منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 البوسنة و الهرسك دراسة عامة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Empty
مُساهمةموضوع: البوسنة و الهرسك دراسة عامة   البوسنة و الهرسك دراسة عامة Emptyالخميس 09 يونيو 2011, 4:02 am

البوسنة و الهرسك

دراسةٌ عامّةٌ

البوسنة و الهرسك دراسة عامة 22_1_110


تأليف الدكتور : أحمد عبد الكريم نجيب

أستاذ الحديث النبوي وعلومه في كلّية الدراسات الإسلاميّة بسراييفو، والأكاديميّة الإسلاميّة بزينتسا ومدرّس العلوم الشرعيّة في معهد قطر الديني سابقاً

تقديم

الحمد لله كما ينبغي لجلاله، والصلاة والسلام على نبيّه محمّد وآله، وبعد..

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Msajed10

فمنذ قرنٍ من الزمان و الأقلّيات الإسلاميّة في أنحاء العالم تئن تحت وطأة جور أهل الصليب و عبّاد الأوثان ، بعد أن سقطت الخلافة و تداعت عليهم الأمم من كل جانب .
و من تلك الأقلّيات شعوب من المسلمين في الغرب الإسلامي يعيشون غرباء في منطقة البلقان ، و لا يكاد يعرفهم أو يسمع بهم أحد .

شعوب كانت أرض الإسلام في بلادهم خصبة ، و دعوة أهل السنة في حياتهم ريّانةً رطبة ، حيث العلم و العلماء ، و المعاهد و المدارس في مختلف الأنحاء .

عاشوا أعزّةً بالإسلام قروناً حتى غابت عنهم شمس الخلافة ، و عدت عليهم العوادي ، فقتلت عالمهم ، و مسخت هويتهم ، و أبعدتهم عن دينهم بالوعيد و التهديد ، و النار و الحديد ، حتى نشأ فيهم نشؤٌ لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ، و من القرآن إلا رسمه ، بل أصبح كثيرٌ منهم لا يعرف حتى ذلك الرسم المبارك .

و مع تقادم الزمن نسي المسلمون أن لهم إخواناً في العقيدة ، يعيشون تحت الحكم الشيوعي في دولة عنصرية تدعى ( يوغسلافيا ) و يصورها الإعلام العربي دولةً صديقةً ذات مـواقف مشرفة من قضايا العرب و المسلمين في أنحاء العالم ، و خاصةً قضيّة فلسطين ، في إطار ما كان يعرف بحركة عدم الانحياز .

و صحا العالم كله بما فيه المسلمون في مشارق الأرض و مغاربها على صرخات الاستغاثة التي انبعثت من حناجر المسلمين البشانقة ( أهل البوسنة و الهرسك ) و قد أعمل فيهم الصرب و الكروات و من تبقى من الشيوعيين الذين يحمل بعضهم أسماء إسلامية القتل و التشريد ، في زمن تقاعس فيه المسلمون و تسلط فيه الحاقدون .

غير أن الله تعالى قيّض من أبناء هذه الأمة من يرفع لواء الجهاد في سبيله في كل عصر و مصر ، و من هؤلاء ? رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلاً ? [ الأحزاب : 23 ] .

و كان نصيب البوسنة من هؤلاء الرجال وافراً ، حيث تجمّع على أرضها آلاف الأنصار ، و عامّتهم من العرب ؛ منهم من يجاهد في الله بسلاحه ، و يجود بنفسه ، و منهم من يعمل في حقل الدعوة إلى الله ، ليبصر إخوانه المسلمين بحقيقة و أهداف المعركة التي يخوضونها مرغمين ، و يسعى لتعليمهم أمور دينهم و ردهم إليه رداً جميلا ، إلى جانب من هبَّ يجاهد بماله ، و يغيث إخوانه منفقاً من بعيد ، أو عاملاً في الميدان ؛ منفرداً أو تحت مظلة إحدى الهيئات الخيرية العاملة في البوسنة و الهرسك أثناء الحرب الأخيرة .

و قد أكرمني الله تعالى بشرف التعاون مع هؤلاء الأخيار ، حيث كنت ـ و الحرب في البوسنة على أشدها ـ أدير مؤسسةً إغاثيةً دعويَّة عريقة و أعمل أستاذاً للحديث النبوي و علومه ، و اللغة العربية للناطقين بغيرها في كلية الدراسات الإسلامية بسرايفو و الأكاديمية الإسلامية في زينتسا و ? ذلك من فضل الله عليَّ ليبلوني أأشكر أم أكفر ? [ النمل : 40 ] .

هذا إلى جانب اشتغالي في تلك الفترة و ما بعدها بإعداد رسالة الدكتوراة التي تناولت فيها مكانة السنّة النبوية و أثرها في حياة المسلمين البوشناق .

و نظراً لندرة ما أُلِّف في التعريف بالبوسنة باللغة العربية من قبل ، و حاجة القارئ العربي الماسّة إلى مرجعٍ في هذا الباب رأيتُ أن أشرع في إعداد دراسة خاصة حول تلك البلاد أعرّف بها و أدرس تاريخها و أديان أهلها و غير ذلك من المسائل ذات الأهمّية ، على نحوٍ يقدّم للباحثين و المهتمّين بقضيّة البوسنة الحد الأدنى ممّا ينبغي أن يعلموه عنها ، و للمكتبة الإسلامية ما يسدّ ثغرة افتقارها إلى مراجع باللغة العربيّة حول هذا الموضوع .

و قد اعترضت سبيلي ، أثناء جمع مادة هذا البحث معوقات عديدة ، و عانيت من صعوباتٍ شتى، حاولت قدر المستطاع تخطيهـا بالتسديد والمقاربة ، ومن تلك المعوٍّقات والصعوبات :

? قلّة المراجع العربيّة التي تتناول حال مسلمي البوسنة ، و صعوبة الاعتماد على المراجع المصنّفة باللغات الأوروبيّة ؛ السلافيّة و غيرها .

? اندراس كثيرٍ من الآثار الإسلامية التي يعوّل عليها في توثيق بعض الدراسات ذات الصلة بموضوع البحث .

? ضعف الخدمات التي تعين الباحثين في البوسنة ، حيث أن معظم مكتباتها العامّة أغلق أثناء الحرب الأخيرة ، و لا يزال بعضها مغلقاً حتى الساعة ، فضلاً على ما دمّره الصرب والكروات أثناء تلك الحرب ، و ما وقع منها تحت سلطة الصرب الذين لا يزالون يحتلون نصف بلاد البوسنة حتى اليوم .

? بعد بلاد البوسنة عن ديار الإسلام الأخرى ، و خاصّة البلاد العربية التي كثيراً ما كنتُ أضطرُّ للسفر إلى بعضها في طلب مرجعٍ ، أو استشارة مطَّلِع .

غير أن هذه المعوّقات و غيرها لم تحدّ من عزمي على إنجاز البحث فاستعنت بالله و لم أعجز ، و شرعت في الجمع و التدوين حتى ظهر على الحال التي أدفع به عليها إلى المكتبة الإسلاميّة اليوم مشتملاً على خمسة مباحث هي :

المبحث الأول : نبذة جغرافيَّة عن البوسنة و الهرسك
المبحث الثاني : التركيبة السكانية في البوسنة و الهرسك
المبحث الثالث : تاريخ البوسنة و الهرسك
المبحث الرابع : العقائد و الأديان في البوسنة و الهرسك
المبحث الخامس : معالم إسلاميّة في البوسنة و الهرسك

و ختمت بحثي بتعداد موجز لأهم ما يمكن المقتصد الخلوص إليه و الوقوف عليـه ، و لا يغني من يبتغي التوسع عن الرجوع إليه ، و ما هو إلا جهد مقلّ إن أصبت فيه فمن الله ، و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان و أفوّض أمري إلى الله إنّ الله بصير بالعباد .

و إنني اليوم إذ أضعه بين يدي القارئ ، لأسأله أن يهديني عيوبي ، علّي أستدرك فيما بقي من عمري ، و أن لا ينساني من دعوة بظهر الغيب أدّخرها عند ربي ليوم لا ينفع فيه مالٌ و لا بنون إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، و ما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت و إليه أنيب .
إسطنبول في غرّة شهر المحرّم عام 1422 للهجرة الموافق للسادس والعشرين من آذار ( مارس ) عام 2001 للميلاد.

المبحث الأول

نبذة جغرافية عن البوسنة و الهرسك


تتكوَّن بلاد البوسنة و الهرسك - كما يظهر من اسمها الثُنائي - من إقليمَي ( البوسنة ) في الشمال و ( الهرسك ) في الجنوب ، و هذان الإقليمان المتجاوِران المتكاملان ، كثيراً ما كانا يتَّحِدان و يتكاملان ، أو ينفصلان و يتناحران ، تَبعاً لأهواء السَّاسة المُتربِّعين على عرش كُلٍ منهما ، خلال الحُقَب المُتعاقبة .

و فيما يلي تعريفٌ موجز بكلا الإقليمين :

? أوَّلاً : إقليم البوسنة : و هو عبارة عن بلاد واسعة تقع في الشمال الغربيِّ من شبه جزيرة البلقان في أوروبَّا الشرقيَّة ، و يحدُّه من الشمال نهـر صاوة (Sava) و من الشرق نهر درايينا ، ومن الغرب بلاد دلماسيا (Dalmacija) ، ومن الجنوب إقليم الهرسك .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة User4310

و قد اكتسبت البوسنة اسمها هذا - على الراجح - من اسم أشهر أنهارها ، و هو نهر البوسنة ( Bosna Rijeka ) ، الذي ينبع من سفح جبل إغْمِن ( Igman ) الواقع جنوب البوسنة على مقربةٍ من العاصمة و يمتد في أنحاء البلاد مروراً بثلاثةٍ من كبريات مدن البوسنة هي : سراييفو ( Sarajevo ) و زينتسا ( Zenica ) و دوبوي ( Doboj ) بطولـه البالـغ ( 303 ) كيلـو متراً ، أي ( 188 ) ميلاً و تتفرَّع منه فروعٌ كثيرة يبلغ طولها نحو (10480 ) كيلو متراً ، أي ( 6513 م ) تُغذِّي مُختلف أنحــاء البوسنة و تصُبُّ في نهر صاوة في الشمال و ربّما كانت تسمية نهر البوسنة هذه مُقتبسةٌ من الكلمة الإيليريّة ( بوسينوس ) أو من كلمة ( بوس ) التي تعني الماء الجاري في تلك اللغة .

و قد ذهب بعضُ المُؤرِّخين إلى أنَّ القبائل السلافية المهاجرة من القوقاز إلى البلقان ، جلبت هذا الاسم معها و أطلقته على الإقليم بعد أن استوطنته ، وبموجِب هذا الرأي يكون اسماً طارئاً على البوسنة ، ورد عليها من خارجها .

بينما يرى آخرون أنَّه مُشتقٌ من كلمة ( باساتي ) القديمة ، أو كلمة ( باز ) التي تعني المِلح ، إذ تشتهر به بعض مناطق البوسنة ، و منها توزلا (Tuzla) حتى إن عوائد الآبار المالحة فيها كانت إحدى الموارد الاقتصادية الهامة في البلاد ، و كان ينفق منها على المؤسسات التعليمية ( المدارس و الكتاتيب والمدارس ) بتوزلا العليا و الدنيا ، حتى سقوط البوسنة تحت الاحتلال النمساوي المجري سنة 1295هـ / 1878م .

و استعمِل اسم البوسنة للدلالة على كيانٍ جُغرافي و سياسي مُستقِل منذ القرن الرابع للهجرة / العاشر للميلاد ، حين كانت المنطقة – كسائر مناطق البلقان – مرتعاً خِصباً للإقطاع .

و أقدم استعمال موثق لهذه التسمية ورد في كتاب بعنوان ( إدارة الإمبراطوريَّة ) تأليف الإمبراطورالبيزنطي قسطنطين بورفيروجينيتس الذي كتبه عام 346 هـ / 958 م ، و قد أأطلق فيه اسم البوسنة على المنطقة الواقعة حول مجرَيَي نهر البوسنة الأعلى و الأوسط ، والتي لم تكن تشمل سوى مدينتين هما : كاتيرا ( Katera ) ، و ديسنيك (Destinikon ) .

إلا أنَّ حدود البوسنة توسعت مع الزمن لتشمل منطقة أوسع بكثير بعد أن أصبحت دولةً مُستقلَّة ، و بلغت أوج اتساعها في ظل الفتح الإسلامي ، على حساب البلاد المجاورة ، مثل كرواتيا ( Hrvatska ) ، و دالماسيا ( Dalmacija ) ، حتى ارتقت من درجة سنجق ( لِواء ) إلى درجـة باشـا عام 987 هـ / 1580 م أيام واليها العثماني بكلربيك ، حيث أضيف إلى البوسنة في عهده ستة ألوية أخرى ، و في عام 991 هـ / 1583 م أصبح يحكم البوسنة باشوات أوَّلهم فرهد باشا صوقولوفيتش ، و هو من أصل صربي .

و على الرغم من اتساع رقعة البوسنة في هذه الفترة لم تستقر حدودها على حال ، بسبب ما كانت تتعرض إليه من اعتداءات و حروب يشنُّها بين الفينة والفـينة أعداء الدولة العثمانية في المنطـقة ، و لاسيما المجر ، و النمسا ، والبندقيَّة ( Venecia ) ، علاوة على ما كـان يجتاحها من الفتن و النـزاعات الداخليَّة .

و تمتاز البوسنة بطبيعةٍ خلاَّبة ، أحسن وصفها الشيخ محمد الخانجي رحمه الله - وهو أحدُ أبنـائها الأوفياء - فقال : (( ...و أكثر بلادها جبلية ، و السهول فيها قليلة و أنهارها كثيرةٌ جداً ، تتفجر في كل جهة من جهاتها عيون الماء العذب، و زرعها يُسقى بالأمطار ، و فيها فواكه كثيرةٌ متنوعة ، و هواؤها حَسَنٌ جِداً للصحة صيفاً و شتاءً ، و إذا حضر الشتاء ... تتغطى الأرض بغطاءٍ من الثلج الأبيض ...(( .

? ثانياً : إقليم الهرسك : إقليم يصغر إقليم البوسنة قليلاً ، و يتاخمه من الجنوب .

تبلغ مساحة الهرسك 3.529 ميلاً مُربَّعاً ، و تحُدُّه شرقاً و غرباً جمهورية الجبل الأسود ( Crna Gora ) إحدى الجمهوريات السـت التي كانت تكون متحدةً : جمهورية يوغسلافيا الاتحادية ، و من الغـرب بلاد دالمـاسيا .

تعتبر مدينة موستار ( Mostar ) الشهيرة اليومَ حاضرة الهرسـك و عاصمتـه ، و قد كان أكثر سكانـها مسلمين لولا ما تعرضوا له من حمـلات التهجير و المذابح و الإبادة الجماعيَّـة المنظمة على أيدي الكروات ، الذين اتخذوها مركزاً و عاصمةً لجمهوريَّة الهرسك التي أعلنوها من جانبهم أثناء الحرب الأخيرة ، ثم تلاشت بعد دخولهم مع المسلمين في الاتحاد الحالي .

و أصل تسمية إقليم الهرسك بهذا الاسم مأخوذ من لقب ملوكه في العصور الوسطى حيث كان الواحد منهم يسمَّى هرتزغ ( Hertzeg ) التي تعني : الدوق أو الأمير باللغة الألمانية ، و أول من حمل هذا اللقب من حكام الهرسك هو الملك ستيبان فوكتشيتش كوساتشا ( Stifan Vok?i? Kosa?a ) ، الذي حكم الهرسك بصفته أميراً ( دوقاً ) تابعاً لإمبراطورية النمسا عام 851 هـ /1448 م بعد أن استقلَّ ملك البوسنة ، و أعلن نفسه هرتزغ ( أميراً ) على إقليم القدِّيس صاوة ( St.Sava ) و من ذلك التاريخ عُرف الإقليم باسم الهرسك ( Hercegovina ) أي : أرض الدوق ، و ظل يُعرف بهذا الاسم حتى الفتح العثماني حيث أصبح يعرف بسنجق ( لواء ) الهرسك .

و يشكل الإقليمان معاً ما يُعرف اليوم بجمهورية البوسنة و الهرسك ، إحدى جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابق ، و تبلغ مساحتهما الكلية 19768 ميلاً مربعاً ، و تدخل غالبية أراضيهما في حوض الدانوب و مُعظمها جبليـة وعِرة ، تتخلَّلها أنهارٌ كثيرة ، أشهـرها نهر صاوة في البوسنة ، و نهر نارتيفا في الهرسك ، و تُشكل جبال الألب النّـاريَّة سلسلة الجبال الرئيسة فيها ، و هي إحدى عشرة سلسلة جبليَّة تمتد في البوسنة الغنيَّة بالثروات المعدنيَّة .

و للبوسنة ميناء صغير جداً يطل للغاية على ساحل البحر الأدرياتيكي لمسافة عِشرين ميلاً فقط ، و قد مُنِحَ هذا الميناء – على الرغم من صِغَره – للكروات بموجب اتفاقيَّة دايتون للسلام سنة 1417 هـ / 1996 م التي أدَّت إلى إيقاف الحرب الأخيرة في البوسنة ، فأصبحت البوسنة بلداً مُحاصراً ليس له أيُّ منفذ بريٍّ أو بحريٍّ إلى العالم الخارجي إلا عن طريق الصرب أو الكروات المستغلّين .

و في البوسنة مُدُنٌ كثيرة أشهرها : سراييفو ( Sarajevo ) العاصمة ، وهي مدينة تاريخيَّة عريقة تحولت من قلعة حصينة كانت تُسمَّى فرهبوسنة (Vrhbosna) إلى مدينة عامرة ظلَّت حاضرة البوسنة و عاصمتها على مرِّ العصور .

و قد أطلق عليها اسم سراييفو لأوَّل مرَّةٍ في رسالة لوالي البوسنة فيروزبيك يعود تاريخها إلى سنة 1166 هـ / 1507 م ، و كان (( يقال لها سراية ، و يسمِّيها الأتراك بوسنة سراي ، أو سراي بوسنة ، و هي مدينة متوسِّطة أسَّسها المسلمون في بداية دخولهم تلك البلاد على شاطئ نـهر صغير … قال القرماني : و هي قاعدة بلاد بوسـنة ، ذات أنهار و أشجار و أهلُها أحسن الناس خَلقاً و خُلُقا ً)) .

و تعتبر سراييفو إلى جانب توزلا ( Tuzla ) و زينيتسا ( Zenica ) وبيهاتش ( Biha? ) أهمَّ مراكز المسلمين بعد انتهاء الحرب الأخيرة .

أمَّا بنيالوكا ( Banja Luka ) – ثاني أكبر مُدُن البوسنة – فهي حاليَّاً عاصمة كيان صرب البوسنة المسمى ( جمهورية صربسكا ) أي ( الجمهوريّة الصربيّة ) ، وتليها مدينة دوبوي ( Doboj ) التي استولوا عليها أيضاً .

بينـما نجـد للكروات عِـدَّة جُيُوبٍ ( قُرىً و مـدن صغيرة ) مثل جِبتـشة ( ?eb?a ) و فيتِز ( Vitez) إضافة إلى موستار عاصمة كيانهم حاليّاً .

و بلغ عدد سُكَّان البوسنة خمسة ملايين نسمة بموجب إحصاء السلطات المحلِّيَّة عام 1412 هـ / 1991 م منهم :
• 45 بالمئة مسلمون
أي نحو 2250000 نسمة .
• 31 بالمئة صِرب
أي نحو 1550000 نسمة .
• 17 بالمئة كروات
أي نحو 850000 نسمة .
• 7 بالمئة قوميات متعددة
أي نحو 350000 نسمة .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة 9y542410

و لم تلبث هذه النسب أن تغيرت أثناء آخر الحروب الضروس التي دارت رحاها على مسلمي البوسنة و الهرسك ، على إثر استقلالها عن يوغسلافيا السابقة مباشرةً عام 1413 هـ / 1992 م ، إذ انخفضت نسبة المسلمين فيها إلى أقلَّ من 30 بالمئة من مجموع السكان ، بسبب ما تعرَّضـوا له من إبادة و تهجير ، بينما ازدادت نسبة كلٍ من الصِرب و الكروات بسبب التوطين الذي انتهجوه في المناطق الإسلامية بعد إجلاء أهلها عنها قسراً .

و من الجدول التالي يتضح لنا التغير الملحوظ في أعداد السكان ، و تركيبتهم العرقيَّة و الدينيَّة منذ العهد العثماني حتى يومنا هذا :

النسبة المئويَّة للمسلمين عدد المسلمين عدد السكان سنة الإحصاء
40 بالمئة 954هـ/1548م
38.73 بالمئة 448613 1154489 1296هـ/1879م
35 بالمئة 549000 1496000 1312هـ/1895م
32.2 بالمئة 612000 1898044 1328هـ/1910م
38.7 بالمئة 1336هـ/1918م
30.9 بالمئة 717000 2290000 1350هـ/1931م
32.3 بالمئة 920836 1847790 1373هـ/1953م
39.57 بالمئة 1482430 4250000 1391هـ/1971م
39.5 بالمئة 1630033 4124000 1401هـ/1981م
43.7 بالمئة 4500000 1412هـ/1991م

و فيما يلي - بمشيئة الله تعالى و توفيقه - سأسلِّط مزيداً من الضوء على هؤلاء السكان ، و أتناول أصولهم و طبقاتهم و أحوالهم من جوانب عدة .

المبحث الثاني

التركيبة السُكَّانية في البوسنة و الهرسك

المطلب الأول : سُكَّان البوسنة الأصليّون :

إنَّ سكان البوسنة المعروفين بالبشانقة اليوم – و إن كانوا يُشكِّلون القوميَّة الأولى و الأشهر في البوسنة و الهِرسِك – ليسوا أهل البلاد الأصليين ، و لكنَّها آلت إليهم بعد حروب ضروس بين أجدادهم الصقالبة ( السلاف ) ، و من سبقهم إلى هذه البلاد كالرومان ، و الدياستيين و غيرهم .

و إذا كان الصقالبة ( و منهم البوشناق ) قد نزلوا في البوسنة في القرن الأول من الهجرة / السـابع من الميلاد فإنَّهم آخر - و ليسوا أوَّل - من استوطنهـا ، حيثُ إنَّ البوسنة كانت مأهولةً منذ أقدم العصور، حتى إنَّ بعض مناطقها، كمدينة ترافنيك ( Travnik ) مثلاً كانت آهلةً بالسكان قبل الميلاد بآلاف السنين ، الأمر الذي يؤكده اكتشاف آثار بوتـمير ( Butmir ) الواقعة في سراييفو ، و التي تعتبر أقدم الشواهد الحضاريَّة التي خلَّفها سُكان البوسنة الأوائل منذ العصر الحجري ، حيث وجدت فيها مناطق سكنية كانت مأهولةً قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد .

وحتى الحقبة الرومانية استوطن هذه المنطقة الإيلير، أو الإيليريُّون
(Ilirians ) الذين اختلطوا في عام ( 400 ) قبل الميـلاد تقريباً بالكِلْت ، و شكلوا معهم السكان الأصليين لهذه المنطقة .

