الباب الثاني والستون
في ذكر الدواب والوحوش والطير والهوام والحشرات وما أشبه ذلك مُرتَّباً على حروف المعجم

(حرف الهمزة)
(الأسد)
من السباع والأنثى أسدة وله أسماء كثيرة فمن أشهرها أسامة والحرث وقسورة والغضنفر وحيدرة والليث والضرغام ومن كناه أبو الأبطال وأبو شبل وأبو العباس.

وهو أنواع منها ما وجهه وجه إنسان وشكل جسده كالبقر وله قرون سود نحو شبر ومنه ما هو أحمر كالعناب وغير ذلك وتلده أمه قطعة لحم وتستمر تحرسه ثلاثة أيام ثم يأتي أبوه فينفخ فيه فتنفرج أعضاؤه وتتشكل صورته ثم ترضعه وتستمر عيناه مغلوقة سبعة أيام ثم تفتتح ويقيم على تلك الحالة بين أبيه وأمه إلى ستة أشهر ثم يتكلف الكسب بعد ذلك وله صبر على الجوع والعطش وعنده شرف نفس يقال أنه لا يعاود فريسته ولا يأكل من فريسة غيره ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب وفي ذلك يقول بعضهم.

(سأترك حبكم من غير بغض ... وذاك لكثرة الشركاء فيه)
(إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه)
(وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب يلغن فيه)


وإذا أكل نهش نهشاً وريقه قليل جداً و لذلك يوصف بالبحر وعنده شجاعة وجبن وكرم فمن شجاعته الإقدام على الأمور وعدم الاكتراث بالغير ومن جبنه أنه يفر من صوت الديك والسنور.

ويتحيَّر عند رؤية النار ومن كرمه انه لا يقرب المرأة خصوصاً إذا كانت حائضاً وقيل أربع عيون تضئ بالليل عين الأسد وعين النمر وعين السنور وعين الأفعى
وروي أنه لما تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)، قال عتبة بن أبي لهب كفرت برب النجم يعني نفسه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُمَّ سلّط عليه كلباً من كلابك ينهشه"، فخرج مع أصحابه في عير إلى الشام حتى إذا كانوا بمكان يُقال له الزرقاء زأر الأسد فجعلت فرائصه ترتعد فقالوا له من أي شئ ترتعد فرائصك فوالله ما نحن وأنت إلا سواء؟ فقال إن مُحَمَّداً دعا عليَّ ووالله ما أظلّت السماء من ذي لهجة أصدق من مُحَمَّدٍ ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم وجعلوه بينهم وناموا فجاء الأسد يتهمَّس وشمَّهم رجلاً رجلاً حتى انتهى إليه فضغطه ضغطة كانت إيَّاها فسُمِعَ وهو بآخر رَمَقٍ يقول: ألم أقل لكم إن مُحَمَّدًا أصدق الناس؟

ولبعضهم في الأسد
(عبوس شموس مصلخد مكابد ... جريء على الأقران للقرن قاهر)
(براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضى في وجهه الشر ظاهر)
(يديل بأنياب حداد كأنها ... إذا قلص الأشداق عنها خناجر)

فائدة:
قيل إن بختنصر رأى في نومه أن هلاكه يكون على يد مولود فجعل يأمر بقتل الأطفال فخافت أم دانيال عليه فجاءت إلى بئر فألقته فيه فأرسل الله له أسداً يحرسه وقيل إن بختنصر توهَّم ذلك في دانيال فضري له أسدين وجعلهما في الجُبِّ وألقاه فلم يؤذياه وصار يبصبصان حوله ويلحسانه فأقام ما شاء الله تعالى أن يقيم ثم اشتهى الطعام والشراب فأوحى الله تعالى إلى أرمياء بالشأم أن اذهب إلى أخيك دانيال يُحِبُّ كذا بمكان كذا قال أرمياء فسرتُ إلى ذلك الموضع فلما وقفت على رأس الجُبِّ ناديته فعرفني فقال مَنْ أرسلك إليَّ؟ قلت أرسلني الله إليك بطعام وشراب، فقال: الحمد لله الذي لا ينسى مَنْ ذَكَرَهُ والحمد لله الذي لا يخيب من قصده والحمد لله الذي وثق به لا يكله إلى غيره والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً وبالصبر نجاة وغفراناً والحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا، قال: ثم صعد به أرمياء من الجُبِّ وأقام عنده مُدَّةً ثم فارقه ورجع.

