المقاصد الغيبية في الكوارث الطبيعية Untit508
المقاصد الغيبية في الكوارث الطبيعية
أحداث كثيرة تنتاب بلاد العالم من كوارث يجريها الباري عز وجل على خلقة بدءًا من أوبئة تنقلها كائنات صغيرة وضعيفة الخِلقة لا تُرى حتى يتم تكبيرها آلاف المرَّات ومع ذلك تفعل في العباد من الفتك ما لا يفعله بأس بعضهم ببعض، منها إلى اضطرابات عظيمة في بنية هذه الأرض ينتج عنها زلازل وبراكين وحرائق تُهلك القرى والمدن، وفيضانات تغمر اليابسة وأعاصير شديدة السرعة تُدَمِّرُ ما تأتي عليه وتحمل معها مياه المحيطات والبحار لتذر الناس وراءها ما بين موتى ومُشَرَّدِينَ وبائسين ومرضى؛ وكل قدُرات البشر الهائلة في تسخير البراري والجبال والبحار تقف عاجزة عن فعل أي شيءٍ سوى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد انتهاء الكارثة.

ومع كل حدث من هذه الأحداث تتعالى أصوات الواعظين مُحَذِّرين من مغبَّة الذنوب ومن عظيم غضب الرَّبِّ مُؤَكِّدينَ أن الغفلة عن تعاليم الدِّين سببٌ رئيس في إنزال هذه المصائب تالين قول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} الشورى: 30.

لكن عدداً آخر من أهل القلم أزعجهم هذا النفس الوعظي الذي يحمل رائحة الاتهام للمجتمع باستمراء المعاصي والاستهانة بتعاليم الرَّبِّ, كما أنه خطاب يستخفُّ بالعقول التي لا يغيب عنها ما تتبنَّاه الأمم الأخرى من جحدٍ للدِّين أو إنكارٍ للرَّبِّ وهي مع ذلك في انعم العيش وأرغده.

والعجيب أن هذه المسألة التي نتحدَّث عنها اليوم كانت منذ أرسطو وما زالت إلى عهدنا من أمَّهات مسائل الفلسفة وتشتهر عندهم بمسألة الشَّرِّ وكذلك في بلاد الغرب تُعَدُّ من مسائل الاختلاف بين الأصوليين من اليهود والنصارى وبين العلمانيين أو المتدينين الليبراليين.

ولعله لِمَا لهذه المسألة من اثر كبير في توجيه الفِكْر الإنساني كان لها في القرآن الكريم حَظٌ وافرٌ من الآيات الكريمات التي ناقشت هذه المسألة في خطوطها العريضة حيناً وبتفاصيلها الدقيقة أحياناً أخرى.

ولعلي أتمكَّنُ في حلقاتٍ عِدَّةٍ من هذه الزاوية أن أبَيِّنَ ما يظهر لي أنه موقف القرآن الكريم من هذه المسألة.

الابتلاءُ مُحَرِّكُ التاريخ:
الابتلاء درجة متقدمة من درجات الاختبار, وقد سُمِّيَ بذلك لأنه يُبلي الإنسان –بضم الياء- من شدَّته, والبشر مخلوقون في هذه الحياة للبلاء فكل ما يَمُرُّ عليهم من أقدار الله الكونيَّة التي تؤثر في حياتهم كأفراد أو جماعات إنما هو ابتلاء, بل إن ما خلقه الله في الإنسان من حواس وجوارح فإن من أبلغ حكمها تمكينه من الأدوات اللازمة ليتأهَّل للمشاركة في هذا الاختبار المُتقدّم, وتقوم الحُجَّة عليه ويكون جديراً بالحكم عليه في نهاية المطاف إمَّا شاكرًا وإمَّا كفورًا.

قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً {2} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً {3}} سورة الإنسان.

وليس الابتلاء قاصراً على ما يُناط به من تكاليف دينية وأعباء اجتماعية بل يدخل في ذلك ما يُلاقيه من خير ومُتع في حياته وما يُصيبه من مُعاناة ومصاعب ومصائب في خاصَّة نفسه ومجتمعه فهو مُبتلى بالخير كابتلائه بالشر.

قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}} الأنبياء: 35.

