القاعدة التاسعة والثلاثون: الاستعانةُ بِالصَّلَاةِ مِفتَاحُ الخَيْرَاتِ 3910
القاعدة التاسعة والثلاثون: الاستعانةُ بِالصَّلَاةِ مِفتَاحُ الخَيْرَاتِ
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
 
قال الله تعالى: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) (البقرة: 153).
تحدَّثنا فيما مَضَى عَن الصبرِ والحاجةِ إليهِ في شُؤونِنِا كلِّها، وبخاصّةٍ في الحياةِ الأُسْريَّةِ، وفي هذهِ الآيةِ فَتْحٌ جَديْدٌ فِي مَوْضُوعِ الصَّبْرِ، حيثُ تُقْرَنُ الاستعانةُ بهِ بالاستعانةِ بالصلاةِ، والنتيجةُ هي معيةُ اللهِ عز وجل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فالاستعانةُ بالصلاةِ بابٌ عظيمٌ جدًا، ولِهَذَا: (كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى)، هذَا كانَ دَيدَنَه عليه الصلاة والسلام، فينبغِي لكلِّ المتزوجينِ رجالًا ونساءً أنْ يَسْألوا أَنْفسَهم: كمْ مرةً منذُ زواجِهِم فزِعوا إلَى الصَّلاةِ كلَّما واجَهَتْهُم مشكلاتٌ عارضةٌ في حياتِهم الزوجيةِ؟

كمْ مرةً تَوجَّهُوا إلَى الله بصلاةِ ركعتينِ يَطْلُبونَ منهُ العونَ وأنْ يُحقِّقَ آمالَهمْ وأنْ يُسعِدَهمْ؟

كمْ مرةً قامُوا إلَى الصلاة يَطْلبُونَ منَ اللهِ أنْ يَرزقَهم الصبرَ الذيْ هوَ -كمَا يُقالُ- مِفْتَاحُ الفَرَجِ؟

وفي هذه الآيةِ الكريمةِ يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، وفي الآيةِ الأخرَى يقول الله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45) وهنا لفتةٌ عظيمةٌ جدًا متعلقةِ بالصبرِ، ففي بعضِ الأحيانِ قدْ يقولُ بعضُ الناسِ: ضَعُفْتُ عن الصبرِ، وقدْ يقولُ أنا أحبُّ الصبرَ ولكنْ لا أستطيعُ، وقدْ قالها لي كثيرون من أزواج وزوجات وأولاد، فأقول له ما قاله الله تعالى: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ).

فتكون النصيحةُ عندئذٍ بأنْ يَنْطلِقَ إلى الصلاةِ، فمن رزقه اللهُ الصبرَ رزقه العافيةَ، والنُّورَ والسعادةَ، (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) أي: الخاشعينَ للهِ الموقنينَ المؤمنين، ولذا مما ينبغِي أن يَسألَ الرجلُّ والمرأةُ نَفْسَيْهِما: كمْ مرةً لجأنا إلى الصلاةِ بعدَ مشكلةٍ مرتْ بنا، فصَلَّينا في خَلْوةٍ صلاةً خاشعةً، وسألْنَا اللهَ أنْ يُحقِّقَ لنا الفرج، وأن يُنزِلَ الصبرَ على القلوبِ، فيما يحدثُ وينوبُ في الحياةِ الأسريةِ والبيتيةِ؟

أحدُ الأحبةِ نابه من المشكلاتِ البَيتيةِ ومن أولادِه العَجَبُ العجابُ، فقلتُ له: ماذا فعلتَ؟

فأشارَ إلى سِجادةٍ في مَجلسِه وهو يقولُ: هذهِ السِّجادةُ!

فكان يفزع إليها فيصلّي ويستغفِرُ ويتوبُ، فأَحْدَثَ اللهُ في حياتِه معَ زوجِه وأولادِه منَ السعادةِ والصفاءِ الخيرَ الكثيرَ، فهذا هو السبيلُ: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، وفي آية أخرى يقول تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) (الذاريات) أي الجؤوا إلى اللهِ، فهو الذي عِنْدَهُ الفَرَجُ سبحانه وتعالى، فإذا حُقِّقَ هذا المعنَى العظيمُ معَ ما أُشِيرَ إليهِ مِنْ مَعانِي الدعاءِ والصلاةِ، فستكونُ حياةً أخْرَى مشرقة منيرةً، وتكونُ البيوتُ منازلَ سعادةٍ وأُنسٍ، ويكون الأمرُ على ما قالَ اللهُ تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم: 21).

وعلامةُ السَّكَنِ أنَّ الزوجَ إذا خرجَ منْ عندِ زوجِه لظروفِ الحياةِ العامةِ والخاصةِ تشتاقُ نفسُه ويَتلهَّفُ فؤادُه للرجوعِ إلى البيت والعودةِ إليْها، فهنا تكونُ الزوجةُ سكنًا، وإذا جلَسَ بجانبها شَعَرَ براحةٍ وأنسٍ وهذا سكنٌ أيضًا، فالسكنُ نوعان: سكنٌ قلبيٌّ وسكنٌ بدنيٌّ، ومن انشغلَ بالدعاءِ وبالاستعانةِ بالصبرِ والصلاةِ فسيرَى ما لا يخْطرُ على بالٍ.

المصدر:
http://www.almoslim.net/tarbawi/291169