وحُكِيَ أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام مَرَّ بقبر دانيال عليه الصلاة والسلام فسمع منه صوتاً يقول سبحان مَنْ تعزَّز بالقدرة وقهر العباد بالموت، قال بعض الصالحين من قال هذه الكلمات استغفر له كل شئ.

وحُكِيَ أن إبراهيم بن أدهم كان في سفره ومعه رفقة فخرج عليهم الأسد فقال لهم قولوا أللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واحفظنا بركنك الذي لا يُرام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت رجاؤنا يا ألله يا ألله يا ألله، قال: فولى الأسد هارباً.

وقيل لَمَّا حمل نوح عليه الصلاة والسلام في سفينته من كل زوجين اثنين قال أصحابه كيف نطمئن ومعنا الأسد؟ فسلّط اللهُ عليه الحُمَّى وهي أول حُمَّى نزلت في الأرض ثم شكوا إليه المعذرة فأمر الله تعالى الخنزير فعطس فخرج منه الفأر فلمَّا كثر وزاد ضرره فشكوا ذلك لنوح عليه الصلاة والسلام فأمر الله سبحانه وتعالى الأسد فعطس فخرج منه الهر فحجب الفأر عنهم.

ويحرم أكل السبع لنهيه عليه الصلاة والسلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.

خواصه:
فمن خواصه أن صوته يقتل التماسيح وشحمه من طلى به يده لم يقربه سبع ومرارة الذكر منه تحل المعقود ولحمه ينفع من الفالج واذا وضعت قطعة من جلده في صندوق لم يقربه سوس ولا أرضة واذا وضع على جلد غيره من السباع تساقط شعره وهو من الحيوان الذي يعيش ألف سنة على ما ذكر وعلامة ذلك كثرة سقوط أسنانه.

(الإبل)
قيل ما خلق الله شيئاً من الدَّواب خير من الإبل إن حملت أثقلت وإن سارت أبعدت وإن حلبت أروت وإن نحرت أشبعت وفي حديث (الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) وهي من الحيوان العجيب وإن كان عجبه قد سقط لكثرة مخالطته الناس وقد أطاعها الله للآدمي وغيره حتى قيل أن قطاراً كان ببعض حبله دهن فمرَّت فأرة فجذبته فسار معها القطار بواسطة جذبها له وهي مراكب البر ولذلك قرنها الله تعالى بالسفن فقال تعالى: (وعليها وعلى الفلك تحملون) ولمَّا كانت مراكب البر والبحر فيه ما ماؤه قليل وما ماؤه كثير جعل الله تعالى لها صبراً على العطش حتى قيل إنه يرتع ظمؤها إلى عشر وفي الحديث (لا تسبوا الإبل فانها من نفس الله تعالى أي مما يوسع به على الناس) حكاه ابن سيده والذي يعرف لا تسبوا الريح فانها من نفس الرحمن.

قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان ليس لشيء من الطحول مثل ما للجمل عند هيجانه فإنه يسوء خلقه فيظهر زبده ويقل رغاؤه فلو حمل عليه ثلاثة أضعاف عادته حمل ويقل أكله ويخرج له عند رغرئه شقشقة لا تعرف من أي شيء هي من أجزائه وهو من الأحرار حتى قيل إنه لا ينزو لا على أمه ولا على أخته حتى قيل إن بعض العرب ستر ناقته بثوب ثم أرسل عليها ولدها فلما عرف ذلك عمد إلى أحليله فأكله ثم حقد على صاحبه حتى قتله وليس له مرارة ولذلك كثر صبره وقيل يوجد على كبده شيء رقيق يشبه المرارة ينفع الغشاوة في العين كحلاً وفي معدته قوة حتى أنها تهضم الشوك وتستطيبه.

ويحل أكله بالنص والإجماع وأمَّا تحريم يعقوب عليه الصلاة والسلام أكلها فباجتهاد منه وذلك أنه كان يسكن البوادي فاشتكى عرق النسا فلم يجد ما يلائمه إلا ترك أكل لحومها فلذلك حرَّمها وأمَّا انتقاض الوضوء بأكل لحمها فاختلف العلماء في ذلك فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض وعليه الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبَيُّ وابن عبَّاس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين وبه أخذ مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وخالف في ذلك أحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المنذر وابن خزيمة واختاره البيهقي وهو مذهب الشافعي القديم.

خواصه:
قال ابن زهير وغيره أكل لحمه يزيد في الباه وفي الإنعاظ بعد الجماع وبوله يفيق السكران ووبره إذا أحرق وذر على دم سائل قطعه وقراده إذا ربط على كم عاشق يزول عشقه.

(الأرضة)
بفتح الهمزة والراء، دويبة صغيرة كنصف العدسة تأكل الخشب والورق ولَمَّا كان فعلها في الأرض أضيف اسمها إليها قال القزويني إذا أتى على الأرضة سنة نبت لها جناحان طويلان تطير بهما ويُقال إنها الدَّابة التي دلّت الجن على موت سليمان عليه الصلاة والسلام ومن شأنها أنها تبني لنفسها بيتاً من عيدان تجمعها مثل بيت العنكبوت منخرطاً من أسفله إلى أعلاه وله في إحدى جهاته باب مربع ومنه تعلم الأوائل وضع النواويس لموتاهم والنمل عدوها وهو أصغر منها فيأتي من خلفها ويحتملها ويمشي بها إلى جُحره لأنه إذا أتاها مستقبلاً لا يغلبها.

(الأرنب)
حيوان شبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين يطأ الأرض على مؤخر قدميه وهو اسم يطلق على الذكر والأنثى وله شدة شبق وربما تسفد وهي حبلى ويكون عاماً ذكراً وعاماً أنثى ومن عجائبها أنها تنام وعيناها مفتوحتان فيأتي الصياد فيظنها مستيقظة وقيل مَنْ رأى أرنباً عند خروجه من بيته أول ما يخرج أو رآه عند قيامه من نومه واصطبح به لم تقض له حاجة في ذلك اليوم ومن عجيب أمره أن تحمل الأنثى منه باثنين وثلاثة وأربعة ولا تلد إلا تحت الأرض خوفاً على أولادها من الإنسان وتحفر تحت الأرض الحفائر القوية حتى أنها تخرب الجدران وعند ولادتها ينتحل شعرها وهي تحضن الأولاد إلى عشرين يوماً ومن طبعه إنه أبله وفيه قوة وشدة وفي سفاده حالة نزوة يصرخ الذكر والأنثى كالسنانير فإذا وقع منه الإنزال وقع على الأرض قليل الحركة وعند سفاده تدير له وجهها فإذا ملكها بعد ذلك فإنها تجري به وهو راكب عليها ويجري معها.

فائدة
ذكر ابن الأثير في الكامل أن صديقاً له أصطاد أرنباً وله أنثيان وذكر وفرج وقيل التقطت الأرنب تمرة فاختلسها الثعلب فأكلها فانطلقا يتخاصمان إلى الضب فقالت الأرنب يا أبا حسل، فقال سميعاً دعوتِ، قالت أتيناك لنختصم، قال عادلاً وحكيماً قالت فاخرج إلينا، قال في بيته يؤتى الحكم، قالت إني وجدت تمرة حلوة، قال فكليها، قالت اختلسها الثعلب، قال لنفسه بغي الخير، قالت فلطمته، قال بحقك أخذت، قالت فلطمني، قال اقتصِ، قالت فاقض بيننا، قال قد قضيت، فذهبت أقواله أمثالاً.

ومن ذلك ما حُكِيَ أن عدي بن أرطأة أتى شريحاً القاضي في مجلس حكمه فقال له أين أنت؟ قال بينك وبين الحائط، قال فاسمع مني، قال للاستماع جلست، قال إني تزوجت امرأة، قال بالرفاه والبنين، قال فشرط أهلها أن لا أخرجها من بينهم، قال أوف لهم بالشرط، قال فأنا أريد الخروج، قال الشرط أملك، قال أريد أن أذهب، قال في حفظ الله، قال فاقض بيننا، قال قد فعلت، قال فعلى مَنْ قضيت؟ قال على ابن أمك، قال بشهادة مَنْ؟ قال؟ بشهادة ابن أخت خالك.

الخواص
قال الجاحظ مَنْ علّق عليه كعب أرنب لم تضره عين ولا سحر وأكل دماغه يبرئ من الارتعاش العارض من البرد وإن شربت المرأة الحامل أنفحة الذكر ولدت ذكراً وإن شربت أنفحة الأنثى ولدت أنثى، وإن علقت عليها زبلها لم تحمل، والأرنب البحري من السموم فلا يحل أكله.

(السقنقور)
دابة شكلها كالوزغة إذا أخذت وسلخت وملحت وشربت منها مثقال زاد في الباه وهو من الأشياء النفيسة عند أهل الهند، يقال إنه يهدى إليهم فيذبحونه بسكين من الذهب ويحشونه من ملح مصر فإذا وضعوا منه مثقالاً على لحم أو بيض نفع نفعاً عظيماً

(الأفعى) الأنثى من الحيَّات والذكر أفعوان وهو يعيش ألف سنة على ما يُقال ويُعرف بالشجاع والأسود وهو أشر الحيَّات وأشرها حيات وأفاعي سجستان ومن عجيب ما يحكى عنها أنها لدغت إنساناً في رجله فانصدعت جبهته.

وحكي أنها نهشت ناقة وفصيلها يرضع فمات قبل أمِّهِ وقيل لَمَّا دخل شبيب بن شبة على المنصور قال له يا شبيب أدخلت سجستان؟ فقال له نعم قال صف لي أفاعيها قال يا أمير المؤمنين هي دقاق الأعناق صغار الأذناب مقلصة الرؤوس رتش برش كأنما كسين أعلام الحبرات كبارهن حتوف وصغارهن سيوف.

وقيل إنها تتدفن في التراب أربعة أشهر في البرد ثم تخرج وقد أظلمت عيناها فتمر بشجر الرازيانج وهو الشمر الأخضر فتحك عينيها به فيرجع إليها بصرها فسبحان من ألهمها ذلك.

وقال الزمخشري إذا عميت الأفعى بعد ألف سنة ألهمها الله تعالى أن تأتي البساتين وتلقي نفسها على هذه الشجرة وتحك عينيها بها فتبصر وقيل إذا قطع ذنبها عاد منا كان وإذا قلع نابها عاد بعد ثلاثة أيام وهي أعدي عدو للانسان.

وقال بعضهم رأيت حية قد ابتلعت كبشاً عظيم القرنين فجعلت تضرب به الحجارة يميناً ويساراً حتى كسرت القرنين وابتلعته وقرنيه والله تعالى أعلم، وقيل إذا قطع ذنب الحية تعيش إن سلمت من الذر، وقيل إن بالحبشة حيَّات لها أجنحة تطير بها وقيل إن جلدها ينسلخ عنها في كل سنة مرة وقيل إن الجلد لا ينسلخ وإنما الذي ينسلخ قشر فوق الجلد وغلاف يخلق لها كل عام.

وهي تبيض على عدد أضلاعها أي ثلاثين بيضة فيجتمع عليها النمل فيفسدها بقدرة الله تعالى إلا نادراً ومن عجيب أمرها أنها لا ترد المرء ولا ترده ولكنها إذا شمت رائحة الخمر فلا تكاد تصبر عنه مع أنه سبب هلاكها لأنها إذا شربت سكرت فتعرضت للقتل والذكر لا يقيم في الموضع وإنما تقيم الأنثى لأجل فراخها حتى تكتسب قوة فإذا قويت أخذتهم وإنسابت في أي جحر وجدته دخلت فيه وأخرجت صاحبه منه وعينها لا تدور وإذا قلعت عادت.

ومن عجيب أمرها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتقرب منها وتحب اللبن حباً شديداً وإذا دخلت بصدرها في جحر لا يستطيع أقوى الناس إخراجها منه ولو قطعت قطعاً وليس لها قوائم ولا أظفار وإنما تقوى بظهرها لكثرة أضلاعها.

وحكى عمر بن يحيى العلوي قال كنا في طريق مكة فأصاب رجلاً منا استسقاء فاتفق العرب أن سرقوا منا فطار جمال على أحدها ذلك الرجل قال ثم بعد أيام جمعتنا المقادير فوجدته قد برئ فسألناه عن حاله فقال إن العرب لَمَّا أخذوني جعلوني في أواخر بيوتهم فكنت في حالة أتمنى فيها الموت وبينما أنا كذلك إذ أتوا يوماً بأفاعي اصطادوها وقطعوا رؤوسها وأذنابها وشووها بعد ذلك فقلت في نفسي هؤلاء إعتادوها فلا تضرهم فلعلي إن أكلت منها مِتُّ فاسترحت فاستطعمتهم فأطعموني واحدة فلمَّا استقرت في بطني أخذني النوم فنمت نوماً ثقيلاً ثم استيقظت وقد عرقت عرقاً شديداً واندفعت طبيعتي نحو مائة مرة فلمَّا أصبحت وجدت بطني قد ضمر وقد انقطع الألم فطلبت منهم مأكولاً فأكلت وأقمت عندهم أياماً فلما نشطت ووثقت من نفسي بالحركة أخذت في الطريق مع بعضهم وأتيت الكوفة.

فائدة
قيل إن الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى وإنما وجد في زمانه وسببه أن كسرى كان ذات يوم جالساً في بعض متفرجاته إذا جاءته حيَّة فانسابت ين يديه وتمرَّغت وصارت تتقلب مثل الذي يشتكي فأراد بعض الجند قتلها فمنعهم الملك ثم قال لهم انظروا أمرها فلمَّا سمعت ذلك انسابت بين يديه فأمرهم أن يتبعوها إلى المكان الذي تريده، قال فجاءت إلى بئر وصارت تنظر فيه، قال فنظروا فإذا فيه حيَّة عظيمة وعلى ظهرها عقرب أسود، فنخسها بعضهم برمح فقتلها وتركوها ورجعوا فأخبروا الملك بذلك، فلما كان الغد جاءت الحيَّة للملك وفي فمها بزر فنثرته بين يدي الملك وذهبت، فقال الملك إنها أرادت مكافأتنا اجعلوه في الأرض لننظر ما يكون من أمره، قال ففعلوا ذلك فطلع منه الريحان، قال فلمَّا انتهى أمره أتوا به إلى الملك، قال وكان به زكام فَشَمَّهُ فبرئ.

لطيفة
من غريب ما اتفق لعماد الدولة أنه لَمَّا ملك شبراز اجتمع عليه أصحابه وطلبوا منه مالاً ولم يكن عنده ما يُرضيهم به فاغتمَّ لذلك ونام مستلقياً على قفاه مفكراً في ذلك وإذا بحيَّة عظيمة خرجت من سقف ذلك المجلس ودخلت في سقف آخر قال فطلب سُلّمَاً وصعد لينظر المكان الذي خرجت منه فلما رآه وجد كُوَّةً فنطر في داخلها فإذا هي مطمورة فدخلها فوجد فيها صندوقاً فيه خمسمائة ألف دينار فأمر بإخراجه وإنفاقه على عسكره.

ومن ألطف ما اتفق له أيضاً أنه كان بتلك البلد خيَّاط أطروش وكان الملك الذي قبله قد أودع عنده وديعة مال قال فطلبه عماد الدولة ليخيط له على عادته لأنه هو الذي يخيط للملوك قال فتوهَّم الأطروش أنه غمز عليه بسبب الوديعة فلمَّا حضر بين يدي عماد الدولة قال له إن فلاناً الملك لم يدع عندي سوى اثني عشر صندوقاً ولم أدر ما فيها، فأمر باحضارها فأحضرها فأخذها عماد الدولة ووسَّع بها على جنده، وتعجب من هاتين القضيتين فكانت هذه الأسباب من دلائل السعادة له.

وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل الحيَّات بعد أن تُنذر ثلاث مرَّات وقيل ثلاثة أيَّام، وأمَّا سكان البيوت فالانذار لها مُتَعَيَّنٌ، وفي الحديث: "مَنْ قتل حيَّة فكأنما قتل مُشركاً ومَنْ لبس خُفاً فلينفضه ومَنْ آوى إلى فراشه فلينظفه.

الخواص
يُقال أن دمها يجلو البصر وقلبه إذا علق على إنسان لا يؤثر فيه السحر وضرسها إذا علق على من به وجع الضرس سكن الأيمن للأيمن والأيسر للأيسر ولحمها قال بقراط الحكيم من أكله أمن من الأمراض الصعبة.

(الأنيس)
وتسميه الرماة الأنسية لأنه من طيور الواجب عندهم وهو طير له لون حسن غذاؤه الفاكهة ومأواه الأنهار والبساتين والغياض وله صوت حسن كالقمري.

(الأوز)
طير السباحة وفراخه تخرج من البيضة تسبح.

الخواص
في جوفه حصاة تنفع المبطون ودهنه ينفع من ذات الجنب وداء الثعلب إذا طلي به ولسانه ينفع لقطار البول وغذاؤه جيد إلا أنه بطيء الهضم.

(الإيل)
بتشديد الياء المكسورة، ذكر الوعل وله أسماء باختلاف اللغات، وهو يشبه بقر الوحش وإذا خاف من الصياد رمى بنفسه من رأس الجبل ولا يتضرر بذلك، وإذا لسعته حيَّة ذهب إلى البحر فأكل السرطان فيشفى.

خواصه
إن السمك يحب رؤيته وهو يحب ذلك، ولذلك أكثر ما يكون بقرب البحر والصيادون يعرفون ذلك فيلبسون جلده ليراهم السمك فيأتي لهم وهو مولع بأكل الحيَّات وربما لسعته فتسيل دموعه تحت محاجر عينيه حتى تصير نفرتين من كثرة ذلك ثم تجمد تلك الدموع فتصير كالشمع فتؤخذ وتجعل دواءً للسُّم وهو الذي يسمى بالبنزهير الحيواني وأجوده الأصفر وأكثر ما يكون ببلاد الهند والسند وفارس وإذا وضع على لسعة الحيَّات أبرأها وإن وضعه الملسوع في فيه نفعه.

وهذا الحيوان لا تنبت قرناه إلا بعد سنتين وينبتان في أول الأمر مستقيمين ثم بعد ذلك يحصل فيهما التشعب ولا يزال يزيد إلى ست سنين فحينئذ يصيران كنخلتين ثم بعد ذلك يلقيهما في كل سنة مرة ثم ينبتان.

قال أرسطو وهذا النوع يُصاد بالصفير والأصوات المُطربة فإنه يحب الطرب والصيادون يشغلونه بذلك ويأتونه من ورائه فإذا رأوه قد استرخت أذناه وثبوا عليه وقرنه مصمت وإحليله من عصب لا عظم فيه ولا لحم وهو من الحيوان الذي يزيد في السمن فإذا حصل له ذلك فَرَّ من مكانه خوفاً من الصيادين وحكمه حل أكله.

الخواص
إذا بخر بقرنه البيت طرد الهوام التي فيه وإذا أحرق واستاك به الذي به صفرة الأسنان زال ذلك عنه ومن علق عليه شيء منه ذهب نومه.

ومن خواصه أن دمه يفتت الحصاة التي بالمثانة شرباً والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.