والفرد فيما يصيبه من البلاء بالخير والشر أنموذج مُصَغَّرٌ للمجتمع والأمَّة, فالمجتمعات الصغيرة والأمم العظيمة تتعرَّض أيضاً كما يتعرَّض الأفراد لظروف الخير العام والشر العام ولا يخرج ذلك عن كونه ابتلاء فالأمم المكونة من أفراد كثيرين تعامل في باب الابتلاء معاملة الفرد الواحد وتأخذ نتيجة جماعية باجتياز هذا الاختبار إن خيراً أو شراً ويتحمَّلُ الصالحون في هذه الأمم من المغبَّة الدنيوية للفشل في الابتلاء الجماعي بقدر ما يتحمَّل الفاسدون الذين هم المتسببون المباشرون في هذا الفشل لأن التعامل القدري الكوني مع الأمم باعتبارها جسداً واحداً لا يمكن التمييز بين أعضائه في ظروف الثواب والعقاب.

والصورة المُنعكسة صحيحة فالفاسدون في الأمَّة ينعمون بمِنَحِ الخير التي تَعقُبُ نجاح الأمَّة بصالحيها في اجتياز ظروف الابتلاء بالضَّرَّاء.

قال الله تعالى: {الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3}} العنكبوت.

ولكن كيف يكون الابتلاء مُحَرِّكَاً للتاريخ وما هو المطلوب من لدن الله تعالى من العبد بهذا الابتلاء.

من الانحراف حتى إرث الأرض:
الابتلاء سُنَّةُ الله تعالى في خلقه كما شهدت بذلك آيات القرآن الكريم, وهو قدر على الإنسان مطلقاً سواءً أكان مسلماً أم كافراً, كبيراً أم صغيراً كما هي دلالة الإطلاق في كلمة الإنسان من قوله تعالى: {إنا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}} الإنسان: 2.

وكما تتعدَّد فئاتُ المُبتلين يشير القرآن الكريم إلى أن أشكال البلاء تتعدَّد
فابتلاءٌ بالخير وابتلاءٌ بالشَّرِّ:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}} الأنبياء: 35.

وابتلاءٌ بالكوارث:
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) {99}} الأعراف.

وابتلاءٌ بالأمراض:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}} البقرة214.

وابتلاءٌ بالخوف والجوع والفقر وكثرة الموت بينهم:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}} البقرة: 155.

وابتلاءٌ ببأس بعضهم:
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}} الأنعام: 65.

فهذه أصناف الابتلاءات ليست خاصَّة بعنصر أو أمَّةٍ بل يتعرَّض لها البشرُ كَافَّةً.

وكذلك تنصُّ الآياتُ القرآنيَّةُ على أن المقاصد الإلاهية من هذه الابتلاءات تختلف من قوم إلى قوم.

فإن الأمَّة المُؤمنة المُتقية لله تعالى المُتبعة لتعاليم رُسُلُهِ المُنقادة لدينه سبحانه وتعالى موعودة بالخير الدنيوي قبل الأخروي, ولكن هذا الوعد مرهون التحقُّق باستيفاء شروط لا تكون الأمَّة دون تحقيقها مُؤهلة لنيل وعد الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَ بالثواب العاجل, وهذه الآيةُ تبسُطُ القول في الوعد كما تبسُطُ بيان شُروطه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}} النور: 55.

فالوعد هو بالاستخلاف والتمكين والأمن بعد الخوف, أمَّا الشروط فهي الإيمان وعمل الصالحات وإخلاص العبادة لله وهذه الشروط حين تتحقق فلا بد أن يتحقق ما وعد الله به.

وربما كان لتحقق هذه الوعود إرهاصات بشئ من التمكين الجزئي والذي يُغري الكثيرين باتباع منهج هذه الفئة التي ظهرت على الأرض بوادر تمكينها, ولو لم يكونوا على قناعة تامَّة أو تَبَنٍ صحيح لمنهج هذه الطائفة الواعدة, فيبتلي اللهُ تعالى هؤلاء الواعدين بأصناف من البلاء هي في ظاهرها شَرٌ للذي تُحدِثُهُ من الخراب والهلاك, ولكنها تتضمَّنُ خيراً عظيماً لا يظهر للعين المُجرَّدة ألا وهو تخليص المؤمنين من اللصقاء والأدعياء تمهيداً للتمكين النهائي والذي يختصُّ به اللهُ تعالى مَنْ لم تُزَعْزِعْ ثقته بالإيمان وأهله تلك البلايا والامتحانات.

يقول اللهُ تعالى في ذلك: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139} إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {140} وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ {141} أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ {142}} آل عمران.

وقال تعالى: {الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3}} العنكبوت.

وقال تعالى: {{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}} محمد: 31.

وحين ينتهي هذا الاختبار ويتساقط الأدعياء ويبقى الصابرون على المنهج الحق تختلف الصورة وتأتي المكافأة لكنها أيضاً مكافأة مشروطة بالبقاء على المسلك القويم الذي من أجله تَمَّتْ نعمة الله تعالى بما لاقته هذه الأمَّةُ من التَّمكين والرِّزق: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}} الأنبياء: 105.

