ودسُّوها في التفسير، وهو قول لازمه بداهةً الطعن في حجيّة السلف؛ إِذْ هم حمَلة الشرع ونقَلته إلينا، واعتبارهم كانوا عرضة لرواية ما لا يجوز روايته والتتابع على ذكره ونَقْله على اختلاف طبقاتهم رغم مخالفته الشرعية يطعن -بلا ريب- في حجيتهم بصورة بالغة؛ لأنَّ بصرهم بما هو شرع ودين غير منضبط ويجوز وقوع الخطأ فيه على جميعهم، وأنْ يقع منهم التتابع عليه، كما أنه ينزع عنهم أحد أهم خصائصهم -كحِقبة تمثّل النّبْع الصافي- في إدراك التصوّر الشرعي قبل ظهور المؤثِّرات الأجنبية على الأفكار...إلخ.

 وهو ما يوجب أن يكون الموقف منهم كغيرهم ممن يحتمل تأثرهم بمؤثرات أجنبية معارضة للشرع والدّين، وأن تكون أقوالهم بحاجة للحَذَر عند التعامل معها ويتوجب مراجعة مضامينها في ضوء مقررات الشرع واعتبارها مما يستدلّ له لا به في تأسيس المسائل، وهو الأمر الذي يفضي عند طرد حِبَال النظر معه إلى التشغيب على الدِّين ذاته؛ ولهذا تجد أنّ مَن جاء بعد ابن تيمية تنبَّه لهذا الإشكال وحاول تحييد أثر هذه المرويات عَبْر القول بأنها لم تَلِج أبواب العقائد والأحكام لدى السلف، وأنّ نقلها انحصر في جوانب القصص التي لا خشية على الدِّين منها، وهي محاولة مشكلة سنعرض لبيان ما في طياتها من أخطاء في مقالة قادمة بإذن الله؛ كون هذا القصص به العديد من الأمور المتصلة بالعقائد.

ثانيًا: عَوْده على مقولات السّلف في التفسير بالردّ:
وذلك أنّ المقولات لن تغدو مقولات ومعاني تفسيرية معبّرة عن رأي السلف وثمرة اجتهاد لهم من خلال نظرهم في النصّ وتبيينه، وحجة شرعية يستدلّ بها في تأسيس الشرع؛ وإنما ستغدو مجردَ معلومات ومنقولات مستمدّة من مصدر أجنبي، وبالتالي يجري محاكمتها وتقويمها في ضوء مقررات الشرع وتأخذ حكم مصدرها؛ قبولًا حال لم يكن فيها معارضة لهذه المقررات، أو توقفًا حال لم يتيسر البتّ في شأن مضمونها، أو ردًّا حال ظهر فيها ما يخالف ديننا، ولا شك أن هذا سيجعل أقوال السَّلَف عرضة لاجتهادات عديدة في الحكم عليها والأخذ بها، فضلًا عن أن المرويات الإسرائيلية بها العديد من التفاصيل والأمور التي لا يقرّها الشرع، والتي ستلزم حتمًا ردّ الأقوال في كثيرٍ من المواضع.

ثالثًا: عَوْده على السّلف باللّمز والتشنيع:
إنّ المرويات الإسرائيلية تحوي الكثيرَ من التفاصيل التي لا فائدة من معرفتها، وكذلك تحوي العديدَ من المضامين المشكلة والمخالفة لديننا من مناحٍ متعددة، ولا شكّ أن المستصحِب لتلك النظرة النقليّة عن هذه المرويات في تفسير السلف فإنه سيندفع تلقائيًّا لما يلي:
- لمز السّلف بأنهم انشغلوا بما لا فائدة فيه وضيّعوا أزمانهم فيما لا يفيد؛ وذلك حين تكون مادة المرويات من قِبَلِ المسكوت عنه في ديننا؛ لأنها وإن جازت روايتها، إلا أن إيرادها في مجال له خصوصية كالتفسير يبدو بلا معنى ولا قيمة، بل وفيه تطويل وحشو لمادة التفسير خاصّة، وأن هذه المرويات فيها العديد والعديد من التفاصيل التي لا حاجة ولا ضرورة في معرفتها ولا يعود على قارئها أيّ فائدة.

- نقد السّلف والتشنيع عليهم بطريقة غير مباشرة، وذلك حين تكون مادة المرويات مما لا يقرُّه ديننا؛ لأنه لا يمكن السكوت عن بيان خطأ مضامين المرويّات وإبراز إشكالاتها الشرعية، وكذلك يتعذّر إيقاع النقد المباشر على السّلف بأنهم رووا ما لا تحلّ روايته عن بصيرة، وإلا لتعاظم الخطب وعُدْنَا لإشكال الطعن في الدِّين ذاته؛ ومن ثَمّ يُجتهد في إيجاد أيّة تبريرات لواقع رواية السّلف لهذه المرويات عَبْر الكلام على روايتهم لها دون تبصّر، وأنهم لم ينتبهوا لمضامينها المشكلة، أو أنهم ربما اعتبروها من القِسْم الثالث الذي تجوز روايته، أو أنهم وقعوا ضحية للكذب عليهم واستُغفلوا من قِبَل مَن حدَّثهم... إلى آخر تلك التبريرات التي لازمها تسفيه السلف ورميهم بالغفلة والسذاجة كما سنبيِّن.

وظاهرٌ شناعة هذه اللوازم وخطورتها وعدم إمكان القول بها، وهو ما يدلّل على إشكال منطلق النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية لا التوظيفي في التفسير، وهذه اللوازم رغم خطورتها وظهور إشكالها إلا أن واقع الدّرس التيمي سيقع في مثلها؛ نظرًا لتبنِّيه لذلكم المنطلَق المشكل كما سنبيِّن في مقالتنا التالية.

ثالثًا: انحراف التأصيل من خلاله للمسألة:
إنّ محاولة التأصيل لمسألة عَبْر منطلق يجافي روح الفنّ المتعلّق بها أمرٌ ظاهر الاستحالة؛ كون هذا المنطلق يحرف البصر تمامًا عن الرؤية الصحيحة لوضعية المسألة في الفنّ، وبالتالي يجعل التأصيل ينصبُّ على زوايا لا شأن لتوظيف المسألة بها في الفنّ.

إنّ المرويات الإسرائيلية قد ورد بشأنها إذْنٌ نبويّ صريح بإباحة التحديث بها، ولا شك أن استحضار النظرة النقليّة يجعلنا نؤصِّل لمضمون تم نَقْله والإفادة منه، وبالتالي ضبط ذلك بالمقررات الأصولية اللازمة لضبط الاستدلال بالمصادر الأجنبية؛ إذ المفسر استحال فقيهًا بذلك، وهو تأصيل شديدُ البُعد عن واقعِ المسألة في التفسير وتعامُلِ المفسّرين المشتغِلين بالتبيين كما هو بَيِّن.

وتأمَّل كيف أنّ ابن تيمية لمّا بدَا له أن السّلف في التفسير نقلوا مضامينها ورووها لا أنهم كانوا موظِّفين لها في بيان المعنى فقط؛ صارت المرويات عنده بذلك تحمل مضمونًا وإفادة، ومِن ثَمّ صار همُّه الأكبر في التأصيل لها لا يحكمه الحسّ التفسيري لبيان مسالك الاستدلال والتوظيف لها وقرائنه وضوابطه، وإنما الهاجس الأصولي والفقهي المجتهِد في ضبط مسالك التعامل الشرعي معها وبيان كيفيات الإفادة منها [10]، ولهذا تجده يقرّر أنها للاستشهاد لا الاعتقاد أولًا؛ إذ غاية هذه المرويات الاستشهاد لا الاستدلال، كونها ليست من جنس الأدلة الشرعية، وكذلك هي في ذاتها مرويات لا تُعتقَد مضامينها لعدم إمكان البتّ في تلك المضامين قَبولًا أو ردًّا [11]، وكذلك يقسمها قسمة مضمونية تبعًا لطبيعة الموقف الذي يجب اتخاذه منها؛ إقرارًا ومخالفةً وتوقفًا، وأيضًا يحكم على أن نقلها مما لا فائدة منه في الدّين ولا الدنيا؛ لكفاية الدّين الإسلامي والشرع في ذاته وعدم حاجته لمتمّمات تنقل من مصادر أجنبية عنه [12].

وكلّ هذا تأصيل للمسألة من جوانب لا صلة بها لوضعيتها في التفسير ألبتة، ومِنْ ثَمّ فلا جدوى ولا فائدة له في ضبط مسالكها بأيّ سبيل من السُّبل كما سنبيِّن في مقالتنا التالية، وقد أدَّى لوقوعه على هذا النحو المشكل المنطلق الذي جرى تبنِّيه في النظر للمرويات في التفسير.

رابعًا: مصادمته لتطبيقات كبار المفسّرين ممن اشتغلوا بتفسير السلف [13]:
يعدُّ الطبري وابن تيمية مِن أكثر مَن توارَدَا على الاشتغال بالسّلف ومقولاتهم، إلا أنّ الناظر في تعامل كلّ منهما مع مسألة المرويات الإسرائيلية عندهم يجده مختلفًا بل شديد الاختلاف، فالطبري يناقش مقولات السّلف التي وُظِّفت فيها المرويات الإسرائيلية ويجتهد في استكناه قرائنهم في ذلك، كما أنه لا يستشكل أبدًا إيرادهم لهذه المرويات الإسرائيلية ألبتة كما هو معلوم لمن يطالع تفسيره، ولا يراهم أتعبوا أنفسهم في إيراد ما لا فائدة له ولا طائل من ورائه، بل إنه يفسر تبعًا لتفسيرهم الذي وُظِّفت فيه المرويات الإسرائيلية في العديد والعديد من المواطن؛ ولهذا كان صنيعه محلَّ نقدٍ مِن قِبَلِ كثير من الدارسين -لا سيما المعاصرين- مِن نقَدَة هذه المرويات.