عاش الإيليريون ملوكاً مُتسلِّطين في البلقان ، كثيراً ما كانوا يُغيرون على السواحل ، فينهبون و يُخرِّبون ، و يقطعون الطرق ، و يدكُّون الحصون ، في وحشيَّة ضارية ، حتَّى قيل عنهم : (( إنَّهم حشدٌ مُختلِط من الجند، هو أعظم ما يكون منظراً، وأجلف ما يكون عند الحِوار (( .

و قد كان الصراع بينهم و بين الرومان متواصلاً ، لا يكاد يعرف هدوءاً أو مـُهادنة، حتى أفضى إلى انهيار مملكة الإيليريين أمام الغزو الروماني لبلادهم قبيل الميلاد سقوط حصونهم و ديارهم في قبضة الرومان الذين ضموا هذه المملكة الإيلـير إلى إمبراطوريًّتهم .

ولا شكَّ في أنَّ القبائل الإيليريـَّة قد تغيَّرت بعد خضوعها للرومان تغيُّراً كبيراً و أنَّ طبعها الهمجي قد تهذَّب مع الأيَّام بشكل لا يُستغرب معه وُجود بعض الآثار الحضاريَّة لهم في البوسنة كمناجم الفحم ، و شقِّ الطُرُق ، و غير ذلك من المعالم الحضاريَّة .

و في القرن الميلاديّ الرابع تأثّر مُعظم سكان شمال غرب البلقان بعناصر الحضارة الرومانيَّة بما في ذلك اللغة اللاتينيَّة التي أصبحت لُغة العامَّة ، بينما استمرَّت اللغة الإيـليريَّة في بعض المـناطـق الجبـليَّة من شمـال ألبانيا، وإقــليم قوصُوة ( Kosovo )، ويُأكَّد هذا استمرار اللغة الألبانيَّة التي ترجع في أصولِها إلى اللغة الإيليريَّة إلى يومنا هذا في ألبانيا و قوصوة .

و ما لبث الضعف أنَّ تسرَّب إلى بُنية الدولة الرومانيَّة ، فبدأت تؤول إلى الزوال بعد انتصار القوط الغربيين على الجيش الروماني في معركة أدرنة عام 378 م فقد قضى القوط الغربيُّون على الجيوش الرومانيَّة المرابطة في البلقان ، و انهارت تبعاً لذلك خطوط دفاعها في حوض الدانوب ؛ ممَّا فتح الطريق أمام الوافدين الجدد إلى المنطقة .

و في القرن السادس بعد الميلاد أطاح البربر بالإمبراطوريَّة الرومانيَّة الغربيَّة ، فتمزَّق شـمـلُ الإيليريين تبعاً لذلك ، حتى اضـطُرُّوا إلى التفرُّق بـين قِمم الجبال و بُطون الأودية ، إلى أن استوطنوا مناطق الجنوب الشرقيّ لقارَّة أوروبا ، غرب شبه جزيرة البلقان ، و شواطىء البحر الأدرياتيكي .

المطلب الثاني : الصقالبة في البوسنة :

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية على يد البربر ذرَّ قرنُ الصقالبة المهاجرين من أعماق آسيا ، و بدؤوا عملية استيطان واسعة ، مهَّدت لاستقرارهم في أنحاء متفرقة من شبه جزيرة البلقان ، وما لبِثوا أن استولوا على معظم المناطق التي عُرفت فيما بعد باسم يوغسلافيا ( أي بلاد الصقالبة الجنوبيين ) بينما ظلَّ صقالبة الشمال في موطنهم الأصلي روسيا حتى يومنا هذا .

فمن هم الصقالبة ؟ و ما الذي جاء بهم إلى البوسنة ؟

المقصد الأول : أصل الصقالبة :

عرف التاريخ منذ القدم قبائل هند أوروبية ، تنسب إلى يافث بن نوح عليه السلام ، وتستوطن المنطقة الممتدة من سواحل بحـر البلطيق شمالاً إلى ضفاف الأنهار التي تصب في البحر الأسود مثل ( الدون ) و ( الدنيبر ) و ( الدينسبر ) قِبَل جبال الكربات و حوض الفستولا جنوباً ، حيث الملتقى البري بين قارتي آسيا وأوروبا .

قال الشيخ محمد الخانجي رحمه الله : (( أما مساكن الصقالبة الأصليَّة ، فمؤرخو العربِ يخْتلِفُون فيها اختلافاً كثيراً ، وذلك لقلَّة الأخبارِ الواردةِ إليهم عنهم واخْتلافِها ، ويُستخرَج من مجموعِ أَقوالِهم ، أنَّهم كانوا يسكنون في آسيا على مقربةٍ من بحر الخَزَرِ ، ثم لمَّا هجمت عليهم القبائلُ المختلِفة من الجهةِ الشَّرقيَّةِ من بِلادهم تحرَّكوا إلى الغربِ ، وفي النّهاية استقرَّ بعض قبائلهم في القرن الأول للهجرة / السـابع للميلاد في بلاد بوسنة و ما حولها من البلاد ، وهؤلاء هم المعروفون بصقالبة الجنوب ، وتضم الآن شتاتهم دولة تعرف باسم يوغسلافيا ، ومعناه دولة صقالبة الجنوب )) .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Ali_pa10

وتمثل هذه الشعوب جرثومة الشعوب السلافية ( Slavs ) المعروفة عند مؤرخي أوروبـا بهـذا الاسم ، اشتقاقاً من الأصل البيزنطي للتسمية ، وهو : أسكلافينوي (Asklavinoi ) ، بينما تعرف عند مؤرخي العرب باسم الصَقَالِبَة جمع صَقْلَب بفتح فسكون ففتح .

قال الأزهري : الصقالبة جيل حمر الألوان ، صهب الشعور ، يتاخمون الخزر وبعض جبال الروم ، و قيل للرجل الأحمر صِقلاب تشبيهاً بهم.

وفي القاموس المُحيط: (( الصقالبة جيلٌ بلادهم تتاخم بلاد الخزر بين بُلْغَر وقسطنطينيَّة )).

و قال الإصطَخَري : الصقالبة أو الصقلبيَّة هم السلاف أو السكلاف ، كان العرب يجلبون من بلادهم الرقيق .

قلتُ : و ما ذكره الإصطخري من جلب العرب الرقيق من بلاد الصقالبة يؤيِّد الرأي القائل : إن الصقالبة كانوا أحد أهمِّ مصادر الرقيق في العالم حتى اشتقت كلمة عبد ( Slave ) في كثيرٍ من اللغات الأوروبيَّة من اسم الصقالبة (السلاف) .

ولعل العرب اشتقوا هذه التسمية للصقالبة من لون بشرتهم المُشَرَّبة بالحمرة ، حيث استعمل لفظ الصَقْـلاب مقترناً بما يدل على ذلك في أشعار العـرب، كما في قول الأخطل ، يمدح بشر بن مروان:

عَوَادِلُ عوجا عن أناسٍ كأنما
ترى بهم جمع الصقالبة الصُّهبِ


والصُّهبة ، و الصُّهوبة : الحمرة أوالشقرة في شعر الرأس ، و يُقال : رجلٌ أصهب .
وقد أورد ابن قتيبة في (عيون الأخبار) في مدح بشرٍ أيضاً قول الشاعر:

ولو شاء بشر كان من دون بابه
طماطم سود أو صقالبةٌ حمر


و كثيراً ما يرد ذكر الصقالبة في أشعار العرب كما في قول جرير:

حكمتَ بحُكم أمِّك حيث تلقى
خليطـاً من صقـالبةٍ و رومِ


و قد أنشد الجندل :
بين مَقَذَّى رأسِهِ الصقلابُ

أما عن نسب الصقالبة فيرجعه معظم من ذكرهم من مؤرخي العرب ونسَّابتهم إلى يافث بن نوح ، كما قال الشيخ الخانجي في الجوهر الأسنى.

وقال الحافظ أبو سعد السمعاني في كتابه ( الأنساب ) : الصَقْلَبيُّ بفتح الصاد المهملة والقاف الساكنة واللام المفتوحة وفي آخرها الباء الموحدة : هذه النسبة إلـى الصقالبة ، وهـي منسوبة إلى صقلب بن لَنْطي بن يافـث ، ويقال : صقلب بن يافث والمشهور بهذه النسبة جماعة كثيرة .

ونقل ياقوت الحموي عن ابن الكلبي أنه قال : (( من أبناء يافث بن نوح عليه السلام : يونان ، و الصقلب ، و العبدر ، و برجان ، و جرزان . و فارسُ ، و الروم فيما بين هؤلاء )) .

و قال ياقوت أيضاً : (( و قال ابن الكلبي في موضع آخر : أخبرني أبي قال : (( روميٌّ ، و صَقلَب ، و أرمينٌّي ، و إفرنجيٌّ ، إخوة ، وهم بنو لَنْطِيِّ بن كَسْـلُوخِيم بن يونان بن يافث ، سكَنَ كل واحدٍ منهم بُقعةً من الأرض فسمِّيَت به )) .

و ذكـر الإمام ابن حـزم الظاهري رحمه الله أنَّه جـاء في التوراة أنَّ يأجوج و مأجوج و الصقالبة ، و الإفرنج ، و البُلغَر من أولاد يافث بن نوح .

وهذه الأخبار تفتقر إلى الصحة والتوثيق ، ولذلك أحسن الخانجي حينما سـردها وغيرها ثم علّق عليها مُجتمـعةً بقولـه : (( ويكفي من هذه الأقوال سماعها )) .

بيد أنَّه جاء نحوٌ من هذا عن النبي ? ، حيث رُوي من حَديثِ أبي هريرة ? أنَّ رسول الله ? قال : (( وَلَدَ نوحٌ : سام و حام و يافث ، فوَلَد سامُ العربَ و فارس و الروم ، و الخيرُ فيهم ، و ولد يافِـثُ يأجوج و مأجوج و التُرْكَ والصقالبة و لا خير فيهم ، و ولد حام القِبْطَ و البَرْبَر و السودان )) .

وهذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة، فضلاً على كونه مُخالفاً لما رُوي عن سمُرة بن جندب? من أنَّ رسول الله? قال: (( سامُ أبو العرب، ويافـثُ أبو الروم، وحامُ أبو الحبش )) ، وهو حديث ضعيفٌ أيضاً.

والتعارض بين الحديثين في نسبة الروم واضح ، حيث وَرَدَ في حديث أبي هريرة ? أنَّ أباهم سام ، بينما وَرَدَ في حديث سَمُرة ? أنهم من أبناء يافث .

ومثل هذه الأخبار يكثر ذكرها في كتب الأمم السابقة ، وأخبار بني إسرائيل .

و إذا كان أصل الصقالبة واحداً ، فإنَّ فروعهم متعدِّدة ، حيث تدخل تحت مُسمَّى الصقالبة اليوم مجموعاتٌ بشريَّة كبرى أشهرها :

? الصقالبة الشرقيون: ومنهم الروس والأُكرانيُّون.
? الصقالبة الغربيُّون: ومنهم البولنديُّون والسلوفاك والتشيكيون .

? الصقالبة الجنوبيُّون : و منهم الصرب و الكروات و السلوفينيُّون و البلغار والمقدونيُّون و البوشناق ( أو البّشانقة ، و هم غالبيَّة سُكَّان البوسنة اليوم ) .

فكيف وصل الصقـالبة إلى البلقان ، و ما الذي وطَّد لهـم الُمقام في
البوسنة ، و جعل البشانقة غالبيّة سكان البوسنة ؟

المقصد الثاني : هجرة الصقالبة إلى البلقان :

البوسنة و الهرسك دراسة عامة 411px-10

من البدهي أن إحدى مميزات الحياة القبلية للشعوب كثرة التنقل والترحال طلباً للأمن والاستقرار تارةً ، وسـعياً وراء مصادر العـيش وتتبع مواطـن القطر والأرزاق تارةً أخرى .

وإذا عرفنا أن قبائل الصقالبة ( الشعوب السلافية ) مكونة من عناصر غير منتظمة لم تجمعها أية وحدة سياسية ، بل كانت كل قبيلة منها – على صِغَرها – تعمل كوحدة مستقلة عن غيرها ، وتتحرك بأفرادها المزارعين والرعاة المتطلعين إلى أرض زراعية للاستقرار فيها وإعمارها، عرفنا أن للزحف الصقلبي باتجاه شبه جزيرة البلقان دافعين اثنين هما :

أولاً : البحث عن أرض خصبة تؤمن القوت للصقالبة والكلأ لمواشيهم ، حيث إن القوم – كما أسلفنا – رعاة و مزارعون .

ثانياً : التطلُّع إلى الخلاص و التحرر من وطأة حكامهم المتسلطين ، و بخاصةٍ الهون الذين أخضعوا القبائل السلافية لسلطانهم في أواخر القرن الرَابع للميلاد ، مما جعل الصقالبة يسعون إلى التـخلُّص من سيطرتهم بالهجرة ، حيث انطـلقوا على نطاق واسع باتجاه الغرب و الشرق و الجنوب ، و انتشروا على مساحةٍ واسعة مــن شرق أوروبا تمتد من نـهر الألب غرباً إلى نهر الدنيبر شرقاً ، ومن بحـر البلطيق شمالاً إلى نهر الدانوب جنوباً.

و قد استغرقت هذه الهجرة نحو قرنين من الزمان حتى استقر بهم المقام في البلقان ، و كانت بوادر وصول طلائع المهاجرين ظاهرةً عقِب الهزيمة التي مُنيَ بها الجيش الروماني في معركة أدرنة سنة 779 هـ / 1378 م حيث أصبح الطريق مفتوحاً أمام الوافدين الجدد الذين استمر تدفقهم على المنطقة منذ أواخر القرن الرابـع و حتى أواخر القرن السـادس للميلاد .

و كانوا في البداية يتنقلون على الأقدام أو يبحرون في الأنهار بقوارب صغيرة مُتترِّسين بالدروع ، و مُسلَّحين بأدوات الرمي البدائية، و لكنَّهم ما لبثوا أن تحوَّلوا إلى غُزاةٍ أشداء يغيرون على شبه جزيرة البلقـان منذ أواخر القرن الخامس للميلاد ، و بِشكلٍ مُتواصل إلى أن استتبَّت لهم الأمور ، فاستوطنوا المنطقة ، وعمِلوا على تغيير تركيبتها السُكانيَّة ، حتَّى صارت لهُم الغلبة ، و كوَّنوا السواد الأعظم بين الشعوب التي سبقتهم إليها كالإلبيريِّين و البلغار و غيرهم .

المقصد الثالث : قبائل الصقالبة التي استوطنت البلقان :

قبائـل الصقالبـة التي وصلت إلى البلقـان كـثيرةٌ ، من أشهرها : الصرب و الكروات و السلوفينيُّون و البلغار و المقدونيُّون ، و يُعرفُ هؤلاء باسم صقالبـة الجنوب ، و إليهم ينتمي البشانقة.

و اشتهر من بين القبائل الصقلبيَّة التي استقرَّت أواخر القرن الأوُّل للهجرة / السابع للميلاد في البوسنة و ما حولها ( من البلاد التي عُرفت فيما بعد بيوغسلافيا ) قبيلتان جديدتان هما الكروات والصرب ، ثمَّ ما لبث أن ظهر البوشناق بصفتهم كياناً صقلُبياً متميزاً عن سابِقيه و إن اتَّحدوا جميعاً في الأصل .

فمَنْ هم الصرب و مَنْ هم الكروات ؟ و ما علاقتهم بالبوشناق ؟

يرى المؤرِّخون أنَّ كلمة كروات ، أو هِرْفات ( Hrvat ) - كما تُكتب وتُنطق باللغة الصربوكرواتية - ليست كلمةً سلافية، ويُرجعونها إلى الاسم الإيراني كُرواتوس (Choroatos ) الموجود على نُصُب القبور القريـبة من مدينة تانايـس (Tanais) جنوبيَّ روسيا ، حيث كان سكان تلك المنطقة في القرون الأولى للميلاد مؤلَّفين من الصقالبة و السرماتيين ذوي الأصول الإيرانية ، ممَّا يُرجِّح الرأيَ القائل : إنَّ بعض القبائل الصقلبيَّة – بما فيها الصرب و الكروات –عاشت تحت سُلطة صفوةٍ حاكمة من ذوي الأصول الإيرانية ، أو كانت - في الأصل - قبائل إيرانيَّة انحازت إليها رعايا صقلبيَّة ، و أنَّ الصرب و الكروات ومعهم البوشناق لهم تاريـخ مشتركٌ منذ أقـدم العصور ، إذ إنَّهـم مُتَّصلون أوثـق اتصال ، يعيشون و يُهاجرون في تلازم تام على الرُغم مما بينهم من التمايز ، إلى أن استوطن الصرب منطقة صربيا المعاصرة بحدودها الحاليَّة ، التي كانت تُعرف في القرون الوُسطى باسم راشكا ( Ra?ka ) أو راشيا ( Ra?ija ) ثم أخذوا يوسعون سلطانهم تدريجيَّاً إلى المناطق المجاورة كإقليم الهرسك ، أمَّا الكروات فقد كانوا يستوطنون منطقةً تُقاربُ في حدودها كرواتيا المعاصرة ، ورُبَّما كانت تضُم مُعظم أجزاء البوسنة بحدودها الأصليَّة.

و يتفق المؤرِّخون على أنَّ لفظة كروات ظهرت لأوَّل مرة في عهد تيربومير، الـذي حـكم منطـقة كرواتوروم بين عامي 230 هـ / 845 م و 249 هـ / 864 م ، و أعلنت المملكة الكرواتيَّة استقلالها في عام 312 هـ / 925 م ، و لكنها لم تتمتع بالاستقلال طويلاً و ما لبثت أن خضعت للعرش الهنغاري في القرن السادس للهجرة / الثاني عشر للميلاد .

و في المقابل أنشأ الصرب إمبراطوريَّتهم التي شهدت قمَّة ازدهارها في عهد إيتيان دوشان ، و كان مركزها في إقليم قوصوة ( كوسوفو ) الذي يقطنه الألبان حالياً ، وكانت هذه الإمبراطورية من القوَّة بمكان ، حتى إن دوشان كان يتطلّع إلى الاستيلاء على القسطنطينية لولا أنَّ الأجل عاجله فمات ، و بموته تمزَّقت الدولة الصربيَّة .

و اغتنم العثمانيُّون هذه الفرصة فسحقوا أوَّل دولة صربيَّة في المهد بعد معركة كوسوفو الشهيرة عام 791هـ/1389م .

و على الرُغم من انتماء كلٍ من الصرب و الكروات إلى القوميَّة الصقلبيَّة واتحاد لُغتهما التي عرفت فيما بعد باللغة الصربوكرواتية ( نسبةً إليهما ) باعتبارها لغةً مُشتركةً للجميع ، فإنَّ الفوارق بين القبيلتين لم تذب تماماً ، بل عاد الانقسام والتشرد لأسبابٍ مختلفة – و إن كانت دينيـَّة في الغالب – أدَّت إلى حروبٍ طاحنة و مُواجهاتٍ عنيفة بين الطرفين ، ازدادت حِدّةً بعد أن اعتنق الصرب النصرانيّة الأُرثوذكسية و دانوا بالتبعيَّة للإمبراطوريَّة البيزنطيَّة ، و انتحل الكروات العقيدة الكاثوليكيَّة ، تبعاً للبـابوية الرومانيَّة .

أمَّا بقية صقالبة الجنوب ، فقد استقرَّوا بين الصرب و الكروات متمركزةً حول نهر البوسنة ، و انتشر أفرادها في المنطقة الواقـعة بين نهر درينا شرقاً و نهر فرباس غربا ً، و هؤلاء هم البوسنويُّون ( البشانقة ) الذين يثور الخلاف كثيراً حول نسبتهم و أصولهم العِرقيَّة .

المقصد الرابع :البوشناق وعلاقتهم بالصقالبة :

البوشناق كلمة مُحوَّرة عن الكلمة البوسنوية ( Bo?njaci ) التي تُستعمل للدلالة على النسبة إلى البوسنة في اللغة البوسنوية ، فالبوشناقي و البوسني ( أو البوسنوي ) بمعنى واحد، غير أنَّ الاسم الأوّل حمله البشانقة المهاجرون إلى البلاد العربـية و تركيا و عُرِفوا به ، حتى صارت كلمة ( بوشناق ) علماً في الدلالة على الأُسر المستعربة من أصلٍ بوسنويّ ، تماماً كما هو الحال بالنسبة لكلمة (أرناؤوط) التي تُطلق على مُستعربة ألبانيا .

إنَّ التاريخ قد قال كلمته مثبتاً أن البوشناق ( سُكان البوسنة ) يُصنَّفون ضمن الصقالبة على الرغم من بعض التميُّز عنهم قاطِعاً بذلك الشكَّ عند المؤرِّخين والعلماء في أصول الشعب البوسنويّ.

البوسنة و الهرسك دراسة عامة 1_550310

وبينما تؤكد طائفةٌ كبيرةٌ من المؤرّخين إلى أنَّ البوشناق هم ( البُجناك ) الذين كانوا يسيطرون على منـطقة نـهر الفولغا ثُمَّ حاصروا القسطنطينية ، و وصلوا إلى حدود إيطاليا ، و أنَّه تم تحريف كلمة ( بجناك ) بقلب الجيم الفارسيَّة المثلثة التحتية إلى شين، قاطـعةً بذلـك الطريق أمام من يُشـكِّك فـي عـراقة هذا الشعب و صقلبيَّته ، تثور مزاعم مُضادَّةٌ طُرِحت بقوًّة في أثناء الحرب العالميَّة الثانية و جاء التـأكيد عليها في مُذكرةٍ بعثت بها طائفةٌ من مسلمي البوسنة إلى هتلر في عام 1342 هـ / 1924 م تقول : (( نحنُ جِنساً و دماً لسنا من السلاف - الصقالبة - و إنما نحن من أصلٍ قوطي ، و قد جئنا إلى البلقان في القرن الثالث للميلاد بوصفنا قبيلةً جرمانيَّة )) .

و بهذا الادعاء – الذي قد يكون الخوف من فتك النازية التي يقودها هتلر مُسوغا له – فتح البوسنويُّون على أنفسهم باب الرفض و اللفظ من قبل شعوب يوغسلافيا ، إذ طالبت هذه الشعوب بإجلائهم عن بلادهم ، لأنهم – و باعترافهم – دخلاء عليها ، سواء أكانوا جِرمانيين ( نسبة إلى ألمانيا ) أو أتراكاً ، و هذا سبب كافٍ لتأليب النـاس ضِدَّهـم .

و إذا كـان بعـضُ البوسنويين أنفسهم قد آثر الانتماء إلى الجرمانيين ، فإنَّ هذا الادعاء لم يُقنع خصومهم ، كما لم يكن هتلر نفسُه ليصدِّقه، و ظلَّ البشانقة في نظر صقالبة الجنوب دُخلاء ينظر إليهم على أنَّهم أتراك أو من غرس الأتراك ، و لا يزال الصرب حـتى يومنا هذا يرددون في أناشيدهم الحماسيّة القديمة عبارة : (( تعالوا نذبح أبناء الأتراك )) .