لكن حين يرث الأرض عباد الله الصالحون كما هي الآية هل يتوقف التاريخ وهل ينتهي الابتلاء, أم أن للقصة بقية؟

ما بعد التمكين:
حين يُنْجِزُ اللهُ وعدهُ, ويرث المؤمنون الأرض بعد تحقيقهم لشروط التمكين الإلهية يظلون يحملون مسئولية الحِفَاظُ على مُكتسباتهم في تكوين مجتمع مستعبد لله اختياراً كما هو مستعبد لله اضطراراً, وذلك ببذل الوسع في الصبر على أوامر الله والصبر على أقداره والصبر عن معاصيه: (وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ {41} الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {42}).

ويقتضي ذلك إقامة الشرائع والأمر بها والنهي عن مخالفة أمر الله, وصنعهم هذا هو الوسيلة الصحيحة لاستجلاب نصر الله تعالى حيث يقول سبحانه في سورة الحج: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {41}}.

وتبدأ معاناتهم من حين ينشأ من داخلهم فئة تحاول التمرد على الوضع القائم المتسم بالوقوف بصرامة ضد الشهوات والشبهات, وهي محاولات تبدأ ضعيفة في شكل خروجات خاصة عن مألوف المجتمع ثم تتطور إلى خروجات عن قيمه بمختلف مصادرها, ثم تنموا لتصل إلى محاولات لتسويغ هذه الخروجات وجعلها واقعاً ودفع المجتمع إليها دفعاً.

ويؤكد القرآن الكريم على ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ عام ينبغي أن يتضافر المجتمع على تحقيقه لأن شيوع المنكر وعلو كلمة أهله مؤذن بعقابهم.

قال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}} لقمان: 17.

وقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {78} كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {79}) المائدة.

وتتوالى الأيام ويبعد المجتمع عن تقدير الأسس الإيمانية التي من أجلها وصلت الأمَّة إلى ما وصلت إليه من أمن وتمكين, ويضعف عند الصلحاء الصبر على الإنكار واستصلاح الخلق, فتتكر السنة الكونية وتبدأ النذر الربانية على هيئة عقاب جزئي أو تخويف كلي كما جاء في سورة النحل: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ {46} أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ {46}).

فمكر السيئات مطلقاً دون رجوع وإنابة ومع استمراء وإشاعة كله مُغْضِبٌ للرَّبِّ عز وجل مُنْذِرٌ بتحقيق وعيده, ولهذا ينهى الله سبحانه عباده المؤمنين عن الأمن من مكره سبحانه وعاجل عقوبته ويُشِرْ إلى أن الأمن من مكر الله سِمَةُ الخاسرين.

قال سبحانه في سورة الأعراف: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَيَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {99} أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ {100}).

والأمم في مثل هذه المواقف يقل فيها من يقدر هذه النذر حق قدرها فيتعامل معها بالصبر عليها واحتساب الأجر من الله على ما وقع له جراءها وراجع على الله تعالى منيب إليه في أعقابها, والأمة التي تسلك هذا السبيل في التعامل مع هذه النذر والمخوفات والعقوبات تستبقي نعيمها مدة أطول وتأمن من الأخذ الكامل أو البأس المستمر.

لكن أكثر ما يقع من الأمم هو النظر إلى هذه النذر نظرة مادية بحتة ويغفلون عما فيها من عبر ينبغي أن يتدبرها أولوا الألباب.

قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) النحل: 112.

ولنتأمَّل تعبير القرآن بكفر النعم فهو تعبير عظيم عن شيوع المعصية وغيه لالة على أن المعصية الموجبة للعقاب الدنيوي ليسا هي كفر الإشراك بل هي أعم من ذلك إذ يظهر ان المراد بالكفر هنا ما هو ضد الشكر, ومن أظهر معالم هذا النوع من الكفر صنع السيئات والتمالئ عليها والاستكثار منها, يؤكد هذا تعليل هذه الابتلاءات بما كانوا يصنعون.

ويدور السؤال دائماً حين نتحدث في هذا الموضوع حول المتضررين في مثل هذه الكوارث الطبيعية فيلاحظ البعض أن أكثرهم من غير الدعاة إلى إشاعة المعصية والعاملين على اتباع الشهوات, فكيف يمكن ان نتصور مثل هذه النكبات عقاباً والأجر بالعقاب بعيدون عن التضرر بمثل هذه المصائب.

