(55) الصوم:
هو الإمساك عن الغذاء وما في حكمه مما يسد الرمق وعن الجماع، وكأن الله -سبحانه وتعالى- يشير إلى أن إذلال النفس منعها عن أهم شيء مقوِّم للحياة وهو الغذاء لكي يبعدها عن الشرِّ، ويدرِّبها على احتمال الحيلولة بينها وبين شهواتها، وفيه إشارة أيضًا إلى أن الجوع القليل مفيد للصحة؛ لأن الشهوة في الغالب لا تتفق إلَّا عند امتلاء البطن واكتظاظها بالأكل، وفي هذا من الضرر ما لا يخفى.

وقد فُرِض الصوم في شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن، وفي الصوم في هذا الشهر فوائد عظمى؛ إذ يترك فيه المُسْلِمون ما كانوا يباشرونه من أنواع المعاصي فيصلي تارك الصلاة، ويحرم الكأسَ شاربُ الخمر، ويخرج الصدقة البخيل، ويطعم الطعام المسكين، واليتيم، والأسير وهلم جرًّا، وهو أحد أركان الإسلام الخمس.

وقد أراد الشارع في الصوم حكمة أخرى، وهي حَثُّ المُسْلِمين على أداء الأمانة لأهلها، وكذلك أن المُسْلِم إذا حبس نفسه عن الطعام إطاعةً لأمر الله تعالى، كان ذلك بمنزلة إيداع الأمانة، فإذا وُجِد المُسْلِم في بيته منفردًا وعنده الغذاء ومنع نفسه عن تناوله مع أنه لو تناول منه لا يعلم به أحدٌ كان ذلك بمنزلة حفظ الأمانة في وقت لو لم يحفظها لما عرفه أحد، ولما أثبت عليه أحد اختلاسها، وفي هذا أيضًا مخالفة للشيطان؛ لأنه أكثر وسوسةً للإنسان بفعل المنكر إذا اختلى المرء بنفسه وآمن من اطلاع أحد عليه، فإنه في هذه الحالة يجتهد في الوسوسة والإغراء، فمخالفته مخالفة للنفس الأمارة بالسوء، فهذه الفضائل كلها يحثُّ عليها الصوم ولا غنى للمرء بالتحلِّي بها.