فهل كان البوشناق كذلك ؟

إنَّ نظرةً سريعة على الصراع بين البشانقة و الأتراك الذي أثبته المؤرخون الصقالبة أنفسهم كفيلة بنفي أيِّ صلةٍ تجمع بين الطرفين أو تُقرِّبُ بينهما ، اللهُمَّ إلا صلة الدين و عُروته الوُثقى التي لا انفصام لها ، و مما يؤكد هذا كثرة الثورات التي واجه بها الشعب البوسنويُّ الحُكم العثمانيِّ منذ أيَّامه الأولى و حتَّى جلائه عن البوسنة .

و قد اشتهرت في تاريخ المُقاومة البوسنيَّة للعُثمانيِّين ثورة عام 1245هـ/1830م التي قضى عليها العثمانيُّون بقيادة عمر باشا قضاءً مُبرماً لجؤوا فيه إلى أعنف أساليب القمع وأشدِّها مما فاق شدَّة العمليَّات المماثلة للقضاء على ثورات الشعوب الأخرى ، لأنَّ ثورة البوسنة قام بها شعبٌ مسلم تربطه بالعثمانيين علاقاتٌ أقوى من تلك التي تربط الشعوب الأخرى بدولة الخلافة .

و (( قد أبرزت هذه الثورة تميز الشعب المسلم في البوسنة عن العثمانيين ، ودحضت كلَّ مقولةٍ ترمي إلى إزالة الحدود و الفواصل بين هذا الشعب المُسلم والأتراك ، و هي المقولة التي كان نصارى البلقان و أوروبا يرمون بها كلَّ المسلمين ، و يعنون بها أنَّ كلَّ مسلم تركيٌ بالضرورة )) .

و كفى بهذا الحدث دليلاً على التباين الجذري بين البشانقة و الأتراك .

و يبقى القول الفصلُ في نسب البشانقة هو أنَّهم صقالبة ، لا يقلوُّن شأناً و لا نسباً عن صقالبة الجنوب الآخرين صرباً كانوا أو كرواتاً أو غير ذلك ، و هذا الرأي هو السائد عند مؤرِّخي المنطقة .

و لكن يبقى أن نتساءل : من أيِّ الصقالبة هم ؟

لقد دأب الكتَّاب المسلمون من أبناء البوسنة و غيرهم على تسمية البوسنويين بالبوشناق أو البشانقة ، و على هذا الاعتبار فإنهم يُصنَّفون في عِداد صقالبة الجنوب ( اليوغسلاف ) .

و إذا ثبت هذا فإنَّ من لا يعارضه أحياناً من متعصّبة الصرب و الكروات سيتنازعون البشانقة ، و سينسبهم كلٌ منهما إلى قوميَّته – و لو عن غير قناعة - لتبرير إبادتهم و ضمّ بلادهم ، و هذا هو الواقع المرير الذي يُعاني منه أبناء البوسنة منذ قرون ، و إن كانت مُعاناتُهم قد بلغت ذِروتها بعد سقوط الخلافة العثمانيَّة ، حيث يدَّعي الكروات أنَّ البشانقة من أبناء جِلدتهم في الأصل ، و أنهم أُجبروا على الدخول في الإسلام مما ميَّزهم عن أبناء قوميَّتهم الأصليَّة ، كما يذهب الصرب إلى نحوٍ من ذلك بادِّعائهم – و بدون انقطاع – أنَّ البشانقة صربيون أصلاً !! وكفى بهذين الادعاءيـن مسوغاً لما تعـرَّض و ما يتعـرَّض له مسلمو البوسنة مـن النكبات و الحروب .

قُلتُ : قد أخذ منِّي العجب كُلَّ مأخذ ، و أنا أتأمَّل ما ذهب إليه بعضُ الكُتَّاب المعاصرين من إثبات أن الشعب البوسنويَّ صقلبي ، مع نفيه أن يكون بوشناقياً ، على الرغم من أنَّ الخلاف المعتبر حول نسَب البوسنويِّين هو : هل كانوا صقالبةً أم لا ؟ مع التسليم بأنَّهم من البوشناق !!

يقول الدكتور وسام عبد العزيز : (( يُخطئ من يعتقد أنَّ أهل البوسنة هم البشناق التُرك ( Patzinaks ) الذين هدَّدوا الدولة البيزنطيَّة في القـرن الخامس للهجرة / الحـادي عشـر للميلاد ، فأهل البوسنة هم السلاف الذين استقروا حول نهر البوسنة منذ مطلع القرن الأول للهجرة / السابـع للميلاد و شكَّلوا دولةً حاجزة بين الكروات و الصرب قبل أوَّل ظهور للبشناق في وثائق التاريخ بثلاثة قرون على الأقـل (( .

و يبدو لي أن السبب الذي حدا بالدكتور وسام إلى نفي اسم البوشناق عن أهل البوسنة هو اقتران هذه التسمية بحدثٍ تاريخيٍ مُحدَّدٍ بِمَعلَمين :

أحدُهما : أن البوشناق المذكورين كانوا من الترك .
و ثانيهما : تهديدهم للدولة البيزنطية في القرن الخَامس للهجرة / الحادِي عشَر للميلاد .

أمَّا كونهم من الترك ، فقد ذكر الدكتور بعد قليل أنَّ سكان البوسنة كانوا من السلاف ( الصقالبة ) و ليسوا أتراكاً ، ممَّا يدلُّ على أنَّ المعنيِّين بالحدث التاريخي الذي ساقه ليسوا بشانقة البوسنة ، و قد كان بِوُسعه أن ينفي الحدث بدون نفي التسمية ، إذ لا يغير من الواقع شيئاً قولُنا : إنَّ سكان البوسنة هم بشانقة صقالبة ، غير البشانقة التُرك أو أنهم غير أولئك الذين هدَّدوا الدولـة البيزنطيَّة ذات يوم و الله أعلم .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Hamzib10

و أخيراً ، أعود لأقرر أنَّ شعـب البوسنة البوشناقيَّ ليس صربياً و لا كرواتياً كما أنه ليس تركياً و لا جرمانيَّاً ، و لكنَّه شعبٌ مُتميِّزٌ عن الجميع ، بِشهادةٍ عُمرها يناهز الثمانية قرون ، و قد أدلى بها الكاتب كيناموس ( Kinnamos ) أمين سر الإمبراطور مانويل كوفينوس قائلاً : (( إنَّ البوسنة لم تعد تُطيع أوامِر الزوبان الأعظم للصرب، إنَّه شعبٌ مُجاورٌ له عاداته وسماته وحكومته الخاصَّة )).
يتبع إن شاء الله...


البوسنة و الهرسك دراسة عامة 2013_110


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الخميس 09 يونيو 2011, 6:11 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Empty
مُساهمةموضوع: رد: البوسنة و الهرسك دراسة عامة   البوسنة و الهرسك دراسة عامة Emptyالخميس 09 يونيو 2011, 4:17 am

المبحث الثالث

تاريخ البوسنة و الهرسك


البوسنة و الهرسك دراسة عامة 9y542411

شـهدت البوسنة و الهـرسك تاريخاً حافـلاً بالأحداث و الصراعات والحروب ، و برزت فيها أنظمة و سُلُطات ، و مرّت بها أحداثٌ جِسام عبر حُقب التاريخ المُتتالية .

و تسهيلاً لدراسة تاريخ البوسنة ، سأسرد في المطالب الستة التالية - التي يمثل كلٌّ منها مرحلةً من مراحل تاريخ البوسنة - أهمّ الأحداث مرتّبةً حسب تاريخ حدوثها مع التركيز على ما أرى له أهميّة خاصّة كجوانب المُعاناة التي تعرَّض لها المسلمون ، باعتبارها أحد أبرز المعالم في تاريخ البوسنة على مرِّ العصور ، ملتزماً الإيجاز قدر الإمكان :

المطلب الأوَّل : البوسنة قبيل الفتح الإسلامي :

? خضعت البوسنة لحكم إمارة راشكا ( صربيا ) في عهد الأمير تشاسلاف إلاَّ أنَّها استقلَّت بعد مقتله سنة 276 هـ / 960 م .

? أوَّل حاكم معروف للبوسنة المستقلَّة هو بوريس ( Boric ) ، و قد حكم البوسنة مُدَّة عشـر سنين بين 549 هـ / 1154 م ، و 558 هـ /1163 م .

? حَكَم البانات ( أمراء المقاطعـات ) مناطـق مُختلفـة من البوسنـة حتى عـام 779 هـ / 1377 م .

? توسَّعت البوسنة في عهد البان كولين الذي تولَّى عرشها حتى عام 641هـ / 1245 م ، و ازدهرت كثيراً حتَّى أصبحت دولـةً منافسة للدول الـمجاورة .

? حُكمت البوسنـة من قِـبَل البانات القطرمانيين بين عامي 815 هـ / 1314 م و 779 هـ/ 1377 م ، و من أشهر الحكام المنتسبين لهذه الأسرة أصطفان قطرومانيتش الذي حكم البلاد مدة ثلاثين سنة انتهت بوفاته عام 754 هـ / 1353 م.

? في عام 721 هـ / 1322 م تولى حكم البوسنة البان قطرومانيتش و قاد نضالاً طويلاً انتزعت البوسنة استقلالها ثمرةً له ، ثم سارت على طريق الازدهار في عهده.

? في عام 753 هـ / 1353 م قام البان تفرتكو بتأسيس المملكة البوسنوية ، و تولى حُكمها بنفسه حتَّى عام 779 هـ/1377م ، و أطلق على نفسه لقب الملك و في عهده توسَّعت مملكة البوسنة و شملت أجزاء من صربيا ، ممَّا جعل تفرتكو أبرز شخصيَّـة في تاريخ البوسنة قبل الفتح الإسلامي .

? مع بداية القرن الهجريِّ التاسع / الميلادي الخامس عشر للميلاد آلت مقاليد الأمور في البوسنة والهرسك إلى رجلين ، أحدهما في الشمال ( البوسنة ) و الآخر في الجنوب ( الهرسك ) .

أما الأول فهو هرفوجه دوق اسيلاتو ( توفي سنة 819 هـ / 1416 م ) ، وأما الثاني فهو سندلج هارانيش من الأسرة التي انحدر منها الأمراء المستقلون الحاكمون للهرسك في الجنوب ( توفي سنة 838 هـ / 1435 م ) .

? اتَّحــدت مملـكة البوسـنة و دوقـيَّـة ( إمـارة ) ســان سـافـا عام 779 هـ / 1377 م ، و استمرَّتا مُتَّحِدتين حتَّى وُصول العثمانيين عام 867 هـ / 1463 م ، و بذلـك بدأت مرحلةٌ جديدة من مراحل التاريخ البوسنويّ .

قلتُ : لعلَّ أبرز معالم هذه المرحلة من مراحل التاريخ البوسنويّ هو قيام كيانٍ بوسنوي مستقل على هذه الرقعة من الأرض ، و أنَّ هذا الكيان قد استمرَّ منذ إعلان البوشناق استقلالهم و إقامة دولتهم في أواخر عام 525 هـ / 1137 م ، حيث توحَّدت بلادهم تحت سلطة البانات ، و ظلّت البوسنة موحدةً حتى دخولها تحت الحكم العثماني.

و للتأكيد على استقلال البوسنة و وحدة أراضيها عبر العصور يُمكن الاستئناس بالوقائع التاريخيَّة التالية :

1. إنَّ البشانقة منذ وصولهم إلى البوسنة و استيطان جبالها الوعرة ، أيَّام هبوط صقالبة الجنوب شبه جزيرة البلقان ، و هم في حالة دفاعٍ عن النفس، وتصدٍ لهجمات الصرب و الكروات التوسعية .

2. إنَّ البشانقة قد جمعوا إضافةً إلى العنصر الصقلبي مجموعةً من العناصر المُمَيِّزة مثل استقلال الكنيسة البوسنويَّة ، و قيام زعامات وطنية مستقلة تسوسهم و تدير شؤون بلادهم ، و لو لم يكونوا مُستقلِّين لما كان لحكم البانات البوسنويين لهم معنى ، و لا لاستقلال كنيستهم و التفرُّد بعقائد لا يدين بها سواهم .

3. إنَّ العثمانيين وصلوا إلى البوسنة و هي دولةٌ مستقلَّة ليس للصرب و لا لسواهم فيها من الأمر شيء ، و لم يكن يربط البوسنة بجيرانها سوى معاهداتٌ و تحالفاتٌ ضعيفة .

المطلب الثاني : البوسنة في ظلِّ الحُكم العثماني :

? بدأ دخول العثمانيِّين إلى البـلقان بعد أن فتحوا مدينة غاليبولي سنـة 754 هـ / 1353 م .

? في عام 771 هـ / 1370 م ، أُلحقت مملكة بلغاريا بالدولة العثمانيَّة بعد جهاد طويل، وخضعت بعض الشعوب الصربيَّة في البلقان للحكم العثماني، حتى اعترف الملك ( استيفان ) بالسيادة الإسلاميَّة العثمانية على بلاده، وتعهَّد بدفع الجزية للسلطنة سنويا، لكنَّ الدولة العثمانيَّة واجهت في البلقان نوعاً من الأعداء المعروفين بالغدر والخيانة وهم الصرب ، حيث تحالف ملك الصرب مع ملك البلغار -الذي كان خاضعاً للدولة العثمانية- لمهاجمة قوَّات العثمانيين و التصدي لزحفهم في البلقان ، و لكن هذا التحالف باء بالفشل الذريع و سرعان ما آل إلى الانهيار ، ممَّا أعطى السلطان مراد الأول تبريراً للتقدم بجيشه و التوغُّل في أعماق البلقان باتجاه بلاد الصرب.

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Bosnia10

? استولى العثمانيُّون على مقدونيا كاملةً عام 772 هـ / 1371 م ، وتوغَّلت قوات السلطان مراد الأول في البلقان ، و هزمت قوَّات الصرب التي قادها لازار في معركة قوصوة ( كوسوفو ) الشهيرة عام 791 هـ/ 1389 م ، و بذلك استتبت الأمور للعثمانيِّين في شبه جزيرة البلقان و أعطى حُكامها الجـزية (( عـن يـدٍ و هم صاغرون )) ،? و في معركة قوصوة أسر ملك الصرب لازار ثمَّ قتل و في المقابل قُتل غيلةً السلطان مراد الأول بطعنةٍ من صربيٍ تقدَّم إليه زاعماً أنَّه سيُسلِّم عليه و يُعلن إسلامه بين يديه، وبينما كان السلطان يجود بنفسه أخذ البيعة من الحاضرين لابنه الغازي بايزيد الأول، و أوصى بالأسرى خيراً ، ثـمَّ تشهَّد و فاضت روحه إلى بارئها في منتصف شعبان 791 هـ الموافق للتاسع من أغسطس ( آب ) 1389 م رحمه الله رحمةً واسعة.

? بدأ العثمانيون محاولاتهم دخول البوسنة في عهد ملكها استيفان الثاني ، ووصلوا إلى مدينة بيليتسا ( Bileca ) عام 790 هـ / 1388 م ، إلاَّ أنَّ الجيش البوسنوي تصدَّى لهم و هزمهم .

? في عام 820 هـ / 1418م أُسِّس لواء البوسنة، وكان مركزه مدينة سراي بوسنة ( سراييفو ) ، و عُيِّنَ أوَّل مُتصرِّف فيها و هو إسحاق بيك ( إسحاقوفيتش ) و هو من أهل البوسنة .

? في عام 831 هـ /1428 م خضع ملك البوسنة لسيادة السلطان العثماني و بدأ بدفع الجزية ، بعد أن أبرم عهداً مع السلطان مراد الثاني يحظى بموجبه بحماية العثمانيين.

? في عام 855 هـ / 1451م بويع محمد بن مراد الثاني ( الفاتح ) سلطاناً على الدولة العثمانيَّة ، و كان هذا إيذاناً بفتح القسطنطينيَّة، مصداقاً لبشارة النبي المصطفى? كما في حديث عبد الله بن عمرو ? ، قال : كنا عند رسول الله ? نكتب ما نسمع منه ، فقلنا : أي المدينتين تفتح قبل يا رسول الله قسطنطينية أم رومية ؟ قال : بل مدينة هرقل . يريد القسطنطينية.

? تقدَّم السلطان محمد الفاتح - رحمه الله - بعد أن فتح الله على يديه القسطنطينيَّة بقوَّاته نحو بلاد الصرب ، و خاض حرباً ضروساً استبسل فيهــا المسلمون ضـد الصـرب و حـلفائـهم الذين دافـعوا عن بـلغراد باستماتةٍ سنة 860هـ / 1456 م ، و قبل أن تُفتح المدينة عاد الفاتح إلى إسطنبول ، و أناب على الجيش الصدر الأعظم محمود باشا الذي أتمَّ فتح بلاد الصرب - عدا بلغراد - خلال عامَين ، و أعلنها ولايةً عثمانية عام 864 هـ /1460 م ، بينما استعصت بلغراد على المسـلمين فلم يدخلوها فاتحين إلا أيَّام سليمان القانوني عام 927 هـ / 1521 م، وصادف فتحها يوم الجمعة الخـامس و العشرين من رمضان ، فـدخل السلطـان إحدى الكنـائس ، وأقام فيها صلاة الجمُعة ، و أمر بتحويلها إلى مسـجد فكان ذلك أوَّل مسـجدٍ في بلغراد.

? ذكر بعض المؤرخين أنه بعد انتصار العثمانيِّين على الصرب و ضمِّ بلادهم إلى دولة الخلافة ، استـغاث زعيما البوغوميل في البوسنة ، و هما : فوكجيتش ، و بافلوف بالمسلمين لنصرتهم ، و دعوهم إلى بلادهم بعدما سمعوا و عرفوا من رُقِيِّهم و تسامحهم مع مخالفيهم.

? في عام 867 هـ / 1463 م تـمرّد ملك البوسنة على السلطة العُثمانيَّة ، و رفض إعطـاء الجزية ، و سعى إلى عقد اتفاقٍ مع الصرب ضـدَّ العُثمانيِّين ، و كان هذا السبب كافياً لدخول الجيش العُثماني إلى البوسنة و فتْحِها .

? في عام 868 هـ / 1463 م توجهت جيوش العثمانيِّين إلى البوسنة ، و اجتاحتها من الشرق حيث دخلت مدينة سربرنيتسا ( Srebrnica ) ، و منها توجَّهت إلى بقيَّة أرجاء البوسنة فافتتحتها كلَّها ، و أحكمت سيطرتها عليها بينما
ظلّ إقليم الهرسك خارج سلطة العثمانيِّين حتى فتحه السلطان بايزيد الثاني ، سنة 888 هـ / 1483 م .

? وحَّد العثمانيون إقليميْ البوسنة و الهرسك في ولاية واحدة سنة 988 هـ / 1580 م ، و ظلَّ الإقليمان كذلك حتى عام 1266 هـ / 1850 م .

? فتح العثمانيُّون بلاد الجبل الأسود عام 901 هـ /1496 م ، و لكنهم لم يلبثوا أن انسحبوا منها مؤثرين الاكتفاء بتبعيَّتها الاسميّـة و دفع الجزية للسلطنة ، و بعد ذلك تمَّ فتح كرواتيا في عهد سليمان القانوني عام 932 هـ / 1526 م .

? في ظل الحكم العثماني أصبح للبوسنة كيان يضمُّ إلى جانب البوسنة والهرسك أجزاء من سلوفينيا و كرواتيا و دالماسيا و صربيا ، وظلَّت وحدة ذاتية الحكم لمنطقة كبرى طوال الحكم العثماني .

? فـي ظـلِّ الحكم العثماني تولَّى المسلمون البشانقة مقاليد الأمور في بلادهم و كان منهم قادةٌ و باشواتٌ يحكمون البلاد و يقودون الجيوش ، و كان من أشهر ولاة البوسنة و أحبهم إلى أهلها على الإطلاق الغازي خسروبك ، الذي حكم البوسنة لفترتين أولاهما بين عام 912 هـ / 1506 م و عام 918 هـ/1512م و الثانية بين عامَيْ 926 هـ / 1520 م و 949 هـ / 1542 م.

كما برزت شخصيَّاتٌ بوسنويَّة تولَّت أرفع المناصب في دولة الخلافة بما فيها منصب الصدارة العظمى ، الذي تولاَّه لفترة طويلة محمد صوقولي البوشناقي ( و كان من نصارى البوسنة قبل إسلامه )، وسنان باشا البوشناقي وغيرهما، واشتهر من بين أبناء البوسنة البارزين في دولة الخلافة تسعةٌ من الساسة من بينهم ثلاثةُ أخوة من أسرة صوقولوفيتش من أهالي بلدة فيشِغراد ( Vi?egrad ) البوسنوية .

? ظلَّت البوسنة و الهرسك محطّ أنظار و أطماع الدُول المجاورة ، فما إن سنحت الفرصة لملك المجر متياس كورفينوس حتى أغار على شماليَّ البوسنة ، واستولى على بعض مناطقها مثل زفتشا ( Zve?a )، وياييتسا ( Jajca ) سنة 867هـ/1463م تقريباً.

? بقيت البوسنة و الهرسك مقسمةً بين النفوذ العثماني و النفوذ المجري حتى عام 934 هـ / 1528 م، حيث انتصر العثمانيُّون في موقعة موهاك ( أو موهاكس ) على المجريِّين انتصاراً حاسماً أخضع المجر لسلطتهم، و بذلك أصبحت البوسنة ولايةً عثمانية بلا نزاع .

? هُزمت الجيوش العثمانية أمام النمساويين في سِنتا ( Senta ) عام 1108هـ / 1697 م ، و قُتل الصدر الأعظم الماس محمود باشـا و كثير من قُوَّاد جيشه فتقدَّم الجيش النمساوي عبر نهر صاوة ( سافا ) ، حتى وصل إلى ضواحي سراييفو في يوم الثُلاثاء السابع من ربيع الأول سنة 1109 هـ ، الموافق للثاني و العشرين من أكتوبر ( تشرين أوَّل ) سنـة 1697 م ، و دعا المسلمين إلى الاستسلام ليحولوا دون تدمير كلِّ شيء بالحـديد و النار ، فاستسلم عامّتهم و لكن استسلامهم لم يحُل دون تدمير المدينـة و إحراقها ، و أسر من نجا من أهلها ، و يكفي للدلالة على حجم الدمار الذي لحق بسراييفو إثر هذه الكارثة ، أنَّ من بين مائة و أربعة مساجد كانت موجودة يومئذٍ لم يسلم من الحرق و التدمير سوى خمسة أو ستة مساجد .

? في عام 1130 هـ / 1718 م وقع إقليم الهرسك تحت حكم النمسا ، و ظلَّ كذلك إلى أن حرَّره العثمانيُّون و أعادوه إلى البوسنة بحلول عام 718 هـ /1837 م .