وهكذا يطرح السؤال.. هل يعاقب البريئ؟
يقول أحدهم: إننا نفهم أن تكون الكوارث الطبيعية تخويفاً أو ابتلاءً, بل نفهم أن تكون عقاباً للأمم الباغية, لكننا لا نفهم أن تكون عقوبات في مجتمعات يغلب عليها طابع الخير والتدين لمجرد وجود شيء من المخالفات الشرعية التي يوجد أضعافها في داخل مجتمعات إسلامية أخرى لم تعان مثل هذه الكوارث, بل كيف تكون عقوبات وجل من يصاب بها هم البسطاء والخيرون أما دعاة الانحلال والتفسخ فلم نر هذه المصائب تمس أحداً منهم إلا قليلاً؟

والجواب عن هذا الإشكال لن يكون مقنعاً دون التسليم بدلالة العموم والإطلاق في قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} الشورى: 30.

فكل المصائب والنوائب التي تقع على المؤمنين مطلقاً في هذه الحياة هي نتيجة وجزاءً لما كسبته أيديهم من آثام, وبعد التسليم وهو واجب المسلم تجاه ما يرده عن الله تعالى يبقى له حق التدبر والتفكر.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} الحشر: 2.

وقال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يونس: 24.

وعليه فإن تلك الإشكالات ليست من قبيل الاعتراض على المسلمة الواردة في الآية القاطعة في دلالتها ولكنها من قبيل الاعتبار والتدبر والتفكر في آيات الله تعالى الكونية والمتلوة, هو نوع من أنواع العبادات التي امتلأ القرآن الحكيم بالأمر بها والحض عليها فمن التدبر في هذا الأمر أن يقال من بديع صنع الله تعالى فيما يقره على عباده أن صفاته العلى لا يحول بعضها دون بعض فلا يحول غضبه دون رحمته ولا يمنع سخطه من لطفه, فإذا عاقب سبحانه مؤمناً على ذنب في هذه الدنيا فقد تكون هذه العقوبة رحمة له, وذلك بأن يكون مصابه في الدنيا مانعاً من عقابه في الآخرة, أو رفعة لدرجته في الجنة, أو يكون مصابه سبباً في صلاح حاله فيما بقي من دنياه أو سبيلاً لإصلاح أمر ذريته في دينهم أو دنياهم.

وبهذا فليس نزول العقاب بالعبد شراً محضاً, بل قد يصح للعبد جراءه من الخير ما لا يعلمه إلا الله.

كما أن الذنوب والتقصير في جنب الله تعالى لا يعصم منه عبد مؤمن, والذنوب التي يعاقب الله تعالى عليها ليست مقتصرة على ما يظهر للعيان من سفور وتبرج وإشاعة للفاحشة وتعامل بالربا, بل إن من الآثام ما هو أعظم عند الله من ذلك مع أنه ليس له منظر بارز في المشاهدة اليومية للشارع والسوق والحي, فقطيعة الرحم وعقوق الآباء وعضل الأيمات وسلب النساء أموالهن, وامتناع الأولياء عن النفقات, وظلم الأيتام وأكل أموالهم, والتقصير في أداء الأعمال التي يأخذ عليها المرء أجراً وظلم العاملين والكبر والحسد والحقد, كلها ذنوب عظيمة لا يمكن أن يقال إنها موجودة في طبقة من طبقات المجتمع أو شريحة من شرائحه دون الأخرى وبملاحظة ذلك لا يمكن أن نصحح الاعتراض بكون المصائب تنزل غالبا على من لا جرم لهم , لأننا لا يمكن أن نجزم بأن أحداً لا جرم له.

ومن حكمة الله تعالى وبديع لطفه أنه لا يأخذ الأمم المؤمنة بذنوبها أخذاً, بل الأخذ كما تدل آيات الكتاب الحكيم عقاب حصري على من يشاء من الأمم الفاجرة المعرضة بمجملها فإذا لاحظنا ذلك لزم منه أن عقوبة بعض الأمة ببعض ذنوبها تخويف للآخرين وإنذار لهم وأمر بتصحيح مسار حياتهم وتدارك أخطائهم.

نصل مما تقدم إلى أنه حين تنزل كارثة من الكوارث الطبيعية على مجتمع ظاهره الخير والإيمان ونسمي ذلك عقوبة, ولا ينزل مثلها على مجتمع تكون الفاحشة فيه أظهر والدعوة إليها أكبر, فلا يعني أن من نزلت بهم الكارثة شر ممن لم تنزل بهم, لأن نزول الكارثة على وجه العقوبة لا يخلو عن كثير من معاني الرحمة كما تقدم.

