7ـ الطلاق عقوبة للرجل
بسم الله، والحمد له، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فلما شرع الله -تعالى- النكاح، وكان بعض الأزواج من الرجال والنساء عاجزين عن تحقيق السعادة والاستقرار فيما بينهم؛ شرع الله الطلاق خلاصًا من هذه الحياة الزوجية المتعسِّرة، وتمهيدًا لحياةٍ زوجيةٍ أفضل منها، لاسيما وقد وعد الله على الفِراق عند الضرورة بالغنَى، فقال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)، كما وعد به أيضًا على الزواج فقال: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ولكن شاع في مفاهيم كثيرٍ من الناس أن الطلاق سيفٌ ملّكَه الإسلام للرجل ليتحكم به في المرأة، وهذا ظلمٌ، فلابد من تطوير وتعديل هذا الحكم بما يساوي المرأة بالرجل، فرأى البعضُ تحريم الطلاق نهائيًا، مهما ساءت العشرة أو توافرت دواعي الفُرقة.

بينما رأَى بعضٌ آخر نزْعَ حق التطليق من الرجل وإعطائه للمرأة، لتكون العصمة بيدها، إلى آخر ما قيل في ذلك، ولكني أقول: إن شريعة الطلاق في الإسلام ليست كذلك، بل إن صح القول فهي عقوبةٌ للرجل على تفريطه في حق المرأة.

ويتضح هذا مما يلي:
أولًا: أمرَ الله -تعالى- الرجال بلزوم نظامٍ معينٍ في الطلاق، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ).

قال المفسرون: المعنى، فطلّقوهن عند إقبال عدّتهن، وبيّنت السنة ذلك بأن يكون الطلاق في طُهرٍ لم يقع فيه جماعٌ، وهذا الطلاق السني، أي: المطابق لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما عداه فهو الطلاق البدعي نسبةً إلى البدعة، كأن يطَلق امرأته في حيضٍ، أو نفاسٍ، أو في طهرٍ جامَعَها فيه، فهذه الآية تُلزم الرجال بتوقيتٍ معينٍ للطلاق.

ثانيًا: قيّد الإسلام الرجل المطلِّق بمرتين فقط، كما قال -تعالى-: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)  مرةً ويراجِع، وأخرى ويراجِع، أما الثالثة فلا رجعة بعدها، قال -تعالى-: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، وكم تكون حسرةُ الرجل عظيمةً حين يرى امرأته التي استطابتها نفسُه إلا أنه فرَّط في ميثاقها؛ يراها وهي زوجة رجلٍ آخر بزواجٍ صحيحٍ قد يدوم أبدًا، فيُحرمُ الرجلُ الأولُ منها حرمانًا مؤبّدًا، إلا إذا طلّقها زوجُها الثاني أو مات عنها، فيجوز للأول أن يطلبها لزواجٍ جديدٍ بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ولها أن تقبله أو ترفضه، ويحرم التحايل في هذا الموقف باستعارة رجل يتزوجها لفترةٍ ثم يطلقها، فيكون كالتيس المستعار، فإن المحلِّل والمحلَّل له ملعونان.

ثالثًا: حين أذِنَ الله للزوج برجعة زوجته بعد الطّلقة الأولى والثانية؛ قيَّده بمدة معيّنة يراجع فيها، وهي مدة العدة ثلاثة أشهر لغير الحائض، وثلاثة قروء  للحائض، ووضع الحمل للحامل، فلو لم يراجع خلال العدة حُرِّمت عليه امرأته، ولا تحل له إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين.
هذا، وبالله التوفيق.