? في عام 1149 هـ / 1737 م علم والي البوسنة أن دولة النمسا عازمة على الاعتداء عليهم و قد حشدت في سبيل ذلك جيشاً جرّاراً ، و لما كانت الدولة العثمانية آنذاك تخوض حرباً عنيفة ضدّ روسيا ، لم تستطع أن تمد للبوسنويين يد العون ، فاجتمعت كلمتهم على مقاومة النمسا ، و صد عدوانها ، و كذلك فعلوا بدون نصير .

و دارت معارك دامية شاركت فيها نساء البوسنة إلى جانب رجالها ، فكان النصر حليفهم ، و كافأ السلطان زعماءهم و قادة الدفاع منهم بأعلى الرتب ، و منح محمد بيك الفدائي البوشناقي لقب الغازي الذي كان أشرف الألقاب وأندرها.

? دخل الصرب مدينة بلغراد يوم الخَميس التاسع و العشرين من شوَّال سنة 1221 هـ الموافق للثامن من يناير ( كانون الثاني ) 1807 م ، و أعملوا السيوف في رقاب المسلمين ، و هدموا المساجد و المدارس ، و سووا القبور ، و لم تشهد بلغراد مثل ذلك العنف في تاريخها الحافل بالمآسي من قبل.

البوسنة و الهرسك دراسة عامة 753_2_10

? قامت في البوسنة عام 1246 هـ / 1831 م حركة تمرد بقيادة حسين قبطان غراشتشفيتش ضد الحكم العثماني ، و نجح حسين في بداية الأمر ، و لكن سرعان ما انهزم أمام الجيش العثماني عام 1247 هـ / 1832 م .

? في عام 1259 هـ / 1844 م أعلن الصرب برنامجهم القومي ، الذي قرَّروا فيه تهـجير جميع المسلمين من السنجق والبوسنة والهرسك وكوسوفو، أو تنصيرهم وإخضاعهم للأرثوذكسيَّة.

? حصلت صربيا على حُكم ذاتي بموجب معاهدة باريس عام 1273 هـ/ 1856 م ، و واصلت الضغط و المقاومة للحكم العثماني ، بدعم من حلفائها الروس و غيرهم إلى أن جلت آخر القوات العثمانيَّة عنها عام 1284 هـ / 1867 م حيث بقي حاكمها تابعاً للدولة العثمانيَّة شكلياً فقط.

? في عام 1291 هـ / 1875 م نشبت في منطقة البلقان ثورة عارمة ضدَّ العثمانيين ، بدأت في الهرسك ، ثم امتدت إلى المناطق المجاورة في البوسنة و بلغاريا و تضامنت صربيا معها ، إلاَّ أن القوَّات العثمانيَّة تمكنت من إخمادها .

? في عام 1292 هـ / 1876 م أعلنت كلٌ من صربيا و الجبل الأسود الحرب على الدولة العثمانية .

? خلال ثلاثين سنة فقط تنتهي بانتهاء عام 1330 هـ / 1912 م ، كانت عمليات التطهير قد طالت ستة و ثلاثين ألف مسلم من البوسنة و السنجق ، بحسب ما تثبته وثائق الدولة المجرية النمساوية ، أما مصادر المسلمين فتؤكد أن عدد المهجرين الحقيقي يتراوح بين مئة وأربعين ألفاً، ومئة وستين ألف مسلم.

? جاءت حروب البلقان المعروفة بين عامَيْ 1330 هـ / 1912 م ، و 1331 هـ / 1913 م لكي تنهي ما تبقى من النفوذ العثماني في منطقة البلقان ، حيث رتسمت صورة طبيعيَّة للتكاتف النصرانـي ضـد الدولة التي ترفع رايــة الإسلام ، و انعكست فيها مراحل التخلُّص من النفوذ العثماني باستخدام شتى الوسائل.

و قد تمخَّضت هذه الحروب - التي انتهت رسميَّاً بالتوقيع على معاهدة لندن عام 1331 هـ / 1913 م عن خسارة كبيرة للدولة العثمانيَّة حيث فقدت أكثر من 83 بالمئة من الأراضي التي كانت تحكمها في البلقان، منهية بذلك عدة قرون من الوجود العثماني في المنطقة بلغت 415 سنةً في البوسنة ، و 380 سنة في صربيا ، و 420 سنة في الجبل الأسود ، و 430 سنة في قوصوة ( كوسوفو ) ، و 547 سنة في مقدونيا.

المطلب الثالث : الحكم النمساوي و الهنغاري للبوسنة :

? في عام 1295 ه / 1878 م منحت البوسنة و الهرسك حكماً ذاتياً في ظل الحكم العثماني بموجب معاهدة سان ستيفانو ، لكن هذا الحكم لم يدم طويلاً حيث وُضعت في العام نفسه تحت الإدارة النمساويَّة المجريَّة المشتركة ، مع الإقرار بسيادة السلطان العثماني عليها بموجب قرار مؤتمر برلين ، الذي ضمـن (( أن لا تمــسَّ حقوق السيـادة للسلطان العثماني ، و أن يستمر تداول العملة العثمانية، و أن تستخدم إيرادات البوسنة محليَّاً ، و أن تستعمل الإدارة الجديدة موظفين بوسنويين أو أتراكاً ، و أن تُتاح للمسلمين حرية العبادة ، و أن يظل اسم الخليفة مردداً على المنابر في الجُمَع )) إلا أن شيئاً من هذه الأمور لم يُطبق اللهم إلا الأخير منها .

? قاوم الشعب البوسنوي الحكومة النمساوية المجرية ببسالة مدة ثلاثة أشهر ، و لكنه غُلب على أمره ، و لم يتمكن من الإفلات من الاستعمار الذي فرض عليه بموجب معاهدة برلين.

? حرص المسلمون الواقعون تحت حكم النمسا و المجر على إيجاد تنظيم يجمعهم - و كان ذلك قاصراً على الأمور الدينية - فاقترحوا إنشاء مشيَخةٍ دينية مستقلة عن اسطنبول في البوسنة ، و كان لهم ما أرادوا في عام 1237 هـ/ 1882م حيث عيَّن السلطان العثماني رئيساً لعلماء البوسنة ، و أُسندت إليه رئاسة مجلس الطائفة الإسلامية المكوَّن من أربعة أعضاء و هيئة مستشارين .

? استمرت البوسنة تحت السيطرة الفعلية للنمسا و المجر ، مع تبعيَّتها الشكلية للسلطنة العثمانية إلى أن انتزعت تماماً من جسد الأمَّة الإسلاميَّة ، و فُصلت نهائيّاً عن الدولة العثمانيَّة عام 1326 هـ / 1908 م ، حيثُ أعلنت النمسا ضمَّ إقليمي البوسنة و الهرسك ، و خَلعَ آخر الولاة المسلمين من قبل العثـمانيِّين ، و هو أحمد مظهر باشا ، فثارت أحقاد أبناء البوسنة ( المسلمين منهم ، والصرب والكروات على حدٍ سواء ) ضد النمساويِّين، وردّاً على قرار النمسا هذا أقدم صربيٌّ من أعضاء منظمة ( البوسنة الفتاة ) على اغتيال ولي عهد النمسا و زوجته في سراييفو ، الأمر الذي استنكره المسلمون البشانقة ، و أدَّى بمُضاعفاته إلى نشوب الحرب العالمية الأولى.

? في عام 1318 هـ / 1900 م ثار مسلمو البوسنة بزعامة علي فهمي جاويتش ضدَّ الحكم النمساوي ، و أعلنوا الجهاد ضدَّ النمساويين طيلة تسع سنوات ، حتى أدى جهادهم إلى قيام حكم ذاتي محدود لهم عام 1327 هـ / 1909 م يُمكنهم من تسيير أمورهم الدينية باستقلال تام، ثُمَّ انتخب مجلس بوسنويٌ يمثِّل البوشناق دون أن تكون له سلطةٌ تشريعيَّة و لكنَّه مكَّن بالفعل المنظَّمات المحليَة مثل المنظمة الوطنيَّة الإسلاميَّة التي أُسِّسَت عام 1323 هـ / 1906 م من العمل .

? في سنة 1327 هـ / 1910 م أقرّ دستور جديد يجيز للبوسنة إنشاء مجلسٍ نيابي مكوَّن من اثنين وسبعين نائباً بالإضافة إلى عشرين عضواً يعيَّنون من أعضاء الهيئات الدينيَّة.

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Ali_pa11

? اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1332 هـ / 1914 م ، و انتهت عام 1336 هـ / 1918 م مخلَّفةً وراءها مآسي مفجعة لمسلمي البوسنة و الهرسك ، حيث استبيحت مدنهم، وأحرقت مساجدها، ونهبت ثرواتها، وغدر الأرثوذكس بالمسلمين، فصادروا أراضيهم ، و قضوا على المدارس والكتاتيب والمعالم الإسلامية في بلادهم.

? فضلاً عمَّا خلَّفته الحرب العالمية الأولى ، عانى المسلمون في ظلِّ الحكم النمساوي للبوسنة من الاضطهاد الديني و العِرقي الشيء الكثير ، و تعرَّضوا لحملات التنصير و التهجير ، ممَّا حمل الكثيرين منهم على الهجرة إلى أراضي الدولة العثمانيَّة ، حيث هاجر في هذه الفترة أكثر من ثلاثمائة ألف مسلم بوشناقي ، فضلاً عن المهاجرين الآخرين من غير البشانقة.

? تحرَّرت البوسنة من حكم النمسا و المجر في عام 1336هـ/1918م ، أي بعد أربعـين عاماً من الاحتلال ، و انتقلت السلطة فيها إلى المجلس الوطني البوسنوي و لكنها لم تنعم بالتحرر المنشود طويلاً ، فما لبثت أن وقعت عقِب الاستقلال فريسةً للأعداء ضمن ما عُرف باسم المملكة اليوغسلافيَّة .

المطلب الرابع : البوسنة في المملكة اليوغسلافيَّة :

? ظـهر بين الصقالبة على اختلاف أعراقهم شعور مُتنامٍ ضـدَّ حكم النمسا و المجر للبوسنة ، و قد بلغ هذا الشعور ذروته بين عاميْ 1324 هـ / 1907 م ، و1327هـ/1910م ، حيث شهد تشكيل عدَّة تنظيمات تدعوا إلى إقامة دولةٍ يوغسلافيةً على أنقاض الحكم النمساوي المجري ، مثل حركة الشباب اليوغسلافيَّة ، و جمعيَّة البوسنة الفتاة.

? تكونت في عام 1333 هـ / 1915 م لجنة تمثل معظم مجموعات الصقالبة الجنوبيين عُرفت باسم ( اللجنة اليوغسلافية ) ، و في عام 1335هـ / 1917 م ، قامت صربيا بتوقيع معاهدة تحالف مع هذه اللجنة تـمَّ بموجبها الإعلان عن السعي لإنشاء دولة واحدة ، تضم الغالبية العظمى للصقالبة الجنوبيين .

? في عام 1335 هـ / 1917 م صدر إعلان ( مايو ) الداعي إلى توحيد الأراضي التي يسكنها السلوفينيون و الكروات و الصرب، أمَّا المسلمون فلم يكن أمامهم خيار إلاَّ الحصول على الحكم الذاتي تحت سلطة المجر ، أو الدخول في الدولة اليوغسلافيَّة المستقلة و قد آثر كثيرٌ منهم - بمن فيهم رئيس العلماء محمد جمال الدين تشاوشيفتش- الخيار الثاني.

? أُعلن عن قيام الدولة اليوغسلافيَّة لأوَّل مرة في الأول من ديسمبر ( كانون الأول ) عام 1918 م / 1336 هـ ، و حملت في البداية اسم مملكة الصرب والكروات و السلوفينيين ( SHS ) ، و ضمَّت إلى جانب هذه القوميَّات الثلاث دالماسيا ، و جزءاً من مقدونيا ، و إقليمي البوسنة و الهرسك دون أن يكون لهما تمثيل يذكر في حكومتها ، بل على العكس من ذلك ، تمَّت مصادرة أراضي المسلمين و أُعطيت للصرب مما زاد في إفقار المسلمين، و قد أفصح الزعيم الصربي ستويان بروتينتش عن الهدف من هذا التصرُّف بقوله : (( لا تقتلوا المسلـمين و لا تـطردوهم ، و لكـن اعمـلوا على إفـقارهم و إضعافهم حتى يموتوا أو يضطروا إلى الهجرة من تلقاء أنفسهم )).

? نصَّت مُعاهدة ( سان جرمان ) الموقعة بين الصرب والنمساويين عام 1337هـ/1919م على إلحاق البوسنة والهرسك و دالماسيا بصربيا .

? نهجت حكوممة المملكة اليوغسلافية الجديدة نهجاً جديداً في التخلص من المسلمين بتهجيرهم عملاً بتوجيهات زعيمهم ستويان بروتشينتش ، و لكن تمسك المسلمين بأرضهم و ديارهم على الرغم من معاناتهم الشديدة دفع أعداءهم إلى العدول عن تهجيرهم إلى العمل على إبادتهم و الفتك بهم بأفظع الوسائل المعروفة في تلك الحقبة .

? بلغت معاناة المسلمين أشدها حينما أطلق الملك كارل بيتر ملك يوغسلافيا في فترة ما بين الحربين العالميتين الإشارة للقضاء على المسلمين بأية وسيلة ، الأمر الذي أشار إليه المؤرخ الكرواتي ( برانكو هرفات ) في كتابه ( مسألة كوسوفو ) ، حيث ذكر أن الملك بيتر مر في طريقه من كوسوفو إلى مقدونيا بحشد من المسلمين المحتجزين تحت رقابة الجنود الصرب ، فسأل مساعديه : من هؤلاء ؟ فأجابوه : إنهم مسلمون . فقال : لا فائدة للمملكة اليوغسلافية منهم ، و يجب أن يبادوا جميعاً ، و لكن دون أن نخسر عليهم تكلفة الذخيرة و الرصاص . اقتلوهم بالعصي على حافة الطرقات . و نُفّذت أوامره على الفور .

? وقعت أشنع عمليًَّات الإبادة ضدَّ المسلمين البوشناق في مملكة يوغسلافيا مع بداية نوفمبر ( تشرين الثاني ) عام 1342هـ/1924م ، حيث أقدم صرب الجبل الأسود على قتل المئات من المسلمين ، و التمثيل بهم برسم الصلبان بالخناجر على جثثهم و غير ذلك ، بينما اضطر من نجا منهم إلى الهجرة إلى البوسنة و بلاد البلقان الأخرى إلى غير عودة .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة 28664610

? كان دور المسلمين في المملكة اليوغسلافية شبه معدوم ، و يمكن الاستشهاد على ذلك بحادثةٍ وقعت في الجمعية الوطنية اليوغسلافية عام 1343هـ/1925م ، عندما قام الوزير الكرواتي ستيبان راديتش بالرد على اعتراض قدمه وفد المنظمة الإسلامية اليوغـسلافية ، حيث قـال بحـدة و صرامـة : (( أنتم أيُّها الأتراك ارحلوا إلى آسيا )) و تُعبِّر هذه الكلمات عن الوضع الحقيقي للمسلمين بين الصرب و الكروات .

? نتيجةً لنـزاعات وقعت و تفاقمت بين الصرب و الكروات ، أقدم الملك ألكسندر على إلغاء دستور المملكة اليوغسلافية عام 1339هـ/1921م ، ليستهل عصراً جديداً من عصور الاستبداد ، مما أثار حفيظة الناس و أدى إلى خروجهم عليه، إلى أن لقى مصرعه على يد أحد الكروات عام 1352هـ/1934م.

? عانى مسلمو البوسنة و الهرسك في ظل المملكة اليوغسلافيَّة أنواع الاضطهاد و التضييق ، الذي كان من صُوَره إلغاء الحكومة الملكية في سنة 1349هـ/1930م اللقانون الذي تتمتع الهيئات الإسلاميَّة و الأوقاف بموجبه بالاستقلال ، كما ألغت وظيفة المفتي الأكبر لمسلمي يوغسلافيا .

? في عام 1357هـ/1938م وقعت الحكومة التركية و الحكومة اليوغسلافية اتفاقية رسمية لتهجير مئتي ألف مسلم من البوسنة و السنجق إلى تركيا ، و تم بالفعل تهجير عدد من المسلمين بموجب هذه الاتفاقية في عملية تهجير منظمة أوقفت فيما بعد بسبب اندلاع الحرب العالمية .

? ما إن استقرَّت الأمور في المملكة اليوغسلافيَّة ، و وافق المسلمون على التعايش مع المتسلِّطين عليهم فيها ، حتى اتفق الصرب و الكروات على اقتسام البوسنة و الهرسك فيما بينهم ، و تم التوقيع على اتفاقيَّة حول هذا الأمر في عام 1358هـ/1939م ، تسيطر كرواتيا بموجبها على كافة الأراضي التي يفوق فيها عدد الكروات عددَ الصرب ، سواء كانت في إقليم الهرسك الذي يعتبرونه أرضاً كرواتيّة أصلاً أو في البوسنة ذات الأكثريّة المسلمة ، مُتجاهلة الوجود الإسلامي في هذه المناطق .

? نتيجة لمعاناة المسلمين في يوغسلافيا أثناء هذه المرحلة ، اضطر كثيرٌ منهم إلى النـزوح عن بلادهم ، فقد (( حدثت هجرة إسلاميَّة من يوغسلافيا إلى تركيا لأسبابٍ دينيَّة و سياسية ، و خاصة من منطقة البوسنة و الهرسك و سنجق و قوصوة ، و قد بلغ عدد المهاجرين حتى عام 1359هـ/1940م 250000 )) أما مُجمل من هاجر قبل ذلك العام و بعده فأكثر من ذلك بكثير ، و يكفي للدلالة على ذلك وجود نحو أربعة ملايين مسلم بوشناقي الأصل في تركيا اليوم .

? في عام 1360هـ/1941م اندلعت الحرب العالمية الثانية و استمرَّت أربع سنوات وقعت يوغسلافيا خلالها تحت الحكم النازي ، و في بداية الحرب أعلن النازيون قيام دولة كرواتيا المستقلة ، التي تضمَّ البوسنة و الهرسك بالكامل .

? استغلَّ الصرب فرصة اضطراب الأوضاع أثناء الحرب العالمية الثانية للعمل على إقامة صربيا المتجانسة و النقيَّة من الأعراق غير الصربيَّة ، فقد جاء في كتاب للزعيم الصربي موليفيتش بعث به عام 1360هـ/1942م إلى فازيتش : (( إنَّ الأرض الصربية ينبغي أن تُبسط إلى دالماسيا ، و ينبغي تطهيرها من جميع العناصر غير الصربيَّة و لتحقبق ذلك يجب إرسال الكروات إلى كرواتيا و المسلمين إلى تركيا و ألبانيا )) .

? عانى المسلمون البوشناق أثناء الحرب العالميَّة الثانية أشد المعاناة ، حيث كانت تنتظرهم حملات القتل و التهجير و الإبادة الجماعية ، و قد اشتهرت من بينها ثلاث مجازر، راح ضحيَّتها مئات الآلاف منهم بين قتيلٍ و طريد :

? المجزرة الأولى : وقعت بين شهري يونيو من عام 1941م/1360هـ و فبراير ( شباط ) من عام 1942م/1361هـ معظم مناطق البوسنة الشرقية حين غدر الزعيم الصربي ميخائيلوفيتش بالمسلمين ، و أمر عصاباته بذبحهم عن بكرة أبيهم ، و خلال بضعة أيام ذُبح من المسلمين أكثر من مئة و خمسين ألفاً ، و من لم يمت ذبحاً مات حرقاً أو غَرَقاً أو تحت الأنقاض .

? المجزرة الثانية : وقعت في صيـف عام 1361هـ/1942م و تركَّـزت في منطقـة فوتشـا ( Fo?a ) ، حيث كان الرجال يخوضون القتال في أتون الحرب العالمـيَّة الثانيــة ، فأفـاد الصرب مـن غياب رجـال المسلـمـين و جمعوا الأطفـال و النساء و الشيوخ من بعض المدن ، و اقتادوهم إلى سهل فوتشا ، و أبادوهم جميعاً ثم ألقوا جُثَثهم في نهر درينا ، و عادوا فكرروا المذبحة بعد عدَّة شهور حيث كانت درجة الحرارة دون العشرين تحـت الصفر حينما فتك الصرب بـأطفال المسلمين ، و بقروا بطون الحوامل ، و عاملوهم بوحشية تفوق وحشية التتار عند اجتياح بغداد ، ثمّ قذفوا بهم إلى النهر المتجمد ، فتحوَّلوا إلى هياكل ثلجية تصبغها الدماء ، و نتيجة لهذه المجزرة انخفض عدد مُسلمي فوتشا من 75? إلى 52 ? أي بمقدار الثُلُث .

? المجزرة الثالثة : وقعت في مطلع عام 136هـ / 1943م و هي أفظع ما تعرض له المسلمون في تلك الفترة حيث شملت مناطـق واسـعة من البوسنة مثل ليوبينيـه ، و آوتوفاتس ، و بيليتشا ، و قورن وقـف ، و كواري ، و فيشغراد و روغاتيتسا وغوراجدة، وياييتسا، وفلاسنيتسا، وفوتشا، و أوستيكولينا، وغيرها.

و قد كشفت الوثائق التي نشرت عن هذه المجزرة أن أعضاء عصابات الصرب المعروفة باسم جتنك كانوا يُعرُّون المسلمين و يخرجونهم قسراً من منازلهم ، ثم يربطونـهم بالحـبال و يقتادونهم إلــى حتفهم كالقطعان ثـمَّ يقتلونهم بأفظع الوسائل ، و الطرق .

? أسفرت الحرب العالميَّة الثانية عن مقتل ما لا يقل عن خمسة و سبعين ألف مسلم في البوسنة ( أي 8.1 بالمئة منهم ) حتَّى قيل : إنَّ المسلمين قاتلوا إلى جانب الجميع ، و لاقوا حتفهم على أيدي الجميع .

? و بعد انتهاء الحرب مباشرة أبيد في يوغسلافيا أربعة و عشرون ألف مسلم منهم ثمانية عشر ألفاً في مدينتي توزلا و سراييفو ( البوسنويتين ) فقط ، و أُغلقت الكلية الإسلامية و جميع المدارس الإسلامية خلا واحدةً في سراييفو ثم صدر قرار بإلغاء المحاكم الشرعية في جميع أنحاء يوغسلافيا .

المطلب الخامس : البوسنة تحت الحكم الشيوعي اليوغسلافي :

? في عام 1361هـ/1943م شكل شيوعيو يوغسلافيا حكومة مؤقتة في مدينة يايتسة البوسنوية ، مهَّدت لإنشاء الجمهورية اليوغسلافيَّة المكوَّنة من ست جمهوريَّات فيما بعد .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Hamzib11

? أُعلن بشكلٍ رسمي عن تشكيل جمهورية يوغسلافيا الاتحادية الاشتراكية ، في الرابع و العشرين من ذي الحجة عام 1364هـ الموافق للتاسع و العشرين من نوفمبر ( تشرين الثاني ) عام 1945م ، بعد أن رُسمت حدودها من جديد بموجب معاهدات عقدت مع دول الجوار بعد الحرب العالمية الثانية .