وهذا التباين في التعامل مع المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف بين الطبري وابن تيمية سببه افتراق منطلق النظر؛ فالطبري يتعامل مع مقولات السلف التي وُظِّفت فيها المرويات باعتبارها مقولات تفسيرية لا أنها مادة منقولة عن الإسرائيليات كابن تيمية، ولهذا تراه -لبصره بحيثية بيان المعنى عند السلف- ينزع دومًا لاستكناه قرائن التبيين عندهم بالمرويات -كما هو بيِّن لمن يطالع تفسيره-؛ ليؤسس نقده وترجيحه تبعًا لها قوةً وضعفًا، وبالتالي يفسر تبعًا لتفسيرهم الموظَّفة فيه هذه المرويات متى اتجهت عنده قوة القرائن، لا أنه يعتبرهم نقَلة لمضامين المرويات كابن تيمية، وبالتالي فلا وجه لتبيُّن أسباب صنيعهم أصلًا واعتبار أن ما نقلوه بلا كبير فائدة في التفسير ويجب محاكمته للمقرر في الدّين بصفة عامّة.

وصحيح أنّ الطبري وقع منه نقد لبعض مقولات السّلف التي تَرِد في سياق تبيين بعض المبهمات من نحو ما ذكر ابن تيمية وأن المعرفة بها لا فائدة منها، ومن ذلك تعليقه مثلًا على المقولات في بيان البعض الذي ضُرِبَ به القتيل في قصة بقرة بني إسرائيل، حيث قال: «والصواب من القول في تأويل قوله عندنا: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة: 73] أن يقال: أمَرَهم اللهُ -جلّ ثناؤه- أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب، ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حُجّة على أيّ أبعاضها التي أُمِر القوم أن يضربوا القتيل به، وجائز أن يكون الذي أُمِروا أن يضربوه به هو الفخذ، وجائز أن يكون ذلك الذّنَب وغُضروف الكتِف وغير ذلك من أبعاضها، ولا يضرّ الجهل بأيّ ذلك ضَربوا القتيل، ولا ينفع العلم به مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها، فأحياهُ اللهُ» [14].

إلا أن الفارق بين صنيعه وصنيع ابن تيمية ظاهرٌ؛ فنَقْد الطبري هو نقد لما يراه خارجًا عن حدِّ تبيين المعاني ولا أثر له فيه، وليس طعنًا في أصل رجوعهم للمرويات الإسرائيلية في التفسير وتسفيهه والتقليل من جدواه، وهو ظاهر.

وأمَّا تجويزه لأقوال السلف فهو مفارق تمامًا لمنطق تجويزها لدى ابن تيمية؛ فتجويز الطبري للأقوال راجعٌ رأسًا لافتقاده كمفسِّر -يبغي الترجيح والنقد- لقرائن ودلالات تدفعه لقبول القول أو ردِّه؛ ومن ثَمّ يُبقيه في حيِّز الإمكان، لا أنه يرى أنّ مادة القول ذاته منقولة عن بني إسرائيل، وبالتالي يُجوِّزه لأن المروية الإسرائيلية التي نُقل عنها مما لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب، ولهذا تجد الطبري يقول قبل أن يُجوِّز الأقوال: «...ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حُجّة على أيّ أبعاضها التي أُمِر القوم أن يَضربوا القتيل به».

إنّ السلف نظَروا في المرويات الإسرائيلية ووظفوها في بيان المعاني، وقد تلقى الطبري مقولاتهم باعتبارها أقوالًا تفسيرية يوازن بينها؛ ولهذا يجوِّزها ويسرّحها لحيّز الإمكان متى تعذّر عليه الظفر بدليل قاطع في قبولها أو ردِّها، وهو مسلك علمي منهجي في التعامل مع الأقوال التفسيرية المنتجة بصورة عامّة، وقد نصّ عليه الطوفي وحرّر القول فيه بجلاء في صدر كتابه «الإكسير في قواعد التفسير» [15]، وهو يخالف تمامًا من يجوِّز الوارد عن السّلف باعتباره منقولًا عن مرويات لا تُصَدَّق ولا تُكَذَّب في ذاتها، لا مقولة تفسيرية [16].

وحاصلُ ما مَرّ معنا يبرز خطأ منطلق النظر التيمي لدراسة المرويات الإسرائيلية في التفسير، وأنه منطلق مشكلٌ جدًّا وغير صحيحٍ ولا يتناسب مع بحث المسألة، ويتعارض مع صنيع كبار المفسرين؛ كونه غير مؤسس على حيثية التفسير وليس له أدنى علَقة بها، كما أننا ظهر معنا كيف أن هذا المنطلق يدفع لِلَمْز السّلف وردِّ مقولاتهم، وهي أمورٌ وإن بدَا في ظاهرها البُعد عن الحضور التطبيقي في واقعِ مُنَظِّرٍ كابن تيمية له عنايته التي لا تخفى بالسّلف وإطالة النّفَس في تأسيس الاحتجاج لمقالتهم، إلا أنه لم يَسْلَم منها، وستظهر عنده بعض آثارها بشكلٍ أو بآخر، وكذلك لدى مَنْ جاء بعده وَبَنَى على نظره وتأصيله كما سنبيِّن في المقالة التالية.

