3ـ فضل حفظ القرآن
المقدم: نريد أن نتعرف على فضيلة حفظ القرآن الكريم؟
أبي: فإن حفظ القرآن شرفٌ لا يدانَى، والقرآن الكريم تاجٌ على رؤوس الحافظين، عرفه الأولون فسعَوا في طلبه وتقلُّدِه  سعيًا حثيثًا، كما ذكر الإمام ابن كثير -رحمه الله- عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن".

وهذا يدل على أنهم كانوا يتعلمون القرآن فيحفظون العشر آيات، ثم يتعلمون ما تدل عليه من المعاني، ثم يعملون بما علموا، ثم ينتقلون إلى عشر آيات أخرى، وهكذا حتى حَفِظَ القرآن عددٌ كبيرٌ من الصحابة.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحثهم على الحفظ والمراجعة حثًا شديدًا، كما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعاهدوا القرآن، فَوَالذي نفسُ محمدٍ بيده لَهُوَ أشدُّ تفَلُّتًا من الإبل في عُقُلِها".

والمعنى: حافظوا على تلاوة القرآن الكريم ومراجعته، حتى لا يتفلت منكم بعد أن حفظتموه، فإنه يتفلت من حافظه أكثر وأشد من تفلت الإبل وهي مقيدة بقيودها.

وذكر الإمام الذهبي -رحمه الله- عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن حُفَّاظ القرآن عنده زاد عددهم عن ألف وست مئة طالب.

المقدم: ما هي أفضل طريقةٍ لحفظ القرآن الكريم؟
أبي: أفضل طريقةٍ لحفظ القرآن الكريم هي التزام شيخٍ مُقرئٍ، وأعني بالمقرئ: ذلك الذي حَفِظَ على شيخٍ متخصصٍ حتى أجازه فصار مقرئًا، لأن أهل العلم قالوا: "لا تأخذ العلم من صُحُفيّ، ولا القرآن من مُصحَفِيّ"، وهو الذي قرأ في المصحف بنفسه، واجتهد حتى تعلّم القراءة، فمثل هذا مَهمَا أتقنَ قراءة القرآن فهو قارئٌ، ولا يكون مقرئًا حتى يعرِضَ قراءتَه على شيخٍ مقرئٍ فيجيز قراءته أو يردها.

وإننا لو استطلعنا تاريخ القرآن نجده في كل مرحلةٍ من مراحله انتقل هكذا تلميذًا عن شيخٍ، تلقّاه جبريلُ سماعًا، وتلقاه رسولُ الله من جبريلَ -عليهما الصلاة والسلام-، وتلقاه الصحابةُ -رضي الله عنهم- من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتلقاه التابعون من الصحابة -رحمهم الله-، وهكذا حتى وَصَلَنَا.

فلا بد من الشيخ المقرئ، يعني: المتعلم على شيخٍ حتى أجازه.

ثم على طالب القرآن أن يلتزم طبعةً واحدةً من المصحف يكون أيسر عليه، وينبغي أن يقرأ محفوظه وهو في الطريق، وفي المجلس، وعند النوم، وكلما استطاع قرأ من حفظه ما استطاع، عليه بقراءة وردٍ ثابتٍ بالليل، ويُستحب أن يقرأه في صلاة الليل.

ويَحسنُ لو قرأ مختصرًا في التفسير، فإن معرفة المعاني معينةٌ على الحفظ، ثم يتحلى بالتاج؛ تاج العمل بما عَلِمَ وحفظ، فيكون بين الغافلين ذاكرًا، وبين الهاذلين جادًّا، وبين الأموات حيًا، فإن معه ما ليس مع أحدٍ، وقد ورد في الأثر: "من حفظ القرآن، ثم ظن أن غيره أفضل منه، فقد عظّم ما حقر الله، وحقر ما عظم الله".
هذا، وبالله التوفيق.