? تمَّ تشكيل أوَّل حكومة مستقلة للبوسنة و الهرسك في إطار يوغسلافيا الاتحادية عام 1364هـ/1945م .

? فور استتباب الأمور للشيوعيين الجدد في يوغسلافيا بدأت المضايقات و القرارات الجائرة تنهال على المسلمين ، حيث أُلغيت المحاكم الشرعية عام 1365هـ/1946م ، و مُنع الحجاب عام 1369هـ/1950م ، و في السنة نفسها أُغلق آخر كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم ، و في سنة 1371هـ/1952م أُغلقت جميع التكايا و حُظرت الطرق الصوفية ، كما لم يعد مسموحاً بالعمل للجمعيات الثقافية و التربوية للمسلمين مثل جايِرْت ، و نارودْنا ، و أُوزدانيتسا ، ولم تسمح السلطات الشيوعية لأي من المؤسسات الإسلاميّة بالبقاء عدا رئاسة الطائفة الإسلامية ( رئاسة العلماء ) التي وُضعت تحت السيطرة المباشرة للدولة منذ عام 1947م مع المدرسة الإسلامية التابعة لها .

? في محاولة لدفع العدو الصائل اضطر مسلمو البوسنة إلى عمل تنظيمات سرِّية للحفاظ على وجودهم ، و من تلك التنظيمات حركة ( بوغال ) ، لكن المخابرات اليوغسلافيَّة اكتشفتها عام 1366هـ/1947م، وألقي القبض على زعمائها، فأعدم منهم من أعدم ، و حُبس محكوماً بالأعمال الشاقة مدى الحياة من حُبس ، كما ظهر في البوسنة تنظيم للطلبة المسلمين يحمل اسم : جمعيَّة الشبَّان المسلمين ، و قد كُشف ، و سُجن بعض أعضائه عام 1968هـ/1949م و 1969هـ/ 1950 م .

? لأوَّل مرة يشار إلى المسلمين كأمَّةٍ مستقلَّةٍ جاء في دستور يوغسلافيا لعام 1963م أنَّ (( الصرب و الكروات و المسلمين كانت تجمعهم حياةٌ مشتركة )) ، و اعتبرت هذه الإشارة في حينها اعترافاً ضمنيّاً بأن للمسلمين البوسنويين قوميّة خاصّة تجمعهم ، و أنها متميزة عن القوميّتين السائدتين ( الصربية و الكرواتية ) .

? في عام 1387هـ/1968 م صدر بيانٌ عـن لجنة البوسنة المركزيـة ، جاء فـيه : (( لقد أظهرت الأيَّام كما أكدت الممارسات الاشتراكيَّة الحالية أن المسلمين أمةٌ متميزة بذاتها )) ، و أعقب ذلك وصف المسلمين لأوَّل مرَّة في تعداد السكان عام 1390هـ/1971م بأنَّهم أمَّةٌ .

? اعترف النظام الشيوعي الحاكم ليوغسلافيا في دستور سنة 1974م بالقوميَّة الإسلاميَّة على قدم المساواة مع الصرب ، و الكروات .

? قُدِّم للمحاكمة في سراييفو عام 1403هـ/1983م ثلاثة عشر رجلاً تقدمهم

الرئيس المجاهد علي عزَّت بيكوفيتش، وثلاثة من أعضاء حركة الشبَّان المسلمين ، اتُّهموا بأنهم ( قاموا بأعمال معادية للثورة ، و نابعة من القومـية الإسلامية ) ، و قد حُكم على الرئيس آنذاك بالسجن أحد عشر عاماً .

? مارس الشيوعيون سياسةً قمعيَّة ضد المسلمين في البوسنة ، و كانت سياستهم تقوم على الآتي:

1. إلغاء أي كيان مستقل للبوسنة ، و تقسيم أراضيها بين صربيا و كرواتيا .

2. عدم الاعتراف بوجود شعب بوسنوي متميز، وتقسيم السكان المسلمين حسب السلالات والأعراق السابقة لإسلامهم.

3. سلب جميع أملاك المسلمين و البوسنويين حتى الأوقـاف ، و تحويلهم إلى أجراء و عبيد عند الإقطاعيين و الملاَّك الصرب ، و الكروات .

4. العمل على تنصيرهم بالقوة .

5. إغلاق جميع المدارس ، و المؤسسات التي تعلِّم باللغة العربية ، أو التركية ، أو تعلم الدين الإسلامي حتى لو كان ذلك باللغة البوسنويّة .

6. تدمير جميع الرموز التاريخيَّة التي تظهر الطابع الإسلامي للبوسنة بما في ذلك المكتبات و المساجد .

أخذت يوغسلافيا في التفكك بعد تنامي القومية الصربية في أعقاب هلاك رئيسها الكرواتي الأصل تيتو ، و قد بلغت هذه القومية ذروة النمو و الانبعاث بفوز الحزب الاشتراكي الصربي في الانتخابات النيابية عام 1409هـ/1989م ، مما حدا بالجمهوريات المنافسة لصربيا إلى السير في طريق الاستقلال ، الذي نالته كرواتيا عام 1410هـ/1990م وبعدها جاء دور البوسنة والهرسك .

المطلب السادس : استقلال البوسنة و الهرسك :

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Gc-00610

? أُطلق سراح الرئيس المجاهد علي عزَّت بيكوفيتش بعد أن قضى أكثر من ثماني سنوات في سجون الشيوعية مُتَّهماً بالتخطيط لإقامة دولة إسلامية في بلاده كما تقدم .

? أُعيد في سراييفو سنة 1410هـ/1990م طبع كتاب ( البيان الإسلامي ) الذي كتبه الرئيس المجاهد علي عزَّت بيكوفيتش مما يعني وجود بوادر صحوةٍ إسلامية قادمة في البوسنة .

? أسس الرئيس المجاهد علي عزَّت بيكوفيتش مع بعض أعوانه حزب العمل الديمقراطي، وتولَّى زعامته منذ تأسيسه عام 1410هـ/1990م .

? حصل أوَّل انشقاقٍ في صفوف المسلمين البشانقة في البوسـنة فـي سبتمـبر ( أيلول ) عام 1990م حيث خرج عادل ذو الفقار باشيتش على حزب العمل الديموقراطي ليؤسس حزباً إلحادياً سمَّاه ( المنظمة الإسلاميَّة البوسنوية ) .

? في أوَّل انتخابات حرَّة شهدتها البوسنة و الهرسك عام 1410هـ/1990م فاز حزب العمل الديمقراطي بأكبر عددٍ من الأصوات ، و انتُخِب الرئيس المجاهد علي عزت بيكوفيتش لمنصب الرئاسة ، و تم تقسيم النفوذ السياسي وفقاً لنسب التوزيع السكاني بين المسلمين ، و الصرب ، و الكروات .

? بعد انهيار الشيوعية الأم في الاتحاد السوفييتي المنحل مع نهاية عام 1411هـ/1991م و ظهور الشعور القومي و الديني الكامن في نفوس شعوبه ، و ما تبعه من سقوط الشيوعية في يوغسلافيا ، تمهَّد طريق الاستقلال أمام البوسنة ، خاصَّة و أن دستور يوغسلافيا المُقر عام 1393هـ/1974م يضمن حق كلِّ جمهورية في تقرير مصيرها .

? حذَت البوسنة حذو الجمهوريات اليوغسلافية الأخرى ، فأعلنت استقلالها في الحادي عشر من رجب سنة 1412هـ ، الموافق للخامس عشر من يناير ( كانون الثاني ) 1992م و أُقرَّ قرار الاستقلال في الاستفتاء الذي تمَّ في مطلع شهر مارس ( آذار) من العام نفسه ، حيثُ أسفر الاستفتاء الذي شارك فيه 63 بالمئة من مجموع الناخبين ، و قاطعه الصرب و نسبتهم لم تكن تتعدى إذ ذاك 31 بالمئة من مجموع السكان عن رغبة أكثر من 99 بالمائة من المدلين بأصواتهم في الاستقلال ، و بناءً على ذلك أعلن الرئيس البوسنوي علي عزت بيكوفيتش استقلال بلاده رسميّاً .

? وقع في ليلة الأحد السابع و العشرين من شعبان 1412هـ/الأول من مارس ( آذار ) 1992م إطلاق نارٍ من طرف ثلاثة شبان ( كرواتيين ومسلم ) على صربيٍ استفزهم بالتلويح بالعلم الصربي في حفل زواج ، مما أدى إلى قتل الصربي على الفور ، و اتخذ الصرب هذا الحادث ذريعة لإذكاء نار الحقد على المسلمين ، و شن حرب إبادة لا هوادة فيها ضدهم ، رغم شجب الرئيس علي عزت وعموم المسلمين وزعماءهم في البوسنة للحادث، وتعهدهم بتعقب منفذيه.

? في صبيحة يوم الاثنين الثامن و العشرين من شعبان 1412هـ ، الموافق للثاني من مارس ( آذار ) 1992م الذي أعلنت فيه نتائج الاستفتاء نزل أعضاء القوات العسكرية الصربـية إلى المـيـدان ليبدؤوا حـربـهم ضــد مسلـمي البوسنـــة و الهرسك متذرِّعين بحقِّهم في معارضة الاستقلال .

? بدأت صربيا تنقل أعدادا كبيرة من الجيش اليوغسلافي إلى البوسنة لإجبارها على إلغاء قرار الاستقلال ، و عندما رفض البوسنويُّون التراجع بدأ الصرب هجوماً واسعاً على البوسنة بتاريخ 24/9/1412هـ ، الموافق 27 / 3 / 1992م .

? اعترفت منظمة الأمم المتحدة بالبوسنة و الهرسك جمهوريةً مستقلَّة عن يوغسلافيا في 21/11/1412هـ ، الموافق 22 مايو ( أيار ) 1992م .

? في 30/11/1412هـ ، الموافق 31 / 5 / 1992م حظرت منظمة الأمم المتحدة برئاسة الأرثوذكسي القبطي بُطرُس غالي توريد السلاح إلى يوغسلافيا وكافَّة الدول المستقلَّة عنها ، لكنَّ هذا الحظر لم يسرِ فِعليَّاً إلاَّ على مسلمي البوسنة ممَّا أتاح المجال أمام مجرمي الصرب و الكروات لشنِّ حرب إبادة جديدة ضدَّ المسلمين .

? دخل الصرب المساجد و الجوامع في مدينة زفورنيك و تعاطوا الخمور ، إلى جانب الغناء و الرقص بداخلها ، و رفعوا أعلامهم على مناراتها يوم 26 شوَّال 1412هـ ، الموافق 29/2/1992م .

? في 4 / 10 / 1412هـ ، الموافق 6 / 4 / 1992م تعرَّضت عدة مدن في البوسنة و الهرسك لمذابح رهيبة ، و شهدت مدينة بيليينا أكبر المذابح التي نفَّذها الصرب بحق المسلمين منذ الحرب العالمية الثانية .

? نفذت القوات الصربية مجزرة في مدينة فوتشا راح ضحيَّتها آلاف المسلمين يوم الاثنيْن 18 / 10 / 1412هـ ، الموافق 20/4/1992م .

? في التاسع من ذي القعدة 1412هـ ، الموافق 10/5/1992م دفن ألف مسلم في مقابر جماعيَّة بسراييفو ، بعد أن ظلَّت جثثهم في العراء ثلاثة أيام.

? في الثاني من شهر ذي الحجة عام 1412هـ ، الموافق 2/6/1992م قتل الصرب ستة وخمسين من أئمة المساجد و أبادوا أسر معظمهم بالكامل .

? بلغت محصلة الشهور الأربعة الأولى فقط من الحرب الصربية ضد المسلمين أكثر من أربعين ألف قتيل مسلم ، و نحو مليون و حكسمئة ألف مُهجَّر من المسلمين .

? و على هذه الوتيرة سارت الأحداث خلال الفترات التالية ، حتى وضعت الحرب أوزارها ، مُتمخِّضة عن سلام سلب المسلمين حقوقهم ، و أقرَّ الأعداء على ما في أيديهم من ديار المسلمين ، و لو أني تتبعت أحداث هذه الحرب ، و الأحداث المواكبة لها من مؤامرات و اتفاقات و غيرها لطال بنا البحث ، و أفلتت مني أزمته و لذلك آثرت الاقتصار على ما ذكر ، موقناً أن ما لا يدرك كله لا يترك جُلُّه .

? استمرَّت الحرب الأخيرة في البوسنة زهاء أربع سنوات عجاف أتت خلالها على كلِّ رطب و يابس ، و غيَّرت التركيبة السكانيَّة ، و دمَّرت الموارد المعيشيَّة للمسلمين ، بينما كانت الجمهوريات المستقلة عن يوغسلافيا - عدا البوسنة - تزداد رخاءً و ازدهاراً .

? لم تتوقف الحرب إلاَّ عقب توقيع الاتفاقيًّة المعروفة باتفاقيَّة دايتون، التي أعطت المسلمين رُبُع مساحة بلادهم، ومنحت الصرب ثُلثَي المساحة المتبقيــة، و ثلثها للكروات.

لقد كان السلام في البوسنة أمراً لا مفرَّ منه أمام الضغط الصليبـي الأوروبي و الأمريكي بسبب تقدم المجاهدين في نهاية المطاف ، و ضرورةً مُلحَّة لحقن دماء البقية الباقية من مسلمي البوسنة و الهرسك ، و جمع شتاتهم في كيانٍ مُستقلٍ و لو كمفحص قطاة .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة User4311

و لا شك عندي في أنَّ هذه الحرب قد أيقظت الهمم ، و ردَّت الكثيرين من المسلمين التائهين إلى دينهم ، و أحيت في النفوس الحميَّة للإسلام و الغيرة عليه ، وهذه بعض ظواهر الصحوة الإسلاميَّة الواعدة في البوسنة إن شاء الله .
يتبع إن شاء الله...


البوسنة و الهرسك دراسة عامة 2013_110


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الخميس 09 يونيو 2011, 6:24 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Empty
مُساهمةموضوع: رد: البوسنة و الهرسك دراسة عامة   البوسنة و الهرسك دراسة عامة Emptyالخميس 09 يونيو 2011, 4:28 am

المبحث الرابع

العقائد و الأديان في البوسنة و الهرسك


البوسنة و الهرسك دراسة عامة User4312

في البوسنة اليوم ثلاثُ عقائد دينية رئيسة هي: المذهبان النصرانيَّان، الأرثوذكسيَّة ، و ينتمي إليها الصرب ، و الكاثوليكية ، ويتَّبعها الكروات، إضافةً إلى الإسلام، الذي يدين به عامَّة البشانقة و كثيرٌ من الأتراك و المقدونيين و أهل الجبل الأسود و الصـرب و الكروات، كما توجد في البوسنة عدة آلاف من اليهود، وأعداد كبيرة من المُلحدين الذين تربوا في أحضان الشيوعية خلال العقود الأخيرة من القرن الرابع عشر للهجرة / العشرين للميلاد .

فما هي البدايات الأولى لهذه الأديان ؟ و كيف وصلَت إلى البوسنة ؟

المطلب الأول : العقائد و الأديان القديمة في البوسنة :


قبل سقوط البوسنة في قبضة الرومان ، وظهور الديانة النصرَانِيَّة على يدهم فيها كان أبناؤها غارقين في وثنية يرى بعض الكُتَّاب أن لها صلة بأديان الشرق القديمة ، و خاصـة مـا كــان منها ناشـئا في بــلاد فـارس كـالمثنويـة ( Dualist ). والمانوية ( Manichean ).

غير أن الربط بين الوثنية التي كانت سائدة في بلاد البلقان - و منها البوسنة - في القرون الوسطى و العقائد الوثنيّة في الشرق ، أمر تعوزه الحجة والبرهان ، ولكن القَدْر الذي يمكن التسليم به بهذا الخصوص هو أن سكان البلقان عُرفوا بوثنيتهم حقيقةً ، وكانوا ( يعبدون مجموعة متنوعة من الآلهة ، لا تزال أسماء بعضها باقية إلى اليوم وتطلق على بعض الأماكن اليوغسلافية مثل : آلهة الحيوانات المقرَّنة فيليس ( Veles) ، وإله الرعد بيرون ( Pirun ) أو ( Pir )، وأوجــاني ( Ogani )، وتور ( Tur ) ، و هذه الأسماء لا تزال باقية معروفة في الروايات المتواترة بين الناس إلى يومنا هذا .

و عرفت البوسنة أيضاً ديانة ميتريزام (Mitrizam ) و لكنَّها لم تدُم طويلاً ، و لـم تلبث أن تلاشت قبيل انتشار النصرانية بين البوشناق ، حيث أعرض الناس عنها لأسبابٍ منها أنَّها ديانةٌ رِجاليَّةٌ ليس للنساء مكان فيها ، و استبدلوها بالنصرانيَّة .

و يذكر المُؤَرِّخون أنَّ الإيليريّين (( كانوا يعبدون آلهةً كثيرةً منها الشـمـس و القمر و المطر و الرعد و الماء و النار و النور ، و غيرها و كانوا يُؤْمِنون بالحياة بعدَ الموت )) .

و قد امتدَّت بعض هذه العقائد إلى الصقالبة القدماء الذين عُرف عنهم التعلق بالظواهر الطبيعية وتفشي السحـر والخرافات فيهم ، الأمر الذي تجـسده الروايات الخرافية التي لايزال الناس يتناقلونـها حتى اليوم و ينسبونـها إلى أجدادهم الصقالبة الأوائل قبل تحولهم إلى النصرانية ثم الإسلام كما سيأتي بيانه إن شاء الله .

المطلب الثاني : النصرانية في البوسنة و الهرسك :

أثبتت الوقائع والأحداث التاريخية أن (( الناس على دين ملوكهم )) ، مصداقاً لما اشتهر على الألسنة أنَّه مما أخبر به النبي ? ، و ليس كذلك في حقيقة الأمر ، وهذه حقيقة كونية تبدو ماثلة للعيان ، ناصعة الوضوح و البيان في البوسنة والهرسك التي دأب أهلها على متابعة حكامهم فيما يحملونه إليهم أو يملونه عليهم من عقائد وأديان، الأمر الذي يبدو أكثر وضشوحاً عند دراسة انتشار النصرانية في البوسنة وتزامنها مع الاحتلال الروماني لأرجائها ، و هو ما سأتناوله في المقاصد التالية :

المقصد الأوَّل : ظهور النصرانيَّة و انتشارها في البوسنة :

سبقت العقيدة النصرانية القومية الصقلبية في الوصول إلى البوسنة ، فما كاد الصقالبة يستقرون في البلقان حتى وجدوا النصرانية قد أرست دعائمها و بثَّت دعاتها بين السكان الأصليين ، وخاصة في ما يُعرف اليوم بسلوفينيا وكرواتيا ، و شقَّت النصرانية طريقها إلى البوسنة في وقت مُبكِّر جدَّا ، و لكنها وُئدت في مهدها ، ثمَّ عادت إلى الظهور من جديد .

فقد جاء أوَّل ذكرٍ للأساقفة في البوسنة أواخر القرن الميلاديِّ الأوَّل في مدينة سرميوم ( Sermium ) الواقعة شمال شرقيّ البوسنة و أسفرت عمليَّات التنقيب عن الآثار عن اكتشاف أكثر من عِشرِين كاتدرائيَّة رومانيَّة داخل الأراضي البوسنويَّة ، تقع إحداها قرب ستولاتس ( Stolac ) بمنطقة الهرسك و قد عُثِرَ عليها و هي عبارة عن طللٍ مُحترق و فيها نقودٌ من القرن الأول للهجرة / السابع للميلاد ، ممَّا يدُلُّ على أنَّ النصرانيَّة في البوسنة قد قُضيَ عليها قضاءً مُبرماً في ذلك الزمن .

لكنَّ الانبعاث الحقيقي و بداية الانتشار الواسع للنصرانيَّة في المنطقة كان بحدود القرن الأوَّل للهجرة / السَابع للميلاد ، و تحديداً بعد أن اعترف كلٌ من الصرب و الكروات بالسيادة الاسميَّة للإمبراطور البيزنطي ، حيث بدأت كنيسة روما إرسال بِعثاتٍ تبشيريَّة لتنصيرهم ، و على الرغم من أنَّ هذه البعثات تُعتبر باكورة النشاط التنصيري في المنطقة ، إلا أنَّ النشاط الفاعل في نشر النصرانيَّة جاء من القسطنطينيَّة فيما بعد .

وتبعاً للصراع بين الإمبراطوريتين البيزنطية والرومانية نشأ تنافسٌ بين الأرثوذكس والكاثوليك في استقطاب الصقالبة وتنصيرهم ، وظهر ذلك جلياً حينما طلب راستيسلاف أمير مورافسكا ( Moravska ) سنة 248هـ/863م من الإمبراطورية البيزنطية إرسال مبشرين باللغة الصقلبية لبث النصرانية بين مواطنيه ، وقد استجابت حكومة بيزنطة على الفور وبعثت الأخوين تسيريلو و ميتوييه الذَيْن ابتكرا طريقةً للكتابة عرفت باسم غلاغوليتسا ودوَّنا بها ما ترجماه من الكتب النصرانية إلى اللغة الصقلبية في منطقة سلانيك، وأخذا ينشران عقيدتهما الأرثوذكسية، ويوطِّدان للإمبراطورية البيزنطية في البوسنة ، وما جاورها .

ولما استشعر الرومان ورجال الكنيسة الكاثوليكية البعد السياسي لدعوة هذين الأخوين حاولوا منعهما وإيقاف دعوتهما ، و وشوا بهما إلى البابا في روما بدعوى أنهما يبشران بلغة غير معترف بها من قبل الكنيسة الرسمية وتفاقم الأمر كثيراً ، حتى أصبحت قضية هذه اللغة عامل تفريق ، على الرغم من حظرها في النصف الأول من القرن العاشر للميلاد / الرابع للهجرة حيث اتسعت الهُوَّة بين الكاثوليك الذين انحازوا إلى شمال غرب شبه جزيرة البلقان ، و مُنافسيهم الأرثوذكس الذين لجؤوا إلى المناطق الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة الواقعة تحت نفوذ الامبراطورية البيزنطية والكنيسة الأرثوذكسية .

وقد مكنت الخلافات المستمرة والتنافس المرير بين الكنيستين المذكورتين لبروز عقيدة محليَّةٍ دان بها البشانقة ، و أخذت فيمـا بعد صِفة الكنيسة البوسنوية الرسمية المعروفة باسم الكنيسة البوغوميليًّة ( Bogu Milje ) التي سنتناولُها بالدراسة فيما يلي إن شاء الله .

المقصد الثاني : الكنيسة البوسنويَّة ( البوغوميلية ):

ظلَّ عامة أهل البوسنة محافظين على تقاليدهم القبلية التي توارثوها ، ولم يتأثروا بشكل جماعي - على الأقل - في العقيدة بأيَّة مِلَّة سواء كانت أرثوذكسية أم كاثوليكية بل بقوا وثنيِّين في مُجملهم إلى أواسط القرن السَادس للهجرة/ الثاني عشر للميلاد حيث انتشرت بينهم عقيدةٌ جديدة عـرفت بالبُوغُومِيليَّة ( أي أحباب الله ) ، نسبةً إلى مؤسسها بوغوميل ، ورسَّخت جذورها في البوسنة .