الهوامش:
[1] منشورة على موقع تفسير على الرابط التالي: tafsir.net/article/5165
[2] من يقصرون التفسير على هذا الدائرة يعرِّفونه ببيان المعنى كما تجده عند الدكتور مساعد الطيار وغيره، ويلاحظ هاهنا أن استخدام لفظ البيان في التعريف فيه إشكال لأمور؛ منها: الأول: أن لفظ البيان يحتاج لبيان يميّز حدوده ولا يتحصّل منه الضبط التام لتصوّر المفهوم المراد صوغه من الوقوف عند حدّ تحصيل وتقرير مرادات الألفاظ دون الخوض فيما وراء ذلك من استنباط الأحكام والهدايات وغيرها، وبهذا يصبح لفظ التعريف غير دقيق في ضبط حدود المعرّف وبيان المفهوم المراد تصويره، والذي لا يتجلى بذلك إلا بشرح له أو مقابلته بالمفهوم المتّسع...إلخ مما يعدّ عيبًا في التعريف.
الثاني: البيان مصطلح له مركزيته وعمقه في التاريخ الإسلامي واعتورته دلالات عديدة كما هو معلوم، كما أنه عَلَم في البلاغة -بحسب تقسيمها الثلاثي الشهير- على أحد أركانها، وبالتالي فإنّ البعد عن استعماله -حتى لو كان ضابطًا لمفهوم التفسير- قد يكون أجدى؛ لكثرة ما يشتجر في الذّهن من دلالات عند ذكره، فكيف وهو ليس ضابطًا لحدود التفسير كما أسلفنا.
ومن هاهنا فإنّ التعبير عن المفهوم الضيق في التفسير يمكن أن يدور -وإن كان القصد ليس متجهًا لتحرير لفظ التعريف- على كشف مدلولات الألفاظ والتراكيب.
على أننا سنستخدم التعريف (بيان المعنى) في مقالتنا غالبًا لشهرته، وسوف نفرد لمناقشة مصطلح التفسير وتعريفاته مقالًا خاصًّا بإذن الله.
[3] هاتان الدائرتان لهما حظّ بَيِّن -بِغَضّ النظر عن تفاوتهما قلَّة وكثرة- في واقع مصنفات التفسير، والتي ينشغل بعضها بصورة ظاهرة بتقرير المعاني ولا يزيد عن ذلك، وبعضها يتوسّع -على تفاوت بينها في ذلك- فيستخرج الأحكام واللطائف والهدايات...إلخ.
للتوسع في الكلام على هاتين الدائرتين يراجع مقالتنا: «معيار تقويم كتب التفسير؛ تحرير وتأصيل»، وهي منشورة على موقع تفسير على الرابط التالي:  tafsir.net/article/5110
[4] وإن كان القطع بذلك يحتاج لمزيد تأمُّل في واقع مادة هذه الدائرة في التفاسير ومقارنتها مع بقية الفنون التي تتقاطع معها عسى أن تتكشّف فيها وجوه تمايز وافتراق، وإلا فظاهرها المشابهة لا سيما في استخراج الأحكام، والذي يتقاطع رأسًا مع الفقه والأصول.
[5] التيسير في قواعد التفسير، ص(157، 158).
قد أشار الكافيجي قبل كلامه هذا إلى كون علم التفسير يدلّ على قواعد التفسير كذلك، وسواء أكان يقصد بـ«علم التفسير» التفسير أم علم قواعد التفسير، فإن كلامه واضح جدًّا في الدلالة على تمايز حيثيّة التفسير عن غيره ببيان المعنى، وإلا فالتقعيد للفنون لا يتمُّ إلَّا في ضوء حيثيتها المفارقة، فلو كان القصد قواعد التفسير، فهو تقعيد للتفسير الذي ينصبّ على المعنى وبيانه فقط.
[6] معايير القبول والردّ لتفسير النصّ القرآني، دار الغوثاني للطباعة والنشر، ط:1، 1428هـ-2008م، ص (84).
ويلاحَظ هاهنا أمران: أولًا: ذَكر الدكتور عبد القادر حسين بعد ذلك اتفاق قواعد التفسير مع الأصول في مباحث الدلالة والبيان وكيفية استنباط الأحكام من النصّ، وقضايا التعارض والترجيح في بعض جزئياتها ومسائل النسخ.
ولا يخفى أنّ بعض وجوه الاتفاق التي ذكرها متوقف على مفهوم التفسير سعةً وضيقًا.
ثانيًا: في ضوء النظر لحيثية التفسير يمكننا دراسة العديد من قضايا التفسير والحكم فيها، منها مسألة تقويم كتب التفسير كما عالجناها في مقالتنا «معيار تقويم كتب التفسير؛ تحرير وتأصيل»، وكذلك تحديد المفسِّر ومن يستأهل ذلكم اللقب، فكلما كان المفسر مشتغلًا بتقرير مدلولات الألفاظ والتراكيب كان أحقّ باسم المفسِّر وخليقًا به من غيره.
فنحن إن جاوزنا طبقة السلف على الحقيقة يتعذّر علينا الظفر بمن يقوم بذلك على ذات النحو الذي كان عندهم، وإنما يدور الأمر على النظر فيما أنتجوه من أقوال كما الحال عند الطبري، وأما الاشتغال بذات اشتغالهم فهو إن وُجِد لدى البعض بعدهم فإنه يكون محدودًا جدًّا، ولهذا فإن إطلاق وسم المفسِّر في ضوء حيثيّة التفسير على مَنْ بعد السلف يكون لاعتبارات خارجة عن حيثيّة التفسير غالبًا.
[7] تفسير الطبري، ط: هجر، (7/1).
[8] وهي منشورة على موقع تفسير على الرابط التالي: tafsir.net/article/5139
[9] تفسير الطبري، ت: شاكر، (453/1).
وربما يلاحَظ على كلام شاكر أنه يتنزّل على مفسري السلف أكثر ما يتنزّل على الطبري، فهم من استدلوا بالمرويات وساقوها رأسًا ليقرِّروا المعاني التي أتوا بها وأنتجوها، وأما الطبري فموازن بين مقولاتهم التفسيرية بالأساس وليس منتجًا للمعنى، وبالتالي فإنه لا يسوق المرويات ليؤسِّس من خلالها المعنى في ذاته أو يستظهر بها عليه باعتبارها مما يفيد في بيان بعض الألفاظ وتوضيح سياقاتها فهذا فعل المنتِج للمعنى أصالة، وإنما نظَره يكون لتوجيه المعاني -التي كانت هذه المرويات أحد دلائل إنتاجها- وبيان مسالكها وأدلتها أو لترجيحها وتضعيفها.
إن فهم صنيع الطبري وتعامله مع المرويات باعتباره مؤسِّس للمعنى يُحْمَل على اعتبار مآله فقط، لا سيما وأن السلف لا يعلِّلون مقولاتهم وإنما تكون هي المرويات الإسرائيلية مباشرة، ولرغبة الطبري في الموازنة بينها يكشف عن مكامن استدلالها بالمروية، وبالتالي يكون صنيعه استدلالًا لها، وإلا فإنه لا ينحصر في ذلك.
[10] ويلاحظ أن كلامنا عن استعمال التقرير الأصولي لا يعني أنّ المرويات الإسرائيلية كانت مبحوثة في علم أصول الفقه؛ لأن الدرس الأصولي يتعامل مع شرع مَنْ قبلنا الوارد في شرعنا لا المعتمِد على ما في كتب أصحاب الشرائع السابقة فهي غير موثوقة كما هو معلوم، وإنما الغرض هو محاولة استيحاء منازع ضبط الاستدلال بالمصادر الأجنبية في الطرح الأصولي وتوظيفه في التعامل مع المسألة.
[11] وهو ما يقرّره ابن تيمية نفسه، حيث يقول في معرض جوابه عن إشكال قد يَرِد عليه في منع التشبّه بأهل الكتاب: «أما المعارضة بكون شرع مَنْ قبلنا شرع لنا ما لم يَرِد شرعنا بخلافه، فذاك مبنيّ على مقدمتَيْن، كلتاهما منفيةٌ في مسألة التشبه بهم: إحداهما: أن يثبت أن ذلك شرع لهم، بنقل موثوق به، مثل أن يخبرنا اللهُ في كتابه، أو على لسان رسوله، أو ينقل بالتواتر، ونحو ذلك، فأمّا مجرد الرجوع إلى قولهم، أو إلى ما في كتبهم، فلا يجوز بالاتفاق،... وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدِّقوهم، ولا تكذِّبوهم».
المقدمة الثانية: أن لا يكون في شرعنا بيان خاصّ لذلك، فأمّا إذا كان فيه بيان خاصّ: إما بالموافقة، أو بالمخالفة، استغني عن ذلك فيما ينهى عنه من موافقته، ولم يثبت أنه شرع لمَن كان قبلنا، وإن ثبت فقد كان هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- بخلافه...».
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم، ص(464).
[12] يلاحظ انسجام التأصيل التيمي مع منطلقه في النظر، وهو من دلائل براعة ابن تيمية ودقّته في التأصيل كما لا يخفى، حيث لا يتعارض تأصيله مع منطلقه كما يقع أحيانًا عند كثير من النظّار.
[13] سوف نكتفي هاهنا ببيان موقف الإمام الطبري فقط من المفسّرين وموازنته بابن تيمية وبيان ما بينهما من فروق جوهرية في منطلق النظر للمرويات الإسرائيلية؛ وذلك تطلبًا للاختصار من جانب، ولكفاية ذكر الطبري في المسألة من وجهة نظرنا من جانب آخر؛ كونه مِن أبرز مَن اعتنى مِن المفسرين بمقولات السلف في التفسير تصنيفًا وموازنةً، كما أن له مكانة لا تخفى عند ابن تيمية في التفسير؛ حيث يَعتبِر تفسيرَه من أصحّ التفاسير كما نصّ على ذلك في مقدمته، وله اهتمامٌ واضح به وتأثُّر به في العديد من المسائل التي تتعلّق بالتفسير؛ كحجية السلف فيه، ومَنْع الخروج عن أقوالهم ومناقضتها، وغير ذلك.
[14] تفسير الطبري، ط: هجر، (127/2).
[15] يراجع، الإكسير، ت: عبد القادر حسين، مكتبة الآداب- القاهرة، ص(41)، وما بعدها.
[16] تجدر الإشارة لأمور:
أولًا: من المؤسِف أنّ كثيرًا من الدراسات لا تنتبه لمنهج الطبري، فتراها تأتي لنقده لمقولات السلف الموظّفة للمرويات الإسرائيلية في بعض المواضع وتعتبره ناقدًا لأصل التوظيف والرجوع للمرويات؛ ومن ثَمّ تمدح صنيعه باعتباره موافقًا لمسلكها في ذمّ المرويات، وأما المواطن التي اعتمد فيها مقولاتهم الموظّفة للمرويات فتراها مخالفة منه للقاعدة المقرّرة لديهم سلفًا، وهذا تخليط ظاهر -تجده كذلك لدى العديد من الكَتَبة في قواعد التفسير- نابع من عدم فهم صنيع الطبري وتأمُّله، والانطلاق في التعامل مع تفسيره من مقرّرات سابقة لا محاولة بحث قواعده هو على نحوٍ خاصّ.
ثانيًا: ربما يكون من احتمالات أسباب غلط المنطلق عند ابن تيمية في بحث المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف هو عدم هضمه لمنطق التجويز عند الطبري، لا سيما وأن ابن تيمية معظِّم للطبري كما هو معلوم وله احتفاء بتفسيره، فربما اعتبر تجويزه لأقوال السلف -والذي يكثر في المواطن التي يظهر فيها توظيف المرويات الإسرائيلية- راجع لاعتبار أنها منقولة عن الإسرائيليات، وأن هذا المنطق الواجب إزاءها تبعًا للحديث النبوي الشهير بمنع تصديقهم أو تكذيبهم، وهو أمر بحاجة لبحث، خاصّة وأن منطق تجويز الأقوال عند الطبري يحتاج لتدقيق واستقراء واسع حتى يستوعب، وقد خفي أمره على كثيرٍ من النظّار كما يظهر لمن يتأمل مواطن تجويزه وكيفية فهم مَنْ بعده لها، وقد يسَّر اللهُ لنا تتبُّع مسألة التجويز عند الطبري في بحث خاصّ، ولعلَّ الله ييسر إخراجه قريبًا.
ثالثًا: منطق التجويز عند الطبري هو مسلك يتعامل به مع مختلف أقوال السلف التفسيرية التي لا يجد لها دليلًا يقطع بها قبولًا أو ردًّا وليس ما وظّف فيها المرويات الإسرائيلية فقط، راجِعْ مثلًا استعماله لذلك في الأقوال في قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205].
تفسير الطبري، ط: هجر، (3/ 584).



قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير    قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Emptyالثلاثاء 26 أبريل 2022, 10:16 pm

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير (3-3)
منطلق ابن تيمية في بحث المسألة؛ الآثار والنتائج
الكاتب: خليل محمود اليماني
(3/3)

قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  Untit744

يُعَدّ ابن تيمية من أبرز مَنْ اعتنى بالتقعيد والتأصيل لتوظيف الإسرائيليات في التفسير، وبعد أن تناولَتِ المقالتان السابقتان منطلقاته في التقعيد للمسألة وتحليلها، ثم مناقشتها وتقويمها؛ تأتي المقالة الختامية لهذه السلسلة لعرض الآثار والنتائج لهذا المنطلق.

بيَّنّا قبلُ [1] أن المنطلق التيمي في مقاربة الإسرائيليات في التفسير هو أنها كانت مجالًا للنقل لا التوظيف في سياق تبيين المعاني، وكيف أنّ هذا المنطلق خطأ محض ومؤسّس بعيدًا عن التفسير وحيثيّته، وفي هذه المقالة نحاول تتبّع آثار هذا المنطلق عند ابن تيمية ومَنْ جاء بعده ممن تبنَّى منطلقه وتأصيله للمسألة.

وبيانه كالتالي:
للمنطلق التيمي النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير العديد من الآثار السلبية؛ أبرزها ما يلي:
أولًا: تناقض البناء النظري الكلّي لابن تيمية إزاء السَّلَف وحجيتهم:
لابن تيمية عناية كبيرة بالسّلف وبيان مركزيّتهم في الدّين وضرورة مَنْع جواز الخروج على أقوالهم ومعارضتها ومخالفتها خلاف تضاد كما هو معلوم، وقد اعتنى في سبيل تأسيس ذلك الأصل المنهجي بإقامة الدلائل على ما للسلف -لا سيما الصحابة رضوان الله عليهم- وفهمهم للسياقات اللغوية والمقامية للنصّ القرآني من خصوصية لا تتوفّر لغيرهم؛ ككونهم أهل اللسان العربي الفصيح، ولأنهم عاصروا التنزيل وتلقَّوا بيانه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك طول اشتغالهم بالقرآن وقيامهم بتفسيره كلّه، وغير ذلك مما أصّل له ابن تيمية في غير ما موضع من كتبه؛ ومن نصوصه في بيان ذلك قوله: «يجب أن يُعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بَيَّنَ لأصحابه معاني القرآن كما بَيّنَ لهم ألفاظه، فقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا؛ ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة... وذلك أن الله -تعالى- قال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]،... وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن، وكذلك قال -تعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]، وعقل الكلام متضمن لفهمه، ومن المعلوم أنّ كلّ كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرّد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك، وأيضًا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فنّ من العلم كالطبّ والحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم؟!... ومن التابعين من تلقَّى جميع التفسير عن الصحابة، كما قال مجاهد: عرضتُ المصحف على ابن عباس أُوقفه عند كلّ آية منه وأسأله عنها،... والمقصود أنّ التابعين تلقَّوا التفسير عن الصحابة، كما تلقوا عنهم علم السُّنة» [2]، وكذلك قوله أنَّ العلم الضروري يقتضي أن الصحابة: «كانوا أعلم بمعاني القرآن منّا، وإن ادَّعَى مدَّعٍ تقدُّمه في الفلسفة عليهم فلا يمكنه أن يدَّعي تقدمه في معرفة ما أريد به القرآن عليهم، وهم الذين تعلموا من الرسول لفظَه ومعناه، وهم الذين أدَّوا ذلك إلى مَن بعدهم...» [3].

وبرغم ظهور ذلك في الفكر والمنهج التيمي، إلا أن تبنِّيه لمنطلق النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير أفضى به لمخالفة تلك الأُسس المركزية في الاستدلال لحجية مقولات السلف ونقضها...

وذلك من جوانب؛ أبرزها اثنان:
الجانب الأول: تشغيبه على البيان النبوي للقرآن للصحابة، وحسن فهمهم للقرآن، وتفسيره كاملًا لِمَن تلاهم:
أَسَّسَ ابن تيمية كثيرًا على خصوصية وتفرُّد الصحابة بتلقي البيان النبوي، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو من بيَّن القرآن للصحابة وأوضحه لهم، وأنهم فهموه حقَّ الفهم وفسَّروه كاملًا لِمَن بعدهم، إلا أنه بتبنِّيه للنظر النقلي عن المرويات فإنه سيخالف ذلك ويعارضه؛ فقد تتابع السلف مثلًا على القول بأنَّ هَمَّ يوسف هو حَلُّه لسراويله وإقدامه على مواقعة امرأة العزيز، كما أنهم تتابعوا كذلك قاطبةً على أن قوله: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ... وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 52، 53]، هو من قول يوسف، وأنه بيَّن في أوله أنه لم يَخُنْ سيده في بيته، ثم قال {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} بعدها لما ذُكِّر بالهَمِّ الذي كان منه وإقدامه على مواقعة امرأة العزيز.

وليس هذا القول لبعض السلف دون بعض في الآيات ولكنه قولهم قاطبةً على اختلاف طبقاتهم ولا يُعْرَف لهم غيره فيها[4]، إلا أننا حين نتأمّل كيف تعامل ابن تيمية مع هاتين الآيتين والوارد عن السلف فيهما، فإننا نجد أنه أبطل ما أورده السلف وردَّه بعبارة صريحة، حيث قال: «وأما ما ينقل من أنه حَلَّ سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة، وأنه رأى صورة يعقوب عاضًّا على يده وأمثال ذلك؛ فكُلُّه مما لم يخبر اللهُ به ولا رسوله، وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبًا على الأنبياء وقدحًا فيهم، وكلّ مَنْ نقَله من المسلمين فعنهم نقَله، لم ينقل من ذلك أحدٌ عن نبيّنا حرفًا واحدًا» [5].

وكذلك نحا إلى خلاف ما أوردوه تمامًا مرجحًا أنَّ الهَمَّ هو هَمُّ خطرات لا إصرار، وأنه ليس ذنبًا بل حسَنة ليوسف كما سيأتي[6]، وكذلك رجّح خلافهم بأنّ الآيتين من قول المرأة لا يوسف، وانتقد كلامهم بأنهما من قول يوسف بعبارة ثقيلة جدًّا، حيث قال: «وهو قول في غاية الفساد ولا دليل عليه، بل الأدلة على نقيضه» [7].

ويظهر هاهنا بوضوح أثر المنطلَق النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير عند ابن تيمية وكيف أنه كان سببًا في دفعه لمثل هذا الموقف شديدِ الإِشكال في موقفه المنهجي من حجّية السّلف ومسوغاتها العلميّة والمنهجية عنده؛ ذلك أنه دعاه لاعتبار مقولة السّلف من المنقول عن بني إسرائيل، وبالتالي سهّل عليه ردّها وإبطالها؛ كون أصْلها الذي نُقِلَت عنه يتوجّب علينا محاكمته في ضوء الوارد عندنا لا التأسيس من خلاله، وأنه متى ظهرت مخالفته لما عندنا رفَضْناه وما قام عليه ولا كرامة؛ إذ هذا هو الموقف الذي تؤيّده الشريعة ذاتها في شأن المرويات الإسرائيلية والتعامل مع مضامينها؛ ومن ثَمّ فلا حرج من الردّ والإبطال، إلا أنّ هذا الفعل منه يشغب في ذات الوقت على منطلقاته الكلية إزاء حجيّة السلف، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن القرآن كاملًا للصحابة، وأنهم أحسنوا فهم القرآن وفسّروه كاملًا لمَن تلاهم، وأنهم الأعلم بلسان القرآن؛ لأننا بذلك سنكون أمام مواضع في القرآن بلا تفسير واضح، وفي بعضها تتابع على نقل معارض تمامًا للآيات ودلالتها اللغوية، ومباين لمنطق القرآن ذاته الذي من المفترض أنهم أفضل من فهمه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو مَن تولَّى بيانه لهم.

ويلاحَظ أنّ سبب هجوم ابن تيمية على ما نقله السلف -من وجهة نظره- عن المرويات في هَمِّ يوسف تحديدًا، واعتباره مخالفًا للشرع دون غيره من مواضع أخرى من مثل الوارد في فتنة داوود وسليمان؛ هو موقفه من مسألة عصمة الأنبياء من الذنوب كما سبق وبيَّنّا، فابن تيمية ذهب إلى أن عصمة الأنبياء تكون في عدم الإقرار على الذنوب مطلقًا لا في عدم فِعلها منهم، حيث يرى أن: «القول الذي عليه جمهور الناس وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف؛ إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقًا» [8]؛ ومن ثَمّ لم يكن مستنكَرًا عنده من حيث المنطلق ما نقله السلف في بعض المواطن مما فيه نسبة ذنوب لبعض الأنبياء، كما الحال في شأن داوود وسليمان -عليهما السلام-؛ لثبوت نِسبة الذنب لهما في القرآن وأنهما تابَا منه، بينما وقع الإشكال عنده فقط فيما نقلوه مما يثبت ذنبًا لنبيٍّ لم يُثْبِت له القرآن ذلك كما هو الحال مع سيدنا يوسف، حيث رأى ابن تيمية أنه لم يُذْكَر عنه ذنب في الشرع واستغفار من وقوعه، ومن ثَمّ فلا يسوغ نسبة ذلك إليه اعتمادًا على النقل عن مصدر كالمرويات الإسرائيلية والتي يجب أن تحاكَم لما عندنا قَبولًا وردًّا وتوقفًا، ولا تؤسِّس بذاتها نظرًا شرعيًّا.

يقول ابن تيمية:
«وأما يوسف الصدِّيق فلم يَذْكُر اللهُ عنه ذنبًا؛ فلهذا لم يذكر اللهُ عنه ما يناسب الذنب من الاستغفار، بل قال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فأخبر أنه صَرَف عنه السوء والفحشاء، وهذا يدلّ على أنه لم يَصدر منه سوءٌ ولا فحشاء» [9].

إِنّ ابن تيمية لما رأى عدم نسبة وقوع الذنب ليوسف في القرآن لم يرتضِ نقل السلف والذي يُثبِت له ذنبًا، وفَسّر الهمَّ تفسيرًا يلتقي مع نظرته في أنه لم يكن ذنبًا أبدًا، وأنه كان مجرد خطرات لا إصرار وعزم، فقال: «وأما قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24]، فالهمّ اسم جنس تحته نوعان كما قال الإمام أحمد: الهمُّ همَّان؛ همُّ خطرات وهمُّ إصرار.          

وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ العبد إذا هَمَّ بسيئة لم تكتب عليه، وإذا تركها لله كُتبت له حسنة، وإن عملها كُتبت له سيئة واحدة، وإن تركها من غير أن يتركها لله لم تُكتب له حسنة ولا تُكتب عليه سيئة، ويوسف همَّ همًّا تَرَكَهُ لله؛ ولذلك صرف اللهُ عنه السوء والفحشاء لإخلاصه، وذلك إنما يكون إذا قام المقتضى للذنب وهو الهمُّ وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله؛ فيوسف -عليه السلام- لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]» [10]، ومن ثَمّ كَرّ على نقل السلف بالردّ والإبطال وبأنه معارض للأدلة.

وَبِغَضّ النظر عن إمكان تخريج ما نقله السلف -جريًا مع ابن تيمية وإلا فهو قول تفسيري- بذات ما ذكره ابن تيمية نفسه في كلامه على سيدنا يونس وأن تأخير استغفاره وتوبته كانت سببًا في عقابه[11]، أو غير ذلك مما قد يتأمّل وليس غرضنا تحريره، إلا أن ما منع ابن تيمية من محاولة ذلك وَحَدَا به مباشرة لرفض القول بلا تحرّج هو نظرته النقلية عن المرويات الإسرائيلية في التفسير، وأنّ أقوال السلف في هذا الموطن ليست أقوالًا تؤسِّس نظرًا شرعيًّا للعصمة يتوجب علينا مراعاته بشدّة عند بناء نظرتنا للمسألة بصورة كليّة، والعناية بتخريجه في ضوء الإطار العام للقاعدة الشرعيّة الظاهرة التي تدلّ عليها النصوصُ، حال بَدَا هناك نوعُ خلافٍ في الظاهر حتى لا تكون القاعدة الشرعية غير متّسقة في ذاتها، وإنما هي محضُ نقل واجترار لمعلومات من مصدرٍ يتوجّب علينا محاكمته في ضوء الوارد عندنا لا التأسيس من خلاله، وأنه متى ظهرت مخالفته لما عندنا رفضناه اتِّباعًا للموقف الذي تؤيّده الأدلة الشرعية ذاتها في شأن المرويات الإسرائيلية؛ ومن ثَمّ فلا حاجة لإيجاد تخريجات أصلًا [12].

إنّ هذه النظرة النقلية عن المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف دعت ابن تيمية بكلّ وضوح للتشغيب على منطلقاته التأسيسيّة لحجيّة السلف ومعارضتها؛ ذلك أنه ردَّ ما تتابع السّلف على إيراده في التفسير، وهو ما يعني أنهم قد يَرِدُ عليهم التتابع على الغلط، وعدم فهم بعض دلالات ألفاظ القرآن وكذلك المقاصد العامة له، وفي أمور تتصل بالمفاصل كالموقف من عصمة الأنبياء وحكاية ما يعارضها ونَقْله، وأنّ القرآن لم يُبَيَّن لهم على التمام، وأنهم لم يُفَسِّروه كلَّه لمَن تلاهم.

وإذا كان ابن تيمية لم يقع منه التوسّع في ردّ منقولات السلف من وجهة نظره؛ كونه لم يتعاطَ التفسير كاملًا، إلا أن هذا الأثر سيزداد بصورة واسعة جدًّا عند مَن جاء بعده وانشغل بالتفسير كاملًا وحاول التعامل مع المرويات الإسرائيلية في التفسير من خلال منطلقاته وتأصيلاته لها.

وتأمّلْ موقف ابن كثير[13] -تلميذ ابن تيمية وأبرز مَنْ بنَى على التقرير التيمي في النظر للموضوع في التفسير- وكيفية نزوعه لرفض مقولات السلف، حيث قال معلِّقًا بعدما أورد روايات السلف في قصة هاروت وماروت: «وقد رُوي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل ابن حيان وغيرهم، وقصّها خلقٌ من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل؛ إِذْ ليس فيها حديثٌ مرفوعٌ صحيحٌ متصلُ الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال» [14].

وفي قصة داوود عزف كذلك عن ذكر مقولات السلف بالكلية، وقال: «قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتِّباعه، ولكن روَى ابن أبي حاتم هنا حديثًا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس، ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة؛ فالأَولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يُرَدّ عِلْمُها إلى اللهِ -عزّ وجلّ-؛ فإنّ القرآن حقٌّ، وما تضمَّن فهو حقٌّ أيضًا» [15].

الجانب الثاني: تشغيبه على فهم السلف للدّين وإفضاؤه لِلَمْزِهم والتشنيع عليهم:
إنّ من أبرز إشكالات النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير أنه يفتح بابًا واسعًا للطعن في صحة فهم السّلف للدّين وضرورة التشنيع عليهم كما بيّنّا؛ فمن يَلِج تفسير السّلف باعتبارهم نقَلة عن المرويات فإنه سينظر لمضامين المرويات التي يوردونها، ويقوم بتصنيفها تبعًا للموقف الشرعي منها قبولًا ورًّدا وتوقفًا كما ذكر ابن تيمية نفسه. 


فمتى رأى قبول الشرع فإنه سيقرّها، وأما ظهور الطعن في حجية فهمهم وضرورة التشنيع عليهم فسيكون عنده فيما قد يراه جائزًا أو مردودًا:
- فحين يتقرّر لدى الناظر أنّ المروية من قِبَلِ المسكوت عنه فإنه وإن جوَّز روايتها، إلا أنه سيكون مضطرًا لِلَمْزِ مَنْ رواها بأنه انشغل بما لا فائدة فيه وضيَّع أزمانه فيما لا طائل من تحته ولا نفع فيه في الدّين والدنيا، خاصّة وأن هذه المرويات فيها العديد والعديد من التفاصيل التي لا حاجة لنا فيها ولا ضرورة في معرفتها واستحضارها، وهو عين ما فعله ابن تيمية -فيما نقلنا عنه قبلُ، إبّان تقسيمه الثلاثي للمرويات- والذي لم يكن أمامه بُدّ غير هذا في ضوء نظرته النقلية؛ لأن الدين تامّ لا يحتاج لتكميل من مرويات أجنبيّة، ومن عدم الجدوَى بديهيًّا الانشغال بروايات لا فائدة حقيقية منها ولا تأسيس قائم عليها، ونقل تفاصيل لا أهمية لمعرفتها والاستغناء عنها ظاهر كما بيَّنّا.

وتأمَّلْ كذلك قولَ ابن كثير وكيفية لَمْزِه لإيراد السلف في أحد المواطن، حيث يقول: «...وما قصَّهُ كثير من المفسّرين وغيرهم فعامَّتها أحاديث بني إسرائيل، فما وافق منها الحقّ مما بأيدينا عن المعصوم قبِلْناه لموافقته الصحيح، وما خالف شيئًا من ذلك ردَدْناه، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدِّقه ولا نكذِّبه، بل نجعله وقفًا، وما كان من هذا الضّرب منها فقد ترخّص كثيرٌ من السلف في روايتها، وكثيرٌ من ذلك ما لا فائدة فيه، ولا حاصل لهما ينتفع به في الدّين، ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلَّفِين في دينهم لبيَّنتْه هذه الشريعة الكاملة الشاملة، والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثيرٍ من الأحاديث الإسرائيلية، لِما فيها من تضييع الزمان» [16].

- وأمَّا حين يقع على مرويات فيها أمورٌ مما لا يقرُّه ديننا فإنّه حتمًا سيضعها ضِمْن القسم الثاني باعتبارها من المردود الذي لا يجوز روايته، ثم إذا أعاد النظر ثانية فسيجد أنّ السلف هم من رَوَوْها، فيُشكل عليه الأمرُ بسبب ذلك؛ فهو لا يستطيع إجازة المرويات؛ كون مضامينها مخالفة للشّرع، ولا يستطيع تغليط السلف والتشنيع عليهم فيقع في حيرة في المسألة والتعامل معها، ويحاول أن يجد تسويغًا لواقع تفسير السلف عَبْر الكلام على إشكال الإسناد عنهم في المرويات، أو أنّ الروايات كانت عند التابعين وأتباعهم لا الصحابة، أو أنها تسللتْ على حين غفلة منهم وأنهم لم ينتبهوا لمضامينها المشكلة، أو أنهم ربما اعتبروها من القسم الثالث الذي تجوز روايته، أو أنهم وقعوا ضحيةً للكذب عليهم واستُغفِلوا من قِبل مَن حدَّثهم... إلى آخر تلك التبريرات التي لازمها كذلك تسفيه السلفِ ورَمْيهم بالغفلة والسذاجة.

إنّ ابن تيمية وإن لم يخُضْ في مثل هذه التبريرات إلا أنها لازمة للسلف في ضوء تعامله مع مقولتهم، فحين يكون السّلف تتابعوا جميعًا على نقل أمر ووضعه في ثنايا التفسير وهو مخالف للشّرع ولا تقرُّه الملّة؛ فلا بدّ أن يكونوا فعلوا ذلك لعدم تفطّنهم للمخالفة، أو غير ذلك من التبريرات التي ظهرت عند مَنْ تَبَنَّوا النظر التيمي وتعاملوا مع المسألة من خلاله بشكلٍ أكثر صراحة.

يقول ابن كثير معلِّقًا على أحد المرويات المسندة عن ابن عباس:
«إسناده إلى ابن عباس قوي، ولكن الظاهر أنه إنما تلقّاه ابن عباس -إن صح عنه- من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوَّة سليمان -عليه السلام- فالظاهر أنهم يكذبون عليه» [17].

ولا شك أنّ الناظر في العديد من الدراسات المعاصرة والتي تتبنى النظر التيمي للمسألة يجد شدّة ظهور هذين الأثرين لديها؛ حيث يغلب لدى الدارسين فيها الجراءة على رَدّ كلام السّلف والتشنيع عليهم وتسفيههم واتهامهم بالسذاجة؛ إذ راجت عليهم هذه المنقولات الخبيثة...إلخ، مما يحمل تشنيعًا من جانب، وتبريرًا من جانب لإيجاد مخرج للدّين ذاته من المسألة؛ كون السلف هم رواة الشرع وتأثرهم بمصدر أجنبي مشكلٌ، وهو ما سنفصل القول فيه في مقالة خاصة بإذن الله [18].

وحاصل ما سبق يُبرز لنا كيف أن تبنِّي ابن تيمية لمنطلق النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية أوقعه في تعارض منهجي إزاء السلف وما لهم من حجيّة في الدّين، وجعله يكرّ على ذلك الأصل الأصيل عنده بالإبطال والنقض، كما أنه كذلك كان داعية لوقوعه في أخطاء في بحث المسألة كما سنبيّن في النقطة التالية.

ثانيًا: خطأ التأصيل التيمي للمسألة:
اجتهد ابن تيمية في التأصيل للمرويات الإسرائيلية في تفسير السلف وأصدر بشأنها بعض المقررات النظرية الكليّة، إلا أن التأصيل التيمي لارتهانه لمنطلقه النقلي عن المرويات صار مشكلًا.

ومن ذلك ما يلي:
1- الإسرائيليات تروَى للاستشهاد لا للاعتماد والاعتقاد (التأسيس والتأنيس/ الاعتضاد لا الاعتماد):
إنّ هذا التقرير لا معنى له نهائيًّا ولا قيمة له ألبتة في مجال توظيف المرويات الإسرائيلية في التفسير؛ لأن الذي يوظِّف رواية في بيان المعنى لا تبحث المسألة معه من جانب عدم الاعتقاد بمضمون ما يستدلّ به فهذا غير لازم بداهة، وكذلك لا تبحث معه من جانب جعل المادة التي يرجع إليها مجرد شاهد فقط لا دليل، وإنما يبحث معه في كيفيات التبيين ذاته عبر المروية التي وظّفها.

إنّ مَنْ ينشغل بتقرير المعنى وضبطه فإنّ غرضه مباين تمامًا لغرض الإخباري مثلًا، فهو لا ينقل معلومات ومضامين؛ ومن ثَمّ يُعتنى بالنظر معه في أهمية عدم اعتقاد المضمون، وكذلك هو مباين لغرض الفقيه الذي يحاول تأسيس الأحكام؛ ومن ثَمّ يعتنى معه بتقريرات مثل بيان حجية الاستدلال بهذه المرويات ومسالك التقرير من خلالها والكيفيات الضابطة لذلك من خلالها، ويقال له: إنّ هذه المرويات للاستشهاد فقط لا للاعتماد، وإنما هو يَبحث عن معنى يريد تبيينه وكشف الغطاء عنه، وبالتالي فهذه المرويات تمثّل عنده دلائل للبيان كالشعر الجاهلي وغيره من الأدوات التي تُورَد ويستعان بها في كشف المعنى فقط بِغَضّ النظر عن الموقف مما تحمله من مضامين قد لا تكون مقبولة في ذاتها وغير متّسقة مع تعاليم الإسلام في شيء.

كما أنّ المبين للمعنى لا يخاطَب بثنائية التأنيس والتأسيس والاعتضاد والاعتماد في موارده التي يوظّفها في البيان؛ فالمبيّن للمعنى غايته تقرير المعنى وبناؤه، وبالتالي فقد يكون إيراده للمرويات -ومنها الإسرائيليات- تارة من قِبَل التأسيس وتارة من قِبَل التأنيس بحسب وضوح القرائن التي دعته لجَلْبها والاستدلال بها.

2- التقسيم الثلاثي للمرويات الإسرائيلية:
هذا التقسيم الثلاثي للمرويات الإسرائيلية متّسق مع أساس النظر التيمي النقلي عن المرويات؛ ذلك أنه حال كانت المرويات مجالًا لنقل المعلومات والمضامين وللاستشهاد لا الاعتقاد فلا بد أن تخضع في نقلها واستدخال مادتها للمقرّر عندنا في الشرع، فما وافقنا منها فهو مقبول وتجوز روايته، وما خالفنا مردود ولا يجوز روايته والاستشهاد به، وما لا يُصدَّق أو يُكذَّب منها فلا بأس بروايته، وإن كان التخفّف من ذلك أولى؛ كونه غير مفيد في الدِّين بصورة عامّة ولا حاجة لنقله بالأساس.

إنّ هذا التقسيم للمرويات الإسرائيلية في تفسير السّلف لا معنى له ولا جدوى كذلك؛ لأن المبين للمعنى لا صلة له بالمضمون -كما الحال في الاستدلال بالشعر الجاهلي- حتى تنعقد معه القسمة تبعًا لهذا الاعتبار، وإنما الأصل أن تكون القسمة معه لا على المضامين التي تحملها أدوات التبيين وإنما في كيفيات الاستدلال والتبيين عبرها وغير ذلك مما يعتلق بالتبيين ودورها فيه.

ثالثًا: ضعف جدوى التأصيل التيمي لضبط الخلاف في التفسير:

اعتنى ابن تيمية بتقسيم الخلاف في التفسير والكلام على الضوابط الحاكمة لكلّ قسم، إلا أنه لصدوره عن المنطلق النقلي عن المرويات وبُعده عن حيثية التفسير فَقَدَ تأصيلُه جدواه بصورة كبيرة في ضبط التعامل مع الاختلاف التفسيري، وصار الناظر في الخلاف التفسيري قبل التأصيل التيمي كناظره بعده من حيث عدم امتلاكه لأطر وضوابط لها أثر ظاهر في ضبط التعامل معه.

ومن ذلك:
1- قِسْمته للاختلاف في التفسير:
قسَم ابن تيمية مرجع الخلاف في التفسير إلى قسمين: نقلي واستدلالي، حيث قال: «الاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يعلم بغير ذلك؛ إذ العلم إما نقل مصدّق وإما استدلال محقّق،... وأمّا النوع الثاني من مستندي الاختلاف، وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل...».

وهذه القسمة لا تعبِّر عن واقع التفسير؛ فعَدا ما يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التفسير -وهو شديد الندرة كما هو معلوم- [19]، فإنّ جلّ المادة التفسيرية مردودة للمفسِّرين ومتعلقة باجتهادهم أنفسهم؛ فسائر ما يذكره المفسّرون من معانٍ استنادًا لتوظيف أدوات كالسُّنة النبوية أو مرويات النزول، فإنه يبقى عملًا استدلاليًّا منهم ومحض اجتهاد ينظر في قرائنه ومستنداته، ولا تعتبر أبدًا هذه المعاني مجرد منقولات نقلها المفسّر عن تلك الأدوات وقاموا باستيرادها منها استيرادًا محضًا؛ ولهذا يناقشها أئمة التفسير من أمثال الطبري وابن عطية باعتبارها مقولات تفسيرية لا منقولات ويتأملون دلائلها وقرائنها؛ ومن ثَمّ فلا وجه لمثل هذه المقابلة التي ذكرها ابن تيمية في التفسير؛ لأن الخلاف في التفسير وتبيين المعاني مرجعه الرئيس للاستدلال وقرائنه فقط، وبالتالي فإنّ مَنازع الاستدلال وتغايرها بين المفسِّرين هي أساس قسمة الخلاف في التفسير.

إنّ ما دعا ابن تيمية لهذه القِسْمة غير الواقعية في التفسير هو صدوره عن النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية وأن المفسرين الأوائل من السّلف كانوا ناقلين لمضامين من المرويات الإسرائيلية لا أنّ هذه المرويات كانت من أدوات التبيين عندهم، وبالتالي استحال عنده التفسير لمادة نقلية لها موارد عديدة وكثيرة وأخرى هي رأي واجتهاد، وبالتالي صحّت عنده المقابلة بينهما وقسمة الاختلاف في التفسير وسببه تبعًا لذلك.

2- تأصيله لضبط الاختلاف في التفسير:
فابن تيمية قسم الخلاف الذي مرجعه النقل لقسمين: «ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف، ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه».

ويلاحَظ هاهنا أمران: الأول:
إنّ ابن تيمية جعل معيار ضبط هذا الخلاف الذي سببه النقل هو القدرة على التحقّق من الصحّة والضعف في المرويات المنقول عنها، ولكن لما كان هذا على خلاف حيثيّة التفسير كما بيَّنّا صار هذا التأصيل لا فائدة له في ضبط التعامل مع اختلاف التفسير؛ كون المعنى التفسيري هو عمل استدلالي ينتجه المفسّر بقرائن معينة من خلال رجوعه لأدوات كالشِّعْر والمرويات الإسرائيلية ومرويات النزول وغيرها، والحكم على المعنى التفسيري الذي أنتجه المفسر يقتضي النظر في مجموع قرائن الاستدلال الحافّة بالمعنى عنده، ولا يتم البَتّ فيه بمجرد النظر في صحة أو ضعف روايات المادة التي استثمرها في التبيين، والتي غايتها أن تكون أحد القرائن التي يلتفت إليها أحيانًا في بعض الأقوال لا أكثر.

الثاني:
تكلّم ابن تيمية على القسم الأول الذي يمكن مَيْز صحيحه من ضعيفه، فقال: «وأما القسم الأول، الذي يمكن معرفة الصحيح منه، فهذا موجود فيما يحتاج إليه ولله الحمد، فكثيرًا ما يوجد في التفسير والحديث والمغازي أمور منقولة عن نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- وغيره من الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه-(والنقل الصحيح يدفع ذلك، بل هذا موجود فيما مستنده النقل، وفيما قد يعرف بأمور أخرى غير النقل) [20]، فالمقصود أنّ المنقولات التي يحتاج إليها في الدّين قد نصب اللهُ الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره، ومعلوم أنّ المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي.          

ويروى: ليس لها أصل، أي: إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل... والمراسيل إذا تعدَّدَت طُرُقها وخَلَتْ عن المواطأة قصدًا أو الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعًا... وهذا الأصل ينبغي أن يُعرف، فإنه أصلٌ نافعٌ في الجزم بكثيرٍ من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك» [21].          

ولدينا هاهنا نقطتان: الأولى:
إنّ ابن تيمية لرغبته في ضبط منقولات التفسير التي يمكن مَيْز صحيحها من ضعيفها -والتي تأتي في مقابل ما لا يعرف فيه ذلك- فإنه أسّسَ تبعًا لمقولة الإمام أحمد حول إشكال أسانيد التفسير والمغازي والملاحم، أنّ هذه الفنون الثلاثة نظرًا لغلبة المراسيل عليها فإن الطريق لضبط التحقّق من مضمامين مروياتها يكون عبر اعتبار قاعدة أنّ المراسيل «إذا تعدَّدت طُرُقها وخَلَتْ عن المواطأة قصدًا أو الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعًا»، وأنّ «تعدُّد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يُوجِب العلم بمضمون المنقول» [22]، إلا أن تأسيسه هذا وإن كان مفيدًا في المغازي والملاحم فإن إفادته في التفسير قليلة؛ فالمغازي والملاحم عمادها النقل؛ ومن ثَمّ فإن تفعيل قاعدة تعاضد المراسيل يفيد -بلا ريب- في صحة أصل مضمونها، إلا أنّ التفسير هو عمل استدلالي ينتجه المفسّر بقرائن عديدة ولا يصحّ بمجرد صحة أصلِ مضمون المعنى في الأداة الموظّفة فيه كما بيّنا.

الثانية:
يبدو أن ابن تيمية فهم من مقولة الإمام أحمد: «ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي»، أنّ هذه الفنون الثلاثة تدور حول فكرة النّقل والرواية، وبالتالي فهي توجّه في ضوء إشكال الإسناد في ثلاثتها لأثر تعاضد الروايات في جميعها وما له من دورٍ في تصحيح أصل المضامين، وهذا النظر التيمي لمقولة الإمام أحمد يلتقي مع فهوم سابقة لها لدى بعض أرباب الحديث وغيرهم، وأن غرضها التنبيه على أنّ هذه الفنون الثلاثة ليس لها إسناد مرفوع للنبي -صلى الله عليه وسلم- كما هو معلوم ومشهور، إلا أن هذا الفهم قد لا تعطيه مقولة الإمام أحمد، والتي لا تعدو كونها مطلق توصيف لإشكالِ انقطاع الإسناد الذي يلفّ هذه الفنون وأهمية مراعاته في النظر إليها وترتيب التعامل معها، لا أنها تساوي بينها في اعتبار أصلها النقلي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذه الفنون الثلاثة غير متساوية في هذا الاعتبار كما هو ظاهر في طبيعتها، فالمغازي والملاحم أحداث ووقائع ترجع للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو تتصل بزمانه، وأما التفسير فهو فُهوم السّلَف واجتهاداتهم في بيان القرآن بالأساس، ومعلوم أنّ الرواية المرفوعة فيه شديدة الندرة.          

إن اعتبار هذه الفنون الثلاثة عمادها الرواية والنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجعلنا:
- نتصور أنّ إشكال انقطاع الإسناد في تفاسير السّلف مرجعه عدم الرفع كما في المغازي والملاحم، وهو أمرٌ ظاهرُ البُعْد ولا يتّسق وإشكال الانقطاع في مرويات التفسير، والذي يرتبط بروايتها عن مفسري السلف أصلًا لا النبي -صلى الله عليه وسلم-.

- نعتبر أنّ قاعدة تعاضد المراسيل هي حلّ إشكال انقطاع الإسناد في جميعها، وذلك هو عينُ ما فعله ابن تيمية، وهو غلطٌ ظاهر؛ لأن تفعيل قاعدة المراسيل وتعاضدها في الجزم بأصلِ المنقول نافعة في المغازي والملاحم باعتبار طبيعتها، والتي يوجد فيها واقعة تروى بطرائق متعددة بينها اختلاف في بعض التفاصيل، ويكون التعاضد هاهنا مثبتًا لأصل الواقعة بِغَضّ النظر عن تفاصيلها، وأما التفسير فهو معانٍ تختلف خلافَ تضادّ أو تنوّع، والتنوع ليس خلافًا أصلًا وإنما هو تعبير عن المعنى الواحد بطرائق متغايرة كبيان لازمه أو جزئه وغير ذلك، وبالتالي فلا تفاصيل هاهنا أصلًا تحتفّ بالمعنى كما هو الحال في الوقائع التي توجد في المغازي والملاحم.          

كما أنّ المعنى التفسيري في غالبه لا يرجع في تقريره لمرويات كالإسرائيليات ومرويات النزول حتى نُفَعّل هذه القاعدة -والتي لا تفيد في تصحيحه بالكليَة كما بيَّنّا-، وإنما المعاني التي عمادها اللغة وهي أكثر المعاني كما هو معلوم لا مدخل لذلك فيها.

رابعًا: عزوف التأصيل التيمي عن بيان منهج توظيف المرويّات في التفسير:
لعلّ من أَشْكَل آثار النّظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية أنه يعطّل بحثَ استكشاف منهج توظيف هذه المرويات في التفسير، ذلك أنه يجعل النّظَر يبتعد عن حيثيّة حضور المرويات في التفسير وبحث منهج توظيفها واستثمارها لينشغل بالمرويات ذاتها والتعامل معها بشكلٍ مباشر باعتبارها المجال الرئيس الذي انتزعت من بين ثناياه المعلومات وجرى نقلها منه.

وهذا ما تجده باديًا في تأصيل ابن تيمية -رحمه الله-، ذلك أنه يحاول ضبط الإفادة من المرويات ببيان الموقف الشرعي من المرويات ذاتها، وكيفيات التعامل معها، ووجوه الاستدلال الشرعي بها كما لو كان المفسّر فقيهًا لا مبيِّنًا للمعنى؛ ولهذا ابتعد التأصيل التيمي عن إنتاج شيء ذي بالٍ في استكشاف منهج حضور هذه المرويات في التفسير، وانصبّ على زوايا لا علاقة لها بالمسألة في التفسير، وكذا مَن التزم هذا التأصيل ممّن جاء بعده في درس المسألة.

وحاصل ما مرّ معنا يبرز لنا كثرة الآثار السلبية التي احتفَّت بالدرس التيمي على أكثرِ من صعيدٍ؛ نظرًا لصدوره عن النظر النقلي عن المرويات لا التوظيفي والاستدلالي بها في التفسير، وهكذا الشأن في المنطلقات المشكلة؛ فإن التأصيل من خلالها للمسائل يَبقى حاملًا للإشكال ولا يمكن أن يتحصّل من خلاله نظر منضبط حتى لو كانت براعة المؤصّل كابن تيمية، كما أنه يكون كذلك منتِجًا للإشكال حالَ ممارسة التعامل مع المسألة من خلاله.

خاتمة:
ظهر معنا من خلال ما سبق أن دراسة ابن تيمية لمسألة المرويات الإسرائيلية في التفسير لم تكن وليدة استيعاب دقيق لمسالك توظيف هذه المرويات في تفسير السلف، وكذلك لم تكن منبنية على هضم محرّر لتعامل كبار المفسرين من أمثال الطبري معها، وأنها صدرت عن منطلقٍ مفارقٍ لحيثية التفسير الذي استُحضرت في ساحته هذه المرويات ومعارض لها، وهو ما جعل التأصيل القائم عليها مشكلًا كلّه، وفاقدًا لجدواه في بحثها، وغير قادر على استكشاف أبعادها المنهجية في واقع مدونة التفسير والتأصيل لضبط التعامل معها، بل إنه مدعاة لاستشكال صنيعِ السّلف ممن أوردوا هذه المرويات ونقدهم وتغليطهم وَرَدّ مقولاتهم.

ومن هاهنا يمكننا القول بأنّ بحث ابن تيمية للمرويات الإسرائيلية في التفسير بحثٌ مشكلٌ، وأنه وإن بقي بحاجة لدراسة تجلي أسباب انحرافه عن حيثيّة التفسير وتتبع آثاره في بعض التفاسير والدراسات التي تبنَّتْه وعالجَتْ المسألة من خلاله [23]، إلا أنّ هذا المنطلق النقلي عن المرويات الذي تبنّاه ابن تيمية ومعمار التأصيل القائم عليه مما يجب استبعاده في بحث المرويّات الإسرائيلية في التفسير؛ حتى يمكن للبحث أن يكون مثمرًا ومفيدًا في ضبط تصوّر المسألة، وأن قضية المرويّات الإسرائيلية في التفسير -لغلبة النظر إليها من خلال التأصيل التيمي- فإنها تظلّ بحاجة إلى إعادة درس في ضوء حيثيّة التفسير ذاته باعتبارها أداة تبيين كما الحال مع الشعر الجاهلي وغيره من أدوات التفسير، حتى تتكشّف الأُطر والأنساق المنهجيّة الحاكمة لتوظيفها والاستدلال بها في التفسير، والله الموفِّق.

الهوامش:
[1] رابط المقالة الأولى: tafsir.net/article/5165.
رابط المقالة الثانية: tafsir.net/article/5166.
[2] مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص(9-11).          
ومسألة بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- للقرآن لا تشمل بيان الألفاظ لفظًا لفظًا كما قد يتصوّر خطأ عن ابن تيمية.          
يراجع الكلام على ذلك في الدراسة التي سعدتُ بمشاركتها مع بعض الفضلاء: أصول التفسير في المؤلفات؛ دراسة وصفية موازنة، مركز تفسير، ط:1، 1437هـ-2015م، ص(235)، وما بعدها.          
وقد ناقشها كذلك بتوسّع الفاضل أحمد فتحي البشير في بحثه: «القول بتوقف تفسير القرآن على أقوال السلف؛ دراسة في استدلالات ابن تيمية من خلال كتابه "جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية"»، وهو منشور على موقع تفسير على هذا الرابط: tafsir.net/research/12.
[3] بيان تلبيس الجهمية (220/1).
[4] فقد ورد تفسير الهمّ بما ذكَرْنا عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، والضحاك، والحسن البصري، وابن أبي مليكة، والسدي، ومقاتل بن سليمان، ومحمد بن إسحاق.          
وأمّا أنّ قوله: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب... وما أبرئ نفسي} من كلام يوسف، فقد ورد عن ابن عباس، وابن أبي الهذيل، وحكيم بن جابر، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، والضحاك بن مزاحم، وعكرمة، والحسن، وأبي صالح باذام، وقتادة بن دعامة، والسدي، وكذلك ورد عن مقاتل بن سليمان، وابن جريج، وابن إسحاق.          
ولم يَحْكِ الطبري ولا غيره من الكتب المعتنية بذكر المأثور عن السلف غير هذا القول عنهم.
[5] مجموع الفتاوى، (10/ 297).
[6] هذا القول الذي ذكره ابن تيمية أشار الطبري لقريب منه وعدَّه من القول المخالف للسلف، حيث قال بعد أن أورد تفسير السلف لِهَمّ يوسف: «وأمّا آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالًا مختلفة...»، وبعد أن ذكر هذه الأقوال ونقدها بمخالفتها لـ«جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله»، وغير ذلك مما أورد، قال: «وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأة بيوسف وهمَّ يوسف بالمرأة، غير أن همّهما كان تمثيلًا منهما بين الفعل والتَّرْك، لا عزمًا ولا إرادة؛ قالوا: ولا حرج في حديث النفس، ولا في ذِكر القلب إذا لم يكن معهما عزم ولا فعل».          
تفسير الطبري، ط: هجر، (13/ 86).          
وتأمَّل كيف أن الطبري يعتبر كلام السلف مقولات تفسيرية لا منقولات كما يقول ابن تيمية، وكيف أنه اعتبر تفسير الهَمِّ بأنه هَمّ خطرات وحديث نفس مخالف لما قاله السلف.
[7] مجموع الفتاوى (10/ 298).
[8] مجموع الفتاوى (10/ 293)
[9] مجموع الفتاوى (10/ 296).
[10] مجموع الفتاوى (10/ 297).
[11] قال ابن تيمية بعد إفاضته في بيان تفضيل التائب وكمال موقفه: «... وبهذا يظهر جواب شبهة من يقول إنّ اللهَ لا يبعث نبيًّا إلا مَن كان معصومًا قبل النبوة، كما يقول ذلك طائفة من الرافضة وغيرهم، وكذلك من قال إنه لا يبعث نبيًّا إلا مَن كان مؤمنًا قبل النبوة؛ فإنّ هؤلاء توهَّموا أنّ الذنوب تكون نقصًا وإن تاب التائب منها، وهذا منشأ غلطهم، فمَن ظنّ أن صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصًا فهو غالط غلطًا عظيمًا، فإنّ الذمّ والعقاب الذى يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منه شيء أصلًا، لكن إن قدّم التوبة لم يلحقه شيء، وإن أخّر التوبة فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذمّ والعقاب ما يناسب حاله، والأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- كانوا لا يؤخّرون التوبة، بل يسارعون إليها ويسابقون إليها لا يؤخّرون ولا يُصِّرون على الذّنب، بل هم معصومون من ذلك، ومن أخَّر ذلك زمنًا قليلًا كفَّر الله ذلك بما يبتليه به، كما فعل بذي النون -صلى الله عليه وسلم- هذا على المشهور أن إلقاءه كان بعد النبوة، وأما مَنْ قال إن إلقاءه كان قبل النبوة فلا يحتاج إلى هذا».
مجموع الفتاوى (10/ 309).
[12] تجدر الإشارة إلى أمرين:
الأول: المتأمِّل للموقف التيمي من عصمة الأنبياء يجده الأكثر ظهورًا من غيره من المواقف التي حاولَتْ نفي الذنب عنهم، واجتهدت في طرح تفسيرات لنسبة الذنوب للأنبياء في القرآن لا تخلو من نظر، إلا أننا نرى أن ما يزيده رسوخًا وتقريرًا -إضافة لما ذكره ابن تيمية من دلائل- هو موافقته الظاهرة لإجماع السلف في التفسير وتتابعهم على طرح تفسيرات تثبت وقوع الذنب من الأنبياء.
الثاني: سيدنا يوسف شأنه كشأن غيره من الأنبياء في وقوع الذنب منه، وليس كما يقول ابن تيمية مِن نفي ذلك عنه؛ لأن إثبات وقوع الذنب منه هو ما أجمع عليه السلف في التفسير، وهم أدرى بذلك من غيرهم، كما أن عدم تصريح القرآن بإثبات الذّنب له وما يناسبه من الاستغفار وقبول توبته الذي بنى عليه ابن تيمية فيما ذهب إليه، فيمكن تخريجه بما سبق وذكره ابن تيمية في كلامه عن سيدنا يونس أو بغيره مما قد يتأمّل في المسألة مما ليس غرضنا تحريره هاهنا؛ إذ الغرض هو فقط بيان الموقف العام من وقوع الذنب من سيدنا يوسف في ضوء تفسير السلف لا غير.
لعلّ من المشروعات البحثية التي قد تتأمّل عند ابن تيمية وغيره، هو أثر النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف، وما ترتّب عليه في بناء بعض المسائل العقدية لا سيما عصمة الأنبياء وما يتعلق بهم.
[13] سنهتم في بيان أثر التأصيل التيمي على مَنْ بعده بالاعتماد على ابن كثير بشكلٍ خاصّ؛ لاشتهارة بعنايته بنقل التأصيل التيمي في تفسيره في غير ما موطنٍ، وكذلك العمل من خلاله، كما هو معلوم.
[14] تفسير ابن كثير، ت: سلامة (1/ 360).
[15] تفسير ابن كثير (7/ 60).          
ويلاحَظ هاهنا أمران:
الأول: موقف ابن كثير هاهنا مخالف لابن تيمية، وذلك إمّا لأنه لم يستوعب الأصل الذي بنى عليه ابن تيمية في النظر لمسألة العصمة وسبب عدم ردّه للوارد عن السلف في مثل هذا مما رآه نقلًا في ضوء ما تقرُّه النظرة الشرعية، أو لأنه يخالفه فيه، والأمر بحاجة إلى بحث.
الثاني: من الأمور التي تحتاج إلى بحث هو نقد أقوال السلف وتوهينها بدعوى نكارتها اعتمادًا على تفاصيل المرويات الإسرائيلية التي يذكرونها كما يفعل ابن كثير وغيره، فهذا النقد إنْ تغيَّر منطلق النظر النقلي عن المرويات في التفسير، وأن المفسِّر ليس ناقلًا وإنما هو موظِّف للمروية ومستدِلّ بها؛ فإنه سيبدو بتمامه لا محلّ لذِكره أصلًا في التعامل مع الأقوال والحُكم عليها.
[16] تفسير ابن كثير، (4/ 347-348).          
ليس غرضنا هنا تحرير الكلام في المسألة التي يعالجها ابن كثير وإنما الغرض بيان أثر تبنِّي النظرة النقلية عن المرويات في التعامل معها في تفسير السلف لا غير.
[17] تفسير ابن كثير، ت: سلامة (7/ 68، 69).
[18] وهي مقالة سوف تنشر -بإذن الله- قريبًا ضمن ذات الملف (ملف المرويات الإسرائيلية في كتب التفسير) على موقع تفسير.
[19] يقول السيوطي معلقًا على الوارد من التفسير النبوي: «الذي صحّ من ذلك قليل جدًّا، بل أصل المرفوع منه في غاية القِلَّة».          
الإتقان في علوم القرآن، (4/ 208).
[20] يبدو أن في كلام ابن تيمية مما وضعناه بين قوسين سقطًا أورث العبارة قلقًا ظاهرًا.
[21] المقدمة، ص (20- 26).
بتصرف يسير.
[22] المقدمة، ص(29).
[23] لعلّ من الحلقات المتمّمة لتناولنا للدرس التيمي للمرويات الإسرائيلية في تفسير السلف هي الكلام على منشأ المنطلق النقلي عن المرويات لديه وتفسير أسبابه، ونحن وإن كنا أشرنا لطرفٍ يسير منه إبّان الكلام عن الطبري ومنطلقه في التجويز، إلا أننا ارتأينا إرجاء الكلام فيه وتأخيره لمقالات أخرى نتوسّع فيها في الطرح، لا سيما وأنها مسألة تتّصل بأسباب كثيرة وتحتاج إلى تفصيل كثير، ولعلّ الله ييسر إخراجها قريبًا.

الدكتور: خليل محمود اليماني
مدرس مساعد بجامعة الأزهر.
شارك في عدد من الأعمال العلمية المنشورة.

المصدر:
https://tafsir.net/article/5165/qra-at-nqdyt-lt-asyl-abn-tymyt-ltwzyf-al-isra-iylyat-fy-at-tfsyr-1-3



قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: كتابات في القرآن-
انتقل الى: