من السنة الأولى إلى السنة التاسعة من الهجرة
بناء المسجد:
*دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وترك ناقته فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوي، فبركت، فنزل عنها في ذلك الموضع، وكان مربدًا -مكان تحبس في الغنم والإبل- ليتيمين في حجر معاذ بن عفراء، فاشتراه النبي -صلى الله عليه وسلم- منهما، وجعله للمسمين، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضيفًا على أبي أيوب الأنصاري (خالد بن زيد) حتى بنى مسجده ومساكنه، ثم تحوّل إلى مساكنه.

وأقام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بمكة حتى أدّى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الودائع التي كانت للناس عنده، ثم لحق به مهاجرًا.

مؤاخاة وموادعة:
*وفي السنة الأولى من الهجرة: آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في بداية الإسلام، وبجانب هذا الإخاء عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميثاقًا للتحالف الإسلامي ومن بنوده.

1-    أن المسلمين أمة واحدة من دون الناس.

2-    وأنهم جميعًا على من بغى عليهم ولو كان واحدًا منهم.

3-    وأنه لا ينصر مؤمن كافرًا على مؤمن.

4-    وأنه لا يحلّ لمؤمن أن ينصر محدثًا أو يؤويه.

* أما اليهود فقد وادع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهود المدينة وهم:
بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكانوا قد كفروا به -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أسلم كبيرهم عبد الله بن سلام.

غزواته -صلى الله عليه وسلم-:
لمَّا صار للمسلمين في المدينة شوكه وقوة، فرض الله عليهم الجهاد، فأنزل قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].

فغزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانيًا وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع وهي: بدر، وأُحُد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف.

وهذه نبذة مختصرة عن بعض غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم-.
1 - غزوة بدر الكبرى:
* وكانت في يوم الجمعة 17 رمضان سنة اثنين من الهجرة، وكان عدد المسلمين 314 رجلًا، وكان المشركون ثلاثة أمثالهم، وفيها نصر الله الإسلام وأعز المسلمين، ودمغ الكفر وأهله، فقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون، واستشهد من المسلمين 14 رجلًا.

2 - غزوة أحد:
* وكانت في شوال سنة ثلاث من الهجرة، وقد باشر فيها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- القتال بنفسه، وكان المسلمون ألفًا، فانخذل منهم عبد الله بن أُبي المنافق بثلاثمائة، وكان المشركون ثلاثة آلاف.

* وكان يوم أُحد يوم بلاء وتمحيص، وانكشف فيه المسلمون حتى وصل العدو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكسرت رباعيته اليمنى والسفلى وشجّ في جبهته، وجرح في وجنته، وسقطت ثنيَّتاه، واستشهد من المسلمين سبعون، منهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب، وقتل من المشركين اثنان وعشرون رجلًا فقط.

3 - غزوة الأحزاب:
* وكانت في شوال سنة خمس، والأحزاب هم: قريش، وغطفان، واليهود، أرادوا محاصرة المسلمين واستئصالهم وكانوا عشرة آلاف، وكان المسلمون ثلاثة آلاف فقط، فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين المشركين وبين المدينة، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق وشارك المسلمين في حفره، وتحصن المسلمون به، ثم أسلم نعيم بن مسعود، فسعى في تخذيل الأحزاب وإلقاء الفرقة بين طوائفهم، وأرسل الله عليهم ريحًا فانهزموا.

ولم يقتل من المسلمين غير ستة من الأنصار. وقتل ثلاثة من المشركين.

4 - غزوة بني قريظة:
* أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- معاقبة يهود بني قريظة على نقضهم العهد وتحالفهم مع المشركين يوم الخندق، فنهض إليهم من فوره بعد منصرفه من الخندق في نفس العام، وحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة حتى اشتد عليهم البلاء فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم بقتل الرجال وسبي الذراري، وقسمة الأموال. فقتل الرجال وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة. وقسمت أموالهم ونساؤهم بين المسلمين.

5 - غزوة بني المصطلق من خزاعة:
* وكانت في شعبان سنة ست، فأغار النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على ماءٍ لهم يسمى المريسيع، فقتل من قتل منه، وسبى النساء والذرية.

حادث الإفك:
*وفي هذه الغزوة وقعت حادثة الإفك حيث طعن عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه في عرض أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها، وصدقهم بعض المؤمنين، ثم نزلت براءتها من فوق سبع سموات.

6 - غزوة الحديبية:
* وكانت في ذي القعدة سنة ست، وفيها خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتمرًا في ألف وخمسمائة رجل، فأراد المشركون صدّه عن البيت، فانتهى -صلى الله عليه وسلم- إلى الحديبية وتراسل هو والمشركون، حتى جاء سهيل بن عمرو فصالحه على أن يرجع عنهم عامهم هذا، وأن يعتمر من العام المقبل، فأجابه -صلى الله عليه وسلم- إلى ما سأل، وكره ذلك جماعة من الصحابة.

وفي ذي القعدة سنة سبع اعتمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية ودخل مكة معتمرًا.

7 - غزوة خيبر:
وكان في المحرم من سنة سبع، وفيها حاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وادي القرى، ففتح الله عزَّ وجلَّ عليه كثيرًا من حصون اليهود، فغنم أموالها، ثم استسلم أهل الحصون الأخرى بعد ذلك.

غدر اليهود:
وفي هذه الغزوة أهدت زينب بنت الحارث اليهودية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة مسمومة، فأكل منها بشر بن البراء، وذاقها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلفظها، وأخبر أنها مسمومة، ومات منها بشر بن البراء، فقتل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المرأة ببشر قصاصًا.

8 - غزوة فتح مكة:
وكان فتح مكة في 20 رمضان سنة ثمان، وسبب هذه الغزوة أن قريشًا نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عقد، فخرج -صلى الله عليه وسلم- في عشرة آلاف يريد قريشًا، حتى نزل مرَّ الظهران، فأتاه عمه العباس بأبي سفيان فأسلم، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة آمنًا من غير قتال.

9 - غزوة حنين:
* وكانت في شوال سنة ثمان، وفيها نصر الله المسلمين على قبيلتي ثقيف وهوزان، وفرَّت هوازن بين يدي المسلمين، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، وحاز النبي -صلى الله عليه وسلم- أموالهم وعيالهم، وقُتل منهم خلق كثير.

10 - غزوة الطائف:
وكانت بعد انصراف النبي -صلى الله عليه وسلم- من حنين، وفيها حاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تبقى من مشركي ثقيف وهوازن في حصن الطائف، فاستعصوا وتمنعوا، ولم ينل منهم كبير شيء، فرجع عنهم، فأتى الجعرانة، وهناك أتاه وفد هوازن مسلمين، وفيهم أميرهم مالك بن عوف، فردَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذريتهم من الأسرى، وأمَّر عليهم مالك بن عوف، وكان قد حسن إسلامه.

*ثم اعتمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في اليوم السابع عشر من ذي القعدة من الجعرانة، ودخل مكة معتمرًا، ثم عاد إلى المدينة.

11 - غزوة تبوك:
وكانت في رجب سنة تسع، وفيها جهَّز عثمان بن عفان -رضي الله عنه- جيش العُسْرة، وخرج فيها -صلى الله عليه وسلم- يريد غزو الروم في نحو ثلاثين ألفًا، وفيها تخلف نحو ثمانين رجلًا من المنافقين، وثلاثة من المؤمنين ثم تاب الله عليهم، ولما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبوك لم يلق غزوًا فرجع في رمضان سنة تسع، وأمر بهدم مسجد الضرار فهُدِم.

البعوث والسرايا:
البعوث والسرايا هي التي أرسلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يخرج فيها بنفسه سواء حصل فيها قتال أم لم يحصل.

وقد بعث -صلى الله عليه وسلم- ستًّا وخمسين ما بين بعث وسرية.

والسرية هي طائفة من خيار الجيش، لا تزيد عن أربعمائة رجل تبعث إلى العدو. والبعث ما افترق من السرية.

وكان أول بعثه -صلى الله عليه وسلم-: بعث عمه حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين راكبًا من المهاجرين إلى سيف البحر، فالتقى بأبي جهل بن هشام في ثلاثمائة من أصحاب، ولم يحدث بينهم قتال.

وآخرها: بعث أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام، أمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقان والداروم -قلعة بعد غزة- من أرض فلسطين، فسار حتى بلغ الجرف -على فرسخ من المدينة- وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بالجرف.
* * *