إضافة إلى أن عدم الكوارث الطبيعية أو قلتها لا يعني عدم العقوبة إذ ليست العقوبات الدنيوية محصورة في جنس واحد من المصائب, بل قد تصاب المجتمعات بأصناف أخر من العقاب هي أشد إيلاماً من الكوارث كالحروب والأمراض وشيوع الفقر واستشراء الظلم وتسلط الأقوياء على الضعفاء وغلبة الأعداء على خيرات الأرض, فهذه كلها مصائب لا أعتقد أن مجتمعاً من مجتمعات المسلمين المبتلاة بشيوع الفاحشة سالمة منها.

ولعل هذا يثير سؤالاً آخر عن سر ابتلاء المجتمعات المسلمة بمثل هذه البلايا مع تمام النعمة على كثير من المجتمعات الكافرة بالأمن والخير والغنى.

لماذا يُنَعَّم الكافر؟
المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن مبدأ الابتلاء بالمصائب والتخويف والعقاب بها ليس مقصوراً على العُصاة من المؤمنين بل إن القرآن كان أكثر تركيزاً على تعاقب هذه الأحوال الثلاثة على الكافرين.

ولنقف أولاً على هذه الآيات:
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ {42} فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {43} فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ {44} فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {45} الأنعام.

فالآيات تفيد أن سُنَّةَ الله تعالى في الأمم السَّالفة:
إرسال النذر البشرية من الأنبياء والرسل, ثم إرسال النذر الكونية, فإذا لم تكن الجدوى من هذين النوعان من النذر, حل عليهم العقاب الدنيوي ويبدأ بتدفق نعم الله عليهم من كل جانب, ولما كانت هذه النعم لا تقابل من الكافرين بالشكر لله كما ينبغي فإن قلب الحال عليهم فجأة ودون تحسب يكون من أبلغ أنواع العقاب الدنيوي.

وتعبر آيات أخر عن هذا النوع من العقاب بالإملاء ثم الأخذ.

قال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} الرعد: 32.

وقال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} الحج: 48.

وعبَّرت عنه آيات أخر بالاستدراج: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} الأعراف: 182.

وتُعبِّر عنه آيات أخر بالمكر: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {50} فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ {51}) سورة النمل، {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} الأعراف: 99.

ولعل تسميته كيداً أو إملاءً او مكراً تأتي من قبل تأخير العقوبة عليهم واغترارهم بالواقع الذي هم عليه وفتح باب النعم عليهم, فيكون نتيجة ذلك تماديهم في المعصية والغفلة عن الله تعالى وحتى تزول من واقعهم جميع مؤهلات استنزال الرحمة الإلهية والتمكين والنصر, عندها تكون العقوبة الدنيوية على قدر المأثم.

تعبر عن ذلك بعض الآيات حيث يقول تعالى: (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ {95}) الأعراف.

فهولاء الذين تشرح الآية حالهم لم يعد لديهم حس بالتدبير الإلهي للكون وأصبحوا ينظرون إلى ما يصيبهم من في دنياهم على أنها أحداث دنيوية معزولة تماما عن علاقاتهم بربهم.

في سورة الإسراء تُعبِّر الآية: 16، عن هذا الإملاء بالأمر: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}، والأمر هنا بمعنى التسليط, وليس التسليط مقتصراً على جعلهم قادةً أو حكاماً, لأن هناك من السلطات على أخلاق الناس وآدابهم ما يتفوق من حيث الأثر على سلطة الرؤساء والوزراء.

وربط الفسق بهؤلاء المسلطين يعني يقينا شيوعه بين سائر طبقات المجتمع لأن المتسلط فكرياً أو نظامياً عادة يعتني بتهيئة الأسباب ليكون ما هو عليه من الخروج عن محض الاستعباد لله أصلاً سائداً في المجتمع.

والعقوبات النهائية للمجتمعات الكافرة بعد الإنذار والتخويف والإملاء, قد تكون أخذا بالكلية ويعبر عنه القرآن بالقصم والإهلاك ينقطع به وجود تلك الأمة على الأرض, ليكون التمكين من بعهم لأمة أخرى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ} الأنبياء: 11، {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} الحج: 45.

وقد تكون بتغيير النعمة إلى ضدها وزيادة النكاية عليهم بغلبة البأساء والضراء في جميع أحوالهم: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} النحل: 112.

وفي كلا الحالين أي: إن أخذ الله تلك الأمة أو غير عليها نعمتها فإن سنة الله أن يرث مكانها في التمكين من الخيرات أمة أخرى تتعرض للابتلاءات نفسها ليتحول التاريخ من خلال تلك الابتلاءات: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} الأعراف: 100.

المصدر:
https://salafcenter.org/4635/