(41) الإسلام:
لَمَّا أخذنا نُوقِفُ اليابانيين في جلسات جمعيتنا على حقيقة الدِّين الإسلامي وما يَرمي إليه، وكُنَّا في هذه الحالة لا نخرج بهم إلى التطويل، بل كل ما بَيَّنَاهُ لهم هو باختصار بالغ النهاية، وأوَّلُ شيءٍ عرفوه هو الإسلام بطريقةٍ سهلةٍ وها هو معناه بالإجمال: إنَّ هذا الدِّين الذي بُعِثَ به النبي محمد -صلى اللهُ عليه وسلم- جَاءَ ناسخًا لِكُلِّ الشَّرائع المتقدمة التي بُعِثَ بها الأنبياء والمُرسلونَ مِنْ قبل، وقد حَوَى هذا الدِّين كُلَّ ما فيه مصلحةُ الخَلْقِ في حياتهم ومَعَادِهِمْ وسعادتهم وإرشادهم إلى سبيل الخيرات والعقائد الصحيحة والتهذيب للنُّفُوسِ والأخلاق الفاضلة، كما في قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ".

ولَمَّا كان هذا الدِّينُ نَاسِخًا لِكُلِّ دِينٍ تَقَدَّمَهُ، وكان لم يزل من الناس مَنْ هو مُتَدَيِّنٌ بِدِينٍ غيره أقامَ اللهُ الحُجَّةَ عليهم بقوله: "إِنَّ الدِّين عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ"؛ أي إنَّ كُلَّ مَنْ لم يتبع الإسلام فهو كَافِرٌ باللهِ ورَسُولِهِ وبالكتاب الذي أنْزِلَ من عنده، وقد شَدَّدَ اللهُ الوعيدَ لِمَنْ حَادَ عنه وتَدَيَّنَ بغيره، وأنذره بالخُسرانِ المُبين يوم القيأمَّة؛ إذ يقول تعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، وقوله تعالى: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ".

أمَّا مَنْ أسْلَمَ طَوْعًا؛ أي انقاد إلى التَّصديق بهذا الدِّين طَائِعًا فهو الذي وُهِبَ العقلَ والإدراكَ ومُنِحَ من نُورِ البصيرة، فَعَرَفَ أنَّهُ الدِّين الصَّحيح ولم يَرْتَبْ في شيءٍ منه، فَآمَنَ باللهِ واليوم الآخر وصَدَّقَ الرَّسُولَ الذي جاء به والقرآن المُنَزَّلُ بأحكامِهِ، وأمَّا مَنْ أسْلَمَ كَرْهًا فهو الذي ارتاب فيه ثُمَّ جاءت الأدِلّةُ والبراهينُ قاطعةً بِحُجَّةٍ دَامِغَةٍ لِكُلِّ ارتيابٍ في قلبه، حتى انقاد مقهورًا بالحُجَّةِ إلى الاعتراف بأنَّهُ الدِّين الصَّحيحُ، وأنَّهُ الرَّسُولُ المُرْسَلُ به من عند اللهِ حَقًّا وأنَّ القُرْآنَ هو كلامُ اللهِ صِدْقًا.

وقَدْ أنْكَرَ اللهُ تعالى على الذين لم يَتَّبِعُوهُ لا طَوْعًا ولا كَرْهًا؛ حيث قد أسْلَمَ وآمَنَ به الذين لم يرتابوا فيه طَوعًا بلا جِدَالٍ، والذين ارتابوا أوَّلًا ثُمَّ قُهِرُوا بالحُجَّةِ بَعْدَ الجِدَالِ منهم فاعترفوا وصَدَّقُوا، ومَنْ كان يَجِدُ في نفسه منهم مقاومَةً للحَقِّ، فإنَّ ذلك لا يتجاوَزُ الصَّدْرَ ولا تنطق به الشفتان، ولَمَّا كان الدِّين هو عبارة عن طاعةِ اللهِ تعالى والعمل بأوامره والابتعاد عن كُلِّ ما نهى عنه فقد حَثَّ اللهُ -جَلَّ شَأْنُهُ- على الاستمساك بعُرْوَتِهِ الوُثقى كُلَّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ، وذلك كما جاء في قوله تعالى: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّين وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"، والذي وصَّى به اللهُ تعالى هؤلاء الأنبياء والمُرسلين أولِي العَزْمِ هو عبادته وتوحيده والوقوف عند كُلِّ حدٍّ رسمه لهم الدِّين الذي جَاءَ به كُلُّ نبَيِّ منهم، وقد ذَكَرَ اللهُ ذلك في غير هذا المَوْضِعِ من القرآن الكريم؛ حيث قال وهو أصْدَقُ القائلينَ: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ"، وكما أنه تعالى ارتضى هذا الدِّين ولم يَرْضَ غيره أنذر كُلَّ مَنْ سَعَى في العبث به والتفرقة فيه وعطَّلَ حدوده وأمَرَ بالتبرئة منه، وشَدَّدَ عقابه في الآخرة؛ حيث يقول: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".

وقد أخْبَرَ اللهُ تعالى في التوراة والإنجيل بأنه سيأتي رَسُولٌ في آخر الزمان بدين الإسلام، ولكن الذين تَدَيَّنُوا بالمسيحية، والذين حَرَّفُوا الإنجيل والتوراة حذفوا منه هذا النَّبَأ لِئَلّا يُفْسِدَ عليهم ما نزعوا إليه من الضلال والتضليل مثل ما فعلوا في كثير من المواضع التي حَرَّفُوا فيها الكَلِمَ عن مواضعه وذلك كما جاء في قوله تعالى: "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ".