(62) ماذا يترتب على إسلام اليابان؟
ذَهَبَ النَّاسُ مَذاهِبَ شتَّى في الحُكْمِ على النتيجة التي تكون من إسلام الأمَّة اليابانية، فمنهم مَنْ يقول إن إسلام هذه الأمَّة يُحْدِثُ انقلابًا هائلًا في كيان العالم الإسلامي بأجمعه، وهذا الانقلاب لابُدَّ من أن يؤثِّر تأثيرًا سيئًا في الإسلام، ولا حاجة بنا إلى تفصيل العلل التي استند عليها أهلُ هذا الرَّأي، ومنهم مَنْ يقول إن إسلام اليابانيين يُعِيدُ ماضي مجْدِ هذا الدِّين الذي طوته الأيام والليالي، ويُحْيِّي ما اندثر من معالم عِزِّهِ وتمكينه، ويغرسُ في نفوس الأمم جمعاء هيبة الإسلام كما كان في تلك العصور السَّالِفَةِ، ويُعلّلون هذا القول بأنَّ الأمَّة اليابانية هي الدولة الشرقية التي انفردت بسمُوِّ المنزلة، وعظم الجاه والمَهابَةِ في نظر كُلِّ الدول والحُكُومَاتِ في الشرق والغرب، فإذا أسلمت فلابُدَّ من أن ينضمَّ إليها مسلمو الصِّين والهند أيضًا لداعي الجوار فيتألّف مِنْ هذه الأمم الثلاث قوة إسلامية كُبْرَى في البر والبحر، وبذلك يعتزُّ العالم الإسلامي بأجمعه ويكون الميكادو في هذا الحين كصلاح الدِّين الأيوبي، ومَنْ ماثلهُ من مُلُوكِ الأندلس الذين أيَّدُوا مركز الخلافة ولم يؤثِّر استقلالهم فيها تأثيرًا يُذكَر، وتكون كُلُّ الممالك الإسلامية المستقلة مُتحدة الكلمة باسم الدِّين وإن كانت لم تجتمع تحت جامعة الحكم، وتكون طوكيو قبلة مسلمي الشرق الأقصى كما أن دار السعادة قبلة مسلمي الشرق الأدنى.
•••
ولقد حَادَثْتُ كثيرًا مِمَّنْ لقيتهم من أهل الصين والهند في هذا الصَّدد، فكُلٌ قال بهذا القول ولم يقل بما اعتقده الفريق الأول.

وأكبرُ دليل على أن إسلام اليابان لا خطر فيه، بل فيه كُلُّ الخير للجامعة الإسلامية هو:
•    أولًا: إنَّ الأمَّة اليابانية إنما بلغت هذه الدرجة من الاستعداد للأخذ بأسباب العُلُوِّ والرِّفعَة.

•    ثانيًا: إنَّ الدِّينَ الوحيد الذي تضمَّنتْ أحكامُهُ من العبادات والمعاملات كُلَّ ما به سعادة الأمم على تباين الأجناس والعوائد فهو بلا ريب يزيد في استعداد القوم إلى الرُّقي المادي والأدبي، والذي يؤيد هذا أنهم يبحثون عن الدِّين الموافق للعقل، فهم إذا قاموا بالشعائر الدِّينية لا يقومون بها بصفتها عبادات أو أوامر أو نواهي فقط، بل ينظرون إلى الحِكَم والمقاصد المًودَعَةِ في هذه العبادات والمُعاملات، ويعملون بها كما يؤدُّونها بصفتها شعائر دينية.

فإذا حَجَّ منهم أناسٌ كثيرون مثلًا واجتمعوا في تلك الأماكن المقدسة بغيرهم من المُسْلِمين سألوا كُلَّ أهل قُطر عن أحوالهم الاجتماعية، وعن كُلِّ باقي بلادهم من أسباب الحضارة وغير ذلك مما يزيدهم معرفةً بأحوال إخوانهم المُسْلِمين، وفي هذا من النفع العام ما لا يحصيه قلم وينفد دونه مداد المحابر.

وقس على هذا كُلَّ ما يتعلق بتأييد الجامعة الإسلامية، فإذا كانت أوروبا تتخوف من إسلام الأمَّة اليابانية، فما بالك إذا انضمَّ إليها الصين والهند وتصبح قوة عظمى في الشرق الأقصى تقف أمام الغرب، لا شكَّ أن أوروبا تكون في هذه الحالة كالريشة المعلقة في الفضاء من هذا الخطر الأصفر التي تعبر عنه بذلك، خصوصًا وأنه في هذا العهد الأخير ظهر في عالم الوجود شيء يقال له الجامعة الإسلامية التي لا تخلو أفكار الساسة من الجولان في أمرها، وكل يوم نسمع في الصحف شيئًا كثيرًا عن الكلام فيها.

هذا وإنَّ المُسْلِم الغيور على دينه المتغالي في سبيل إعزاز جامعته يودُّ بكُلِّ قلبه أن يصبح الدِّين الإسلامي هو الدِّين الرسمي لهذه الأمَّة الشرقية الحية ليعتزَّ بها جانب الدِّين، وتقوى بها شوكة المُسْلِمين، وما ذلك على الله بعزيز.