و نظراً إلى أن البُوغُومِيليَّة تُمثِّل خروجاّ وتحدياً سافراً للنصرانية المُحرفَّة و الشائعة فقد نظرت إليها الكنائس النصرانية على أنها عقيدة مبتدعة ، خارجة عن النصرانية ، وعادةً ما يستعمل النصارى كلمة ( هرطقة ) للدلالة على ما يعتقدونه حركاتٍ مُنشقةً أو خارجةً عن ( أو على ) تعاليم الكنيسة .

أما البوغوميل أنفسهم فيرونَ أنَّهم يُمثلون النصرانية الحقيقية في صفائها وبعدها عن الوثنية ، وهذا ما أكدته الوثائق التاريخية التي يُحفظ أكثرها اليومَ في دار المخطوطات بمدينة راكوزة ، ومنها وصية كوستارادين التي كتبها سنة 867هـ/1463م و فيها يُسمي أتباعه بالنصارى صراحةً ويصفهم بأنهم نصارى حقيقيون يؤمنون بمذهب الحواريِّين ، و أنَّهم (( لا يأكلون اللحوم ، أما العوام الآخرون فكانوا يأكلون كل ما وقع في أيديهـم ولابد لهم يوماً أن يرجعوا إلى النصرانية الحقيقيّة )) .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة User4313

كما وردت في إحدى الوثائق المكتوبة باللغة التركية سنة 993هـ/1585م عبارات تؤكد أن البُوغُوميل فرقة نصرانية محضة ، وتصف مذهبهم و مِلَّتهم بمذهب النصارى وملة حضرة المسيح ، وأنهم كانوا يعبدون المسيح ? و يقرؤون الأناجيل و يعتبرونها كتبهم المقدسة.

وبهذا يتضح أن البوغوميلية فرقة نصرانية و إن كثرت نقاط الاختلاف بينها وبين الفرق النصرانية الأخرى ، و إذا كانت لها صلةٌ بديانة أخرى غير النصرانية ، فإنها أقرب ما تكون إلى المانوية التي كانت منتشرة في آسيا الوسطى وروسيا ثم عرفت في بلغاريا ، و غيرها من مناطق البلقان .

و من بُلغاريا – مهد البوغوميلية – و صلت عقيدة البوغوميل إلى البوسنة ، و أقدمُ إشارة إلى وصول هذه العقيدة إليها وردت في خطابٍ أرسله كبير أساقفة سبليت ( Split ) في عام 59هـ /1200م ، و ذَكَر فيه أنَّه عندما طرد الهراطقة الباتاريين من سبليت و تروغير ( Trogir ) لجؤوا إلى البوسنة حيث رحَّب بهم البان كولين .

و لمعرفة البوغوميل على حقيقتهم يحسُن أن نتناول بالذكر أصول عقائدهم و مبادئهم الرئيسة التي أهمُّها :

1. حسب اعتقادهم : فإنَّ الله هو خالق الروح وعالم الغيب والخير ، و الشيطان هو خالق المادة وعالم الظاهر والشر، و هنا يظهر مدى تأثُّر هذه العقيدة بالمانويَّة الفارسيَّة التي سبقت الإشارة إليها .

2. كانوا يقولون بالتثليث ويؤمنون بالحساب والجنة والنار .

3. ينظـر البوغوميل إلى المسيـح علـى أنه روح الله وينـكرون عقيدة التجسُّد و يرفضون تبعاً لهذا الاعتقاد كثيراً ممَّا هو معروفٌ عند الطوائف النصرانيَّة الأخرى ، مِثل التعميد ، و الاستنطاق ، و الزواج المُقدَّس ، و يُقِرُّون الزواج خارج الكنيسة و لا يحرمون الطلاق .

4. كتابهم المقدس هو الإنجيل ( المعروف عند النصارى بالعهد الجديد ) وبعض الأجزاء اليسيرة من التوراة ( العهد القديم ) وهو مترجم إلى اللُّغة السلافية باعتبارها لغة الكنيسة البوسنوية .

5. كانوا ينفرون من بعض المظاهر الوثنية التي تغلغلت في طوائف النصرانية الأخرى كالاهتمام بتشييد الكنائس ، و المباني الفخمة ، و تزيينها ، و تعليق الأيقونات و الصلبان و الصور فيها .

6. تميَّز البوغوميل عن أتباع المذاهب النصرانيَّة المعروفة بقِلَّة تعلُّقِهِم بالقُسُس والرُهبان فقد كانوا يؤدون الصلاة - مثلاً - بشكلٍ جماعي في البيوت ، و الحقول ، والغابات بعيداً عن الكنائس و قُسُسِها ، و يعتقدون أن التوبة تكون مباشرةً بين العبد والرب ، بدون استنطاق من القسِّ ، أو طلب الغفران بواسطته.

7. في البوغوميلية طبقة عليا هي طبقة رجال الدين المعروفين باسم كريستاني ( Kristani ) أي : النصارى ، أو ستروينيتسي ( Strojnici ) ، و يوجدون في أماكن خاصة تشبه الأديِرة ، و يُسمَّى الواحد منها هِزَة ، ومن بينهم يتم اختيار رئيس الكنيسة البوسنوية المعروف بينهم بلَقَب ديد ( Did )، وقد عرف عن رجال الدين هؤلاء الانصراف عن الزواج ، وملازمة الزهد والتقشف، إلا أن هذه الصفات ما لبثت أن تلاشت بعد أن انفتحت عليهم الدنيا بحلول القرن التاسع للهجرة / الخامس عشر للميلاد حيث ظهرت عليهم مظاهر النعيم و الترف واتصلوا بقصور النُبلاء وتقربوا إليهم وراعوا مصالحهم الخاصة ، حتى فقد العامة ثقتهم فيهم .

و إذا تأملنا ما عرفناه من عقائد البوغوميل تأكد لدينا أنها عقيدة نصرانية في الأصل ، وإن كان فيها ما يوافق المانوية من حيث تعدد الآلهة ، وبعض ما يوافق الإسلام كالبعد عن مظاهر وثنية كثيرة من قبيل التعلق بالصلبان و النواقيس و غيرها غير أن هذا لا يسوغ بحال ما وقع فيه بعض الكتاب المسلمين ، حينما أدخل البوغوميل في دائرة التوحيد (كذا ) بلا دليل ولا برهان سوى أنهم لا يقولون بالتثليث ، هذا إذا ثبت أنهم لا يقولون بالتثليث أصلاً ، وهي مسألة تجاذبتها الأدلة ولم نقف فيها على مرجح مقبول .

و لا يخفى أن التوحيد الذي يعني إفراد الله بالألوهية و الربوبية ليس مجردَ نفيٍ للثالوث المزعوم عند النصارى فما أكثر من نفى الثالوث وأشرك مع الله مالا يكاد يحصى من الآلهة .

فضلاً على أن البوغوميل يشركون الشيطان مع الرحمن فيقولون:
(( إنَّ الله خالق الروح وعالم الغيب والخير، والشيطان خالق المادة وعالم الظواهر والشر ))

فأيُّ توحيد هذا؟!

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Bosna010

وقد أحسن الأستاذ الدكتور عمر ناكيجيفيتش حين ختم بحثه حول هذه المسألة بقوله : (( إلى جانب اعتقادهم بأن الإله واحد فإنهم يؤمنون بأن صانع العالم ليس واحداً ))، و في هذا إشارة إلى أنَّهم لا يَسْلَمون من الشرك في الربوبيَّة ، فضلاً على الشرك في الأُلوهيَّة .

علاقة الكنيسة البوسنوية بالكنائس النصرانية الأخرى:

حرص كلٌ من الكاثوليك ( و منهم الكروات ) و الأرثوذكس ( و منهم الصرب ) على إخضاع الكنيسة البوسنوية لسلطتهم وجعل رعاياها من البوغوميل تحت سلطان كنيستهم حيث يزعم كل من الطرفين أن البوغوميل فرقـة تابعةٌ له أصلاً ، وإنْ أظهرت بعض الطقوس الهرطقية ( المبتدعة ) ، أو أنهم مُرتدون عن الكاثوليكية أو الأرثوذكسية وعليهم العودة إليها ثانية .

موقف الأرثوذكس من الكنيسة البوسنوية :

تظهر بجلاءٍ في كتابات مؤرخي الصرب عموماً و المُعاصرين منهم على وجه الخصوص ، أحقادٌ مُتأصِّلة في نفوسهم على البشانقة المسلمين ، و أجدادهم البوغوميل من قبل ، و تجلَّت هذه الأحقاد بوضوح في الشعار الذي أعلنه الصرب في حروبهم ضدَّ البوغوميل وهو: (( عودوا إلى حظيرة الرب حتى لايسري عليكم الأمر المقدس )) والمراد بالأمر المقدّس هنـا الإبادة بالحرق أو غيره ، و قد قام الصرب الأرثوذكس بترجمة هذا الشعار على أرض الواقع منذ أن رفعوه فجرَّدوا الحملات العسكرية الواحدة تِلوَ الأُخرى للقضاء على البوغوميل.

و يسوغ الصرب حقدهم هذا بتبني نظرية تاريخية مفادها : أنَّ الكنيسة البوسنوية كانت تابعةً للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ، و قد تكونُ صربيةً انفصلت عن الكنائس الأرثوذكسيَّة الأُخرى واختارت بعض المعتقدات الهرطقية .

و يدافع الصرب بحماس عن هذا الرأي انطلاقاً من حرصهم على إظهار البوسنة تابعةً لصربيا ليس سياسيّاً و حسب ، بل دينيَّاً أيضاً ، و في جوانبها كافَّة و لا سيما الجوهريَّة منها، الأمر الذي نجم عنه شنّ عدة حروبٍ على أهل البوسنة و الإغارة عليهم باستمرار على مرِّ التاريخ لأهدافٍ سياسية تارة ، و دينيةٍ ( تنصيرية ) تارةً أخرى .

و أمام هذا البطش الشديد ، و الفتك العنيف ، اضطُر الآلاف من البوغوميل إلى الانتقال إلى الأرثوذكسية ، وتأكيداً لذلك نجد في رسالة بطريرك إسطنبول غينادي الثاني سكولاريا ، التي بعـث بهـا إلى رهبـان سينـاء عام 856هـ/1453م قوله :

(( إن رئيس الكنيسة الأرثوذكـسية في بلاد الهرسك أرجع الكثيرين إلى المذهب الأرثوذكسي حتى أن هرسك نفسه - أي أمير إقليم الهرسك - أرثوذكسي في ذاته … )) .

فالهرسك إذن ارتدَّ عن البوغوميلية وصار أرثوذكسياً ، وهذا ما يشهد له ما جاء في جواب البطريرك المذكور على إحدى رسائل الهرسك استفان حيث قال : (( إذا أرسل صدقةً فتقبلوها لأنه من صالحه البقاء في المذهب البوغوميلي و لا تذكروا اسمه في الكنيسة لأنه لا يعترف بها علناً ، بل ادعوا له بالخير و ليكن الدعاء في غرفة طعامكم )) .

و على الرغم من عداء الأرثوذكس الشديد للبوغوميل ، فإنه لا يقارن بعداء الكاثوليـك لهم ، حيث كانت الصدامات معهم عنيفةً ودموية إلى أبعد الحدود ، و بخاصةٍ في القرن التَاسع للهجرة / الخامس عشر للميلاد و يُرجَع هذا إلى عدم وجود أطماع سياسية من ناحية صربيا في البوسنة في تلك الفترة بخلاف ما هو عليه الحال من جهة الكروات .

ولذلك يحسن أن نسلط الضوء على علاقة الكنيسة البوسنوية بالبابا والكنيسة الكاثوليكية في القرن التاسع للهجرة / الخامس عشر .

موقف الكاثوليك من الكنيسة البوسنويَّة :

الكاثوليكية عقيدة راسـخة في البلقان عموماً ، يمثلها في البوسنة وماحولها الكروات حيث ينتسب أكثر من تسعة أعشارهم إليها ، و يتمسكون بها و يدعون إليها بحماسٍ شديد .

وعلى الرغم من التعايش المسالم - سواء كان بدافع الرغبة أو الرهبة - الذي عرف عن البوغوميل تجاه الكروات فقد تبنى الكتَّاب الكاثوليك ( و يمثلهم الكروات في المقام الأول ) في مُقابل مزاعم الصرب المتقدِّمة نظريةً مفادها أن الكنيسة البوسنوية كانت في البداية فرعًا من الكنيسة الكاثوليكية و رُبَّما كانت هيئةً ديريَّةً آثرت الانفصال و تبنَّت بعض العقائد و الأفكار الهرطقية .

و تذهب الكنيسة الكاثوليكيَّة أبعدَ من ذلك ، و لا تتوانى في السعي إلى القضاء على البوغوميل واستئصال شأفتهم حيث تنظر إليهم نظرة احتقار ، وتراهم زنادقةً ، بل تُسمِّيهم ( خدم الأبالسة ) و تصفهم بأنهم ( يذهبون في ظلام الليل كاللصوص لصدِّ النصارى عن دينهم الحقيقي ( .

و من هنا كان موقف البابوية ( المرجعية الدينية لكاثوليك العالم ) سلبياً من البوغوميل كما يظهر من وثائق الفاتيكان و الوثائق الخـاصة بالكنيسة البوسنويـة التي يحفظ جلها في دار المخطوطات بمدينة راكوزة .

و من بين تلك الوثائق تبرز وثيقة منسوبة إلى البابا غورغو الكبير و ترجع إلى القرن العَاشر للهجرة / السادس عشر للميلاد ، و هي تعكس صورة البوغوميل في نظر الكنيسة الغربيـة ، حيث جاء فيها : (( أيتها الكنيسة البوسنوية التعيسة التي لا يهطل على أرضها غيثٌ ولا ندى ، من أين ستأتين بالمحصول الوفير ، و من أين ستطعمين هذا العدد الكبير من الزنادقة…) .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Saraje10

فهـم زنادقةٌ في نظر الكاثوليك ، وكفى بهذا مبرراً للعمل على استئصال شأفتهم ، فضلاً عن أن البوسنويِّين كثيراً ما كانوا يستثيرون خصومهم حينما يزعمون أن مذهب البوغوميل هو النصرانية الحقيقية التي كان عليها حواريو المسيح ? ، مما يؤلب الكاثوليك ( الكروات ) ضدهم ويوغر صدور الأعداء عليهم .

و أمام كثرة مطالبة كاثوليك المنطقة باباوات روما بالتدخل للحد من اتساع نفوذ الكنيسة البوسنوية ، بدأ التخطيط لحرب صليبية حاسمة ضد البوغوميل ، و ظهرت إرهاصاتها عندما بعث الأمير فوكان ابن الملك ستيفان ملك دالماسيا عام 595هـ/1199م رسالة إلى البابا انيوجينيتيه يشكو إليه فيها من (( انبعاث ديانة فاسدةٍ تنتشر في البوسنة بشكل فظيع )) و يضيف قائلاً (( إن كولين بان البوسنة وكثيرٌ من أقربائه قد انتسبوا إليها و عملوا على إضلال أكثر من عشرة آلاف نصراني )) .

و عندها انطلقت الشرارة الأولى للمواجهة العنيفة بين البوغوميل والكنيسة الكاثوليكية ، حيث سمى البابا المذكور أهل البوسنة ( باتارين ) أي : ضالين ، وطلب إلى ملك المجر (ميركو) إبادتهم جميعاً بدعوى أن خطرهم يهدد المجر ومذهبها الديني .

و أمام هذا الضغط و التهديد اضطر زعماء البوسنة ( كولين و أقرباؤه ) إلى التخلي عن الديانة البوغوميلية و تعهدوا أمام مندوب البابا الرسولي إلى البوسنة سنة 1203م بإقامة الكنائس و دور العبادة في كل مكان، ونصـب الصلبان فيها، وقراءة الكتب المقدسة ، كما أعطوا تنازلاً آخر أطلقوا بموجبـه على أنفسهم اسم ( الأخوة ) بدلاً من النصارى كي لا يقلِّلوا من شأن النصارى الآخرين ، و للحد من استثارة خصومهم ، و لكن هذه الحال لم تدم طويلاً .

و أمام تمكن مذهب البوغوميل ورسوخه في البوسنة ، ازداد حرص الكنيسة الكاثوليكية على التصدي له ، مما سبب للبشانقة اضطهادًا و عنتاً شديدَيْن حيث أخذ باباوات روما يُؤَلِّبون الملوك ضدهم ، و من ذلك ما جاء في رسالة البابا جون الثاني و العشرين التي بعث بها إلى ملك البوسنة قائلاً : (( إلى ولـدنا الحبيب الحسيب استيفن بان البوسنة ! لعلمنا بأنك ابنٌ مُخلصٌ للكنيسة نعهد إليك أن تستأصل شأفة الخوارج في ملكك، وأن تبذل العون والمساعدة لقاضينا فابتيان ، لأن جمهوراً عظيماً من الخوارج تجمعوا من نواح كثيرة متعددة ، و تدفقوا جميعاً على إمارة البوسنة واثقين من أنَّهم سيُبرزون هناك خـطاياهم الفاحـشة ، و يعيشون في أمن و دَعَة ..)) .

و أخذ باباوات روما يدعون إلى حرب صليبية ضد البوغوميل ، لاسيما هنوريوس الثالث 617هـ/1221م وجوريجبوري التاسع سنة 635هـ/1238م وإنوسنت الرابع في سنة 637 هـ / 1240م ، وتلا ذلك تأسيس ديوان التفتيش سـنة 1291م ، ناهيك عمَّا جرى بعده من تعذيب كنسي قامت به الفئات الكاثوليكية الحاكمة للشعب البوغوميلي بدعم من البابويَّة في روما ، ممَّا حمل نحو أربعين ألفاً منهم على لهجرة إلى البلاد المجاورة ، أما الذين لم يستطيعوا الهرب ، فقد أُرسلوا إلى روما مُكبَّلين في الأصفاد .

وهكذا نرى أن البوغوميل ظلُّوا يعانون من الاضطهاد و يُقاسون القمع بين حجري الرحى ( الصرب و الكروات ) حتى بزغت شمس الإسلام في بلادهم فكانت بداية التحرر والتمكين لهم .

المطلب الثالث : الإسلام في البوسنة و الهرسك :

كـان الإسلام و لا يزال إحـدى الديانات المعروفة في البوسنة منـذ عشـرة قـرون أو يزيد و إن كان أتباعه متفاوتين في العَدد بين فترةٍ و أخرى ، أو بين جيلٍ و جيل قبل أن يبلغوا الصدارة في ظل الخلافة العثمانية حيث ازدادت نسبتهم أمام تراجع أعداد أتباع الديانات الأُخرى ، تحت تأثير الهجرة تارة ، و الدخول في الإسلام بأعداد كبيرة تارةً أخرى ، إضافة إلى التناسل الخصب بين المسلمين دون غيرهم .

و إذا استحضرنا هذه المعلومات و تلك التي أوردتها في آخر النبذة الجغرافية عن البوسنة و الهرسك قبلاً فإنَّنا سنلحظ بوضوح أنَّ نسبة المسلمين بين سكان البوسنة كانت في ارتفاع مستمر خلال حقب التاريخ المتتالية ، باستثناء الأزمنة التي كان المسلمون فيها عرضةً لحملات التهجير و القمع و الإبادة الجماعيَّة و الأوضاع المأساوية .

و هذه كلُّها مُسلَّمات لا مُنْكِر لها و لا خلاف حولها ، بَيْدَ أنَّ في الباب مسألتين طال حولهما الجدل :

أولاهُما : طريقة وُصول الإسلام إلى البوسنة و ضبطُ ذلك تاريخياً .

و ثانيتهما : أسباب الانتشار السريع و الاقبال منقطع النظير على اعتناق الإسلام لدى البشانِقة .

و نظراً إلى أهميَّة البحث في هاتين المسألتين ، فإني سأتناولُ ، أولاهما بالبحث التاريخي ، و أخراهما بالدراسة التحليلية مُلتمساً إصابة الحقيقة و مبرهناً عليها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً من خلال البحث في المقاصد التالية :

المقصد الأوَّل : إسلام الصقالبة قبل الفتح العُثماني للبلقان :

البوسنة و الهرسك دراسة عامة 411px-11

دأب كثـير من الباحثين علـى القول : إنَّ الصـقالبة قد عَرفوا الإسـلام منذ القــدم و تفاعلوا معه حتَّى إنَّ بعضهم دخل في دين الله قبل وصول العثمانيين إلى البلقان بقرون ، بل ربما كان بعض الصقالبة قد أسلم و هو في موطنه الأصلي و مات على الإسلام أيام الدولة العباسية و قبل أن تقوم للعثمانيين قائمة أو تكون لهم دولة أصلاً .

و كان أول ظهور الإسلام في البلقان عند وصول الفاتحين الأوائل إلى القسطنطينية في العامين الأخيرين من القرن الهجري الأوَّل / 717-718 م بقيادة مسلمة بن عبد الملك الذي فتح مدينة غالاتا ، و بنى فيها أوَّل مسجد ، و هو المسجد الشهير المعروف بمسجد العرب ، الذي حوَّله البيزنطيون إلى كنيسة و ظل كذلك حتى دخل العثمانيون المدينة فأُعيد مسجداً من جديد ، و كان المسلمون قد وصلوا بقيادة مسلمة إلى أدرنه ( Edirne ) و سولون ( Solun ) فيما يعتبر أولَ حملة يقومون بها إلى شبه جزيرة البلقان.

و يَرى بَعضُ مُؤَرِّخي المنطقة أنَّ النواة الأوَّلى لمسلمي البلقان كوَّنـها أولئك المسلمون المهاجرون من آسيا أيام الملك البيزنطي توفيل ( توفي سنة 214هـ/842م ) الذين استقروا في منطقة سولون الواقعة ضمن حدود اليونان المعاصرة ، على ضفاف نهر وردار ، حيث نُسِبَ هؤلاء المسلمون إليه فيما بعد فعرفوا باسم المسلمين الوَرْدَارِيِّين ، و بالرُغمِ من أنَّ الكثيرين من الكتاب قد أغفلوا هذا الحدث فإنَّ معظمهم يشيرون إلى حدث أهم و أكثر وضوحاً في هجرة المسلمين من آسيا إلى البلقان و هو نبأ ساري ساتلوك المهاجر الصقلبي الذي غادر بلاط ملك التتار نوغـاي مهاجراً إلى البلقـان مع نحو أربعين قبيلة تركمانية استقـرت في دوربرودا (Dorbruda ) وكان له دور كبير في نشر الإسلام بين البلقانيين .

و من جُملة الروايات التي تناولت هجرة الصقالبة إلى البلقان ، يظهر أنَّ كثيراً من البوشناق وصلوا إلى المنطقة ، و هُم يحملون معهم عقيدة الإسلام ، حيث اعتنقه بعضهم قبل الهجرة إلى المنطقة التي تُشكِّل البوسنة و الهرسك اليوم ، و إن لم تكُن تعاليمه قد رسخت تماماً في نفوسهم .

و بغضِّ النظر عن كيفيَّة وصول المسلمين ، فإنَّ المهم أنَّهم كانوا موجودين فعلاً في المنطقة ، و خاصة على سواحل البحر الأدرياتيكي (( فقد حدث أن طلب لويس الثاني في المغرب المعونة من باسل المقدوني ضد المسلمين، فأرسل الإمبراطور البيزنطي سنة 254هـ / 868 م أسطوله الذي عمل على تطهير الأدرياتي من المسلمين )) ، مـمَّا يؤكِّد وُجودهم في البوسنة وما حولها قبل ذلك ، و أنَّه كان لهم كيانٌ لا يُستهان به .

أمَّا المراجع التاريخيَّة العربية فنادراً ما تشير إلى الصقالبة أو البلقان ، أو أحوال المسلمين في تلك الديار النائية ، و من هذا النادر أقتطف الأحداث الثلاثة التالية :

أولاً: رحلة ابن فضلان إلى بلاد الصقالبة :

يذكر أصحاب التاريخ أن الخليفة العباسي المقتدر أرسل بعثةً تضم عدداً من علماء المسلمين في الشؤون الدينية و الدنيوية إلى بلاد الصقالبة لنشر الإسلام و الدعوة إليه في أرجائها ، و تحصينها من هجمات يهود الخزر الغادرين .

و خير من يروي أخبار هذه البعثة أحمد بن فضلان العباسي الذي أوفده المقتدر معها فكتب عنها رسالة مستفيضة ، ذكر في مطلعها أنَّ ملك الصقالبة ألمش بن يلطوار طلب إلى أمير المؤمنين المقتدر بالله أن يرسل إليه من يفقهه في الدين و يعرفه الشرائع ، و يبني له مسجداً و ينصب له منبراً يقيم عليه الدعوة للخليفة في أنحاء مملكته ، و سأله أن يبني له حصناً يتحصـن به من ملوك الخـزر اليهود فأجاب الخليـفة المقتدر طلبه، وانتدب ثلاثة آلاف من المسلمين ما بين فقيه و عامل و طبيب و صانع ، ليفدوا عليه في بلاده بما أراد ، و أمَّر عليهم سوسن الرسِّي، و أردفه مترجماً من الترك ، و فقيهاً من العرب هو أحمد بن فضلان مؤرخ الرحلة .

انطلقت الرحلة من بغداد لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر الخير سنة 309هـ/ 21 حزيران عام 921م وسارت شهراً وبضعة أيام.

يقول ابن فضلان : (( فلما كنَّا من ملك الصقالبة - و هو الذي قصدنا - على مسيرة يوم و ليلة وجَّه لاستقبالنا الملوك الأربعة الذين تحت يده ، و إخوته و أولاده ، فاستقبلونا و معهم الخبز و اللحم والجاورس، و ساروا معنا، فلما صرنا منـه على فرسـخين تلقانا هو بنفسه ، فلما رآنا نزل فخرّ سـاجداً شـكراً لله جـل وعزّ، و كان في كمه دراهم فنثرها علينا ، و نصب لنا قباباً فنـزلناها .

و كان وصولنا يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة عشرة و ثلاثمائة من الهجرة / 22 أيار 922 للميلاد … فأقمنا في القباب التي ضُربت لنا حتى جمع الملوك و القُوَّاد و أهل بلده ليسمعوا قراءة الكتاب ... فأخرجت كتاب الخليفة فقرأته )) .

و يذكر ابن فضلان أنَّ ملك الصقالبة سأله : ما اسم مولاي أمير المؤمنين ؟
قال : قلت : جعفر .
قال : فيجوز أن أتسمى باسمه ؟
قلت : نعم .
قال : قد جعلت اسمي جعفراً واسم أبي عبدَ الله، فتقدَّمْ إلى الخطيب بذلك ! فَفَعَلْتُ، فكان يدعو له : (( اللهم أصلح عبدك جعفر بن عبد الله أمير البلغار مولى أمير المؤمنين … )) .

قال ابن فضلان : (( و كان يدعو له على منبره قبل قدومي : اللهم أصلح الملك يلطوار ملك البلغار ))
قلت : و حسبنا من خبر ابن فضلان ما أوردناه ، و كفى بما فيه دلالة على أن الصقالبة عرفوا الإسلام قبل نهاية القرن الثالث للهجرة / العاشر للميلاد ، و أقبلوا عليه بشغف ، حتى تمكن من أفئدتهم و ديارهم ، و من تأمل كلام ملكهم يلطوار وقف على حقيقة رسوخ الإسـلام في نـفوس الصقالبة و تعلـقهم به ، و توقيرهم كل مـا جـاء به، وفتح ديارهم وبلادهم أمام دُعاته، مما يؤكد الحقيقة التاريخية القائلة : إنَّ كثيراً من مناطق الصقالبة قد دخلها الإسلام و انتشرت فيها المساجد و المكاتب الدائمة و العادات الإسلامية حتى في الزيّ والمقابر قُبيل القرن الرابع للهجرة / العاشر للميلاد.

ثانياً : ذِكر ياقوت الحمويّ للباشغرديَّة :

علاوةً على ما ذكره ياقوت الحموي في كتابه الشهير ( معجم البلدان ) من احتكاك التجار العرب و المسلمين بالصقالبة في البلاد التي وصلوا إليها ، حيث (( إن تجار المسلمين كانوا يقصدون بلاد الصقالبة بأنواع التجارات )) كان بعض الصقالبة المسلمين يفدون إلى بلدان العالم الإسلامي لأهداف عديدة ، فقد أورد ياقوت و صفاً دقيقاً لاجتماعه بنفرٍ من الصقالبة الذين وفدوا على بلاد الشام طلباً للعلم فقال :

(( وجدت بمدينة حلب طائفة كثيرة يقال لهم الباشغردية ، شقر الشعور و الوجوه جداً ، يتفقهون على مذهب أبي حنيفة ? ، فسألتُ رجلاً استعقلته منهم عن بلادهم و حالهم فقال : أما بلادنا فمن وراء القسطنطينية ، في مملكة أمة من الفرنج ، يقال لهم: الهنكر ، و نحن مسلمون رعية لملكهم في طرف من بلاده نحو ثلاثين قرية ، كل واحدة تكاد أن تكون بليدة ، إلاّ أن ملك الـهنكر لا يمكننا أن نعمل على شيء منها سوراً خوفاً من أن نسعصي عليه ، و نحن في وسط بلاد النصرانية ، و لساننا لسان الإفرنج ، و زينا زيهم و نخدم معهم في الجندية ، و نغزو معهم كل طائفة ، لأنهم لا يقاتلون إلا مخالفي الإسلام .

فسألته عن سبب إسلامهم ، مع كونهم في وسط بلاد الكفر ، فقال : سمعت جماعة من أسلافنا يتحدثون أنه قدم إلى بلادنا منذ دهر طويل سبعة نفر من بلاد البلغار ، وسكنوا بيننا، وتلطفوا في تعريفنا ما نحن عليه من الضلال، و أرشدونا إلى الصواب من دين الإسلام، فهدانا الله والحمد لله فأسلمنا جميعاً، وشرح الله صدورنا للإيمان، و نحن نقدم إلى هذه البلاد، ونتفقه، فإذا رجعنا إلى بلادنا أكرمنا أهلها وولونا أمور دينهم .

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Recove10

فسألته : لم تحلقون لحاكم كما تفعل الإفرنج ؟ فقال : يحلقها منَّا المتجندون، ويلبسون لبسة السلاح مثل الإفرنج، أما غيرهم فلا. قلت : فكم مسافة ما بيننا و بين بلادكم ؟ فقال : من هاهنا إلى القسطنطينية نحو شهرين و نصف ، و من القسطنطينية إلى بلادنا مثل ذلك )).
يتبع إن شاء الله...


البوسنة و الهرسك دراسة عامة 2013_110


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الخميس 09 يونيو 2011, 6:34 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

البوسنة و الهرسك دراسة عامة Empty
مُساهمةموضوع: رد: البوسنة و الهرسك دراسة عامة   البوسنة و الهرسك دراسة عامة Emptyالخميس 09 يونيو 2011, 4:46 am

ثالثاً: زيارة الرحالة المسلم أبي حامد الغرناطي لمنطقة البلقان:

يذكر بعض الباحثين أن عدداً من الدعاة المسلمين وصل إلى منطقة البلقان قبل تسعة قرون تقريباً ، و من هؤلاء الرحالة المسلم أبو حامد الغرناطي ( ت 565هـ/1169م ) حيث زار المجر و تولى مشيخة الإسلام فيها ، و كان له نشاط و جهدٌ عظيم بين أبنائها و قد توغل في تلك البلاد فوصل إلى ( بشغرديا ) سنة 54هـ /1150 م ، و زوّج ابنه من إحدى بنات أعيانها.

و تعتبر رسالة ابن فضلان المتقدِّمة الذكر ، و مقابلة ياقوت السالفة الذكر – على وجه الخصوص - وثيقتين واضحتي الدلالة على أنَّ الإسلام وصـل إلى بلاد الصقالبة قبل الفتح العثمـاني بقـرون طويلة و هذه الحقيقة بشواهدها التاريخية الثابتة ، و دلالتها الجلية على السبق الإسلامي في المنطقة تدفع دعاوى كتاب الغرب المتحاملين بـما لا يسعهم ردُّه ، و ليس بمقدورهم أن يأتوا بمثله ، فإذا انكشف تلبيسهم ، و سقطت دعواهم التي مؤدَّاها أنَّ الإسلام قد انتشر في أوروبا بالسيف ، تقرر لزاماً أنَّ الإسلام قد انتشر بمبادئه لا بـمعاوِله كما يُلبِّس الأعداء .

فكيف وصلت هذه المبادئ إلى البلقان، وكيف تلقَّاها الصقالبة وارتضوها؟

يذكر المؤرخون أنَّ الصقالبة القدماء احتكوا بالعرب و المسلمين المُشتغلين بالتجارة و عمل بعضهم في بلاط السلاطين زمناً أتاح لهم الفرصة للتعرف على الإسلام و الوقوف عليه عن كثب ..

يقول الأستاذ رونسو : (( إن بعض المناطق اليوغسلافية عرفت الإسلام في وقت مبكر جداً ، و ذلك على إثر فتح المسلمين لجزيرة صقلية ، و بعض مناطق البحر المتوسط الأخرى ، فقد وصلوا إلى البحر الأدرياتيكي – المطل على يوغسلافيا – و إذا أضفنا إلى ذلك مكوث عدد كبير من أهل هذه المنطقة – يوغسلافيا – في بلاط الحكام الأندلسيين فإنه يمكن القول : إن جذور الإسلام قد زرعت مباشرة على يد العرب المسلمين ، و إن العديد من المناطق اليوغسلافية عرفت الإسلام منذ أكثر من اثني عشر قرناً )).

و قد يكون هؤلاء المسلمون الأوائل قد عملوا على بث الدعوة الإسلامية بجهودهم الذاتية ، و حببوا الإسلام إلى قلوب الناس بالحكمة و الموعظة الحسنة مكونين جماعات إسلامية على شكل واحات جميلة في شبه جزيرة البلقان سعدت بتعاليم الإسلام فذاع صيتها ، حتى زارها العلماء العرب المسلمون من مؤرخين و جغرافيين و اقتصاديين مما زاد من احتكاك مسلمي تلك الديار بالعرب و التمكين للإسلام في بلادهم .

و لاريب في أن هذا الاحتكاك و التلاقي بين العرب و الصقالبة كانا مقترنين بالحركة التجارية تارةً ، و بالحملات الدعوية فرديةً و جماعيةً تارةً أخرى ، و رُبَّما أسهم في ذلك التقاء الطرفين في المعارك و الحروب سواءً كان لقاؤهم لقاء مواجهة أو لقاء مناصرة .

قال ياقوت : (( إنَّ تجار المسلمين كانوا يقصدون بلاد الصقالبة بأنواع التجـارات )) و ربما كان من هذه الأنواع تجارة الرقيق و غيرها مما كان يربط دوبروفنيك بالبلاد الإسلامية الواقعة على حوض البحر المتوسط .

و قد كان اسم الصقالبة يُطلق على الأسرى من الأمم السلافية في العصور الوسطى و كان معظمهم يؤتى بهم أطفالاً بواسـطة أقطاب تجارة الرقيق من اليهود و يبيعونهم للعرب ، ليخدموا في بلاط الخُلفاء ، و من ثمَّ كانوا يعتنقون الإسلام ، و يتعلَّمون اللغة العربية .

و ما دمنا قد ذكرنا الرقيق فمن المناسب أن نشير إلى سبب رئيسي في وجودهم هو الجهاد في سبيل الله الذي يعتبر المصدر الأوَّل بل الأوحد لحيازة الرقيق ابتداءً في الإسلام فقد اصطدم العرب بالصقالبة مراراً أثناء الحروب الإسلامية البيزنطية و نتج عن ذلك وقوع كثير من الصقالبة في الأسر ، و اتخاذ الرقيق منهم .

يقول الأستاذ أشرف المهداوي : (( في عهد الخلافة الراشدة قابل المسلمون جنود الصقالبة مكبَّلين بالسلاسل – على ما هو مبسوط في مواضعه من كتب التاريخ – فأسروا منهم الكثير ، ومن الأسرى من أسلم بعد ذلك وحرر وعاد إلى قومه .

و في أيام الدولة الأموية تأكدت الصلة بهروب مجموعة من مُقاتِلة الصقالبة ، و انضمامهم إلى قوات المسلمين ، التي كانت تخرج مرتين في السنة ، في الصيف و الشتاء … فيما يعرف بـالصوائف و الشواتي بعد عام 43هـ/664م … و بعد ذلك - إبَّان اشتعال الحروب بين الأمويين و البيزنطيين – هربت مجموعة تقدر بعشرين ألف جندي من جيش جستنيان الثاني ، و انضمت إلى جيش المسلمين عام 73هـ/692م ، ثم رحل هؤلاء إلى الشام و اندمجوا مع العرب ديناً و جنساً و لغةً )) .

و من الباحثين من يعزو نسب قبيلة ( الجبالية ) المقيمة في جبل موسى حول دير ( سانت كاترين ) بسيناء إلى الصقالبة ، و يقول إنهم قدموا بأمر القائد البيزنطي ( جستنيان ) مع أسرهم لحراسة الدير ، حتى إذا ما فتح المسلمون مصر ، أسلموا و عاشوا مع العرب، وتعلموا لغتهم، فضلاً عمّن هرب منهم قبل ذلك، حيث يذكر – كما تقدّم - أن عشرين ألف صقلبي فروا من جيش ( جستنيان ) ليلحقوا بصفوف المسلمين مؤازرين و مناصرين ، و لا شك أن أكثرهم قد أسلم بعد ذلك و أن منهم من استقر في الشام ، و منهم من خرج يجاهد في الطلعات الإسلاميّة، ويرشد إلى مثالب البيزنطيين، و ربما عاد من هؤلاء الصقالبة أقوام إلى مواطنهم في البلقان و آسيا الصغرى للتجارة ، أو الزيارة أو الدعوة إلى الإسلام في بلادهم الأصليًة ، و بلغات أقوامهم.

بينما نال من بقي منهم الحظوة عند حكام المسلمين و القربى على بلاط السلاطين ، حيث كان جماعة كثـيرة من الصقالبـة يعملون في خدمة الخـلفاء الأمويـين بالأنـدلس، منهم الحاجب جعفر بن عثمان المُصْحَفِيّ الصقلبي وزير المستنصر بالله ، و غيره ، حتى كان الملوك يأخذون البيعة منهم أولاً، وهؤلاء يأخذونها ممّن وراءهم.

أما في البلاط العبَّاسي فكفى للدلالة على حَظوة الصقالبة أن ( مُخَارق ) أمّ المستعين العباسي كانت صقلبية .

و بالنظر إلى هذه الشواهد ، إلى جانب الحملات الدعوية التي قام بها العرب المسلمون إلى البلقان كبعثة المقتدر و غيرها – تتضح لنا بجلاء حقيقة العلاقة بين العرب و الصقالبة ، التي أثرت و لا ريب في نشر الإسلام و إرساء دعائمه في المنطقة حيث البوسنة و الهرسك و ديار صقالبة الجنوب الأخرى ، و ما من شك في أنَّ التمكين للإسلام هناك قد أتاح السبيل أمام عدد لا بأس به من العرب التجار و الدعاة و غيرهم للاستقرار في المنطقة ، و الظهور فيها ، حتى إنهم بحسب ما يقرره مؤرخو الغرب قد حكموا بعض أقاليم البلقان حكماً مباشراً ، بما في ذلك بعض مناطق الهرسك و الجبل الأسود قبل عشرة قرون من الزمن على الأقل .

و قبل أن أختم الحديث عن إسلام الصقالبة ، أودُّ أن أؤكِّد حقيقتين تاريخيتين هما :

الأوَّلى : أن إسلام الصقالبة الأوائل ( قبل الفتح الإسلامي لبلادهم )

لم يتجاوز الحدود الشخصية و الفردية ، حتى و إن كان بين أوائل الصقالبة المسلمين وجهاء ونبلاء وملوك ، كملك البلغار و بعض خاصته و حاشيته ، فإنه من غير المتصور أن يكون هؤلاء قد حولوا بلادهم إلى بلاد إسلامية أو تكون ديارهم ديار إسلام بالمعنى الشرعي لدار الإسلام ، ذلك لأن اسم المملكة في القرون الوسطى كان يطلق تجاوزاً على أية مجموعة بشرية مستقلة و إن قلّ أفرادها أو انزوت في رقعـة ضيقة من الأرض .

والثانية : أن مسلمي الصقالبة الأوائل اندثرت معالمهم و تلاشت آثارهم قبل وصول طلائع الفتح الإسلامي إلى بلادهم ، و هذا ما تؤكده الوثائق التاريخية ، حيث لم يبق في البلقان و جود يذكر للمسلمين عند وصول العثمانيين إلى البلقان ، ممَّا يجعل انتشار الإسلام في المنطقة يبدأ بعد الفتح من درجة الصفر تقريباً ، ثمّ ينطلقُ بقوَّة فلا يلبثُ أن ينتشر في كُلِّ مكان و يبلغ الصدارة في عدد أتباعه بين سكان البوسنة على وجه الخصوص .

المقصد الثاني : إسلام البشَانِقة بعد الفتح العثماني للبوسنة :

ثمة حقيقة أثبتها مؤرخو الغرب و الشرق جميعاً ، هي أن الإسلام انتشر في البوسنة انتشاراً واسعاً في ظل الحكم العثماني للمنطقة ، و لا يعني انتشاره الواسع النطاق أنه كان بشكل جماعي في فترة زمنية وجيزة كما يُردِّدُ بعض الكتَّاب الغربيين- مما قد يوحي بأنه تم قسراً و قهراً - بل على العكس من ذلك (( لم يكن العثمانيُّون يُشجِّعون أيَّ خِطَّة أو برنامج لتحويل الشعوب النصرانيَّة تحوُّلاً جماعيَّاً إلى الإسلام )) فقد استمر المد الإسلامي في البوسنة قرنين من الزمن على الأقل ، حتى بدت ملامحه جليةً و ظهر أتباعه بوضوح كتجمع كبير إلى حدٍ ما .

و إذا أردنا الوقوف على حقيقة إقبال الناس على الإسلام أيام الحـكم العثماني للبوسـنة فإن أوثق مصدر يمكننا الرجوع إليه هو الوثائق المحـفوظة في السـجـلات ( الدفـاتر ) العثـمانـية المتعـلقة بالمنطـقة ، و التي تحـوي إحصاءات دقيـقـة ، و تفاصيل وافية حول أعداد السكان بحسب انتمائهم الديني في ظل الخلافة .

و نظراً إلى أنّ هذه السجلات تعد المرجع الأكثر دقّةً ، و تعطي الصورة التقريبيَّة الأكثر وضوحاً لانتشار الإسلام المتدرج في البوسنة فقد عكف عدد من العلماء المعاصرين على دراستها و تحليلها ، و من مجموع تلك الدراسات يمكن أن نخلص إلى نتائج من أبرزها :

1. أن النصارى الكاثوليك كانوا أكثر من غيرهم إقبالاً على دخول الإسلام .

2. أن انتشار الإسلام في مدن البوسنة و الهرسك كان أوسع و أسرع من انتشاره في المناطق الريفية .

3. أن أعداد المسلمين في البوسنة في الغالب ظلّت تتراوح بين خمسٍ و عشرين ، و خمس و أربعين بالمائة من مجموع السكـان منذ قيام كيانهم إلى يومنا هذا باستثنـاء السنوات الأوَّلى من الحكم العثماني للبوسنة حيث بدأ انتشار الإسلام بطيئاً و متعثراً في أول الأمر .

و فيما يلي خلاصة لبعض تلك الدفاتر من دلائل و إحصاءات ذات صلة بالانتشار التدريجي للإسلام في البوسنة .

? الدفتر الأوَّل : هو أقدم الدفاتر المحفوظة حيث يعود تاريخه إلى ما بين عامي 872 و 873 هـ / 1468 و 1469 م ، و يُغَطِّي وسط البوسنة و شرقها ، و يظـهر من خلاله أن انتـشار الإسـلام كـان محـدوداً في السنوات الأوَّلى مــن الفـتح حيـث كان للنصارى سبعٌ و ثلاثون ألفاً و سبعمئة و خمس و عشرون داراً ( أي أسرة ) وتِسعة آلاف عازبٍ وأرمل بينما بلغ عدد دور المسلمين ثِنتين و ثلاثين و ثلاثمئة دار فقط ، أي أن عدد المسلمين لم يكن قد بلغ العشرة من الألف على الرغم من مرور سبعة أعوامٍ تقريباً على الفتح .

? الدفتر الثاني : يرجع تاريخه إلى عام 88هـ / 1485م و يغطي منطقة البوسنة كامِلةً ، موضحاً ارتفاع نسبة المسلمـين فيها إلى 12 بالمئة تقريباً حيث بلغ عدد دورهم (أسرهم ) واحداً و أربعين ألفاً و أربعةً و ثلاثين داراً ، إضافةً إلى ألفٍ و أربعمئة و ستين فرداً ( بين عازب و أرمل ) ، بينما انخفض عدد دور النصارى إلى ثلاثين ألفاً و ثلاثمئة و اثنتين و خمسين داراً ، و عدد أفرادهم إلى أربعةِ آلاف و مئتين و اثنين و تسعين فرداً.

? الدفتر الثالث : يرجع تاريخه إلى عام 89هـ / 1489م أي بعد سابقه بأربع سنوات فقط ، و بحسب ما فيه تبلغ نسبة المسلمين (15.5 بالمئة ) بالنظر إلى عدد الدور ، وضِعفَ هذه النسبة بالنظر إلى عدد العازبين والأرامل!! حيث كان للمسلمين أربعة آلاف و خمسمئة و خمسٌ و ثمانون داراً ، و عشرون ألفاً و ثلاثمئة و ثمانية و عشرون فرداً ، بينما بلغ عدد دور النصارى عشرين ألفاً و خمسمئة و تسعين داراً ، و خمسة آلافٍ و ثلاثمئة و ثمانية و خمسين فرداً ( بين عازب و أرمل ).

? الدفتر الرابع : يشمل إحصاءاً تم تقييده عام 934هـ/1528م - أي بعد ستةٍ و ستين عاماً من الفتح – و جاء فيه أن عدد دور المسلمين تضاعف أربع مرات تقريباً عمـَّا كان عليه عام 894هـ/1489م ليبلغ ستَّة عشر ألفاً و تسعمئة و خمساً و ثلاثين داراً مما يشير إلى ازدياد انتشار الإسلام مع ظهور الجيل الثاني من أجيال البوسنة الإسلامية.

و هكذا نجد أن انتشـار الإسلام في البوسنة كان تدريجياً ، بل بطيئاً نوعاً ما بالمقـارنة مع سـرعة انتشاره فــي منـاطـق أخرى فتحـها المسـلمون كالشام و العراق و المغرب و الأندلس و هذه حقيقة غفل عنها كثير من الباحثين و أعرض عنها آخرون ليسوغوا زعمهم بأن الإسلام انتشر قسراً بقوة السيف مما أدى إلى تحول البشَانِقة بشكل جماعي و فجائي من النصرانية إلى الإسلام بحسب زعمهم .

و يظهر من استقراء الدفاتر العثمانية ، و تاريخ الفتوح الإسلامية في البوسنة أن سرعة انتشار الإسلام فيها كانت متأثرة بشكل مباشر بحركة الفتح (( وبما أن هذه الفتوحات كانت تحدث بالتدريج وعلى مراحل فإن انتشار الإسلام كان يحدث على مراحل أيضاً )).

أضف إلى ذلك بعض العوامل الأخرى التي أثرت بدرجات متفاوتة في سرعة انتشار الإسلام ، و من أهمها :

1. التنوع الديني في البوسنة:

حيث كان انتشار الإسلام بطيئاً في المناطق التي تنتشر فيها الخلافات الدينية ، بينما كان أسرع انتشاراً فيما عداها .

2. القرب و البعد من المراكز الإدارية و العسكرية للمسلمين العثمانيين .

3. انتشار المؤسسات الإسلامية و ازدياد عدد العلماء و الدعاة المسلمين .

إلى غير ذلك من العوامل ذات الأثر المباشر و غير المباشر في سرعة انتشار الإسلام .

و لاشك في أن هذه العوامل قد تفاعلت مع شغف البشَانِقة الذي دفع بهم نحو الإسلام بعد أن رأوا فيه ضالتهم المنشودة ، فأقبلوا عليه زرا فات و وحداناً تحدوهم في ذلك جملة من البواعث الذاتية و الأسباب الموضوعية و منها :

أوَّلاً: ملائمة الإسلام بعقائده وشرائعه الفطرة البشرية، والاقتناع الشخصي به كسبيل صلاح و إصلاح (( نتيجة للتفاعل العميق و الطويل الذي جرى بين المسلمـين و النصارى في البلقان ، لاسيما أن النموذج العثماني في العصر الأوَّل كان يتمتع بخصائص و مواصفات كانت في غاية الروعة و القوة و المجد ، و كانت عامل جذب لعشرات الآلاف من نصارى البلقـان و عموم أوروبـا للتحول إلى الإسلام )) .

ثانيـاً : انتشار عقيـدة البُوغُومِيل بين نصـارى البوسنة ، مـن خـلال مـا يسـمى ( الكنيسة البوسـنوية ) و قد مهد وجود هذه الكنيسة لانتشار الإسلام من جوانب عدة أبرزها:

? وجود بعـض التشـابه – على الرغم من كونـه ضعـيفاً و محدوداً – بين تعاليم البُوغُومِـيل و المبادئ الإسلامية، مثل:

1. البعد عن بعض مظاهر الوثنيَّة كالتعلق بالنُصُب و القبور و غيرها ، و هذا يُوافق ما جاء عن نبينا ? من النهي عن اتخاذ القبور مساجد .

2. البعد عن تزيين المعابد و الاهتمام الزائد بها .

3. أداء الصلوات و سائر العبادات في أيِّ مكان ، و عدم اشتراط أدائها في الكنائـس ، و هذا يوافـق قول النبيِّ ? : (( و جُعِلت ليَ الأرض مسجداً و طهوراً )) .

4. إباحة الطلاق و حَلِّ العلاقة الزوجية خلافاً لما عليه المذاهب النصرانيَّة الأخرى .

05 إهمال رجال الدين البُوغُومِيل شؤون رعاياهم و ضعف الروابط الدينية فيما بينهم .

06 حداثة تعاليم الكنيسة البوسنوية وعدم رسوخها في بلاد و نفوس أتباعها عند وصول الإسلام .

فلا غرو إذن أن ينتشر الإسلام على أنقاض الكنيسة البوسنوية التي تلاشت من الوجود في أعقاب الفتح .

ثالثاً: تطلع البشَانِقة إلى التحرر الذي كفله الإسلام لأتباعه بعد طول عناء و شدة ما لاقوه من صُنوف الاضطهاد و الاستعباد ، سواءً كان استعباداً مادِّياً أم دينياً ، و هو ما دفع بجُموعٍ غفيرة منهم إلى طلب حماية الفاتحين الجدد لإنقاذهم من سطوة الإقطاع ، و سلطة الكنيسة على حدٍّ سواء، حيث وجد البشانقة في قدوم الفاتحين المسلمين قُوَّةً تحميهم من الاضطهاد ، و تنهي عصور الطغيان و القهر الواقع عليهم و تمنحهم فُرصاً حقيقيَّة للتحرُّر والإحساس بالعدل والكرامة، مِمَّا يُذكِّر بمقولة أحد سُكَّان القسطنطينيَّة الذين عاصروا الفتح الإسلامي لها : (( إنَّه لخيرٌ لنا أن نرى العمامة التركيَّة في بلادنا من أن نرى فيها تاج البابويَّة )).

رابعاً: العلاقات الاجتماعية بين البشانقة والمسلمين الأتراك، و بخاصةٍ علاقة المصاهرة ، حيثُ كثُرت حالات زواج المسلمين من فتياتٍ نصرانيَّات ، كما جاء في كتاب القس بوسيدرسكي الذي بعث به إلى البابا سنة 926هـ/1520م ومن الطبيعي أن تُسلم الفتيات المتزوّجات من مسلمين ثمَّ تؤثرن على بنات جنسهن و تدعوهنّ للزواج من المسلمين ، الأمر الذي نتج عنه ظهور أسلوبٍ جديدٍ في الدعوة إلى الإسلام بين أفراد الأسرة الواحدة ، و تكوين روابط جديدة من المودة و الرحمة إلى جانب الإيمان و الدعوة .

خامساً: الحوافز المادِّية التي يحظى بها المسلمون ، بدءاً من وضع الجزية عنهم و انتهاءً بتأهُّلهم لتولي المناصب العُليا في دولة الخلافة ، علاوةً على رغبة عددٍ من أصحاب الثروات في حماية أملاكهم و ثرواتهم، حيث (( كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمــه ومـالـه وعـرضه ))، كـمـا مهَّـد الانتـمـاء إلى الإسـلام طـريق التحـرر و الانعتاق أمام الرقيق و الأسرى ، ممَّا يجعل لهذا الحافز أثراً كبيراً في إقبال البشانقة على الإسلام .

قُلتُ : و قد دأب مُعظم الباحثين الغربيِّين ، و كثيرون غيرهم على التركيز على الدافع المـادِّي و اعتباره السبب الرئيس - و رُبَّما الوحيد - لانتشار الإسـلام في البوسنة .

يقول بول كولز : ( كان التحوُّل إلى الإسلام مرتبطاً بالرغبة في تحقيق وضعيَّة اجتماعيَّة أو مزايا اقتصاديَّة … و كانت تلك هي الدوافع الحقيقيَّة التي تؤتي أُكُلها أكثر من أيِّ دعوات مخلصة للتحول إلى الإسلام كان يقوم عليها العُثمانيَون ) .

و جاء في دائرة المعارف الإسلاميَّة ما نصه : ( اعتنقت الطبقات الغنيَّة المثقفة من السكان و أغلب ملاَّك الأراضي الإسلام و أظهروا غيرةً عظيمةً على الدين الإسلامي ، و خاصَّةً لأنَّه حافظ على موروث حقوقهم ).

و اعتمدت الكنيسة الكاثوليكيَّة هذا الرأي ، و أكَّدته حتَّى شاع على ألسنة قساوستها ، و منهم أسْتَيفَان بوسَدُرسكي ، الذي بعث إلى البابا سنة 926هـ/1520م برسالةٍ يقول فيها : (( إنَّ العثمانيِّين خلال خمسين سنةً قد نجحوا في جذب سُكان هذه المنطقة ، حتَّى إنَّ كثيرين منهم يتركون دينهم و يدخلون الإسلام .

إنَّهم يعيِّنون في الحصون المفتوحة القُواد الذين يجذبون السكان النصارى إلى جانبهم )) .

و هذه بلا ريب مزاعم واهية تنقُضها الحقائق التاريخيَّة الماثلة للعيان ، و منها أنَّ حُكم الأتراك لم يكُن مُقتصراً على البوسنة ، و لكنَّه شمل بلداناً كثيرةً في منطقة البلقان و غيرها ، و لا شك في أنَّ العثمانيِّين قد حكموا بلاداً مجاورة للبوسنة مثل بلغاريا ، و كرواتيا و الجبل الأسود و صربيا ، و على الرغم من وحدة الحكم عقيدةً و منهجاً ، و احتمال كون المصلحة المزعومة قائمةً على قدم المُساواة ، نجدُ إقبال البشانقة على الإسلام يفوق إقبال الآخرين بمئات المرَّات .

? فماذا بعد الحقِّ إلاَّ الضلال ? [ يونس : 32 ] .

و في نهاية هذا المطلب تحسن الإشارة إلى أنَّ وراء ارتفاع نسبة السكان المسلمين سببٌ بالغ الأهميَّة و هو نزوح الصقالبة المسلمين إلى البوسنة من البلاد المجاورة مثل صربيا و بُلغاريا و مقدونيا فراراً من الفتك الذي حاق بهم في فترات متعددة ، و قد حدثَ أعظم نزوح إلى البوسنة عند تقهقر العثمانيين و انحسار حُكمهم عن البلقان ، حيث كان المسلمون يلوذون بالمناطق المتبقية تحت الحكم العثماني ، ممَّا أضاف أعداداً كبيرةً من الصقالبة المسلمين إلى البوسنة .

المطلب الرابع : عقيدة البوتور ( الدين المختلط ) في البوسنة :

كثيراً ما يتهكم أعداء البوشناق بهم فينـبذونهم بلقب بوتور ، أو بوتوريتسا و هذا اللقب ليس وليد العصر الحاضر ، و لكنَّه يرمز إلى ديانة غريبة ظهرت في البوسنة قبل مئات السنين ، و كانت إحدى الظواهر التي واكبت انتشار الإسلام في أيَّامه
الأولى .

فما هو الدين المُختلط ؟ و ما هي عقيدة أتباعه البوتوريون ؟

إن ممَّا أُخذ على العثمانيين عموماً توسعهم في الفتوحات الإسلامية ، و القيام بلازم هـذا الأمر من تحصـين الثغور ، و حمـاية الديار و الـذود عـــن بـيضة الإسـلام و أهـله ، الأمر الذي استنفذ جُلَّ طاقاتهم و إمكاناتهم و نجم عنه قصور في الجوانب الأخرى مثل التعليم و الدعوة ، و تبصـير المسلمين الجدد بأمور دينهم ، حتى انتـشـر الجهل ، و تفشَّت الأمية في مناطق كثيرة ، و خاصَّة تلك الواقعة على أطراف السلطنة المترامية .

و كأثـر طبيعيٍّ لقلَّـة العلم ، و تفشِّي الجـهل ، ضعُف الوازع الديني في الـنفوس و انتشرت البدع و الخـرافات ، و ذاعت الضلالات و الأساطـير ، و تعـدَّدت مـظاهـرها و آثارها .

و قد عرفت البوسنة ظاهرة غريبـة من ظواهر ضعـف الوازع الديني نتـج عنـها ظـهور ديانة جديـدة ، وُصـفـت بـأنـها ( الدين المختلط ) و أطـلق عـلى أتـباعـها اســم ( بوتوريُّون ) و ( بوتور ) و ( بولوتورك ) .

و من الصعب جداً تحديد معنى ( البوتور ) بدقة ، و هو اصطلاح يرد بكثرة في الكتابات العثمانية منذ عام 945هـ/1539م و يُطلق على البشانقة المسلمين خاصة و لا يحتمل أيَّ معنى آخر .

و يتنازع أهل اللغة البوسنوية في معناه ، فيذهب بعضهم إلى أنَّه اختصار للكلمة التركية ( بوتورك ) أو ( بولوتورك ) و كلٌ منهما تعني نصف تركي (( أو نصف مسلم لأنَّ المسلمـين كانوا يُسـمَّون أتراكاً على ألسنة خصـومهم خلال فـترة القـرون الوسـطى )) .

بينما يرى آخرون أن كلمة ( بوتور ) لها علاقة بعبارة ( بوتور جيتي سَه ) التي تعني في اللغة البوسنويَّة : أَسْلَمَ ، أو دَخل في الإسلام ، و الحاصل (( أن هؤلاء كانو مُسلمين ضعيفي الإيمان ، ممـا جعلهم يُسـمون بوتور ، أي أنصاف مسلمـين )) .

و بغضِّ النظر عن الأصل أو الجذر اللغوي للكلمة ، فإنَّها تطلق على البشانقة - عموماً و القرويين منهم خاصَّة - الذين أسلموا ، و ظلُّوا بعد إسلامهم محتفظين ببعض الممارسات و العقائد النصرانية، و تلك التي ورثوها عن أجدادهم البوغوميل وغيرهم .

وإذا تأمَّلنا عقائد البوتور وشعائرهم التعبُّديَّة ظهر لنا بجلاء أنهم كانوا يعيشون في ازدواجيَّة دينية ، و يدينون ديناً مختلطاً لا يختلف كثيراً عن النصرانيَّة المحرَّفة ، و لا يتفق تماماً مع عقيدة التوحيد السمحة ..

و لمزيد بيان هذه المسألة أسوق بعض النماذج التي توضحها :

• كان بعض المسلمين و النصارى في البوسنة يشتركون في اتخاذ الحروز و الحُجُب ( التمائم ) التي كان كثيرٌ من المسلمين يلجؤون إلى مباركتها من القسس ، و يُعلِّقونها على ملابس أطفالهم و طرابيشهم، كما أن بعض النصارى كانوا يستدعون الدراويش ( من جهلة المتصوِّفة ) المسلمين لقراءة القرآن على مرضاهم التماساً للشفاء و البرء من الأمراض.

• كان كثير من البوتور يقصدون الكنائس النصرانيَّة للدعاء و التبرك ، و تلاوة القداسات و التوسل بالعذراء ، و قد ذكر شيئاً من ذلك حارس دير أولوفو في كتابٍ له يرجع إلى عام 1004هـ/1596م ، و أكّد فيه أنَّ كنيسته كانت تحظى بالتبجيل و التقدير عند المسلمين بسبب كثرة المعجزات الباهرة (كذا) التي كانت تجري عندها بسبب شفاعة العذراء المقدَّسة (بحسب زعمه) .

ولا شك في أنَّ هذه الأخبار وما شابهها يعوزها الضبط والتوثيق، لأنَّها لا تعدو أن تكون روايات قُصَّاص ، و مذكرات رحَّالة ، ممَّا يجعلنا نعدل عنها إلى دليل مادِّيٍ محسوس ، لا تزال آثاره قائمة إلى يومنا هذا ، هو النقوش الباقية على قبور البوتور ، حيث إنَّ عدداً من القبور المكتشفة في مَنطقَتَيْ كنـزينة ، و دوبرون الواقعتين شرقـيَّ البوسنة نُقِشت عليها رموز تشـير إلى الإسـلام كالهلال و النجمــة الثمانيَّة و غيرهمـا ، و نُقِشَـت إلـى جانبها رمـوز أخرى مـن قبيل صور الناس و الحيوانات و الصلبان.‍‍‍

و كانت المقابر الأولى للمسلمين ، تقع بجوار مقابر النصارى ، الأمر الذي استدلَّ به بعض الكُتَّاب على أن أصحابها كانوا يُحبِّذون أن يكونوا قُربَ أقربائهم النصارى أحياءاً وأمواتاً. ‍‍

و قد تجسَّدت صورة الدين المُختلط في طريقة لبست لبوس الصوفيَّة ، و دعت إلى تهذيب النفوس و الرقيِّ بها إلى أن ظهرت على حقيقتها و بدت للعيان طريقةً ضالةً تجمع بين عقائد شتى في محاولةٍ للجمع بين المتناقضات .

تلك هي الطريقة القاضيزادية ، التي كان أتباعُها ((يخلطون خلطاً عجيباً بين النصرانيَّة و الإسلام … و يقرؤون الإنجيل باللغة السلافية … كما يدرسون باهتمام القرآن باللغة العربيَّة … و في شهر الصوم يشربون النبيذ … و يُسمونه خردالي زاعمين أنه حلال … كما يحسنون و يعطفون على النصارى … و مع ذلك فهم يعتقدون أنَّ محمَّد هو روح القـدس الـذي بشَّـر بـه المسـيح …كما يُفسِّـرون كلمة فارقليط بأنها تعني نبيَّهم )) .

و على الرغم من أن القاضيزادية انتهت تماماً ، و تلاشت من الوجود في البوسنة منذ بداية القرن الحادي عشر للهجرة / السابع عشر للميلاد فإنها قد تركت أثراً سلبيَّاً على انتشار الإسلام في البوسنة ، لأنَّها أساءت فهمه و شوَّهت تعاليمه ، بل ساعدت على بث الزندقة و إثراء الجهالة بين المسلمين الجدد .

و قد تمثَّل أثرها السلبي على انتشار الإسلام في :

أولاً : استقطاب النصارى المتعطِّشين إلى الحنيفية و قطع الطريق عليهم دون الإسلام بعرض مبادئ مختلطة يُمكن أن تُغرِّر بهم ، حيث توهمهم بأنَّهم قد بلغوا ما أرادوا دون التخلِّي عن كثيرٍ من عقائدهم الفاسدة .

ثانياً : إشغال الدعاة و العلماء بالتصدِّي لها و لأتباعها ، و كشف زيفها و ضلالها ، و إهدار جهودهم و طاقاتهم في هذا السبيل بدلاً من صرفها في بيان الحق للناس و الدعوة إليه .

و مما يندى له الجبين ، أنَّ احتكاك المسلمين في البلقان بجيرانهم النصارى و المُلحدين قد أبعد المسلمين عن دينهم ، و أعادهم إلى بعض مظاهر الدين المختلط التي عمَّت و طمَّت في بعض مناطق البلقان، ومنها البوسنة، وإن كانت أكثر ظهوراً في قرى المسلمين الواقعة جنوبيَّ ألبانيا بمحاذاة مناطق الصرب واليونانيين الأرثوذكس ، حيث ضعُف الوازع الديني في نفوس المنتسبين للإسلام ، و تدنَّى إلى الحضيض ، حتى أصبح عامَّتهم (( يعتقدون أن المسلم هو الذي يذهب مرة أو مرتين في السنة إلى مكان مقدس مثل القبر أو الكنيسة أو المسجد ، فيضع فيه نقوداً و يُشعل شمعةً ، و يعود القهقرى حتى لا يستدبر الشمعة ، و هناك يطلبون من الرب أو من صاحب القبر أن يوفقهم في هذه الدنيا ، أما الآخرة فلم يسمعوا عنها أبداً ))، وبالإضافة إلى ذلك نجد (( أكثر مسلمي القرى يُحبون الإسلام، لكنهم يعتقدون أن عيسى عليه السلام ابن الله ، و يظنون أن الإسلام يدعوا إلى ذلك أيضاً )) .

فأيُّ توحيدٍ هذا الذي كانوا يدينون به ؟؟

الخاتمة:

لا شك في أن البوسنة والهرسك بصفتها إحدى ديار الإسلام على الرغم من كونها حديثة الظهور على خارطة العالم، وقد تزامن ظهورها وعلم جلّ المسلمين بها مع العلم بمعاناة أهلها التي استمرّت أربع سنواتٍ عجافٍ أتت على الأخضر واليابس جديرة باهتمام المسلمين بها وإن نأت ديارهم عنها.

و حيث إن من مظاهر الاهتمام المنشود بهذا البلد المغلوب على أمره التعريف به و تسليط الضوء على ما ينبغي لمن يعنيه أمره أن يقف عليه من تاريخ و أخبار و أحوال فقد جاءت هذه الدراسة لبنة في جدار المعرفة أرجوا أن تكون وافية بالغرض المطلوب و لو بمقدار .

و حيث إن المقام مقام ختام فمن المناسب أن أشير فيه إلى ما انتهيت إليه في دراستي هذه من نتائج لا أرى للباحث و المهتم بشؤون الأقلّيات المسلمة في العالم ، و خاصّة منطقة البلقان غنى عن الوقوف عليها ، و هي على وجه الإيجاز :

- أن البوسنة و الهرسك بلد أوروبي أكبر نسبة من أهله مسلمون .

- أنّ سكّانها الأصليّين كانوا من الإيليريِّين ، و قد استوطنها الصقالبة قبل ألفي عامٍ تقريباً ، و من نسل الصقالبة جاء البوشناق .

- عرض تاريخ البوسنة الحافل بالأحداث والحروب منذ فجر التاريخ و حتى الاستقلال الذي لم يمض عليه عقد من الزمان بعد ، مع التركيز على وجوه المعاناة التي تعرّض لها أهل البوسنة عبر التاريخ.

- أنَّ سكّان البوسنة كانوا يدينون بالوثنيّة، ويتأثرون ببعض أديان الشرق القديمة ، قبل أن يتحوّلوا إلى النصرانيّة ، و يعتنقوا المذهب البوغوميلي الذي لم يعرف خارج البلقان ، و منه كان تحوّلهم إلى الإسلام الذي أقبلوا عليه طوعاً ، و ارتضوه ديناً يجبّ ما قبله .

وفي هذا القدر كفاية والله أعلم.

وصلى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وكتبه الأستاذ الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب

أستاذ الحديث النبوي و علومه في كلّية الدراسات الإسلاميّة بسراييفو ، والأكاديميّة الإسلاميّة بزينتسا ومدرّس العلوم الشرعيّة في معهد قطر الديني سابقاً.


البوسنة و الهرسك دراسة عامة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
البوسنة و الهرسك دراسة عامة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حال المرأة المسلمة في البوسنة و الهرسك و تأثره بالسنة النبوية
» البوسنة ما بين الشرق والغرب
» أدعية عامة
» أخطاء عامة في شهر رمضان
» أسئلة عامة وهامة للمسلم:(1-500)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحـداث الفارقــة في حيــاة الدول :: البوسنة والهرسك-
انتقل الى: